
أوروبا الشرقية ضائعة.. من المتهم؟
خلال احتفالات عيد النصر في التاسع من أيار/ مايو، احتفلت روسيا بالذكرى الثمانين ليوم النصر على ألمانيا النازية بمشاركة 29 من رؤساء وزعماء الدول حول العالم، عدا عن مشاركة وفود من عشرات الدول الأخرى.
وكان اللافت في الأمر هو مقاطعة زعماء الدول الغربية وعلى رأسها الدول الأوروبية لهذه الاحتفالات، على الرغم من أنه بنتيجة يوم النصر فإن الاتحاد السوفياتي حرّر أوروبا من شر النازية.
وقد وصل الحد بالدول الأوروبية إلى أنها أغلقت أجواءها أمام طائرات رؤساء الدول لعرقلة وصولهم إلى موسكو والمشاركة في يوم النصر.
على الرغم من ذلك فقد كان لافتاً حضور رئيسي وزراء سلوفاكيا وهنغاريا الاحتفالات، في خرق للمقاطعة الأوروبية للاحتفالات في موسكو. وقد شكل هذا دليلاً جديداً على اتباع سلطات البلدين مساراً مستقلاً في السياسة الخارجية من منطلق ما تعتبران أنه يصب في خدمة مصالح مواطنيها، وذلك على الرغم من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حكومتي البلدين.
والجدير ذكره أن رئيسي هاتين الدولتين يناهضان السياسات المعادية لموسكو التي تنتهجها واشنطن وبروكسل، ويعارضان الحرب بالوكالة، والتي يشنها الغرب على روسيا من خلال أوكرانيا، ويدعوان إلى حل سريع للأزمة الأوكرانية وإعادة التواصل مع موسكو.
ورغم اتهامات الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى لرئيس الوزراء الهنغاري ف. أوربان ورئيس الوزرء السلوفاكي ر. فيكو بالانحياز الى روسيا، إلا أن موقف رئيسي الحكومتين ينبع من منطلق مستقل يبغي تحقيق المصالح السلوفاكية والهنغارية.
فسلوفاكيا وهنغاريا، كما هي حال معظم الدول الأوروبية، تعتمدان على موارد الطاقة الروسية الرخيصة الثمن. كذلك فإن حكومتي البلدين تراهنان على شراكة مع روسيا تضمن تنمية اقتصاديهما الوطني بما يؤمن مستوى معيشياً لائقاً لشعبيهما.
هذا جعل حكومتي البلدين عرضة للضغوط والتهديدات الغربية وهو ما اعترف به خبراء غربيون مستقلون، إذ أشارت الخبيرة في العلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا، س. تايلور، إلى أن "هنغاريا وسلوفاكيا، في دفاعهما عن أمنهما في مجال الطاقة، يجب أن تكونا مستعدتين للمخاطر والعواقب المحتملة للتعاون مع روسيا". وقد ترجمت هذه التهديدات بمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا، ر. فيكو، والتي نجا منها بأعجوبة. اليوم 11:04
22 أيار 13:35
ويتعرض قادة البلدين لضغوط شديدة من شركائهما الأوروبيين الذين لجأوا إلى إجراءات جذرية عقابية ضد سلوفاكيا وهنغاريا لتطويع رئيسي حكومتيهما، حيث لجأت كييف إلى منع عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا باتجاه هنغاريا في ما اعتبره مراقبون أنه معاقبة لبودابست "لانحرافها عن السياسات الأميركية المملاة على الدول الأوروبية لجهة اعتماد سياسة عدائية تجاه روسيا."
إضافة إلى ذلك، تواصل بروكسل الضغط على هنغاريا، ما يحد من حقها في إدارة سياسة الهجرة الخاصة بها، كما صرّح وزير الخارجية ب. سيارتو مرارًا وتكرارًا.
هذا الموقف من قيادة الاتحاد الأوروبي بات يعرّض الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لبودابست للخطر، ما يحد من حقها في تطبيق الجمارك السيادية ومراقبة نقاط التفتيش الحدودية الخاصة بها. وتُظهر هذه الإجراءات بوضوح سياسة واشنطن "الإمبريالية" تجاه الدول الأعضاء "الأقل امتيازًا" في الاتحاد الأوروبي، والتي لا تأخذ في الاعتبار عواقب القرارات التي تفرضها السلطات الأميركية.
كل هذا يؤكد أن واشنطن وبروكسل مستعدتان للتضحية باقتصاد "حلفائهما" من أجل تحقيق أغراضهما السياسية القاضية بمنع إقامة علاقات طيبة بين دول أوروبية وروسيا.
إلا أن الحكومتين الهنغارية والسلوفاكية لديهما موقف ثابت لجهة التعاون مع موسكو. فبالنسبة إلى هنغاريا وسلوفاكيا، لا يوجد بديل عن روسيا كشريك تجاري، إذ إن الاستغناء عن موارد الطاقة الروسية سيؤدي إلى زيادة في تكاليف الطاقة في البلدين في حال شراء النفط والغاز من الأسواق العالمية. وهذا سيتطلب إعادة هيكلة البنية التحتية للطاقة بالكامل، بما قد يؤدي إلى أزمة عميقة في البلدين، على غرار ما يحصل في دول أوروبية أخرى.
في مقابل رفض سلوفاكيا وهنغاريا الانصياع لسياسات واشنطن وبروكسل، فإن خضوع رومانيا وبولندا للإملاءات هذه أدى إلى تفجر أزمة عميقة فيهما.
