
وكالة الصحافة الفرنسية تتحوّل رقمياً لمواجهة أزمتها
الإعلان فاجأ الجميع لأنه رفع النقاب عن الأزمة العميقة التي تجتازها الوكالة الفرنسية المرموقة. بعض العناوين الإخبارية وصفت الوضع المادي للوكالة بـ«النزيف المالي المتواصل»، وأخرى بـ«الوضع الحرج»، وكلها اتفقت على أن المؤسسة الإعلامية الرائدة تواجه تحديات مالية واستراتيجية مهمة بسبب المنافسة الشّرسة للمنصّات الرقمية، إضافة إلى التأخر الذي سجّلته في التكيف مع التطورات التقنية المتسارعة في القطاع الإعلامي.
الإيرادات في تراجع
أسست وكالة «آجانس فرنس برس» (أ.ف.ب) عام 1944 على أنقاض وكالة «هافاس» التاريخية، وعبر عقود من الزمن، نسجت شبكة واسعة من المكاتب والمراسلين امتدت عبر القارات الخمس، حيث تقدم الوكالة خدماتها بأكثر من عشرين لغة، وتغطي أحداث أكثر من 150 دولة حول العالم، ما جعلها مرجعاً إعلامياً موثوقاً لكبريات الصحف والمحطات التلفزيونية العالمية. غير أن هذا الإرث العريق يبدو اليوم أمام تحدٍ حقيقي يتطلب رؤية جديدة وحلولاً مبتكرة، لكون الأرقام الأخيرة التي أعلنت عنها إدارة الوكالة الإخبارية ترسم صورة قاتمة عن وضعها المالي، وهي تبّين أنها سجلت انخفاضاً في إيراداتها بنسبة 15 في المائة خلال العامين الماضيين. ففي حين بلغت عائداتها 330 مليون يورو عام 2022، تراجعت إلى 280 مليون يورو عام 2024.
أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو تسجيل الوكالة خسائر صافية قدرها 35 مليون يورو في العام الماضي، وهو ما يعكس التحول الجذري في نماذج الأعمال الإعلامية، والتراجع المستمر في الاستثمارات الإعلانية التقليدية.
تراجع النشاط بسبب المنافسة
الأزمة لا تقتصر على الجانب المالي فحسب؛ بل تمتد لتشمل تراجعاً ملحوظاً في قاعدة العملاء المشتركين في خدمات الوكالة، إذ انخفض عدد المشتركين بنسبة 22 في المائة خلال الفترة ذاتها، ويرجع هذا الأمر إلى ازدياد المنافسة من المنصّات الرقمية الناشئة التي تقدّم خدمات مماثلة بتكلفة أقل وسرعة أكبر. وأدت الضغوط المالية إلى اتخاذ إجراءات تقشّفية قاسية، حيث جرى تسريح 180 موظفاً من مختلف الأقسام، وهو ما يعادل 8 في المائة من إجمالي القوى العاملة بالوكالة.
أيضاً، شهدت الوكالة إغلاق 12 مكتباً إقليمياً في مختلف أنحاء العالم، ما أثر سلباً على قدرتها على تغطية الأحداث المحلية والإقليمية بالعمق المطلوب. إضافة إلى ذلك، تراجعت الاستثمارات في التكنولوجيا والتطوير بنسبة 30 في المائة، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام قدرة الوكالة على مواكبة التطوّرات التقنيّة المتسارعة في القطاع الإعلامي. وفي موضوع بعنوان «من 12 إلى 14 مليون يورو إلى 2025 و2026... لماذا أعلنت (فرنس برس) عن خطّة تقشفية طارئة؟»، نقلت مجلة «شالنج» الاقتصادية شهادة المدير التنفيذي للوكالة، فابريس فرايز، الذي قال إن «الوضع المادي قد يستمر في التدهور، لأن الوكالة فقدت أهم زبائنها كإذاعة (فويس أوف أميركا) التي قطع عنها الرئيس دونالد ترمب التمويل، إضافة إلى منصّة (ميتا) التي أنهت تعاقدها مع الوكالة ضمن برنامج (التحقق من الأخبار الزائفة) أو (الفاست شيكينغ)...». والأمر المؤسف، كما يشرح المدير التنفيذي للمجلة، أنه لا يوجد أمل في أي مساعدة حكومية، علماً بأن الوكالة كانت قد استفادت من دعم حكومي وصل إلى 118 مليون يورو عام 2024.
