logo
حملة لاعتقال الحريديم الفارين من الخدمة وقادتهم يهددون بإسقاط الحكومة

حملة لاعتقال الحريديم الفارين من الخدمة وقادتهم يهددون بإسقاط الحكومة

الجزيرة١٣-٠٥-٢٠٢٥

أطلق الجيش الإسرائيلي ، بإشراف مباشر من رئيس الأركان الجديد اللواء أيال زامير، حملة غير مسبوقة لملاحقة واعتقال الشبان اليهود المتشددين (الحريديم) الذين تهربوا من الخدمة العسكرية، في خطوة فجّرت غضب الأحزاب الحريدية التي حذّرت من انهيار الائتلاف الحكومي، واعتبرت أن ما يجري "إعلان حرب على الهوية الدينية للدولة".
وبدأت وحدات الشرطة العسكرية، فجر أمس الاثنين، باقتحام منازل العشرات من الشبان الحريديم الذين تجاهلوا أوامر التجنيد، في مدن مثل بني براك والقدس وإلعاد وأشدود، في إطار ما أُطلق عليه اسم عملية "الفارين"، وهي الأولى من نوعها بهذا النطاق، منذ عقود طويلة.
تنفيذ "أوامر 12"
وتأتي هذه العملية في سياق تطبيق "أوامر 12″، وهي أوامر عسكرية تُصدر لمن تلقوا دعوات تجنيد أولية ولم يستجيبوا، رغم التحذيرات والإخطارات المتكررة. ووفقا للجيش الإسرائيلي، فإن كل من يتلقى أمرا بالتجنيد ويتخلف عنه دون عذر قانوني يعتبر فارا ويخضع لعقوبات قد تشمل الاعتقال، ومنع السفر، والملاحقة الجنائية.
وأعلن الجيش في بيان رسمي أن "الشرطة العسكرية ستصل إلى المنازل إذا لزم الأمر"، مؤكدا أنه "تم استنفاد كل الوسائل الأخرى، والآن حان وقت التنفيذ". وذكر مسؤول في قسم القوى البشرية أن الاعتقالات ستستهدف "مئات المتهربين"، مؤكداً أن الأزمة المستمرة في غزة واستنزاف الاحتياطيات دفعت الجيش إلى تشديد الإجراءات لرفد القوات النظامية.
وفي إجراء غير مسبوق، كشفت مصادر عسكرية أن الجيش يدرس دمج الشرطة العسكرية في دوريات الشرطة النظامية -مثل شرطة المرور- للتحقق من هوية السائقين المطلوبين لأداء الخدمة. وقال مسؤول في قسم القوى البشرية إن هذه الخطوة تهدف إلى "إغلاق كل الثغرات" وضمان اعتقال أي فار في الطرق العامة.
ويبلغ عدد الجنود الذين يحتاجهم الجيش حاليا نحو 12 ألفا، بينهم 7 آلاف مقاتل، في ظل الاستنزاف غير المسبوق في صفوف جنود الاحتياط، الذين تم استدعاؤهم لجولات متعددة منذ بدء الحرب على غزة.
تهديدات حريدية
وقد فجّرت هذه الحملة ردود فعل غاضبة داخل الأوساط الحريدية. وتوعد أعضاء كنيست من الكتلتين الحريديتين (شاس ويهدوت هتوراة) باتخاذ خطوات فورية للانسحاب من الحكومة في حال ورود تقارير عن قيام الشرطة العسكرية باعتقال أي شاب من طلاب المدارس الدينية. وقال أحد النواب لصحيفة "يسرائيل هيوم": "إذا تلقينا مكالمة من أحد مديري المدارس تبلغنا باعتقال طالب، فسننسحب من الحكومة فورا".
وحذّر عضو بارز في حزب "يهدوت هتوراة"، في تصريحات لموقع واينت العبري، من أن استمرار الاعتقالات "سيجعل أيام الحكومة معدودة"، مضيفا: "إذا تم اعتقال عشرات أو مئات من طلاب المدارس الدينية، فإن الائتلاف سيسقط فورا. لا يوجد ائتلاف بدون الحريديم".
