
الإنسانية الانتقائية
كل اتفاق يوقف هذه الحرب المجاوزة لكل الأعراف الإنسانية والدولية مُرحَّب به وكان يفترض أن يكون اكتمل وبدأ تنفيذه منذ فترة طويلة وربما تكون تفاصيله الدقيقة وتبعاتها هي أكثر ما يشغل الأطراف المعنية به، لكنَّ ما يهم غيرهم هو أن يستعيد الناس في غزة القدر الأدنى من إنسانيتهم التي تبددت بين حماقات سياسية وحسابات ضيقة الرؤية، وردود عليها تجاوزت المعتاد وتحولت إلى انتقام مباشر من الأبرياء، ومواءمات دولية تتعامل مع ملف القطاع إن لم يكن بلا إنسانية، فبنوع انتقائي منها ينتصر لضحية في مكان، ويسهم في الإجهاز عليها في غيره.
والاتفاق، على أهميته، ربما يكون لصُنّاعه، إن اكتمل، نهاية مواجهة عسكرية يحكم التطرف والإفراط في استخدام القوة مساراتها، لكنه للغزيين بداية حياة تتواصل فيها صور المعاناة التي فاقت على كل حد، وتمثل كل صورة منها مساءلة لعالم اختبرت إنسانيته في غير موضع، وتأكد مرات أنها انتقائية، لكن ليس إلى هذا الحد الذي يغض الطرف عن صرخة دولية بشأن بشر يتساقطون من الجوع في الشوارع.
إننا أمام صورة مأساوية لا يجوز أن تلتصق بزماننا، فهي ابنة قرون سابقة كان يمكن أن يحاصر فيها القحط جماعة، أو يغيب الفيضان في مكان ما، أو تفتك الأوبئة ببقعة بعينها، فيأكل الناس أوراق الشجر أو جثث مَن مات، أو جيفاً، ثم تأتينا الحكايات فنجزع منها أو يعجز خيالنا عن إدراك تفاصيلها، بل إن بعضنا يعتبرها مبالغات مؤرخين.
ماذا نفعل إذا هذه الحكاية الآتية من غزة بلا مؤرخين أو حاجة إلى إعمال الخيال؟ إن عالماً يتباهى بقدراته العقلية التي روضت كل شيء يقبل معظمه، صامتاً أو عاجزاً، أن يسقط بعض البشر من شدة الجوع.
اعتبر البعض التحذير من مجاعة وشيكة في غزة نوعاً من المبالغة التي تلفت أنظار من يعنيهم الأمر إلى مآلات قاسية للحرب الممتدة، فيتفقوا على وقفها، لكن دولاً عربية رأت مبكراً خطر الجوع المقبل ولم ترتضه لأهل غزة ولا تقبله لغيرهم.
ورغم جهود هذه الدول، فإنها ظلت قاصرة عن درء الخطر كاملاً بعدما اصطدمت بتعنت إسرائيلي، وتمدُّد المأساةِ في القطاع، بل وتحول «مساعدات» غذايئة أخرى إلى قنابل تحصد منتظريها في مشهد لا ينفصل عن بقية مشاهد الحرب.
ها هو الخوف من الجوع يصبح حقيقة تسقط ضحاياه في الشوارع أمام مرأى الجميع ويعزّ الماء والدواء وأماكن التداوي وكل ذلك يرسخ وصمة العار في مسيرة العالم الذي تتبدل فيه المعايير من موضع لآخر، ويفسر الإنسانية وفق الهوى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 6 دقائق
- البيان
مسؤولون أتراك: الحكومة السورية تطلب دعماً دفاعياً
في السياق، قال مصدر في وزارة الدفاع التركية اليوم الأربعاء إن على قوات سوريا الديمقراطية أن تثبت التزامها باتفاق الاندماج المبرم مع الحكومة السورية. وتراقب أنقرة عن كثب تطورات الأحداث هناك بعد اتفاق توصلت إليه دمشق في العاشر من مارس مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية. وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه "يجب على قوات سوريا الديمقراطية أن تبرهن بشكل ملموس أنها تلتزم بالاتفاق الذي أبرمته مع حكومة دمشق". وقالت تركيا مرارا إنه لن تسمح بتحركات قد تفضي لتقسيم سوريا وعبرت عن معارضتها لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي لجماعات كردية قرب حدودها الجنوبية.


