
"لقلة الدعم"..أعلنت تايلاند الحرب على فرنسا بالقرن الماضي
بداية من يوم 10 أيار (مايو) 1940، باشرت القوات الألمانية تدخلها بأراضي كل من بلجيكا ولكسمبورغ وهولندا وفرنسا في خضم الحرب العالمية الثانية.
وبعد مضي نحو شهر ونصف، اضطرت فرنسا للاستسلام تحت وطأة التقدم الألماني السريع داخل أراضيها. ومع توقيع اتفاقية استسلامها، ظهرت بفرنسا حكومة فيشي (Vichy) التي تزعمها المارشال فيليب بيتان (Philippe Pétain). وقد مثلت هذه الحكومة حينها سلطة عميلة للألمان حيث اتجهت للتخابر مع النازيين.
إلى ذلك، عانت حكومة فيشي من ويلات انهيار البلاد أمام التقدم الألماني. وبمناطق مستعمرة الهند الصينية الفرنسية، اضطرت حكومة فيشي لمواجهة أطماع التايلنديين. وبسبب ذلك، اندلعت حرب بين الطرفين نتج عنها تدخل مباشر، بمفاوضات السلام، من قبل اليابانيين الذين نجحوا في استغلال الموقف لصالحهم.
أسباب الحرب ونقص الدعم الفرنسي
مستغلة هزيمتهم على الساحة الأوروبية أمام الألمان، اتجهت اليابان خلال شهر أيلول (سبتمبر) 1940 للتدخل عسكريا بالهند الصينية الفرنسية. وبعد عمليات قتالية استمرت لأيام، قبل الفرنسيون بالسماح لليابانيين باستغلال قواعد عسكرية موجودة بمستعمرتهم.
أمام هذا الوضع، تحدث رئيس وزراء تايلند المارشال بلايك فيبونسونغكرام (Plaek Phibunsongkhram) عن استحالة صمود الفرنسيين بالهند الصينية أمام غزو تايلندي بسبب افتقارهم للإمدادات والدعم الذي حصلوا عليه بالسابق من باريس. وانطلاقا من ذلك، اتجهت تايلند للتدخل عسكريا بهذه المستعمرة الفرنسية المجاورة بهدف انتزاع عدد من الأراضي منها.
حسب التقديرات حينها، امتلك الفرنسيون بالهند الصينية 50 ألف عسكري كان من ضمنهم 12 ألف فرنسي فقط حيث مثل الباقون مجندين من المستعمرات. وقد نظمت هذه القوات ضمن 41 فرقة مشاة وتلقت دعما من فرقتي مدفعية و20 دبابة رينو إف تي (Renault FT) قديمة الصنع و100 طائرة. وفي المقابل، جهّز التايلنديون جيشا تكون من 60 ألف جندي مدعوم بحوالي 100 دبابة وفرق مدفعية مجهزة بمدافع حديثة إضافة لما يزيد عن 140 طائرة عسكرية كان جلها طائرات يابانية حديثة الصنع.
على الرغم من عدم تحقيقهم لنصر حاسم، تمكن التايلنديون من النجاح تكتيكيا حيث تمكنت قواتهم من مواجهة الفرنسيين وتكبيدهم خسائر فادحة بالمعارك التي استمرت ما بين شهري تشرين الأول (أكتوبر) 1940 وأواخر يناير 1941. ومع تخوفهم من إمكانية نفاد ذخائرهم وعدم حصولهم على دعم كاف مال الفرنسيون نحو السلام.
اتفاق سلام وتدخل ياباني
على الرغم من دعمها للتايلنديين، عرضت اليابان وساطتها لإنهاء الأزمة بين الطرفين. وبوساطة يابانية تم يوم 28 يناير 1941 التوصل لوقف إطلاق نار. وعلى متن السفينة اليابانية ناتوري (Natori) يوم 31 من الشهر نفسه، وقع التايلنديون والفرنسيون على وقف إطلاق نار رسمي وتعهدا بالبدء بمفاوضات سلام.
