
مشروع إماراتي لنقل المياه من مصر إلى غزة
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية (وام) الأربعاء أن فرقًا فنية إماراتية بدأت بنقل المعدات اللازمة لتنفيذ المشروع، الذي يمتد لحوالى سبعة كيلومترات، ويهدف إلى التخفيف من «أزمة المياه» التي يعانيها قطاع غزة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال مكتب تنسيق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) إن بناء الخط سيبدأ خلال الأيام المقبلة، ومن المتوقع أن يستمر عدة أسابيع.
وسيربط المشروع محطة لتحلية المياه في مصر بمنطقة المواصي على ساحل غزة، وقد يوفر المياه لنحو 600 ألف شخص يوميًا، بحسب كوغات.
وذكرت «وام» أن الإمارات أطلقت «مجموعة من المشروعات لتنفيذ أعمال حفر وصيانة آبار المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة، كما نفذت مجموعة من مشاريع صيانة شبكات الصرف الصحي في عدد من المناطق، إلى جانب إرسالها لعشرات الصهاريج المخصصة لنقل المياه العذبة».
ويعاني سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة من نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، مما يجبرهم على الاعتماد على المياه المالحة، التي تكون غالبًا غير صالحة للشرب، أو على شحنات المساعدات المتقطعة.
وتُقدّر سلطة المياه الفلسطينية أن أكثر من 80% من البنية التحتية للمياه في غزة قد تضررت جراء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
وبعد أن قطعت إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء، أصبح معظم سكان غزة يعتمدون على آبار ملوثة أو توزيع مياه من منظمات غير حكومية، تعوقها محدودية وصول المساعدات.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن «أزمة المياه في غزة تتفاقم بسرعة في ظل نقص الوقود الشديد، والأضرار الواسعة بالبنية التحتية، وصعوبة الوصول إلى مصادر المياه».
واستأنفت محطة تحلية المياه في دير البلح وسط غزة عملها بشكل كامل خلال نهاية الأسبوع الفائت، بعد إعادة ربطها بشبكة الكهرباء الإسرائيلية لأول مرة منذ الربيع.
وتحذر المنظمات الإنسانية منذ أشهر من خطر كارثة صحية كبرى، خصوصا في جنوب القطاع، حيث يحتمي مئات الآلاف من النازحين.
والثلاثاء، دعت وكالات تابعة للأمم المتحدة إلى تأمين زيادة هائلة في المساعدات الغذائية.
كما حذّر خبراء مدعومون من الأمم المتحدة من أن «أسوأ سيناريوهات المجاعة بدأ يتحقق بالفعل» في غزة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحركات الإسلامية
منذ 37 دقائق
- الحركات الإسلامية
داعش والجولاني: قراءة في خطاب الكراهية والتكفير المتبادل
في ظل صراع متشابك ومعقد تشهده الساحة السورية، وبينما تتغيّر التحالفات وتتبدّل مواقع القوى العسكرية والسياسية، يواصل تنظيم "داعش" حربه الإعلامية والدعوية عبر منصاته الرسمية، وعلى رأسها صحيفة النبأ. ففي عددها 506 الصادر بتاريخ 31 يوليو 2025، أطلقت الصحيفة هجومًا لاذعًا على هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، متهمة إياها بالردة والتبعية للتحالف الصليبي، ومستندة في ذلك إلى خطاب ديني مشحون بالتكفير والتحريض، يغلف مشروعًا سياسيًا يقوم على الإقصاء والعنف والتطرف. تمثل هذه الافتتاحية نموذجًا مكثفًا لما يمكن تسميته بـ"الخطاب التكفيري التعبوي"، الذي لا يكتفي برصد الأحداث وتفسيرها، بل