logo
أبستيمولوجيا النقد!

أبستيمولوجيا النقد!

الرياضمنذ 6 أيام
عندما نتحدث عن الناقد ودوره في العملية الإبداعية، فإننا نتحدث عن عصب مهم في مهمة المبدع وأثره على المتلقي وبالتالي المجتمع حتى يصل الأمر إلى الفرد الواحد داخل البنية الاجتماعية، فالناقد هو تلك القناة التي يتم من خلالها فهم وتوصيل الرسالة، ثم صياغة الوجدان الجمعي في نهاية الأمر..
مما لا شك فيه أن النظريات النقدية المنبثقة من تلك النظريات الفلسفية لها أثرها الكبير على البنية الاجتماعية وعلى سلوكها، وكان هذا الاهتمام بهذه النظريات وتتبعها ومدى ذلك التأثير الذي يظهر لنا جليا على نتاجاتنا الأدبية ومنها الإعلامية والفنية ومنها تتسرب إلى الوجدان الجمعي ومن هنا كانت تلك الأهمية.
ولذا فإن انتقال النقد من المفهوم الجمالي المعهود إلى كونه علماً من العلوم جعل المفاهيم النقدية العربية -وتعدد "أبستيمولوجيا"- النقد في حيرة، وذلك يرجع إلى تدفق العديد من النظريات وخصوصاً في النقد الحديث، ففريق يعتنق هذه النظريات الحديثة وفريق يقف ضدها كونها غريبة وشاذة عن القيم العربية ودياناتها ولغتها وأيضا" عاداتها وأغراضها. فالفن نطاق من نظريات وأسس تكونت عبر التاريخ الإنساني نتيجة تطور المعارف الإنسانية والعلوم المختلفة، وكانت تساعد الناقد وتقدم له يد العون حتى يكون تقييم الناقد للعمل الفني تقييما "موضوعيا عادلا"، قائماً على معيار نقدي لا دخل فيه للنزاعات الشخصية أو لمعارف (الشللية) تتأرجح بين نظريات عربية وغربية غير مستنبتة من تربة عربية تعمل على الاستئناس والأنس، مما جعلت الناقد العربي يقف بين القديم والحديث وبين النزاعات الفردية في مناخ من الاغتراب، هذا الاغتراب يطال بدوره المتلقي، ومن أوضح آثار ذلك عجز الناقد عن تحقيق وجوده الأصيل بوصفه ناقدا عربيا ينتمى إلى ثقافة ما زال لها خصوصيتها التاريخية والحضارية ولم تفتتها قيم ومعايير النظام العالمي الجديد، فكان العالم الجديد عالما موحشا ومخيفا إذا ما صدق فريدمان لأن أفقه مظلم لا يتلاقى مع الآخر فالمستقيمات لا تتلاقى مهما يكن، وتلك هي نظرة فريدمان الطاردة والتي تظهر في ظاهرها حاظنة، إلا أن المسطح لا يحتوي أطرافه، وقد افترضت أن النقد هو العامل المعرفي عدو الغربة، والأنس هو صانع الحضارات والتقدم في شتى المجالات وبالتالي كان لزاما علينا البحث عن الأنس عبر خطاب مستأنس وللنقد باعه الأول في هذا الشأن.
فمع ظهور نظريات العالم الجديد أصبحت الغربة والوحشة وانفصام العرى بين أفراد المجتمع والخوف بطبيعة الحال أو قل الغربة أمر مدمر بطبيعة الحال.
ولذا توجب توفر دور الناقد وبوفرة كبيرة لعمل على وصل الرسائل في حلة تكاد تكون مفصولة بين هذا وذاك، فإذا كان معنى النقد في اللغة العربية هو التميز بين جيد العملة "فضية أو ذهبية" وبين زائفها، فهذا يستلزم من الناقد الخبرة والفكر" المعيار النقدي على أسس معيارية" ثم الحكم. وهذا هو المعنى القريب من الأصل الاشتقاقي لكلمة نقد في اللغات العربية، والنقد بالإضافة لكونه علما من العلوم الإنسانية إلا أنه أيضا "ملكة من ملكات الآذان" فالإنسان فطر على الحكم على ما يقع أمامه من الأشياء وتفضيلات الأطفال أحسن نموذج على ذلك، لكن هذا الحكم كثيرا ما يفتقد العلة والتبرير للتفضيلات وهو ما يمكن تسميته "النقد الساذج"، ولكى يعرف الإنسان السبب وراء تفضيلاته يجب أن تكون لديه الخبرة والمعرفة الأصيلة بقواعد وأسس اختيار الجيد من الرديء.
