
مراكز البيانات الأميركية في مرمى التجسس الصيني.. ثغرات تهدد الذكاء الاصطناعي
في قلب السباق العالمي المحموم نحو الذكاء الاصطناعي الفائق، الذي تتنافس فيه الأمم لتطوير أنظمة قادرة على إعادة تشكيل موازين القوى، تبرز نقطة ضعف خفية، لكنها بالغة الأهمية، قد تقلب هذه المنافسة رأسا على عقب.
فمراكزُ البيانات الأميركية، التي تمثل البنية التحتية الحيوية لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، أصبحت هدفا رئيسيا لتهديدات سيبرانية متطورة، يُخشى أن يكون بعضها مدعوما من قوى دولية منافسة.
تقرير حديث صادر عن "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI)، راجعته البيت الأبيض، يكشف عن ثغرات أمنية خطِرة في هذه المراكز قد تؤدي إلى تعطيل مشاريع الذكاء الاصطناعي وتقويض الأمن القومي الأميركي على حد سواء، خاصة مع إمكانية استغلال هذه الهجمات سرقة ملكية فكرية حساسة أو شن هجمات تخريبية مدمرة.
وفي هذا السياق، يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: هل يمكن أن تكون مراكز البيانات، التي تعتبر حصونا للابتكار، هي نفسها نقطة الضعف القاتلة في معركة الذكاء الاصطناعي؟
التجسس الصيني يترصّد مراكز الذكاء الاصطناعي.. ماذا كشف تقرير "غلادستون إيه آي"؟
تستثمر شركات التكنولوجيا مئات المليارات من الدولارات في إنشاء مراكز بيانات جديدة داخل الولايات المتحدة، حيث يفترض في حال سارت الأمور وفقا للخطة، أن تستخدم هذه المراكز لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي فائقة القوة.
إعلان
غير أن هذه المراكز، بحسب التقرير الذي نشره مركز "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI) الثلاثاء 22 أبريل/نيسان، تواجه خطرا متزايدا يتمثل في التجسس الصيني. ويرى معدّو التقرير أن التهديد لا يقتصر على الخسائر المالية المحتملة لشركات التكنولوجيا، بل يمتدّ ليطال الأمن القومي الأميركي، في ظل السباق الجيوسياسي الشرس مع الصين للوصول إلى تفوق في تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم.
وبحسب مؤلفيْ التقرير، الشقيقين إدوار وجيرمي هارس من شركة "غلادستون إيه آي"، الاستشارية للحكومة الأميركية بشأن التداعيات الأمنية لِتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد جرى تداوله بنسخته غير المنقحة داخل البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من إدارة ترامب. وقد حصلت مجلة "تايم" (Time) على نسخة منقحة منه قبل نشره للجمهور، بينما امتنع البيت الأبيض عن التعليق على محتواه.
ويحذر التقرير من أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الكبرى الحالية، وكذلك تلك التي قيد الإنشاء مثل مشروع "ستارغيت" (Stargate) التابع لـ " أوبن إيه آي" قد تواجه نوعين من التهديدات التي قد تنفذها جهات معادية على مستوى الدول، وفقا لما صرح به المؤلفون لمجلة "تايم"، وهما:
التخريب غير المتماثل: إذ يمكن لهجمات منخفضة التكلفة أن تحدث شللا في العمليات الحيوية لهذه المراكز عدة أشهر.
هجمات التسريب: وتستهدف مباشرة سرقة أو مراقبة النماذج المحمية التي تمثل جوهر التقدم في هذا المجال.
وفي هذا السياق، يقول إدوار هاريس، أحد مؤلفي التقرير: "قد ينتهي بنا الأمر إلى عشرات من مواقع مراكز البيانات التي تعدّ فعليا أصولا عالقة، لا يمكن تحديثها لتلبية متطلبات الأمن المطلوبة"، ووصف ذلك بأنه "ضربة قاسية ومؤلمة".
تجدر الإشارة إلى أن الشقيقين هارس، وخلال عام كامل من البحث، زارا مع فريق يضم عناصر سابقين من القوات الخاصة الأميركية المتخصصين في الأمن السيبراني، أحد مراكز البيانات التابعة لإحدى كبرى شركات التكنولوجيا.
حيث اطلعوا أثناء عملهم على حالة مؤكدة تعرّض فيها مركز بيانات تابع لشركة أميركية لهجوم نتج عنهُ سرقة ملكية فكرية، إضافة إلى محاولة استهداف منشأة أخرى عبر مكون حساس لم يُذكر اسمه، وهو هجوم كان من شأنه، لو نجح، أن يعطل المركز أشهرا.