يعيد تأويلها ضمن منظومة مغلقة من المفاهيم الدينية المؤدلجة. وهذا ما يستدعي قراءة تحليلية معمّقة، لا تكتفي بسطح النص، بل تنفذ إلى بناه العميقة، وتفكك استراتيجياته البلاغية والتأويلية، وتكشف السياقات التي يعمل ضمنها، والوظائف التي يؤديها، وما يخفيه من رسائل خبيثة تدفع نحو مزيد من العنف والانقسام. في هذا السياق، تعتمد الدراسة على منهج تحليل الخطاب (Discourse Analysis) كأداة منهجية لفهم البنية الداخلية للنص، وتحديد وظائفه التداولية، والكشف عن الرسائل المسكوت عنها، وكذلك تتبع التأثيرات الاجتماعية والسياسية لهذا الخطاب على المشهدين السوري والإقليمي. وينقسم التحليل إلى خمسة محاور أساسية: السياق السياسي والأمني للنص، تفكيك بنية الخطاب، الرسائل الضمنية والمسكوت عنها، الوظائف التداولية، ثم الأثر الاجتماعي والسياسي. تهدف هذه الدراسة إلى إبراز خطورة هذا النوع من الخطابات التي لا تُنتج فقط الكراهية، بل تُضفي عليها شرعية دينية مغلوطة، وتُسهم في تمديد أمد الصراع، وزيادة تعقيد المشهد، وتوسيع رقعة الإرهاب العابر للحدود. كما تسعى إلى فضح البنية الذهنية التي يُغذّي بها التنظيم أتباعه، ويدفعهم بها نحو العنف الدموي الممنهج، مستخدمًا نصوص الدين في غير موضعها، ومتلاعبًا بالتراث والرموز لخدمة مشروع إقصائي شمولي. أولاً: السياق السياسي والأمني للنص تأتي افتتاحية العدد 506 من صحيفة النبأ في إطار تصعيد خطابي يعكس حالة التوتر العسكري والأمني المتفاقم في الشمال السوري، وتحديدًا في مدينة الباب الخاضعة لنفوذ فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وفي مقدمتها "الجيش الوطني السوري". تشير الافتتاحية إلى "عملية أمنية مشتركة" قادها التحالف الدولي ضد ما تصفه بـ"بيت للمسلمين"، وتتهم هيئة تحرير الشام والجولاني تحديدًا بأنه رأس الحربة في هذه العملية، مستخدمة عبارات مثل: "غزو بيت للمسلمين بمدينة الباب"، و"مقتل مجاهد ونجليه وأسر ذويه"، في محاولة لبناء صورة ضحية للتنظيم، وتقديم العملية كدليل جديد على "العدوان الصليبي" المتواصل ضد ما تسميه "الدولة الإسلامية". النص، وإن كان مكسوًا برداء ديني، إلا أنه في جوهره خطاب سياسي موجه بوضوح ضد هيئة تحرير الشام وأجهزتها الأمنية. فداعش لا يهاجم فحسب العملية الأمنية، بل يربطها بسياق أوسع من "الردة والعمالة"، حيث يعتبر أن ما جرى في الباب هو "مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين"، في تكرار لمعادلة التكفير التي يُجريها التنظيم تلقائيًا على أي فصيل يتعامل مع القوى الدولية، سواء بالتحالف العسكري أو التنسيق الأمني. ومن خلال استدعاء حادثة الباب كمحور للخطاب، يعيد التنظيم رسم خريطة العداء من جديد. فعدوه الأول لم يعد فقط التحالف الدولي أو الأنظمة الإقليمية، بل التنظيمات الجهادية الأخرى التي تمارس نوعًا من البراجماتية السياسية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام. ويأتي وصف الجولاني بـ"الطاغوت" و"الخائن" و"جندي في التحالف الصليبي"، ليدشن فصلًا جديدًا في الصراع الداخلي بين الفصائل الإسلامية، معتمدًا على "تحقيق مناط الردة" كما ورد في النص، لاستخدامه كسلاح لشرعنة استهدافهم وتصفيتهم. ما يكشفه هذا الخطاب هو أن التنظيم يُطوّع الأدوات الدينية لتكفير خصومه السياسيين، ويرتّب على ذلك أحكامًا خطيرة تمهّد للعنف