logo
القطاع الصحي في غزة يحتضر تحت نيران الحرب والحصار

القطاع الصحي في غزة يحتضر تحت نيران الحرب والحصار

الجزيرةمنذ 2 أيام

غزة- منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتعرض المنظومة الصحية في القطاع لأكبر كارثة إنسانية في تاريخها. ووسط القصف والحصار المستمر، ينهار النظام الصحي تحت وطأة الاستهداف المباشر، ونقص الإمدادات، وغياب أي مظهر من مظاهر الحماية الدولية.
وهذا الواقع المأساوي، الذي يصيب جوهر الحق في الحياة، لا يشكل فقط أزمة طبية محلية، بل يمثل تهديدا خطيرا للأمن الصحي العالمي.
وقبل الحرب، كان القطاع المنكوب يعاني من وضع صحي هش، نتيجة الحصار المفروض منذ عام 2007. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لم يكن يتوفر في القطاع سوى 2612 سريرا طبيا، بمعدل 1.2 سرير لكل ألف نسمة، مقارنة بـ3.1 أسرّة في إسرائيل، و1.9 في الدول العربية، و2.9 كمتوسط عالمي.
قيود إسرائيلية
كانت المنظومة الصحية تفتقر إلى البنية التحتية الكافية، إذ لم يتجاوز عدد أجهزة التنفس الاصطناعي 66 جهازا، وكانت أسرّة العناية المركزة لا تزيد على 110. وأكثر من 40% من الأدوية الأساسية لم تكن متوفرة، حسب تقارير وزارة الصحة الفلسطينية.
وقد فاقم من الحالة الصحية الإجراءات والقيود التي كان تفرضها سلطات الاحتلال على منح تصاريح العبور للعلاج خارج القطاع، وهذا ما تسبب في رفض آلاف الحالات بسبب معايير أمنيّة مشددة أو إجراءات بيروقراطية.
بالإضافة إلى ما يقوم به جيش الاحتلال بالتحكم الفعلي في إدخال المعدات والأدوية ورفض بعضها تحت ذرائع تتعلق بـ"الاستخدام المزدوج" مما فاقم من هشاشة النظام الصحي وعجزه عن الاستجابة للطوارئ.
ومع بدء الحرب، استهدف جيش الاحتلال المنظومة الصحية بشكل مباشر وممنهج. وحتى مايو/أيار 2025، تم تدمير وتضرر ما يزيد على 94% من إجمالي المستشفيات، أبرزها مستشفى الشفاء الذي كان يعدّ الأكبر والأكثر تجهيزا في القطاع المدمر.
كما جرى استهداف وتدمير 180 مركبة إسعاف، ولم تكن الهجمات الإسرائيلية تقتصر على البنية التحتية، بل طالت الطواقم الطبية نفسها، وفقد الآلاف من الأطباء والممرضين والفنيين القدرة على العمل. وبلغ عدد الشهداء 1581 علاوة على 1312 مصابا، و362 معتقلا، بخلاف المفقودين والنازحين.
ومازالت المستشفيات تعمل جزئيا، ويضطر الأطباء لإجراء عمليات دون تخدير، ويتم استخدام الهواتف المحمولة كمصدر وحيد للضوء داخل غرف العمليات. وتؤكد شهادة مؤلمة من الطبيبة منى الكرد في المستشفى الأوروبي أن ما "نقوم بعمليات بتر دون مسكنات. ونختار من يمكن إنقاذه ومن سيفارق الحياة، بسبب نقص الموارد. إنها قرارات تمزق القلب".
وتؤكد تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 80% من المرافق الصحية في غزة أصبحت خارج الخدمة، وأن القطاع المنكوب فقد ما لا يقل عن 70% من سيارات الإسعاف، وتعجز البقية عن الحركة بسبب نفاد الوقود. وقد وثقت منظمة الصحة العالمية أكثر من 686 استهدافا مباشرا للمرافق الصحية، مما يمثل خرقا صارخا لاتفاقيات جنيف.
وفي هذا السياق، صرح منسق منظمة الصحة العالمية بالأراضي الفلسطينية المحتلة الدكتور ريك بيبركورن قائلا "ما يحدث في غزة انهيار تام للنظام الصحي. لا توجد أماكن آمنة لا للأطباء ولا للمرضى".
ضغط شديد
واليوم يعاني القطاع الصحي في غزة من نُدرة حادة في الأدوية والمستلزمات الطبية والقوى البشرية. ولم تعد سلطات الاحتلال تسمح بتزويد القطاع بأي شكل من أشكال الإمدادات الطبية. وتؤكد وزارة الصحة في غزة أن نسبة العجز في الأدوية الأساسية تجاوزت 90%، وتعمل أقل من 8 مراكز طبية بشكل جزئي في جميع أنحاء القطاع. وتوقفت خدمات حيوية مثل الغسل الكلوي وعلاج السرطان، كما انعدمت تماما وحدات الولادة الآمنة، مما تسبب في تسجيل آلاف الوفيات بسبب الحرمان من الرعاية الصحية.
