
بعد رأي محكمة العدل الدولية... أيّ عواقب على قطاع الوقود الأحفوري؟
المناخ
الصادر عن أعلى محكمة في العالم إلى جعل أنشطة النفط والغاز أكثر تعقيداً من الناحية القانونية، بدءاً من توسيع عمليات الحفر، وفقاً لما يفيد به خبراء في القطاع. وكانت محكمة العدل الدولية قد اتّخذت، يوم الأربعاء الماضي، موقفاً حازماً جداً بشأن الوقود الأحفوري في رأي استشاري فاجأ حتى مراقبي القانون البيئي الأكثر حنكة. وكانت أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، التي تتّخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرّاً لها، قد أعلنت أنّ الدول مُلزَمة بمعالجة "التهديد الملحّ والوجودي" الناجم عن
الاحترار
.
وأبعد من ذلك، اعتبرت المحكمة أنّ "تقاعس دولة ما عن اتّخاذ التدابير المناسبة" لحماية المناخ من الآثار الضارة ل
غازات الدفيئة
، "ولا سيّما من خلال إنتاج الوقود الأحفوري أو استخدامه أو منح تصاريح التنقيب أو دعم الوقود الأحفوري، قد يُمثّل فعلاً غير مشروع دولياً يُنسَب إلى تلك الدولة".
في هذا الإطار، تفيد القانونية البارزة في مشروع "بوليوتر بيز بروجكت" (الملوِّث يدفع) صوفي مارجاناك وكالة فرانس برس بأنّ "هذا أمر بالغ الأهمية... وهذه استنتاجات رائدة حقاً". يُذكَر أنّ آراء محكمة العدل الدولية الاستشارية ليست مُلزمة قانوناً، لكنّها تُقدّم تفسيراً للقانون الدولي له وزن قانوني كبير. وبات في إمكان البرلمانيين والمحامين والقضاة حول العالم استخدام هذا الرأي للضغط من أجل سنّ قوانين أو قرارات قضائية داعمة لمكافحة تغيّر المناخ.
ويرى المحامي الذي ساعد في عرض القضية على محكمة العدل الدولية خورخيه فينوياليس أنّ الخلاصات المتعلقة بالوقود الأحفوري سوف تُعتمَد على الأرجح من قبل المحاكم الوطنية والدولية، إذ تتزايد الدعاوى القضائية ضدّ منتجي النفط والغاز. ويقول هذا الأستاذ في القانون بجامعة كامبريدج البريطانية لوكالة فرانس برس: "إذا كان الأمر على هذا النحو، فقد تكون لذلك تبعات كبيرة". يضيف أنّ بإمكان شركات النفط والغاز والدول المنتجة تجاهل محكمة العدل الدولية ورأيها، "لكنّ ذلك ينطوي على مخاطر قانونية ويفتح أبواباً للتقاضي".
بيئة
التحديثات الحية
محكمة العدل الدولية تحذّر: تغيّر المناخ تهديد داهم ووجودي
من جهتها، تلفت مارجاناك إلى إمكانية الاستشهاد بهذا الرأي، على سبيل المثال، لمعارضة توسيع منجم فحم، أو في نزاع بين مستثمر ودولة تلغي ترخيصاً له، أو في مفاوضات تعاقدية تضمّ بين أطرافها مصرفاً يستثمر في قطاع الوقود الأحفوري. وتقول: "من الممكن أن يحدث ذلك بشتّى الطرق وفي أيّ مكان تقريباً"، مشدّدةً على أن "لا حدود للتأثير حقاً".
ويصح ذلك خصوصاً في البلدان التي يُمكن فيها دمج القانون الدولي في الإطار القانوني الوطني من دون أيّ تحويل، حتى وإن كان ذلك مشروطاً في بعض الأحيان. في هذه البلدان، مثل فرنسا والأرجنتين وهولندا، قد يضطر القضاة قريباً إلى مراعاة رأي محكمة العدل الدولية عند النظر في قضايا مرفوعة ضدّ شركات النفط.