والاقتتال. فالهجوم على الجولاني وهيئته لا يقف عند حدود النقد السياسي أو الفكري، بل يتحول إلى توثيق شرعي للحكم عليهم بالردة، مما يعني إباحة دمائهم واستباحة مناطقهم، وهو ما نراه في العبارة الصريحة: "وما جرى في واقعة الباب... هو مناط كفر وردة وناقض من نواقض الدين". ويجب ألا نغفل عن أن هذا النوع من الخطاب ليس معزولًا عن واقع النزاع الإقليمي والدولي على الأرض السورية. فعملية الباب لم تكن سوى ذريعة لإعادة طرح خطاب المظلومية الجهادية وتأكيد سردية "التآمر العالمي على الدولة الإسلامية"، وتقديم داعش بوصفه الضحية الوحيدة التي لا تزال ترفع راية الشريعة. بهذا، يصبح النص جزءًا من حرب ناعمة تُخاض بالكلمات والآيات، لكنها تجهّز الأرض لمزيد من سفك الدماء وتحشيد الأنصار، كما جاء في قولهم: "لقد بات ثابتًا لدى الجميع أن التعاون بين الطاغوت الجولاني والصليبيين في الحرب على الإسلام ليس جديدًا... فما جرى في واقعة الباب مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين". ثانيًا: تفكيك بنية الخطاب تكشف افتتاحية النبأ عن خطاب متماسك ظاهريًا، لكنه مشحون بالأحكام المطلقة، والأساليب البلاغية التحريضية، والانتقائية التأويلية، التي تُستخدم لتغليف مشروع سياسي عنيف بغطاء ديني. هذا الخطاب يتأسس على ثلاث ركائز رئيسية: التكفير، التجريد من الإنسانية، والتلاعب بالتاريخ. من خلال تحليل هذه الركائز، يمكن فهم كيف يبني التنظيم شرعية زائفة لعملياته، ويبرر عنفه، ويشيطن خصومه ضمن سردية دينية مغلقة. 1. التحريض الديني عبر تكفير الخصم يرتكز الخطاب منذ بدايته على ما يُعرف بـ"تحقيق مناط الردة"، وهو مفهوم فقهي خطير حين يُنزّل على الخصوم السياسيين دون معايير علمية أو اجتهادية. فيقول النص: "ما جرى في واقعة الباب مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين، وهي مناط كفر وردة وناقض من نواقض الدين". هنا لا يكتفي الكاتب بتوصيف سلوك الخصوم، بل يصدر حكمًا دينيًا نهائيًا لا رجعة فيه، يُسقط فيه الفعل السياسي على قواعد "الولاء والبراء"، التي طالما استخدمها التنظيم لبناء معادلة "نحن مقابل الكفار". ويعزز الكاتب هذا التوجه بانتقاء نصوص قرآنية لتأكيد حكمه، من أبرزها قوله تعالى: "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، ثم يستشهد بابن حزم في المحلى ليؤكد أن الآية "على ظاهرها" وتعني الكفر الصريح. لكن النص يتجاهل تمامًا سياق الآية في سورة المائدة، وإجماع جمهور العلماء على أن "التولي" هنا له ضوابط، وأنه لا يجوز استسهال التكفير دون إقامة الحجة ووجود الشروط وانتفاء الموانع. إلا أن التنظيم يُقصي هذا المنهج العلمي ويستبدله بآلية ميكانيكية للتكفير الفوري. بهذا، يتحول الخطاب من كونه تحليلاً سياسيًا لما جرى في الباب، إلى دعوة مبطّنة لاستباحة الدماء. فعندما يُوسم الجولاني وأتباعه بالردة، فإن كل من ينتظم في فصيله أو يُنسَب إليه يصبح حلال الدم والمال وفق منطق التنظيم. وهذا النوع من التكفير الممنهج هو ما يمهّد الطريق نفسيًا وشرعيًا لأي هجوم إرهابي لاحق. 2. شيطنة الآخر ووصمه واحدة من أكثر الأدوات وضوحًا في خطاب الافتتاحية هي التجريد التام من الإنسانية. إذ لا يتعامل النص مع الخصم بوصفه فاعلًا سياسيًا له رؤية، ولا حتى منحرفًا عن الصواب، بل يصوّره ككائن نجس، دخيل على الإسلام، عميل للغرب، وخادم للصهاينة. يستخدم