علاوة على ذلك، يتناول التقرير دعوات أطلقتها جهات من وادي السيليكون ودوائر في واشنطن للشروع في "مشروع مانهاتن" (Manhattan Project) للذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير ما يُعرف بـ "الذكاء الفائق"، وهي تقنيات ذكاء اصطناعي خارقة قد تمنح الولايات المتحدة تفوقا إستراتيجيا على الصين.
وعلى الرغم من النبرة التحذيرية للتقرير، فإنه لا يدعو صراحة إلى تنفيذ هذا المشروع، كما لا يعارضه. بل يشير إلى أن الشروع في مثل هذا الجهد الطموح دون معالجة نقاط الضعف الحالية قد يؤدي إلى فشله بدايةً.
ويختتم: "ليس هناك ما يضمن أننا سنبلغ الذكاء الفائق قريبا، لكن إذا حدث ذلك، وكنّا نريد حمايته من السرقة أو التخريب على يد الحزب الشيوعي الصيني، فعلينا أن نبدأ في بناء منشآت آمنة من الأمس، لا من الغد".
الهيمنة الصينية على مكونات مراكز البيانات.. تهديدات خفية تعيق التقدم الأميركي
يكشف التقرير عن نقطة ضعف أخرى تتمثل في الهيمنة الصينية على أجزاء رئيسية من مكونات مراكز البيانات الحديثة، حيث يتم تصنيع العديد من هذه المكونات حصريا أو شبه حصري داخل الصين. ومع التوسع الهائل في صناعة مراكز البيانات، فإن الطلب على هذه الأجزاء قد تفاقم عدة سنوات، مما يعقد عملية الحصول عليها.
وهذا يعني أن أي هجوم على مكون حيوي معين قد يتسبب في تعطيل مركز البيانات مدة طويلة، قد تصل إلى عدة أشهر أو أكثر.
ويزعم التقرير أن بعض هذه الهجمات قد تكون غير متكافئة بشكل كبير. على سبيل المثال، يمكن تنفيذ إحدى هذه الهجمات المحتملة مقابل 20 ألف دولار فقط، وإذا نجحت، يمكن أن تعطل مركز بيانات بقيمة 2 مليار دولار فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة كاملة.
كما يشير التقرير أيضا، إلى أن الصين قد تؤخر شحن المكونات الضرورية لإصلاح مراكز البيانات المتضررة نتيجة لهذه الهجمات، خصوصا إذا اعتبرت أن الولايات المتحدة على وشك تطوير الذكاء الفائق. ويؤكد المصدر نفسه أنه "من المحتمل أن تبدأ المهل الزمنية للمكونات الحيوية، مثل المولدات والمحولات في ازدياد غامض، مقارنة بما هي عليه الآن".
ويضيف التقرير أنه في حال حدوث ذلك، سيكون مؤشرا على أن الصين تُحول في هدوء هذه المكونات إلى منشآتها الخاصة، نظرا لسيطرتها على القاعدة الصناعية التي تصنع معظمها.
كيف تفتح الثغرات الأمنية في مختبرات الذكاء الاصطناعي الطريق لهجمات الدول الكبرى؟
يفيد التقرير، أن مراكز البيانات الحالية، ومختبرات الذكاء الاصطناعي نفسها، لا تتمتع بالأمان الكافي لمنع سرقة أوزان الذكاء الاصطناعي، التي تعدّ أساس الشبكات العصبية الكامنة وراء هذه النماذج. ووفقا للمصدر نفسه، فإن هذه الثغرات قد تتيح للمهاجمين على مستوى الدولة تنفيذ هجمات فعالة.
في هذا السياق، يستشهد المؤلفون بمحادثة مع باحث سابق في "أوبن إيه آي"، الذي وصف ثغرتين قد تسمحان بحدوث هجمات مشابهة. واحدة من هذه الثغرات أُبلِغ عنها على قنوات "سلاك" (Slack) الداخلية للشركة، لكنها ظلت بلا معالجة عدة أشهر.
ورغم أن التفاصيل الدقيقة للهجمات لم تدرج في النسخة التي اطلعت عليها مجلة "تايم" من التقرير، إلا أن تلك الحوادث تسلط الضوء على ثغرات كبيرة في أنظمة الأمان.
