
تمويل أخضر عالمي بالمليارات.. هل تأخر الأردن عن السباق؟
رغم أن الأسواق العالمية تشهد "طفرة" في تمويل المشاريع الخضراء، فإن الأرقام تشير إلى أن حصة الأردن من هذه التدفقات المالية "لا تكاد تذكر"، الأمر الذي يدعو بحسب خبراء إلى ضرورة تجاوز التحديات التي تعيق الاستثمار بشكل حقيقي في هذا القطاع.
وتشير أرقام عالمية صادرة عن بنك الاستثمار الهولندي "آي إن جي" أن إجمالي التمويل الأخضر العالمي (إصدارات التمويل، والسندات الخضراء) تجاوز مستوى 1.657 تريليون دولار( أكثر من ألف و600 مليار دولار) العام الماضي، في المقابل، تشير الأرقام الرسمية إلى أن حصة الأردن من التمويل الأخضر بلغت 250 مليون دولار العام الماضي.
ويعني ذلك أن حصة الأردن من تدفقات التمويل الأخضر بلغت 1.5 سنت (قرش واحد) من كل 100 دولار (71 دينارا) تدفقت إلى القطاع خلال العام 2024، وبنسبة 0.015 %.
ورغم أن المملكة تصنف ضمن أكثر الدول هشاشة مناخيا، وتعاني من فقر مائي مزمن وموارد طبيعية محدودة، فإن نصيبها من التمويلات المخصصة للتحول الأخضر ما يزال هامشيا إذا ما قورن بما تحصل عليه دول في الإقليم والعالم النامي، بحسب الخبراء.
وأمام واقع التمويل الأخضر المحلي المتواضع تبرز تسأولات عدة.. هل يعود ضعف التمويل لعوامل خارجية؟ أم أن هنالك مشكلة داخلية، تتعلق بضعف جاهزية القطاعات الأردنية لالتقاط الفرصة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر الشامل؟
ويعرف التمويل الأخضر، بأنه استخدام المنتجات والخدمات المالية مثل القروض، التأمين، والأسهم واستثمارات رأس المال والسندات وغيرها، من أجل تمويل المشاريع البيئية الصديقة للبيئة.
واعتبر خبراء اقتصاديون بأن خلف هذا التفاوت الواضح تقف جملة من التحديات البنيوية والمؤسسية التي تعيق انفتاح الأردن على أسواق التمويل المناخي الدولية والوصول لها، في ظل حاجة ماسة لتطوير أدوات محلية أكثر طموحا، من بينها غياب الإطار التشريعي الناظم، سواء على مستوى التشريعات البيئية، أو ترخيص المشاريع، أو حتى كودات البناء، إضافة إلى ضعف إصدار سندات خضراء سيادية وضعف الجاهزية المؤسسية الوطنية للوصول المباشر إلى صناديق التمويل الأخضر.
وبهدف تحسين الوصول إلى التمويل الأخضر دعا الخبراء، إلى أهمية تأهيل كوادر متخصصة في التمويل المناخي داخل المؤسسات الحكومية بصفتها نقطة الاتصال الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، إضافة إلى الحاجة لسياسة وطنية متكاملة لتوسيع نطاق التمويل الأخضر، وتوفير حوافز ضريبية وغير ضريبية لتشجيع التوجه نحوه، إلى جانب توسيع صلاحيات البنوك وصناديق الاستثمار لتبني مشاريع الطاقة النظيفة والمياه المستدامة والنقل منخفض الانبعاثات.
واقع التمويل الأخضر محليا
بدأت تمويلات الاقتصاد الأخضر في الأردن تتشكل مؤسسيا ومنهجي منذ عام 2018 تقريبا، لكنها تسارعت بشكل واضح منذ عام 2020 مع دخول عدة جهات دولية على الخط، لا سيما البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، الاتحاد الأوروبي (EU)، وصندوق المناخ الأخضر (GCF).