وهذا ما يفتقده النقد في عالمنا الثقافي المعاصر، والمعرفة هي إحدى ركائز الناقد إن جاز التعبير، وإذا ولجنا إلى أغوار المعرفة -هذه الكلمة التي حيرت العلماء والباحثين عبر العصور- نجدها تأخذ مناحي عديدة فلسفية وعلمية تجعلها جوهرية تحمل في ثناياها خلاصة المجتمعات البشرية الآتية من عمق التاريخ في ديمومة بحثية لا تنتهي، ولذلك فالفلسفة تشغل حيزاً كبيرا من أدوات الناقد "فالمطابع مغازل والباحثون ديدان قز، فاحذر أن تتعقد حولك خيوطك الحريرة".
وهذه مشكلة من مشكلات النقد الحديث، فعندما نتحدث عن الناقد ودوره في العملية الإبداعية، فإننا نتحدث عن عصب مهم في مهمة المبدع وأثره على المتلقي وبالتالي المجتمع حتى يصل الأمر إلى الفرد الواحد داخل البنية الاجتماعية، فالناقد هو تلك القناة التي يتم من خلالها فهم وتوصيل الرسالة، ثم صياغة الوجدان الجمعي في نهاية الأمر، حيث إن العمل الإبداعي رسالة من مرسل إلى متلقي والناقد هو ذلك الوسيط الذى يتناول بالتحليل والتفسير لكى تصل الرسالة المنشودة وبالتالي رفض كل ما هو رديء في رسائل ثقافية تعمل على تشتيت الصورة الحقة أو تسيء لها. وفى ضوء ذلك الزخم من المدارس النقدية يقف الناقد إما معتنقا كما أسلفنا فيكون من أصحاب الفكر النخبوي المتعال على حساب المتلقي العادي، وإما متمسكا بتلابيب القديم المعهود فيوصم بالرجعية والجهل وقليل الخبرة. مما جعل النقاد يتنافسون في استصدار مصطلحات نقدية تحتاج إلى معاجم نقدية حذرا منهم أن يوصموا بتلك السمة.
وتحت تأثير التقدم العلمي في حقل الفيزياء خاصة، أصبح النقد أبستمولوجيا في قرننا هذا أي أنه أصبح خطابا حول أسس الخطاب العلمي نفسه كما مع الفرنسي "غاستون باشلار"، فيشهد زماننا الحالي هجوما مركزا على المسلمات التي كانت ترتكز عليها المعرفة كبراءة العلم وسلطة العقل ومركزيته، ويكفي أن نذكر فى هذا المضمار عمل الألماني "يوجيني هاربر" والفرنسيين "ميشال فوكو" و"وجاك درايدا وهيليس ميلر، وبوب دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم ولويس جولدمان وبارت وغيرهم": إن العلوم الإنسانية من اقتصاد وأنسنة وتحليل نفس قد زعزعت الثقة بالصرح الإنساني .
ومن هنا كانت الصعوبة القصوى في الحديث عن أية نظريات -في والشعر والفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة- تبدو الآن وكأنها فقدت البوصلة التي تستطيع أن ترشد إلى الاتجاه الذي تسير فيه، إذ تخلخلت الأسس التي تقوم عليها يقينية المعيار النقدي، ومن هنا كان البحث أو قل السباحة عبر أمواج ودهاليز النظريات النقدية مقترنا بالفلسفة منذ النقد التذوقي في فنون ما قبل الميلاد وأيضاً منذ بداية علم الكلام وتجليات الخطاب، وحتى أحدث المدارس النقدية والأدبية ومنظريها حيث التفكيكية ونظريات السرد ونظرية الكوانتم للوصول إلى حل لغز تلك الغربة التي يحياها الناقد والمبدع وبالتالي غربة الفرد عن واقعه في ضوء هذا القلق الدائم، فغربة المتلقي عن ثقافته تحمله إلى غربته عن الواقع وتنشأ ثقافة الانسحاب التي لحظها هذه الأيام والهروب إلى تقنيات التواصل وغيرها من التقنيات التي أصبح مغلقا نفسه عليها!.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث في معرض المدينة للكتاب
مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث في معرض المدينة للكتاب

