
من اجتياح لبنان 1982 إلى الحرب الحالية: إسرائيل تحافظ على تفوقها
مرت 42 عاماً على اجتياح إسرائيل لبنان وصولاً إلى عاصمته بيروت، بدأ ذلك في السادس من يونيو (حزيران) عام 1982 ويمكن القول إن تداعياته لم تنته حتى اليوم لما أعقبه من اجتياحات وحروب إسرائيلية أخرى ضد لبنان ترتبط به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لا سيما بعدما أدى هذا الاجتياح إلى خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان نحو عدد من الدول العربية، وفي المقابل إلى نشوء حركات مقاومة محلية لبنانية تحت عنوان "جبهة المقاومة والوطنية اللبنانية" و"المقاومة الإسلامية في لبنان"، وهي الجناح العسكري لـ"حزب الله" الذي بدأ في الظهور إلى العلن في أعقاب هذا الاجتياح عام 1982.
وبسبب هذا الاجتياح خاضت هذه الأحزاب اللبنانية، بعيداً من ارتباطاتها المحلية أو الإقليمية وحتى الدولية التي أسهمت في دعمها ومدها بالسلاح والعتاد، معارك مباشرة مع الوجود الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، إذ لم تنسحب منها ضمن ترتيبات معلنة أو في أوقات محددة، لذا قارعت هذه القوى التي انتظم في حيثياتها، إلى "حزب الله"، "الحزب الشيوعي اللبناني" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" و"حركة أمل" و"حزب البعث العربي الاشتراكي" (الجناح السوري) و"التنظيم الشعبي الناصري" و"اتحاد قوى الشعب العامل" وغيرها من مجموعات إسلامية ويسارية، وجوده وعناصره وقواته في عدد من النقاط والمواقع بداية في العاصمة بيروت، ثم في الجنوب بعد انكفائه نحو صيدا ثم النبطية ثم إنشائه شريطاً أمنياً واسعاً جنوب نهر الليطاني في قرى تتبع أقضية النبطية وصور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا.
صراع ما بعد الاجتياح
بعد هذا الاجتياح بقيت القوات الإسرائيلية تحتل مناطق واسعة من جنوب لبنان، وتخوض معارك وحروباً مع أحزابه المقاومة له وفي طليعتها "حزب الله" الذي نما بسرعة فائقة وتجهز بسلاح متطور، فأصاب القوات الإسرائيلية بجنوده بين قتلى وجرحى وأسرى حتى تحول الصراع من التخلص من الوجود الفلسطيني العسكري في لبنان إلى إنهاء القدرات العسكرية لـ"حزب الله".
أتى الانسحاب الإسرائيلي الكامل في مايو (أيار) عام 2000 بعدما هاجم "حزب الله" بكثافة كبيرة المواقع الإسرائيلية ومراكز الميليشيات اللبنانية المتعاونة معه (تحت تسمية "جيش لبنان الجنوبي" الذي انتهى دوره مع الانسحاب مباشرة)، وبروز معارضة إسرائيلية داخلية لوجود قواتهم داخل الأراضي اللبنانية، فأقفل بواباته التي كان يفتحها على المناطق الحدودية الجنوبية، لكن ظهرت معضلات حدودية جديدة إذ تبنى لبنان الرسمي اتهام إسرائيل بإبقائها على احتلال نقاط عدة في لبنان، تضاف إليها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر الممتدة إلى بلدة العباسية اللبنانية، وهي الذريعة التي تبناها "حزب الله" في مواصلة صراعه من الوجود الإسرائيلي عند الحدود، مطالباً بانسحابه الكامل عن جميع الأراضي اللبنانية، مما أبقى هذا الصراع مفتوحاً حتى اليوم.
حروب تلو حروب
ثمة حروب عديدة شنتها إسرائيل على لبنان ما بين 1982 و2024 أشهرها في يوليو (تموز) 1993 تحت عنوان "عملية تصفية الحساب" أو "حرب الأيام السبعة"، وهي حرب واسعة شنتها إسرائيل على لبنان استمرت سبعة أيام، وكانت بغرض القضاء على "المقاومة اللبنانية" المتمثلة في "حزب الله"، وفي 1996 تحت مسمى "عملية عناقيد الغضب" الاسم الرمزي الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي على هجوم عسكري خاطف بينما سماه "حزب الله" "حرب نيسان" ضد لبنان استمر 16 يوماً في محاولة لإنهاء قصف "حزب الله" لشمال إسرائيل.
وفي 2006 كانت "حرب يوليو" أو "حرب لبنان الثانية" التي تسمى في بعض وسائل الإعلام العربية "الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006" أو "العدوان الإسرائيلي على لبنان"، وهي عمليات قتالية بدأت في الـ12 من يوليو 2006 بين مقاتلين من "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، استمرت 34 يوماً في مناطق مختلفة من لبنان وانتهت بصدور القرار الأممي 1701، وصولاً إلى الحرب الأخيرة التي أتت بعد خوض "حزب الله" ما سماه "حرب الإسناد" مع غزة الفلسطينية، وانتهت باجتياح إسرائيلي جوي كبير وبري محدود أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا اللبنانيين، وقتلى في صفوف مقاتلي "حزب الله"، ولم تزل هذه الحرب مفتوحة على رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية والعودة إلى ضرورة تنفيذ القرار 1701.
أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية إبان اجتياح 1982 وبعده، عن خسائر بشرية هائلة، وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" إذ بلغ عدد الضحايا المدنيين 26 ألفاً و506، منهم 11 ألفاً و840 طفلاً و868 امرأة، كذلك أصيب 2994 شخصاً بحروق خطرة بسبب استخدام الإسرائيليين القنابل الفوسفورية، وتعرض الآلاف لتشوه دائم، ممن فقدوا السيقان والأذرع والعيون، وتعرضوا للإصابة بالحروق والتمزقات الناتجة من استخدام القنابل الفسفورية والقنابل العنقودية المحرمة دولياً.