أملا في الحفاظ على مصالحها بالمنطقة، تدخلت اليابان بشكل مباشر باتفاقية السلام، التي وقعت يوم 9 مايو (أيار) 1941، فأجبرت الفرنسيين على تسليم مناطق من لاوس وكمبوديا الحالية لتايلند بينما فرضت على الأخيرة دفع مبلغ 6 ملايين قرش تجاري للفرنسيين كتعويض. وباتفاق شفوي وسري، وعدت تايلند بالسماح لليابانيين بعبور أراضيها للتدخل بالمستعمرات البريطانية مستقبلا.
إلى ذلك، نكث رئيس وزراء تايلند المارشال بلايك فيبونسونغكرام بوعده لليابانيين خلال الأشهر التالية واتجه للتقرب من البريطانيين والأميركيين. ويوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 1941، عمدت القوات اليابانية للتدخل عسكريا بتايلند. وبعد ساعات قليلة من العمليات القتالية، قبل رئيس وزراء تايلند بالشروط التي فرضها عليه اليابانيون واتجه للتحالف مع اليابان لحدود العام 1945.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
وزير خارجية النرويج: الاعتراف الدولي بفلسطين يساهم في حل النزاع مع إسرائيل
اعتبر وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، الأحد، أن العناصر الرئيسية لحل النزاع بين إسرائيل وفلسطين يجب أن تكون عبر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بالإضافة إلى التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وكذلك بناء الدولة الفلسطينية بناءً فعلياً على أن تكون قادرة على إدارة قطاع غزة على المدى الطويل. وأضاف إيدي، في تصريحات لـ"الشرق": "لدينا ضمانات أمنية متبادلة لفلسطين وإسرائيل"، مؤكداً أن "الوضع سيكون أفضل بكثير عند إنهاء الحرب على غزة، والدخول في عملية سياسية"، معتبراً أن "ذلك يساعد إسرائيل في أن تكون دولة مقبولة من قبل جيرانها في المنطقة، بالإضافة إلى أنه يمكن لفلسطين أن تتمتع بحقها في إدارة بلدها بحرية وسيادة". وأشار وزير الخارجية النرويجي إلى أن المملكة العربية السعودية وفرنسا يقودان التحالف الدولي لإقامة دولة فلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، معتبراً أن الاجتماعات المنعقدة في مدريد ضمن مجموعة الاتصال للتحالف. وتابع وزير الخارجية النرويجي أن "العمل الحالي مع مجموعة مدريد يقوم على المناقشة فيما بيننا، وكذلك مع الحكومة الفلسطينية للخطوات التالية، إذ نتطلع إلى اجتماع يُعقد في نيويورك في يونيو المقبل، والذي دعت إليه المملكة وفرنسا والعديد من الدول لمناقشة هذه القضية بنطاق واسع، لا سيما وأن القطاع يعيش وضعاً كارثياً". "إنهاء حرب غزة" كما شدد على "أهمية التوصل إلى إنهاء الحرب على غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع"، مؤكداً على أن "الجهود الحالية تتمثل في الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، مؤكداً أنه "يعمل مع الأوروبيين لتحقيق هذا الاعتراف بعد أن اعترفت النرويج، وإسبانيا، وإيرلندا، وسلوفينيا بدولة فلسطين العام الماضي". وذكر وزير الخارجية النرويجي أن دول ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، انضمت لاجتماعات مدريد، ضمن الجهود الواضحة للدعم الدولي للقضية، على الرغم من أنهم لم يعترفوا بدولة فلسطين، معتبراً أن