
ترامب يقترح أكبر خفض في تاريخ ناسا… وSpaceX الرابح الأكبر؟
اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خفضًا كبيرًا في ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لعام 2026، يصل إلى نحو 25٪ من إجمالي ميزانيتها، في توجه يعيد رسم أولويات الوكالة نحو استكشاف المريخ والقمر، على حساب المشاريع العلمية، والبيئية، والتعليمية، وكذلك الأنشطة المرتبطة بمحطة الفضاء الدولية.
بحسب المقترح، سيتم خفض 508 ملايين دولار من ميزانية محطة الفضاء الدولية (ISS)، مما سيؤدي إلى تقليص عدد أفراد الطاقم الموجودين فيها، وتقليص الأبحاث التي تُجرى على متنها. وستُوجّه القدرات البحثية المتبقية نحو دعم أهداف استكشاف القمر والمريخ، ما يعني تحجيم دور المحطة في البحث العلمي المستقل.
إلغاء مهام علمية رئيسية
تشمل التخفيضات أيضًا 2.265 مليار دولار من مخصصات بعثات العلوم الفضائية، ومن ضمنها مهمة إعادة عينات المريخ (Mars Sample Return)، التي تعد واحدة من أبرز المشاريع العلمية المخطط لها في وكالة ناسا. كانت هذه المهمة تهدف إلى جمع عينات من سطح المريخ وتحليلها على الأرض، وهو ما يُعتبر خطوة أساسية لفهم تكوين الكوكب الأحمر وإمكانية وجود حياة فيه في الماضي. ومع ذلك، يُعلن المقترح أن الأهداف المقررة لهذه المهمة ستتحقق من خلال رحلات بشرية مستقبلية إلى المريخ، مما يعني إلغاء الحاجة للبعثة غير المأهولة في المرحلة الحالية.
في المقابل، يقترح المشروع تخصيص مليار دولار لبرامج استكشاف المريخ، دون تحديد واضح لكيفية توزيع هذا التمويل. ويرجّح مراقبون، أن تستفيد شركة سبيس إكس (SpaceX) التابعة للملياردير إيلون ماسك من هذا التمويل، خصوصًا في ضوء تصريحاته الأخيرة بشأن إطلاق رحلة غير مأهولة نحو المريخ في العام القادم، باستخدام مركبة Starship.
التخلّي عن الصاروخ "SLS" وكبسولة "Orion"
يقترح المشروع أيضًا إيقاف العمل بنظام الإطلاق الفضائي الثقيل (SLS) وكبسولة "Orion" بعد استخدامهما في مهمة Artemis III، وهي مهمة هبوط الإنسان القادمة على القمر. كان SLS يُعتبر ركيزة أساسية في برنامج أرتميس لرحلات الفضاء العميق، حيث كان من المخطط أن يكون الصاروخ الثقيل الوسيلة الأساسية لإطلاق رواد الفضاء إلى القمر والمريخ. أما كبسولة "Orion" فهي مركبة فضائية مخصصة لنقل الرواد إلى الفضاء العميق، وقد تم تطويرها خصيصًا للمشاركة في تلك المهام الطويلة الأمد.
لكن المقترح الجديد يشير إلى تحويل الاستثمارات المستقبلية في هذه المشاريع إلى حلول تجارية تقدّمها شركات القطاع الخاص، مثل سبيس إكس وبلو أوريجين. هذا يعني أن NASA قد تعتمد في المستقبل على صواريخ ومركبات فضائية تجارية مثل Starship وNew Glenn، بدلاً من الصواريخ التقليدية التي كانت تعتمد عليها الوكالة.
كما يشير المقترح إلى إغلاق مشروع "Lunar Gateway"، الذي كان يُخطط لبناء محطة فضائية صغيرة تدور حول القمر لتوفير نقطة انطلاق للبعثات المستقبلية إلى سطحه، إضافة إلى دعم البحوث العلمية على المدى الطويل. كان هذا المشروع جزءًا رئيسيًا من استراتيجية ناسا لاستكشاف القمر بشكل مستدام عبر برنامج أرتميس. ولكن الآن، تم اقتراح إنهاء هذا المشروع بعد أن تتم مهمة Artemis III، التي ستشهد أول هبوط بشري على سطح القمر ضمن البرنامج.
