
بي بي سي ترصد خلية جهادية تقاتل الدروز في السويداء
كان هدفنا الدخول إلى مدينة السويداء بعد وقف إطلاق النار لتغطية آثار الاشتباكات داخل المدينة والأوضاع بداخلها، بصحبة مجموعة ممن يعرفون بـ "مسلحي العشائر". توجهنا إلى إحدى الجبهات التي تفصل بين مقاتلين عشائريين ينتمون إلى الطائفة السنية ومسلحين دروز عند مشارف قرية عريقة، إحدى قرى محافظة السويداء.
تمنع حواجز الأمن العام التابعة للحكومة المسلحين العشائريين من اجتياز خطوط وقف إطلاق النار، لكنها لا تعمل على إبعادهم عن المكان، إذ ينتشرون بالعشرات بأسلحتهم الخفيفة.
حين وصلنا مع المسلحين العشائريين إلى خط وقف إطلاق النار عند قرية عريقة التي يسيطر عليها مقاتلون دروز، فوجئنا بوجود مجموعة ثانية من نحو 15 مقاتلاً، بدا على هيئتهم أنهم من مسلحي العشائر أيضاً، لكن ما حدث بعد ذلك أثار الريبة.
كان غالبيتهم بلباس مدني، فيما ارتدى بعضهم سراويل عسكرية مموهة، وظهر آخرون منهم باللباس البدوي التقليدي القصير والشعر الطويل، مما يحول دون معرفة انتماءاتهم.
اقترب قائد المجموعة أبو حذيفة مع مسلحيه من فريق بي بي سي لحظة مشاهدته إخراج الكاميرا من السيارة، بدا جاداً على نحو صارم وهدد الفريق بشكل واضح.
بعد إعادة الكاميرا إلى السيارة والتأكيد لهم أننا لن نقوم بأي تصوير، وأننا نريد فقط إعداد تقرير للموقع الإلكتروني، سمح لنا أبو حذيفة بالصعود معهم إلى أعلى التل برفقة المقاتلين العشائريين.
نأى المقاتلون العشائريون بأنفسهم جانباً، وافترشوا الأرض على بعد أمتار قليلة بجانب فريق بي بي سي. وأخبرني أحدهم بأنه يستطيع اصطحابنا إلى مكان آخر نستطيع فيه التصوير وإجراء لقاءات بسهولة، لكن ما جرى بعد ذلك دفعنا للبقاء قليلاً.
كانت غالبية المجموعة بمن فيهم أبو حذيفة، ملثمة، باستثناء شابين في مطلع العشرينيات من العمر، وجميعهم يحملون بنادق الكلاشنكوف والمسدسات والسكاكين، واحد منهم على الأقل كان يحمل سكينا تتدلى من خصره إلى ركبته وتشبه تلك التي كانت تظهر في إصدارات التنظيمات الجهادية.
المنطقة ريفية مفتوحة ذات تربة بركانية صخرية سوداء، وفي أعلى التلة بناء قديم مهجور مبني بحجارة سوداء اتخذه المقاتلون ساترا ومقراً لهم. على الجانب الآخر، وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات، أقام مقاتلون دروز تحصينات للدفاع عن قرية عريقة، ويستطيعون من مواقعهم كشف أي تحركات قد يقدم عليها المسلحون الذين كنا برفقتهم.
كان أبو حذيفة ومجموعته قد أعدوا على ما يبدو خطة لمهاجمة القرية الدرزية، وبدأ بمراجعتها مع مقاتليه، وسأل مسلحي العشائر إن كانوا يريدون المشاركة في الهجوم، فاعتذروا بحجج متعددة.
بدأ أبو حذيفة إعطاء التعليمات لمقاتليه، فتأكد لنا أن لا علاقة لهم بمسلحي العشائر ولا القوات الأمنية بمختلف أشكالها.
