logo
الحوز: زلزال لم ينتهِ!

الحوز: زلزال لم ينتهِ!

الأيام١٠-٠٣-٢٠٢٥

الحوز: زلزال لم ينتهِ!
نشر في
10 مارس 2025 الساعة 14 و 00 دقيقة
لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة.
عبد الإله حمدوشي
ليس الخطر الحقيقي في الكوارث الطبيعية نفسها، بل في تداعياتها، في البطء الذي يرافق عملية الإغاثة، في العجز عن ترميم الجراح العميقة التي تتركها الصدمات الكبرى، في جعل النسيان جزءا من الحل، لا من المشكلة. لذلك، لم يكن زلزال الحوز، الذي ضرب جنوب المغرب في لحظة خاطفة من شهر شتنبر 2023، مجرد حدث عابر، بل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على التعامل مع الأزمات، ليس فقط بردة فعل آنية، بل برؤية طويلة الأمد تضمن عدم تحول المأساة إلى جرح غائر في الذاكرة الجماعية للمتضررين.
اليوم، وبعد مرور شهور على الكارثة، ما زال شتاء الحوز قاسيا، يضرب بقوة سكان القرى المنكوبة، حيث المخلفات لم تعد مجرد أنقاض البيوت المهدمة، بل أصبحت وجوها شاحبة، وطفولة تائهة، وأجسادا ترتجف من البرد داخل خيام لا تصلح حتى لإيواء الأمل.
صحيح أن الزلزال يدمر الحجر، لكنه لا يكسر النفوس المؤمنة بقدر الله، أما البرد، فهو ذلك القاتل الصامت الذي يتسلل إلى الأجساد الهزيلة، بلا ضجيج، بلا إنذارات وبلا إمكانية للهرب.
سكان الحوز، الذين واجهوا قسوة الأرض وهي تهتز تحت أقدامهم، يجدون أنفسهم اليوم أمام معركة جديدة، لكن هذه المرة ضد الطبيعة الباردة التي لا ترحم، وضد الانتظار الذي يطول بلا أفق واضح.
رجال ونساء فقدوا منازلهم، وأسر تحولت إلى لاجئة في وطنها، وأطفال يتساءلون متى تعود حياتهم كما كانت قبل الزلزال. لكن من يملك الجواب؟ المسؤولون يقدمون وعودا، والتقارير الرسمية تتحدث عن مشاريع إعمار، لكن في القرى النائية، حيث لا يصل سوى القليل مما يُقال، يبقى الواقع أكثر قسوة من الكلمات.
في الأيام الأولى بعد الزلزال، رأينا مشاهد إنسانية اغرورقت لها المقل افتخارا وعزة: مواطنات ومواطنون من كل أنحاء المغرب هبّوا لنجدة إخوانهم يحملون التبرعات، ويسوقون قوافل المساعدات وحملات التضامن في اتجاه مناطق الزلزال بعفوية أظهرت أن المجتمع ما زال حيا رغم كل شيء. لكن، وكما يحدث دائما، سرعان ما تراجعت موجة التعاطف، وحل محلها بطء الإدارة، وتعقيدات البيروقراطية، وكأن الزمن لم يكن كافيا بعد لإدراك أن الأزمات تحتاج إلى سرعة التنفيذ، لا إلى دراسات مطولة ومشاريع مؤجلة.
في مثل هذه الأوضاع، لا يكفي الحديث عن خطط إعادة الإعمار، بل يجب أن يشعر المتضررون بأنهم في قلب أولويات الدولة، لا مجرد أرقام تُذكر في نشرات الأخبار. فالمواطن الذي فقد منزله، لا تهمه الاجتماعات المطولة ولا الخطابات الرسمية، بل يريد سقفا يحميه من المطر، ومدرسة لأطفاله، ومستشفى يعالجه عندما يمرض.
لم يعد الناس اليوم خائفين فقط من قسوة الطقس، بل من أن تُطوى صفحة زلزال الحوز كما طُويت من قبل صفحات أزمات أخرى، دون حلول جذرية تضمن عدم تكرار المأساة بنفس السيناريو. فإعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء، بل هي فرصة لاستعادة الثقة في مؤسسات الدولة وقدرة المغرب على حماية مواطنيه وفي أن يكون الوطن أكثر من مجرد خريطة، بل حاضنا لمن فقدوا كل شيء.
لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة.
لقد واجه المغرب -دولة ومجتمعا- كارثة طبيعية غير مسبوقة، وكانت الاستجابة الأولية في مستوى الحدث، لكن العبرة ليست بالبدايات فقط، بل بالنهايات. وإذا كان الزلزال قد دمر البيوت، فلا يجب أن يدمر الإهمال والبطء ما تبقى من صبر الناس وإيمانهم بأن بلدهم لن يتخلى عنهم.
أكيد أن برد الشتاء لن يطول، لكن ذاكرة الضحايا ستظل حية، وستظل أعينهم تبحث عن إجابة واحدة: هل كان ما بعد زلزال الحوز أخطر من الزلزال نفسه؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أحمد مركوش.. ابن الريف وعمدة أرنهيم الهولندية يهتف: غزة تنزف… والصمت خيانة!
أحمد مركوش.. ابن الريف وعمدة أرنهيم الهولندية يهتف: غزة تنزف… والصمت خيانة!