غموض في العلاقة بين ترامب وإيلون ماسك
يثير هذا التوجه نحو تمويل برامج فضائية قد تستفيد منها شركة "سبيس إكس" تساؤلات عديدة حول طبيعة العلاقة بين الرئيس ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك، خصوصًا في ظل الدعم الضمني الذي قدمه ماسك لحملة ترامب الانتخابية. وعلى الرغم من عدم وجود إعلان رسمي عن شراكة مباشرة، يرى مراقبون أن تقاطع المصالح بين الجانبين يبدو واضحًا، خاصة مع التلميحات المستمرة من ماسك بشأن رغبته في العمل مع إدارة "أكثر دعمًا للابتكار الخاص" على حد تعبيره.
يفتح هذا الغموض الباب أمام انتقادات تتعلق بتضارب المصالح، إذ يخشى البعض من أن يؤدي استخدام الموارد الفيدرالية لدعم شركات خاصة بعينها إلى تسييس قرارات علمية واستراتيجية من المفترض أن تُبنى على أساس الكفاءة والجدوى العلمية، لا الاعتبارات السياسية أو الشخصية.
خفض حاد في برامج علوم الأرض والمناخ
يشمل المقترح خفضًا قدره 1.161 مليار دولار من ميزانية علوم الأرض، ما يعني إلغاء تمويل الأقمار الاصطناعية المخصصة لمراقبة المناخ والتغيرات البيئية، واعتبارها مشاريع ذات "أولوية منخفضة". ويؤدي هذا القرار إلى تقويض قدرات المراقبة الفضائية للكوكب في وقت يشهد العالم فيه تحديات مناخية متزايدة.
يمتد التقشف ليشمل مشاريع الطيران الأخضر، إذ يُلغى تمويل بقيمة 346 مليون دولار كان مخصصًا لتطوير تقنيات طيران منخفضة الانبعاثات، وذلك لصالح تعزيز الإنفاق في مجالات الدفاع وأنظمة التحكم في حركة الطيران. كما يُلغى 143 مليون دولار من برامج تعليم العلوم والهندسة والتكنولوجيا والرياضيات (STEM)، مما يوجه ضربة لجهود إلهام الأجيال الجديدة للانخراط في مجالات البحث والابتكار.
موقف الخبراء وردود الأفعال
قال راسل فُوت، مدير مكتب الميزانية في البيت الأبيض، إن المقترح يمثل الخطوط العريضة للخطة المالية الشاملة، التي سيتم إرسالها لاحقًا إلى مجلس الشيوخ الأمريكي.
من جهته، صرّح كيسي دراير، مدير السياسات في "الجمعية الكوكبية" (Planetary Society)، بأن هذه التخفيضات تشكّل "أكبر تقليص في ميزانية ناسا خلال سنة واحدة في التاريخ الأمريكي"، مضيفًا أن المقترح يوصل رسالة مفادها أن "الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بقيادة العالم في مجال الفضاء".
يبقى هذا المقترح مجرد خطة أولية، حيث تقع مسؤولية إقرار الميزانية النهائية على عاتق الكونغرس الأمريكي، الذي من المتوقع أن يشهد مناقشات حادة بشأن مستقبل وكالة ناسا وتوجهاتها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى مصر
منذ 12 ساعات
- صدى مصر
أحمد العطيفي : الذكاء الاصطناعي سيغير مستقبل التعليم في مصر
أحمد العطيفي : الذكاء الاصطناعي سيغير مستقبل التعليم في مصر كتبت هدي العيسوي أكد المهندس أحمد العطيفي مؤسس المنتدى العربي للاقتصاد الرقمي وخبير الاتصالات ،أن تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بدراسة تدريس مادة الذكاء الاصطناعي في المدارس المصرية الخطوة تعكس مدى وعي القيادة السياسية بأهمية الذكاء الاصطناعي ودوره الكبير في مواجهة التحديات المستقبلية وأضاف مؤسس المنتدى العربي للاقتصاد الرقمي خلال لقائه ببرنامج الصنايعية الذي يقدمه الإعلامي محمد ناقد علي قناة الشمس،أن الذكاء الاصطناعي أصبح ركيزة أساسية في الثورة الصناعية الخامسة. وأوضح أن التحول نحو تدريس الذكاء الاصطناعي ليس مجرد إضافة لمادة جديدة، بل هو نظام متكامل يجب أن يبدأ من المراحل الابتدائية وليس الثانوية، حتى يتم تأسيس الطلاب بشكل صحيح على أسس التكنولوجيا. ونوه أن البدء من المرحلة الثانوية كان أحد الأخطاء التي رافقت مشروع إدخال التكنولوجيا في التعليم خلال الفترة الماضية، إلى جانب خطأ توزيع أجهزة التابلت على جميع الطلاب دون تحديد الفئات المستحقة، مما أثقل كاهل الدولة بتكاليف