وتجدر الإشارة إلى غياب الإحصائيات الرسمية المحلية المتعلقة بحجم الاستثمارات الخضراء، رغم إدراج الاقتصاد الأخضر والنمو الأخضر في رؤية التحديث الاقتصادي، وتخصيص محرك خاص بها ضمن محركات الرؤية وهو "البيئة المستدامة"، إذ يضم المحرك ثلاثة قطاعات (الاقتصاد الأخضر، النمو الخضر، والتنمية الحضرية الخضراء) وتتضمن 20 مبادرة. ويهدف إلى تعزيز الممارسات المستدامة واتخاذ إجراءات تغير المناخ كجزء أساسي من تعزيز النمو في الأردن وحماية بيئتها ومواردها للأجيال القادمة.
وبالعودة إلى مصادر التمويل الأخضر التي استفادت منها القطاعات الاقتصادية المحلية خلال السنوات الخمس الأخيرة، جاءت على النحو التالي:
ففي عام 2020 أعلن برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر العالمي GEEF، عن نيته بالاستثمار في السوق الأردنية، وبحلول عام 2021 أطلقت المرحلة الأولى من برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر العالمي في المملكة بتمويل مشترك من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والاتحاد الأوروبي وصندوق المناخ الاخضر، حيث تم توفير تمويل بقيمة 40 مليون يورو، حينها منحت لمجموعة بنوك محلية لتمكينها من تسهيل حصول الشركات المعنية بالطاقة النظيفة والمناخ على التمويل اللازم لمشاريعها.
في عام 2022 تم إطلاق المرحلة الثانية من GEFF مع تمويل إضافي يقدر بـ48.5 مليون يورو، حيث تم بموجبه توسيع الشركات المستفيدة لتشمل شركات التمويل الأصغر.
أما في عام 2023 تم الإعلان عن إصدار أول سند أخضر في الأردن من خلال أحد البنوك المحلية بتمويل من مؤسسة التمويل الدولية IFC، إذ بلغت قيمة تمويل السند 50 مليون دولار، خصصت لاستهداف تمويل مشاريع الطاقة النظيفة والنقل المستدام والبنية التحتية الخضراء.
بالانتقال إلى عام 2024 وافق البنك الدولي على تخصيص تمويل بقيمة 250 مليون دولار لتحسين كفاءة الطاقة وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وذلك ضمن حزمة دعم بـ 1.1 مليار دولار لدعم رؤية التحديث الاقتصادي في المملكة.
في أيار (مايو) من العام الحالي، أعلن برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر عن تقديم قرض بقيمة 5 ملايين دولار إلى أحد البنوك المحلية كدعم وبمنحة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 560 ألف يورو مخصص لمشاريع الطاقة الخضراء للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
الشوشان: الاقتصاد الأردني لم يستفد بعد من التمويل الأخضر العالمي كما يجب
وقال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية الأردنية عمر الشوشان: "رغم تزايد الاهتمام العالمي بالتمويل الأخضر كأداة إستراتيجية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ، إلا أن الاقتصاد الأردني ما يزال يواجه تحديات جوهرية تعيق استفادته الكاملة من أسواق هذا التمويل".
وأوضح الشوشان أن الأردن بحاجة ملحة لتمويل مشاريع التكيف والتخفيف، ومع ذلك لم يتمكن حتى الآن من جذب تمويل مباشر من صندوق المناخ الأخضر (GCF)، إذ جاءت كافة التمويلات عبر برامج الأمم المتحدة المختلفة، مثل الفاو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو ما يكشف عن ضعف الجاهزية المؤسسية الوطنية للوصول المباشر إلى هذه الصناديق.
واعتبر الشوشان أن هناك فرصا مهدورة أمام الاقتصاد الوطني كان يمكن استغلالها لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، خاصة في قطاعات المياه والطاقة والزراعة، إلا أن ضعف القدرة على تصميم مشاريع مؤهلة وفق معايير المناخ، وغياب البيانات البيئية الدقيقة وآليات قياس الأثر، فضلا عن ضعف التنسيق المؤسسي، كلها عوامل تعيق الاستفادة من التمويل الأخضر.