حتى في الدول التي تنتهج "نظاماً مزدوجاً"، حيث يكون دمج القانون الدولي أكثر تعقيداً، غالباً ما اتّبعت المحاكم الدستورية وغيرها من الهيئات القضائية حججاً معيّنة في آراء محكمة العدل الدولية. وفي هذه القضية، "يفتح الرأي الأخير الباب أمام الطعون على التصاريح الممنوحة لمشاريع الوقود الأحفوري الجديدة"، وفقاً لمارجاناك.
قرار محكمة العدل الدولية تخطّى التوقعات
في سياق متصل، تعتقد الخبيرة في قضايا المناخ جوي ريس من كلية لندن للاقتصاد أنّ محكمة العدل الدولية "تخطّت التوقعات" بتسليطها الضوء على مسؤولية الحكومات عن التلوّث الناجم عن شركات النفط والغاز العاملة تحت ولايتها القضائية. وفي هذه القضية، "تتحدّى المحكمة كلّاً من الدولة والقطاع الخاص". وتقول ريس لوكالة فرانس برس: "سوف يتعيّن على الدول أن تكون أكثر حذراً في ما يتعلق بمنح التصاريح واعتماد سياسات عامة بشأن الوقود الأحفوري، لأنّ ذلك قد يعرّضها للمساءلة في المستقبل".
وتوضح مارجاناك أنّ هذا الرأي قد يسمح كذلك للدول الصغيرة بطلب التعويض من كبار الملوّثين أمام المحاكم الدولية. أمّا الدول المهدَّدة من قبل شركات النفط بسبب تغيير سياساتها المناخية بصورة تضرّ بمصالحها، فقد حصلت على دعم جديد لتعزيز دفاعها.
يُذكر أنّ في عام 2022، أصدرت محكمة أمراً لإيطاليا بدفع 200 مليون يورو (نحو 235 مليون دولار أميركي) لحساب شركة النفط البريطانية "روك هوبر" بسبب رفضها منحها تصريح حفر. ويوضح الخبير القانوني الدولي في معهد الأبحاث IIED لورينزو كوتولا لوكالة فرانس برس أنّه سوف يكون من الصعب الآن على شركة صناعية "الادّعاء بأنّ توقّعها مشروع بتشغيل مشروع وقود أحفوري من دون عوائق".
(فرانس برس)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 12 ساعات
- القدس العربي
النائب الأمريكي رو خانا: حان الوقت للاعتراف بدولة فلسطين- (بيان)
قال النائب الأمريكي رو خانا، السبت، إن الاعتراف بدولة فلسطين بات 'فكرة حان وقتها'، مؤكدًا أن مساعي عدد من النواب الديمقراطيين لدفع الإدارة الأمريكية نحو هذه الخطوة مستمرة رغم محاولات 'التخريب'. وأوضح خانا، في منشور عبر منصة 'إكس'، أن 11 نائبا ديمقراطيا وجّهوا رسالة إلى الإدارة الأمريكية للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، مضيفا أن تسريب هذا التحرك إلى وسائل الإعلام كان يهدف إلى عرقلته 'لكن ذلك لن ينجح'. وأشار خانا إلى أن النواب يعملون على حشد الدعم لإطلاق مبادرة رسمية للاعتراف بفلسطين قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، مضيفا: 'ردود فعل زملائي كانت إيجابية للغاية'. Someone leaked our effort to try to sabotage it. Sad. It won't work. Recognizing a Palestinian state is an idea whose time has come. The response of my colleagues has been overwhelming. We will build support and release prior to the UN convening. — Ro Khanna (@RoKhanna) July 31, 2025 وفي سياق متصل، وجّه 4 نواب ديمقراطيين، الجمعة، رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالبوه فيها بالتحرك لوقف الحرب في غزة. ووقّع الرسالة كل من غريغوري ميكس، وروزا دي لورو، وجيم هايمز، وجيمي راسكين، محذرين من أن الحرب تسببت في 'أزمة إنسانية عميقة' وأصبحت مصدرا لعدم الاستقرار وتهديدا جديا للأطراف كافة. ودعا النواب الرئيس الأمريكي إلى 'توظيف كل الإمكانات الدبلوماسية لإنهاء الصراع بشكل عاجل وحاسم ودائم'، مؤكدين أن استمرار الحرب يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية. وطالبوا الإدارة بـ'إعادة جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والقادة الفلسطينيون والشركاء الإقليميون، إلى طاولة المفاوضات دون أي تأخير'.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