شعار الوكالة داخل أحد المكاتب (آ ف ب)
تحولات بنيوية عميقة
تعود جذور أزمة «أ.ف.ب» إلى التحولات العميقة في النظام الإعلامي العالمي، إذ أدى ظهور المنصّات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير جذري في طريقة استهلاك الأخبار، حيث بات الجمهور يفضل الحصول على المعلومات مجاناً، وبشكل فوري عبر الإنترنت.
كذلك لعبت التطورات التقنية المتسارعة، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي، دوراً بارزاً في تفاقم الأزمة، فقد أصبح بعض المؤسسات الإعلامية يعتمد على الخوارزميات في إنتاج المحتوى، الأمر الذي قلل من الحاجة إلى الخدمات التقليدية لوكالات الأنباء. ويضاف إلى كل ذلك، أن التأخر في التكيف مع هذه التطورات وضعف الاستثمار في التقنيات الحديثة، جعلا الوكالة تفقد جزءاً كبيراً من قدرتها التنافسية.
رؤى مستقبلية لتجاوز المحنة
من أجل تجاوز هذه الأزمة، أعلنت إدارة «أ.ف.ب» تبنيها خطة طموحة للتحوّل الرقمي بقيمة 150 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات. وتركّز هذه الخطة الشاملة على تطوير منصّات رقمية متقدمة تواكب أحدث التقنيات، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة الأخبار وتحليلها، وتحسين تجربة المستخدم عبر التطبيقات المحمولة.
وبجانب ذلك، تسعى الوكالة إلى تنويع مصادر دخلها من خلال تطوير خدمات جديدة ومبتكرة تتجاوز النموذج التقليدي لوكالات الأنباء، بحيث تشمل التحليلات الإعلامية المتخصّصة، والمحتوى المخصص للشركات والمؤسسات، والخدمات الاستشارية في مجال الاتصال والإعلام. وهي أيضاً تعمل على تطوير منصّات تدريبية متخصّصة في الصحافة الرقمية، وخدمات التحقّق من المعلومات والأخبار الزائفة، التي باتت تشهد طلباً مزداداً في العصر الرقمي.
وكذلك تخطط الوكالة راهناً لإبرام شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا ومنصّات التواصل الاجتماعي، بهدف توسيع نطاق توزيع محتواها، والوصول إلى جماهير جديدة، وتعزيز حضورها في الأسواق الناشئة، وبخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، حيث تتوقّع نمواً كبيراً في الطلب على المحتوى الإعلامي المهني والموثوق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 2 دقائق
- أرقام
المستشار الألماني: قرارات وشيكة في المحادثات التجارية بين بروكسل وواشنطن
تحدّث المستشار الألماني فريدريش ميرتس الأربعاء عن "قرارات" قد تكون وشيكة في المحادثات التجارية الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق قبل الأول من آب/أغسطس، موعد انقضاء مهلة حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال ميرتس لدى استقباله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في برلين "تبلّغنا في هذه اللحظة بأنّ قرارات قد تُتّخذ". وأوردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقلا عن ثلاثة مصادر قريبة من المفاوضات إنّ الأوروبيين والأميركيين على وشك إبرام اتفاق تجاري يلحظ فرض رسوم جمركية بنسبة 15 بالمئة على الواردات الأوروبية، مماثل للاتفاق الذي أبرمه ترامب مع اليابان. وقال ماكرون وبجانبه ميرتس "لقد كنا على اتصال دائم (...) مع زملائنا الأوروبيين الآخرين ومع رئيسة المفوضية الأوروبية لمتابعة وتحفيز وتنسيق ردّنا اليوم على الحرب التجارية". وشدّد ماكرون على وجود إرادة مشتركة "لإرساء استقرار والحصول على أدنى التعرفات الممكنة" وأيضا ضمان "احترامنا بصفتنا شركاء". ومن المقرّر أن يجري كبير المفاوضين التجاريين في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش محادثات الأربعاء مع نظيره الأميركي هاورد لوتنيك. وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أولوف جيل إنّ "الأولوية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي هي التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع الولايات المتحدة"، قبل الأول من آب/أغسطس، موعد انقضاء المهلة التي حدّدتها الإدارة الأميركية.