بعبارات جهادية، حفز أبو حذيفة مقاتليه بأن من يوجد على الجانب الآخر هم من "انتهكوا أعراض المسلمين السنة"، وأن هدف الهجوم هو قتل "الدروز الكفار".
"لا نريد أسرى، اذبحوا كل من تجدونه، طفلاً كان أو مسناً"، هكذا أخبر مقاتليه.
خلافاً للمجموعات العشائرية التي تنتمي عادة إلى نفس القبيلة وتنحدر من نفس المنطقة، كانت مجموعة أبو حذيفة مؤلفة من نحو 15 مقاتلاً من عدة مناطق من سوريا، وكان جلياً من لهجاتهم أن بعضهم جاء من مناطق شرقي البلاد، بينما جاء آخرون من حلب وإدلب شمالاً.
سألت أبو حذيفة حين انتهى من الحديث إلى مقاتليه عن انتمائه فتجنب الإجابة المباشرة، ورد بالقول إن هدفهم هو "نصرة الدين وإقامة دولة الشريعة الإسلامية".
عدت لسؤاله عن الأوامر التي أعطاها لمقاتليه وأنها قد تثبت الاتهامات الموجهة للحكومة السورية بأنها تسمح لجهاديين بمهاجمة الدروز ويحرجها أمام حلفائها وقد يعرضها للقصف مجددا من قبل إسرائيل. رد الرجل الأربعيني بانتقاد لاذع غير مسبوق بحق رئيس الفترة الانتقالية في سوريا، واتهمه بالتخاذل منذ سنوات طويلة.
وقال إنهم "هم من قاوموا وحملوا السلاح منذ العام 2011،" مكرراً "لنصرة الدين وإقامة دولة الشريعة"، وإنهم لم يضحوا طيلة السنوات الماضية ليأتي "زوج لطيفة ويكشف وجهها للعوام ويجلس في القصر الجمهوري،" على حد تعبيره حرفياً.
ولطيفة الدروبي هي زوجة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والتي شاركته الظهور في عدة مناسبات رسمية وشعبية بعد التوافق على رئاسته للفترة الانتقالية.
بدأت الإشارات تزداد على احتمال أن تكون المجموعة مرتبطة بما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، إذ يحمل التنظيم حقداً كبيراً على الشرع الذي كان يعرف بأبو محمد الجولاني حين تم إرساله من العراق لتأسيس فرع للتنظيم في سوريا عام 2011، قبل أن ينشق عنهم عام 2013 ويبايع تنظيم القاعدة، مما تسبب باندلاع معارك عنيفة بين الطرفين في عدة مناطق سورية، يُعتقد أنها أودت بحياة الآلاف.
ولا تزال خلايا تنظيم الدولة تنشط بقوة في مناطق البادية السورية وسط البلاد، والمتصلة مع الحدود الشرقية لمحافظة السويداء. ويتطلب وصول مجموعة أبو حذيفة إلى المنطقة التي التقيناهم بها عبور حواجز أمنية نظامية كثيرة، وقد يتيح تشابه أشكالهم من لباس وشعر طويل بالمقاتلين العشائريين عبور الحواجز بسهولة، مع إخفاء أي شعارات تشير لانتمائهم.
عاد أحد المقاتلين العشائريين ليطلب منا الذهاب لموقع آخر بإصرار أكبر هذه المرة، فنزلنا عن التلة باتجاه السيارة، وحين ابتعدنا أخبرنا بأنه حاول عدة مرات أن يعطينا إشارة لضرورة المغادرة، وأن مجموعة أبو حذيفة تنتمي لتنظيم الدولة الإسلامية وأنه تعرّف على واحد منهم على الأقل كونه يتحدر من نفس المنطقة التي يتحدر منها في محافظة الحسكة شرقي البلاد ولا يزال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
لم نتمكن من التأكد بشكل مستقل مما يقوله، رغم أنه أوضح أن المسلح ترك الحسكة والتحق بتنظيم الدولة ولم يعد منذ ذلك الحين.
