
داخل خيمة بالية بغزة.. هكذا يواجه مستشار قانوني الحصار والتجويع
في خيمة متهالكة تلاطم الرياح قماشها البالي بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، يواجه العطار مع عائلته من أبناء وأحفاد (23 فردا) ظروف حياة بائسة تفتقر إلى أدنى المقومات الأساسية، وحالا صار فيه "الحصول على لقمة خبز أو شربة ماء مهمة معقدة وشبه مستحيلة" كما يقول العطار للجزيرة نت.
ويقيم العطار بهذه الخيمة بعد رحلة نزوح مريرة برفقة عائلته الكبيرة، بدأت مع الأيام الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع بعد 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، وتنقلوا خلالها من مكان إلى آخر، حتى محطتهم الحالية التي يصنفها كأصعب فترات الحرب وأكثرها قسوة، نتيجة التجويع والتعطيش.
مكابدة يومية
وكتب لهذه العائلة النجاة من أخطار كثيرة، ترك أحدها أثرا لا يزال العطار يتحسس ألمه، عندما فقد إحدى بناته في مجزرة ارتكبتها إسرائيل تعرف بـ"مجزرة البركسات" شمال غربي مدينة رفح جنوب القطاع في مايو/أيار 2024.
يرعى العطار أيتاما من أحفاده مع أسرته، ويكابد لتوفير الطعام والشراب لهم، في ظل حصار مشدد وإغلاق المعابر ومنع الاحتلال إدخال الإمدادات الإنسانية لزهاء مليونين و300 ألف نسمة في قطاع غزة منذ 2 مارس/آذار الماضي.
"إنه قتل بالتجويع والتعطيش، وهو سلاح أكثر فتكا من الصواريخ والقنابل"، كما يقول العطار الذي يبدأ يومه الشاق مبكرا، يجوب الشوارع وأنحاء المنطقة الأكثر اكتظاظا في القطاع بحثا عن الماء والغذاء.
وكالنار في الهشيم انتشر للعطار قبل أيام مقطع فيديو تداولته منصات التواصل الاجتماعي وقنوات إخبارية، يظهر فيه وقد اكتسى رأسه ولحيته بالشعر الأبيض، مرتديا ملابس رثة، ويهرول في الشارع وبيديه غالونات بلاستيكية، للحاق بشاحنة لتوزيع مياه الشرب على النازحين.
ويشكو الغزيون من أزمة حادة بتوفير المياه العذبة للشرب، ويقدر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) أن 96% من الأسر في غزة تواجه انعدام الأمن المائي، وأن 90% من السكان غير قادرين على الوصول إلى مياه الشرب، ويقول "أوتشا" في أحدث تقاريره إن شبح التجويع بات يخيم على جميع سكان غزة.
ويقول العطار إن "العالم يكتفي بإصدار البيانات والتقارير بينما الموت يفتك بنا على مدار الساعة"، ويضيف بصفته متخصصا بالقانون بالدولي أن "القانون الدولي و اتفاقيات جنيف ومواثيق حقوق الإنسان تتحول إلى حبر على ورق عندما يتعلق الأمر بجرائم إسرائيل".
شهداء المساعدات
وبينما تُجابه ما يصفها العطار بـ"مراكز توزيع الموت" التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية برفض دولي واسع، فإن دولة الاحتلال لا تأبه بكل ذلك، وتواصل قتل المجوّعين من طالبي المساعدات، محمية بدعم أميركي غير محدود.
وبدافع العجز والحاجة وقلة الحيلة يخرج الأب حاملا كيسا فارغا ومغامرا بحياته ليعود بما يسد به رمق أسرته وأطفاله، فيرجع إليهم جثة هامدة في كيسه؛ هكذا يتحدث العطار بألم شديد عن حكايات دامية يومية على أعتاب هذه المراكز.
ومنذ افتتاح هذه المراكز، بدعم إسرائيلي أميركي، في 27 مايو/أيار الماضي استشهد أكثر من 1500 فلسطيني، وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، بنيران الجيش الإسرائيلي والمتعاقدين الأجانب مع المؤسسة المسؤولة، وفق بيانات لهيئات محلية ودولية.
وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة.
رغم حياة البؤس
وبينما كان يجلس مقابل موقد النار ويقلي البطاطا لتكون وجبة غداء لأسرته، أشار العطار إلى ملابسه المهترئة قائلا "في مثل هذا الوقت قبل اندلاع هذه الحرب كنت أرتدي البدلة الرسمية ومعطف المحاماة وأترافع في المحاكم دفاعا عن المظلومين".
