
وكالة الصحافة الفرنسية تتحوّل رقمياً لمواجهة أزمتها
الإعلان فاجأ الجميع لأنه رفع النقاب عن الأزمة العميقة التي تجتازها الوكالة الفرنسية المرموقة. بعض العناوين الإخبارية وصفت الوضع المادي للوكالة بـ«النزيف المالي المتواصل»، وأخرى بـ«الوضع الحرج»، وكلها اتفقت على أن المؤسسة الإعلامية الرائدة تواجه تحديات مالية واستراتيجية مهمة بسبب المنافسة الشّرسة للمنصّات الرقمية، إضافة إلى التأخر الذي سجّلته في التكيف مع التطورات التقنية المتسارعة في القطاع الإعلامي.
الإيرادات في تراجع
أسست وكالة «آجانس فرنس برس» (أ.ف.ب) عام 1944 على أنقاض وكالة «هافاس» التاريخية، وعبر عقود من الزمن، نسجت شبكة واسعة من المكاتب والمراسلين امتدت عبر القارات الخمس، حيث تقدم الوكالة خدماتها بأكثر من عشرين لغة، وتغطي أحداث أكثر من 150 دولة حول العالم، ما جعلها مرجعاً إعلامياً موثوقاً لكبريات الصحف والمحطات التلفزيونية العالمية. غير أن هذا الإرث العريق يبدو اليوم أمام تحدٍ حقيقي يتطلب رؤية جديدة وحلولاً مبتكرة، لكون الأرقام الأخيرة التي أعلنت عنها إدارة الوكالة الإخبارية ترسم صورة قاتمة عن وضعها المالي، وهي تبّين أنها سجلت انخفاضاً في إيراداتها بنسبة 15 في المائة خلال العامين الماضيين. ففي حين بلغت عائداتها 330 مليون يورو عام 2022، تراجعت إلى 280 مليون يورو عام 2024.
أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو تسجيل الوكالة خسائر صافية قدرها 35 مليون يورو في العام الماضي، وهو ما يعكس التحول الجذري في نماذج الأعمال الإعلامية، والتراجع المستمر في الاستثمارات الإعلانية التقليدية.
تراجع النشاط بسبب المنافسة
الأزمة لا تقتصر على الجانب المالي فحسب؛ بل تمتد لتشمل تراجعاً ملحوظاً في قاعدة العملاء المشتركين في خدمات الوكالة، إذ انخفض عدد المشتركين بنسبة 22 في المائة خلال الفترة ذاتها، ويرجع هذا الأمر إلى ازدياد المنافسة من المنصّات الرقمية الناشئة التي تقدّم خدمات مماثلة بتكلفة أقل وسرعة أكبر. وأدت الضغوط المالية إلى اتخاذ إجراءات تقشّفية قاسية، حيث جرى تسريح 180 موظفاً من مختلف الأقسام، وهو ما يعادل 8 في المائة من إجمالي القوى العاملة بالوكالة.
أيضاً، شهدت الوكالة إغلاق 12 مكتباً إقليمياً في مختلف أنحاء العالم، ما أثر سلباً على قدرتها على تغطية الأحداث المحلية والإقليمية بالعمق المطلوب. إضافة إلى ذلك، تراجعت الاستثمارات في التكنولوجيا والتطوير بنسبة 30 في المائة، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام قدرة الوكالة على مواكبة التطوّرات التقنيّة المتسارعة في القطاع الإعلامي. وفي موضوع بعنوان «من 12 إلى 14 مليون يورو إلى 2025 و2026... لماذا أعلنت (فرنس برس) عن خطّة تقشفية طارئة؟»، نقلت مجلة «شالنج» الاقتصادية شهادة المدير التنفيذي للوكالة، فابريس فرايز، الذي قال إن «الوضع المادي قد يستمر في التدهور، لأن الوكالة فقدت أهم زبائنها كإذاعة (فويس أوف أميركا) التي قطع عنها الرئيس دونالد ترمب التمويل، إضافة إلى منصّة (ميتا) التي أنهت تعاقدها مع الوكالة ضمن برنامج (التحقق من الأخبار الزائفة) أو (الفاست شيكينغ)...». والأمر المؤسف، كما يشرح المدير التنفيذي للمجلة، أنه لا يوجد أمل في أي مساعدة حكومية، علماً بأن الوكالة كانت قد استفادت من دعم حكومي وصل إلى 118 مليون يورو عام 2024.