في المقابل، صرح متحدث باسم "أوبن إيه آي" في بيان: "ليس من الواضح تماما ما تشير إليه هذه الادعاءات، لكن يبدو أنها قديمة ولا تعكس الوضع الحالي لمُمارساتنا الأمنية. لدينا برنامج أمني صارم تشرف عليه لجنة السلامة والأمن التابعة لمجلس إدارتِنا".
ورغم هذه الردود، يقر مؤلفو التقرير أن الأمور تتحسن ببطء. حيث يقول التقرير: "وفقا لعدد من الباحثين الذين تحدثنا إليهم، فقد شهد الأمن في مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة تحسنا طفيفا في العام الماضي، لكنه لا يزال بعيدا عن توفير الحماية الكافية من هجمات الدول".
كما أضاف المصدر ذاته، أن الضوابط الأمنية الضعيفة في العديد من هذه المختبرات ناتجة في جزء منها عن تحيز ثقافي نحو السرعة على حساب تعزيز الأمن.
وبحسب تقرير مجلة "تايم"، يتفق الخبراء المستقلون على أن العديد من هذه المشكلات لا تزال قائمة، إذ يقول غريغ ألين، مدير مركز "وادهني" للذكاء الاصطناعي (Wadhwani AI center) في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: "لقد شهدنا حوادث علنية لعصابات إلكترونية تخترق طريقها إلى أصول ملكية فكرية لشركة إنفيديا أخيرا".
ويضيف: "أجهزة الاستخبارات الصينية أكثر قدرة وتطورا من هذه العصابات. ومن ثم، هناك فجوة كبيرة بين الهجوم والدفاع عندما يتعلق الأمر بالمهاجمين الصينيين والمدافعين عن شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية".
وكمثال واضح على هذه الفجوة، يكفي استرجاع قضية مجموعة "لابسوس" ($Lapsus) إذ اخترقت عدة شركات تكنولوجية كبرى مثل "أوبر" (Uber) و" إنفيديا" و"روكستار غيمز" (Rockstar Games)، وتضم في أعضائها مراهقين من المملكة المتحدة والبرازيل، واستطاعت الوصول إلى بيانات حساسة لشركات عملاقة، مما يعكس خطورة الهجمات التي قد تكون أكثر تنظيما بفعل دول مثل الصين.
ذكاء اصطناعي فائق يختبر حدود الحرية.. هل يصبح خصما لمطوريه؟
يشير التقرير إلى نقطة ضعف حاسمة ثالثة تتمثل في قابلية مراكز البيانات ومطوري الذكاء الاصطناعي للتأثر بنماذج الذكاء الاصطناعي القوية نفسها. فقد أظهرت دراسات حديثة، أجراها باحثون بارزون في هذا المجال، أن النماذج المتقدمة بدأت تبدي دوافع ومهارات تقنية تؤهلها للإفلات من القيود التي فرضها عليها مطوّروها.
ومن أبرز الأمثلة التي وردت في التقرير، حالة نموذج تابع لـ "أوبن إيه آي" كُلف أثناء الاختبار بمهمة استرجاع سلسلة نصية من برنامج معيّن، إلا أن البرنامج لم يعمل لخلل في الاختبار. عندها، بادر النموذج من تلقاء نفسه، ودون أي توجيه بشري، إلى مسح الشبكة لفهم سبب الخلل.
وأثناء هذا المسح، اكتشف ثغرة أمنية في الجهاز الذي يعمل عليه، فاستغلها مرة أخرى من دون أي توجيه للخروج من بيئة الاختبار واستعادة السلسلة التي طلب منه في البداية العثور عليها.
وجاء في التقرير: "مع بناء تطوير مطوري الذكاء الاصطناعي لنماذج ذكاء اصطناعي أكثر قدرة على طريق الوصول إلى الذكاء الفائق، أصبحت تلك النماذج أصعب في التصحيح والتحكم. يحدث هذا لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية القدرة والواعية بالسياق يمكنها ابتكار إستراتيجيات إبداعية خطِرة لتحقيق أهدافها الداخلية لم يتوقعها مطوروها أو يقصدوها أبدا".
وبناء عليه، يوصي التقرير بضرورة أن تتضمن جهود تطوير الذكاء الاصطناعي آليات فعالة لاحتواء الذكاء الاصطناعي، مع تمكين القادة المسؤولين من إيقاف تطوير الأنظمة الأقوى في حال تبين أن مستوى الخطر مرتفع للغاية.
