
«الشعبوية المالية» تضع استقلالية البنوك المركزية على المحك
وفي كلا الحالتين، تتم تسوية الفاتورة من خلال «ضريبة التضخم».
فبينما تُعدّ موجات التضخم غالباً مؤقتة، فإن الانزلاق إلى حقبة من الهيمنة المالية، يمثل تهديداً وجودياً لاستقلالية البنوك المركزية، وقدرتها على ضبط التضخم. وعندما يتم تسخير السياسة النقدية لخدمة الأجندة المالية، تتحوّل البنوك المركزية إلى ما يشبه «حصالات نقود» بيد الدولة.
وتُعلمنا دروس التاريخ، أنه إذا ما بلغت الحسابات المالية مستوى مقلقاً، واقترن ذلك بمناخ سياسي مشحون، فإن السياسة النقدية تصبح الأداة التي يُعاد عبرها التوازن المالي.
ومثل هذه الظروف المواتية لـ «الشعبوية المالية»، بدأت تتبلور تدريجياً في وقتنا الحاضر.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الدين الحكومي في المجموعة إلى أكثر من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ نحو ثلاثة أرباع القرن.
ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع مستقبلاً، بفعل شيخوخة السكان، وتحديات تغيّر المناخ، بالإضافة إلى مشروع الرئيس دونالد ترامب المحوري، المتمثل في «القانون الكبير والجميل».
فقد بلغت مشترياتها المباشرة من السندات الحكومية -عبر برامج التيسير الكمي- ذروتها، عند أكثر من 10 تريليونات دولار، أي ما يعادل نحو ثلث إجمالي الدين القائم آنذاك. وباستثناء التسمية، يُعدّ ذلك تمويلاً نقدياً مباشراً.
ففي ظل سياسة مالية توسعية للغاية، كان الهدف الأساسي من التيسير الكمي تهدئة مخاوف أسواق السندات أكثر من تحفيز التضخم.
ونتيجة لذلك، ارتفعت حيازات البنوك المركزية من الدين الحكومي إلى مستويات اقتربت من نصف إجمالي الدين القائم في المملكة المتحدة واليابان، ونحو الثلث في منطقة اليورو، وربع الحجم الإجمالي في الولايات المتحدة. ويمكن اعتبار ذلك شكلاً مخففاً وغير مباشر من الهيمنة المالية.
وبالاعتراف بذلك، يبدو لي أن البنوك المركزية قد تميل مستقبلاً إلى استخدام اتفاقيات إعادة الشراء طويلة الأجل (الريبو) بشكل أكبر، بدلاً من التيسير الكمي، كأداة لتخفيف التوترات في سوق السندات.
وفي عالم يتّسم بارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، قد لا تعود هناك حاجة ضرورية للتيسير الكمي لأغراض الدورات الاقتصادية.
وهذه المخاطر تزداد وضوحاً. وفي انتقاداته الأخيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، قدّم الرئيس دونالد ترامب رقماً دقيقاً بشأن حجم الفوائد التي يمكن تحقيقها من خفض الفائدة، 360 مليار دولار سنوياً، لكل نقطة مئوية تُخفض من تكلفة إعادة تمويل الدين الحكومي.
ويمثّل ذلك شكلاً مباشراً وأقوى من الهيمنة المالية المباشرة.
ففي الولايات المتحدة، أصبح ثلثا الديون الحكومية المستحقة حالياً، تحت أجل استحقاق خمس سنوات.
وفي العام الماضي، كان حوالي ثلث الديون المصدرة بأجل استحقاق عام واحد. وهذه الأنماط بدأت تتكرر على الصعيد الدولي أيضاً.
إلا أن هذا المتوسط بدأ بالتراجع أيضاً، لذلك، يُتوقّع أن يبلغ متوسط آجال الإصدارات الجديدة نحو 9 سنوات.
وقد شهدنا هذا الميل نحو الإصدارات قصيرة الأجل في كل من كندا وألمانيا وفرنسا ودول أخرى ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
ومن اللافت أن أكثر من 40 % من الدين السيادي القائم لدى دول المنظمة، والذي يتجاوز مجموعه 50 تريليون دولار، سيحتاج إلى إعادة تمويل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
غير أن آثارها النقدية قد لا تكون بهذه الدرجة من الإيجابية، إذ إن تراكم الديون والعجوزات المالية، وارتفاع العوائد طويلة الأجل، وتراجع آجال الاستحقاق، إضافة إلى تصاعد الخطاب الشعبوي، كل ذلك يشكل وصفةً مثالية لتزايد الضغوط على البنوك المركزية، من أجل إبقاء معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول.