أرقام
منذ 16 دقائق
- أرقام
إس آند بي 500 يسجل مستوى قياسياً جديداً.. وداو جونز يُغلق أعلى 45 ألف نقطة
قفز مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.14% أو ما يعادل 507 نقاط إلى 45010 نقاط عند الإغلاق. وزاد "إس آند بي 500" الأوسع نطاقاً بنسبة 0.78% أو 49 نقطة إلى 6358 نقطة، ليسجل مستوى قياسياً جديداً بفضل سلسلة مكاسب استمرت للجلسة الثامنة على التوالي، وارتفع مؤشر "ناسداك المركب" بنسبة 0.61% أو 127 نقطة إلى 21020 نقطة. وفي أوروبا، ارتفع مؤشر "ستوكس يوروب 600" بنسبة 1.10% إلى 550 نقطة، مع أداء إيجابي في البورصات الرئيسية. وارتفع مؤشر "داكس" الألماني بنسبة 0.85% إلى 24240 نقطة، و"كاك" الفرنسي 1.35% إلى 7850 نقطة، و"فوتسي" البريطاني بنسبة 0.40% إلى مستوى إغلاق قياسي جديد عند 9061 نقطة. وعلى صعيد اليابان، صعد مؤشر "نيكي 225" بنسبة 3.5% عند 41171 نقطة، بعدما لامس 41342 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ جلسة 17 يوليو الماضي، فيما قفز نظيره الأوسع نطاقاً "توبكس" بنسبة 3.2% إلى 2926 نقطة.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
40 % من طاقة الاتحاد الأوروبي من الإيثيلين معرضة للإغلاقصناعة البتروكيميائيات الأوروبية تصارع «سنوات من الخسائر»
تصارع صناعة البتروكيميائيات الأوروبية من أجل البقاء والصمود في ظل موجة من إغلاق المصانع بعد سنوات من الخسائر والتوسع السريع في الطاقة الإنتاجية العالمية بقيادة الصين. أدت تكاليف الإنتاج المرتفعة وتقادم المصانع، إلى معاناة المنتجين الأوروبيين، مما زاد من اعتماد المنطقة على واردات المواد الكيميائية الأولية مثل الإيثيلين والبروبيلين، وهي المواد الأساسية للبلاستيك والأدوية وعدد لا يحصى من السلع الصناعية. وقال جيم راتكليف، مؤسس شركة إنيوس، رابع أكبر منتج للكيميائيات في العالم: "بينما يبني بقية العالم أكثر من 20 وحدة تكسير جديدة، تتجه أوروبا نحو التدهور الصناعي دون وعي". وانتقد، إلى جانب قادة آخرين في الصناعة، غياب العمل السياسي. استجابت المفوضية الأوروبية هذا الشهر بتعهدٍ بدعم الإنتاج المحلي للمواد الكيميائية التي تُعتبر استراتيجية لصناعاتها، مثل الإيثيلين والبروبيلين. وتخطط لتوسيع نطاق المساعدات الحكومية لتحديث المصانع، وإلزام المناقصات العامة بإعطاء الأولوية للسلع المصنعة في أوروبا - على غرار تشريع الاتحاد الأوروبي لعام 2023 للمعادن. لكن قد يكون هذا القرار متأخرًا جدًا لتصحيح الضرر. وقال جوزيبي ريتشي، رئيس التحول الصناعي في مجموعة الطاقة الإيطالية إيني: "الأمر أشبه بالتواجد على متن سفينة تايتانيك - لا يمكنك البقاء في حالة إنكار. وعليك أن تبحث عن قارب نجاة". وأعلن ريتشي أن شركة فيرساليس الكيميائية التابعة لإيني، تكبدت خسائر تجاوزت 3 مليارات يورو (3.5 مليارات دولار) في السنوات الخمس الماضية، حيث أغلقت الشركة آخر محطتين للتكسير البخاري في إيطاليا، واستثمرت ملياري يورو في مصافي التكرير الحيوية وإعادة تدوير المواد الكيميائية. كما تُغلق أو تُراجع مجموعات عالمية أخرى، مثل داو، وإكسون موبيل، وتوتال إنرجيز، وشل أصولها الكيميائية الأوروبية. وتستهدف معظم عمليات الإغلاق المُخطط لها وحدات التكسير، وهي وحدات تُحوّل الهيدروكربونات إلى إيثيلين أو بروبيلين أو مواد كيميائية أولية أخرى. وأفادت وثيقة صادرة عن ثماني دول في الاتحاد الأوروبي بشأن البتروكيماويات في مارس، أن 50 ألف وظيفة قد تكون مُعرّضة للخطر بسبب الإغلاق المُحتمل لمزيد من