ما أشبه اليوم بأمس
يجد المحلل السياسي والأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية نسيب حطيط أن "ثمة أوجه شبه بين اجتياح 1982 وما نعيشه اليوم من تداعيات حرب 2024 التي لم تنته بطبيعة الحال، وفي طليعتها أن التهديد الدائم والعدوان المستمر من العدو الإسرائيلي لم يتغير، قبل الـ82 وبعدها وحتى اللحظة، ولن يتغير ما دام هذا الكيان موجوداً، لأن أطماعه في لبنان بمياه نهر الليطاني ونهر الزهراني وصولاً إلى جبل الشيخ، ليست وليدة ظرف أو رد فعل وإنما هي تاريخية قبل ولادة الكيان".
ويضيف الباحث حطيط "الأمر الآخر، أنه عام 1982 وتحت عنوان سلامة الجليل كانت كل المواقف والأعراف تقول إن هذه العملية كانت تهدف للوصل إلى الزهراني بمدى 40 كيلومتراً وهو المدى الأقصى لكل الصواريخ التي كانت تملكها المقاومة الفلسطينية، وهذه المسافة كانت بعلم منظمة التحرير الفلسطينية والقوى اللبنانية وجهات عربية متعددة، لكن في الحقيقة تبين أن الهدف لم يكن إبعاد الصواريخ الفلسطينية، بل إبعاد المصدر والأداة والوجود الفلسطيني واجتثاث مقاومته، وهذا ما حصل فعلاً بعد نفي المقاومين الفلسطينيين من لبنان".
ومن أوجه الشبه باعتقاد حطيط أنه "في اجتياح الـ82 أيضاً، كانت هناك أطراف من أحزاب يسارية قوات وطنية لبنانية في مقابل أطراف لبنانية أخرى إما حيادية أو متحالفة مع الموقف الإسرائيلي كما هي حال أطراف اليمين اللبناني، هؤلاء لم يتغيروا ليس في 1982 ولا في حرب 2024، وفي الـ82 أيضاً لم يسارع العرب إلى إنقاذ المقاومة الفلسطينية وصمتوا عن الاجتياح وعن العدوان، والآن تغير موقفهم قليلاً بحيث إن بعضهم لم يقف على الحياد بل أصبح حليفاً وداعماً للموقف الإسرائيلي تحت عنوان حصار المقاومة ونزع سلاحها".
فوارق الجغرافيا الخطرة
لكن ثمة فوارق يجدها المحلل السياسي "بين اجتياح الـ82 وحرب الـ2024 المستمرة ولا نعرف إلى متى، ويبدو أنها لن تنتهي عما قريب، أولاً، إن الطرف المقاتل أو المطلوب اجتثاثه هو طرف لبنان وليس طرفاً فلسطينياً دخيلاً على لبنان، ليس لاجئاً أو نازحاً، بل هو ابن الأرض وله حق الدفاع عنها، المسألة الثانية أنه في الـ82 كان الخطر ضمن الجغرافيا التي يحتلها العدو الإسرائيلي، وعندما وصل إلى بيروت كانت الجغرافيا الخطرة من الحدود الجنوبية حتى بيروت، وعندما انسحب إلى نهر الأولي أصبحت الجغرافيا الخطرة منه وحتى الحدود، وهكذا عندما انسحبوا عام 1985 وأضحى الخطر تقريباً في منطقة الشريط المحتل وتعريف ما سمي خط التلال".
ويضيف حطيط، "كانت الجغرافيا الخطرة محصورة في مناطق يوجد فيها العدو الإسرائيلي مع بعض النماذج التي تجاوز فيها الجغرافيا المحتلة بما عرف بعناقيد الغضب 1993 وغيرها، لكن المقاومة بجميع أطيافها إلى حدود الـ1995 كانت أوسع وأشمل، وتتألف من قوى يسارية ووطنية ودينية، لكن في التسعينيات تفردت ما تعرف بالـ'المقاومة الإسلامية' بالمواجهة مع الإسرائيليين بل أصبحت رأس الحربة والوحيدة من الجهة اللبنانية في هذا الصراع مع تسجيل بعض العمليات المتباعدة لـ'حركة أمل' وتوقف اليسار نتيجة الظروف التي أحاطت به بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".
ويوضح المحلل حطيط أن "ما تميزت به المقاومة اللبنانية، أي بكل أطيافها الوطنية والإسلامية، أنها استطاعت تثبيت نموذج مقاوم مختلف عن نموذج المقاومة الفلسطينية، بمعنى أنها ليست فصيلاً أو تنظيماً أو حركة، بل تمتعت بالتفاف شعبي حولها شارك بالاعتصامات والمواجهات والانتفاضات ومنها انتفاضة عاشوراء في النبطية عام 1983 تضاف إليها نخبة مسلحة متطوعة، واستطاعت هذه المقاومة أن تحقق للمرة الأولى تحرير الأرض من دون اتفاقات سلام ومن دون شروط، كذلك استطاعت هذه المقاومة تنمية عملية تجهيزها وصولاً إلى مقاربة الجيش الكلاسيكي بقدرات برية وبحرية وجوية، لكن، ربما لم يكن هذا التطور لمصلحة المقاومة ولو ظلت خارج هذه القدرات والتشابه بالمقاومة الفلسطينية التي صارت لها مقار ومواقع ومكاتب ومخازن، لكانت نجت من الضربات التي تعرضت لها أخيراً".
حرب أسوأ من 1982
ويجد الكاتب حطيط أن "المقاومة الإسلامية شابهت في عديد من المحطات والأساليب المقاومة الفلسطينية مع اختلاف الساحات، لكنها خرجت من إطارها اللبناني في الساحة اللبنانية وأصبحت قوة إقليمية على مستوى ساحات المنطقة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وشابهت المقاومة الفلسطينية عندما كانت في سوريا والأردن ولبنان مع اختلاف الأهداف والوسائل".