ضخمة. كما أن التركيز على الامتحانات الرقمية بدلاً من تطوير العملية التعليمية ككل أدى إلى خلق مقاومة من جانب الطلاب وأولياء الأمور. ولفت العطيفي إلى أن تطوير التعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بنية تحتية قوية تشمل مراكز بيانات حديثة، وشبكات إنترنت عالية السرعة، وأجهزة إلكترونية حديثة للطلاب والمدرسين. وأشار إلى أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم يمكن أن يسهم في تحليل أداء الطلاب بشكل دقيق، وتحديد نقاط القوة والضعف، وتقديم حلول تعليمية مخصصة لكل طالب. كما أشار إلى أن الاستثمار في التعليم الرقمي والذكاء الاصطناعي يتطلب ميزانيات ضخمة، مما يستدعي إشراك القطاع الخاص في تمويل المشاريع الكبرى، وخاصة في إنشاء مراكز بيانات ضخمة يمكن أن تجعل مصر مركزًا إقليميًا لتخزين البيانات ومعالجتها، مستفيدة من موقعها الجغرافي وتحكمها في 10% من حركة البيانات العالمية عبر الكابلات البحرية. وذكر العطيفي أن العالم يحتاج إلى استثمارات تصل إلى 7 تريليونات دولار لتطوير مراكز البيانات، وأن مصر يمكنها استهداف 500 مليار دولار من هذه الاستثمارات خلال السنوات العشرين القادمة، مما يجعلها قادرة على تحقيق قفزة نوعية في مجال تكنولوجيا المعلومات. وأوضح أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية يجب ألا يقتصر على مجرد تدريس مادة جديدة، بل يجب أن يشمل تطوير المناهج بالكامل وتدريب المعلمين على استخدام الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي في التدريس. وأكد أن هذا النظام يمكن أن يقلل من الفجوة التعليمية بين المحافظات والمناطق الريفية، ويوفر للطلاب فرصًا متساوية للحصول على تعليم رقمي متطور. العطيفي تحدث أيضاً عن أهمية تقليل أيام الحضور الفعلي للطلاب في المدارس، مقابل زيادة الاعتماد على التعليم الإلكتروني، مما قد يسهم في تقليل كثافة الفصول وتوفير تكاليف بناء المدارس. وأوضح أن تقليل أيام الحضور إلى ثلاثة أيام أسبوعياً يمكن أن يخفف العبء على البنية التحتية التعليمية ويوفر فرصاً أكبر لتطوير المحتوى التعليمي الرقمي. وأشار العطيفي إلى أن مصر لديها فرصة كبيرة لجذب الاستثمارات الأجنبية في مجال مراكز البيانات، خاصة مع توافر الكفاءات الهندسية والتكنولوجية المحلية. وأكد أن هناك مبادرات عديدة يجب إطلاقها لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال، مثل توفير الأراضي بأسعار رمزية أو مجاناً، وتقديم إعفاءات ضريبية للمستثمرين. وأضاف أن مصر يمكنها أيضاً أن تصبح مركزاً إقليمياً لصناعة التعهيد، خاصة في ظل توافر العمالة الماهرة والكفاءات في مجال تكنولوجيا المعلومات. ودعا إلى وضع خطة طموحة لتحقيق عائدات تصل إلى 30 مليار دولار سنوياً من صناعة التعهيد، بما يسهم في زيادة الصادرات الرقمية وتقليل العجز التجاري. وفيما يتعلق بالشركات الناشئة، طالب العطيفي بإطلاق صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن مصر تمتلك الكفاءات اللازمة لتحويل هذه الشركات إلى كيانات عالمية قادرة على المنافسة والتصدير للأسواق الدولية. وفي ختام حديثه، أكد العطيفي على ضرورة إطلاق حملة ترويجية ضخمة لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا، وخاصة من الدول التي تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج مثل الصين والهند. وأشار إلى أن مصر لديها فرصة كبيرة لاستقطاب استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات، خاصة في ظل اهتمام العالم حالياً بإنشاء مراكز بيانات جديدة وتحسين البنية التحتية الرقمية. واختتم العطيفي حديثه بالإشارة إلى أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق هذه الأهداف، مؤكداً أن التحول الرقمي ليس خياراً بل ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة في مصر.