وفي 25 مايو/أيار الحالي، أكد المدير العام للمستشفيات في غزة الدكتور محمد زقوت أنه تم إخراج عدد كبير منها عن الخدمة، من أبرزها "الشفاء" ولم يتبقَّ فيه سوى 65 سريرا فقط. كما توقفت خدمات كل من المستشفى الأهلي العربي ومشفى الهلال الأحمر بشكل كامل.
وأشار الدكتور زقوت إلى أن الضغط الشديد بات يتركز على مستشفى ناصر، الذي يُعد المستشفى الحكومي الوحيد المتبقي بمنطقة جنوب القطاع، في ظل غياب أي مستشفى حكومي عامل شمال غزة، بعد توقف مستشفيات "الإندونيسي وكمال عدوان وبيت حانون" عن الخدمة. وأكد أن عدد المستشفيات العاملة جزئيا حاليا لا يتجاوز 10، تشمل الصغيرة والميدانية، مقارنة بـ34 كانت تعمل قبل اندلاع الحرب.
وفي تصريح للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس ، قال فيه "غزة تواجه كارثة صحية من صنع الإنسان. يجب أن يُسمح بدخول المساعدات فورا. التقارير المحلية توثق وفاة آلاف المرضى خلال الأشهر الماضية بسبب غياب الخدمات الطبية، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار الحصار".
كما أشار إلى أن أكثر من 10 آلاف مريض لا يزالون بحاجة إلى إجلاء طبي من غزة، داعيا الدول الأعضاء إلى قبول عدد أكبر من المرضى، ومطالبا الاحتلال الإسرائيلي بالسماح بتنفيذ عمليات الإجلاء وإدخال الغذاء والأدوية الضرورية بشكل عاجل إلى القطاع.
ومن جهة أخرى، يتحمل الأطفال والنساء وذوو الاحتياجات الخاصة العبء الأكبر من الكارثة الصحية الراهنة. وتشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن آلاف الأطفال فقدوا إمكانية العلاج من أمراض مزمنة، وتواجه أكثر من 60 ألف حامل خطر الولادة دون أي رعاية طبية. كما أن مئات الأطفال من ذوي الإعاقات معرضون للوفاة بسبب غياب الأدوية والتغذية المناسبة. وقد باتت الصدمة النفسية الجماعية جزءا من حياة هؤلاء مما يهدد مستقبل أجيال كاملة.
ووصفت اليونيسيف الوضع بالقول "غزة أصبحت غير صالحة لحياة الأطفال. الكارثة الصحية تهدد مستقبل جيل بأكمله".
أعباء إضافية
تضطر آلاف الحوامل في القطاع إلى الولادة على أرضيات المدارس ومراكز الإيواء، وغالبا دون توفر أدوية أو معدات تعقيم، في ظل نقص حاد في الرعاية الطبية. ومع تدهور ظروف النظافة، تنتشر الأمراض المعدية بين الأطفال والنازحين، مثل الإسهال وأمراض الجهاز التنفسي والجرب.
أما كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة، فيواجهون خطر الموت بصمت نتيجة انقطاع أدوية القلب والسكري والضغط، وعجز المستشفيات عن توفير جلسات غسل الكلى أو الرعاية الطارئة. ووفق تقارير مجموعة الصحة التابعة للأمم المتحدة، فقد أكثر من 50 ألف مريض مزمن إمكانية الوصول إلى العلاج المنتظم منذ بداية الحرب.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 16 ألفا و492 حاملا أو مرضعة يواجهن وضعا غذائيا مأساويا وبحاجة للتغذية العلاجية وخدمات العلاج الغذائي.
كما أن ذوي الإعاقة أو من أصيبوا بإعاقات نتيجة الحرب بحاجة ملحّة للعتاد الطبي. ويُقدّر أن أكثر من 4500 شخص -منهم أكثر من 920 طفلا- خضعوا لعمليات بتر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأشار المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن 15 ألف جريح بحاجة إلى عمليات تأهيل طويلة الأمد.
وتشير تقديرات الصحة العالمية إلى أن أكثر من ألفي شخص في غزة يعانون حاليا من إصابات في الحبل الشوكي أو الدماغ، وهي حالات تتطلب رعاية تأهيلية طويلة الأمد ومتخصصة، في حين يُقدّر عدد إصابات الأطراف بنحو 15 ألف حالة. وقد يؤدي هذا لارتفاع أعداد ذوي الإعاقة إلى أكثر من 80 ألفا. وكل ذلك يزيد من هشاشة الأُسر ويفرض أعباء إضافية على النساء ورعاية الأطفال، ويجعل خدمة المجموعات الضعيفة أولوية قصوى.