لكن الفارق الكبير بين اجتياح الـ82 واليوم، بحسب حطيط "أن الحرب الأخيرة شكلت اجتياحاً دائماً ومستمراً لا سيما بعد اتفاق وقف إطلاق النار في الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إذ يمكن تقسيم الحرب إلى ثلاث مراحل، حرب الإسناد منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بقصف وقصف مضاد، إلى قتال ميداني بري واجتياح جوي خلال 66 يوماً بدأت في الـ23 من سبتمبر (أيلول) 2023، وصولاً إلى الحرب المستمرة منذ اتفاق وقف إطلاق النار بما يمكن تسميتها حرب التضحية، بمعنى أن تتلقى الضربات من دون أن ترد، وللمرة الأولى تكون الجغرافيا اللبنانية وحركة المقاومة فيها عرضة للاستهداف وتلقي الضربات من قصف واغتيال وتدمير من دون أدنى رد، وهذا أسوأ مما كنا عليه قبل 1982، ولبنان مستباح حتى حدود الهرمل في أقصى شماله، وهي مرحلة لم نعتد عليها منذ احتلال فلسطين عام 1948".
ويصف المحلل حطيط المرحلة الحالية من الصراع مع الإسرائيليين بـ"مرحلة الترهيب والإقلاق الدائم والتهجير الموقت"، بحيث إننا "نعيش في حال اللااستقرار حتى الذين عادوا إلى الجنوب، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وفي البقاع وهي من أخطر مراحل الترهيب التي يشنها العدو الإسرائيلي، لكن لا يعتقد أحد أن المقاومة انتهت على رغم بعض الخطاب اللبناني المتكرر الذي يتناول اللحظة ولا يتناول الاستراتيجيات، إذ إن المقاومة ثقافة وفكرة وسلوك يمكن أن تتراجع في لحظة من اللحظات لظروف موضوعية أو عدم توازن قوى، لكن هذه المسألة في لبنان لا تستمر طويلاً، والمقاومة اليوم تحاول شراء الوقت بتقديم 'قرابين الوقت' والضحايا الذين يتم اغتيالهم من دون رد، لن يكون عبثياً وأعتقد أن المقاومة تعيد ترميم نفسها والحل الوحيد أمامها لشراء الوقت من دون إلحاق الأذى الكبير بأهلها بعدما تعرضوا له، واستطاعت من خلال نحو 170 قتيلاً حتى اليوم أن تشتري سبعة أشهر من الوقت ولا أعلم كم تحتاج بعد إلى وقت حتى ينتهي هذا المسار من العدوان وإمكانية استعادة توازن الرعب".
أهداف غير معلنة
يقول العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش، الذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود (2006- 2017) "إذا ما أجرينا مقارنة بين الدوافع والأسلحة وبين اجتياح الـ82 والعدوان الإسرائيلي الكبير الذي هو حرب غزة 2023 و2024 ثمة تطور هائل في السلاح والأدوات العسكرية والاستراتيجية مع اختلاف في المسارات والأهداف العسكرية المعلنة وغير المعلنة، في اجتياح الـ82 كانت الدوافع ما أطلقه الإسرائيلي على عمليته سلامة الجليل، وضمناً كان يريد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية بعد السماح للعمل الفدائي في منطقة جنوب لبنان منذ 1969 وفق ما سمي اتفاق القاهرة".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف العميد بشروش، "ثم استكملت الحرب الإسرائيلية بعد التغييرات السياسية في المنطقة، وصولاً إلى 1979 وبروز الثورة الإسلامية في إيران ودعمها القوى الفلسطينية وحركة المقاومة في جنوب لبنان ونشوء تعاون تحت تسمية أطلقت عليها في ما بعد محور الممانعة، لذا سعى الإسرائيليون إلى تغيير الوضع السياسي في لبنان تحت عنوان القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وإخراج المقاتلين الفلسطينيين من الجنوب بعد سلسلة من العمليات والقصف المتبادل، وكان وراء الأكمة إقامة نظام سياسي في لبنان موال للإسرائيليين، ولمسنا هذا الأمر في كثير من المحطات انتهت بانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية قبل اغتياله وصولاً إلى اتفاق الـ17 من مايو 1983 الذي ينص على تحالف لبنان مع إسرائيل وتقليص الدور والنفوذ السوري في لبنان، أما على الصعيد الداخلي في الكيان الإسرائيلي فكان البحث عن كسب سياسي لرئيس الوزراء مناحيم بيغن وتعزيز موقفه من خلال هذا الاجتياح".
حرب الذكاء الاصطناعي
بالمقارنة بين اجتياح 1982 وعدوان 2024 يشير العميد بشروش إلى "اختلافات كثيرة، بدءاً من الدوافع والأسلحة الضخمة المستخدمة والمحرمة دولياً ووجود بعض الشبهات من حيث الأطراف المتواطئة، كان الهدف السابق إنهاء المقاومة الفلسطينية في لبنان، أما اليوم فصار الهدف القضاء على القوة العسكرية لـ'حزب الله' ومنع فتح جبهة ثانية بعد حرب الإسناد بمواجهة الحرب على غزة وهو هدف معلن، أما غير المعلن فكان إعادة تشكل النظام السياسي في لبنان، بينما يتركز الأمر حالياً للضغط على 'حزب الله' وردع تدخلاته وتحجيم نفوذه محلياً وإقليمياً".
ويزيد العميد بشروش في المقارنة فيقول "في اجتياح الـ82 لم تكن هناك صواريخ دقيقة جرى الاعتماد عليها مثلما حصل في حرب السنة الماضية، كان هناك سلاح تقليدي وحرب كلاسيكية من دبابات وقصف مدفعي وطائرات حربية عادية، بينما الحرب الأخيرة كانت حرباً غير متكافئة من حيث التركيز الإسرائيلي على الضربات الجوية والدقة المتناهية والكثافة واستهداف من طائرات بالغة التطور على نحو F35 والصواريخ الموجهة والذكاء الاصطناعي".