وحدات التكسير في أوروبا بحلول عام 2035. بينما أبرمت شركة شيفرون صفقة استحواذها على شركة هيس بقيمة 55 مليار دولار يوم الجمعة، مما أتاح لشركة الطاقة العملاقة الوصول إلى أكبر اكتشاف نفطي منذ عقود. وتظل مصانع الاتحاد الأوروبي في معظمها صغيرة ومتوسطة الحجم، وتعمل بمعدل تشغيل متوسط أقل من 80%، وهو مستوى يُعتبر غير اقتصادي. ووفقًا لشركة وود ماكنزي الاستشارية، فإن ما يصل إلى 40% من طاقة إنتاج الإيثيلين في الاتحاد الأوروبي - والتي تبلغ 24.5 مليون طن متري - معرضة لخطر الإغلاق المرتفع أو المتوسط، بما في ذلك عمليات الإغلاق المُعلن عنها منذ أواخر عام 2024. وقال روبرت جيلفيلان، رئيس أسواق البلاستيك وإعادة التدوير في وود ماكنزي: "إن نسبة مصانع التكسير الأوروبية المعرضة للخطر أعلى بكثير من مثيلاتها في المناطق الأخرى". وبينما تستخدم المصانع الأوروبية القديمة النافثا كمادة خام، تستخدم الولايات المتحدة والشرق الأوسط مواد خام أرخص مثل الإيثان - وهو ناتج ثانوي للغاز الصخري. وستنمو طاقة إنتاج الإيثيلين في أمريكا الشمالية إلى 58 مليون طن متري بحلول عام 2030 من 54 مليون طن متري حاليًا، وفقًا لشركة إيه دي آي إنلتيكس الاستشارية. في غضون ذلك، ستضيف الصين 6.5% إلى طاقتها الإنتاجية من الإيثيلين سنويًا بين عامي 2025 و2030، حيث ستنتج ما يقرب من 87 مليون طن متري من الإيثيلين سنويًا، وفقًا لما صرّح به هوانغ ينغو، الرئيس التنفيذي للمركز الوطني الصيني لمعلومات المواد الكيميائية. يُمثّل هذا أكثر من ثلاثة أضعاف الطاقة الإنتاجية الحالية للاتحاد الأوروبي. كما يُنشئ المنتجون الصينيون مراكز إنتاج في جنوب شرق آسيا للتصدير إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، متجاوزين بذلك ضرائب الكربون والتعريفات الجمركية الغربية على السلع المصنعة في الصين. وذكرت هيئات صناعة البتروكيميائيات في البلدين في تقاريرها الصادرة في مايو أن الشركات اليابانية والكورية الجنوبية، غير القادرة على المنافسة، أبقت معدلات الاستخدام منخفضة منذ عام 2023. ويواجه صانعو السياسات الأوروبيون الآن خيارًا صعبًا، إما التدخل بشكل حاسم أو مشاهدة العمود الفقري الكيميائي للقارة يتآكل. وفي وثيقتها الصادرة في مارس، دعت دول، منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إلى إصدار "قانون المواد الكيميائية الحرجة"، حيث تُظهر أحدث بيانات الاتحاد الأوروبي أن المنطقة كانت مستوردًا صافيًا للإيثيلين والبروبيلين سنويًا في الفترة 2019-2023. وقال ستيفان سيجورني، مفوض الصناعة في الاتحاد الأوروبي، بأن بروكسل ستحدد الإمدادات الاستراتيجية ومواقع الإنتاج. وقال للصحفيين هذا الشهر: "أولًا وقبل كل شيء، يتعلق الأمر بالسيادة - الحفاظ على وحدات التكسير البخارية لدينا". لكن السيادة لها ثمن. فمعظم وحدات التكسير الأوروبية يزيد عمرها عن 40 عامًا، مقارنةً بـ11 عامًا فقط في الصين، وفقًا لمحلل سيتي سيباستيان ساتز. وتبلغ تكلفة إنتاج الإيثيلين في أوروبا باستخدام النافثا 800 دولار للطن المتري، مقابل أقل من 400 دولار للطن المتري في الولايات المتحدة عند استخدام الإيثان، وحوالي 200 دولار للطن المتري في الشرق الأوسط عند استخدام الإيثان، وفقًا لما ذكرته شركة إيني في عرض تقديمي نُشر في مارس. في حين تراهن بعض الشركات بشدة على البقاء، حيث تقوم شركة إنيوس، التي تُشغّل أكثر منشآت البتروكيميائيات تطورًا في أوروبا، ومقرها كولونيا، ببناء وحدة تكسير إيثان بقيمة 4 مليارات يورو في أنتويرب - وهي أول وحدة تكسير جديدة في أوروبا منذ ما يقرب من 30 عامًا، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.45 مليون طن متري سنويًا من الإيثيلين. يهدف المصنع، المقرر تشغيله في عام 2026، إلى منافسة الإنتاج الصيني وتلبية الطلب المحلي ببصمة كربونية أقل. في الشرق الأوسط، تُسهم عمليات الدمج في ظهور عمالقة عالميين جدد. وسيؤدي اندماج بقيمة 60 مليار دولار بين شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وشركة أو ام في النمساوية، إلى تشكيل مجموعة بروج، رابع أكبر منتج للبولي أوليفينات في العالم. وتخطط الشركة لتصدير البوليمرات إلى أوروبا، مُنافسةً بذلك الشركات الأمريكية والآسيوية مباشرة. ويقول المحللون إن إنتاج البتروكيميائيات في أوروبا لن يختفي تمامًا، بل سيصبح حكرًا على عدد قليل من اللاعبين المهيمنين. وقال إنزو باجلييري، أستاذ العمليات والتكنولوجيا في كلية اس دس إيه، في ميلانو: "لن تستمر في إنتاج الإيثيلين سوى الشركات الأوروبية الكبرى التي تتمتع بحصة سوقية تُمكّنها من تحديد أسعار تنافسية". وتُعيد موجة من إغلاقات وتصفية الأصول تشكيل قطاع البتروكيميائيات العالمي، حيث تُعيد الشركات حول العالم النظر في مدى انكشافها على الأسواق في ظل تكيفها مع زيادة الطاقة الإنتاجية في الصين وارتفاع التكاليف في أوروبا. يُعتبر الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررًا من عملية الترشيد، بينما تُعتبر الولايات المتحدة والشرق الأوسط بمنأى نسبيًا عن هذه العملية. كما يُخفّض مُصنّعو البتروكيماويات في آسيا طاقتهم الإنتاجية، ولكن بوتيرة أبطأ مقارنةً بالاتحاد الأوروبي. وتضم قائمة ببعض عمليات الإغلاق الرئيسية وعمليات التخارج ومراجعة المحافظ الاستثمارية، شركة ليونديل باسل، ومقرها الولايات المتحدة، التي أعلنت في يونيو أنها بدأت محادثات حصرية لبيع أربعة مصانع للأوليفينات والبولي أوليفينات في أوروبا لشركة الاستثمار ايكويتا ومقرها ميونيخ. تقع المواقع المُراد بيعها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا. كما أعلنت الشركة أنها تُقيّم خياراتها لمصانعها في هولندا وإيطاليا. من جهتها، أعلنت شركة إكسون موبيل الأمريكية العملاقة للنفط، في العام الماضي، أنها ستغلق وحدة التكسير البخاري وستوقف إنتاج المواد الكيميائية في غرافينشون بفرنسا، مضيفة أن الموقع خسر أكثر من 500 مليون يورو (582.75 مليون دولار) منذ عام 2018، ولا يزال غير قادر على المنافسة. في نفس المنحى، أعلنت شركة بريتش بتروليوم، في فبراير أنها تبحث عن مشترين محتملين لمصفاة رور أويل، ووحدة التكسير، وأصولها في قطاع المصب في غيلسنكيرشن بألمانيا. فيما أبرمت شركة شيفرون صفقة استحواذها على شركة هيس بقيمة 55 مليار دولار يوم الجمعة، مما أتاح لشركة الطاقة العملاقة الوصول إلى أكبر اكتشاف نفطي منذ عقود. وأعلنت شركة توتال إنرجيز الفرنسية العملاقة للنفط في أبريل أنها ستغلق أقدم وحدة تكسير بخاري لديها في أنتويرب، بلجيكا، بحلول نهاية عام 2027، مشيرةً إلى "فائض كبير متوقع من الإيثيلين في أوروبا". بينما أعلنت شركة إينيوس، أكبر شركة تكرير نفط في اليابان، في فبراير أنها ستدرس إيقافًا جزئيًا لمنشأة إنتاج الإيثيلين في مصفاة كاواساكي التابعة لها بنهاية عام 2027 بسبب انخفاض الطلب. وفي مارس، أعلنت أنها ستوقف تدريجيًا إنتاج زيوت التشحيم وبعض المنتجات البترولية في مصنعها في يوكوهاما بالقرب من طوكيو بحلول مارس 2028، لكنها ستدرس نقل إنتاج زيوت التشحيم إلى منشآت أخرى.