صحيفة الخليج
منذ 12 ساعات
- صحيفة الخليج
شراكة استراتيجية للمستقبل
شهدت أبوظبي حدثاً بارزاً يعكس رؤيتها الطموحة نحو المستقبل، حيث حضر كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الإعلان الرسمي عن تدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي – الأمريكي الشامل، ويأتي هذا المشروع الضخم كترجمة حقيقية لعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، التي تمتد إلى مختلف المجالات، وخصوصاً المجالات العلمية والتقنية، والتي باتت تمثل حجر الزاوية في التنافسية العالمية. ويهدف المجمّع إلى تطوير بيئة بحثية وتقنية متقدمة تدفع بحدود الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الحياة اليومية والصناعية. صُمِّم المجمّع ليكون أحد أكبر مراكز الذكاء الاصطناعي في المنطقة والعالم، مستفيداً من الإمكانات التقنية والبشرية في كلا البلدين. وسيضمّ المجمّع عدداً من المعاهد البحثية المتخصصة، إلى جانب حاضنات أعمال، ومراكز تدريب، ومنشآت تعليمية متطورة، إضافة إلى شراكات مع جامعات مرموقة ومؤسسات بحثية عالمية. وفي كلمته خلال حفل التدشين، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أن هذا المشروع يمثل خطوة مهمة في بناء اقتصاد معرفي مستدام قائم على الابتكار، مشيراً إلى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي هو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة، وتعزيز لمكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للتقنية والبحث العلمي. كما أن هذه الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية لها أهميتها، وتعكس رؤية القيادة الإماراتية الطموحة، والدور الريادي الذي تلعبه في تبنّي أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العالمية. كما أن المجمّع يرتكز على عدد من المحاور الأساسية، منها تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة، والتعليم، والطاقة، والبيئة، والنقل، والدفاع، بالإضافة إلى دعم الشركات الناشئة في هذا المجال، وتوفير فرص عمل نوعية للشباب، كما سيُسهم في بناء القدرات المحلية من خلال برامج تدريبية وتبادل معرفي بين الخبرات الإماراتية والأمريكية. لقد حظي ملف الذكاء الاصطناعي باهتمام كبير على مستوى القيادة الرشيدة، حيث تمّ في عام 2017 تعيين أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وأطلقت الدولة أول استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وفي عام 2019 قامت بتأسيس جامعة متخصصة للذكاء الاصطناعي هي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ويتوقع أن يُحدث مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي نقلة نوعية في المنطقة، حيث يوفر منصة عالمية لتطوير الحلول الذكية لمواجهة تحديات العصر، ويُسهم في ترسيخ مكانة أبوظبي كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي. إن تدشين هذا المجمع لا يمثل مجرد تدشين مشروع تقني، بل هو إعلان عن مرحلة جديدة من الشراكة بين الإمارات والولايات المتحدة، قائمة على تبادل المعرفة والعمل المشترك لصناعة مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة للعالم أجمع.


البيان
منذ 15 ساعات
- البيان
زيارة الرئيس الأمريكي إلى الإمارات.. شراكة جيوتكنولوجيةفي عصر القوة الرقمية
وقد عُقد اللقاء بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في قصر الوطن، في مشهد يعكس عمق العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتعاون الاستراتيجي بين الدولتين. وقد جاءت هذه الشراكة في خطوة تعزز من حضور دولة الإمارات العربية المتحدة في خريطة الابتكار العالمية. ومروراً بالاستقرار السياسي والموقع الجيوستراتيجي المتميز، وانتهاءً بالبيئة التشريعية والتنظيمية المواتية ببناء قواعد راسخة تتيح نمو وازدهار اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار والذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك فإن الإمارات تعد من الدول الرائدة في مجالات استخدام عناصر القوة الناعمة وسيلة لتحقيق المصالح الوطنية في إطار تعاوني سلمي. وهذه العوامل تعززت بمقومات أخرى، أبرزها البنية التحتية الرقمية المتطورة، وسياسات الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، وهي ما جعلت من الإمارات بيئة مثالية لتوطين الشراكات التكنولوجية المعقدة. كما