وأكد الشوشان أن مبادرات النمو الأخضر التي تضمنتها رؤية التحديث الاقتصادي تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الخضراء، والنقل المستدام، وإدارة الموارد الطبيعية، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها دون تعزيز قدرة الأردن على الوصول إلى مصادر التمويل المناخي الدولية.
وأشار إلى وجود بوادر إيجابية بدأت تظهر، أهمها تقدم بنك تنمية المدن والقرى بخطوات متقدمة لاعتماده من قبل صندوق المناخ الأخضر كمؤسسة وطنية معتمدة، ما من شأنه أن يمكن الأردن من الوصول إلى التمويل بشكل مباشر ومستقل.
كما نوه الشوشان إلى أن تأهيل كوادر متخصصة في التمويل المناخي داخل وزارة البيئة بصفتها نقطة الاتصال الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، يمثل ركيزة أساسية لبناء جاهزية مؤسسية مستدامة.
وشدد الشوشان على أنه في حال تفعيل هذه المسارات، فإن التمويل الأخضر قد يشكل فرصة تنموية كبرى للأردن، من خلال دعم مشاريع الطاقة المتجددة، والإدارة المستدامة للموارد، وتوفير وظائف خضراء تعزز من مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات.
ضعف التشريعات وغياب الحوافز يعيقان استفادة الأردن من التمويل الأخضر
بدوره، قال الخبير الاقتصادي إياد أبو حلتم: "إن الأردن ما يزال يواجه تحديات هيكلية في البنية التحتية الخاصة بالاقتصاد الأخضر، تحول دون الاستفادة الفعلية من الفرص التمويلية المتاحة إقليميا ودوليا".
وأوضح أبو حلتم أن من أبرز هذه التحديات غياب الإطار التشريعي الناظم، سواء على مستوى التشريعات البيئية، أو ترخيص المشاريع، أو حتى كودات البناء.
ولفت أبو حلتم إلى أن البنوك والمؤسسات التمويلية المحلية ما تزال متأخرة في طرح أدوات تمويل خضراء ميسرة، مؤكدا أن اعتماد ممارسات الاقتصاد الأخضر كالتدوير، وخفض الهدر، واستخدام الموارد بكفاءة، والطاقة المتجددة لم يعد ترفا بل أصبح ضرورة لتعزيز الصادرات الأردنية ومواكبة المعايير البيئية التي تفرضها أسواق دولية عديدة.
ويرى أبو حلتم أن التوسع في الاقتصاد الأخضر من شأنه أن يحسن تنافسية الصناعات الأردنية، ويقلل الكلف التشغيلية، ويرفع جودة المنتجات، داعيا إلى ضرورة تحديث تقنيات الإنتاج في المصانع، ومراجعة سياسات التمويل، وإقرار منظومة تحفيز متكاملة تدفع بالقطاع الصناعي والاقتصادي نحو تبني هذا التحول الحيوي.
واعتبر غياب الحوافز الضريبية والمالية والإجرائية من قبل القطاع العام يشكل عائقا إضافيا أمام تحفيز القطاع الخاص على تبني ممارسات الاقتصاد الأخضر، مشيرا إلى أن بعض البرامج كـ"صندوق دعم الصناعة" بدأت تمنح نقاطًا إضافية للمشاريع الخضراء، إلا أن ذلك ما يزال محدود الانتشار، ولا يرقى إلى مستوى السياسة الشاملة.
وأشار إلى أن الأبنية في الأردن ما تزال تفتقر لمعايير "البناء الأخضر" من ناحية كفاءة الطاقة أو جودة العزل أو نوعية المواد المستخدمة، ما يعكس فجوة تنظيمية كبيرة في بيئة الأعمال المرتبطة بالتحول الأخضر.
كما لفت أبو حلتم إلى أن غياب سياسات الشراكة الجادة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال، إلى جانب نقص برامج التوعية والتدريب، أدى إلى تدني مستوى الوعي بالممارسات الخضراء داخل الشركات الأردنية، وغياب الاقتصاد الأخضر عن أولويات الاستثمار والتطوير لدى معظم المصانع والمؤسسات.