ومع ذلك، يحذر المؤلفون من أنه في حال تمكنوا فعلا من تدريب ذكاء فائق حقيقي له أهداف مختلفة عن أهدافهم، فمن المحتمل ألا يكون قابلا للاحتواء على المدى الطويل، مثلما ورد في التقرير.
في اختبار القوة والأخلاق
على الرغم من أن المقارنة بـ"مشروع مانهاتن" تبدو محملة برمزية درامية، إلا أنها تفضح قلقا أميركيا عميقا، ليس من خسارة التفوق التقني فحسب، بل من تحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح إستراتيجي بيد منافس لا يمكن التنبؤ بسلوكه.
لكن القلق الأكبر لا يكمن في تسرب التقنية فحسب، بل في ما قد تفعله أميركا بها حين تحتكرها. هل تبقى المبادئ الأخلاقية كالنشر المفتوح والحوكمة العالمية، جزءا من معادلة الذكاء الاصطناعي؟ أم إن التقنية، مثلما رأينا في الطاقة النووية، ستخضعُ لحسابات الهيمنة والاصطفاف السياسي؟
هذا التوتر يتفاقم حين تنكشف الازدواجية الأخلاقية للولايات المتحدة، التي تدعو إلى "الذكاء الاصطناعي المسؤول" في المؤتمرات الدولية، بينما تدعم آلة إبادة لا هوادة فيها تشنّ على قطاع غزة، وتقف سياسيّا وتقنيا إلى جانب جيش احتلال أباد حتى اليوم، أكثر من خمسين ألف إنسان على مرأى من العالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
"أوبن إيه آي" تعتزم دعم الإمارات في تطوير أحد أكبر مراكز البيانات بالعالم
تخطط شركة " أوبن إيه آي" لإنشاء مركز بيانات ضخم في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة بقدرة 5 غيغاوات، الذي قد يصبح أكبر مركز بيانات عالميا، وفقا لتقرير نشره موقع رويترز. ومن المتوقع أن يغطي مركز البيانات الجديد في أبو ظبي مساحة هائلة تصل إلى 16 كيلومترا مربعا، ويستهلك طاقة تعادل 5 مفاعلات نووية، مما يجعله أكبر بكثير من أي بنية تحتية للذكاء الاصطناعي سبق أن أعلنت عنها "أوبن إيه آي" أو أي شركة ذكاء اصطناعي أخرى. يُذكر أن هذا المشروع سيتم بالشراكة مع "جي 42" (G42) -وهي شركة تكنولوجيا ضخمة مقرها أبو ظبي- ويأتي كجزء من مشروع "ستارغيت" (Stargate) الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء مراكز بيانات ضخمة حول العالم، بحيث تكون مزودة بأقوى الشرائح الإلكترونية لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي بالشراكة مع "سوفت بانك" (SoftBank) و"أوراكل" (Oracle). وبينما يُتوقع أن تبلغ قدرة أول مركز "ستارغيت" في الولايات المتحدة نحو 1.2 غيغاوات، فإن المركز في أبو ظبي سيتجاوز ذلك بأكثر من 4 أضعاف، إذ إن هذا المشروع يأتي في إطار تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو تعاون يمتد لعدة سنوات وأثار قلق بعض المشرعين الأميركيين. وتعود علاقة "أوبن إيه آي" مع الإمارات إلى عام 2023 من خلال شركة "جي 42" التي كان هدفها تسريع تبني الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، وقد أشاد الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" سام ألتمان بالإمارات العربية المتحدة، قائلا إنها كانت تتحدث عن الذكاء الاصطناعي قبل أن يصبح شائعا. ومن جهة أخرى، وكما هو الحال في كثير من مشاريع الذكاء الاصطناعي فإن هذه العلاقات معقدة، فشركة "جي 42" يرأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني في الإمارات والشقيق الأصغر لحاكم البلاد، وقد أثارت علاقتها بـ "أوبن إيه آي" مخاوف في الولايات المتحدة عام 2023، بسبب ارتباطات سابقة بشركات صينية مدرجة على القائمة السوداء، مثل " هواوي" ومعهد بكين للجينوم. ومع ضغوط متزايدة من المشرعين الأميركيين، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "جي 42" في بداية 2024 أن الشركة غيرت إستراتيجيتها وتخلت عن استثماراتها في الصين وأغلقت حضورها هناك بالكامل، وفي وقت لاحق أعلنت مايكروسوفت -أحد كبار المستثمرين في "أوبن إيه آي"- عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في "جي 42″، كما انضم رئيسها براد سميث إلى مجلس إدارة الشركة مما عزز التعاون بين الجانبين.