ويضيف المتحدث، "في الحرب الأخيرة استخدمت تقنيات اكتشاف متطورة وحرب إلكترونية وهجمات سيبرانية وطائرات مسيرة درون بمختلف أنواعها للمراقبة والهجوم والتدمير، واستعملت كذلك أنظمة جديدة وأجهزة تواصل دقيقة وذخائر موجهة، ومسيرات التي لا تترك الأجواء ليل نهار وتجري مسحاً شاملاً وتصطاد من أهداف ثابتة أو متحركة، ولا ضرورة لوجود عسكري في الأجواء، إنها حرب الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والتطور بأعلى درجاته كشفت الناس على مدى 24 ساعة متواصلة".
وعن الإعلام السائد في اجتياح 1982 يشير العميد بشرور إلى أنه كان "إعلاماً إسرائيلياً وغربياً وكان الإنترنت والبث الفضائي كلاسيكياً محدوداً على مستوى العالم العربي، أما حرب الـ2024 فكانت حرباً إعلامية ضخمة، من 'تيك توك' وأقمار اصطناعية ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى كادت تكون حرباً إعلامية أكثر منها عسكرية تقليدية".
تاريخ من الصراع
يؤكد عضو المجلس الوطني الفلسطيني صلاح صلاح أن "العدو الإسرائيلي في اجتياح 1982 أعتقد أنه سيقضي على المقاومة الفلسطينية بصورة كاملة من خلال إبعادها عن حدود المواجهة معه وتوزيع مقاتليها على أكثر من دولة عربية، لكن برزت مقاومة الشعب الفلسطيني في ميادين أخرى رداً على الإسرائيليين بأنهم لن ينجحوا في إنهاء المقاومة على رغم ضرب وجودها في لبنان، وظهرت بصورة أخرى من خلال إبداع الشعب الفلسطيني في أساليب مقاومته ومواجهته من خلال الانتفاضة التي بدأت 1987 وتحديداً في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) واستمرت سبعة أعوام ونصف العام واستخدم فيها الإسرائيليون الأساليب نفسها التي يستخدمها في غزة اليوم والضفة الغربية، ومارس فيها عملية تدمير البيوت والقتل والاغتيالات والاعتقالات، ونذكر أنه قبل اتفاقية أوسلوا 1993 كان في سجون الإسرائيليين نحو 5 آلاف معتقل وجلهم من المقاومين الفلسطينيين أو مناصريها".
ويرى صلاح أن "اجتياح 1982 لم يكن للقضاء على الفدائيين الفلسطينيين، بل إن أطماعه تتجاوز هذه المسألة واحتلال فلسطين، والعدو الإسرائيلي يحفر قبره بيده، وما كان مستوراً سابقاً صار واضحاً من خلال الحديث عن إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، ووصلت به الوقاحة إلى طرح مشروعه التوسعي في الأمم المتحدة، وهي رسالة واضحة للعالم أن أهدافه لا تقتصر على اغتصاب فلسطين بل يريد مزيداً من التوسع، وهو بذلك يستفز قوى وجبهات أخرى لتساند المقاومة على نحو الجبهة التي فتحها في لبنان، جبهة تساند المقاومة وتؤكد أن هذا العدو لن ينجح في القضاء على أي مقاومة ضده".
توسع يستقطب العداء
ويشير صلاح إلى أن "الإسرائيلي كلما توسع اكتسب أعداء جدداً، ولا يظنن أحد أن ما يحصل في سوريا سيكون سهلاً، ومع الوقت ستبرز قوى ندية في سوريا لمقاومة وجوده، فالشعب السوري لن يقبل احتلال أراضيه على هذا النحو لكنه سيقاوم، وكذلك العراق مهيأ لأن يكون شريكاً في المقاومة، كلما اتضح المشروع الصهيوني أكثر على الصعيد العربي والمواطن العربي والإنسان العربي سيظهر ما يواجهه من خطر، وسيكتشف المواطن المصري والأردني والسوري والعراقي والسعودي أنه لا يدافع عن الفلسطيني بل يدافع عن نفسه بمواجهة هذا المشروع".
وحول عودة الحديث عن نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات في لبنان يوضح صلاح أن "ثمة اتفاقاً رسمياً وقع عام 1991 قضى بمحدودية الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان، لكن الموضوع العالق بين الفلسطينيين واللبنانيين هو موضوع الحقوق المدنية والاجتماعية، صحيح حصلت مستجدات جديدة، لجهة القوى الأصولية التي برزت منذ أعوام ودخلت المخيمات الفلسطينية وبرعاية ومعرفة الجيش اللبناني، ليس مسؤولاً عنها الفلسطيني، الجيش اللبناني معني بمعالجة موضوع تلك القوى الأصولية التي دخلت المخيمات وكذلك السلطة اللبنانية. أما سلاح المهربين وتجار المخدرات كذلك إنها مسؤولية السلطة اللبنانية والجيش اللبناني لمعالجة هذه الآفة المنتشرة في المخيمات وتستخدم سلاحها، أعتقد أن هذا الموضوع، موضوع السلاح، لن يشكل عقدة جديدة بين الفلسطينيين واللبنانيين، ولن يسبب نوعاً من الصدام بن الوجود الفلسطيني والجيش اللبناني".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
اجتياح 1982: يوم خسرت قضية فلسطين معركة السلاح وربحت الدبلوماسية