وتؤكد تقارير المنظمة -وكذلك اليونيسيف- أن تدمير البنية التحتية الصحية في غزة يهدد بعودة أوبئة مثل الحصبة وشلل الأطفال، ويزيد من خطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا ، خاصة مع انهيار خدمات الصرف الصحي.
إعلان
كما أن فقدان الكوادر الطبية المدربة سيخلف فجوات يصعب تعويضها لعقود، ويقوض الثقة المجتمعية بالنظام الصحي، مما يعمق من الأزمات الصحية والاجتماعية، وسيصبح ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال حقيقة يومية.
كما يشكل استهداف المستشفيات والكوادر الطبية جريمة حرب وفقا للمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، لا تزال هذه الجرائم تمر دون مساءلة فعالة ومؤثرة من الجهات المعنية قانونا بمتابعة هذه الانتهاكات مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، و المحكمة الجنائية الدولية التي تملك الصلاحية لفتح تحقيقات وملاحقة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
عبر ممارسة ضغط دولي حقيقي لوقف الحرب وفتح المعابر بشكل فوري، مع تفعيل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة (مثل القرار 2286/2016 بشأن حماية الرعاية الصحية في النزاعات المسلحة). كما أن الأمم المتحدة مطالبة بإصدار قرارات ملزمة تحت الفصل السابع، ويجب على منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية و الاتحاد الأوروبي تشكيل جبهة دبلوماسية موحدة لوقف العدوان وضمان دخول المساعدات، وهذا ما يراه كثير من الخبراء والمحللين.
وكانت هناك الكثير من المطالبات لمجلس حقوق الإنسان بالتحقيق في التقارير حول انتهاكات الحق في الصحة، ونشر لجان مستقلة إلى المنطقة، وتشجيع المزيد من الدول على الاعتراف بالولاية القضائية للجنائية الدولية، وتطبيق مذكرات التوقيف الصادرة ضد المسؤولين المتورطين.
كما يطلب من المؤسسات الطبية والصحية العالمية تسيير قوافل طبية بشرية وعلاجية إلى قطاع غزة، وإقامة المؤتمرات الصحفية أمام المعابر للتعبير عن رفض حالة المنع التي يقوم بها جيش الاحتلال.
الإغاثة الصحيّة داخل غزة
رغم الصعوبات والموارد المحدودة، فإن الاستمرار -في توزيع الأدوية المنقذة للحياة، وتوسيع برامج الدعم النفسي للناجين- يعتبر أساسيا. وكذلك تعزيز التدريب المحلي للكادر المتبقي والتدريب عن بعد من قبل الأطباء والمختصين حول العالم، وإدارة أزمة الوقود للأنشطة الطبية المنقذة للحياة.
كما يجب تسيير فرق طبية إلى مراكز الإيواء لإجراء الفحوصات الوقائية والعلاجية لمنع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية والحد من المضاعفات المرضية، بالإضافة إلى ترميم المنشآت الطبية ذات الأولوية لاستمرار الخدمات الطبية المنقذة للحياة وصيانة الأجهزة ومركبات الإسعاف بما هو متوفر من قطع غيار صالحة من مخلفات الاستهداف.
التحضير الإغاثي خارج غزة
ويطالب الكثيرون بتحضير مخازن للمستلزمات الطبية والأجهزة الطبية والأدوية الأساسية لتكون جاهزة بمجرد السماح بدخولها، والإعداد لعمليات إجلاء طبية منسقة (خاصة للجرحى الحرجين وكبار السن) عبر معابر آمنة إلى مستشفيات خارجية. كما يمكن تأمين فرق طبية متخصصة ومستشفيات وعيادات متنقلة لإدخالها بمجرد فتح المعابر.
خطة إعادة الإعمار الشاملة للقطاع الصحي
ويقترح بعض الخبراء إعداد خطة إعادة إعمار صحية شاملة ومستدامة، بحيث تكون جاهزة وفق مخططات مفصلة لاختصار الوقت والبدء الفوري بالعملية بمجرد وقف إطلاق النار، والتي تتضمن إعادة بناء المستشفيات، وتأهيل الكوادر، وبناء نظام صحي رقمي حديث، بالتعاون مع مؤسسات دولية ومحلية، على أن تكون هذه الخطة مقاومة للأزمات وقادرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.
ويمكن القول -إجمالا- إن ما يحدث في غزة اليوم يتجاوز كونه أزمة إنسانية بل جريمة مستمرة ضد الحياة، فإن تدمير النظام الصحي بشكل منهجي، وحرمان أكثر من مليوني إنسان من حقهم في العلاج، يمثل انتهاكا واضحا لكل القيم الإنسانية والقانونية. ويجد الصمت الدولي الإدانة -من الكثير من الأطراف- لأن ذلك ليس حيادا، بل ينظر إليه على أنه تواطؤ.