ناظور سيتي

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ناظور سيتي

أحمد مركوش.. ابن الريف وعمدة أرنهيم الهولندية يهتف: غزة تنزف… والصمت خيانة!

المزيد من الأخبار أحمد مركوش.. ابن الريف وعمدة أرنهيم الهولندية يهتف: غزة تنزف… والصمت خيانة! مراسلة من هولندا: محمد الطلحاوي تصوير: مارتن فان در فولف في الرابع من ماي، وخلال مراسيم رسمية بهولندا لإحياء [ذكرى]article: ضحايا الحرب العالمية الثانية، ألقى أحمد مركوش، ابن الريف وعمدة مدينة أرنهيم، خطابًا مؤثرًا أمام الحاضرين، استحضر فيه آلام الماضي وربطها بمآسي الحاضر، وعلى رأسها ما يحدث اليوم في غزة. كلماته القوية، التي ترجمناها لكم إلى العربية مضى ثمانونَ عاماً على انقشاعِ نشيد الحرب في أراضي هولندا، ومع ذلك لا يزالُ صدى صدمة الحرب العالمية الثانية يرن في أذهان كثيرين منكم. فذكرياتُكم الخاصة، أو رواياتُ آبائكم وأجدادكم، لا تزالُ تنطوي على آثارِ المقاومةِ والخسارةِ معاً. كما في قصةِ بيتي فوسدينغ، مصممةِ النُصْب اليهودي القريب منا. نشأت على ما رواه والدُاها بحقبةِ فرَايزلاند حين كانا مختبئين، ونجيا من ويلاتِ الحرب. ثمانيةٌ من إخوَةِ والدتها ذُبِحوا لمجردِ كونهم يهوداً. مرّت السنينُ، إلا أن الجراحَ بقيتْ تنزف. نجتمعُ اليوم عند نصبِ 'الإنسانُ ضدَّ السلطة' لنعيد إحياءَ وجوهِ الظُّلمِ والتضحيات التي رويتْها الحكايا. ومن خلالَ هذا اللقاءِ الجماعيّ، نعالجُ جراحَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ والمحرقةِ التي خلّفتْها. نُذكرُ أولئك الذين سُلِبوا إنسانيتَهم، وطُرِدوا وهُدِموا: اليهودَ، والرومَ والسِّنتي، والمضطهَدين لميولهم الجنسية، فضلاً عن مقاومي الاحتلالِ، وحلفائِنا، وسائر الضحايا الذين وقعوا تحت وطأة عنفٍ بربريٍّ أعماه العقلُ. «لَنْ يَتَكرَّرَ ذلك»؛ هذه عهدُنا التي لا تُبدَّل. تشكلُ الحربُ العالميةُ الثانيةُ المِحْكَةَ الأخلاقيةَ لحضارتِنا. فمن رمادِها بزغت دولتُنا القانونيَّةُ الديمقراطيةُ. ومع ذلك، لا تزالُ أصداءُ التعصبِ تتردّدُ، في وطنِنا وأوروبا والعالمِ كلِّه، إذ ترى دوافعَ الماضي تعود مجدداً. نلمسُ بوادرَ التعصّبِ والعنفِ حين يُصنَّفُ الناسُ كبشعُزٍّ يُرجمُ به الآخرون؛ نجدُ اليهودَ والمسلمينَ، ولاجئينَ ومهاجرين، هدفاً لذلك. ونشهدُ زعماءَ القوةِ الذين يجندون الحربَ والجوعَ والدمارَ لتثبيتِ سيطرتِهم على الناس. قبل ثلاثينَ عاماً، قالَ عمدةُ أمسترادم، شيلتو باتّين: «إذا كنا نفتخرُ بمسؤولياتنا الدولية، فلا يليقُ بنا أن ندّعي أن حرباً بعيدةً لا تهمُّنا. لا، فالتذكارُ ليس خياراً شخصياً، بل نداءٌ ملحٌّ لاستئصال شأفةِ الحربِ الدامية». كان يشيرُ إلى فظائعَ الحرب في البوسنة. اليوم نعاينُ فظاعَتَها تكرّرت في غزة، حيث حُوصرَ أكثرُ من مليوني إنسانٍ في كابوسٍ دائم. أزهقت آلافُ الأرواح، جلُّ الضحايا منهم من النساءِ والأطفال، أبرياءٌ يعانون من الجوعِ والعطشِ ونقصِ الرعايةِ الطبيةِ والقصفِ المستمر. إن منظمةَ الصحة العالميةَ تشهدُ بأنَّ الأطفالَ يُجوعون حتى الموت، جريمةٌ صريحةٌ ضد الإنسانية. لا يليقُ بنا أن نألفَ هذا الجنونَ غيرَ الإنساني. بل علينا أن نُقِيمَ عليه سداً منيعاً. فها هو 'لن يَتَكرَّرَ ذلك' صارَ واقعاً يتطلبُ فعْلَ الحاضر. حضراتُ السادةِ الحاضرون، في أوكرانيا أيضاً، يعاني الناسُ منذ أكثرَ من ثلاثِ سنواتٍ من طغيانِ القوّةِ وإفرازاتِ العنفِ المدمر. في أوروبا، تستَجدُ التهديداتُ على الحريّةِ والأمنِ. والحكومةُ تدعونا إلى الصمودِ. ولكن ما معنى الصمودِ بحقٍّ؟ الصمودُ أسمى من حزمةِ إسعافاتٍ لأيامٍ معدودات. وأوسعُ من مجردِ تعزيزِ قدراتِ الدفاعِ. الصمودُ يقيمُ حدودَ المسموحِ به؛ إدراكٌ بأنَّ قيمَنا الديمقراطيةَ تستدعي منّا حمايتَها. والنهوضُ بشجاعةٍ لصدِّ سُمومِ الاستقطابِ والكراهية. وحمايةُ السلام الذي ضحّى من أجله الآخرونَ بالغالي والنفيس. نكافحُ كلَّ أشكالِ التطرفِ، وكلَّ محاولاتِ تقويضِ دولتِنا القانونيةِ الديمقراطيةِ، وكلَّ دعواتِ تجريدِ الناس من إنسانيتِهم. ونحرصُ على اعتبارِ الآخرِ إنساناً فرداً له حقُّه في الكرامة. وكذلك نرى في أنفسِنا الإنسانَ، بما يَحملهُ من مسؤوليةٍ أخلاقيةٍ فردية. فلا نجعلُ منّا ضبطاً في غُبرةِ ماكينةٍ لا تُبالي. بل ننبّهُ حين يعلو سلطانُ السلطةِ فوقَ الإنسان. فهذا ما جرى في الثلاثينياتَ والأربعينيات: لم يكن الكراهية وحدها، بل اللامبالاةُ وفقدانُ اليقظةِ وربما الرُّخصةُ السهلة. ترك كثيرون العربةَ تمضي في طريقِها. وكانت النتيجةُ آلةُ الدمارِ الصناعيِّ التي طحنت ملايينَ الأرواحِ في الحرب العالمية الثانية؛ آلةٌ تستبدُّ بالإنسانِ، سلطةٌ تعلو على الإنسان. غداً نحتفلُ بالحرية: ثمانون عاماً من الحرية! ولندركْ في يومِ التحريرِ—وكلَّ يومٍ يعقبهُ—أنَّ حريتنا حُمِيت ببطولةِ رجالٍ أمثالِ الراحلِ حديثاً مُقاتلِ 'ماركت جاردن'، بيل لاردر، الذي نبَّهنا إلى أنَّ السلامَ ليس أمراً مفروغاً منه. واجبُنا أن نستمرَّ في المقاومةِ ضدَّ التطرفِ العنيفِ والإرهابِ، وضدَّ اللامبالاةِ، وضدَّ كلِّ مسعىٍ لانتقاصِ الكرامةِ الإنسانية. لن نُسكتَ. لن نَضعفَ. لن نسمحَ لسلطانِ السلطةِ أن يَعلو فوقَ الإنسان. سنتقدَّمُ بالتسامحِ على منطقِ كبشِ الفداء، والديمقراطيةَ والحريّةَ فوقَ الطغيانِ، والإنسانِيَّةَ فوقَ السلطة. هذه هي عهدُنا.

