
سوريا ومسار الحوار الوطني الشامل
من أهم العوامل التي تعزز أجواء التوتر والمخاوف في سوريا التي تواجه تحديات جمة في عملية إعادة بناء الاستقرار، وجود تنظيمات ومجموعات مسلحة ما زالت فاعلة على الأرض، وقادرة على القيام بأعمال عنف تحمل تداعيات خطيرة على مسار بناء سوريا الغد. هذه الأطراف يحركها منطق الانتصار والانتقام وهي تحاول فرض رؤيتها على الآخر، الشريك في الوطن، ولكن المختلف في الانتماء الهوياتي ما دون الوطني (الطائفي والإثني والمذهبي) للوصول إلى تنظيم المجتمع والدولة حسب رؤيتها. السلطة الجديدة أمام تحدي إفشال هذا التوجه الذي يهدد السلم الأهلي. تحدٍ لا يقل أهمية إذا ما تم التعامل معه بنجاح، عن العمل على إعادة ترتيب علاقات سوريا مع الأسرة العربية ومع العالم، والذي هو هدف أكثر من ضروري في عملية إعادة بناء الدولة، وولوج مسار التنمية الشاملة. وقد خطت سوريا خطوات أساسية وهامة في هذا المجال.
إن المطلوب اليوم قبل الغد المبادرة إلى إطلاق مسار حوار وطني شامل يمثل المكونات الوطنية كافة للشعب السوري. حوار يهدف إلى بناء نظام جديد يقوم بشكل خاص على مفهومين أساسيين: أولاً المساواة في المواطنة، وليس على التراتبية المقنعة، وذلك كمضمون وممارسة وليس كشعار فضفاض دون أي معايير لتحديد هذا المفهوم. ثانياً، بسبب وجود هويات متنوعة، في زمن إحياء وعودة الهويات ما دون الوطنية والعابرة للوطنية في الإقليم الشرق أوسطي بشكل خاص، ضرورة العمل على إقامة نظام حسب نموذج أو صيغة الديمقراطية التوافقية أو التشاركية. الصيغة التي لا تلغي دور أحد من المكونات، بل تنظم السلطة على أساس مشاركة الجميع وصحة التمثيل وتحصين الحقوق، ولو اختلفت الأوزان بين هذه المكونات. ولا بد من التذكير بأن الديمقراطية التوافقية تبقى الصيغة الضرورية في المجتمعات التي تضم هويات أولية مختلفة، في زمن إحياء الهويات الأولية، أحياناً بصيغ متشددة، وذلك تحت سقف الهوية الوطنية الجامعة: هويات تغني وتعزز الهوية الوطنية المشتركة إذا ما أحسن تنظيم هذه العلاقة.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن «نظام الطائف» الذي أنهى الحروب اللبنانية وغيرها في لبنان؛ تلك الحروب التي قامت تحت تسميات مختلفة، يشكل نموذجاً للاقتداء به، والاستفادة من بعض دروسه، بشكل عام في الحالة السورية. ولا بد من التذكير في هذا السياق بالدور الرائد الذي لعبته المملكة العربية السعودية في احتضان المؤتمر، والدفع نحو إنجاح الأهداف التي انعقد لأجلها.
لم يفشل اتفاق الطائف في لبنان، كنموذج للحكم كما يدعي البعض، بل ما حصل هو أن الخروقات الفاضحة والمستمرة له من أهل السلطة منعت من تطبيقه كلياً. أضف أن «الطائف» للتذكير يفتح الباب كلياً أمام كل عمليات الإصلاح الممكنة والضرورية والتدريجية للدولة، وهو ما لم يتم الأخذ به مثل موضوع اللامركزية الإدارية التي تركت جانباً، وهذه الأخيرة، كمثال ينظر فيه، قد تكون ضرورية كتسوية تنظيمية عملية وفاعلة بين دعاة الدولة شديدة المركزية من جهة، ودعاة الدولة ذات النظام الفيدرالي كما تطالب القوى الكردية في سوريا بشكل خاص من جهة أخرى.
خلاصة الأمر، أن إطلاق مسار صياغة عقد اجتماعي جديد في سوريا (وأقول عقد وطني بالمعنى الشامل) للأسباب التي أشرت إليها، أمر أكثر من ضروري، رغم التحديات التي أمامه. التحديات التي ستزداد مع الوقت شدة وتعقيداً وتداعيات إذا لم يتم إطلاق هذا المسار ورعايته ومواكبته عربياً بشكل خاص. فالاستقرار المجتمعي ضروري لسوريا، ولأمنها الوطني، وللأمن العربي، وكذلك الإقليمي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 25 دقائق
- العربية
جوع غزة يصرخ في وجه العالم.. !