ويطالب الكثير من المراقبين اليوم ليس فقط بالإغاثة، بل المحاسبة، والعدالة، وإعادة الاعتبار للحق في الصحة والحياة. كما قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان "الصحة حق إنساني، وليس امتيازا يُمنح أو يُحرم".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشاهد مفجعة غير مسبوقة من مركز المساعدات الأميركي في غزة
مشاهد مفجعة غير مسبوقة من مركز المساعدات الأميركي في غزة

الجزيرة

timeمنذ 33 دقائق

  • الجزيرة

مشاهد مفجعة غير مسبوقة من مركز المساعدات الأميركي في غزة

في مشهد صادم، تدافع آلاف الفلسطينيين الجوعى يوم السادس والعشرين من مايو/ أيار 2025، أمام أحد مراكز توزيع المساعدات في رفح، مما أدّى إلى فوضى عارمة اضطرّت معها القوات الإسرائيلية لإطلاق النار في الهواء. لم يكن هذا مجرد خلل تنظيمي، بل صورة مكثفة لمعاناة شعبٍ حُوصر حتى العظم، وترك ليتقاتل على فتات الغذاء تحت بنادق الجنود. وفي محاولة سابقة، كان مشروع "الميناء العائم" الذي روّجت له إسرائيل والولايات المتحدة كحلٍّ مبتكر لإدخال المساعدات، قد انهار قبل أن يبدأ فعليًا، وسط انتقادات لوجيستية وأمنية حادة، ما زاد من الشكوك حول جدية هذه المبادرات. وسط هذه الكارثة، برزت مبادرة إسرائيلية- أميركية جديدة تحت عنوان "المساعدات الإنسانية"، أثارت أسئلة جوهرية: هل يمكن لخطة تُدار بمنطق الاحتلال وتُوزّع تحت إشراف عسكري أن تُوصف بأنها إنسانية؟ وأين الحياد والاستقلال حين تُهمَّش الوكالات الأممية لصالح كيانات أمنية جديدة؟ هذا التقييم يحاول تفكيك تلك الخطط من خلال محاور قانونية وإنسانية لرصد مدى التزامها – أو انحرافها – عن المبادئ الدولية للعمل الإغاثي. أولًا: الوضع القانوني لغزة ومسؤوليات الاحتلال رغم انسحاب إسرائيل من داخل غزة عام 2005، لا تزال تُعدّ قانونيًا قوة احتلال، نظرًا لاستمرار سيطرتها على الحدود والمعابر، وفقًا لمحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة. إعلان وهذا يُحملها مسؤولية تأمين احتياجات السكان، بما يشمل إدخال المساعدات بشكل تلقائي وانسيابي. ورغم عملية (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، لا يبرر القانون الدولي سلوك إسرائيل العقابي بحق المدنيين، إذ يحظر العقوبات الجماعية، ويُوجب استمرار حماية السكان. لذا، فإن أية خطة مساعدات لا تنبع من هذه المسؤولية- بل تُوظّف للتهرّب منها- تُعدّ مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني. خرق المبادئ الإنسانية في خطط الإغاثة تستند عمليات الإغاثة الدولية إلى أربعة مبادئ إنسانية أساسية توجه عمل المنظمات، وهي (الإنسانية): تخفيف المعاناة وحماية الحياة والصحة (الحياد): عدم الانحياز في النزاعات (الاستقلال): عن أي اعتبارات سياسية أو عسكرية وعدم التمييز (الحيادية): أي إيصال المساعدة للمحتاجين دون تفرقة. هذه المبادئ تهدف لضمان أن تكون المساعدات خالصة للأغراض الإنسانية، لا تُستغل لتحقيق أجندات سياسية أو عسكرية. غير أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية في غزة – وعلى رأسها مبادرة "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)" – تثير تساؤلات جدية حول مدى احترامها هذه المبادئ. تأسست (GHF) في الولايات المتحدة (ولاية ديلاوير) في (فبراير/ شباط 2025) بدعم من إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية؛ بهدف توزيع الغذاء في غزة بصورة "آمنة وشفافة". ولكن منذ انطلاقتها واجهت المؤسسة انتقادات حادة من منظمات إنسانية تتهمها بتسييس توزيع المساعدات. فالخطة التشغيلية المعلنة لـ (GHF) شذت عن الأعراف المعمول بها: حيث اعتمدت إقامة 4 مراكز توزيع كبيرة (غالبيتها في جنوب القطاع)، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي، وشركات أمنية أميركية خاصة، مع نشر جنود إسرائيليين في محيطها لـ"ضمان الحماية". وقد تفاخر القائمون على الخطة بأنها النموذج الوحيد الذي نال موافقة إسرائيل لتوزيع