تحوّلات جذرية في مسار الصراع مع المشروع الصهيوني
شهد الصراع مع المشروع الصهيوني جولات متعدّدة، تراوحت بين المواجهات المسلّحة ومحاولات التسوية السلمية. وتعتبر المواجهة المسلّحة الحالية، التي بدأت منذ انطلاق "طوفان الأقصى" والمستمرّةً، أطول هذه الجولات، وربّما تصبح الأكثر تأثيراً في مسار هذا الصراع في المستقبل. ولكي ندرك عمق التحوّلات الجيوستراتيجية الناجمة عنها، يتعيّن وضعها في سياقها التاريخي الأوسع. عندما أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل (14/5/1948)، استند آنذاك إلى مشروع التقسيم الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضمن إقامة دولة يهودية في 56% من فلسطين التاريخية، غير أنه لم يعترف مطلقاً بأن حدود هذه الدولة الوليدة هي النهائية للمشروع الصهيوني، فقد كان بن غوريون يدرك جيّداً أن الحدود النهائية لهذا المشروع لن ترسمها قرارات أممية، وإنما آثار الأقدام فوق كلّ أرض يستطيع الجنود الإسرائيليون أن يصلوا إليها. وقد تجلّت هذه الحقيقة في أوضح ما تكون في أعقاب كلّ حرب خاضتها إسرائيل منذ نشأتها. ففي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى (1984 - 1949)، احتلّت إسرائيل مساحةً جديدةً تعادل تقريباً نصف المساحة المخصّصة لها في مشروع التقسيم، ومن ثمّ أصبحت تسيطر على 78% من مساحة فلسطين التاريخية اعتباراً من 1949، وطردت نحو 700 ألف فلسطيني، تحوّل معظمهم لاجئين في الدول العربية المجاورة. وفي حرب السويس (1965)، احتلّت سيناء، وحاولت ضمّها، لكنّها تراجعت بسبب ضغوط أميركية مورست عليها لأسباب تتعلّق بموازين القوى في النظام الدولي ثنائي القطبية وبصعود التيّار القومي العربي آنذاك، ما أجبرها على العودة (مرغمةً) إلى حدود 1948، لكنّها استخلصت العبر ممّا حدث، عازمةً على ألا يتكرّر مرّة أخرى أبداً. ومن ثمّ سعت إلى تقوية اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة إلى أقصى درجة ممكنة. لذا، حين تمكّنت في حرب 1967 من احتلال ما بقي من فلسطين التاريخية وهضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية، قرّرت ألا تعود أبداً إلى حدود 1949، بعد أن أحكمت سيطرتها على آليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة. لم تكن إسرائيل راغبةً في التوصّل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين أو مع الدول العربية المجاورة في أيّ مرحلة، فقادتها لم يروا في إقامتها مجرّد حلّ للمسألة اليهودية، أي مكاناً يجنّب اليهود تكرار مآسي الاضطهاد الذي تعرّضوا له في أنحاء متفرّقة من العالم، بصرف النظر عما ينطوي عليه هذا الحلّ من ظلم للفلسطينيين الذين لا ذنب لهم في هذه المآسي، وإنما أرادوها منذ البداية دولةً توسّعيةً قادرةً على التحكّم بمقادير المنطقة. فلو كانت راغبة حقّاً في التوصّل إلى مثل هذه التسوية، لتحقّق لها ذلك عقب الحرب العربية الإسرائيلية مباشرةً، أي منذ 1949. إذ تثبت وثائق تاريخية عديدة أن الدول العربية كانت جاهزةً آنذاك لتسوية نهائية على أساس قرار التقسيم، مع إدخال تعديلات طفيفة في الحدود على نحو يتيح التواصل الجغرافي المباشر بين مشرق العالم العربي ومغربه. بل وتثبت أيضاً أن عبد الناصر نفسه كان مستعدّاً للمضي في هذا الطريق، وهو