يضيف المقاتل العشائري، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من انتقام التنظيم، أنه سمع أبو حذيفة يتهامس مع أحد مقاتليه بأنه تعرف علي من عملي على تغطية المعارك ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق. ويعتقد المقاتل أن ما حال دون خطفنا أو تعرضنا للأذى هو وجود مجموعة المقاتلين العشائريين، إذ كان الأمر سيتطلب معركة بين الجانبين لا يمكن التنبؤ بنتائجها بالنظر إلى وجود المجموعة خارج مناطق نفوذها.
ويتهم الدروز جماعات جهادية وقوات أمنية نظامية ومسلحي العشائر بارتكاب انتهاكات كثيرة بحق أبناء الطائفة، ومن بينها حالات عدة من الإعدام الميداني بحق مدنيين. فيما يقول مسلحو العشائر إن فصائل درزية هاجمت مناطق سكن البدو في محافظة السويداء وأجهزت على الكثير من المدنيين هناك بعد انسحاب القوات السورية النظامية يوم الثلاثاء الماضي.
وكان قائد الأمن الوطني في السويداء العميد أحمد دالاتي الذي يقود جهود التهدئة في السويداء عن الجانب الحكومي قد قال إن "محافظة السويداء كانت مأوى كل العصابات، من فلول النظام وتجار المخدرات وخلايا الدواعش، بسبب غياب السلطة".
وكشف أن القوات الأمنية تعرضت لتفجيرات من قبل عناصر في تنظيم الدولة حين تقدمت في اتجاه السويداء يوم الأحد الماضي، وأن عودتها للانسحاب بسبب الضربات الإسرائيلية والضغوط الدولية تسببت بحالة فوضى هائلة كانت الحكومة السورية قد حذرت منها.
وقال وزير الخارجية الأميركية يوم الأحد الماضي "إن الحفاظ على سوريا موحدة وسلمية وخالية من سيطرة تنظيم الدولة وإيران يتطلب استخدام القوات الحكومية لمنع التنظيم وأي جهاديين آخرين من دخول المناطق وارتكاب المجازر ووقف أعمال الاغتصاب والذبح بحق الأبرياء".
ورغم تماسك وقف إطلاق النار الذي أعلن الأحد، إلا أن بي بي سي شهدت انتشاراً واسعاً لفوضى السلاح في محيط الحواجز الأمنية، التي تواصل منع دخول مسلحي العشائر الذين لا يزالون يتجمعون بالعشرات قربها.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 1339 شخصاً قتلوا جراء اشتباكات محافظة السويداء من بينهم 124 مدنيا، منهم 10 أطفال و24 سيدة.
تتزايد المخاوف من تسلل عناصر التنظيم بين مقاتلي العشائر بهدف دخول مناطق الدروز، مما قد يعيد إشعال دوامة العنف الطائفي بوتيرة أشد. ولا تزال أطراف الأزمة عاجزة حتى الآن عن التوصل إلى اتفاق يتيح دخول القوات الحكومية إلى المحافظة، بل إن الأوضاع ازدادت سوءاً، في ظل انتشار صور وشهادات تفيد بارتكاب عناصر أمن انتهاكات، من بينها إعدامات ميدانية بحق أبناء الطائفة الدرزية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 ساعات
- BBC عربية
هل أوفى ستيف ويتكوف بوعده للسيدة التي قابلها في غزة؟