الخطاب ألفاظًا مثل: "جنودها الكفرة الفجرة"، "رعاة خنازير الإفرنج"، "خدم للتحالف الصليبي"، "الطاغوت الجولاني"، "من ركع تحت أقدام أمريكا الصليبية"، وكلها تهدف إلى سحب أي صفة شرعية أو أخلاقية من الآخر. هذا التجريد يُعد أداة مركزية في كل خطاب متطرف، لأنه يزيل أي حاجز نفسي يمنع الأتباع من قتل الخصوم. حين يصبح الآخر "خنزيرًا"، لا يعود قتله جريمة، بل "تطهيرًا". وحين يتحوّل الجولاني إلى "طاغوت"، لا يُعد الخروج عليه فتنة، بل فريضة دينية. هذه الاستراتيجية البلاغية تُغلق باب التسامح، وتفتح باب الجهاد الدموي. كما أن الخطاب لا يكتفي بالتجريد اللغوي، بل يُعيد إنتاجه بصريًا عبر الوصف الرمزي. فحين يقول مثلًا: "بات يسعى إلى رعي خنازير اليهود"، فهو لا يعبّر عن نقد سياسي لعلاقات الجولاني الإقليمية، بل يُنتج صورة كاريكاتورية تهدف إلى صدم الأتباع واستفزاز مشاعرهم، ودفعهم باتجاه "الثأر" ممن يوصف بهذا الشكل. إنها بلاغة محمّلة بالكراهية والمجاز الدموي. 3. التلاعب بالتاريخ لتثبيت سردية دينية في محاولة لصناعة شرعية تاريخية "نقية" لمشروع داعش، يستدعي الخطاب حادثة المعتمد بن عباد في الأندلس، والذي رفض الاستعانة بالصليبيين على خصومه المسلمين، رغم الخطر المحدق به. وينقل عن المعتمد قوله الشهير: "لأن يرعى أولادنا جمالهم، أحب إلينا من أن يرعوا خنازير الإفرنج!" ثم يقارن ذلك بسلوك الجولاني قائلًا: "أما لسان حال الجولاني وجنوده اليوم: لأن نرعى خنازير الإفرنج أحب إلينا من بقاء الدولة الإسلامية". هذه المقارنة، رغم جاذبيتها البلاغية، تتجاهل تمامًا الفروقات السياقية والزمنية. فالمعتمد كان حاكمًا في ظل تهديد استئصال سياسي وثقافي من قوة غازية، بينما الجولاني يتحرك في واقع دولي وإقليمي مركب، تسوده تحالفات ظرفية وتوازنات ميدانية دقيقة. لكن التنظيم يُعيد تدوير القصة التاريخية لتثبيت فكرة "الخيانة الكبرى" وتكريس صورة "داعش" كآخر معاقل الإسلام الصافي. التلاعب بالتاريخ هنا ليس بريئًا، بل مقصود لبناء سردية ملحمية تصنع ثنائية "الأبطال والخونة"، "الطهر والتلوث"، و"الشريعة والديمقراطية". فداعش لا يستخدم التاريخ للعبرة أو التأمل، بل لخدمة أيديولوجيا الكراهية والفرز الديني. هكذا يتحول المعتمد بن عباد من شخصية تاريخية معقدة إلى رمز في معركة معاصرة ضد من يوصفون بـ"عملاء الغرب". وفي نهاية هذا البناء الرمزي، يظهر "مشروع الدولة الإسلامية" بوصفه الامتداد الوحيد للحكم بالشريعة، بينما جميع المشاريع الأخرى، سواء كانت ثورية أو إصلاحية، تتحول إلى نُسخ مخففة من الكفر العالمي. وهنا يكمن الخطر الأكبر: فقدرة هذا الخطاب على تبسيط الواقع وتحويله إلى ثنائيات قاتلة، هي ما يجعله جذابًا وقاتلًا في آنٍ معًا. ثالثًا: الرسائل المسكوت عنها بالاعتماد على افتتاحية النص التي تمثل جوهر الخطاب الداعشي – حيث تُعلن "الدولة الإسلامية" نفسها طليعةً مقدّسة، باقيةً رغم الانهيارات، وأنها تعيش "مرحلة الابتلاء بعد الطهر" – يمكن تبيّن ثلاث رسائل مسكوت عنها تتغلغل في السطور، دون أن تُصرّح بها صراحة، لكنها تؤدي دورًا بالغ الخطورة في تشكيل وعي أتباع التنظيم. هذه الرسائل تكشف كيف يحاول الخطاب التمويه على الجرائم، والتملص من الفشل، وكبت التفكير النقدي، بما يعكس سلوكًا تبريريًا مقصودًا، يخدم بقاء الأيديولوجيا حتى في لحظات الهزيمة. 