كما قالت مصادر في الحزب ذاته إن "رئيس الأركان قرر إسقاط الحكومة"، متهمة المؤسسة العسكرية بالسعي إلى تغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي "من خلال استهداف قلب هويته التوراتية".
ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤول كبير في حزب "يهدوت هتوراة" قوله إن "المدارس الدينية ليست دورات تأهيلية، بل مؤسسات للتوراة، ودخول عناصر الجيش أو الشرطة إليها يعد تدنيسا للمقدس"، مضيفا: "من اللحظة التي يتم فيها اعتقال طالب واحد منها، سيتم طباعة رسالة استقالة، وسيُسقط الائتلاف". وأوضح أن أي عملية توقيف ستقود تلقائيا إلى انهيار الحكومة.
وفي موقف مماثل، أكد زعيم حزب "شاس" أرييه درعي أن حزبه لن يبقى في الائتلاف في حال جرى اعتقال أي طالب. وقال إن "المدارس الدينية هي عماد العالم التوراتي، ولن نقبل بالمساس بها تحت أي ظرف".
ويشير المراقبون إلى أن رد الفعل الغاضب هذا ليس مجرد تهديد، بل هو تعبير عن موقف عقائدي لدى الحريديم الذين يرون في الإعفاء من الخدمة العسكرية حقا دينيا غير قابل للتفاوض، وقد شددوا مرارا على أن طلبة التوراة "يحرسون الدولة بتعاليمهم وليس بأسلحتهم"، على حد تعبيرهم.
وفي الشارع الحريدي، بدأت "منظمات الاحتجاج" بتنشيط خطوط الطوارئ ومراكز الاتصال، التي تهدف إلى إحباط حملات الاعتقال داخل الأحياء الدينية. ونشرت مجموعة بقيادة الحاخام تسفي فريدمان -أحد أبرز رموز فصيل القدس المتشدد- منشورا يدعو إلى "الاستعداد لساعة الحقيقة"، محذّرا من أن "الخاطفين وصلوا"، في إشارة إلى عناصر الشرطة العسكرية.
ويحث المنشور جمهور الحريديم على تلقي التنبيهات العاجلة من منظومة "وصول الخاطفين" والانتقال فورا إلى مواقع الاعتقال لمنع الجيش من تنفيذ عملياته. وتداولت الأوساط الدينية دعوات للتجمهر والاعتصام الفوري عند أي اعتقال.
ترحيب المعارضة
وفي المقابل، رحبت المعارضة الإسرائيلية بتحركات الشرطة العسكرية وتطبيق قرار المحكمة، واعتبرتها خطوة نحو تحقيق المساواة بين مكونات المجتمع الإسرائيلي. وكتب زعيم المعارضة يائير لبيد منشورا قال فيه إن "الشرطة العسكرية لا تعتقل الحريديم، بل تعتقل من خالف القانون ولم يحضر لأداء الخدمة العسكرية". وأضاف: "الجنود الذين يقومون بهذا العمل لا يستحقون الشتم، بل الشكر".
أما رئيس حزب " إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان ، المعروف بموقفه الحاد تجاه الحريديم، فقال: "في حكومتي سيتجند الجميع، لا توجد طائفة فوق القانون"، مؤكدا أن الحكومة الحالية خاضعة بالكامل لابتزاز الأحزاب الدينية التي تفرض أجندتها على حساب باقي المواطنين.
إعلان
من جهته، نشر الجنرال السابق ورئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان رسالة قال فيها: "القانون يجب أن يُطبّق على الجميع، لا يوجد مواطنون درجة أولى وآخرون درجة ثانية. إذا كانت المحكمة قد قررت، فعلى الحكومة التنفيذ دون تأخير".