السياسة بالحمير!
السياسة بالحمير!

الأيام

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الأيام

السياسة بالحمير!

السياسة بالحمير! نشر في 2 مايو 2025 الساعة 17 و 32 دقيقة نقف هنا لحظة تأمل: قد يُستنكر كلامه ويوصف بأنه 'غير أخلاقي' ويناقض مرجعية حزبه الإسلامية، وقد يُعتبر خرقا لأعراف الخطاب السياسي الرسمي، لكنه بلا شك يصل إلى الناس، ويؤثر فيهم… عبد الإله حمدوشي في السياسة، لا يصنع التأثير بالبرامج وحدها، بل باللغة التي تُقال بها تلك البرامج.. بعض السياسيين يُراهنون على الأرقام وعلى البيانات وعلى الصمت المحسوب، بينما عبد الإله بن كيران يراهن على شيء آخر: الكلمة الحية، والنكتة المفاجئة أو السمجة أحيانا، والاستعارات المستقاة من قلب الحياة اليومية.. إنه رجل لا يكتب خطبه مستشار تواصل، بل يصوغها هو من مخزونه الشعبي ومن ذاكرته التي تحفظ أسماء الناس ورموز الحي وحتى أسماء الحيوانات.. يكفي أن يتحدث وأن يفتح قوسا من الحكي العفوي، حتى يجد آذانا صاغية.. فعلى الرغم من أن خطابه لا يمر دائما دون اعتراض، لكنه يترك أثرا ويخلق نقاشا ويمنح السياسة نكهة لا نجدها في اللغة الخشبية للعديد من السياسيين… لا أحد مثله استعمل الحيوانات في الخطاب السياسي للعب على وتر المخيال الشعبي، وقد احتل 'الحمار' مكانة شبه رمزية في خطبه من تشبيهه بالوسطية حين قال إنها 'ما دون البغل وفوق الحمار'، إلى دفاعه الشهير عن 'الحمير المسكينة' التي استُحضرت ضده في تظاهرة فاتح ماي سنة 2013 التي قادها حميد شباط. لكن بنكيران لا يكرر نفسه، بل يطوّع قاموسه الشعبي مع كل مرحلة سياسية.. فقبل سنوات، وصف راشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، بـ'الميكروب السياسي' و'الحميّر'، وزاد بأنه لا يفكر سوى في 'الكرمومة'.. لقد قالها بن كيران مازحا، ثم اعتذر للحمير: 'يسمحوا لينا الحمير إذا عايرناهم'. هذا النوع من الخطاب لا يُصاغ في تقارير مراكز التفكير، ولا يُدرس في دورات التواصل السياسي، لكنه يعيش طويلا في ذاكرة المغاربة.. ليس لأنه خطاب أخلاقي وراقِ.. ولكن لأنه خطاب لا يستهدف النخب بقدر ما يخاطب اللاوعي الجماعي، حيث 'الحمار' ليس مجرد حيوان بل رمز شائع: للغباء حينا وللصبر حينا وللتمرد أحيانا… وعندما استعمل بن كيران المفردات ذاتها ليهاجم من يدعمون التطبيع مع جرائم الاحتلال الصهيوني أو من يرفعون شعار 'تازة قبل غزة'، لم يكن بصدد توصيف بيطري أو