شعار الوكالة داخل أحد المكاتب (آ ف ب)
تحولات بنيوية عميقة
تعود جذور أزمة «أ.ف.ب» إلى التحولات العميقة في النظام الإعلامي العالمي، إذ أدى ظهور المنصّات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير جذري في طريقة استهلاك الأخبار، حيث بات الجمهور يفضل الحصول على المعلومات مجاناً، وبشكل فوري عبر الإنترنت.
كذلك لعبت التطورات التقنية المتسارعة، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي، دوراً بارزاً في تفاقم الأزمة، فقد أصبح بعض المؤسسات الإعلامية يعتمد على الخوارزميات في إنتاج المحتوى، الأمر الذي قلل من الحاجة إلى الخدمات التقليدية لوكالات الأنباء. ويضاف إلى كل ذلك، أن التأخر في التكيف مع هذه التطورات وضعف الاستثمار في التقنيات الحديثة، جعلا الوكالة تفقد جزءاً كبيراً من قدرتها التنافسية.
رؤى مستقبلية لتجاوز المحنة
من أجل تجاوز هذه الأزمة، أعلنت إدارة «أ.ف.ب» تبنيها خطة طموحة للتحوّل الرقمي بقيمة 150 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات. وتركّز هذه الخطة الشاملة على تطوير منصّات رقمية متقدمة تواكب أحدث التقنيات، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة الأخبار وتحليلها، وتحسين تجربة المستخدم عبر التطبيقات المحمولة.
وبجانب ذلك، تسعى الوكالة إلى تنويع مصادر دخلها من خلال تطوير خدمات جديدة ومبتكرة تتجاوز النموذج التقليدي لوكالات الأنباء، بحيث تشمل التحليلات الإعلامية المتخصّصة، والمحتوى المخصص للشركات والمؤسسات، والخدمات الاستشارية في مجال الاتصال والإعلام. وهي أيضاً تعمل على تطوير منصّات تدريبية متخصّصة في الصحافة الرقمية، وخدمات التحقّق من المعلومات والأخبار الزائفة، التي باتت تشهد طلباً مزداداً في العصر الرقمي.
وكذلك تخطط الوكالة راهناً لإبرام شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا ومنصّات التواصل الاجتماعي، بهدف توسيع نطاق توزيع محتواها، والوصول إلى جماهير جديدة، وتعزيز حضورها في الأسواق الناشئة، وبخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، حيث تتوقّع نمواً كبيراً في الطلب على المحتوى الإعلامي المهني والموثوق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 2 ساعات
- الاقتصادية
كيف صعدت بيتكوين من 13 دولارا إلى 120 ألف دولار؟
حين دخلت "بيتكوين" دائرة الاهتمام العام في 2013، سرعان ما أسرت فكرتها اهتمام الناس، بوصفها عملة مشفرة تتيح مدفوعات فورية ومجهولة الهوية دون الحاجة إلى البنك. وقفز سعرها في ذلك العام من نحو 13 دولاراً إلى 747 دولاراً. وبعد 12 عاماً، تخطت العملة المشفرة الأشهر عالمياً حاجز 120 ألف دولار. وعلى مدار هذه الرحلة، تشكلت عشرات الآلاف من الثروات الشخصية (وتبدد بعضها). لكن رغم كل النقاش حول انتشار "بيتكوين"، إلا أنها لم تهدد أبداً بإزاحة العملات التقليدية كوسيلة لدفع ثمن البقالة أو شراء السيارات، أو حتى إرسال الأموال عبر الحدود، وهي خدمات يمكن القول إنها مهيأة تماماً للتغيير في ظل الرسوم المرتفعة التي تتخللها. السبب الرئيسي وراء بقاء "بيتكوين" كأصل يحظى بالاهتمام لا علاقة له باستخدامه كوسيلة للمدفوعات. فما دفعها إلى تحقيق ارتفاعات قياسية جديدة هو اعتمادها من قبل القطاع المالي التقليدي كبديل قوي للأسهم والسندات والعقارات والذهب. وقد أسهم ازدياد عدد "مليونيرات بيتكوين" في إثارة شهية كثيرين ممن يريدون اقتناص جزء من المكاسب، مما وضع مستشاري الاستثمار تحت ضغط متزايد لإتاحة فرصة التعرض لهذا الأصل الرقمي لعملائهم. وفي الوقت الحالي، باتت المؤسسات المالية الكبرى تطرح صناديق "بيتكوين" المتداولة في البورصة، مسوقة إياها كأداة تساعد المستثمرين على تنويع محافظهم الاستثمارية والتحوط من مخاطر التضخم. هذا التحول حظي بدعم الحكومة الأمريكية بفضل سلسلة من التشريعات أقرها الكونغرس بدفع مباشر من الرئيس الأمريكي المؤيد للعملات المشفرة دونالد ترمب. غير أن انفتاح القطاع المالي التقليدي على العملات الافتراضية يثير تساؤلات جوهرية، من بينها: كيف يمكن للمصرفيين التوصية بأصل لا يستند إلى قيمة جوهرية سوى ندرته (حتى الذهب يمكن تحويله إلى المجوهرات)؟ وإذا كان سعر "بتكوين" يقوم على مجرد أمل أن يشتريه المزيد من الناس، فماذا سيكون المصير حين تشتريها آخر مؤسسة مالية راغبة في اقتنائها؟ ما هي "بيتكوين"؟ تُعد "بيتكوين" وغيرها من العملات المشفرة رموزاً رقمية تعمل من خلال شبكة "بلوكتشين"، وهي بمثابة سجل رقمي يُستخدم لتوثيق المعاملات. ويُعتبر رمز "بيتكوين" المتداول اليوم هو العملة الرئيسية على شبكة "بلوكتشين" الخاصة بها. وتُعرف هذه الرموز بالعملات المشفرة لأنها تعتمد على تقنيات التشفير، إذ تُشفر بطريقة تجعل من التزوير، وهو التهديد الأكبر لأي عملة، أمراً مستحيلاً. ولهذا السبب، يمكن لهذه العملات الاحتفاظ بقيمتها من دون الحاجة إلى أي ضمان من جهة مركزية مثل الحكومات. وُضع المخطط الأساسي لعملة "بيتكوين" في ورقة بيضاء نُشرت عام 2008 على يد شخص أو مجموعة أشخاص استخدموا الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو، ولا تزال هويتهم الحقيقية مجهولة، رغم تعدد المحاولات لنسب الفكرة إليهم أو ادعاء الفضل في ابتكارها. ومع أن العملات الافتراضية لطالما استُخدمت في ألعاب الإنترنت الخيالية، فإن الفكرة الجوهرية التي تميز "بتكوين" كانت في تقنية "بلوكتشين"، وهو سجل إلكتروني علني وشبه مجهول، يُستخدم لتوثيق المعاملات باستخدام الرمز المشفر. تؤدي تقنية "بلوكتشين" الدور ذاته الذي يؤديه النظام المصرفي في حالة العملات التقليدية، حيث تتبع حركة الأموال بين الأطراف المختلفة، بما يضمن عدم إنفاق نفس المبلغ مرتين. ويمكن تنفيذ معاملات "بيتكوين" عبر مواقع إلكترونية أو تقينات توفر "محافظ" إلكترونية ترفع بيانات المعاملة إلى الشبكة (مع العلم أنها ليست آمنة دائماً). وتُجمع المعاملات الجديدة في دفعة، ثم تُبث إلى الشبكة للتحقق منها من قِبل ما يُعرف باسم "مُعدني بيتكوين". ما هو تعدين "بيتكوين"؟ يستطيع أي شخص أن يصبح من مُعدني "بيتكوين"، بشرط أن يمتلك حاسوباً فائق السرعة وكمية كبيرة من الكهرباء واستعداداً لحل الألغاز. إذ يتم تشفير بيانات المعاملات ضمن كل دفعة باستخدام خوارزمية لا يمكن فكها إلا من خلال عملية تخمين تعتمد على المحاولة والخطأ على نطاق واسع. وهنا، يُسخّر المُعدّنون قدرات حوسبة هائلة للتنافس على من يتمكن أولاً من حلها. وعندما يُتحقق من صحة الحل من قِبل مُعدّنين آخرين، تُضاف البيانات إلى سلسلة مترابطة من كتل البيانات، ويُكافأ المُعدن بإصدار جديد من عملة "بيتكوين". وتضم كل كتلة بيانات ترتبط بكتل سابقة، ما يجعل من أي محاولة لإنفاق نفس العملة مرتين أمراً يتطلب مراجعة عدد كبير من الروابط في السلسلة. وأثناء هذا التنافس، يتحقق المُعدنون من أعمال بعضهم البعض في كل خطوة تُتخذ. ما الذي يمنح "بيتكوين" قيمتها؟ لا يحصل مالكو "بيتكوين" على دخل أو عائد دوري كما هو الحال مع حاملي الأسهم أو السندات. وتنبع قيمة "بيتكوين" من كونها عملة محدودة العرض، إذ ينص بروتوكولها البرمجي على ألا يتجاوز عدد العملات المتداولة 21 مليون وحدة. وفوق ذلك، ينخفض معدل إصدار "بيتكوين" جديدة إلى النصف تقريباً كل أربع سنوات، ما يؤدي إلى تباطؤ نمو المعروض بمرور الوقت، بصرف النظر عن الطلب. ويرى مؤيدو "بيتكوين" أن هذه الندرة تجعل منها بديلاً جذاباً للعملات التقليدية، التي قد تفقد قيمتها عندما تطبع البنوك المركزية المزيد منها لتحفيز النمو الاقتصادي. وحتى الذهب، يمكن استخراج كميات إضافية منه وتنقيتها إذا أدى ارتفاع الطلب إلى زيادة الأسعار. يلجأ بعض العمال المهاجرين إلى استخدام "بيتكوين" كوسيلة لتحويل الأموال إلى عائلاتهم في بلدانهم، كما تُستخدم أيضاً في شراء سلع غير قانونية عبر الإنترنت المظلم، أو من قبل مجرمين يمارسون غسل الأموال (رغم أن هناك عملات مشفرة أخرى توفر مستويات أعلى من إخفاء الهوية مقارنة بـ"بيتكوين"). ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من مالكي "بيتكوين" اليوم ينظرون إليها كأصل يُحتفظ به، وليس كعملة تُستخدم في عمليات الشراء، كما أنهم يعتقدون أن ندرتها ستدفع سعرها نحو الارتفاع في المستقبل القريب. لماذا لا تُعد "بيتكوين" عملية كعملة؟ يمكن أن تكون تسوية المعاملات باستخدام "بيتكوين" بطيئة خلال فترات ازدحام شبكة "بلوكتشين" الخاصة بها. كما أن سعر "بتكوين" يتسم بتقلبات حادة، لذا يصعب التنبؤ بعدد التفاحات أو الأحذية أو سيارات لامبورغيني التي يمكنك شراؤها بها من أسبوع إلى آخر. وفي المقابل، لا تشهد العملات التقليدية مثل هذه التقلبات السعرية إلا في حالات الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية. ليس هناك سوى دولار أمريكي واحد فقط، لكن "بتكوين" عليها منافسة عملات مشفرة أخرى في المعاملات التجارية، مثل "إيثريوم" و"دوج كوين". كما أن ارتفاع رسوم الشبكة المرتبطة بـ"بيتكوين" يجعلها غير عملية في المدفوعات الصغيرة. ورغم أن حكومة السلفادور اعتمدت "بيتكوين" كعملة قانونية في عام 2021، إلا أن نسبة المعاملات التي تُسدد بها لا تتجاوز 4.9%، بحسب دراسة أُجريت في عام 2023. في المقابل، تُعتبر العملات المشفرة المستقرة خياراً أكثر ملاءمة للمدفوعات، لأنها تهدف إلى الحفاظ على قيمة مكافئة للعملات التقليدية، والتي عادةً ما تكون الدولار الأمريكي. ومع ذلك، لا تزال هذه العملات تُستخدم في الغالب من قبل مستثمري العملات المشفرة، كوسيلة للتنقل بين الرموز الرقمية والبورصات، أو للاحتفاظ بالأرباح دون تحويلها مجدداً إلى عملة ورقية. لماذا تُعد "بيتكوين" استثماراً جذاباً؟ إلى جانب ما تتمتع به من ندرة في المعروض، تُعد "بيتكوين" عملة ذات سيولة عالية، حيث يمكن شراؤها وبيعها عبر الحدود. كما لا يشترط امتلاك وحدة كاملة، التي تجاوز سعرها 119 ألف دولار اعتباراً من منتصف يوليو، إذ يمكن تقسيم كل وحدة وتداولها في شكل أجزاء. تستمد "بيتكوين" قيمتها اليوم من دورها المتصوّر كأداة تحوط كلية، وهذا يعني أنها أداة لتنويع المحافظ الاستثمارية لتقليل انكشافها على تقلبات الاقتصاد العالمي، والسياسات غير المتوقعة، والتضخم الذي قد يُضعف القوة الشرائية للعملات التقليدية. لماذا ارتفعت قيمة "بيتكوين" في عام 2025؟ باعتبارها العملة المشفررة الكبرى، تُعد "بيتكوين" مؤشراً على قوة سوق العملات المشفرة ككل. فقد شهدت العملة سلسلة من الانهيارات على مر السنين، كان أحدثها في عام 2022، عندما انهارت إحدى العملات المستقرة وتفككت منصة تداول العملات المشفرة "إف تي إكس" (FTX)، ما تسبب في موجة إفلاسات داخل القطاع. ودفعت هذه الأحداث بعض الحكومات المترددة إلى الاعتقاد بأن المخاطر المرتبطة بالعملات المشفرة تفوق بكثير أي فوائد محتملة من تبنيها. وفي نوفمبر 2022، وصف البنك المركزي الأوروبي في منشور على مدونته تعافي "بتكوين" الجزئي بعد الانهيار بأنه "نفس أخير مصطنع قبل دخولها طريق التلاشي". مع ذلك، انتعشت "بيتكوين" وبدأت تستقطب اهتماماً متزايداً من جانب بعض أكبر الفاعلين في القطاع المالي التقليدي. وبحلول مطلع عام 2024، سجلت العملة المشفرة مستويات قياسية جديدة، مدفوعة بتكهنات حول إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، المعروف بتأييده للعملات المشفرة، وحثه للكونجرس على سن تشريعات تُنظم القطاع بأسلوب شبيه لتنظيم الأصول التقليدية. وأدى فوز ترمب في انتخابات نوفمبر إلى دفع "بتكوين" لتسجيل أرقام قياسية جديدة. وفي 18 يوليو، وقع ترمب أول مشروع قانون فيدرالي لتنظيم العملات المستقرة، واصفاً هذه الخطوة بأنها "قفزة عملاقة لترسيخ الهيمنة الأميركية على التمويل العالمي وتقنيات التشفير". ماذا يعني تشريع ترمب للعملات المشفرة بالنسبة لـ"بيتكوين"؟ من خلال تصنيف بعض الأصول المستندة إلى تقنية "بلوكتشين" كـ"سلع رقمية"، سيساهم هذا التشريع في تقليل الغموض التنظيمي حول "بيتكوين" والعملات المشفرة الأخرى، مما يسهل على المؤسسات المالية اتخاذ قرارات بشأن الاستثمار في هذا القطاع. هذا التغيير قد يزيد من الطلب على "بيتكوين" ويوفر للعملاء مزيداً من الخيارات حول أماكن التداول. في السنوات الأخيرة، كانت هناك إجراءات إنفاذ ضد الشركات المشفرة التي تقدم أوراقاً مالية غير مسجلة. وبموجب "قانون الوضوح"، سيتم تقسيم الرقابة التنظيمية الأميركية على العملات المشفرة بشكل أكثر وضوحاً بين لجنة تداول السلع