تنطبق مقولة "التاريخ يعيد نفسه، أولاً كمأساة وثانياً كمهزلة" على لبنان بصورة دقيقة. هذا البلد الذي لم يدفن الماضي تحت التراب، بل خزنه في الزوايا المظلمة من الذاكرة الوطنية ليعود ذلك الماضي إلى الواجهة كلما ظن الناس أنهم طووا صفحته. ولا تمر عقدة سياسية أو هزة أمنية إلا وتتكشف معها ملامح دورة تاريخية مألوفة، انقسام داخلي واستقطاب خارجي ثم انفجار. من الحرب الأهلية التي اندلعت تحت شعارات عديدة مثل الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية أحد أهم عواملها، إلى الاجتياح الإسرائيلي تحت شعار "السلام للجليل"، إلى الحروب المتكررة التي تخاض بأسماء مختلفة ورايات متبدلة كحرب يوليو (تموز) 2006، إلى "حرب الإسناد" منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والمشهد يعيد نفسه بوتيرة مؤلمة. فلبنان لا يعيد فقط أخطاءه بل يعيد إنتاج بنيته المأزومة، دولة عاجزة وطوائف متوجسة وأحزاب مسلحة وشعب يدفع الثمن دائماً. وبينما يركض العالم إلى الأمام، يبقى هذا البلد يراوح مكانه ويتنقل بين الركام والرهانات الخاسرة، وكأن قدره أن يبقى ساحة لا دولة، ومسرحاً لصراعات الآخرين لا موطناً لمواطنيه. ما أشبه اليوم بالبارحة في مثل هذا اليوم، السادس من يونيو (حزيران) 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "السلام للجليل"، سرعان ما تحولت إلى حرب شاملة امتدت إلى قلب بيروت مخلفة دماراً واسعاً وخسائر بشرية جسيمة. وتحت ذريعة الرد على محاولة اغتيال سفيرها لدى لندن شلومو أرغوف من قبل "منظمة أبو نضال"، شنت إسرائيل هجوماً واسعاً استهدف منظمة التحرير الفلسطينية وقوات النظام السوري، وأسفر عن حصار بيروت الغربية لمدة ثلاثة أشهر انتهت بخروج المنظمة من لبنان. اليوم وبعد 43 عاماً على ذلك الاجتياح، تعود الذاكرة اللبنانية إلى تلك الأيام العصيبة، وبخاصة مع التصعيد العسكري والغارات المتنقلة التي تشنها القوات الإسرائيلية على كامل الأراضي اللبنانية، بذريعة القضاء على "حزب الله" وتدمير مخازن ومصانع أسلحته. وأمس عاشت العاصمة بيروت وتحديداً الضاحية الجنوبية فصلاً من نماذج الحرب، بعدما شنت القوات الإسرائيلية ما يقارب 23 غارة من مسيرات وقصفاً من مقاتلات إسرائيلية، بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لمبان في الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، تمهيداً لقصف مواقع قالت إسرائيل إن "حزب الله" يستخدمها لتصنيع مسيرات، وأنها تابعة لـ"الوحدة 127" الجوية التابعة للحزب، وأنها أبلغت واشنطن مسبقاً بضرب بيروت. وعاش البيروتيون ليلة جديدة من الإنذار بالإخلاء والنزوح والخوف والهلع، تزامنت مع عيد الأضحى. ما أشبه اليوم بالبارحة، فبعد أكثر من أربعة عقود على اجتياح عام 1982، تعود بيروت مسرحاً للغارات والدمار في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحصار والنزوح والقلق الذي عاشه اللبنانيون آنذاك. سيناريوهات الماضي الأليم خلال يونيو 1982، شهد لبنان واحدة من أكثر المحطات دموية وتعقيداً في تاريخه الحديث، حين اجتاحت القوات الإسرائيلية أراضيه ضمن عملية عسكرية وصفت بأنها الأوسع منذ نكسة عام 1967. ولم تكن العملية وليدة لحظة أمنية عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية محلية وإقليمية، شملت تمدد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، وتحوله إلى ساحة اشتباك مفتوحة مع إسرائيل. وجاءت الحرب تحت ذريعة "ضمان أمن الجليل"، لكنها سرعان ما تجاوزت أهدافها المعلنة وصولاً إلى حصار بيروت واقتحام العاصمة، في مشهد أحدث تحولاً جذرياً في التوازنات اللبنانية الداخلية، وقلب معادلات القضية الفلسطينية ودشن مرحلة جديدة من التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فاجتياح عام 1982 لم يكن مجرد حرب عسكرية، بل لحظة مفصلية أعادت تشكيل خريطة النفوذ في لبنان، وأسهمت في تآكل الدولة المركزية ومهدت لصعود قوى لبنانية مسلحة برعاية خارجية، كان أبرزها لاحقاً "حزب الله". وهذه اللحظة تستحق التذكير، ليس فقط كحدث عسكري بل كشرخ سياسي واجتماعي ما زال لبنان يعيش في ظله حتى اليوم، مما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات الماضي الأليم. وفي ذكرى ذلك الاجتياح، يتجدد التساؤل حول قدرة لبنان على تجنب دوامة العنف، والبحث عن سبل لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة لا تزال تعاني تداعيات صراعات الماضي. تصفية منظمة التحرير لم يكن اجتياح إسرائيل للبنان مجرد رد عسكري على عمليات "فدائية" تنطلق من جنوب لبنان، بل كان عملية سياسية وعسكرية معقدة استهدفت تصفية منظمة التحرير، وإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية للمنطقة. فتلك الحرب كانت أوسع من مجرد حماية المستوطنات الشمالية، بل كانت حرباً على هوية لبنان وموقعه في المعادلة الإقليمية. وكانت إسرائيل ترى في وجود منظمة التحرير داخل لبنان تهديداً استراتيجياً مزدوجاً، عسكرياً عبر العمليات "الفدائية"، وسياسياً عبر صعود تمثيل المنظمة ككيان شرعي بديل للسلطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وأرادت إسرائيل كسر هذا الزخم السياسي عبر ضرب بنية المنظمة داخل بيروت وتشتيت قيادتها، في إطار مشروع أوسع لتحييد لبنان سياسياً وإنهاء حال العداء معه، والهدف الإسرائيلي النهائي كان توقيع معاهدة سلام لبنانية-إسرائيلية، مما يوسع من شرعية إسرائيل إقليمياً. وأرادت إسرائيل في ذلك الوقت تقليص حجم النفوذ السوري المتنامي داخل لبنان، بعد دخول القوات السورية عام 1976. وكانت الحرب اللبنانية خلقت فراغاً واسعاً، حاول النظام