الراية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الراية
أمريكا قادرة على الحد من مخاطر رقائق الذكاء الاصطناعي
دون وقف الصادرات ..مسؤول: أمريكا قادرة على الحد من مخاطر رقائق الذكاء الاصطناعي الرياض - (رويترز) : قال مسؤول في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى منع الانتشار العالمي لرقائق الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخاصة بالبلاد من أجل التعامل مع مخاطر الأمن القومي، فيما يشير إلى موقف أكثر انفتاحا حيال التصدير إلى حلفاء محل ثقة مثل السعودية. وأدلى ديفيد ساكس مسؤول الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في البيت الأبيض بتعليقاته في الرياض بعد أيام من إعلان واشنطن عن خطط لإلغاء وتعديل قاعدة أقرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن تحد من تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي للخارج. وقال ساكس في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في بداية جولة الرئيس دونالد ترامب في منطقة الخليج "أعلنت إدارة ترامب للتو أننا سنلغي ما يعرف بقاعدة انتشار بايدن... لقد قيدت حرفيا انتشار التكنولوجيا الأمريكية في جميع أنحاء العالم". وأضاف ساكس "الانتشار ليس مخاطرة على الإطلاق مع (بلد) صديق مثل السعودية ولكن أعتقد أنه كان هناك بشكل عام قدر كبير من إساءة الفهم بشأن تغيير مسار وحدات معالجة الرسوم". وتمثل تعليقاته تحولا عن القيود المفروضة في الآونة الأخيرة على نقل تكنولوجيا مراكز البيانات، وتشير أيضا إلى اهتمام أمريكي متزايد بتعزيز العلاقات التقنية مع الشركاء في الشرق الأوسط الذين يضخون المليارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ويسعون للتحول إلى مركز للتكنولوجيا الناشئة خارج الولايات المتحدة. وقال ساكس "السبب الأصلي وراء قاعدة الانتشار هو أن لدينا سياسة تتعلق بعدم الرغبة في وصول أشباه الموصلات المتطورة لدينا إلى ما يسمى بالدول المثيرة للقلق"، مضيفا أن هذه السياسة لم تكن تهدف أبدا إلى السيطرة على الأصدقاء والحلفاء والشركاء الاستراتيجيين. صدر (إطار عمل نشر الذكاء الاصطناعي) في يناير كانون الثاني، قبل أسبوع من انتهاء ولاية بايدن. وتوج هذا الإطار جهودا استمرت أربع سنوات بذلتها إدارة بايدن لتقييد حصول الصين على الرقائق المتطورة التي يمكنها تعزيز قدراتها العسكرية، والحفاظ على ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي.


الجزيرة
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
مراكز البيانات الأميركية في مرمى التجسس الصيني.. ثغرات تهدد الذكاء الاصطناعي
في قلب السباق العالمي المحموم نحو الذكاء الاصطناعي الفائق، الذي تتنافس فيه الأمم لتطوير أنظمة قادرة على إعادة تشكيل موازين القوى، تبرز نقطة ضعف خفية، لكنها بالغة الأهمية، قد تقلب هذه المنافسة رأسا على عقب. فمراكزُ البيانات الأميركية، التي تمثل البنية التحتية الحيوية لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، أصبحت هدفا رئيسيا لتهديدات سيبرانية متطورة، يُخشى أن يكون بعضها مدعوما من قوى دولية منافسة. تقرير حديث صادر عن "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI)، راجعته البيت الأبيض، يكشف عن ثغرات أمنية خطِرة في هذه المراكز قد تؤدي إلى تعطيل مشاريع الذكاء الاصطناعي وتقويض الأمن القومي الأميركي على حد سواء، خاصة مع إمكانية استغلال هذه الهجمات سرقة ملكية فكرية حساسة أو شن هجمات تخريبية مدمرة. وفي هذا السياق، يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: هل يمكن أن تكون مراكز البيانات، التي تعتبر حصونا للابتكار، هي نفسها نقطة الضعف القاتلة في معركة الذكاء الاصطناعي؟ التجسس الصيني يترصّد مراكز الذكاء الاصطناعي.. ماذا كشف تقرير "غلادستون إيه آي"؟ تستثمر شركات التكنولوجيا مئات المليارات من الدولارات في إنشاء مراكز بيانات جديدة داخل الولايات المتحدة، حيث يفترض في حال سارت الأمور وفقا للخطة، أن تستخدم هذه المراكز لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي فائقة القوة. إعلان غير أن هذه المراكز، بحسب التقرير الذي نشره مركز "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI) الثلاثاء 22 أبريل/نيسان، تواجه خطرا متزايدا يتمثل في التجسس الصيني. ويرى معدّو التقرير أن التهديد لا يقتصر على الخسائر المالية المحتملة لشركات التكنولوجيا، بل يمتدّ ليطال الأمن القومي الأميركي، في ظل السباق الجيوسياسي الشرس مع الصين للوصول إلى تفوق في تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم. وبحسب مؤلفيْ التقرير، الشقيقين إدوار وجيرمي هارس من شركة "غلادستون إيه آي"، الاستشارية للحكومة الأميركية بشأن التداعيات الأمنية لِتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد جرى تداوله بنسخته غير المنقحة داخل البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من إدارة ترامب. وقد حصلت مجلة "تايم" (Time) على نسخة منقحة منه قبل نشره للجمهور، بينما امتنع البيت الأبيض عن التعليق على محتواه. ويحذر التقرير من أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الكبرى الحالية، وكذلك تلك التي قيد الإنشاء مثل مشروع "ستارغيت" (Stargate) التابع لـ " أوبن إيه آي" قد تواجه نوعين من التهديدات التي قد تنفذها جهات معادية على مستوى الدول، وفقا لما صرح به المؤلفون لمجلة "تايم"، وهما: التخريب غير المتماثل: إذ يمكن لهجمات منخفضة التكلفة أن تحدث شللا في العمليات الحيوية لهذه المراكز عدة أشهر. هجمات التسريب: وتستهدف مباشرة سرقة أو مراقبة النماذج المحمية التي تمثل جوهر التقدم في هذا المجال. وفي هذا السياق، يقول إدوار هاريس، أحد مؤلفي التقرير: "قد ينتهي بنا الأمر إلى عشرات من مواقع مراكز البيانات التي تعدّ فعليا أصولا عالقة، لا يمكن تحديثها لتلبية متطلبات الأمن المطلوبة"، ووصف ذلك بأنه "ضربة قاسية ومؤلمة". تجدر الإشارة إلى أن الشقيقين هارس، وخلال عام كامل من البحث، زارا مع فريق يضم عناصر سابقين من القوات الخاصة الأميركية المتخصصين في الأمن السيبراني، أحد مراكز البيانات التابعة لإحدى كبرى شركات التكنولوجيا. حيث اطلعوا أثناء عملهم على حالة مؤكدة تعرّض فيها مركز بيانات تابع لشركة أميركية لهجوم نتج عنهُ سرقة ملكية فكرية، إضافة إلى محاولة استهداف منشأة أخرى عبر مكون حساس لم يُذكر اسمه، وهو هجوم كان من شأنه، لو نجح، أن يعطل المركز أشهرا. علاوة على ذلك، يتناول التقرير دعوات أطلقتها جهات من وادي السيليكون ودوائر في واشنطن للشروع في "مشروع مانهاتن" (Manhattan Project) للذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير ما يُعرف بـ "الذكاء الفائق"، وهي تقنيات ذكاء اصطناعي خارقة قد تمنح الولايات المتحدة تفوقا إستراتيجيا على الصين. وعلى الرغم من النبرة التحذيرية للتقرير، فإنه لا يدعو صراحة إلى تنفيذ هذا المشروع، كما لا يعارضه. بل يشير إلى أن الشروع في مثل هذا الجهد الطموح دون معالجة نقاط الضعف الحالية قد يؤدي إلى فشله بدايةً. ويختتم: "ليس هناك ما يضمن أننا سنبلغ الذكاء الفائق قريبا، لكن إذا حدث ذلك، وكنّا