سيدة غزاوية، تجمعها الصدفة وجهاً لوجه مع ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، لتقص عليه معاناة نساء غزة في الحصول على مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية، فباتت محط اهتمام واسع وحديث منصات التواصل الاجتماعي. البعض يراها "سفيرة كل نساء غزة" للمبعوث الأمريكي، والبعض يتهمها بالخيانة، لكن كل هذا لا يهم سلوان الدويك، ما يهمها أن يفي ويتكوف بوعده الذي قطعه لها. فما هو هذا الوعد؟ وما هي كواليس المقابلة؟ بدأت السيدة الغزية حديثها لبرنامج يوميات الشرق الأوسط المذاع عبر راديو بي بي سي: "أنا سلوان مثل كل امرأة وأم في قطاع غزة، أركض يومياً مسافة قدرها 30 كيلومتراً من أجل الحصول على طعام، أصيب ابني في ذراعه وزوجي مريض غضروف لا يقوى على الركض والمزاحمة، فخرجت لأحضر طعاماً لهما، خرجت لنقطة توزيع المساعدات الأمريكية كي نبقى على قيد الحياة". أضافت: "أخرجُ لنقطة المساعدات الأمريكية وأنا لا أعلم إن كنت سأعود لأسرتي أم لا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، فالعالم كله يعرف أن الناس تموت كل يوم وهي في طريقها للحصول على المساعدات، وأننا نتعرض للقصف وإطلاق النار، ولكنني أغامر وأتحمل المعاناة وأذهب، ومع ذلك لا أحصل على شيء، لا أجد أي شيء أحضره لنتناوله، يقولون لي نفد كل ما لدينا من مساعدات، فأرجع لأجر أذيال الخيبة ثم أكرر رحلة المخاطرة في الصباح الباكر من جديد". وفي يوم بدأ عادياً كباقي الأيام وقفت لأحصل على أي شيء نأكله، فوجدت سيارة تقتحم المكان بسرعة وضابط يطلب منا أن نفسح مجالاً بالتراجع إلى الخلف لأن ويتكوف سيحضر، فامتثلت كباقي النساء ووقفت أنظر بشغف للزائر المهم الذي يفسحون له الطريق، فأنا لم أكن أعلم من هو ويتكوف. ما هي إلا دقائق معدودة، حضر ضابط وطلب مني أن أصاحبه كي ألتقي ويتكوف، فهذا الأخير يريد أن يعرف المزيد عن معاناة النساء في غزة، وأخبرني أن حقيبتي ستخضع للتفتيش لأسباب أمنية فوافقت، لعل المسؤول الكبير ينجح في حل معضلتنا كنساء في الحصول على ما يكفينا وأسرنا من مساعدات إنسانية، شعرت أنني أمثّل كل أمهات غزة فلم أتردد إطلاقاً. "لأنني لا أتحدث الإنجليزية، كان هناك مترجم يشرح لي ما يقوله ويتكوف ويعود ليشرح له إجاباتي، سألني عن اسمي وعن أسرتي، ثم طلب مني أن أنقل له معاناة النساء في غزة من أجل الحصول على المساعدات، فشرحت له كل شيء، الجوع والركض وخطر الموت ثم العودة بلا شيء، وطلبت منه أن يخصص يومين لتوزيع المساعدات على النساء أسبوعياً"، تضيف سلوان حريك. وعن ردة فعل المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط على طلبها وما قصته عليه، قالت: "عندما جاء للزيارة كان كل شيء معداً ومرتباً مسبقاً، لم يشاهدنا ونحن ننحني أرضاً لنجمع ما سقط من الرجال من الطحين ونأخذه لأسرنا، لم يرَ الأمور كما تجري يومياً على أرض الواقع، كان يظن أن المساعدات تصلنا بطريقة آدمية، وأن كل امرأة تحصل على طرد مساعدات ثم تعود لأسرتها بأمان وسهولة، فأخبرته الحقيقة فبدا على وجهه الاستياء الشديد، ووعد بأن ينظر في الأمر ويخصص يومين أسبوعيا لتسليم المساعدات للنساء". واختتمت قائلة: "مر على هذه الزيارة ثلاثة أيام، ومع ذلك لم يتغير أي شيء في آلية حصولنا على المساعدات، ومنذ ذلك الحين لم أنجح في الحصول على أي مساعدات إنسانية، ولا أعلم هل ما زال هناك أمل في أن يفي ويتكوف بوعده لي؟!".