ما بدا واضحاً إبان جهود الوساطة الأميركية في الفترة 1953- 1955. غير أن إسرائيل رفضت بشكل قاطع تسويةً دائمةً تستند إلى خطوط التقسم، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، لا لشيء، إلا لأنها كانت تتطلّع لالتهام مزيد من الأراضي العربية، وهو ما أتيح لها في حرب 1967. وقد استغلّت إسرائيل الشعارات الديماغوجية التي رفعتها الأنظمة العربية خلال الخمسينيّات والستينيّات، للتظاهر بأنها دولة صغيرة مسالمة محاطة بدول عربية معادية لا همّ لها سوى تدميرها. قد لا يتوقّف الصراع نهائياً إلا حين تفرض إسرائيل شروطها للتسوية أو تصفّي القضية الفلسطينية حين قرّر أنور السادات، رئيس أكبر دولة عربية (مصر)، تغيير وجهة السياسة المتعلّقة بإدارة الصراع مع إسرائيل في أعقاب حرب 1973، وصل في محاولاته المستميتة إلى إثبات حسن نيّته إلى حدّ الإقدام على زيارة القدس المحتلة عام 1977، ولاحت فرصة أكبر للتوصّل إلى تسوية نهائية هذه المرّة، خصوصاً أن السادات لم يشترط في ذلك الوقت أن يكون قرار تقسيم فلسطين هو أساس التسوية، وإنما العودة إلى حدود 1967، ما يعني القبول بقيام دولة فلسطينية على 22% فقط من فلسطين التاريخية، بدلاً من 44%، وفق ما يقضي قرار التقسيم. غير أن إسرائيل رفضت هذا الطرح أيضاً، بل واعتبرته دليل ضعف يعكس خللاً في موازين القوة لصالحها، وليس دليلاً على صدق التوجّه نحو السلام، وبالتالي نجحت في استدراج السادات نحو تسوية منفردة تتيح لمصر استعادة سيناء مؤقتاً، ومنزوعة السلاح أيضاً، إلى أن تتمكّن من فرض تسوية بشروطها على بقية العالم العربي. وتدل مؤشّرات عديدة على أن إسرائيل كانت (ولا تزال) تخطّط لإعادة احتلال سيناء للضغط على مصر وإجبارها على القبول بتهجير فلسطينيي غزّة إليها، وهو الهدف الذي لم تعد تخفيه الآن وتتحدّث عنه علانيةً. وللتدليل على صيرورة النيات التوسّعية الإسرائيلية، يكفي أن نذكّر هنا بالخريطة التي عرضها نتنياهو أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر/ أيلول 2023، لنكتشف أن حدود إسرائيل اتّسعت لتشمل كلّ الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة، وأن هذا السلوك المستفزّ، والمتحدّي، أمام العالم أجمع، حدث قبل أسبوعين فقط من انطلاق عملية "طوفان الأقصى". في سياق ما تقدّم، ليس من المبالغة القول إن عملية طوفان الأقصى بدت حتميةً، وجاءت ردّاً على الاستفزازات الإسرائيلية، التي بدا أنها تغلق أبواب الأمل كلّها أمام الفلسطينيين، وتصرّ على تصفية قضيتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم المشروعة، وفي مقدّمتها الحقّ في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلّة، ولم يدر بخلد أحد في ذلك الوقت أن هذه العملية ستكون بدايةً لجولة صراع مسلّحة جديدة، هي الأطول في تاريخ الصراع، والأكثر تأثيراً في مساره. مقاومة شعبية أسطورية يمارسها شعب أعزل، ومقاومة مسلّحة تصل إلى حدّ الإعجاز، تمارسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما تختلف جولة الصراع المسلّح الراهنة عن كلّ الجولات السابقة، ليس لأنها الأطول في تاريخ الصراع فحسب (بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023)، ولكن أيضاً (وخصوصاً) لأن جميع الدول العربية أحجمت عن الانخراط فيها، وأطلقت سلسلة من الديناميكيات التفاعلية التي أفضت في النهاية إلى إقدام إسرائيل على إعلان حرب شاملة على إيران. فالشرارة الأولى لهذه الجولة انطلقت من قطاع غزّة، حين قرّرت حركة حماس، ومعها بقية الفصائل الفلسطينية