1. طمس جرائم التنظيم يستدعي النص واقعة قتل الدروز لا بوصفها مأساة إنسانية أو جرمًا في حق الأقليات، بل كـ"تنفيذ لحكم الله". لا يُظهر الخطاب أي ندم، ولا حتى تبريرًا سياسيًا، بل يعرض الفعل كدليل على "طهارة المنهج". الإشارة عابرة ولكنها كافية لتثبيت الفكرة: أن قتل المختلفين عقائديًا جزءٌ مشروع من "نقاء الصف". المُلفت أن المجازر التي ارتُكبت في حق الدروز، والدمار الذي طال قراهم، وتهجير آلاف المدنيين، يتم القفز عليه بالكامل. لا ذكر للضحايا، ولا للمعاناة، ولا لأي أثر إنساني لما جرى. بهذا الشكل، يتعمد النص محو الذاكرة الجمعية للضحايا، وتقديم جريمة إبادة طائفية كعلامة إيمان. هذه المقاربة تُحوّل المذابح من واقع مُدان إلى سردية نصر عقائدي، يُمكّن التنظيم من فرض هيمنته الرمزية على الماضي. إنها عملية "تبييض للعنف" تجري بلغة دينية، لتُظهر القتل كجزء من بناء الأمة المسلمة، لا كجريمة سياسية وأخلاقية. 2. إسقاط الفشل على الآخرين رغم أن التنظيم انهار جغرافيًا وخسر قاعدته الشعبية، إلا أن النص لا يواجه هذا الانهيار مواجهةً واقعية. بل يُعيد تدوير خطاب "الاصطفاء" ويعرض الهزيمة كـ"ابتلاء بعد طهر"، كما ورد في الافتتاحية. هذه الحيلة النفسية تبرّر العزلة وتُقنع الأتباع بأنهم ضحايا "حرب كونية على الإسلام". النص يُحمّل الآخرين مسؤولية الفشل: الصحوات، الحركات الإسلامية، الدول الغربية، القبائل، وحتى الجهاديين "غير الملتزمين بالمنهج". الكل متآمر، والتنظيم وحده "الثابت". بذلك، يتم تجريد الجماعة من أي مسؤولية، وتُخلق بيئة ذهنية مغلقة ترفض النقد أو المراجعة. هذا الإسقاط ليس بريئًا، بل يُعيد إنتاج منطق التمايز والطهر. فالفشل ليس ناتجًا عن خطأ استراتيجي أو غلوّ فكري، بل عن خيانة الخارج. وهكذا يُعاد ضبط العلاقة مع العالم من منطق المواجهة الدائمة، فيتحوّل التنظيم إلى "قلعة محاصَرة"، مما يُمهّد لعودة أكثر تطرفًا. 3. إسكات أي خطاب عقلاني أو نقدي في لحظة ما، كانت بعض الأوساط الجهادية قد بدأت بمراجعات داخلية، وظهرت مناظرات ونقاشات عن شرعية البيعة، وأساليب العنف، وشرعية الدولة. لكن النص الذي نحن بصدده يُهاجم هذا المسار، ويصفه بـ"السفسطائية" و"الارتياب"، بل يُلمّح إلى أن هذه المراجعات خطرٌ على الطهارة العقائدية. الخطاب يشن حملة على "الجهاديين المرتابين"، ويصف التفكير المستقل كعلامة ضعف أو خيانة. في المقابل، يُكرّس الانصياع للنصوص "كما فُهمت من قِبل الدولة" باعتباره واجبًا شرعيًا. بهذا، يتم دفن أي أفق للاجتهاد، ويُحوَّل التنظيم إلى منظومة مغلقة من الطاعة المطلقة. هذه النزعة التكفيرية المضادة للنقد تخلق بيئة فكرية خانقة، تُعيد تدوير الغلوّ وتمنع أي تصحيح داخلي. فحتى النقد من داخل الدائرة الجهادية يُعامل كرجس يجب استئصاله. النتيجة: خطاب يعادي العقل، ويُؤسس لدكتاتورية دينية ترفض حتى أقرب مقاتليها إذا تساءلوا أو تردّدوا. رابعًا: الوظائف التداولية للخطاب بالنظر إلى افتتاحية داعش، يتّضح أن الخطاب ليس مجرد تحليل ظرفي أو تعليق عابر على "خيانات الجولاني" كما يسميها، بل هو جزء من استراتيجية أيديولوجية مدروسة تهدف إلى إعادة ضبط البوصلة القتالية والشرعية لدى جمهور التنظيم. في هذا السياق، تتجلّى الوظائف التداولية للنص، ليس باعتباره أداة للتواصل فقط، بل كوسيلة للتأثير والتوجيه والتجنيد وإعادة إنتاج الصراع. 