أخلاقي، بل كان يُمارس دورا تواصليا شعبيا، رافضا تقليص البعد الإنساني للقضية الفلسطينية في وجدان المغاربة إلى شعار أو ترف أيديولوجي… وفي رده على العلمي، لم يكن غاضبا حينها بقدر ما كان ناقما على ما يمكن أن نسميه 'النسيان السياسي'، حيث ذكّر أنه هو من رشحه سابقا لرئاسة مجلس النواب، ثم لمح إلى ملفات قديمة بقوله: 'واش خلصتي الشيكات لي عليك؟'، في إحالة صادمة ومباشرة لزمن لا يموت بسهولة في ذاكرة بن كيران… لكن الرجل، كما يعرف الجميع، لا يهاجم الأفراد كأشخاص، بل ينتقد رمزية سلوكهم في سياق سياسي متحول.. فعندما يستعمل كلمات مثل 'الحمار' أو 'الميكروب'، فهو لا يتحدث بلغة السوق، بل بلغة السوق السياسية، حيث تختلط الرموز بالواقع، والتأويل بالسخرية… نقف هنا لحظة تأمل: قد يُستنكر كلامه ويوصف بأنه 'غير أخلاقي' ويناقض مرجعية حزبه الإسلامية، وقد يُعتبر خرقا لأعراف الخطاب السياسي الرسمي، لكنه بلا شك يصل إلى الناس، ويؤثر فيهم… إن بن كيران ليس بروفيسورا في التواصل المؤسساتي، بل ظاهرة تواصلية مغربية بامتياز؛ تضحك وتزعج وتثير وتحرك، لكنها لا تمر بصمت.. ففي زمن يتكلم فيه السياسيون بلغة لا تشبه الناس.. جاء بن كيران ليعيد للسياسة لسانها المغربي، بل وحمارها المغربي أيضا.. قد قالها ذات مرة ضاحكا: 'أنا ماشي ضد الحمير، الحمير كانوا صحابي'، وكأنه يريد أن يقول إنه لم يقصد من حديثه عن 'الحمير' أن يقلل من شأنهم أو يستهين بهم، بل استخدمهم كأداة سياسية للتعبير عن رفضه لبعض التصرفات السياسية التي يراها غير منطقية أو بعيدة عن الواقع.. يبدو أن بن كيران لا يهاجم الحمير بقدر ما يستهدف مواقف الأشخاص الذين يسعى إلى تسليط الضوء على تناقضاتهم بطريقة ساخرة ومستفزة حتى وإن اضطره الأمر إلى التحلل من المنظومة الأخلاقية التي يؤكد هو نفسه على ضرورة التقيد بها… قد لا يطلب بن كيران ود الجميع، لكنه يطلب أن يُفهم.. وإن استدعى الأمر.. فلن يتردد في استحضار رموز الحكاية الشعبية.. من الحمار إلى البغل.. ليقول ما لا يقوله غيره.. بأسلوب لا يُقلد وبصوت لا يُخطئه المغاربة.. مهما اختلفوا حوله.. ومهما طالبوه بضرورة الترفع عن استعمال الكلمات التي قد لا تدفع في اتجاه الرقي بمستوى النقاش السياسي في بلد يملك ما يكفي من معاول تبتغي قتل الثقة في السياسة، قبل دفنها…

الحوز: زلزال لم ينتهِ!
الحوز: زلزال لم ينتهِ!

الأيام

time١٠-٠٣-٢٠٢٥

  • الأيام

الحوز: زلزال لم ينتهِ!