السوري ملأه تدريجاً. فجاء اجتياح عام 1982 كرسالة إلى دمشق ومقدمة لتقسيم مناطق النفوذ. إعادة تشكيل التوازنات مع دخول الجيش الإسرائيلي إلى قلب بيروت، انهار ميزان القوى الذي فرضته الحرب الأهلية. وصعدت قوى لبنانية كانت متحالفة مع إسرائيل، لا سيما "القوات اللبنانية"، في مقابل تراجع التيارات الوطنية واليسارية. وظهر كأن الكيان اللبناني في طريقه لأن يعاد بناؤه على أساس طائفي جديد مدعوم إسرائيلياً، لكنه سُحق لاحقاً باغتيال الرئيس بشير الجميل، وبعدم قبول شرعية هذا التوجه من قبل غالبية اللبنانيين، مما دفع إلى نهاية وهم "الحياد اللبناني"، إذ أثبت الاجتياح أن لبنان لم يعد قادراً على لعب دور "الوسيط" أو "المنطقة العازلة" في الصراع العربي-الإسرائيلي، وأصبح رسمياً ساحة تصفية حسابات إقليمية، وانهار الخطاب الرسمي اللبناني حول الحياد والسيادة، مما أسهم لاحقاً في شرعنة وجود قوات أجنبية على أراضيه (سوريا وإسرائيل وإيران عبر "حزب الله")، ذلك أنه وبسبب الاجتياح دخلت القوى الدولية بصورة أوسع على خط الأزمة اللبنانية، من إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى بيروت إلى تدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حينها، عبر وساطات مختلفة. وعلى رغم أن هذا الحضور الدولي كان يهدف لإنهاء الحرب، فإنه زاد من تعقيدها وربطها بالصراعات الكبرى داخل المنطقة. بروز المقاومة اللبنانية دفع ذلك الاجتياح إلى ولادة شكل جديد من "المقاومة" لم يكن فلسطينياً بل لبنانياً. ووُلد "حزب الله" من رحم الاحتلال، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع عنوانها "مقاومة إسلامية" ذات بعد إقليمي، إيراني هذه المرة، أدت إلى انسحاب إسرائيلي لاحق من الجنوب عام 2000، وإن بثمن سياسي باهظ. ولكن كيف غير اجتياح عام 1982 البوصلة السياسية لمنظمة التحرير؟ لم يكن الاجتياح الإسرائيلي في ذلك العام، مجرد حملة عسكرية تهدف إلى إبعاد مقاتلي منظمة التحرير من الحدود الشمالية لإسرائيل، بل شكل نقطة تحول استراتيجية في مسيرة المنظمة، من الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة للتحرير إلى اعتماد الدبلوماسية كأداة رئيسة لنيل الاعتراف والحقوق الوطنية. مثَّل الوجود الفلسطيني في بيروت قبل الاجتياح أحد أهم مكاسب المنظمة منذ تأسيسها، إذ كانت تسيطر على أجزاء واسعة من لبنان وبخاصة في الجنوب، وأطلقت عملياتها ضد المستوطنات الإسرائيلية الشمالية مما دفع إسرائيل للتدخل في لبنان ضمن عملية محدودة استغرقت أياماً خلال مارس (آذار) 1978 فيما عرف بـ"عملية الليطاني"، وذلك في محاولة لوقف الهجمات الفلسطينية. خلال ذلك الزمن تحولت العاصمة اللبنانية إلى منصة إقليمية ودولية لصوت المقاومة الفلسطينية، ومع اجتياح القوات الإسرائيلية ووصولها إلى مشارف بيروت، ثم خروج القيادة الفلسطينية إلى تونس، خسرت المنظمة ملاذها الجغرافي الأخير الذي كانت تدير منه عملياتها العسكرية والسياسية بحرية نسبية. هذا الخروج الجبري أضعف قدرة المنظمة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، وفتح الباب أمام مراجعة شاملة لاستراتيجيتها. مراحل الاستسلام أو مغادرة بيروت ابتداء من أواخر يونيو 1982، فرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على بيروت الغربية دام أكثر من شهرين، واستخدمت فيه أساليب القصف المدفعي والجوي المكثف لإجبار منظمة التحرير على الاستسلام أو الخروج. وهذا الحصار خلق مأزقاً إنسانياً وسياسياً حاداً، وأثار موجة إدانات دولية خصوصاً مع سقوط آلاف المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بين قتيل وجريح. وتحت الضغط الأميركي والدولي، وتحديداً بوساطة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، تُوصل إلى اتفاق خلال الـ20 من أغسطس (آب) يقضي بخروج منظمة التحرير من بيروت تحت إشراف قوات متعددة الجنسيات، ضمن خطة منظمة لنزع فتيل الأزمة. وبالفعل، بدأت عملية الإجلاء خلال الـ21 من الشهر نفسه، واستمرت حتى الأول من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، حين غادر ياسر عرفات المدينة في مشهد رمزي على متن سفينة "أتلانتس" اليونانية، وقال أحد معاونيه إنه بكى على متن تلك السفينة وهي تغادر مرفأ بيروت، في لحظة ضعف نادرة من الختيار (لقب عرفات)، مودعاً آخر قاعدة عسكرية للمنظمة على مقربة من فلسطين. وغادرت قوات المنظمة المدينة في قوافل بحرية إلى دول عربية عدة، منها اليمن والجزائر والسودان والعراق، لكن الوجهة السياسية والعسكرية الرئيسة كانت تونس العاصمة، حيث انتقلت القيادة العامة للمنظمة بما في ذلك رئيسها ياسر عرفات، وأصبحت تونس مقراً رئيساً لها حتى توقيع اتفاق أوسلو خلال سبتمبر عام 1993، وهو أول اتفاق رسمي مباشر بين إسرائيل ممثلة في وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز ومنظمة التحرير ممثلة في الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في صورة العلاقة بين المنظمة وإسرائيل. لم تكن بيروت مجرد