1. التحريض على القتل باسم الدين النص يُعيد إنتاج البنية الفقهية التي طالما اعتمد عليها التنظيم لتبرير العنف، إذ يقدّم هيئة تحرير الشام ليس فقط كخصم عسكري، بل كعدو عقدي "مرتد"، ما يفتح الباب أمام تسويغ استهدافها وتصفيتها بوصف ذلك "حكمًا شرعيًا". لا يكتفي الخطاب بوصف الجولاني بالخيانة، بل يربط موقفه بالخروج عن الدين، وهو تأصيل مقصود يهدف إلى إزالة أي حرج ديني من عمليات الاغتيال أو القتال الموجهة ضد فصائل أخرى، بل يجعل منها واجبًا دينيًا. بهذه الطريقة، يهيئ النص الأرضية النفسية والفقهية لأي عمليات انتقامية مقبلة ضد هذه الفصائل. 2. تثبيت الهوية الداعشية مقابل الآخر المرتد الخطاب لا يترك مساحة رمادية في تحديد الهويّات، بل يرسم حدودًا صارمة بين "الفرقة الناجية" – أي داعش – و"المرتدين والخونة"، وهو ما يُعيد التأكيد على مركزية التنظيم باعتباره المُمثل الأوحد للإسلام الصحيح، حسب زعمه. يُوظّف النص لغة حصرية تُمجّد "الطهر العقائدي" لداعش مقابل "التلوث" الذي أصاب الفصائل الأخرى، ما يُعزز من شعور النخبوية لدى عناصره ويُبرّر قطيعة تنظيمية وعقدية مع كل من لا ينتمي لهم. 3. خلق عدو دائم لا يكتفي الخطاب بإدانة الجولاني أو هيئة تحرير الشام، بل يوسّع من دائرة "العدو المرتد"، لتشمل كل من تعاون مع هذه الفصائل أو سكت عن "انحرافها"، ما يُبقي التنظيم في حالة استنفار وجودي دائم. هذه التقنية تُعد من أدوات التعبئة المركزية لدى داعش: تحويل كل نزاع سياسي أو تنظيمي إلى معركة دينية حتمية، تُبرّر استمرار القتال وتُضفي عليه قداسة. إنها آلية لإبقاء الحرب مفتوحة دائمًا، حتى في حال غياب عدو مباشر. 4. استقطاب الهامش المتطرف في لحظة تراجع التنظيم وتفكّك أذرعه، يخاطب النص من تبقّى من المتشددين الذين لم يجدوا في الجولاني أو غيره "خصمًا كافرًا"، ويحثّهم على اتخاذ موقف قاطع وحاسم. يستخدم خطابًا عاطفيًا وعقائديًا يلامس مخاوف هؤلاء من "الذوبان"، ويُقدّم داعش كآخر معاقل الصفاء العقائدي. بهذا المعنى، لا يسعى النص إلى كسب جمهور واسع، بل إلى اجتذاب الشريحة الأكثر تطرفًا التي قد تشعر بالتيه أو خيبة الأمل من فصائل المعارضة، وبالتالي تميل إلى العودة لأحضان تنظيم أكثر راديكالية. خامسًا: الأثر الاجتماعي والسياسي للخطاب يفاقم الخطاب الداعشي الانقسامات الأيديولوجية والتنظيمية بين الفصائل الجهادية، لا سيما بين تنظيم "الدولة" وهيئة تحرير الشام، التي يصفها النص بأنها "سلالة صحوات الردة". عبر هذه اللغة، لا يكتفي الخطاب بتكفير "العدو"، بل يشيطنه بأبشع الأوصاف، ما يغلق أبواب المصالحة أو التهدئة بين الفصائل المتصارعة، ويحول الصراع من تنافس نفوذ إلى صراع وجودي، حيث كل طرف يسعى لإلغاء الآخر ماديًا ومعنويًا. وهذا يطيل أمد الحرب الأهلية في سوريا، ويجعل من أي مشروع سياسي لحل النزاع أمرًا بعيد المنال. الخطاب يكرّس كراهية طائفية حادة، ليس فقط ضد العلويين الذين يُتهمون صراحةً بموالاة "النصيرية الصفوية"، بل يمتد ليشمل الشيعة والإسماعيليين والدروز، وحتى المسلمين الذين لا يتبنّون رؤية التنظيم. في ظل هذا التصنيف، تصبح دماء هؤلاء مباحة، ويجري استدعاء مفردات فقهية مثل "التترس" و"الولاء والبراء" لتبرير أعمال إبادة جماعية ممنهجة، تُصوَّر على أنها جهاد تطهيري لا بد منه لتثبيت "التوحيد الخالص" على الأرض. يعيد النص توظيف مفاهيم دينية مثل "تحكيم الشريعة" و"الطاغوت" و"الحاكمية" في سياق سياسي صرف، يخدم أجندة التنظيم في نزع الشرعية عن خصومه، وفرض تصور أحادي للإسلام. في الافتتاحية، يُقدَّم مشروع التنظيم على أنه امتداد لـ"دولة الإسلام"، في مقابل ما يُسمّى بـ"ديمقراطيات الكفر" أو "أنظمة الردة"، ما يجعل أي شكل من أشكال المشاركة السياسية أو التعددية مرفوضًا شرعًا. وبهذا يتحول الدين إلى أداة للإقصاء والسيطرة لا وسيلة للهداية أو الإصلاح. لا يتوقف الخطاب عند حدود الساحة السورية، بل يتعمد تصدير النموذج الداعشي بوصفه المثال الأعلى لأتباع التنظيم في مناطق أخرى مثل الساحل الإفريقي وولايات خراسان وآسيا الوسطى. الرسالة تتجاوز المحلي لتخاطب "الموحدين في كل مكان"، مطالبةً إياهم بتكرار التجربة، واستهداف "المرتدين" في مجتمعاتهم. بهذا الشكل، يتحول الخطاب إلى وقود لعنف عابر للحدود، يعيد إنتاج الفوضى في أماكن مختلفة، ويوفر شرعية "عقائدية" للهجمات الإرهابية التي تنفذها خلايا مرتبطة بالتنظيم في بلدان لا علاقة مباشرة لها بالصراع السوري. خاتمة: بين الكفر السياسي والتقديس الدموي تكشف افتتاحية النبأ عن خطاب هجين يجمع بين التكفير، والتاريخ المشوّه، والرمزية اللاهوتية، والدعاية السياسية. لا ينطق النص باسم الدين، بل باسم مشروع سياسي مهووس بالدماء والخراب. وبينما يُكرّس الخطاب مبدأ الطهارة عبر الإبادة، فإنّه في الحقيقة ينتج منظومة عنف دائمة لا تعرف إلا التشظي، ويغلق كل أبواب الحوار والاجتهاد، ويقود الأتباع إلى طريق تفخيخ الجغرافيا والوعي معًا. لقد آن الأوان لمواجهة هذا الخطاب بما هو أكثر من الردّ الأمني، إذ يحتاج الأمر إلى تفكيك لغوي ومعرفي يُظهِر زيف ادعاءاته، ويفضح استغلاله للنصوص، ويحرّر العقول من أسر التقديس الزائف للسلاح.


موقع كتابات
منذ ساعة واحدة
- موقع كتابات
وطني قبيلتي ومدينتي عشيرتي!!
القبيلة: كيان إجتماعي إقتصادي سياسي يضم عائلات تجمعها روابط الدم , وتخضع لرئيس واحد , ولها عادات وأعراف خاصة. العشيرة: فئة إجتماعية متلاحمة بروابط القرابة أو بمصالح إقتصادية أو سياسية وغيرها. وهي أضيق من القبيلة أو جزء منها. سياسة فرق تسد معمول بها منذ قرون , وتجسدت في واقع دول الأمة بعد الحرب العالمية الأولى , ولا تزال تنخر كياناتها وتفتتها , وتدفعها للتناحر والتصارعات الخسرانية المتواصلة , وهناك قوى تصب الزيت على النيران فتأنس بأجيجها وتحويلها إلى رماد. وما يحصل في بعض دول الأمة , أن مجتمع المدينة الواحدة تحقق توزيعه على كيانات عشائرية , ذات دواوين سلطوية تتلقى المخصصات من الحكومة , لتأكيد التفاعلات البلياردية (من البليارد) بين أبنائها , وبعد مرور الزمن يكون إذكاء الصراعات سهلا بينها , مما يؤدي إلى إنهاكها وسقوطها في حبائل التبعية والخنوع للطامعين بها. العشائريات المتخندقة في دواوينها , مصيدة لقتل المجتمع وتدمير التفاعلات الإيجابية بين أبنائه , وهي سياسات مدروسة ومبرهنة بأبحاث سلوكية نفسية معقدة ومتطورة. فيتم إثارة مواضيع إلهائية تخديرية ذات طابع دموي لشد الأنظار بعيدا عن المصلحة العامة , وسيادة الوطن وحرمته , ويسود الجهل والأمية , بينما المطلوب أن تهتم العشائر بالزراعة والثروة الحيوانية والصناعة , وتشجيع العلم والتنافس الإيجابي لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين , والعمل الجاد على حث السلطات التنفيذية لتأمين حقوق الإنسان , والإهتمام بمقامه وقيمته ودوره البنّاء. فالإنتماء للوطن أولا وللمدينة ثانيا , وكل شيئ دونهما , ولا يعلو عليهما غير السماء!! تآزرتِ البرايا في البلادِ وشيّدتِ الحواضرَ بالأيادي وكلّ وديعةٍ صارتْ منارا معززة برايات الودادِ إذا اعْتصَمتْ جهودُ الناسِ فيها تواصتْ بالتلاحمِ والسيادِ د-صادق السامرائي