نتنياهو بين فكي كماشة
من جانبه، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التوازن بين التزامه تجاه الحريديم -وهم أحد أعمدة ائتلافه الحاكم- وبين ضغوط المؤسسة الأمنية، التي ترى أن الوضع لم يعد يحتمل استمرار الإعفاءات الجماعية.
وفي جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست ، قال نتنياهو: "في غضون عامين، سيتم تجنيد 10 آلاف و500 من الأرثوذكس المتشددين. أحترم طلاب التوراة، لكن الحريديم يجب أن يتحملوا دورا أكبر".
لكن الرد على نتنياهو لم يتأخر، إذ قال عضو الكنيست إليعازر شتيرن، يش عتيد: "العقوبات بيدك، يمكنك تنفيذها فورا. لا حاجة للانتظار لعامين"، في إشارة إلى المماطلة السياسية المتكررة في ملف التجنيد.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة معاريف عن مصدر كبير في الليكود قوله إن "نتنياهو مصمم على تمرير قانون التجنيد الإجباري، مهما كان الثمن، بما في ذلك استبدال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، إذا توصل إلى استنتاج بأن هذا هو ما يجب القيام به. القضية الوحيدة التي يمكن أن تسقط الحكومة اليوم هي قضية التجنيد الإجباري للحريديم. ليست صفقة المختطفين ولا الحرب في غزة، فقط التجنيد الإجباري هو التهديد. إذا نجحت الحكومة في مسألة التجنيد الإجباري، فستكون هناك انتخابات في عام 2026".
وتُعد قضية تجنيد الحريديم من أكثر الملفات تفجرا في إسرائيل، إذ تحظى هذه الشريحة -التي تمثل أكثر من 13% من السكان- بإعفاءات شبه جماعية منذ قيام الدولة، استنادا إلى تفاهم تاريخي مع الأحزاب الدينية.
لكن مع تعمّق الأزمات الأمنية، وازدياد الحديث عن "تقسيم العبء"، بدأ الصوت العلماني يعلو في المطالبة بإنهاء هذا الامتياز. وتكررت محاولات تشريعية لتقنين الخدمة الإلزامية للحريديم، لكنها غالبا ما اصطدمت بالمحكمة العليا أو برفض الأحزاب الدينية.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد ألغت، منتصف العام الماضي، القانون الذي يمنح إعفاءات جماعية لطلاب المعاهد الدينية، مطالبة الحكومة بسنّ قانون جديد لا ينطوي على تمييز، وهو ما وضع نتنياهو أمام استحقاق سياسي وأمني شديد الحساسية.
استقطاب داخلي عميق
ويخشى مراقبون من أن تؤدي حملة الاعتقالات الأخيرة إلى انفجار داخل الجبهة الداخلية، في وقت تخوض فيه إسرائيل حربا متعددة الجبهات. واعتبر معلقون في وسائل إعلام عبرية أن تجنيد الحريديم "أصبح قنبلة موقوتة"، مشيرين إلى أن المواجهة الحالية هي الأعمق منذ سنوات طويلة.
وقال مصدر سياسي لصحيفة معاريف: "لا نعرف إن كانت هذه الحملة جدّية أم مجرد استعراض، لكن إذا استمرت باعتقالات جماعية للحريديم دون غيرهم، فإن الحكومة ستدخل أزمة وجودية خلال ساعات".
ورغم محاولات نتنياهو امتصاص الغضب، إلا أن خياراته تزداد ضيقا. فإما أن يواصل حملة التجنيد ويفقد دعم الحريديم، وإما أن يُوقفها ويصطدم بالجيش والمحكمة العليا والجمهور العلماني.