مدينة لجوء للفلسطينيين، بل كانت بمثابة العاصمة السياسية والرمزية البديلة لفلسطين. منها كانت تدار العمليات العسكرية وتصاغ الخطابات، وتُستقبل الوفود العربية والدولية. وكان الفلسطينيون للمرة الأولى يملكون موقعاً سياسياً وعسكرياً شبه سيادي، لا يخضع لهيمنة الدولة المستضيفة بالكامل. ومع الخروج القسري إلى تونس انتهى هذا الامتياز، وانقطعت آخر صلة مباشرة بالأرض الفلسطينية من حيث الجوار الجغرافي والرمزية الثورية، وبذلك دخلت القضية الفلسطينية مرحلة الاغتراب السياسي، ولم يعد هناك وجود جغرافي فعال للقيادة الفلسطينية في جوار فلسطين. فتونس، وعلى رغم كونها دولة داعمة كانت بعيدة جغرافياً ونفسياً من الأرض، وهو ما أضعف الحس الفوري بقرب التحرير وأصبح القرار الفلسطيني أكثر عزلة وأقل ارتباطاً بالشارع الفلسطيني والعربي. ففي بيروت، كانت المنظمة تصنع الفعل وتطلق الرصاصة، أما في تونس باتت تصدر البيانات وتعقد المؤتمرات. النكبة الفلسطينية الثانية لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت خلال خريف عام 1982 مجرد نتيجة لعملية عسكرية إسرائيلية ناجحة، بل كان حدثاً مفصلياً أعاد تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي تجاه القضية الفلسطينية. فإذا كانت نكبة عام 1948 أسفرت عن ضياع الأرض، فإن نكبة بيروت مثلت ضياع الموقع واغتراب القرار، وتفكك الجغرافيا الثورية التي كانت تشكل الامتداد الحي للنضال الفلسطيني. ومثَّل هذا الخروج نهاية مرحلة الوجود الفلسطيني المسلح داخل لبنان، وبداية مرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي، فرضته الجغرافيا والوقائع الإقليمية. وكانت تلك النقلة أشبه بـ"نكبة ثانية"، إذ فقدت منظمة التحرير قاعدتها الأقرب إلى فلسطين، واضطرت إلى مواصلة الكفاح من المنفى البعيد في ظل انكشاف متزايد أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية. وعلى رغم البطولات الفردية شكل الاجتياح هزيمة سياسية ونفسية للمنظمة، مشاهد الدمار والمجازر (وبخاصة صبرا وشاتيلا) وغياب القدرة على التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية، أعادت تساؤلات داخل القيادة الفلسطينية حول جدوى استمرار "البندقية وحدها" في ظل ميزان قوى مائل بالكامل. وبدأ الإدراك يتنامى بأن كسب الرأي العام العالمي قد يصبح أداة أكثر تأثيراً من السلاح، وصولاً إلى نقطة التحول في خطاب ياسر عرفات داخل الأمم المتحدة عام 1988، بعد ستة أعوام من ترك بيروت، إذ أعلن القبول بالقرار 242 والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والدعوة إلى دولتين. ولم يكن ذلك الخطاب ممكناً لولا تداعيات اجتياح عام 1982. فالإبعاد من الميدان العسكري خلق حافزاً للبحث عن شرعية سياسية جديدة تكسب المنظمة مكاناً على الطاولة بدل ساحة المعركة. فالمفاوض الفلسطيني الذي جلس في مدريد ثم في أوسلو، كان فقدَ عمقه الميداني وانحسر عنه الدعم العسكري والشعبي الذي كانت توفره له المخيمات والجبهات القريبة. وهذا ما أضعف أوراقه التفاوضية وجعله أقرب إلى موقع "طالب دولة" منه إلى "حامل حق وشرعية نضال". صعود السياسة وانحسار "العمل الفدائي" بعد الاجتياح، دخلت منظمة التحرير في مسار طويل من التفاوض السياسي، تخلله مؤتمر مدريد (1991) واتفاق أوسلو (1993). وحتى داخل المنظمة، بدأ الصعود التدريجي للنخب الدبلوماسية على حساب القيادات العسكرية، خصوصاً في ظل ابتعاد الساحة اللبنانية وتراجع دور المخيمات كمصدر تعبئة رئيسي. ويمكن القول إن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لم ينه فقط مرحلة من العمل الفلسطيني، بل أطلق تحولاً استراتيجياً في هوية منظمة التحرير. فبعدما كانت الثورة ترتكز على البندقية، باتت تبحث عن الاعتراف الدولي عبر المنابر السياسية. ودفع الخروج من بيروت المنظمة إلى الدخول في بيروقراطية السياسة الدولية، والاقتناع بأن الشرعية لا تنتزع فقط من فوهة البندقية بل من منصة الخطاب والدبلوماسية أيضاً. في المحصلة لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت مجرد انسحاب تكتيكي، بل نكبة ثانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقدَ الفلسطينيون آخر نقطة ارتكاز في محيط وطنهم، وتحولت قضيتهم من مشروع تحرر له أدواته إلى ملف سياسي تبحث عنه العواصم الكبرى وتقرره التوازنات الدولية. نكبة عام 1982 كانت أكثر من هزيمة عسكرية، كانت فقداناً للبوصلة الجغرافية التي لا تزال فلسطين تعاني ارتباكها حتى اليوم. أما بالنسبة إلى لبنان فإن اجتياح عام 1982 كان أكثر من معركة عسكرية، كان مشروعاً سياسياً هدف إلى إعادة رسم خريطة لبنان وتفكيك ما تبقى من الهوية العربية له. أما داخلياً، فقد زعزع هذا الاجتياح توازن الطوائف وعمَّق الصراعات، وأخرج لبنان من نطاق "الدولة" إلى مشروع "الساحة". وعلى رغم انسحاب إسرائيل لاحقاً فإن تداعيات هذا الاجتياح لا تزال تؤثر في صورة الدولة اللبنانية وفي بنية وشرعية "مقاوماتها"، وفي موقعها ضمن النظام الإقليمي حتى اليوم.