البيان
منذ 40 دقائق
- البيان
«الشعبوية المالية» تضع استقلالية البنوك المركزية على المحك
ففي هذه الأوقات، تفرض احتياجات الموازنات الحكومية سطوتها على قرارات السياسة النقدية، سواء عبر تمويل مباشر للعجز المالي، أو من خلال الإبقاء على معدلات فائدة منخفضة بشكل مصطنع. وفي كلا الحالتين، تتم تسوية الفاتورة من خلال «ضريبة التضخم». فبينما تُعدّ موجات التضخم غالباً مؤقتة، فإن الانزلاق إلى حقبة من الهيمنة المالية، يمثل تهديداً وجودياً لاستقلالية البنوك المركزية، وقدرتها على ضبط التضخم. وعندما يتم تسخير السياسة النقدية لخدمة الأجندة المالية، تتحوّل البنوك المركزية إلى ما يشبه «حصالات نقود» بيد الدولة. وتُعلمنا دروس التاريخ، أنه إذا ما بلغت الحسابات المالية مستوى مقلقاً، واقترن ذلك بمناخ سياسي مشحون، فإن السياسة النقدية تصبح الأداة التي يُعاد عبرها التوازن المالي. ومثل هذه الظروف المواتية لـ «الشعبوية المالية»، بدأت تتبلور تدريجياً في وقتنا الحاضر. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الدين الحكومي في المجموعة إلى أكثر من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ نحو ثلاثة أرباع القرن. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع مستقبلاً، بفعل شيخوخة السكان، وتحديات تغيّر المناخ، بالإضافة إلى مشروع الرئيس دونالد ترامب المحوري، المتمثل في «القانون الكبير والجميل». فقد بلغت مشترياتها المباشرة من السندات الحكومية -عبر برامج التيسير الكمي- ذروتها، عند أكثر من 10 تريليونات دولار، أي ما يعادل نحو ثلث إجمالي الدين القائم آنذاك. وباستثناء التسمية، يُعدّ ذلك تمويلاً نقدياً مباشراً. ففي ظل سياسة مالية توسعية للغاية، كان الهدف الأساسي من التيسير الكمي تهدئة مخاوف أسواق السندات أكثر من تحفيز التضخم. ونتيجة لذلك، ارتفعت حيازات البنوك المركزية من الدين الحكومي إلى مستويات اقتربت من نصف إجمالي الدين القائم في المملكة المتحدة واليابان، ونحو الثلث في منطقة اليورو، وربع الحجم الإجمالي في الولايات المتحدة. ويمكن اعتبار ذلك شكلاً مخففاً وغير مباشر من الهيمنة المالية. وبالاعتراف بذلك، يبدو لي أن البنوك المركزية قد تميل مستقبلاً إلى استخدام اتفاقيات إعادة الشراء طويلة الأجل (الريبو) بشكل أكبر، بدلاً من التيسير الكمي، كأداة لتخفيف التوترات في سوق السندات. وفي عالم يتّسم بارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، قد لا تعود هناك حاجة ضرورية للتيسير الكمي لأغراض الدورات الاقتصادية. وهذه المخاطر تزداد وضوحاً. وفي انتقاداته الأخيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، قدّم الرئيس دونالد ترامب رقماً دقيقاً بشأن حجم الفوائد التي يمكن تحقيقها من خفض الفائدة، 360 مليار دولار سنوياً، لكل نقطة مئوية تُخفض من تكلفة إعادة تمويل الدين الحكومي. ويمثّل ذلك شكلاً مباشراً وأقوى من الهيمنة المالية المباشرة. ففي الولايات المتحدة، أصبح ثلثا الديون الحكومية المستحقة حالياً، تحت أجل استحقاق خمس سنوات. وفي العام الماضي، كان حوالي ثلث الديون المصدرة بأجل استحقاق عام واحد. وهذه الأنماط بدأت تتكرر على الصعيد الدولي أيضاً. إلا أن هذا المتوسط بدأ بالتراجع أيضاً، لذلك، يُتوقّع أن يبلغ متوسط آجال