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
إعادة فتح ممر بصرى الشام المؤدي إلى السويداء بعد "خروقات" وقف إطلاق النار
أعلنت وكالة الأنباء السورية (سانا) الإثنين، إعادة فتح ممر بصرى الشام الإنساني في ريف درعا، بعد تأمين المنطقة من "عصابات الهجري المتمردة" التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء أمس. وكانت وزارة الداخلية السورية قد أغلقت الممر بشكل مؤقت يوم أمس، "حفاظاً" على سلامة المدنيين. وجاء ذلك عقب هجمات شنتها "عصابات الهجري" على قوات الأمن الداخلي في عدة محاور، بالإضافة إلى قصف بعض القرى في الريف الغربي لمحافظة السويداء، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من عناصر الأمن، بحسب ما نقلته الوكالة. وأشارت الوكالة إلى أن قوات الأمن السورية استعادات السيطرة على النقاط "التي تقدمت إليها هذه العصابات، وقامت بتأمين المنطقة ووقف الاشتباكات حفاظاً على استمرار اتفاق وقف إطلاق النار". وتدخل المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى محافظة السويداء من جهة بصرى الشام في ريف درعا وذلك في إطار جهود الحكومة السورية لتلبية الاحتياجات الإنسانية لأهالي المحافظة بحسب ما نقلته (سانا). وكان أربعة أشخاص على الأقل قُتلوا الأحد إثر تجدد العنف في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، رغم وقف إطلاق النار في أواخر يوليو/تموز في أعقاب أعمال عنف طائفية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وشهدت السويداء قبل وقف إطلاق النار اشتباكات بين مسلحين دروز وعشائر بدوية سنية، توسعت مع تدخُّل القوات الحكومية وقدوم مقاتلين عشائريين من أنحاء سوريا لإسناد مقاتلي البدو. وأنهى اتفاق وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ في 20 يوليو/تموز أسبوعاً من المعارك التي خلّفت أكثر من 1.400 قتيل، معظمهم من الدروز، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، لكن الوضع لا يزال متوتراً والوصول إلى المحافظة لا يزال صعباً. ونصَّ الاتفاق على "دخول قوات الأمن الداخلي لحماية المواطنين وإعادة بسط الأمن والاستقرار في ربوع المحافظة التي عانت من جرائم المجموعات الخارجة عن القانون، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية والخدمية للسكان". تأتي هذه الهجمات بعد يوم على عقد لجنة التحقيق في أحداث السويداء اجتماعها الأول برئاسة وزير العدل، مظهر الويس، وفق القناة السورية. على صعيد متصل، شهدت منطقة ريف منبج بمحافظة حلب شمالي سوريا، قصفاً مدفعياً، مساء السبت، ما أدى إلى إصابة أربعة عناصر من الجيش السوري وثلاثة مدنيين بجروح متفاوتة، وفق ما ذكرت وكالة سانا السورية الرسمية للأنباء. وتبادل الجيش العربي السوري من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى، الاتهامات بالوقوف وراء هذا القصف. وقال الجيش السوري إن قواته تمكنت من صدّ عملية تسلُّل قامت بها عناصر من قسد إلى إحدى نقاط انتشاره في ريف منبج. وأضاف الجيش أن قواته تقوم بتنفيذ ضربات "دقيقة" استهدفت مصادر النيران، وأنها تمكنت من رصد راجمة صواريخ ومدفع ميداني. "السوريون يستحقون السلام" قال المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، إن أعمال عنف "مقلقة" اندلعت يوم أمس في كل من السويداء ومنبج، مؤكداً أن الحل الدبلوماسي يظل السبيل الأمثل لوقف التصعيد والتوصل إلى تسوية سلمية ودائمة. وأضاف باراك في منشور له على منصة (إكس) أن الولايات المتحدة تفخر بدورها في المساعدة على التوسط لإيجاد حل للأزمة في السويداء. ودعا في منشوره جميع الأطراف إلى "الحفاظ على الهدوء وحل الخلافات بالحوار، لا سفك الدماء". مؤكداً أن "سوريا تستحق الاستقرار، وأن السوريين يستحقون السلام". وقال وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، في منشور على منصة "إكس"، إنه التقى نظيره التركي، وزير الداخلية علي يرلي كايا، في العاصمة أنقرة، حيث جرى بحث سبل تعزيز التعاون الأمني بين سوريا وتركيا، إضافة إلى مناقشة آليات دعم وتطوير المؤسسات الأمنية السورية من خلال الاستفادة من خبرات الجانب التركي. من جانبه، ذكر وزير الداخلية التركي في منشور على منصة "إكس" أنه تم بحث فرص التعاون بين الوزارتين، لا سيما في المجال الأمني، إلى جانب مناقشة سبل تقديم الدعم اللازم لوزارة الداخلية السورية والأجهزة الأمنية التابعة لها، وذلك بحسب ما نقلته وكالة سانا.