الموقع بوست
منذ 2 ساعات
- الموقع بوست
صحيفة أمريكية: إيران تطلب من الصين مكونات صواريخ باليستية وتتوقع تسليمها للحوثيين
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن أن إيران طلبت مؤخرا آلاف الأطنان من مكونات الصواريخ الباليستية من الصين، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية بعد الضربات التي تلقتها من إسرائيل وتوسيع دعمها لحلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن وفصائل عراقية. ووفقا لمصادر مطلعة، تشمل الصفقة شحنات كبيرة من بيركلورات الأمونيوم، وهي مادة مؤكسدة تستخدم في وقود الصواريخ الصلب. وتقدّر الكمية المطلوبة بأنها تكفي لإنتاج نحو 800 صاروخ باليستي. وأكدت المصادر أن جزءا من هذه المواد قد يتم نقلها إلى فصائل متحالفة مع إيران في اليمن والعراق. كذلك، أوضح التقرير أن الصفقة وقّعت قبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته في إجراء محادثات نووية مع إيران أوائل مارس/آذار الماضي. وحسب الصحيفة، يأتي هذا التحرك الإيراني في أعقاب هجوم إسرائيل على طهران في أكتوبر/تشرين الأول 2024، التي دمّرت بدورها معدات خلط صواريخ رئيسية، مما عرقل مؤقتا قدرة طهران على تصنيع صواريخ جديدة تعمل بالوقود الصلب. وتقول مصادر أميركية إن إيران بدأت إصلاح تلك المعدات استعدادا لمرحلة إنتاج جديدة. وحسب تقارير سابقة، نقلت سفينتان إيرانيتان هذا العام أكثر من ألف طن من بيركلورات الصوديوم –وهي مادة أولية لإنتاج بيركلورات الأمونيوم– من الصين إلى موانئ إيرانية في وقت سابق من العام الجاري، وتم تسليمها إلى إيران في فبراير/شباط ومارس/آذار. ويُعتقد أن هذه الشحنات دعمت تصنيع 260 صاروخا قصير المدى. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت في أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين عقوبات على كيانات صينية وإيرانية، متهمة إياها بشراء مكونات حساسة لصالح الحرس الثوري الإيراني وبرنامج الصواريخ الخاص به، وكذلك لتزويد الحوثيين بهذه المواد. ونقلت إيران مؤخرا صواريخ باليستية إلى فصائل شيعية عراقية، وفقا للتقرير، وهي قادرة على استهداف إسرائيل والقوات الأميركية. كما يُتوقع أن ترسل طهران بعضا من مكونات الصواريخ الصينية إلى الحوثيين في اليمن، "رغم تأثر قدراتهم مؤخرا بالضربات الأميركية والإسرائيلية". من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية إن بلاده "ليست على علم" بهذه الصفقة، مؤكدا أن بكين تفرض رقابة صارمة على المواد ذات الاستخدام المزدوج، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية. غير أن تقرير وول ستريت جورنال يشير إلى أن شركة صينية مقرها هونغ كونغ، تدعى ليون كوموديتيز هولدينجز المحدودة، هي التي تعاقدت مع كيان إيراني يدعى بشغامان تجارات رافي نوفين كو. وأشار التقرير إلى أن "الحرس الثوري الإيراني يسعى حاليا لتجاوز القيود المفروضة على الإنتاج المحلي عبر هذه الواردات الضخمة من الصين، رغم المخاطر الكبيرة المرتبطة بتخزين هذه المواد، والتي تسببت في انفجار بميناء شهيد رجائي في أبريل/نيسان، مما أدى إلى مقتل العشرات نتيجة سوء التعامل معها من قبل وحدة تابعة لفيلق القدس". وختم التقرير بالإشارة إلى أن إيران تواصل، رغم الضغوط والعقوبات، إعادة تفعيل شبكتها الإقليمية من الجماعات المسلحة ضمن ما يُعرف بمحور المقاومة، بما يشمل حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة في العراق، مستفيدة من تدفق المواد الحيوية من الخارج، في محاولة لفرض توازن جديد في المنطقة في ظل التصعيد المستمر مع إسرائيل.


العربية
منذ 4 ساعات
- العربية
مصدر إسرائيلي: لبنان لا يفعل ما يكفي بشأن سلاح حزب الله
على الرغم من تأكيد الجيش اللبناني مرارا التزامه بتطبيق القرار الأممي 1701 واتفاق وقف النار مع إسرائيل، اعتبر مصدر أمني إسرائيلي أن الدولة اللبنانية لا تقوم بما يكفي تجاه سلاح حزب الله شمال الليطاني. كما أكد في تصريحات للعربية/الحدث، مساء أمس الجمعة، أنه تم إبلاغ الجيش اللبناني قبل نحو أسبوعين عن مستودع تصنيع لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث شنت إسرائيل عدة غارات مساء الجمعة. "لم يقم بأي خطوة" وقال: "أبلغنا الجانب اللبناني عبر الوسيط الأميركي عن مستودع تصنيع حزب الله في الضاحية، إلا أنه لم يقم بأي خطوة"، وفق زعمه. كما أضاف أن "الجيش لم يستطع على ما يبدو التحرك وتفكيك مستودع حزب الله". في المقابل، أكد مسؤول عسكري لبناني أن إسرائيل حالت دون قيام الجيش بتفتيش الموقع قبل قصفه. وقال: "أرسل الإسرائيليون خلال النهار رسالة مفادها أن هناك هدفا في الضاحية الجنوبية يستفسرون عنه (للاشتباه) بأنه قد يحتوي على أسلحة". "لا يحتوي على شيء" كما أضاف أن الجيش استطلع المكان الذي كان مشروع أبنية مدمرة، ورد عبر الميكانيزم (آلية وقف إطلاق النار ولجنة الإشراف على تطبيقه) بأنه لا يحتوي على شيء"، وفق ما نقلت فرانس برس. وتضم اللجنة لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وتتولى مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الساري بين الجانب الإسرائيي وحزب الله منذ أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. أتى ذلك، بعدما حذر الجانب اللبناني من أن الانتهاكات الإسرائيلية قد تدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (Mechanism) في ما خص الكشف على المواقع. رغم ذلك، شدد الجيش على أنه ملتزم بتنفيذ القرار 1701 واتفاقية وقف الأعمال العدائية. وكانت إسرائيل شنّت، مساء الخميس، عدة غارات على الضاحية الجنوبية التي كانت تعد معقلا لحزب الله، للمرة الرابعة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، بعد نزاع امتد لأكثر من عام على خلفية الحرب في غزة.