تُواصل إسرائيل، تحت حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، سياستها الوحشية وغير الإنسانية تجاه سكان قطاع غزة، حيث لم يعد الحصار مجرد واقعٍ مأساوي يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني، بل أصبح سلاحاً ممنهجاً يتجسّد في سياسة التجويع القاسية. إنها مأساة إنسانية ترتكب على مرأى العالم، بينما تبقى القوى الكبرى صامتة، بل ومتواطئة. فالولايات المتحدة الأمريكية؛ التي ترفع لواء الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، تُقدّم غطاءً سياسياً ودبلوماسياً كاملاً لهذه الجرائم المستمرة، مستخدمةً حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد كل محاولة دولية لوقف نزيف الدم الفلسطيني، مُعطية بذلك إسرائيل ضوءاً أخضر لارتكاب المزيد من المجازر ضد الأبرياء في غزة. المشاهد القادمة من القطاع تحرق القلوب وتصرخ في وجه الإنسانية جمعاء: أطفالٌ يموتون من الجوع، وأمّهات يتساقطن تحت الرصاص وهن يحاولن الحصول على كسرة خبز لأبنائهن، وعائلات تُباد عند نقاط توزيع الغذاء والدواء التي لم تعد ملاذاً آمناً، بل ميادين للموت تُقصف بلا هوادة. إن هذا المشهد لا يمكن أن يكون مجرد نتيجة عرَضية للحرب، بل هو إستراتيجية محسوبة تنفّذها إسرائيل، وهي مدركة تماماً لما تفعله. لكن المجتمع الدولي ما زال عاجزاً عن إيقاف هذه الكارثة، متخاذلاً ومتجاهلاً كل النداءات الأخلاقية، بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود للحكومة الإسرائيلية. في ظل هذا الواقع القاتم، جاءت مبادرة المملكة العربية السعودية كصوت قوي وشجاع، أعاد الأمل بإمكانية تحقيق السلام العادل والدائم. لقد أخذت السعودية زمام المبادرة، وعقدت بالتعاون مع فرنسا مؤتمراً دولياً رفيع المستوى في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك، بهدف إحياء حل الدولتين ووضع خطة عملية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية. إن هذا الموقف السعودي المشرّف لم يكن مجرد تضامن لفظي، بل كان خطوة جريئة نحو العدالة والسلام، حيث أكد وزير الخارجية السعودي في هذا المؤتمر ضرورة وقف كافة أشكال العنف والاستيطان، وتشكيل لجنة انتقالية دولية لإدارة غزة مؤقتاً، وحماية المدنيين من آلة الحرب الإسرائيلية التي لا ترحم. إن هذا التحرك السعودي، المدعوم من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وعدد كبير من دول العالم، قد رسم مساراً واضحاً وشجاعاً للخروج من المأزق الحالي. موقف السعودية النبيل هذا لم يكن مفاجئاً؛ فهي لطالما وقفت في صف الحق الفلسطيني، مدركة أن تحقيق السلام الحقيقي لن يتم إلا بإنصاف الفلسطينيين وإنهاء معاناتهم. في المقابل، ستبقى وصمة العار تلاحق إسرائيل وأمريكا، ما دامت الأولى تصرّ على سياسة التجويع والإبادة الجماعية، وما دامت الثانية تُوفر لها الغطاء والدعم. لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يستمع للصوت السعودي العقلاني والشجاع، ويوقف جرائم إسرائيل التي تشوّه الضمير الإنساني، ويحاسب القوى التي تمنحها الشرعية والدعم. لقد آن الأوان لينتصر الحق على الظلم، ولتعلو أصوات السلام على طبول الحرب والمجاعة.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
لبنان ينزع «الشرعية» عن سلاح «حزب الله»
نزع لبنان «الشرعية» عن سلاح «حزب الله»، في القرار الذي اتخذته الحكومة بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، فيما يستكمل مجلس الوزراء، اليوم (الخميس)، النقاش في ورقة الموفد الأميركي توماس براك. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «يعني نزع الشرعية من السلاح بعدما كان محمياً بالشرعية المحلية»، في إشارة إلى البيانات الوزارية المتعاقبة منذ عام 1989 التي نصت على حق لبنان في مقاومة إسرائيل وتحرير الأرض. وأشارت المصادر إلى أن الأمر «لا يقتصر على حيازة السلاح فقط، بل يشمل أي عمل عسكري ضد إسرائيل والذي كان قبل هذه الحكومة، الفعل المسلح الوحيد الحائز شرعية رسمية». ورد «حزب الله» الغاضب من قرار الحكومة عليه، ببيان شديد اللهجة، أعلن فيه أنه سيتعامل مع هذا القرار كأنه غير موجود، واصفاً إياه بـ«الخطيئة الكُبرى». وقال في بيانه إن القرار الحكومي «يُجرِّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي، ما يُؤدي إلى إضعاف قدرته وموقفه أمام استمرار العدوان الإسرائيلي - الأميركي عليه، ويُحقِّق لإسرائيل ما لم تُحقِّقه في عدوانها»، واصفاً إياه بـ«المخالفة الميثاقية الواضحة». من جهتها، اتهمت «حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، الحكومة بالعمل عكس ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفي البيان الوزاري، عادّة جلسة الحكومة المقررة اليوم (الخميس) «فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني». وقالت وزيرة البيئة، تمارا الزين، المحسوبة على «أمل» لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ستشارك في جلسة الحكومة اليوم»، فيما أشارت معلومات إلى أن وزير الصحة المحسوب على «الحزب» راكان ناصر الدين سيشارك أيضاً.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
خطة نتنياهو: احتلال جزئي وتهجير عبر الجنوب
يعقد مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، اليوم (الخميس)، جلسة يحسم فيها خلافاً بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يصرّ على احتلال قطاع غزة، وبين رئيس أركان الجيش إيال زامير الذي يعارض الفكرة. ووفقاً لمعلومات سرَّبتها وسائل إعلام عبرية، فإن الخطة العسكرية تتمثل في تنفيذ مناورة برية تستمر من 4 إلى 5 أشهر هدفها السيطرة على مدينة غزة والمخيمات الوسطى، ودفع السكان جنوباً سعياً لخروجهم من القطاع. في المقابل، قال باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لـ«حماس» عن قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»، إن حركته تأخذ التهديدات الإسرائيلية بكل جدية؛ مشيراً إلى أن القطاع فعلياً تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي، براً وبحراً وجواً. وأكد أن المفاوضات بشأن الهدنة متوقفة. ميدانياً، طلبت إسرائيل، من سكان في مناطق غرب خان يونس، جنوب القطاع، وفي جنوب مدينة غزة مثل حي الزيتون وأجزاء من حي الصبرة، إخلاءها.