
عندما يحكم البلطجية العالم
هناك شخصان أفرزتهما الأوضاع الراهنة ليصبحا الأكثر خطورة من البقية، وكلاهما يتصرف على نقيض ما تقتضيه فلسفة القانون الدولي. الأول بلا منازع نتنياهو. بلطجي يقود كياناً متمرّداً على الجميع، لا يعترف بوجود ضوابط، ولا يتقيد بتشريعات، ولا يلتزم عهوداً. مهمّته إشعال الحروب، والكذب على الجميع، وفعل كل ما هو محرّم من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن. الثاني دونالد ترامب، الذي مكّنه العجز والخواء السياسي من أن يعود إلى الإمساك بمقود أقوى دولة. وبما أنه مصابٌ بداء العظمة، فإن قيادته يغلب عليها سلوك جنوني، ما أحدث حالة من الفوضى، وأربك الجميع في كل مكان. حتى حلفاء أميركا التاريخيون أصابهم الذعر والارتباك، فترامب لا يشكل فقط خطراً على أميركا، بل أيضاً على الجميع مهما كانت أحجامهم. هو يعتمد أسلوب القوة لفرض سياساته، ويتعامل بفوقيةٍ رهيبةٍ ومقيتةٍ، مثلما حصل مع خمسة رؤساء أفارقة دُعوا بسرعة لإهانتهم في دقائق، حيث أُشرِكوا في مسرحية تنكّرية ركيكة ومقزّزة.
لم ينجح ترامب في معالجة أي مشكل، وهو الذي يرى في نفسه "منقذ العالم"، إذ خلافاً لشعاراتٍ روّجها، شارك بوعي في حرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، وتعامل مع قضيته المقدّسة بطريقة فظيعة وغير مسؤولة. حتى الملف السوري عجز عن معالجته بجدّية. وبدل أن يدرك أهمية الشام ومكانة سورية وتعقّد وضعها الداخلي، سلّم الملف السوري للثعبان نتنياهو، الذي ناور الجميع، واستغل الفرصة المتاحة ليعمل على تقسيم البلد، ومنعه من استعادة دولته ووحدته الترابية والسياسية من خلال التدخل في شؤونه، واستثمار تناقضاته الداخلية، وهو يعمل حالياً على تفكيك البلد بفضل تفوقه الجوي.
وكلما اختلفت واحدةٌ من دول الطوق مع الماسكين بالسلطة في تل أبيب، حرّكوا جيشهم لفرض الوصاية على البقية. وبعد أن كان نتنياهو حريصاً على كسب ود السعودية باعتبارها الدولة الأكثر وزناً في الخليج، غيّر أسلوبه معها بعد أن تضاعف لديه الشعور بالقوة والتحدّي والغرور، من دون أن يلقى اعتراضاً جدّياً من الرئيس الأميركي الذي شعر بالسعادة وهو يتسلم ورقة ترشيحه لجائزة نوبل للسلام من مجرم حرب متهم بالإبادة الجماعية. ... ما يجري من مهازل التاريخ.
نعيش مرحلة تجفيف الإنسانية من كل نوازع الخير فيها. هذا ليس خطاباً بلاغياً يساق في حالة ضعف وعجز. إنه محاولة غوص لفهم طبيعة ما يجري حولنا من سعي حثيث لتركيع الأمة وتغيير خرائط الجغرافيا. وهو ما يحيلنا على كتاب "صناعة الوحوش... كيف يجرّد البشر من إنسانيتهم" للأميركي ديفيد ل. سميث، وصدر أخيراً بالعربية بترجمة سلمى الحافي. يقول المؤلف: "مفهومي عن التجريد من الإنسانية بسيط. نجرّد الآخرين من إنسانيتهم عندما ننظر إليهم باعتبارهم مخلوقاتٍ دون بشرية". وهذا لا يفسر فقط ظاهرة القتل العشوائي بدم بارد للأطفال والنساء في غزّة على سبيل المثال، لكنه يعرّي أيضاً الطريقة التي تدار بها شؤون الدول والشعوب في غياب القيم والأخلاق، فإن لم تكن قوياً تُدَس، وإن لم تكن غنياً تُستغل وتُسحق في عالم يسوده المفترسون الذين يحيلونه إلى غابة بلا قانون ولا حدود، فالليبرالية المتوحشة لا تكتفي هذه المرّة باستغلال البؤساء، بل تحاول أن تجرف في طريقها كل شيء جميل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