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
هل تستطيع دمشق استعادة ثقة الدروز؟
يشهد الموقف داخل الطائفة الدرزية في سوريا حالياً انقساماً واضحاً، بين من يدعو إلى استمرار الحراك السلمي والمطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطية في مسار داخلي، وبين من يرى ضرورة التحالف مع قوى دولية وإقليمية لضمان حماية المنطقة والطائفة. الاشتباكات الدامية التي اندلعت في شهر يوليو/ تموز كانت أحد الأسباب الرئيسية لتعزيز هذا الانقسام داخل صفوف الطائفة، وتعميق الشرخ مع الحكومة الانتقالية في دمشق، لاسيما عقب مطالبة الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ العقل لدى الطائفة الدرزية في سوريا، بالحماية الدولية. فيما يرفض فريق آخر أي تدخل خارجي، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية. هذا الانقسام يعكس تعدد الرؤى حول مستقبل الدروز وموقعهم في سوريا ما بعد الأسد وعلاقتهم مع الحكومة، لكن المطلب الذي يتفق عليه جميع أبناء الطائفة هو حماية منطقتهم وضبط أمنها. تفاهمات أم انقسامات؟ يقول بهاء العوام، وهو صحفي سوري درزي مقيم في لندن، لبي بي سي عربي: "هناك دائماً مساحة للتفاهم بين السويداء ودمشق إن توافرت الإرادة الحقيقية لدى الدولة لاحتواء مخاوف أهالي المحافظة"، مشيراً إلى أن "أعمال القتل والتنكيل والنهب والاغتصاب بعد دخول قوات الأمن والجيش إليها، أثبتت واقعية خشية الناس من ضعف الدولة"، على حد قوله. العوام يرى أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة، سواء كانت الانتهاكات ارتكبت من قبل قوات الحكومة أو "جماعات إرهابية"، مؤكداً على ضرورة ضبط الأمن بطريقة تعيد الثقة بالدولة. ويقول العوام إن "ما جرى في الساحل السوري والسويداء زاد من تمسّك المجتمع الدرزي بالسلاح، خشية تقاعس الدولة أو تواطئها، حتى في حال افترضنا عدم ضلوعها في أفعال الجماعات". المتحدث باسم الفصيل الدرزي المسلح "رجال الكرامة" باسم أبو الفخر يقول لبي بي سي عربي: " أجرينا تفاهمات مع هذه الحكومة خلال الأشهر السبعة الماضية، كنا نحمل خطاباً وطنياً جامعاً وأردنا إدخال مؤسسات الدولة إلى السويداء بجهود أبنائها كحل وسط، لكن هؤلاء المسلحين الذين تقودهم الحكومة لا يملكون عقيدة وطنية، بل القتل والسلب والحرق وهذا ما أثبتوه". واتهم أبو الفخر الحكومة الانتقالية بأنها "تسببت في خلق مشاكل أمنية بين الدروز والبدو ولم تستطع فرض الأمن على الطريق الذي يربط دمشق بالسويداء، ما أدى إلى اقتتال داخلي استغلته الحكومة لتدخل بقوتها وفرض سطوتها بالقوة على المحافظة". لكن الكاتب والباحث السياسي السوري بسام سليمان يوضح لبي بي سي عربي ما حصل بقوله: "لم تكن هناك نية لاستخدام القوة أو إثارة الفوضى إطلاقاً، لكن الأحداث تطوّرت ككرة نار بدأت صغيرة ثم كبرت لتتحول من خلاف فردي بين بعض