نريد حمايته من السرقة أو التخريب على يد الحزب الشيوعي الصيني، فعلينا أن نبدأ في بناء منشآت آمنة من الأمس، لا من الغد". الهيمنة الصينية على مكونات مراكز البيانات.. تهديدات خفية تعيق التقدم الأميركي يكشف التقرير عن نقطة ضعف أخرى تتمثل في الهيمنة الصينية على أجزاء رئيسية من مكونات مراكز البيانات الحديثة، حيث يتم تصنيع العديد من هذه المكونات حصريا أو شبه حصري داخل الصين. ومع التوسع الهائل في صناعة مراكز البيانات، فإن الطلب على هذه الأجزاء قد تفاقم عدة سنوات، مما يعقد عملية الحصول عليها. وهذا يعني أن أي هجوم على مكون حيوي معين قد يتسبب في تعطيل مركز البيانات مدة طويلة، قد تصل إلى عدة أشهر أو أكثر. ويزعم التقرير أن بعض هذه الهجمات قد تكون غير متكافئة بشكل كبير. على سبيل المثال، يمكن تنفيذ إحدى هذه الهجمات المحتملة مقابل 20 ألف دولار فقط، وإذا نجحت، يمكن أن تعطل مركز بيانات بقيمة 2 مليار دولار فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة كاملة. كما يشير التقرير أيضا، إلى أن الصين قد تؤخر شحن المكونات الضرورية لإصلاح مراكز البيانات المتضررة نتيجة لهذه الهجمات، خصوصا إذا اعتبرت أن الولايات المتحدة على وشك تطوير الذكاء الفائق. ويؤكد المصدر نفسه أنه "من المحتمل أن تبدأ المهل الزمنية للمكونات الحيوية، مثل المولدات والمحولات في ازدياد غامض، مقارنة بما هي عليه الآن". ويضيف التقرير أنه في حال حدوث ذلك، سيكون مؤشرا على أن الصين تُحول في هدوء هذه المكونات إلى منشآتها الخاصة، نظرا لسيطرتها على القاعدة الصناعية التي تصنع معظمها. كيف تفتح الثغرات الأمنية في مختبرات الذكاء الاصطناعي الطريق لهجمات الدول الكبرى؟ يفيد التقرير، أن مراكز البيانات الحالية، ومختبرات الذكاء الاصطناعي نفسها، لا تتمتع بالأمان الكافي لمنع سرقة أوزان الذكاء الاصطناعي، التي تعدّ أساس الشبكات العصبية الكامنة وراء هذه النماذج. ووفقا للمصدر نفسه، فإن هذه الثغرات قد تتيح للمهاجمين على مستوى الدولة تنفيذ هجمات فعالة. في هذا السياق، يستشهد المؤلفون بمحادثة مع باحث سابق في "أوبن إيه آي"، الذي وصف ثغرتين قد تسمحان بحدوث هجمات مشابهة. واحدة من هذه الثغرات أُبلِغ عنها على قنوات "سلاك" (Slack) الداخلية للشركة، لكنها ظلت بلا معالجة عدة أشهر. ورغم أن التفاصيل الدقيقة للهجمات لم تدرج في النسخة التي اطلعت عليها مجلة "تايم" من التقرير، إلا أن تلك الحوادث تسلط الضوء على ثغرات كبيرة في أنظمة الأمان. في المقابل، صرح متحدث باسم "أوبن إيه آي" في بيان: "ليس من الواضح تماما ما تشير إليه هذه الادعاءات، لكن يبدو أنها قديمة ولا تعكس الوضع الحالي لمُمارساتنا الأمنية. لدينا برنامج أمني صارم تشرف عليه لجنة السلامة والأمن التابعة لمجلس إدارتِنا". ورغم هذه الردود، يقر مؤلفو التقرير أن الأمور تتحسن ببطء. حيث يقول التقرير: "وفقا لعدد من الباحثين الذين تحدثنا إليهم، فقد شهد الأمن في مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة تحسنا طفيفا في العام الماضي، لكنه لا يزال بعيدا عن توفير الحماية الكافية من هجمات الدول". كما أضاف المصدر ذاته، أن الضوابط الأمنية الضعيفة في العديد من هذه المختبرات ناتجة في جزء منها عن تحيز ثقافي نحو السرعة على حساب تعزيز الأمن. وبحسب تقرير مجلة "تايم"، يتفق الخبراء المستقلون على أن العديد من هذه المشكلات لا تزال قائمة، إذ يقول غريغ ألين، مدير مركز "وادهني" للذكاء الاصطناعي (Wadhwani AI center) في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: "لقد شهدنا حوادث علنية