موقع كتابات
منذ ساعة واحدة
- موقع كتابات
حوار على فنجان قهوة بعد عشرين عام واكتشفت أني كنت أحلم
في عام ألفين وأربعة بعد عام واحد فقط من سقوط نظام البعث في العراق كانت أول سفرة لي خارج الوطن كنت مفعما بالأمل متفائلا حد الإيمان الكامل بأن التغيير القادم سيحمل الخير والديمقراطية والانفتاح كنت أتنفس هواء مختلفا وكأن نسيم الشمال قد تسلل إلى صدري ليغسل عنه ما علق من كآبة الحروب والحصار شعرت أن الأفق مفتوح وأن العراق سيتحول إلى قصة نجاح يرويها الناس ذات يوم في تلك الرحلة التقيت بصديق قديم يقيم في إحدى الدول العربية اصطحبني إلى مقهى يجتمع فيه نخبة من المثقفين العرب من مختلف البلدان وهناك جلس معنا رجل مصري بسيط الهيئة لكنه يحمل نظرة فيها عمق وهدوء عرفني به صديقي على أنه دكتور في العلوم السياسية يدرّس في إحدى جامعات الأردن كان الحديث وقتها لا يدور إلا عن العراق عن ما بعد صدام عن الدولة الجديدة والدستور والسياسة والخطاب الطائفي والآمال التي لا تنتهي تكلمت كثيرا بشغف واندفاع عن العراق الجديد عن الإعمار القادم عن المؤسسات والديمقراطية والانتخابات عن عودة العراق إلى محيطه العربي والدولي كنت مؤمنا تماما أن الطريق وإن كان صعبا إلا أنه سيقودنا إلى نهضة حقيقية والدكتور المصري كان صامتا أكثر الوقت يرتشف قهوته وينفث دخان سيجارته أحيانا يضعها على الطاولة وأحيانا يعيدها إلى فمه كان ينظر إليّ وكأنه يسمعني لا بكلماتي بل بنيّاتي وما خلف الكلام من أمنيات وحين انتهيت من الحديث سألني بهدوء وقال خلاص كده مافيش كلام تاني قلت لا خلصت فابتسم وقال شوف يا سيد أحمد انت بتحلم حلم جميل بس لسه القادم أمامكم كتير وحتشوف الخراب بعينك وخليني أقولك حاجة مهمة لا كان صدام جيد ولا اللي جاي هيكون جيد انتو دخلتم في خراب مش في إعمار ثم أخذ يشرح لي كيف أن الدول التي تنهار لا تنهض بسرعة وأن العراق مقبل على سنوات من الفوضى والصراع والتشرذم وأن ما نراه الآن من مؤشرات ليس سوى بداية لسلسلة طويلة من الأزمات قلت في نفسي هذا الرجل متشائم بل مجنون كيف يقول ذلك والعالم كله يمد لنا يد العون ونحن نبدأ صفحة جديدة لكن الآن وبعد مرور عشرين سنة أقف أمام صورتي القديمة وأبتسم بسخرية مريرة فقد أدركت أني كنت حالما أكثر من اللازم وأن كلام ذلك الرجل الذي حسبته مجنونا كان يحمل قدرا هائلا من الصدق والبصيرة فالعراق لم يتحول إلى النموذج الذي حلمنا به بل صار حقل اختبار للخيبات والنزاعات وانكشفت فيه كل التصدعات التي كانت تحت السطح أدركت اليوم أن التفاؤل وحده لا يصنع الأوطان وأن الخراب لا يأتي فقط من الطغاة بل أيضا من الفوضى المقنعة باسم الحرية ومن ديمقراطية بلا مؤسسات ومن مشاريع تتصارع فيها الولاءات الخارجية أكثر من المصالح الوطنية والأحزاب اغلبها غير وطنية مرتبطة بدوائر مخابراتية مهمتها تخريب العراق وعدم السماح له بالنهوض . انتهت أحلامي وأحلام كل وطني شريف وعراقي غيور وذبح الشرف على دكة وابواب العملاء ..