وحتى اللحظة، تبدو الأحزاب الحريدية مصمّمة على استخدام سلاحها السياسي حتى النهاية، إذ قال مسؤول في أحد هذه الأحزاب: "لن يُجنّد أي طالب في المعهد الديني، لا اليوم ولا غدا. هذه معركة على وجودنا، ولسنا بصدد تقديم تنازلات. من يظن أنه سيكسرنا -سيصطدم بجدار من الإيمان".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما الفرق الإسرائيلية المشاركة في عملية "عربات جدعون" لاحتلال غزة؟
ما الفرق الإسرائيلية المشاركة في عملية "عربات جدعون" لاحتلال غزة؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ما الفرق الإسرائيلية المشاركة في عملية "عربات جدعون" لاحتلال غزة؟

أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش أدخل كل ألوية المشاة والمدرعات النظامية إلى قطاع غزة ، لتنفيذ عملية " عربات جدعون"، وقالت إن فرقة المظليين كانت آخر ما دخل القطاع، حيث أتمت دخولها خلال الـ24 ساعة الماضية. وقالت الهيئة إن العملية تتركز في هذه المرحلة على محورين رئيسيين، هما شمالي قطاع غزة ومنطقة خان يونس جنوبا، في حين قالت إذاعة "كان" الإسرائيلية الرسمية إن الجيش يستعد لإدخال ألوية عسكرية جديدة إلى غزة خلال الأيام المقبلة. وتقضي خطة الجيش -حسب قناة كان- بإدخال 5 فرق عسكرية للسيطرة الكاملة، وكي تعمل وتسيطر بالكامل على قطاع غزة ووسطه. ووفقا لهيئة البث الإسرائيلية، فإن عملية "عربات جدعون"، التي أعلنتها إسرائيل مطلع مايو/أيار الجاري، تهدف في نهايتها إلى الاحتلال الكامل لقطاع غزة. الفرق المشاركة في العملية وأشار تقرير -أعده وليد العطار للجزيرة- إلى أن 5 فرق عسكرية تشارك في العملية إحداها الفرقة 252، التي تعمل في وسط القطاع وشماله ويطلق عليها "عصبة سيناء"، تتكون من قوات احتياط، ويقودها العميد يهودا فاخ. وتضم هذه الفرقة عدة ألوية، وهي تابور (454) نيران، ولواء القدس (16) مشاة، والنقب (12) مشاة، وهرئيل (10) مدرعات، واللواء الساحق (14) مدرعات. وهناك أيضا الفرقة 36 -التي تسمى "عصبة البركان"- وقد دخلت قطاع غزة للمرة الثانية خلال الحرب في أبريل/نيسان الماضي، ووسعت عملياتها في رفح، تحت قيادة العميد موران عومر. وتشمل هذه الفرقة 5 ألوية هي: غولاني (1) مشاة، واللواء (7) مدرعات، وعصبة براك (188) مدرعات، وعصبة غولان (282) مدفعية، ولواء عتصيوني (6) مشاة في صفوف الاحتياط. أما الفرقة الثالثة 143، أو "فرقة غزة"، التي تعرضت لضربة قوية خلال هجوم طوفان الأقصى، فتعمل حاليا في غلاف غزة، وقد تمكنت -حسب الجيش الإسرائيلي- من تطويق حي تل السلطان في رفح، ويقودها حاليا براك حيرام. وتضم 3 ألوية: هغيفن (7643)، وقطيف (6643)، ولواء (261) إسناد مشاة. ومن بين الفرق المشاركة في العملية أيضا الفرقة 98، المعروفة باسم "عصبة النار"، والتي قاتلت القتال في خان يونس وقامت بعمليات في شمال القطاع، ويقودها حاليا غاي ليفي. ‎وتتشكل هذه الفرقة من ألوية: المظليين (35)، وعوز (89)، وعصبة مقلاع داوود (214)، وعصبة نصف النار (551)، وعصبة حد الرمح (55)، ‎وكتيبة لبيد (492)، وعصبة البجع (8237)، ووحدة الكوماندوز (5515). وأخيرا، تشارك الفرقة 16، المعروفة باسم "لواء الفولاذ"، التي عملت في رفح بعد شمال القطاع، ثم المناطق الوسطى، وقادت العمليات العسكرية في مستشفى الشفاء، ويقودها حاليا العميد ساغيف داهان. ‎وتعمل 5 ألوية تحت مظلة هذه الفرقة، وهي الناحال (993) مشاة، وغفعاتي (84) مشاة، وعصبة أعقاب الحديد (401) مدرعات، وعصبة عامود النار (215) مدفعية، وعصبة الشارون (5) مشاة.