الإصدارات الجديدة نحو 9 سنوات. وقد شهدنا هذا الميل نحو الإصدارات قصيرة الأجل في كل من كندا وألمانيا وفرنسا ودول أخرى ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ومن اللافت أن أكثر من 40 % من الدين السيادي القائم لدى دول المنظمة، والذي يتجاوز مجموعه 50 تريليون دولار، سيحتاج إلى إعادة تمويل خلال السنوات الثلاث المقبلة. غير أن آثارها النقدية قد لا تكون بهذه الدرجة من الإيجابية، إذ إن تراكم الديون والعجوزات المالية، وارتفاع العوائد طويلة الأجل، وتراجع آجال الاستحقاق، إضافة إلى تصاعد الخطاب الشعبوي، كل ذلك يشكل وصفةً مثالية لتزايد الضغوط على البنوك المركزية، من أجل إبقاء معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول. وأفضل من يمكن أن يوجه إليه هذا السؤال، هو رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. فحين تؤدي السياسة النقدية المتساهلة إلى ارتفاع العوائد طويلة الأجل، فإن ذلك يمنح الحكومات حافزاً أقوى لاعتماد آجال استحقاق أقصر لتقليص تكلفة خدمة الدين. ولهذا السبب، تميل الأسواق الناشئة إلى إصدار ديون قصيرة الأجل، وغالباً ما تكون استقلالية بنوكها المركزية أضعف. كما يمكن لأسواق السندات أن تلعب دوراً تأديبياً فعالاً في مواجهة الشعبوية المالية الزاحفة: فقد أدّت التهديدات المتزايدة لاستقلالية الفيدرالي الأمريكي خلال الأشهر الأخيرة، إلى دفع العوائد الأمريكية طويلة الأجل لتتجاوز 5 %، وهو ما أجبر الرئيس ترامب على تراجعات جزئية في تصريحاته. والأخيرة ستقترن بزيادة انحدار منحنى العائد، وتقصير آجال استحقاق الدين، والحفاظ على معدلات فائدة قصيرة الأجل عند مستويات منخفضة. وإذا لم تكن الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وأقوى بنك مركزي، بمنأى عن الشعبوية المالية، فإن أحداً غيرها لن يكون كذلك.

سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
إيران.. مسؤولون يشتبهون في تورط إسرائيل في "الحرائق الغامضة"
ونقلت الصحيفة عن 3 مسؤولين إيرانيين، من بينهم عضو في الحرس الثوري، قولهم إنهم يعتقدون أن العديد من هذه الحوادث كانت أعمال تخريب. وتابع أن المسؤولين ركزوا شكوكهم على إسرائيل ، مشيرين إلى سجلها في تنفيذ عمليات سرية داخل إيران ، بما في ذلك التفجيرات والاغتيالات. وكان مسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية قد تعهد بمواصلة العمل داخل إيران، بعد حملة القصف الإسرائيلية التي استمرت 12 يوما الشهر الماضي ضد طهران. وقال مسؤول أوروبي يتعامل مع إيران إنه قيّم أيضا هذه الهجمات على أنها أعمال تخريب ويشتبه بتورط إسرائيل، بناء على سجلها السابق داخل إيران، سواء كأسلوب من أساليب الحرب النفسية أو لاستهداف مواقع محددة. ولم يقدم المسؤولون الإيرانيون أدلة تدعم شكوكهم، فيما أرجعت السلطات التي تحدثت علنا أسباب الانفجارات إلى أمور أخرى، مثل تسربات الغاز وحرائق القمامة والبنية التحتية القديمة. ومع ذلك، لم تقدم السلطات تفسيرا مقنعا للجمهور حول سبب وقوع انفجارات غازية بمعدل واحد إلى اثنين يوميا في مختلف أنحاء البلاد. ووقعت بعض الحوادث في مواقع بنية تحتية استراتيجية، مثل الحريق في مصفاة نفط رئيسية في مدينة عبادان جنوب البلاد يوم السبت، والذي أسفر عن مقتل شخص وإصابة عدد من الأشخاص