وضعت القيادة الإماراتية الحكيمة ضمن أولوياتها تأسيس دولة تستند إلى المعرفة والتقدم التكنولوجي، وهو ما تجسّد في الاستراتيجية الوطنية للابتكار التي تهدف إلى جعل الإمارات من بين أكثر الدول ابتكاراً على مستوى العالم. كما يعمل مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد على أجندة تحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي والاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي والمبادرات والخطط الهادفة إلى ترسيخ مكانة دولة الإمارات لتكون الوجهة الأولى. والمركز الأساسي للابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتقنيات البلوك تشين، وغيرها من التقنيات المستقبلية، بالإضافة إلى استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة التي تهدف إلى جعل الإمارات مركزاً عالمياً للاقتصاد الرقمي. وشركة الذكاء الاصطناعي الجديدة «AI71»، التي تُبنى على نماذج «فالكون» المطورة محلياً، وتهدف لتقديم حلول غير مسبوقة للشركات في مجال التحكم في البيانات عبر الذكاء الاصطناعي، ما يعزز الخصوصية ويخدم البيئة الرقمية. وتوسعت هذه الرؤية لتشمل دعم المدن الذكية عبر مشاريع مثل «مدينة مصدر» و«دبي الذكية» وواحة دبي للسيليكون، ومناطق حرة متخصصة بالتقنية، مثل مدينة دبي للإنترنت، ومدينة الشارقة للبحوث والتكنولوجيا. وجامعة ستانفورد، ما أسهم في بناء قاعدة معرفية وطنية قادرة على مواكبة التحولات العالمية، وكذلك جامعة خليفة وجامعة حمدان بن محمد الذكية، إلى جانب كليات التقنية العليا ومعاهد متخصصة في التقنيات الحديثة. وأطلقت وزارة التربية والتعليم منهجاً خاصاً لتدريب طلبة المدارس على الذكاء الاصطناعي. ومن ناحية أخرى، تم إطلاق مبادرات وطنية كبرى مثل «مليون مبرمج عربي». إضافة إلى جلسات «متحف المستقبل» التي يشارك فيها كبار الخبراء العالميين، ما عزز من مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للتكنولوجيا، إذ أثبتت الإمارات، من خلال هذه المشاريع والشراكات، قدرتها على صياغة نموذج اقتصادي مرن يقوم على الابتكار والتكامل، مدعوم ببنية تحتية رقمية متطورة وتشريعات مرنة، وبرز هذا النموذج في بناء المدن الذكية، وتطوير شبكات الاتصالات، وإنشاء مراكز بيانات ضخمة، وتقديم حلول رقمية شاملة. ومن هنا، أتى إطلاق المجمع الإماراتي - الأمريكي ليكون امتداداً طبيعياً لهذا المسار التنموي، ومن المتوقع أن يتمتع المجمع بقدرات تشغيلية عالية تصل إلى خمسة جيجاواط، وهذا دلالة على الكم الكبير والضخم من المعالجات الرسومية فائقة التطور القادرة على التغطية الهائلة من الطاقة التشغيلية التي تكفي لسرعة إنتاج البيانات وتوليدها. والطاقة العالية المستخدمة في تبريدها، معتمداً على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمسية والنووية، إضافة إلى الغاز الطبيعي، وقد تقدر مساحة المجمع بـ10 أميال مربعة، ما يعكس توجهاً استراتيجياً نحو تحقيق الاستدامة البيئية جنباً إلى جنب مع التقدم التكنولوجي. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في استقطاب شركات أمريكية واستثمارات أجنبية كبرى قادرة على الاستفادة من الإمكانات لتوفير خدمات الحوسبة الإقليمية مع إمكانية تقديم خدمات عالية التقنية والجودة لنحو نصف سكان العالم ضمن نطاق 3200 كيلومتر، وخلق وظائف متخصصة في تحليل البيانات، وتطوير البرمجيات، والهندسة التقنية، إضافة إلى دعم الصادرات الوطنية في مجال الخدمات الرقمية. ومن مميزات المشروع الإماراتي في هذا السياق أنه جاء منسجماً مع السياسات العامة للدولة، ومتكاملاً مع استراتيجياتها الوطنية الكبرى، ليشكل الذكاء الاصطناعي محوراً أساسياً في مسيرة التنمية البشرية والاقتصاد الرقمي. كما أن هذا التوجه ينسجم مع المبادئ العشرة للخمسين عاماً المقبلة، التي أطلقتها القيادة الإماراتية لتكون خريطة طريق للمستقبل، ويرسّخ شراكة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، تشمل التقنية، والاقتصاد، والتعليم، والأمن. ورغم هذا التقدم، لم تغفل الإمارات التحديات المصاحبة، وعلى رأسها الأمن السيبراني والحاجة إلى الكفاءات الوطنية المؤهلة، فوضعت خطة معرفية شاملة تشمل الشراكات الأكاديمية، والتعليم التقني، والتدريب المهني المستمر. وفي هذا السياق، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في 2019 لتعزيز بيئة رقمية آمنة ومرنة.