المسلّحة، شنّ هجوم مباغت على إسرائيل عبر الحدود مع قطاع غزّة، لإلحاق أكبر قدر من الخسائر بها، والإمساك بأكبر عدد ممكن من الرهائن، لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وبعد أيام قليلة، دخل حزب الله خطّ المواجهة المسلّحة لمساندة الشعب الفلسطيني الذي بدأ يتعرّض لحرب إبادة جماعية، ثمّ دخلت تباعاً فصائل عراقية، تلتها جماعة الحوثي اليمنية. وحين فرغت إسرائيل من تدمير قطاع غزّة، ومن إسكات حزب الله والفصائل العراقية، وساهمت عملياتها العسكرية المتكرّرة في سورية في إسقاط نظام بشّار الأسد، اعتقدت أن الطريق بات ممهّداً لتوجيه ضربة قاصمة لإيران، التي رأت فيها "رأس الأفعى" التي حان قطعها، والقائد الفعلي لمحور المقاومة الذي حان وقت القضاء عليه بعد النجاح في تفكيكه. ومع ذلك، يلاحظ أنها لم تجرؤ على شنّ الحرب عليها إلا بعد أن ضمنت مشاركة ترامب، الذي يبدو أنه وعد بإنجاز ما لا تستطيع إسرائيل إنجازه. بعد الحرب على إيران، سيتحوّل الصراع من صراع عربي - صهيوني إلى عربي إسلامي - صهيوني أميركي صحيح أن الحرب على إيران توقّفت بعد 12 يوماً فقط، لكن حرب التجويع والإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة مستمرّة في ظلّ مقاومة شعبية أسطورية يمارسها شعب أعزل، ومقاومة مسلّحة تصل إلى حدّ الإعجاز، تمارسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل فلسطينية، ولا تزال جماعة الحوثي قادرةً على إطلاق الصواريخ، ومصمّمة على الاستمرار إلى أن تتوقّف الحرب على القطاع. وصحيح أيضاً أننا قد نشهد هدنة مدّتها 60 يوماً (لم تُعلن حتى لحظة كتابة هذه السطور)، بل ليس من المستبعد تحوّلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، ما يعني أن عملية إطلاق الصواريخ والمسيّرات من اليمن سوف تتوقّف أيضاً في هذه الحالة. غير أن الصراع سيتواصل، وقد لا يتوقّف نهائياً إلا بتحقّق واحد من احتمالين: الأول أن تتمكّن إسرائيل من فرض شروطها الكاملة والمطلقة للتسوية، وهو ما لن يتم، خصوصاً إذا استمرّت حكومتها الحالية، إلا بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة، وبضمّ الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها، ما يعني تصفيةً تامّةً للقضية الفلسطينية، وهو احتمال غير مرجّح، لأنه يتجاوز قدرات إسرائيل الحالية. رغم كلّ ما حقّقته من منجزات عسكرية تكتيكية. الثاني أن رضوخ إسرائيل لمطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة في حدود 4 يونيو (1967)، وهو احتمال غير مرجّح أيضاً، لأنه ليس بمقدور القوى الإقليمية والدولية، بما فيها الولايات المتحدة، فرضه. يعتقد ترامب (يبدو أن حلم حصوله على جائزة نوبل للسلام ما زال يراوده) أنه يستطيع إنجاز تسوية تتضمّن؛ وضع غزّة تحت وصاية عربية ودولية لبعض الوقت، بعد نزع سلاح "حماس" وترحيل قياداتها؛ السماح لإسرائيل بضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، تشمل جميع المستوطنات اليهودية القائمة حالياً، بالإضافة إلى غور الأردن على الأقلّ؛ ووعوداً غامضةً حول إقامة دولة فلسطينية خلال خمس أو عشر سنوات، في كلّ من قطاع غزّة وما تبقّى من الضفة، ولكن بعد إخلائهما من جزء كبير من السكّان. ولأن حلولاً من هذا النوع يصعب تسويقها عربياً، ويستحيل تسويقها فلسطينياً، فمن الطبيعي أن تؤدّي محاولات فرضها عنوةً، سواء عبر القوة العسكرية أو الضغوط الاقتصادية، إلى إثارة مشكلات قد تفضي إلى عدم استقرار المنطقة. لذا فالأرجح ألا تكون جولة القتال الحالية هي آخر الجولات. فالحرب التي شنّتها كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة على إيران ستحوّل الصراع في المنطقة، إن آجلاً أو عاجلاً، من صراع عربي - صهيوني إلى صراع عربي إسلامي - صهيوني أميركي شامل، وهو (إن حدث) سيكون التحوّل الأكثر أهميةً تاريخياً في مسار الصراع.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين رداً على تصريحات روسية "استفزازية"