وهو لا يشعر بالخجل من مساعدة أسرته لتحمُّل الأعباء اليومية، لكنه لا يخفي اشتياقه إلى حياته السابقة قبل اندلاع الحرب التي دمرت قطاع القضاء كليا وأخرجته عن الخدمة، ويقول "راح (انتهى) كل شيء في غزة، بيوتنا ومكاتبنا ومحاكمنا ومدارسنا".
والعطار أسير محرر قضى 30 شهرا في سجون الاحتلال منذ بداية شبابه، وعايش كل الحروب الإسرائيلية على غزة، ورغم الظروف القاسية التي يحياها والتي أثرت على ملامحه ومظهره فإنها لم تنل من عزيمته وصموده.
وبلغة الواثق، يقول مشيرا بيده إلى خيمته: "خيمة على أرضي في غزة أفضل من كل العالم، وهذه الحرب ستتوقف وسنعيد بناء حياتنا هنا، وستسقط مؤامرات التهجير".
القتل بالتجويع
من جانبه، يقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة، للجزيرة نت، إن الاحتلال يدير حرب إبادة ممنهجة باستخدام أدوات القتل بالنار، إضافة إلى "القتل البطيء بالتجويع والتعطيش".
ودمر الاحتلال -حسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي- ومنذ اندلاع الحرب 722 بئر مياه مركزية وأخرجها من الخدمة، واستهدف 113 مشروع مياه عذبة، إضافة إلى تدميره أكثر من 500 ألف متر طولي من شبكات المياه.
وأكد الثوابتة أن كل سكان غزة يقعون حاليا في قلب الكارثة من حيث التجويع والتعطيش، وهي مرحلة خطيرة وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، وأسر كثيرة لا تستطيع الحصول على وجبة طعام واحدة لعدة أيام متتالية، فضلا عن مشاق الوصول إلى المياه.
ونتيجة ضغوط دولية، يسمح الاحتلال منذ 27 يوليو/تموز الماضي بإدخال أعداد محدودة من شاحنات المساعدات، يقول الثوابتة إنها "لا تفي بالاحتياجات الهائلة للسكان الذين يريديون 600 شاحنة يوميا من المواد الغذائية المختلفة والوقود".
ويتهم المسؤول الحكومي الاحتلال بانتهاج سياسة تقوم على "هندسة التجويع والفوضى" في مسعى منه "لكسر صمود شعبنا وتفكيك نسيجه المجتمعي"، وذلك بالسماح لكميات قليلة من المساعدات بالدخول، وإجباره الشاحنات على المرور من مسارات غير آمنة ومكتظة بالمدنيين المجوعين الذين يدفعهم الجوع إلى الهجوم على هذه الشاحنات والاستيلاء على محتوياتها، الأمر الذي يتسبب في إزهاق الأرواح.
ويُحمِّل الثوابتة الاحتلال ومن يصفها "بالدول المنخرطة في منظومة توزيع المساعدات الفوضوية"، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة الإنسانية.
وطالب العالم بالضغط لوقف جرائم الاحتلال بالقتل والتجويع والتعطيش، وفتح المعابر والسماح بتدفق الإمدادات الإنسانية من غذاء ودواء ووقود من دون معوقات أو اشتراطات سياسية، وأي مماطلة في ذلك يعتبرها المسؤول الحكومي "تورطا بشكل أو بآخر مع الاحتلال بجرائم الإبادة والتجويع".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
عائلات الأسرى الإسرائيليين: احتلال غزة حكم بالموت على المحتجزين
قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين، اليوم الجمعة، إن قرار احتلال قطاع غزة هو إعلان رسمي بالتخلي عن أبنائهم، مبينة أنه حكم بالموت على الأحياء منهم وبالاختفاء على القتلى. وأضافت أن الحكومة التي شهدت فترة ولايتها أكبر كارثة، تعزز كارثة أخرى للأسرى والجنود، معتبرة أن قرار المجلس الوزاري المصغر يتسم بالخداع "وهو تخل لا يمكن أن يغتفر". ورأت العائلات أن الطريقة الوحيدة لإعادة الأسرى هي التوصل لصفقة شاملة وليس مزيدا من الحروب. وبينما دعت إلى المشاركة باحتجاجٍ اليوم قبالة منزل وزير الدفاع (يسرائيل كاتس) ضد قرار احتلال غزة، شددت العائلات على أن الأوان لم يفت بعد وعلى الشعب أن يوقف التحرك الخطير للحكومة. وأكدت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يجري وأنها تريد صفقة شاملة لإعادة الأسرى. وفي السياق، احتج العشرات من عائلات الأسرى أمام السفارة الأميركية في تل أبيب، اليوم الجمعة، مطالبين فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف الحرب وإعادة المخطوفين. ورفع المحتجون شعارات تخاطب الرئيس الأميركي مثل: "ترامب كن الشخص البالغ المسؤول وأوقف الحرب". وأفادت القناة 12 بتنظيم وقفة أخرى قبالة منزل وزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان رفضا لاحتلال غزة وللمطالبة بإعادة