الإغاثة، ما يعني ارتهان العملية بالكامل لإرادة القوة المحتلة. وفي هذا تعارض صارخ مع مبدأ الاستقلالية. فبدلًا من أن تكون المساعدات بقيادة جهات أممية أو محايدة، باتت مشروطة بتنسيق أمني إسرائيلي يشرف على كل تفصيل. كذلك مبدأ الحياد تعرض للخرق عبر اشتراط "تدقيق أمني" للمستفيدين؛ إذ أعلن مسؤولو (GHF) أنهم سيُخضعون السكان للفحص بشأن أي صلة محتملة بحماس عبر تقنيات كالتعرف على الوجوه والبيومترية. هذا الشرط يعني تمييزًا سياسيًا في إغاثة المدنيين، وهو انتهاك لمبدأَي: الحياد وعدم التمييز. أما مبدأ الإنسانية نفسه فموضع شك، إذ حجّمت الخطة نطاق المساعدات بصورة كبيرة لا تفي بالاحتياجات الهائلة. فقد اقترحت (GHF) توزيع وجبات معلبة ومواد نظافة ودواء مرّة أو مرتين شهريًا فقط عبر مراكزها، مع تحديد تكلفة الوجبة بنحو 1.3 دولار فقط (بما يشمل الشراء والتوزيع)، ما يُظهر محدودية المحتوى الإغاثي. انتقدت الأمم المتحدة وجمعيات دولية هذا البرنامج بوصفه غير شفاف وغير كافٍ، مؤكدة أنه لن يلبّي الاحتياجات واسعة النطاق في غزة. وتساءل مسؤولون أمميون إن كانت هذه "المساعدات" سوى ورقة توت لتغطية أهداف عسكرية وسياسية. وقد صرّح توماس فليتشر – كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة – بأن خطة (GHF) ليست إلا "واجهة زائفة لمزيد من العنف والتهجير"، محذرًا من أنها تجعل إيصال الغذاء مشروطًا بالأهداف السياسية والأمنية الإسرائيلية، بحيث يتحول "التجويع إلى ورقة مساومة"، ووصفها مسؤول أممي آخر صراحة بأنها "تسليح للمساعدات" (Weaponizing Aid). هذه الانتقادات تبلورت بشكل عملي عندما استقال المدير التنفيذي لـ (GHF) جيك وود في (25 مايو/ أيار 2025)، معلنًا أنه وجد استحالة في تحقيق أهداف المؤسسة مع "الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية من إنسانية وحياد وعدم انحياز واستقلال". وأقرّ وود أنه لن يشارك في أي خطة تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين، داعيًا إسرائيل إلى فتح المعابر أمام إدخال كميات أكبر من المساعدات دون إعاقة أو تمييز. ورغم ذلك أعلنت (GHF) المضي قدمًا بدونه، وادّعت أنها ستباشر إطعام مليون فلسطيني خلال أسبوع. لكن أولى عمليات التوزيع كشفت هشاشة الخطة؛ فمع افتتاح مركز في رفح في (26 مايو/ أيار 2025) تدافع آلاف الجوعى بشكل خرج عن السيطرة، واضطر الموظفون للانسحاب بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي نيرانًا تحذيرية لتفريق الحشود اليائسة. مشاهد الفوضى هذه أكدت مخاوف المراقبين من أن الخطة تفتقر لمقومات الحياد والسلامة، وتضع المدنيين في خطر، في ظل تهميش متعمّد للوكالات الدولية التقليدية: (كالأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر) ذات الخبرة في التعامل المباشر مع السكان. واللافت أن إسرائيل استبعدت فعليًا الأونروا والمؤسسات الأممية من آلية الإغاثة الجديدة؛ بذريعة انهيار قنواتها، ما اعتبره الفلسطينيون محاولة لاستبدال المؤسسات الشرعية بكيانات مُسيطر عليها إسرائيليًا. وقبل ظهور مؤسسة (GHF)، طُرحت مبادرة إنشاء "ميناء بحري عائم" قبالة شواطئ غزة بإشراف الجيش الأميركي كممر لدخول المساعدات. رُوّج لهذه الخطة باعتبارها حلًا مبتكرًا لتجاوز العقبات اللوجيستية، لكنها افتقرت منذ بدايتها إلى أساس قانوني وإنساني واضح. فالميناء لم يكن مستقلًا، بل خاضعًا للتفتيش والسيطرة الإسرائيلية، ومحدود القدرة، دون إشراك فعّال للوكالات الأممية. وما لبث أن انهار فعليًا في (أبريل/ نيسان 2025)، حين جرفت العواصف منشآته الأولية، تزامنًا مع فضائح تتعلق بتضارب الصلاحيات وغياب التنسيق. وقد وصفته منظمات دولية بأنه "ميناء دعائي" أكثر من كونه مسارًا إغاثيًا حقيقيًا. هذا الفشل الميداني يكمّل إخفاق تجربة (GHF)، ويعكس هشاشة كل مشروع إغاثي يُبنى على اعتبارات أمنية لا على أسس إنسانية وقانونية. تُظهر تحليلات إضافية أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية المقترحة لغزة، وعلى رأسها مبادرة (GHF)، لا تعاني فقط من اختلالات في المبادئ الإنسانية، بل تنطوي على أهداف أعمق تتجاوز الإغاثة الظاهرية. إذ يرى مراقبون أن هذه الخطط تسعى إلى "إعادة تغليف الحصار وتقنين التجويع"، في صورة مشروع إنساني، حيث يُستخدم الغذاء كأداة إخضاع لدفع السكان نحو النزوح عبر إنهاكهم الجسدي والنفسي. كما أن عسكرة التوزيع لا تقتصر على الحماية العسكرية، بل تشمل أبعادًا استخباراتية، من خلال إشراك شركة أمنية أميركية (Safe Reach Solutions) أسسها ضابط سابق في (CIA)، تتولى جمع وتحليل بيانات المستفيدين، وربما استخدام تقنيات بيومترية، ما يجعل الفلسطيني يخشى أن يتحول إلى هدف أمني لمجرد طلبه المساعدة. وفي السياق ذاته، حذرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) في بيان بتاريخ (22 ديسمبر/ كانون الأول 2024) من أن إسرائيل تسعى إلى التحكم الكامل في توزيع المساعدات، وإسكات الأصوات التي توثق الانتهاكات، معتبرة أن هذه السياسات تتزامن مع تصاعد الجرائم إلى حد الإبادة، كما وثّقته تقارير أمنستي وهيومن رايتس ووتش. ويُعد استبعاد الأمم المتحدة ووكالاتها من آلية الإغاثة الجديدة خطوة خطيرة، إذ يُفقد العملية الإنسانية شفافيتها، ويحرم السكان من آليات الشكوى الدولية. وقد رحّبت منظمات حقوقية دولية، مثل (AIDA)، بمواقف دول كأيرلندا، وإسبانيا، والنرويج التي شدّدت على ضرورة دعم الأونروا وعدم الالتفاف عليها. من اللافت أن النسخة السويسرية من (GHF) أُغلقت قبل أن توزع أي طعام، تحت وطأة تحقيقات جنائية، ما اضطر القائمين عليها إلى نقل العمليات إلى كيان أميركي يحمل الاسم نفسه. وقد كشفت تحقيقات صحفية في New York Times وWashington Post أن هذه الخطة وُلدت من داخل الحكومة الإسرائيلية، التي حاولت إخفاء دورها عبر واجهات خيرية أجنبية، فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد كلًا من (GHF) وشركة (SRS) الأمنية بأنهما "شركات وهمية" هدفها التغطية على تورط الحكومة. ثالثًا: تجويع غزة بين الجريمة المقصودة والخطط المُعلّبة ومع بدء الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة في (أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، لم تقتصر الانتهاكات على القصف والتدمير العسكري، بل اتّخذت شكلًا مركبًا من سياسات التجويع والتهجير القسري، والتدمير الجماعي للبنى التحتيّة والمدنيين، ما دفع منظّمات دولية مرموقة، كالعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، إلى اعتبار ما يجري جريمة إبادة جماعية محتملة. وقد استندت هذه التوصيفات إلى حجم الخسائر البشرية الهائل، ونمط الحرمان الممنهج من مقوّمات الحياة، ووضوح نيّة الإبادة في الخطاب الرسمي لبعض القادة الإسرائيليين. وفي الوقت ذاته، فُرض حصار شامل على القطاع طال الغذاء والماء والكهرباء والدواء، واعتُبر استخدام "التجويع كسلاح حرب" جريمة إضافية تؤسس للمساءلة الجنائية الدولية، خصوصًا بعد أن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، لضلوعهما في استخدام الحصار والتجويع كوسيلة لمعاقبة جماعية. وفي هذا السياق، فإن المتّهم بارتكاب أفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي، يَبرز معه سؤال جوهري: كيف يمكن لمن يرتكب جرائم إبادةٍ وحصارٍ أن يطرح خططًا إنسانية؟ كيف يمكن للجاني أن يتقمّص دور المُنقذ؟ إن ما يُعرض على أنه "مساعدات" ليس إلا تغليفًا ناعمًا لسياسة الخنق، بل محاولة لشرعنة الجريمة من خلال إنشاء مؤسسات ذات طابع أمني- سياسي مثل مؤسسة (GHF)، تهمّش الوكالات الإنسانية المحايدة، وتقيّد التوزيع بشروط أمنية تمسّ جوهر الحياد والاستقلال. آفاق المستقبل: نحو تحصين العمل الإنساني من العبث والتسييس تُعد تجربة (GHF) نموذجًا تحذيريًا لما قد يحدث حين تُختطف المبادئ الإنسانية وتُدار الإغاثة كأداة في يد المحتل. لكن هذا الفشل بحد ذاته يفتح نوافذ مستقبلية يمكن البناء عليها، أبرزها: عودة الاعتبار للمبادئ الإنسانية