الآجلة وهيئة الأوراق المالية والبورصات، ما يعزز من ثقة الشركات بشأن وضعها التنظيمي عند تقديم العملات المشفرة لعملائها. يمكن أن تدعم قواعد أخرى، مثل وضع إطار قانوني للعملات المستقرة، "بيتكوين" أيضاً. إذا أصبحت العملات المستقرة أكثر انتشاراً، فقد يجد الناس سهولة في استخدام "بلوكتشين" للمدفوعات اليومية وتداول العملات المشفرة الأخرى. كما وعد ترمب بإنشاء احتياطي استراتيجي لعملة "بيتكوين"، ما قد يعزز الثقة في هذه الفئة من الأصول. من هم الداعمون الجدد لـ"بيتكوين"؟ بدأ بعض من أبرز اللاعبين في القطاع المالي العالمي بالاستثمار في "بيتكوين" اليوم. تقدم شركات إدارة الثروات مثل "بلاك روك" و"فيديلتي" صناديق مؤشرات متداولة مرتبطة بالعملة المشفرة، مما يسهل على المستثمرين متابعة تحركات سعر "بيتكوين" عبر المنصات التقليدية مثل بورصات الأسهم. اليوم، يُتداول ما يقارب 70 مليار دولار عبر صناديق "بيتكوين" المتداولة في الولايات المتحدة. في السنوات الأخيرة، دخلت بعض الشركات في مجال تقديم خدمات الحفظ أو التداول لـ"بيتكوين"، مثل "بي إن واي" (BNY) و"جولدمان ساكس" (Goldman Sachs) و"ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered). إضافة إلى ذلك، قامت شركات استثمارية مثل "توينتي ون كابيتال" (Twenty One Capital) المدعومة من مجموعة "سوفت بنك"، و"ترون" (Tron) التابعة لجاستن صن، و"استراتيجي" (Strategy) المملوكة لمايكل سايلور، بجمع الأسهم وديون قابلة للتحويل لشراء "بيتكوين" ورموز رقمية أخرى، ما أدى إلى ضخ هذه الأصول في أدوات مالية مدرجة بالفعل في بورصات الأسهم، مع مستويات متعددة من الهندسة المالية. لم تكن هذه هي النتيجة التي تصورها الليبراليون المناهضون للحكومة، الذين دعموا "بيتكوين" قبل أكثر من عقد كأداة لتحويل ميزان القوى في القطاع المالي لصالح الأفراد بدلاً من المؤسسات الكبرى. ومع ذلك، أصبحت "بيتكوين" الآن ضرورية لعدد متزايد من المستثمرين الذين يسعون لتنويع المخاطر (ويحرصون على ألا يفوتهم الارتفاع التالي في سوق العملات المشفرة). هل "بيتكوين" هي المستقبل من جديد؟ يأمل مؤيدو "بيتكوين" اليوم أن تُخفف قاعدتها المتزايدة من المؤسسات المالكة من تقلباتها الحادة، عبر دخولهم كمشترين طويلين الأجل في المرة القادمة التي يُصاب فيها المستثمرون الأفراد الأقل خبرة، والذين يتخذون قرارات سريعة، بالذعر ويضغطون على زر البيع. إن وجود مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من المستثمرين سيعزز السيولة ويقلل تأثير الصفقات الكبيرة على حركة الأسعار. كما أن المؤسسات المالية توفر أدوات لإدارة المخاطر واستراتيجيات التحوط التي تساهم في تهدئة تقلبات الأسعار. لكن من غير المعتاد أن تسُوق البنوك الكبرى لأصل معين بينما تُعبر في الوقت نفسه عن قلق كبير تجاهه. فقد وصف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورجان"، "بيتكوين" بأنها "احتيال مبالغ فيه"، قائلاً إنه سيغلق قطاع العملات المشفرة إذا كان بإمكانه ذلك. هذا العام، بدأ مصرفه في قبول صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة كضمانات للقروض. وقال ديمون في يوم المستثمرين الذي نظمته شركته في مايو إنه لا يزال "غير معجب" بعملة "بيتكوين". ومع تزايد اعتماد وول ستريت على "بيتكوين"، يصعب تجاهل التوتر بين الحماسة والقلق. فقد تحول ما كان يُعتبر سابقاً أصلاً مضارباً إلى جزء من محافظ التقاعد وخطوط الائتمان وأطر الضمانات للبنوك الكبرى. وإذا وقع انهيار آخر، مثل التصحيح الحاد الذي مرت به "بيتكوين" في 2022، فإن التداعيات لن تقتصر على الشركات المختصة بالعملات المشفرة والمستثمرين الأفراد المغامرين، بل قد تمتد إلى مؤسسات مثل صناديق التقاعد التي كانت في السابق بعيدة عن تقلبات العملة الرقمية. ربما يجد المستثمرون الماليون الذين يقررون التوسع في الاستثمار في "بيتكوين" وجعلها جزءاً كبيراً من محفظتهم أنها خطوة مكلفة، فقد أوصت لجنة بازل للرقابة المصرفية بأن العملات المشفرة مثل "بيتكوين" يجب أن تواجه ترجيحاً للمخاطر يصل إلى 1250% عند امتلاكها من قبل البنوك. وهذا يعني أن امتلاك "بيتكوين" سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة لهم، حيث سيتعين عليهم الاحتفاظ بمبالغ ضخمة من رأس المال لحماية أنفسهم من مخاطر الخسائر الفادحة.


الشرق للأعمال
منذ 2 ساعات
- الشرق للأعمال
النفط ينخفض مع تراجع التفاؤل بشأن اتفاقيات التجارة وارتفاع الدولار
انخفض سعر النفط مع ارتفاع قيمة الدولار وتراجع الثقة بأن الولايات المتحدة ستتوصل إلى اتفاقيات مع شركائها التجاريين الرئيسيين قبل الموعد النهائي الأسبوع المقبل. انخفض "خام غرب تكساس الوسيط" بأكثر من 1% ليستقر قرب 65 دولاراً للبرميل بعد أن صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن لدى الولايات المتحدة فرصة 50-50 لإبرام صفقة تجارية مع أوروبا، على عكس التفاؤل الذي أعرب عنه دبلوماسيو الكتلة هذا الأسبوع. كما صرّح ترمب بأن معظم معدلات الرسوم الجمركية قد استقرت تقريباً الآن. ويبلغ معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة أعلى مستوى له منذ قرن، وفقاً لبعض التقديرات، مما يُشكّل تهديداً محتملًا للطلب على الطاقة. وفي سياقٍ آخر، أشار ترمب إلى أنه لا يعتزم إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، مما عزز الدولار وجعل السلع المُسعّرة بالعملة أقل جاذبية. زيادة المعروض من النفط ظل النفط الخام في حالة استقرار هذا الشهر، ولكنه منخفض هذا العام مع زيادة المعروض من "أوبك+" التي تُفاقم المخاوف من تخمة وشيكة في المعروض. وستجتمع المجموعة في 3 أغسطس المقبل لاتخاذ قرار بشأن مستويات الإنتاج. يوم الخميس، مُنحت فنزويلا، إحدى الدول الأعضاء في منظمة أوبك، مهلة إنتاجية بموجب قرار أميركي بالسماح لشركة "شيفرون" باستئناف ضخ النفط في البلاد. وكتب محللون في مجموعة "ماكواري"، بمن فيهم فيكاس دويفيدي، في مذكرة: "نتوقع انخفاضاً تدريجياً في أسعار النفط الخام هذا الخريف، مدفوعاً بالتسارع المطرد في تراكم المخزونات، وضعف الأسواق الفعلية، وتراجع دعم هوامش أرباح المصافي، واستمرار انحسار مخاطر العرض الجيوسياسية".