مكافحة الإرهاب أم دعمه ورعايته؟
بينما ظهرت موجة تفاؤل سبقت اللقاء الثالث بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في البيت الأبيض على خلفية تصريحات للأخير، شدّد فيها على وجوب إنهاء الحرب في غزّة، وعلى الاستعداد للضغط على نتنياهو، فإن هذا التفاؤل لم يلبث أن تراجع، إذ لم تطابق النتائج المقدّمات والتوقّعات، وما حدث أن نتنياهو قلّل من مماطلته وتهرّبه، وعاد بعض الزخم إلى التفاوض غير المباشر بين حركة حماس وحكومته برعاية الوسطاء الثلاثة. لنلاحظ في هذه الفترة (يوليو/ تموز الجاري)، أن الأنباء من غزّة تزايدت عن مُجوَّعين سقطوا، إمّا من الجوع الشديد المصحوب بإعياء تام (المسغبة)، أو برصاص الجنود الإسرائيليين، أو برصاص مرتزقة ما سُمّيت "مؤسّسة غزّة الإنسانية"، وهم مجموعة من القتلة الأميركيين ومتعدّدي الجنسيات، يعملون بإشراف حكومة نتنياهو. وقد اشتدّت ظاهرة التجويع منذ مطلع العام الحالي (2025)، وتزامنت مع استبشار أركان حكومة نتنياهو بعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وبينما يطلق المبعوث ستيف ويتكوف، منذ ما لا يقل عن عشرين أسبوعاً، تصريحات متكرّرة عن جهود مستمرّة لإنجاح المفاوضات، فإن الحرب في الأثناء تستمرّ بوتيرة خاصّة، فهي تركّز في المدنيين العزّل المنكوبين في الخيام أو مراكز الإيواء، مرفوقةً بتضييق الحصار، ومنع المساعدات الخارجية عبر بوابة رفح. لا يلاحظ الرئيس ترامب، ولا مبعوثه ويتكوف، أن حرب نتنياهو تركّز في الأطفال والنساء، ويبدي أركان هذه الإدارة حرصاً تاماً (وحرفياً) على عدم إبداء أيّ تعاطف مع الضحايا وذويهم، ممّن يسقطون بالعشرات يومياً، وقد حدث أن وصف ترامب الحرب بأنها وحشية، من دون أن يحدّد من هم الوحوش ومن هم الضحايا. ومن دون أن تبدُر عن إدارته أيّ دعوة علنية لنتنياهو وجنرالاته إلى الكفّ عن قتل المدنيين، فما شأن قتل الأطفال والنساء والعائلات بالجملة وبوحشية مفرطة في الحرب "بين إسرائيل وحماس"؟ واقع الحال أن لا علاقة لهذه الجرائم المقزّزة بالحرب، فهي وقائع قائمة بذاتها، وذات أهداف مستقلّة ترمي (في القرن الحادي والعشرين) إلى محو الكتلة البشرية في غزّة، ومن السخف الشديد، واللؤم الأشدّ، تصويرها ضغطاً عسكرياً، فاستهداف المدنيين ليس نشاطاً عسكرياً، بل هو نشاط إرهابي بغيض، يستحقّ مرتكبوه سوقهم إلى العدالة، كما حدث من قبل مع مرتكبي الجرائم في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو في البلقان في أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة. اقترفت إدارة ترامب خطيئةً علنيةً بسماحها لما تسمّى "مؤسّسة غزّة الإنسانية" باحتكار توزيع المساعدات وقد اقترفت إدارة ترامب خطيئةً علنيةً بسماحها لما تسمّى "مؤسّسة غزّة الإنسانية" باحتكار توزيع المساعدات، إذ يترافق هذا التوزيع مع اقتراف مرتزقة هذه المؤسّسة جرائم قتل يومية، بالتعاون والتنسيق