الرياض

timeمنذ 43 دقائق

  • الرياض

مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث في معرض المدينة للكتاب

شاركت مكتبةُ الملك عبدالعزيز العامّة في فعاليات النّسخةِ الرابعة من معرض المدينة المنورة الدولي للكتاب 2025، الذي نظِّمه هيئة الأدب والنّشر والتّرجمة خلال الفترة من 29 يوليو حتى 4 أغسطس، بمجموعةٍ واسعةٍ من الإصدارات الجديدة، إلى جانب برامجَ معرفيةٍ وثقافية تُسلِّط الضوءَ على مسارات التراث والإبداع الوطني، وتعكسُ دَور "المكتبة" كمؤسّسة معرفيةٍ راسخة في المشهد الثقافي السُّعودي. وعرضت "المكتبة" في جناحها عددًا من الكتب العلمية والفنية والأدبية التي تمثّل باكورةَ إصداراتها الحديثة، من أبرزها: "الخط العربي على النقود الإسلامية"، و"المسكوكات الإسلامية"، و"القهوة السعودية"، و"الكمأة في التاريخ والطب"، و"الحكايات الشعبية"، و"كأس الشوكران"، و"سقوط البرية"، و"صناعة السدو"، و"سعادة الإنسان مع الخيل"، إلى جانب كتابٍ توثيقيٍّ عن تاريخ العلاقات التجارية بين الصين والجزيرة العربية. وفي بُعد بصَري وثقافي موازٍ، عرضت مكتبةُ الملك عبدالعزيز العامة مجموعةً من الصُّوَر النادرة التي توثّق الحِرَفَ اليدويَّة في مناطق المملكة المختلفة، في إطار تفعيل "عامِ الحِرَف اليدوية 2025" الذي أطلقته وزارةُ الثقافة، بهدفِ إبرازِ التَّنوُّع التراثيِّ وتعزيز قيمةِ الحِرَف كمُكوِّن من مكونات الهوية الوطنية. كما قدمت "المكتبة" في ركنٍ خاصٍّ بالأطفال مجموعةً من قصصها التربوية والأنشطة التفاعلية، الموجّهة إلى مختلف الفئات العمرية، من بينها: "مذكرات فصيل"، و"قعود" (باللغتين العربية والإنجليزية)، و"العرضة السعودية للأطفال"، ضمن توجُّهٍ يهدِف إلى ترسيخ القيم الثقافية والتاريخية لدى الأجيال الناشئة بلغةٍ سَرديّة مبسطة وممتعة. وتأتي هذه المشاركةُ في سياقِ جهود مكتبةِ الملك عبدالعزيز العامّة في التعريف بالثقافة السُّعودية بمختلف أوجُهِها، وتعزيز القيم المعرفية والتراثية والحضارية للمملكة، إلى جانب إبراز دورها في حِفظ وإتاحة التراث العربي والإسلامي، من خلال المنصَّات الثقافية الكبرى.