وأفضل من يمكن أن يوجه إليه هذا السؤال، هو رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول.
فحين تؤدي السياسة النقدية المتساهلة إلى ارتفاع العوائد طويلة الأجل، فإن ذلك يمنح الحكومات حافزاً أقوى لاعتماد آجال استحقاق أقصر لتقليص تكلفة خدمة الدين.
ولهذا السبب، تميل الأسواق الناشئة إلى إصدار ديون قصيرة الأجل، وغالباً ما تكون استقلالية بنوكها المركزية أضعف.
كما يمكن لأسواق السندات أن تلعب دوراً تأديبياً فعالاً في مواجهة الشعبوية المالية الزاحفة: فقد أدّت التهديدات المتزايدة لاستقلالية الفيدرالي الأمريكي خلال الأشهر الأخيرة، إلى دفع العوائد الأمريكية طويلة الأجل لتتجاوز 5 %، وهو ما أجبر الرئيس ترامب على تراجعات جزئية في تصريحاته.
والأخيرة ستقترن بزيادة انحدار منحنى العائد، وتقصير آجال استحقاق الدين، والحفاظ على معدلات فائدة قصيرة الأجل عند مستويات منخفضة.
وإذا لم تكن الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وأقوى بنك مركزي، بمنأى عن الشعبوية المالية، فإن أحداً غيرها لن يكون كذلك.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 41 دقائق
- سكاي نيوز عربية
بعد أحداث السويداء.. تركيا ترصد وتحذر من "تحركات" في سوريا
وأشار فيدان في لقاء تلفزيوني، الجمعة، مع قناة "إن تي في" المحلية، إلى أنّ تركيا حذرت من خطر تقسيم سوريا بعد رصدهم لاستغلال مجموعات لما جرى في السويداء ، قائلا: "كتركيا، توجب علينا إطلاق تحذير وقمنا بذلك، لأننا نريد وحدة سوريا وسلامتها". وأكد على أهمية سوريا بالنسبة للأمن القومي التركي، مشددا على أهمية الوحدة والنظام والسلام في الدول المجاورة لتركيا. والهدف الأساسي لتركيا، بحسب فيدان ، هو ضمان السلام والاستقرار والأمن في المنطقة. وأشار إلى أنّ سوريا تشهد انطلاق عملية بدعم من تركيا ودول المنطقة والاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة. وقال فيدان: "كنا نرى دائمًا أن هناك جهات يمكن أن تستفيد من تقسيم سوريا ، ومن عدم استقرارها، ومن عدم تعافيها، وأنهم يرغبون في أن تظل سوريا تتخبط في حفرة اليأس والإحباط والسلبية". وأردف: "عندما لم تخرج الصورة كما يتوقعون بفضل المفاوضات الدبلوماسية التي أجريناها، وأيضا الجهود التي بذلها المجتمع الدولي، لجأ هؤلاء إلى اتباع سيناريو مختلف تمامًا"، مشيرا إلى أن إسرائيل لديها مثل هذا الهدف. ولفت فيدان، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، صرح أنه ليس لديه رأي إيجابي للغاية بشأن استقرار سوريا.


الإمارات اليوم
منذ 2 ساعات
- الإمارات اليوم
المجموعة الدولية لإدارة الأزمات: إسرائيل تمارس سياسة تجويع ممنهجة في غزة
أكدت المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بروكسل، أن إسرائيل تمارس سياسة تجويع ممنهجة بحق سكان قطاع غزة منذ تراجعها عن اتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي، مشيرة إلى أن القطاع بات على شفا مجاعة شاملة وسط قيود مشددة على دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية. وحذرت المجموعة في بيان لها، من أن هذه السياسة تترك آثارًا مدمرة على 2.1 مليون فلسطيني محاصرين، يعانون يوميًا من انعدام الأمن الغذائي والانهيار الصحي. وشددت المجموعة على أن ما يحدث في غزة لم يكن مفاجئًا، بل تم التحذير منه مسبقًا من قبلها ومن قبل الأمم المتحدة وجهات إنسانية أخرى. وأوضحت أن سياسة "التجويع المتحكم به"، التي تسعى إلى إبقاء السكان على حافة المجاعة دون السقوط الكامل فيها، لم تأخذ بالحسبان مدى هشاشة سكان غزة الذين أنهكتهم الحرب والحرمان. ودعت المجموعة،مع ارتفاع عدد الوفيات بسبب الجوع يوميًا، إلى رفع الحصار فورًا، مؤكدة أن "كل شاحنة إغاثة مهمة، وكل سعرة حرارية تحتسب"، لكن الحل الحقيقي يبدأ بوقف إطلاق النار. وفيما يتعلق بتوزيع الغذاء، أفادت المجموعة بأن النظام الجديد الذي فرضته إسرائيل في مايو الماضي، والمتمثل في "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، أثبت فشله الذريع، فبدلاً من التعاون مع وكالات الأمم المتحدة التي تمتلك البنية التحتية والخبرة، اختارت إسرائيل توزيع المساعدات عبر متعاقدين أمنيين وبطرق فوضوية تفتقر إلى الشفافية. وبحسب المجموعة، فإن الادعاء بتوزيع 87 مليون "وجبة" يفتقر إلى التوثيق والتعريف الدقيق، ولا يرقى إلى تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان. والأسوأ، بحسب البيان، أن هذه الطريقة تحرم الأكثر ضعفًا من الحصول على الغذاء، وتفتح المجال أمام العنف والاستغلال، ما حول عملية التوزيع إلى معركة يومية من أجل البقاء. وأكدت أن تداعيات هذه السياسة أصبحت قاتلة، حيث قُتل أكثر من 1000 فلسطيني منذ مايو أثناء محاولاتهم الوصول إلى مواقع التوزيع التي غالبًا ما تكون بعيدة وخاضعة لحراسة مشددة، وسط إطلاق نار من القوات الإسرائيلية. وفي تقييم خطير للوضع الصحي، كشفت المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بروكسل أن غزة تُظهر مؤشرات واضحة على مجاعة وشيكة. ورغم أن الوضع لم يتجاوز بعد العتبة الفنية المحددة في تصنيف الأمن الغذائي العالمي(IPC)، فإن التقارير الميدانية من الأطباء والمنظمات الإنسانية تشير إلى أن نقطة الانهيار باتت قريبة جدًا. وأكدت منظمة أطباء بلا حدود، بحسب البيان، أنها عالجت خلال الأسبوعين الأولين من يوليو الجاري، ثلاثة أضعاف حالات سوء التغذية الحاد مقارنة بما عالجته خلال شهر مايو كله، في حين سجلت مستشفيات غزة ما بين 10 و15 حالة وفاة يوميًا نتيجة الجوع، وهو رقم يفوق متوسط الوفيات طيلة شهور الحرب. وأشارت المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بروكسل إلى أن المجاعة، إن بدأت، ستتبع نمطًا كارثيًا ذاتي التعزيز، حيث يؤدّي الضعف العام إلى تسارع حالات الوفاة، خاصة بين الأطفال. وأوضحت أن نتائج المسح الغذائي للأمم المتحدة في غزة في يوليو كشفت أن أكثر من 16% من الأطفال في غزة يعانون من سوء تغذية حاد، وهو رقم يتجاوز عتبة إعلان المجاعة، ويعادل أربعة أضعاف النسبة المسجلة في فبراير الماضي. وأكدت المجموعة، أن عدم وجود وقف لإطلاق النار لا يبرر مطلقًا سياسة التجويع، ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يستمر في منحه إسرائيل غطاءً دبلوماسيًا في ظل تعثر المفاوضات. وقالت : " إن السياسة الوحيدة القادرة على وقف الموت الجماعي في غزة هي فتح المعابر فورًا مع التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل"، مشددة على أن "آلة الموت يجب أن تتوقف، لا أن تُبطئ فقط ".


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
المجلس العالمي للتسامح والسلام يشيد بإعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين
أشاد المجلس العالمي للتسامح والسلام، بإعلان فخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نية بلاده الاعتراف رسميا بدولة فلسطين. وقال معالي أحمد بن محمد الجروان رئيس المجلس، إن هذه المبادرة تعتبر خطوة شجاعة ومسؤولة نحو دعم الحق والعدل وتعزيز فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط. وأكد أن الاعتراف بدولة فلسطين يمثل أقصر الطرق نحو تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، بما ينعكس إيجابا على الأمن والسلم الدوليين، مشددا على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو حق من حقوق الشعب الفلسطيني وفقا لقرارات الشرعية الدولية. وأضاف أن المجلس العالمي للتسامح والسلام يدعم بشكل كامل هذا التوجه الفرنسي، ويعتبره حافزا إيجابيا للمجتمع الدولي للمضي قدما في خطوات ملموسة نحو بناء السلام العادل والدائم، والحفاظ على الأمن والاستقرار في العالم أجمع. ودعا المجلس كافة الدول إلى الاقتداء بهذه المبادرة، والانضمام إلى جهود إحقاق الحق وتحقيق التعايش والسلام المستدام بين الشعوب، مشيرا إلى أن إرساء العدل هو الركيزة الأساسية للتسامح والتنمية والاستقرار.