
أمريكا على حافة المقامرة النووية.. طهران تحصّن فوردو وواشنطن تبحث عن زرّ الردع
في توقيت بالغ الحساسية، تعود الولايات المتحدة إلى التخبط العسكري القديم: ضربة محتملة لإيران مقابل تكاليف استراتيجية لا تُحصى.
لكن الفارق هذه المرة أن طهران، وعلى خلاف دول أخرى جُرّت إلى الحروب الأمريكية، لا تزال تقف على أرض صلبة، مستندة إلى منظومة نووية محصّنة تحت الجبال، وردع إقليمي يصعب تطويقه.
ومنذ أسابيع، يجتمع قادة البيت الأبيض في دوائر مغلقة لبحث خطط عسكرية لضرب منشآت إيران النووية، وعلى رأسها موقع «فوردو» الذي تحوّل إلى رمز للقدرة الإيرانية على المناورة داخل عمق الأرض وتحت طبقات الصخور.
قاذفات الشبح الأمريكية من طراز B‑2 باتت مرشحة لتكون رأس الحربة في أي عمل عسكري محتمل، مدعومة بقنابل خارقة للتحصينات مثل GBU-57، وسط تأكيدات من خبراء أمريكيين بأن المنشأة تقع تحت أكثر من 100 متر من الصخر، ما يجعل استهدافها أقرب إلى مغامرة غير مضمونة النتائج.
ووفق تقارير، فإن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قدّم للرئيس دونالد ترامب خلال الأشهر الأخيرة من ولايته الأولى خططًا لضرب المنشآت النووية الإيرانية، بالتنسيق مع إسرائيل.
لكن الخشية من أن يقود الهجوم إلى حرب شاملة في المنطقة، دفعت بصانعي القرار الأمريكي إلى التراجع، في ظل إدراك أن الرد الإيراني لن يكون نظريًا أو محدودًا، بل سيطول القواعد الأمريكية في الخليج، ومصالح واشنطن في مضيق هرمز والعراق وسوريا وحتى البحر الأحمر.
من جهة أخرى، تظهر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة كمحاولة لتحفيز واشنطن على تنفيذ ما تعجز تل أبيب عن القيام به منفردة. فإسرائيل، رغم غاراتها على مواقع الحرس الثوري الإيراني،وبعض الأماكن النفطية تدرك أن المنشآت النووية الإيرانية، وخصوصًا «فوردو»، تمثل تحديًا عسكريًا خارج حدود إمكاناتها.
لهذا يتحدث مسؤولون إسرائيليون سابقون عن ضرورة تنفيذ الضربة من جانب الولايات المتحدة فقط، ما يكشف عن حالة من التبعية الاستراتيجية والضغط غير المباشر الذي تمارسه تل أبيب لإشعال فتيل المواجهة.
ومع تصاعد النقاش داخل الكونجرس الأمريكي حول صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب، يعيد المشهد نفسه الذي سبق الغزو الأمريكي للعراق: تحذيرات من امتلاك سلاح نووي، دعوات للردع، ثم مخاوف من التداعيات الإقليمية.
لكن إيران، على عكس بغداد، ليست بلا حلفاء أو أدوات.
فالتقديرات العسكرية الأمريكية نفسها تشير إلى أن طهران قادرة على ضرب ناقلات نفط، وشنّ هجمات سيبرانية، واستهداف قواعد استراتيجية في محيطها الإقليمي، ما يعني أن أي هجوم عليها لن يكون ضربة في فراغ، بل بداية لانفجار قد يمتد لأبعد من الخليج.
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وصف منشأة فوردو بأنها من أكثر المواقع تعقيدًا من الناحية الدفاعية، مؤكدًا أن تدميرها لن يكون كافيًا لإيقاف برنامج إيران النووي، حيث توجد منشآت أخرى في نطنز وأصفهان وأراك.
والأهم أن التقدم النووي الإيراني لم يعد مقتصرًا على أجهزة الطرد المركزي، بل أصبح ملفًا متعدد الأبعاد يتداخل فيه العلمي بالعسكري، والدفاعي بالسيادي.
وفي الخلفية، يتحرك اللوبي العسكري الأمريكي، ملوّحًا بأن قاذفات B‑2 – رغم كلفتها الباهظة في التشغيل – قادرة على الطيران من قواعد بعيدة، مثل جزيرة غوام، لتنفيذ الضربة ثم العودة دون الحاجة للتزود بالوقود.
هذه الرسائل العسكرية، وإن بدت «استعراضًا» في ظاهرها، تحمل بين سطورها إحساسًا بالعجز عن ابتكار مقاربة جديدة لإيران، غير تلك التي أفلست في السنوات الماضية.العقوبات، التحريض، ثم التهديد.
وما يُثير القلق أكثر، أن الخيارات الأمريكية لا تزال تُصاغ بعقلية «الحرب المحدودة»، أي تنفيذ ضربات مركّزة دون الدخول في مواجهة شاملة، على أمل كبح الطموح الإيراني دون إسقاط النظام.