أرقام
منذ 3 ساعات
- أرقام
ترمب: أفضل الدولار القوي.. لكن انخفاضه مفيد
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه لن يدعم أبداً ضُعف الدولار، مشيداً في الوقت نفسه بالفوائد الاقتصادية التي سيجلبها انخفاض قيمة العملة، لا سيما لقطاع التصنيع في البلاد، مما أرسل إشارات متباينة يوم الجمعة بشأن السياسة الأميركية. ترمب صرح للصحفيين رداً على أسئلة حول الدولار: "لن أقول أبداً إنني أحب العملة المنخفضة"، وأضاف: "أنا شخص يفضل الدولار القوي، لكن ضعفه يُدرّ عليك أموالًا طائلة". تأتي تعليقات ترمب في الوقت الذي يتكهن فيه مُتداولو العملات الأجنبية بأن إدارته تسعى بنشاط إلى إضعاف الدولار. انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري بنسبة 7.9% منذ 20 يناير، وحوالي 8.5% حتى الآن في عام 2025. ويُعدّ هذا الانخفاض بمثابة مقياس لمدى عدم ارتياح المستثمرين العالميين للأجندة الاقتصادية للإدارة، وخاصةً الرسوم الجمركية المرتفعة التي يفرضها ترمب على شركائه التجاريين. الدولار يتأثر بتقلبات سياسة الرسوم الجمركية كشف ترمب في البداية عن رسوم جمركية أعلى في أبريل، لكنه أوقفها لمدة 90 يوماً في أعقاب اضطرابات السوق، مما منح الدول وقتاً لإجراء مفاوضات. مع ذلك، لم يشهد ذلك الإطار الزمني سوى القليل من الصفقات، ومدد ترمب مجدداً الموعد النهائي للمحادثات إلى الأول من أغسطس، وأرسل رسائل إلى شركاء التجارة يحدد فيها معدلات الرسوم الجمركية التي ستُطبق في ذلك التاريخ. ووسط التقلبات في سياسات ترمب الجمركية، وحتى مع حصول الرئيس على صفقات إضافية قبل أغسطس، لم يتعاف الدولار. وقد أثار ذلك سردية "بيع أميركا" في الأسواق، متجاهلاً ما يراه المستثمرون لامبالاة واضحة من جانب الإدارة تجاه انخفاض قيمة الدولار. وقال ترمب يوم الجمعة، رداً على سؤال عما إذا كان قلقاً بشأن انخفاض العملة: "أنا شخص يُحب الدولار القوي"، مضيفاً "لم يُقلقني الأمر - لنضع الأمر على هذا النحو". وأضاف أيضاً أن الشركات المصنعة، بما في ذلك شركة "كاتربيلر"، قد استفادت. وقال: "عندما يكون لدينا دولار قوي، يحدث أمر واحد: يبدو الأمر جيداً، لكنك لا تُمارس أي سياحة. لا يمكنك بيع المصانع، ولا يمكنك بيع الشاحنات، ولا يمكنك بيع أي شيء". وزاد قائلاً: "هذا جيدٌ للتضخم، هذا كل ما في الأمر. وليس لدينا تضخم. لقد قضينا على التضخم".