مع جيش الاحتلال. وزادت إدارة ترامب الموقف سوءاً حين وجّهت عقوبات غاشمة إلى المحامية الإيطالية، المبعوثة الخاصّة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز، لأنها واظبت على كشف جرائم الاحتلال وتوثيقها، وكأنّ واشنطن مصمّمة على نيل "شرف" المشاركة في حرب الإبادة، وبهذا تنتقل من سياسة مكافحة الإرهاب إلى دعمه ورعايته. قد تتعثر المفاوضات ويتأخّر التوصل إلى وقف إطلاق النار، لكن لماذا المواظبة على قتل الأطفال والنساء والعائلات بصورة يومية وروتينية؟ ولماذا لا تتّخذ أميركا والصين وروسيا ما يلزم من إجراءاتٍ لوقف هذه الفظائع؟... يوم الأربعاء الماضي، أصدر الوسيط غير الرسمي بين "حماس" والإدارة الأميركية، وهو الأميركي الفلسطيني بشارة بحبح، بياناً أخذ فيه على "حماس" تأخّرها في الردّ على مقترحات جديدة، واعتبر ذلك غير مبرّر، وأنه يكلّف الشعب الفلسطيني عشرات الضحايا كلّ يوم. ويجد المرء نفسه متفقاً مع بحبح بأن "حماس" تتباطأ أحياناً في الردّ على الوسطاء، وهو بطء غير مبرّر ومرفوض، وأنه يتعيّن الضغط على الطرفين، حركة حماس وحكومة نتنياهو، للمسارعة إلى وقف الحرب، ولكن ما علاقة ذلك كلّه بأن يتمتّع نتنياهو ووزراؤه وجنرالاته بارتكاب مجازر يومية، ومنع الكميّات الكُبرى من الطعام والماء والدواء من الوصول إلى سكّان غزّة؟ وقد شاءت ربّما المصادفات أن تلقّت "حماس" ملاحظات بحبح، فسارعت في اليوم نفسه (قبل ثلاثة أيام) بتسليم ردّها إلى الوسطاء. وقد تنجح جهود ويتكوف وبحبح وجهود الوسطاء هذه المرّة، وقد تخيب كما تفيد خبرة الفترة الدامية الطويلة الماضية. ولكن، ما العلاقة بين مواصلة محتملة للمواجهة المسلّحة بين إسرائيل و"حماس" وبين إبادة البشر التي ينشط بها الاحتلال؟ وصف ترامب الحرب في غزّة بأنها وحشية، من دون أن يحدّد الوحوش والضحايا لقد دمج نتنياهو بين حربه على غزّة و"حماس" وحربه القذرة على الأطفال والمسنيّن والمرضى والنساء والعائلات، فكيف يمكن للضمير الإنساني والسياسي وكيف يمكن لبشر أسوياء طبيعيين أن يرتضوا هذا الدمج الصفيق، وأن يتعاموا عنه، وتؤدّي واشنطن الدور الرئيس في التعمية والتعتيم على هذا الإرهاب، وصرف الأنظار عنه، ثمّ الحفاوة في واشنطن بمجرمي حرب مطلوبين للعدالة الدولية، فيما تُرهب ناشطة محترمة في مجال حقوق الإنسان لأنها كشفت (بالوقائع والحقائق والأرقام) طبيعة الحرب الدائرة، التي تمثّل بحقّ وصمة عار على جبين صانعي السياسة الدولية. من مصلحة أميركا التطهّر من هذا العار ووقف هذه الحرب الغاشمة، والتكفير عن الدعم السخي الذي يتلقّاه عتاة السفّاحين من واشنطن، كما من مصلحة بقية دول مجلس الأمن وضع حدّ لهذه الوحشية المقزّزة التي طال أمدها واتّسع نطاقها وتضاعف عدد ضحاياها، وإلا فليكفَّ الجميع عن ادّعاءاتهم بالتمدّن والانتماء إلى عالم واحد وعائلة بشرية واحدة، وليعلنوا أنهم لم يقطعوا روابطهم مع إرث حروب الإبادة ضدّ السكّان الأصليين، وقد ذهب ضحيتها عشرات الملايين من الأبرياء، ومع إرث حروب المستعمرات وحروب الرقيق والتطهير السياسي والأيديولوجي، وهذا السجلّ الأسود كلّه ممّا يندى له الجبين.