الحرب على غزة تهدد مستقبل العلاقات التجارية بين إسرائيل وأوروبا
الحرب على غزة تهدد مستقبل العلاقات التجارية بين إسرائيل وأوروبا

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الحرب على غزة تهدد مستقبل العلاقات التجارية بين إسرائيل وأوروبا

القدس المحتلة – تتصاعد التوترات التجارية بين إسرائيل وأ وروبا بشكل غير مسبوق، في ظل استمرار الحرب على غزة وتفاقم تداعياتها الإنسانية، إذ تبحث كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي في خطوات قد تؤدي إلى تجميد أو إلغاء اتفاقيات تجارية قائمة مع إسرائيل، في تطور ينذر بعواقب اقتصادية وخسائر محتملة تقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات. وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية تعليق المفاوضات بشأن اتفاقيةِ تجارة حرة جديدة مع إسرائيل، مشيرة صراحة إلى حكومة بنيامين نتنياهو ، في موقف يعكس أبعادا سياسية واضحة تتجاوز الجوانب الاقتصادية. ويأتي القرار البريطاني في توقيت حساس، إذ كانت الاتفاقية تمثل لإسرائيل فرصة لتعزيز علاقاتها التجارية مع واحدة من أبرز القوى العالمية، لاسيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى صعيد أوروبي أوسع، أعلنت مفوضَة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن التكتل سيناقش مستقبل اتفاقية التجارة مع إسرائيل. ورغم أن هذا التوجه أثار قلقا في الأوساط السياسية والاقتصادية داخل إسرائيل، فإن أي تعديل جوهري في الاتفاق القائم مع الاتحاد الأوروبي يستلزم إجماع الدول الأعضاء الـ27، علما أن 17 دولة فقط أبدت حتى الآن تأييدها لإعادة النظر في الاتفاق، مما يقلل من احتمالات التغيير الفوري، لكنه يعكس تحولًا تدريجيًا في المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل. ضغوط دولية وتحذيرات داخلية تأتي هذه التطورات على وقع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل، خصوصا بعد تعثر مفاوضات صفقة تبادل الأسرى نتيجة تشدد موقف حكومة نتنياهو. وفي الداخل الإسرائيلي، تتصاعد الأصوات المطالبة بمراجعة شاملة للمسار العسكري والسياسي في غزة، وسط تحذيرات من تراجع الدعم الدولي وتآكل فاعلية العمليات العسكرية. وتعد بريطانيا من الشركاء التجاريين المهمين لإسرائيل، فقد بلغت صادرات إسرائيل إلى بريطانيا (باستثناء الماس) في عام 2024 نحو 1.28 مليار دولار، مقارنة بـ1.8 مليار دولار في عام 2023، بحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، وتشكل الكيميائيات والأدوية نحو ثلث هذه الصادرات، وهي قطاعات حيوية للاقتصاد الإسرائيلي. في المقابل، تستورد إسرائيل من بريطانيا ما قيمته نحو 2.5 مليار دولار، بما يعني أن المملكة المتحدة تحقق فائضًا تجاريًا يبلغ 1.3 مليار دولار لصالحها. أما على مستوى الاتحاد الأوروبي ، فهو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. ففي عام 2024، بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد نحو 15.9 مليار يورو، مقابل واردات أوروبية بنحو 26.7 مليار يورو، تتصدرها المواد الكيميائية والآلات. ثمن باهظ محتمل يحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الحرب في غزة قد