وتوقف خط إنتاج. بينما ساهمت حوادث أخرى، مثل الانفجارات في المباني السكنية والمصانع، في خلق شعور بالفوضى وعدم الاستقرار. وتقول "نيويورك تايمز" إن السلطات الإيرانية تترد في إعلان شكوكها بشأن احتمال تورط إسرائيل، لأنهم لا يريدون وضع أنفسهم في موقف يجبرهم على الرد. وتضررت قدرات الدفاع الجوي والإطلاق الصاروخي، إضافة إلى القواعد العسكرية والمنشآت النووية الإيرانية، بشدة خلال الحرب الشهر الماضي. وعلى الرغم من أن إيران احتفظت بقدرتها على إطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل حتى الساعات الأخيرة قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فإن استئناف الحرب يهدد بإضعاف القدرات العسكرية الإيرانية أكثر. وكان جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، قد أوضح أنه سيواصل تنفيذ عملياته في إيران حتى بعد وقف إطلاق النار. وفي يونيو الماضي، أكد مدير الموساد بخطاب علني نادر احتفى فيه بإنجازات الوكالة داخل إيران، قائلا: "سنكون هناك، تماما كما كنا حتى الآن". وفي العلن، سعت إيران إلى تفسير هذه الحرائق. ففي بعض الحالات، مثل الحريق في شمال شرق إيران قرب مطار مشهد الدولي، قالت السلطات الإيرانية إنها كانت تقوم بـ"حرق أعشاب مسيطر عليه"، وعزت حريقًا في طهران إلى حريق قمامة. لكن في معظم الحالات، ألقت السلطات باللوم على تسربات الغاز. وقال مدير إدارة الإطفاء والسلامة العامة في طهران، قدرت الله محمدي، لوسائل الإعلام الرسمية إن أسباب هذه التسربات تعود إلى "معدات متهالكة، واستخدام أجهزة غاز دون المستوى المطلوب، وعدم الالتزام بمبادئ السلامة". وكانت بعض الانفجارات التي ضربت المباني السكنية قوية لدرجة أنها أرسلت أعمدة دخان ضخمة في السماء وأدت إلى انهيار الجدران والأسقف. وقال عضو الحرس الثوري إن الأثر التراكمي للانفجارات شبه اليومية، أدى إلى تزايد القلق بين المسؤولين والسكان الإيرانيين عموما. وقال خبير الشأن الإيراني في مؤسسة أبحاث في واشنطن، أميد ميماريان: "السجل الطويل للنظام الإيراني في التستر وانعدام الشفافية، إلى جانب ردوده الغامضة، زاد من مخاوف وشكوك العامة". وأضاف: "الناس يدركون أن النظام غالبًا ما يقلل من شأن الهجمات الإسرائيلية أو ينكرها". وفي ظل غياب أي اعتراف رسمي بما يبدو للكثير من السكان وكأنه هجمات منسقة، تساءل البعض عما إذا كانت الحرب قد انتهت فعلاً. كما تساءل كثير من الإيرانيين عن ملابسات وفاة العميد غلام حسين غيب برور، الذي كان نائبا لقائد الحرس الثوري، وأشرف على قاعدة عسكرية في طهران مسؤولة عن قمع احتجاجات نسائية في عام 2021. ووفقا لإعلان وفاته على وسائل الإعلام الرسمية، فقد توفي نتيجة مضاعفات لإصابات من أسلحة كيميائية تعود إلى الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات، وقد تفاقمت هذه الإصابات بسبب التوتر الناتج عن الحرب الأخيرة مع إسرائيل. وحاول المسؤولون تهدئة القلق العام بطرق مختلفة. فقد نشرت شركة الغاز الوطنية إحصاءات تقول إنها تظهر عدم حدوث زيادة ملحوظة في الانفجارات الناتجة عن تسربات الغاز هذا العام مقارنة بالعام الماضي. ودعت بلدية طهران شركة الغاز ووزارة الطاقة إلى تقديم تقارير حول "الإجراءات والتطورات الأخيرة"، ووصفت ذلك بأنه مناقشة للوضع في ظل "ظروف عادية".