الأربعة: أثبت الواقع أن أي خطة إغاثية لا تقوم على الحياد والاستقلالية والإنسانية وعدم التمييز، مصيرها الفشل. سيُدفع المجتمع الدولي إلى مراجعة سياساته بخصوص إشراك الدول المحتلة في إدارة المساعدات، تجنبًا لتكرار ما حصل في غزة. تعزيز دور الوكالات الأممية والجهات المحايدة: الفشل الصارخ لمحاولة تهميش الأونروا والصليب الأحمر سيُعيد التأكيد على ضرورة التمسك بالفاعلين التقليديين ذوي الخبرة والثقة المجتمعية. هذا يعزز مكانة العمل الإنساني كمجال مستقل، لا كذراع سياسية لأي جهة. مأسسة الحماية القانونية للعمل الإنساني: ستكون هناك حاجة ملحة لوضع خطوط حمراء قانونية تمنع عسكرة المساعدات. منظمات الإغاثة الدولية ستطالب بوثائق مرجعية جديدة، تُلزم الدول باحترام المعايير، وقد يُدفع نحو إصدار بروتوكول إضافي ملزم ضمن اتفاقيات جنيف. تفعيل المساءلة القضائية: ما جرى في غزة قد يخلق سوابق قانونية تُدين استخدام التجويع كسلاح، وتمهّد لإدراج تسييس المساعدات ضمن أشكال الجرائم ضد الإنسانية. وستُستخدم تجربة (GHF) كشاهد في المحاكم الدولية لإثبات سوء النية وانتهاك المبادئ. غزّة من قضية محلية إلى اختبار أخلاقي عالمي: لم تعد غزة مجرّد شأن فلسطيني داخلي أو صراع إقليمي معزول، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس مدى التزام العالم بروح العمل الإنساني. إنها ليست فقط ساحة للمأساة، بل لحظة كاشفة لاختبار الضمير العالمي: هل لا يزال التضامن الإنساني قادرًا على تجاوز الجغرافيا والاصطفافات السياسية؟ لقد أظهرت الفضيحة المرتبطة بتسييس المساعدات أن الإنسانية ذاتها أصبحت موضع مساومة. ومن هنا، فإن غزة ليست محطة عابرة، بل نقطة تحوّل يمكن أن تعيد تعريف مفاهيم الحياد والاستجابة الطارئة، وتدفع باتجاه بناء منظومة إغاثية عادلة لا تُسلّح ولا تُشترط، بل تصون الكرامة وتُبقي الحياة ممكنة في وجه الحصار والإبادة.

هل تفضي التهدئة المرتقبة بغزة لمواجهة إسرائيلية إيرانية أوسع؟
هل تفضي التهدئة المرتقبة بغزة لمواجهة إسرائيلية إيرانية أوسع؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

هل تفضي التهدئة المرتقبة بغزة لمواجهة إسرائيلية إيرانية أوسع؟

مع اقتراب التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة ، تتجه الأنظار إلى ما وراء هذا الاتفاق، حيث بدأت تبرز تقديرات إسرائيلية تربط بين وقف إطلاق النار وفتح جبهة مواجهة محتملة مع إيران ، وسط ملامح لتحول في الأولويات العسكرية والسياسية لدى صناع القرار في تل أبيب. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إعلانا رسميا بشأن التهدئة سيتم خلال يوم أو يومين، بينما تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مشاوراتها مع الفصائل الفلسطينية بخصوص مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف ، في وقت يربط فيه قادة عسكريون إسرائيليون هذه التهدئة بمقتضيات التعامل مع "التهديد الإيراني". وترى الباحثة في الشأن الإيراني بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتورة فاطمة الصمادي، أن الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن إيران في هذا التوقيت ليس وليد اللحظة، بل يعكس ترتيبا إستراتيجيا يعتمد على تصفية الساحات "الثانوية" قبل التفرغ للمواجهة الكبرى. وأوضحت الصمادي في حديثها لبرنامج "مسار الأحداث" أن غزة تُعامل في العقل الأمني الإسرائيلي كجبهة قابلة للاحتواء عبر الحصار أو الضربات الموضعية، لكن إيران تمثل الخطر البنيوي الأعمق، ولهذا فإن التهدئة الحالية تعكس –برأيها– تفكيرا إسرائيليا في إعادة التموضع استعدادا لجبهة أكثر تعقيدا وامتدادا. وتوضح أن طهران تدرك حجم هذا التوجه الإسرائيلي، ولهذا تعمد إلى تصعيد منضبط عبر أطراف حليفة ك حزب الله و الحوثيين ، بما يضمن بقاء المعركة ضمن حدود لا تستفز الأميركيين نحو مواجهة شاملة، لكنها في الوقت ذاته تستعد لكل السيناريوهات، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بشأن