يترتب عليه ثمن اقتصادي باهظ لإسرائيل. ويرى محللون أن اتفاقية التجارة مع بريطانيا، التي كانت تعد إنجازًا إستراتيجيًا، قد تتحول إلى رمز لفشل سياسي واقتصادي، لا سيما مع الحديث المتزايد عن مقاطعة محتملة تهدد نحو 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي. وفي الداخل الإسرائيلي، تتزايد الدعوات إلى صياغة مقترحات سياسية جديدة لإنهاء الحرب وتفادي تداعيات خطيرة على الاقتصاد والمكانة الدولية. مقاطعة آخذة في الاتساع يقول كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة "كلكليست" الإسرائيلية أدريان بايلوت إن هذه التطورات لا تقتصر على البعد السياسي، بل تنذر بـ"ثمن اقتصادي يتجاوز 76 مليار دولار"، مع خطر تآكل ما يصل إلى 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ويضيف أن اتفاقية التجارة الحرة مع بريطانيا، التي كانت مرشحة لأن تصبح نموذجًا يحتذى به، تواجه الآن خطر التجميد أو الإلغاء، مؤكدا أن التصعيد العسكري في غزة، إلى جانب ما تسميه بعض الدول الأوروبية "انتهاك القانون الإنساني الدولي"، دفع شركاء غربيين إلى إعادة تقييم علاقاتهم مع إسرائيل، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. ويرى بايلوت أن الاتفاقيات التجارية التي كانت ركائز أساسية للاقتصاد الإسرائيلي، تحولت إلى أوراق ضغط بيد الأوروبيين، في خضم أزمة تتسع يوما بعد يوم، ويشير إلى أن استمرار الحكومة الإسرائيلية على نهجها الحالي، مع تصاعد العزلة الدولية، يضع البلاد أمام تحد خطير قد يمس ليس فقط بالمؤسسات، بل بالمجتمع الإسرائيلي بأكمله. ويحذر من أن إسرائيل باتت على مفترق طرق سياسي واقتصادي، مشددا على أن غياب المراجعة السياسية للمسار الحالي قد يؤدي إلى تراجع طويل الأمد في مكانتها الدولية. فقدان ثقة المستثمرين من جهته، يرى إيتان أفرئيل، رئيس تحرير صحيفة "ذَ ماركر"، أن الاستمرار في السياسات الحالية تجاه غزة قد يؤدي إلى فقدان الأصول الإسرائيلية المالية لقيمتها السوقية، ويضيف أن الاتهامات المتزايدة لإسرائيل بـ"ارتكاب انتهاكات أخلاقية وسياسية" تقوض ثقة المستثمرين، لافتًا إلى أن صندوق الثروة السيادي النرويجي بدأ بالفعل بيع استثماراته في شركات إسرائيلية. ويشير إلى أن النقاش الأخلاقي والاقتصادي حول الحرب في غزة يكاد يغيب في الداخل الإسرائيلي، بينما بدأت تداعياته بالظهور خارجيًا، مع تحركات نرويجية وأيرلندية ويابانية لتقليص الاستثمارات، في وقت يدرس فيه الاتحاد الأوروبي إلغاء اتفاقية التجارة، وتعلّق فيه بريطانيا تحديث الاتفاق وتستدعي السفير الإسرائيلي. ويخلص أفرئيل إلى أن هذه التحركات تشير إلى عزلة اقتصادية متنامية، وأن الأسواق قد تبدأ في تسعير هذه العزلة من خلال خصومات على الأسهم الإسرائيلية وعوائد مرتفعة على السندات ، وهو ما سينعكس سلبًا على الاقتصاد. ويحذر من أن السيناريو الجنوب أفريقي إبان نظام الفصل العنصري قد لا يكون بعيدا، إذا استمرت السياسات الحالية، مشيرا إلى احتمال انخفاضات حادة في قيمة العملة، وخصومات تفوق 30%، ورسالة واضحة للمستثمرين بأن الاستثمار في دولة متهمة بجرائم حرب قد يتحول إلى مخاطرة كبرى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store