لعصابات إلكترونية تخترق طريقها إلى أصول ملكية فكرية لشركة إنفيديا أخيرا". ويضيف: "أجهزة الاستخبارات الصينية أكثر قدرة وتطورا من هذه العصابات. ومن ثم، هناك فجوة كبيرة بين الهجوم والدفاع عندما يتعلق الأمر بالمهاجمين الصينيين والمدافعين عن شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية". وكمثال واضح على هذه الفجوة، يكفي استرجاع قضية مجموعة "لابسوس" ($Lapsus) إذ اخترقت عدة شركات تكنولوجية كبرى مثل "أوبر" (Uber) و" إنفيديا" و"روكستار غيمز" (Rockstar Games)، وتضم في أعضائها مراهقين من المملكة المتحدة والبرازيل، واستطاعت الوصول إلى بيانات حساسة لشركات عملاقة، مما يعكس خطورة الهجمات التي قد تكون أكثر تنظيما بفعل دول مثل الصين. ذكاء اصطناعي فائق يختبر حدود الحرية.. هل يصبح خصما لمطوريه؟ يشير التقرير إلى نقطة ضعف حاسمة ثالثة تتمثل في قابلية مراكز البيانات ومطوري الذكاء الاصطناعي للتأثر بنماذج الذكاء الاصطناعي القوية نفسها. فقد أظهرت دراسات حديثة، أجراها باحثون بارزون في هذا المجال، أن النماذج المتقدمة بدأت تبدي دوافع ومهارات تقنية تؤهلها للإفلات من القيود التي فرضها عليها مطوّروها. ومن أبرز الأمثلة التي وردت في التقرير، حالة نموذج تابع لـ "أوبن إيه آي" كُلف أثناء الاختبار بمهمة استرجاع سلسلة نصية من برنامج معيّن، إلا أن البرنامج لم يعمل لخلل في الاختبار. عندها، بادر النموذج من تلقاء نفسه، ودون أي توجيه بشري، إلى مسح الشبكة لفهم سبب الخلل. وأثناء هذا المسح، اكتشف ثغرة أمنية في الجهاز الذي يعمل عليه، فاستغلها مرة أخرى من دون أي توجيه للخروج من بيئة الاختبار واستعادة السلسلة التي طلب منه في البداية العثور عليها. وجاء في التقرير: "مع بناء تطوير مطوري الذكاء الاصطناعي لنماذج ذكاء اصطناعي أكثر قدرة على طريق الوصول إلى الذكاء الفائق، أصبحت تلك النماذج أصعب في التصحيح والتحكم. يحدث هذا لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية القدرة والواعية بالسياق يمكنها ابتكار إستراتيجيات إبداعية خطِرة لتحقيق أهدافها الداخلية لم يتوقعها مطوروها أو يقصدوها أبدا". وبناء عليه، يوصي التقرير بضرورة أن تتضمن جهود تطوير الذكاء الاصطناعي آليات فعالة لاحتواء الذكاء الاصطناعي، مع تمكين القادة المسؤولين من إيقاف تطوير الأنظمة الأقوى في حال تبين أن مستوى الخطر مرتفع للغاية. ومع ذلك، يحذر المؤلفون من أنه في حال تمكنوا فعلا من تدريب ذكاء فائق حقيقي له أهداف مختلفة عن أهدافهم، فمن المحتمل ألا يكون قابلا للاحتواء على المدى الطويل، مثلما ورد في التقرير. في اختبار القوة والأخلاق على الرغم من أن المقارنة بـ"مشروع مانهاتن" تبدو محملة برمزية درامية، إلا أنها تفضح قلقا أميركيا عميقا، ليس من خسارة التفوق التقني فحسب، بل من تحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح إستراتيجي بيد منافس لا يمكن التنبؤ بسلوكه. لكن القلق الأكبر لا يكمن في تسرب التقنية فحسب، بل في ما قد تفعله أميركا بها حين تحتكرها. هل تبقى المبادئ الأخلاقية كالنشر المفتوح والحوكمة العالمية، جزءا من معادلة الذكاء الاصطناعي؟ أم إن التقنية، مثلما رأينا في الطاقة النووية، ستخضعُ لحسابات الهيمنة والاصطفاف السياسي؟ هذا التوتر يتفاقم حين تنكشف الازدواجية الأخلاقية للولايات المتحدة، التي تدعو إلى "الذكاء الاصطناعي المسؤول" في المؤتمرات الدولية، بينما تدعم آلة إبادة لا هوادة فيها تشنّ على قطاع غزة، وتقف سياسيّا وتقنيا إلى جانب جيش احتلال أباد حتى اليوم، أكثر من خمسين ألف إنسان على مرأى من العالم.