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
لعنة غزّة تطاردهم
بينما تزايدت الآمال الحذرة في الأيام القليلة الماضية بقرب التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة، بعد أن حسم الرئيس دونالد ترامب أمره، ومارس ضغوطاً على ضيفه بنيامين نتنياهو، جعلت هذا الأخير يغيّر نبرته، ويعلن استعداد حكومته لتوقيع اتفاقٍ قريباً، فإن هذه الآمال المشروعة لم تحجب أصواتاً لشخصيات دولية ناقدة لسلوك كلٍّ من نتنياهو وترامب، الذي أدّى إلى إطالة الحرب، وفق نهج التطهير العرقي، وإزهاق آلاف الأرواح البريئة، مع محاولات محمومة لا تتوقّف من واشنطن وتل أبيب، لمصادرة الاعتراضات وشيطنتها، وإظهار أن من الطبيعي في زماننا وعصرنا أن تنفجر حرب إبادة، بينما من الشذوذ والنشاز أن يندلع السخط على هذه الوحشية. كان نتنياهو قد استغلّ زيارته واشنطن، فأهدى مضيفه الرئيس ترامب رسالة ترشيح إسرائيلية لسيّد البيت الأبيض لنيل جائزة نوبل للسلام، فالترشيح صادر من جهة والغة في سفك الدماء، وغير مؤهّلة لمثل هذه التزكية، غير أن مسؤولاً دولياً غادر منصبه الرفيع قبل أشهر، ممثّلاً أعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وهو جوزيب بوريل، غرّد في المناسبة: "مجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية (نتنياهو) يقترح منح جائزة نوبل للسلام لأكبر مورّد أسلحة (ترامب)، والذي يتسبّب من خلالها في أكبر تطهير عرقي في المنطقة". لم يبدر للحقّ أيّ تعليق أو ردّة فعل من ترامب على سخاء نتنياهو، الذي يؤدّي إلى نتيجة معاكسة للادّعاءات بتقليل فرص ترامب (الضئيلة أصلاً) للحصول على هذه الجائزة الرفيعة، علماً أن صحيفة هآرتس كانت كشفت في اليوم نفسه (الثلاثاء الماضي) وثائقَ أميركيةً تفيد بأن واشنطن تُنفق مئات ملايين الدولارات مساعداتٍ عسكريةً لإسرائيل، ما يجعل الرئيسَين، جو بايدن ودونالد ترامب، شريكَين في هذه الحرب الوحشية. ومن المفارقات أن ترامب أخذ، في الآونة الماضية، ينعت الحرب على غزّة بأنها وحشية، من دون أن يمنعه ذلك عن استقبال من يقود هذه الحرب بحرارة. أما السياسي الإسباني جوزيب بوريل، فدأب (حتى قبل أن يغادر منصبه) على توجيه إدانات حازمة إلى نتنياهو وحكومته، ما أحرج القادة الأوروبيين، وجعلهم يتخبّطون في مواقفهم وردّات فعلهم. وقد شهد الأسبوع الماضي، إلى جانب المباحثات الشاقّة في البيت الأبيض، صدور قرار من الخارجية الأميركية بفرض عقوبات ضدّ مقرّرة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الأكاديمية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، نتيجة أدائها مهامّها بنزاهة وأمانة، وبخاصّة توثيقها المنتظم لوقائع حرب الإبادة، وفي تقريرها الصادر في يوليو/ تموز الجاري، اتهمت المقرّرة الأممية أكثر من 60 شركة عالمية، بينها شركات أسلحة وتكنولوجيا معروفة، بدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزّة، والمستوطنات في الضفة الغربية. وورد في تقريرها أن الشركات المعنية، وبينها لوكهيد مارتن وليوناردو وكاتربيلر وإتش دي هيونداي، إلى جانب عمالقة التكنولوجيا، مثل "غوغل" (ألفابت) و"أمازون" و"مايكروسوفت"، ضالعة في تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدّات أو تسهيل أدوات المراقبة، ما يسهم في دمار غزّة وفي انتهاكات حقوق الإنسان فيها. لم يجد وزير الخارجية ماركو روبيو ما يردّ به على التقرير سوى نعت جهودها بأنها "غير شرعية ومخزية"، وأنها تهدف إلى شنّ حرب اقتصادية على الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا من دون أن ينكر الوزير ما ورد في التقرير أو يسعى إلى تفنيده، ومن دون أن يلوّح بالقضاء أو بتحقيق ما، وفحوى ردّه أن ما تفعله شركات بلاده ومديروها غير قابل للنقاش أو الاعتراض عليه من أيّ أحد في العالم، بما في ذلك الأمم المتحدة وكبار مفوَّضيها. أخذ ترامب، في الآونة الماضية، ينعت الحرب على غزّة بأنها وحشية، من دون أن يمنعه ذلك عن استقبال من يقود هذه الحرب بحرارة أمّا الصوت الناقد الثالث، وسط أجواء الآمال الحذرة، فقد صدر مجدّداً من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي كتب مقالاً في "الغارديان"، وردّ فيه أن العالم ظلّ ينظر خلال 600 يوم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يقود حملة تدمير في غزّة، ويصعّد الصراع الإقليمي، ويقوّض القانون الدولي، من دون اتخاذ أي إجراء. بهذا لخّص قائد كولومبيا المعضلة، فقد صدرت مواقف ناقدة هنا