الحوز: زلزال لم ينتهِ! نشر في 10 مارس 2025 الساعة 14 و 00 دقيقة لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة. عبد الإله حمدوشي ليس الخطر الحقيقي في الكوارث الطبيعية نفسها، بل في تداعياتها، في البطء الذي يرافق عملية الإغاثة، في العجز عن ترميم الجراح العميقة التي تتركها الصدمات الكبرى، في جعل النسيان جزءا من الحل، لا من المشكلة. لذلك، لم يكن زلزال الحوز، الذي ضرب جنوب المغرب في لحظة خاطفة من شهر شتنبر 2023، مجرد حدث عابر، بل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على التعامل مع الأزمات، ليس فقط بردة فعل آنية، بل برؤية طويلة الأمد تضمن عدم تحول المأساة إلى جرح غائر في الذاكرة الجماعية للمتضررين. اليوم، وبعد مرور شهور على الكارثة، ما زال شتاء الحوز قاسيا، يضرب بقوة سكان القرى المنكوبة، حيث المخلفات لم تعد مجرد أنقاض البيوت المهدمة، بل أصبحت وجوها شاحبة، وطفولة تائهة، وأجسادا ترتجف من البرد داخل خيام لا تصلح حتى لإيواء الأمل. صحيح أن الزلزال يدمر الحجر، لكنه لا يكسر النفوس المؤمنة بقدر الله، أما البرد، فهو ذلك القاتل الصامت الذي يتسلل إلى الأجساد الهزيلة، بلا ضجيج، بلا إنذارات وبلا إمكانية للهرب. سكان الحوز، الذين واجهوا قسوة الأرض وهي تهتز تحت أقدامهم، يجدون أنفسهم اليوم أمام معركة جديدة، لكن هذه المرة ضد الطبيعة الباردة التي لا ترحم، وضد الانتظار الذي يطول بلا أفق واضح. رجال ونساء فقدوا منازلهم، وأسر تحولت إلى لاجئة في وطنها، وأطفال يتساءلون متى تعود حياتهم كما كانت قبل الزلزال. لكن من يملك الجواب؟ المسؤولون يقدمون وعودا، والتقارير الرسمية تتحدث عن مشاريع إعمار، لكن في القرى النائية، حيث لا يصل سوى القليل مما يُقال، يبقى الواقع أكثر قسوة من الكلمات. في الأيام الأولى بعد الزلزال، رأينا مشاهد إنسانية اغرورقت لها المقل افتخارا وعزة: مواطنات ومواطنون من كل أنحاء المغرب هبّوا لنجدة إخوانهم يحملون التبرعات، ويسوقون قوافل المساعدات وحملات التضامن في اتجاه مناطق الزلزال بعفوية أظهرت أن المجتمع ما زال حيا رغم كل شيء. لكن، وكما يحدث دائما، سرعان ما تراجعت موجة التعاطف، وحل محلها بطء الإدارة، وتعقيدات البيروقراطية، وكأن الزمن لم يكن كافيا بعد لإدراك أن الأزمات تحتاج إلى سرعة التنفيذ، لا إلى دراسات مطولة ومشاريع مؤجلة. في مثل هذه الأوضاع، لا يكفي الحديث عن خطط إعادة الإعمار، بل يجب أن يشعر المتضررون بأنهم في قلب أولويات الدولة، لا مجرد أرقام تُذكر في نشرات الأخبار. فالمواطن الذي فقد منزله، لا تهمه الاجتماعات المطولة ولا الخطابات الرسمية، بل يريد سقفا يحميه من المطر، ومدرسة لأطفاله، ومستشفى يعالجه عندما يمرض. لم يعد الناس اليوم خائفين فقط من قسوة الطقس، بل من أن تُطوى صفحة زلزال الحوز كما طُويت من قبل صفحات أزمات أخرى، دون حلول جذرية تضمن عدم تكرار المأساة بنفس السيناريو. فإعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء، بل هي فرصة لاستعادة الثقة في مؤسسات الدولة وقدرة المغرب على حماية مواطنيه وفي أن يكون الوطن أكثر من مجرد خريطة، بل حاضنا لمن فقدوا كل شيء. لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة. لقد واجه المغرب -دولة ومجتمعا- كارثة طبيعية غير مسبوقة، وكانت الاستجابة الأولية في مستوى الحدث، لكن العبرة ليست بالبدايات فقط، بل بالنهايات. وإذا كان الزلزال قد دمر البيوت، فلا يجب أن يدمر الإهمال والبطء ما تبقى من صبر الناس وإيمانهم بأن بلدهم لن يتخلى عنهم. أكيد أن برد الشتاء لن يطول، لكن ذاكرة الضحايا ستظل حية، وستظل أعينهم تبحث عن إجابة واحدة: هل كان ما بعد زلزال الحوز أخطر من الزلزال نفسه؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store