لكن هذه المقاربة تنطوي على فشل منهجي في فهم طبيعة النظام الإيراني، الذي جعل من فكرة «الردع غير المتناظر» عقيدة ثابتة، تتيح له الرد ليس فقط في المكان ذاته، بل على امتداد الجغرافيا التي تطالها أصابع نفوذه.
وفي ظل كل ذلك، يبقى سؤال الحسم: هل ستخاطر أمريكا بضرب إيران ؟
المؤشرات تقول لا.
فالرئيس ترامب، العائد إلى البيت الأبيض محمّلًا بوعود «أمريكا أولًا»، يعرف أن الرأي العام الأمريكي لم يعد مستعدًا لحرب جديدة، خصوصًا إذا كانت ضد خصم مثل إيران، الذي بنى سمعته على الصمود طويل النفس، والذي لا يُمكن إسقاطه خلال موجة قصف واحدة، أو حتى حملة مركّبة.
لكن ذلك لا يعني أن الخطر زال، بل العكس، فالمراوحة بين التصعيد والتريّث تزيد من احتمالات «الخطأ الحسابي»، أو «الحادث غير المقصود» الذي قد يشعل الشرارة.
وهنا، يصبح السؤال ليس هل تضرب أمريكا إيران، بل متى؟ ومتى تكون الكلفة أخفّ من أن تتحمّلها واشنطن؟
والسؤال الأهم: هل تعتقد واشنطن حقًا أن إيران ستقف مكتوفة الأيدي، أم أن ضربة فوردو – إن وُجّهت – ستكون بداية النهاية لنفوذ أمريكا العسكري في الخليج؟
من طهران إلى تل أبيب، ومن الخليج إلى الكونغرس، يبدو أن فوردو لم تعد منشأة نووية تحت الأرض، بل تحوّلت إلى عقدة استراتيجية تحبس أنفاس المنطقة بأسرها، وتجعل من كل قاذفة B‑2 تقترب منها، عنوانًا لسؤال مصيري: من الذي سيتحمل ويدفع الثمن؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 28 دقائق
- الدستور
إيران تقترب من امتلاك السلاح النووى.. واشنطن تُحذّرها: الاتفاق أو عقوبات وخيمة
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إنه يجب على إيران التوصل إلى اتفاق أو مواجهة عقوبات وخيمة، مشيرة إلى أن طهران في موقف ضعيف للغاية بسبب الضربات الإسرائيلية. وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض، اليوم، خلال مؤتمر صحفي نقلته قناة "القاهرة الإخبارية"، أن "إيران اليوم أقرب لامتلاك سلاح نووي من أي وقت مضى، وتستطيع إنتاج سلاح نووي في أسابيع قليلة ولن تسمح الولايات المتحدة لها بذلك". وأوضحت أن الاتصالات مستمرة مع إيران، كما أنهم مهتمون بالقدوم إلى واشنطن، مشيرةً إلى أن الاتفاق الذي اقترحه ويتكوف على الإيرانيين كان واقعيا ومقبولا. وأشارت إلى أنه جرى تقديم إفادة واطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم على العملية الإسرائيلية، موضحةً أنه لا توجد مؤشرات على انخراط الصين عسكريا مع إيران.


الدستور
منذ 28 دقائق
- الدستور
يخشى استخدام القوة.. ترامب يتخذ قراره بشأن إيران خلال أسبوعين
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيتخذ قراره بشأن إيران خلال أسبوعين، مشيرةً إلى أن ترامب أكد هناك فرصة كبيرة لإجراء مفاوضات مع إيران قد تعقد أو لا تعقد. وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض، اليوم، خلال مؤتمر صحفي نقلته قناة "القاهرة الإخبارية"، أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو إنهاء الطموح النووي لإيران، ولا يمكن أن تحصل إيران على السلاح النووي. وأوضحت أن أجندة ترامب قائمة على تنفيذ السلام من خلال القوة، كما أنه مهتم دائما بالتوصل إلى حلول دبلوماسية ولكنه لا يخشى استخدام القوة.


مصراوي
منذ 31 دقائق
- مصراوي
البيت الأبيض: ترامب سيتخذ خلال أسبوعين قرارا بشأن مهاجمة إيران
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيتخذ قرارًا بشأن مهاجمة إيران خلال أسبوعين. وأضافت المتحدثة، أنه لا ينبغي لأحد أن يُفاجأ بموقف الرئيس ترامب تجاه إيران مؤكدة أن ما يقوم به يأتي في إطار حسابات دقيقة. وكان ترامب قد صرح بأنه سيحدد خلال الأسبوعين المقبلين ما إذا كان سيشارك في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران. وأوضحت المتحدثة أن الرئيس الأمريكي منح فرصة واسعة لبذل الجهود الدبلوماسية مع طهران من أجل تجنب التصعيد. وأشار ترامب إلى وجود فرصة كبيرة لعقد مفاوضات مع إيران في المستقبل القريب لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه احتمال عدم انعقادها.