هذا الفضل يرجع للتحالف العربي الأوروبي. وأشار وزير الخارجية النرويجي إلى أنه ليس لديه أي توقعات بمدى إمكانية أن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية هذا الصيف، معتبراً أن "الأمر متروك لهم"، مبيناً أن "العديد من البلدان الأخرى ستتبعها في حال قررت اتخاذ نفس هذه الخطوة". وبشأن الرسالة التي يود إرسالها للعالم، بعد اجتماع مدريد قال إن "الوضع في غزة سيء.. إنها كارثة إنسانية". الالتزام بحل الدولتين وفي وقت سابق الأحد، قال وزير خارجية النرويج إنه أكد مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان أثناء لقائهما في مدريد الالتزام بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وأضاف إيدي عبر منصة "إكس": "في مدريد اليوم، كان لي لقاءٌ مُثمرٌ مع صديقي وزميلي الأمير فيصل بن فرحان. أكدنا التزامنا المشترك بحل الدولتين العادل والدائم، وهو السبيل الوحيد المُمكن لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة". وانطلق الاجتماع الموسع بشأن "حل الدولتين" في العاصمة الإسبانية مدريد، في وقت سابق الأحد، والذي يضم عدداً من الوزراء الأوروبيين والعرب، فيما دعت إسبانيا إلى فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، من أجل وقف الحرب على غزة. وشارك في هذا الاجتماع وزراء خارجية 20 دولة، أي أكثر من ضعف عدد المشاركين في الاجتماع السابق، وفق ما أوردت صحيفة "إل باييس" الإسبانية.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
فرنسا و«الإخوان»
تثير التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تساؤلاتٍ عن أهمية التقرير الصادر عن نشاطات جماعة «الإخوان المسلمين» داخل فرنسا، ودوافعه، وتوقيته. وهي التساؤلات الأساسية المصاحبة لكل تطور سياسي. هل الموضوع شأن داخلي تعبر فيه القيادة الفرنسية عن تخوفاتها من تغلغل الجماعة داخل صفوف المسلمين في فرنسا، وأثرها على التوجه العلماني للدولة؟ أم أن له بعداً جيوستراتيجياً أوسع يأخذ في الاعتبارات صعود نفوذ الإسلام السياسي في سوريا؟ المنظور الرسمي في باريس يقدم الموضوع على أنه تطور طبيعي لانتباه القيادة الفرنسية إلى خطر تغلغل الجماعة. حسب التقرير، تسيطر الجماعة بشكل مباشر على 7 في المائة من المساجد والمراكز الإسلامية يتردد عليها 91 ألف مصل منتظم. كما تمد نشاطها إلى الجماعات الثقافية والمراكز الرياضية والمدارس. وخلال الفترة من 2019 إلى 2024 تضاعف عدد أفراد الجماعة داخل الدولة. وسبق للرئيس الفرنسي أن تحدث عن هذا الخطر من زاوية أخرى، أشار فيها إلى التحالف الإسلامي اليساري وتغلغله في الأكاديميا. والحديث برمته لا يخرج أيضاً عن اتجاه عام في أوروبا والولايات المتحدة يحذر من خطر تغلغل الإسلام السياسي. كما يرتبط باعتبارات سياسية داخلية تتعامل مع صعود ملف الهجرة إلى أولويات الناخب الأوروبي، والاتجاه نحو اليمين الذي لم تكن فرنسا بمنأى عنه. هذا التفسير لا تعوزه الأدلة، حتى لو فتحنا المنظور ليشمل أبعد من فرنسا. بريطانيا على سبيل المثال، ورغم أن حكومتها الحالية عمالية ذات صلات تاريخية بمجتمعات المهاجرين، تتجه في الآونة الأخيرة إلى تشديد قوانين الهجرة ووضع مزيد من الاشتراطات الثقافية على اللوائح المنظمة للمواطنة. وفقاً لهذا التفسير، فإن ما نشهده محاولة مشروعة من الدولة الفرنسية لاستعادة زمام المبادرة، وفرض احترام قوانينها وقيمها، وتحصين مجتمعها ضد تأثيرات سلبية تهدد التماسك الوطني. على الجهة المقابلة، التشدد في التصريحات لا يعني دائماً جاهزية الإجراءات. فلماذا تُرفع السرية عن تقريرٍ لم تُصَغْ السياساتُ المتعلقةُ به بعد؟ هذا ما يجعل المتابعين يبحثون عن دوافع محتملة أخرى تبرر خروج تصريحات بشأن هذا الملف في توقيت معين. لنعد إلى السؤال الذي سبق الإشارة إليه عن احتمال وجود دافع سياسي أوسع من حدود فرنسا، وربما يتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، وتلويح فرنسا ودول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية. نتائج المشاريع السابقة، التي لعب دور البطولة فيها «الإخوان المسلمون»، لم تفِ بالنتائج التي روجها السياسيون الغربيون لمواطنيهم. كما لم تعمل أداة جذب عكسي للمهاجرين من أوروبا إلى الشرق الأوسط، على العكس، ارتبطت بزيادة موجات الهجرة وزيادة الاضطرابات. وبالتالي أثبتت المشاريع السابقة أن «الإخوان المسلمين» ليسوا بالقوة التي صوروا أنفسهم عليها. انحسروا في تونس ومصر ولم تستقر لهم الأمور في ليبيا. كما توترت علاقة الغرب بحلفائه في المنطقة. الدافع الإضافي في إعادة النظر إلى صلاحية جماعة «الإخوان المسلمين» كشريك سياسي للغرب كان عالمية الدعوة وارتباطهم الهيكلي العابر للحدود. تدفعهم طبيعة التنظيم تلك إلى مساومة القضايا الداخلية، أي تحويلها من شأن داخل حدود دولة وطنية إلى قضية عابرة للدول. سواء بتجييش الأقليات المسلمة أو بتنظيم النشطاء الطلابيين. من الملاحظ في هذا الصدد أن عدة دول غربية تحركت ضد المؤسسات التعليمية التي تنشط فيها جماعة «الإخوان» بإجراءات تستهدف التأشيرات أو حجب التمويل. ساهمت أحداث 7 أكتوبر في إحياء هذه المخاوف، ومن وجهة نظري بدأت كتابة فصل الختام في فشل صفقة «الإخوان» مع الغرب في الحقبة الحالية. وقدمهم كقوة تضمر الشر لمساعي السلام في المنطقة. في النهاية لا نملك الجزم بالدوافع الفرنسية. العنصر الداخلي أكيد، أما الجيوستراتيجي فتفسير لا يستند إلى عنصر حاسم بقدر ما يستند إلى محاولة لتكثيف بخار يمتد من إيران شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً، على مدى عقود.


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
مسارإسرائيل.. انهيار الحصانة وخسارة الرأي العام العالمي
في قلب الدخان المتصاعد من أنقاض غزة اليوم وكل يوم، تتشكّل حقيقة استراتيجية لم تعد قابلة للإنكار مفادها أن إسرائيل، التي طالما اعتمدت على تفوقها العسكري وحصانتها الغربيّة، تخسر اليوم معركة أكثر حسمًا من أي مواجهة عسكرية - معركة الشرعية العالمية. نعم، هناك تحول جذري في المشهد الدولي يبدو أن قادة الاحتلال لا يدركون أهم أبعاده بتعاميهم الأحمق عن قراءة المتغيرات العالمية. يقول الواقع -ولعقود طويلة-، إنّ المظلة الغربية شكّلت درعًا واقيًا لإسرائيل من أي محاسبة دولية، لكن هذه المظلة بدأت تتآكل بشكل غير مسبوق. وها هي