الأسرى. ومن جانب آخر، تفاقم الخلاف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان إيال زامير بشأن إدارة الحرب على غزة، إذ نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر قولها إن زامير يرى أن احتلال غزة مأساة، وأن إقالته أصبحت خيارا واردا. وكشفت الصحيفة أن حقيقة الخلاف أخطر مما سربته وسائل الإعلام أخيرا. كارثة وحذر زامير من أن الخطة التي أقرت ستعرض حياة الأسرى للخطر، وعلق ساخرا بالقول "أقترح إزالة هدف إعادة الأسرى من أهداف المعركة". إعلان وبيّن زامير أن القوات مرهقة، والآليات العسكرية بحاجة إلى صيانة، وهناك مشكلات إنسانية وصحية. ومن جهته، اعتبر زعيم المعارضة يائير لبيد أن قرار المجلس الوزاري المصغر باحتلال مدينة غزة ، كارثة ستؤدي إلى العديد من الكوارث الأخرى. وأعلن مكتب نتنياهو، فجر اليوم الجمعة، أن المجلس الوزاري المصغر وافق على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل. وقال نتنياهو، في مقابلة سابقة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، إنه لا نية لديه للاحتفاظ بالقطاع وحكمه، وإن إسرائيل تريد تسليمه لقوات عربية "لا تهددها". ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي أن الجيش سيفرض حصارا على مقاتلي (حركة المقاومة الإسلامية) حماس الذين سيبقون بمدينة غزة، وفي الوقت نفسه سينفذ عملية برية تقتصر على المدينة في المرحلة الأولى. وقال المسؤول نفسه إن الهدف من العملية إجلاء جميع المدنيين من مدينة غزة للمخيمات الوسطى ومناطق أخرى بحلول 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وأفادت شبكة "إن بي سي" الأميركية عن مسؤولين أميركيين أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن إسرائيل تحشد قواتها لغزو بري محتمل لغزة. وبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي عملية عسكرية جديدة أطلق عليها " عربات جدعون"، واعتبر عدد من الوزراء في المجلس المصغر أنها لم تحقق أهدافها، وذلك بعد فقدان جيش الاحتلال 40 قتيلا وعشرات الجرحى في يونيو/حزيران ويوليو/تموز.


الجزيرة
منذ 16 دقائق
- الجزيرة
صور خاصة للجزيرة تظهر دمارا كبيرا وصادما بأحياء شرقي غزة
أظهرت صور خاصة للجزيرة حجم الدمار الصادم وغير المسبوق الذي طال أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح شرقي مدينة غزة. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة


الجزيرة
منذ 29 دقائق
- الجزيرة
إسرائيل تواصل اغتيال نجوم الكرة الفلسطينية وارتفاع عدد الشهداء إلى 663 رياضيا
أعلن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الخميس، استشهاد محمد رافع شاهين، لاعب فريق التفاح الرياضي بعد استهدافه برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر. وعبر حسابه بمنصة إكس ، قال الاتحاد الفلسطيني: "يواصل الاحتلال ارتكاب جرائمه الممنهجة بحق الرياضة الفلسطينية، وكان آخر ضحاياها الشهيد محمود رافع شاهین، لاعب نادي التفاح الرياضي، الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي". ويعد شاهين، ثاني لاعب من نادي التفاح يستشهد خلال أسبوعين بعد زميله إسماعيل أبو دان، أثناء انتظاره تسلم مساعدات إنسانية وسط ظروف إنسانية قاسية يشهدها قطاع غزة، نتيجة العدوان المتواصل، ونقص الغذاء والمياه. والأربعاء الماضي، أعلن الاتحاد الفلسطيني استشهاد سليمان العبيد، أحد أبرز نجوم منتخب "الفدائي" على مر تاريخه وهداف نادي خدمات الشاطئ السابق خلال انتظاره المساعدات الإنسانية في جنوب قطاع غزة. وبمقتل شاهين، يرتفع عدد شهداء الأسرة الرياضية والكشفية الفلسطينية إلى 663 شهيدا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق الاتحاد الفلسطيني. ووصل عدد شهداء الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى 322 رياضيا، منهم لاعبون ومدربون وإداريون وحكام وأعضاء مجالس إدارات الأندية. وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة 61 ألفا و258 شهيدا مدنيا معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، و152 ألفا و45 مصابا من الفلسطينيين وما يزيد عن 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.