وهناك ضدّ نتنياهو وحكومته وحربه، ولكنّها لم تقترن بأيّ إجراء، الأمر الذي استغلّه مجرم الحرب لإطالة حربه وتوسيعها. وكانت كولومبيا قد قطعت علاقاتها مع تل أبيب في مستهل مايو/ أيار من العام الماضي في إجراء بليغ، ضدّ من يستسهلون شنّ تطهير عرقي، فيما بادرت بوليفيا قبل ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بقطع علاقاتها مع دولة الاحتلال. وقد ذكّر الرئيس بترو (في مقاله) دول العالم بأنها سبق أن حذّرت من خلال الجمعية العامة باتخاذ إجراءات ضدّ القوة الغاشمة، ولكن هذه الدول لم تفعل شيئاً، ولم تترجم تحذيراتها قراراتٍ، وبطبيعة الحال (وهذا ما لم يرد في مقال الرئيس) فإن بينها العديد من الدول العربية والإسلامية. الحرب الوحشية لم تنته بعد، وتداعياتها مستمرّة، وتفاعلاتها متواصلة تحت السطح وفوقه في الأثناء، وخلال الأيام الماضية من أسبوع الآمال والآلام (سقط مئات الضحايا الإضافيين في غزّة)، سقط خمسة جنود من القوات الغازية في القطاع، فأدّى هذا الحادث وردّات الفعل عليه إلى توقيف صحافي إسرائيلي (الأربعاء الماضي)، كتب في حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يتابعه أكثر من مائة ألف شخص، في اليوم السابق (الثلاثاء)، أن "العالم أصبح أفضل هذا الصباح من دون خمسة شبّان شاركوا في واحدة من أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية". ومع أن الشرطة الإسرائيلية لم تكشف هويَّة صاحب المنشور، فقد ذكرت القناة 12 العبرية أنه يسرائيل فري، المعروف بمواقفه المناهضة للحرب على غزّة، ورفضه الخدمة العسكرية، ويعمل لحساب وسيلة إعلام أجنبية. كان فري، وهو متديّن إسرائيلي، قد أضاف في منشوره: "للأسف! بالنسبة للطفل في غزّة الذي يخضع الآن لعملية جراحية من دون تخدير، أو الفتاة التي تموت جوعاً، وللعائلة المتجمّعة في خيمة تحت القنابل، هذا كلّه لا يكفي"، موجّهاً نداءً للأمهات الإسرائيليات بعدم إرسال أبنائهن إلى الحرب. وهكذا، فإن الحرب الوحشية لم تنته بعد، وتداعياتها مستمرّة، وتفاعلاتها متواصلة تحت السطح وفوقه، وفي شوارع الغرب وميادينه وجامعاته ومنتدياته، وفي الفضاءات الشاسعة للمنصّات البصرية والمسموعة، وهذا هو التغيير الذي لم يتوقّعه نتنياهو وبقية مجرمي الحرب في تل أبيب، ومن يشدّ أزرهم في واشنطن وبرلين.


القدس العربي
منذ 6 ساعات
- القدس العربي
آيزنكوت يتهم نتنياهو بإفشال صفقة تبادل الأسرى لأسباب سياسية
القدس: اتهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت، الجمعة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإفشال مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس في قطاع غزة لأسباب سياسية. جاء ذلك في مقابلة أجرتها قناة (12) العبرية الخاصة، مع آيزنكوت، نشرت منها مقتطفات الجمعة، على أن تنشرها كاملة غدًا السبت. وقال آيزنكوت: 'نتنياهو أفشل صفقة التبادل لأسباب سياسية'. وصرح عضو الكنيست قائلا إنه 'جاهز لتولي رئاسة الحكومة'، مشيرا إلى أن هناك احتمال بأن يكون مرشحا لهذا المنصب. وتابع حديثه: 'أنا أعرف جميع التحديات التي تواجه إسرائيل، وأعرف ما هو الصواب'. وفي وقت سابق الجمعة، قال نتنياهو إن إسرائيل تدرس مع الولايات المتحدة 'بدائل' لإعادة المحتجزين من غزة وإنهاء حكم حركة حماس. ولم يكشف نتنياهو عن طبيعة البدائل التي يتحدث عنها، بينما تقول المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى، إن السبيل الوحيد لإعادة المحتجزين هو اتفاق مع حركة حماس. وجاءت تصريحات نتنياهو غداة إعلانه استدعاء وفده المفاوض من العاصمة القطرية الدوحة للتشاور، في خطوة مماثلة لما أعلنه المبعوث الأمريكي في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عبر منصة 'إكس'. وقال ويتكوف مساء الخميس: 'قررنا إعادة فريقنا من الدوحة لإجراء مشاورات بعد الرد الأخير من حماس، والذي يُظهر بوضوح عدم رغبتها في التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة'. يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه حماس مررا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين 'دفعة واحدة'، مقابل إنهاء الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة. وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية. ومنذ 6 يوليو/ تموز الجاري، تُجرى بالدوحة مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار. ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين. (الأناضول)