الدول التي كانت تقدّم صكّا مفتوحًا لدعم إسرائيل تتخذ اليوم مواقف لم تكن متخيّلة حتى قبل أشهر قليلة. لقد انتقل حلفاء إسرائيل اليوم من الانتقادات اللفظية إلى إجراءات ملموسة، على سبيل المثال نرى معالم سخط أميركي، وبريطانيا وفرنسا وكندا تشرع في تعليق صفقات الأسلحة، وفرض عقوبات على قادة المستوطنين، والتلويح بمراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية. وحتى إسبانيا، في خطوة تاريخية، وصفت إسرائيل بـ"دولة الإبادة"، وهو وصف كان يعتبر محرمًا في القاموس الدبلوماسي الغربي. هذا التحوّل ليس مجرد مناورات سياسية مؤقتة، بل يعكس إدراكًا عالميًا متناميًا أن الاستمرار في دعم إسرائيل بات عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا ثقيلًا. ويتّسق هذا في عالم يتّجه نحو التعددية القطبية، مع صعود قوى عالمية جديدة تتبنى خطابًا مغايرًا وتدعم القضية الفلسطينية بشكل صريح. على المستوى الشعبي، يشهد العالم تحولًا دراماتيكيًا في النظرة للحق الفلسطيني. كان يصوّر الوضع على مدى العقود كنزاع فلسطيني إسرائيلي معقد، واليوم أصبح "الشال الفلسطيني" رمزًا عالميًا للنضال ضد الظلم والاحتلال. وحتى أعرق الجامعات الأميركية، من كولومبيا إلى هارفارد، تحولت إلى ساحات احتجاج ضد السياسات الإسرائيلية. وفي أوروبا، تخرج تظاهرات حاشدة في عواصم كانت تعدّ تقليديًا معاقل للدعم الإسرائيلي، ويشارك فيها يهود مناهضون لجرائم الصهيونية ومعهم نشطاء من كل عرق ودين. هذه الاحتجاجات العالميّة التي تتعاطف إنسانيًا مع ضحايا الحرب الوحشيّة الإسرائيلية، تمثّل أيضا رفض الضمير الإنساني لمنظومة دولية تسمح بازدواجية المعايير وتغض الطرف عن انتهاكات حقوق الشعوب. وما آلاف الصور المروّعة من غزة، التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا كسر نهائي لاحتكار إسرائيل للرواية الإعلامية، وهي تعرّي الوجه القبيح لواحة للديمقراطية في الشرق الأوسط كما تروّج عن نفسها. وتأسيسًا على ذلك فإنّ الشرعية السياسية الهشّة التي بنتها إسرائيل على مدى عقود تتآكل اليوم بوتيرة متسارعة. فلم تعد جرائم الحرب الموثقة -قصف المستشفيات، تجويع المدنيين، تهجير السكان- قابلة للتبرير حتى في الخطاب الغربي التقليدي. والأخطر من ذلك، أن حكومة الاحتلال تكابر ولا تستجيب لأي رؤية سياسية مطروحة للحل، مما يعزّز الانطباع بأنها تسعى لإطالة أمد الصراع لخدمة أجندات أيدلوجية، وتكتيكية مثل إنقاذ حكومة نتنياهو من الانهيار وربما لمحاولة تعزيز التماسك الهشّ للمجتمع الإسرائيلي. والحقيقة أن هذا الفشل في التكيّف مع المتغيرات الدولية، والإصرار على سياسات الإبادة والقمع، يمثل جوهر "الغباء الاستراتيجي" لحكومة الاحتلال في مواجهة ما وصفه بعض مسؤوليها بـ"تسونامي الغضب العالمي". الخلاصة؛ إن حكومة الاحتلال تقف اليوم عند مفرق طرق تاريخي وعليها أن تختار ما بين إعادة تقييم سياساتها القائمة على القوة العمياء وتبني حلول عادلة، أو مواصلة السير في ارتكاب الأخطاء، والإصرار عليها لتكتب بيدها الفصل الأخير من فصول أفولها التاريخي. يقول التاريخ: إن الخصم الأحمق غالبًا ما يسير إلى حتفهِ وهو يرقص طربًا.