فبالنسبة إلى بولندا، فإن دعم حكومتها للحرب في أوكرانيا ضد روسيا جعلها تفقد مصادر الطاقة الروسية، ما دفعها للجوء إلى الأسواق العالمية، وهو ما رفع كلفة المحروقات والطاقة بشكل عام، في ظل أزمة اقتصادية عميقة تشهدها البلاد. وما فاقم من الأزمة هو وجود مليوني لاجئ أوكراني على الأراضي البولندية، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على وارسو.
والجدير ذكره أن البولنديين وجدوا أنفسهم ضحية الوعود الكاذبة التي أطلقتها حكومات الدول الأوروبية المقرّرة في الاتحاد الاوروبي، كألمانيا وفرنسا، اللتين مارستا ضغوطاًُ على وارسو لإغلاق الحدود أمام اللاجئين الأوكرانيين وإبقائهم في بولندا، حتى لا ينتقلوا إلى ألمانيا وفرنسا.
وعلى الرغم من الوعود بدفع مساعدات لوارسو، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، ما ألقى بعبء إيواء النازحين الأوكرانيين على عاتق الحكومة البولندية. هذا حوّل موضوع اللاجئين إلى مادة السجال الأولى في الانتخابات البولندية التي تُجرى خلال شهر أيار/ مايو، في ظل نقمة شعبية بولندية على بروكسيل، لعرقلتها حل الأزمة الأوكرانية بما يسمح بإعادة اللاجئين الأوكرانيين إلى بلادهم.
الأمر نفسه حصل في رومانيا التي وجدت نفسها تتكبد أكلافاً كبيرة على شراء النفط والغاز من الأسواق العالمية، بأضعاف الأسعار التي كانت تدفعها لقاء شراء النفط والغاز الروسيين، ما أدى إلى تفجّر أزمة اقتصادية فيها، أسهمت في صعود تيار اليمين الرافض للإملاءات الأوروبية الغربية والأميركية.
وقد ترافق ذلك مع معاناة رومانيا من أزمة لجوء أوكراني، ولو بدرجة أقل من معاناة البولنديين من اللجوء الأوكراني. وكادت بوخارست تحذو حذو بودابست بإيصال رئيس مستقل عن إملاءات بروكسيل وواشنطن، لولا تدخل هاتين الأخيرتين وممارستهما ضغوطاً لإلغاء الدورة الأولى من الانتخابات التي فاز فيها مرشح يدعو إلى علاقات طيبة مع موسكو، وإيصال آخر يقبل بالسياسات الأميركية والأوروبية المعادية لموسكو.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 37 دقائق
- LBCI
ترامب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة سلسلة من الأوامر التنفيذية لتعزيز الطاقة النووية في الولايات المتحدة، تشمل إلغاء الإجراءات التنظيمية المتعلقة بتقنية لا تزال تثير جدلا. وقال ترامب للصحفيين أثناء توقيعه الأوامر الأربعة في المكتب البيضوي: "نوقع اليوم أوامر تنفيذيةً هائلة ستجعلنا القوة الفعلية في هذه الصناعة".


الميادين
منذ 43 دقائق
- الميادين
روسيا: مستعدون لتقديم مسودة تسوية لأوكرانيا بعد استكمال تبادل الأسرى
أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم الجمعة، استعداد بلاده لتسليم كييف "مسودة وثيقة لتسوية الأزمة بمجرد اكتمال عملية تبادل الأسرى". وأكّد لافروف التزام روسيا بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها مؤخراً في إسطنبول بين وفدي روسيا وأوكرانيا، وقال: "نُكمل حالياً أعمالنا التحضيرية لإعداد قائمة بأسماء الأسرى الذين سيتم تبادلهم على أساس ألف مقابل ألف". وكشف أن روسيا تعمل بنشاط على الجزء الثاني من الاتفاقيات، الذي ينص على أن يعد كل طرف مسودة وثيقة تحدد شروط التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام وطويل الأمد بشأن التسوية. اليوم 17:48 16 أيار وأكد الوزير الروسي أنه "بمجرد اكتمال عملية تبادل أسرى الحرب، سنكون مستعدين بحلول ذلك الوقت لتسليم الجانب الأوكراني مسودة هذه الوثيقة". وأشار لافروف، إلى أن موسكو تنتظر رد فعل الأمم المتحدة على هجمات كييف على أهداف مدنية وانتهاك أوكرانيا لمبادئ الحرب. وأضاف أن "رد فعل الأمم المتحدة يُظهر عدم رغبة أو عجزاً عن الاسترشاد بمسؤولياتها المباشرة، وفي المقام الأول بمبادئ ميثاق المنظمة". وأفادت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، بأن 270 عسكرياً و120 مدنياً عادوا إلى روسيا في إطار عملية تبادل تم الاتفاق عليها مع أوكرانيا.


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
بوتين: يتعين على روسيا تعزيز مكانتها في سوق السلاح العالمية من خلال زيادة صادراتها من الأسلحة
شدّد الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين على أنّه يتعين على بلاده تعزيز مكانتها في سوق السلاح العالمية من خلال زيادة صادراتها من الأسلحة. وقال في تصريحات أذاعها التلفزيون إنّ المجمع العسكريّ في البلاد يحتاج إلى مزيد من الدعم الحكوميّ لتطوير إمكاناته. ولفت إلى أنّ "محفظة طلبيات المنتجات العسكرية الروسية أصبحت الآن ضخمة وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات. من الضروري زيادة حجم شحنات التصدير بشكل فعال". وأشار إلى الأسلحة التي تستخدم الذكاء الاصطناعيّ، قائلا "مستقبل سوق الأسلحة العالمية يكمن في هذه التكنولوجيا، ستبرز هنا منافسة شرسة تتضح معالمها بالفعل، وعلينا أن نكون مستعدين لها".