ملفها النووي. أزمة إستراتيجية في حين يرى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي، أن التحول في التصريحات الإسرائيلية يعكس أزمة إستراتيجية، إذ تجد تل أبيب نفسها ممزقة بين رغبتها في الحسم العسكري في غزة وخشيتها من استنزاف يمنعها من خوض مواجهة مع إيران. وأضاف أن تصريحات رئيس الأركان إيال زامير التي ربط فيها بين صفقة التبادل وضرورة التفرغ للجبهة الإيرانية، تعكس تغيرا في التقدير العسكري، وتؤشر إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تنظر للتهدئة كجزء من معركة أوسع نطاقا. وأشار مصطفى إلى أن بعض التقييمات في إسرائيل بدأت تتعامل مع إيران كمصدر الخطر الرئيسي، وليس فقط كداعم لحماس أو حزب الله، مؤكدا أن الجدل الداخلي لم يعد مقتصرا على غزة بل امتد إلى شكل الحرب القادمة وحدودها الزمنية والجغرافية. وحذر من أن الاستعدادات الإسرائيلية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل أيضا الجبهة الداخلية، في ظل توقعات بأن أي رد إيراني سيشمل صواريخ ثقيلة قد تربك الاقتصاد الإسرائيلي وتكشف هشاشة البنية التحتية. تهديد مركزي وفي قراءة لمستقبل هذه المواجهة، قال المفكر والكاتب الصحفي فهمي هويدي إن إسرائيل تحاول تهيئة الرأي العام الداخلي والدولي للانتقال إلى مرحلة أكثر خطورة، عبر تصوير إيران كتهديد مركزي يستدعي تحركا استباقيا. ولفت هويدي إلى أن المبالغة في تسويق هذا التهديد الإيراني يخدم أيضا مصالح داخلية إسرائيلية، على رأسها تعزيز التماسك السياسي وخلق مظلة دعم أميركية لأي خطوة مقبلة، سواء عبر ضربات جوية أو تصعيد دبلوماسي. واعتبر أن ما يُقدّم للرأي العام في إسرائيل حول التهدئة بغزة هو خطاب موارب، إذ لا يعكس رغبة حقيقية في إنهاء الحرب، بل يهدف إلى إعادة تموضع يمكن تل أبيب من خوض معركة جديدة على جبهة أخرى. وفي هذا السياق، أظهرت تقارير إسرائيلية أن المؤسسة العسكرية تعتبر الضربة الوقائية ضد المواقع النووية الإيرانية "ضرورية"، رغم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يرى أن توقيت مثل هذه الضربة قد يضر بالمفاوضات النووية الجارية مع طهران. خيار التصعيد وتتخوف تل أبيب –وفق الصمادي– من أن تؤدي المفاوضات النووية إلى تهدئة قد تُكبّل يدها لاحقا، لذا تُبقي خيار التصعيد مطروحا، مع مراعاة الموقف الأميركي الذي لا يزال غير محسوم تجاه أي عمل عسكري أحادي الجانب. وأشارت الصمادي إلى أن إسرائيل تحاول خلق حالة إلحاح أمنية تضغط بها على البيت الأبيض لتغيير موقفه، مستغلة السياق الإقليمي الملتهب والارتباك الأميركي في التعامل مع ملف إيران النووي. ويعتقد مصطفى أن فشل إسرائيل في الحسم العسكري بغزة جعلها أكثر حرصا على كسب الوقت عبر التهدئة، لكنها في الوقت نفسه بدأت الإعداد لمسرح عمليات جديد يتجاوز القطاع، مرجّحا أن تكون الضفة الغربية وجنوب لبنان جزءا من سيناريو المواجهة القادمة. ويؤكد هويدي أن تهدئة غزة قد لا تكون أكثر من "هدنة اضطرارية" تمليها اعتبارات داخلية وخارجية، لكنها لا تعني أن الحرب وضعت أوزارها، بل إن إسرائيل تتعامل معها كمرحلة مؤقتة تسبق تصعيدا أخطر، قد لا يقتصر على حدود فلسطين.

الحرب على غزة مباشر.. ترامب يتحدث عن قرب التوصل لاتفاق والمستوطنون يصعّدون بالضفة
الحرب على غزة مباشر.. ترامب يتحدث عن قرب التوصل لاتفاق والمستوطنون يصعّدون بالضفة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الحرب على غزة مباشر.. ترامب يتحدث عن قرب التوصل لاتفاق والمستوطنون يصعّدون بالضفة

في اليوم الـ75 من استئناف حرب الإبادة على غزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرب التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، وفي الوقت ذاته أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها تجري مشاورات مع القوى والفصائل الفلسطينية حول مقترح وقف إطلاق النار الذي تسلمته من المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store