ورشة تحذرمن الضجيج المعرفي
ورشة تحذرمن الضجيج المعرفي

الرياض

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرياض

ورشة تحذرمن الضجيج المعرفي

أكَّد الدكتور خالد الحربي أنَّ تسويق المحتوى الثَّقافي لا يبدأ بالنَّشر، بل بفهم الجمهور، وأنَّ الرَّسائل المعرفيَّة التي لا تُترجم إلى تأثيرٍ على الوعي والسُّلوك تبقى في دائرة الاستهلاك السّطحي، حيث إنَّ "المحتوى القويّ قد يفشل، والمحتوى الضّعيف قد ينتشر، إن لم يُصغَ بما يلائمُ نمط التّلقّي وسلوك الجمهور". جاء ذلك خلال ورشةٍ بعنوان "ما بين القارئ والرِّسالة: كيف تسوِّق محتواك الثَّقافيّ من خلال فَهم جمهورك"، أقيمتْ ضمن فعاليّات معرض المدينة المنوّرة للكتاب 2025، الذي تنظِّمه هيئةُ الأدب والنَّشر والتَّرجمة. وأضاف الحربيّ في بداية الورشة: "إذا لم يفهم الكاتبُ جمهورَه، فماذا يَكتُب له؟ وإذا فهمه فقط ليكسبه، فماذا يضيف له؟ نحن بحاجةٍ إلى محتوى يعرف مَن يخاطب دون أن يرضخَ له بالكامل". وهذا ما جعله يدعو إلى إعادةِ تعريفِ العلاقة بين النَّشر والمتلقّي، بحيث لا تكتفي الرّسائل الثّقافيّة بأن تُقرأ، بل تتجاوز ذلك إلى التّأثير في الذَّائقة والهويّة. وأوضح أنَّ النَّشر التَّقليدي، الذي يُنتج كتابًا ثمَّ ينتظر قُرّاءه، لم يعُد كافيًا في ظلِّ التّحوّلات السَّريعة في سلوك القرّاء، ما لم يتحوّل إلى تجربةٍ تفاعليَّة تبدأ من فَهم احتياجاتِ الفئات المستهدفة، وتقديم محتوى قادرٍ على استيعابِ هذا التنوّع. كما أشار إلى أهميّة تحليل سلوك الجمهور، سواء في تفضيله للورقي أو الرَّقمي، أو في حضوره المباشر للفعاليات الثَّقافية مقابل متابعتها من بُعد، موضحًا أنَّ هذه المؤشّراتِ تساعدُ صنّاع المحتوى ودورَ النّشر على اختيار المنصّاتِ والقنوات الأنسب، وتطويرِ أدوات تسويقٍ أكثرَ فاعليّة. وقدّم الحربي خلال الورشة أمثلةً تطبيقيَّةً على استراتيجيَّاتٍ تسويقيَّةٍ اتِّصاليَّة ناجحةٍ، استَخدمَتْها مبادراتٌ معرفيَّةٌ لبناء قاعدةٍ جماهيريَّة راسخةٍ، من خلال الجمع بين العُمق الثَّقافيّ والمخاطبة الذكيَّة للفئات المستهدفة. كما توقَّف عند أبرز التَّحديات التي تواجه صنّاع المحتوى، وعلى رأسها التّوفيق بين الأمانة المعرفيّة ومتطلبات السّوق، وبين العمق والانتشار، مشيرًا إلى أنَّ من ينجح في هذه الموازنة يصنع مشروعًا ثقافيًّا حقيقيًّا، لا مجرد "منشور عابر".

ندوة تبرز الحج كجسر للتواصل الثقافي والروحي
ندوة تبرز الحج كجسر للتواصل الثقافي والروحي

الرياض

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرياض

ندوة تبرز الحج كجسر للتواصل الثقافي والروحي

أكد أستاذ التاريخ والباحث المتخصص في الحراك العلمي والثقافي في الحجاز الدكتور عبدالرحمن الوقيصي، أن الحج يمثل فرصة لاكتشاف المملكة العربية السعودية من الداخل، لا بوصفها وجهة دينية فحسب، بل من خلال ثقافتها وفنونها وعمرانها وناسها، مشيرًا إلى الأثر الاجتماعي الذي يتركه الحاج في مجتمعه المحلي بعد عودته، بصفته حاملًا لرمزية دينية وثقافية وسفيرًا لروح المكان. جاء ذلك خلال ندوة ضمن البرنامج الثقافي لمعرض المدينة المنورة للكتاب 2025، أدارها المهندس يزيد الملحم، الذي افتتح اللقاء بالتأكيد على أهمية قراءة الحج بعدسة تتجاوز الشعائر إلى أبعاده الثقافية والاجتماعية والتاريخية. وفي بداية حديثه، شكر الدكتور الوقيصي هيئة الأدب والنشر والترجمة على تنظيم المعرض، واصفًا إياه بالعرس الثقافي السنوي الذي يجمع الكتّاب والقرّاء والمثقفين في مدينة النور. وسلّط الضوء على مكانة الحرمين الشريفين كمركزين للمعرفة والتبادل الثقافي، مشيرًا إلى أن رحلة الحج كانت ولا تزال حدثًا مركزيًّا في الوعي الإسلامي، ورافدًا غنيًّا للمذكرات والكتابات التي دوّنها العلماء والحجّاج عبر العصور، وهي نصوص تُعد مراجع حضارية لفهم الحجاز وأحوال الأمة الإسلامية. وتوقف عند ما يحمله الحجاج معهم إلى بلدانهم من مقتنيات رمزية تعكس ذوق المجتمع الحجازي، وتعبّر عن عمق التجربة الروحية والثقافية للحج، مبينًا أن هذه التفاصيل الصغيرة ترسّخ مكانة الحرمين في الوجدان الإسلامي. واختتم الدكتور الوقيصي حديثه بالإشادة بمبادرات المملكة ضمن رؤية 2030، وبخاصة برنامج خادم الحرمين الشريفين لخدمة الحاج والمعتمر، الذي يهدف إلى تسهيل إجراءات الوصول وتوسيع فرص الحج والعمرة أمام المسلمين من مختلف أنحاء العالم، بوصفه امتدادًا للدور التاريخي للمملكة في رعاية ضيوف الرحمن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store