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر بنشر غواصتين نوويّتين رداً على تصريحات "استفزازية للغاية" أدلى بها مسؤول روسي. وجاء في منشور لترامب على منصّته تروث سوشال "استناداً إلى التصريحات الاستفزازية للغاية التي أطلقها الرئيس السابق لروسيا، دميتري ميدفيديف .. أمرت بنشر غواصتين نوويّتين في المناطق المناسبة، تحسباً لانطواء هذه التصريحات الغبية والتحريضية على ما هو أكثر من ذلك". وتابع ترامب "الكلمات مهمة جداً، وغالباً ما يمكن أن تؤدي إلى عواقب غير مقصودة، آمل ألا تكون هذه من تلك الحالات". وكان مدفيديف، وهو حالياً نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، اعتبر في منشور على إكس في 28 يوليو/تموز السابق أن تحديد ترامب مهلة لموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا، هو بمثابة "تهديد وخطوة نحو الحرب". ويهدّد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا إذا لم يوقف نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأعمال العدائية في أوكرانيا بحلول نهاية الأسبوع المقبل. ويدرس الرئيس الأميركي حالياً فرض عقوبات "ثانوية" على روسيا وهي عقوبات تستهدف عملياً الدول التي تشتري من موسكو النفط تحديداً، وذلك بهدف تجفيف هذا المصدر الأساسي لإيرادات المجهود الحربي الروسي. وإثر عودته إلى السلطة في يناير/كانون الثاني الفائت، أعرب ترامب عن استعداده للتفاوض مع الرئيس الروسي وحاول التقارب معه وانتقد المساعدات الضخمة التي قدّمتها واشنطن لكييف في عهد سلفه جو بايدن. لكنّ عدم تجاوب بوتين على النحو الذي يريده ترامب مع مبادراته أثار "استياء" و"خيبة أمل" الرئيس الأميركي، خصوصاً لعدم موافقة الرئيس الروسي على وقف لإطلاق النار تطمح إليه كييف وواشنطن. تقارير دولية التحديثات الحية روسيا تترقب بهدوء عقوبات ترامب ولا تنوي إنهاء حرب أوكرانيا ومع استمرار العد التنازلي لانقضاء المهلة البالغة عشرة أيام والتي حددها ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا وتُحسب اعتباراً من تاريخ 29 يوليو/تموز الماضي، لا تبدو روسيا متخوفة من تحقيق سيد البيت الأبيض وعيده بفرض رسوم تصل إلى 100% على مشتري موارد الطاقة الروسية، وفي مقدمتهم الصين والهند اللتان تعتمد عليهما موسكو ملاذاً بديلاً لصادراتها النفطية بعد إغلاق السوق الأوروبية. كما لم يُفضِ بدء العد التنازلي لفرض رسوم ترامب إلى تبلور أي بوادر لإنهاء حرب أوكرانيا أو تجميد النزاع على الأقل، إذ تواصل روسيا تقدمها على الأرض، معلنة أمس الخميس، إحكام السيطرة على مدينة تشاسيف يار الواقعة في مقاطعة دونيتسك التي ضمت روسيا في عام 2022 تحت مسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية"، رغم نفي المتحدث باسم "مجموعة القوات الاستراتيجية العملياتية خورتيستيا" فيكتور تريغوبوف في حديثٍ لوكالة فرانس برس ذلك أمس الخميس، مشيراً إلى أنه ينصح دائماً "بعدم اعتبار وزارة الدفاع الروسية مصدراً للمعلومات. إنهم ببساطة يكذبون بشكل ممنهج، وجعلنا نعلق على أكاذيبهم الأخيرة في كل مرة أمر خاطئ". (فرانس برس، العربي الجديد)