أفراد العشائر وبعض الدروز إلى صراع أوسع بين فصائل مسلحة من العشائر والدروز، ما أدى إلى تدخل قوات الأمن الحكومية التي تعرضت بدورها لهجوم أيضاً، وما زاد من الأمر تعقيداً هو دخول إسرائيل على الخط وقصفها لبعض المواقع الحكومية". بعد انتشار مقاطع فيديو لعمليات القتل بناءً على هوية/ طائفة الضحية، أدانت الرئاسة السورية، الانتهاكات التي وقعت في محافظة السويداء، ووصفتها بالأفعال الإجرامية وغير القانونية التي تتنافى مع مبادئ الدولة. وأكدت الرئاسة في بيان نقلته وكالة سانا الإخبارية (الرسمية)، التزام الحكومة بالتحقيق في الحوادث ومحاسبة المتورطين، سواء كانوا أفراداً أو جهات، متعهدة بعدم التساهل مع أي طرف يعبث بأمن المحافظة، والعمل على ضمان حقوق سكان السويداء، والحفاظ على استقرارهم وسلامتهم تحت مظلة القانون. السلطات السورية الجديدة، التي ينتمي غالبية أفرادها إلى المكون السني، تواجه حالة من التوجس والريبة من قبل الأقليات الدينية والعرقية مثل الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين وغيرهم، خاصة بعد أن تحولت الاشتباكات بين القوات الحكومية والجماعات الموالية للأسد في مارس/آذار الماضي، إلى أعمال انتقام وثأر طائفية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد، بحسب تقارير صحفية وحقوقية. وعقب شنّ إسرائيل عشرات الغارات الجوية التي استهدفت مواقع حساسة من بينها مقار أمنية حكومية وفصائل موالية للحكومة كانت في طريقها إلى السويداء، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي باتهامات حادة وواسعة النطاق وجهها مؤيدو الحكومة للدروز، متهمينهم بـ"الخيانة" بسبب مناشدة الشيخ الهجري، إسرائيل والدول الغربية طلباً للحماية. لكن الصحفي بهاء العوام يوضح الأمر بقوله: "رغم مرور البلاد بمرحلة انتقالية، لم تُظهر الحكومة الجديدة أي بوادر حسن نية تجاه مكونات المجتمع، والرئاسة الروحية للدروز لم تطلب الحماية الدولية إلا بعد تعرُّض الطائفة لهجمات وجرائم إبادة، وأن مناشدة الشيخ حكمت الهجري، كانت للمجتمع الدولي برمته وليس فقط لإسرائيل، لكن الأخيرة هي الوحيدة التي استجابت لأسباب تخصها. انهيار الثقة والبحث عن بدائل رغم أن الدروز في سوريا عُرفوا بالنأي بأنفسهم عن خوض أي معارك مباشرة ضد الدولة، إلا أن التطورات الدامية التي شهدتها محافظة السويداء، كشفت عن تصدعات داخلية غير مسبوقة، سواء في صفوف الفصائل المسلحة الدرزية أو بين المرجعيات الدينية والاجتماعية. وقد ترافق ذلك مع تدهور غير معلن في العلاقة مع الحكومة المركزية، تحوّل في نظر كثيرين إلى قطيعة فعلية، بعد الانتهاكات التي طالت أبناء الطائفة. فهل يكرس الواقع الجديد مساراً نحو مطالب باللامركزية في نظام الحكم؟ يقول بهاء العوام إن الدروز لم يطالبوا بالفيدرالية أو اللامركزية رغم أن مناقشات كانت تدور حولها، "أما اليوم وبعد الأحداث الأخيرة، أعتقد أن كل الخيارات يجب أن تناقش علانية من أجل مصلحة الدولة السورية، وإن قرار اختيار النظام الأنسب للدولة يجب أن يتمخض عن حوار وطني حقيقي وليس شكلي وصوري كما فعلت حكومة الشرع قبل أشهر، وفي حال حدوث ذلك فعلاً، فلا أعتقد أن الدروز سيرفضون هذا القرار، ولم يُعرف عنهم في التاريخ السوري أية نزعة للانفصال". ويقول باسم أبو الفخر: "منذ انطلاق الحراك، كان شعارنا واضحاً وهو (أرض، عرض، دين)، أي أن هدفنا هو العيش في وطننا، في جبلنا وقرانا، بأمن وأمان، فالكرامة والأمن هما من أولى أولوياتنا"، مضيفاً أنه "منذ الهجوم الأخير الذي تعرضنا له في منتصف الشهر الماضي، كنا من أوائل من تصدى لهذا العدوان على تخوم الجبل، وما زلنا نقاتل على المحاور المختلفة دفاعاً عن أهلنا ومنازلنا، من غزوات مجموعات بدوية تحصنت في نحو ثلاثين قرية". أبو الفخر يوضح لبي بي سي كيف أن المجتمع الدرزي كان يخطط للاندماج في وزارة الدفاع، "لكن الأمر اختلف تماماً الآن، لم يعد هناك ترحيب لا بهذه الحكومة ولا بوزارتها من قبلنا نحن كحركة رجال الكرامة". في ضوء التطورات السابقة بين الفصائل الدرزية من جهة والأمن العام والفصائل البدوية الموالية للحكومة – التي تصفها الحكومة بمجموعات خارجة عن القانون – من جهة أخرى، هل يمكن لحكومة دمشق استعادة الثقة مع الدروز وهل لا تزال هناك إمكانية للتفاهم؟ يقول الباحث السياسي بسام سليمان إن "المشكلة الأساسية تكمن في وجود فصائل مسلحة مرتبطة بالهجري الذين لديهم ارتباطات مع إسرائيل. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية في إدارة هذا الملف، ما أدى إلى زعزعة الثقة، وسيتتطلب استعادتها وقتاً وجهوداً حقيقية". ويرى سليمان أنه من أجل تحقيق التوازن ورأب الصدع الذي حصل بين أبناء الشعب السوري في السويداء، "بات من الضروري محاسبة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، سواء كانوا من الفصائل الدرزية أو ممن يتواصلون مع أعداء البلد إسرائيل أو الجيش أو قوات الأمن، وتعويض المتضررين بشكل عادل"". يتفق بهاء العوام على أن "الحل يكمن في حوار وطني جاد، لا حوار شكلي وصوري كما فعلت حكومة الشرع سابقاً"، على حد تعبيره. وفي ظل الانقسام الداخلي وتدهور الثقة بين أهالي السويداء والحكومة الانتقالية في دمشق، ومع تصاعد الدعوات إلى الحماية الدولية، تبدو سوريا أمام مفترق طرق حاسم. فهل تقود هذه التطورات إلى تسوية سياسية شاملة تنهي حالة الاحتقان، أم تدفع البلاد نحو تبني نظام لا مركزي يمنح المحافظات صلاحيات أوسع لإدارة شؤونها بعيداً عن سلطة المركز؟ أم أن هناك سيناريو ثالثاً - أكثر خطورة كما يحذّر بعض المراقبين - يتمثل بالانزلاق نحو مسارات انفصالية تهدد وحدة البلاد؟ يبقى الوقت هو الحَكَم، فالأيام القادمة ستكشف لنا المزيد عن مسارات الأزمة وفرص الحل في سوريا.