وأوضح أبو حلتم، أنه رغم وجود برامج تمويل مخصصة من البنك المركزي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بسقف يصل إلى مليون دينار للشركة الواحدة، فإن ذلك لا يغني عن الحاجة لسياسة وطنية متكاملة لتوسيع نطاق التمويل الأخضر، وتوفير حوافز ضريبية وغير ضريبية لتشجيع التوجه نحوه.
تزايد الوعي بالاقتصاد الأخضر محليا
من جانبه، اعتبر المختص في مجال الاقتصاد الأخضر محمد عصفور أن وصول الشركات والمؤسسات المهتمة بالاقتصاد الأخضر إلى التمويل الأخضر تصطدم بضعف الأطر التشريعية والتنظمية المتعلقة في هذا المجال محليا، مما يحد من قدرتها في الوصل إلى أسواق التمويل.
وبين عصفور أن قطاعات عدة لديها فرص اقتصادية يمكن الاستفادة منها في حال تمكنها من الوصول إلى التمويل الأخضر الذي تركز أغلبه خلال السنوات الماضية في قطاع الطاقة المتجددة، ومن هذه القطاعات قطاع التدوير، إضافة إلى قطاع السياحة لا سيما في مجال كفاءة استخدام الموارد وتعزيز مفهوم السياحة البيئية والتنمية الحضارية، إضافة إلى قطاعات الزراعة والمياه والنقل، الزاخرة بالفرص الاقتصادية المتطلبة المزيد من التمويل.
وأكد عصفور أن الحصول على التمويل الأخضر والاستفادة منه في مشاريع بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، من شأنه أن يحقق عوائد عدة منها: توفير المزيد من فرص العمل، إضافة إلى إتاحة الطريق أمام تصدير الخدمات التي يوفرها الاقتصاد الأخضر إلى الخارج، حيث تتوفر لدى الأردن ثورة بشرية جيدة في هذا المجال.
وأشار عصفور إلى أنه في الآونة الأخيرة بات هنالك تزايد واضح في الوعي بالاقتصاد الأخضر، وأصبح محط اهتمام المؤسسات المختلفة ومنها: غرفة تجارة الأردن وكذلك غرفة صناعة الأردن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 30 دقائق
- أخبارنا
د. محمد الطماوي : وثيقة المستقبل.. كيف نصنع اتحاداً اقتصادياً عربياً؟
أخبارنا : رغم امتلاك الدول العربية لمقومات اقتصادية وجغرافية وبشرية ضخمة، فإنها لا تزال ترزح تحت عباءة الضغوط الاقتصادية الخارجية، تتخذ أشكالا متعددة تبدأ من الديون المشروطة ولا تنتهي عند التبعية في الغذاء والتكنولوجيا، هذه الهيمنة ليست قدرا محتوما، وإنما نتيجة خيارات وسياسات، يمكن تجاوزها إذا توفرت الإرادة والرؤية والاستعداد للتغيير. تشير تقارير البنك الدولي إلى أن إجمالي الدين الخارجي للدول العربية بلغ نحو 1.45 تريليون دولار، في حين تعتمد أكثر من 85% من الدول العربية على استيراد غذائها من الخارج، رغم توفر الأراضي الزراعية والمياه والمناخ المناسب، أما في قطاع التصنيع، فلا تساهم الصناعة إلا بنحو 9% فقط في الناتج المحلي الإجمالي العربي، مقابل أكثر من 30% في الدول الناشئة، كما لا يتجاوز الإنفاق العربي على البحث العلمي والتطوير نسبة 0.6% من الناتج، مقارنة بـ 3.4% في كوريا الجنوبية، و2.8% في أوروبا. تستخدم القوى الكبرى أدوات ناعمة وذكية لإحكام السيطرة الاقتصادية على الدول، من أبرزها "الديون المشروطة"، حيث تشترط مؤسسات التمويل الدولية إجراءات تقشفية تُضعف الاقتصاد المحلي وتوسع الفجوة الاجتماعية، كما تمارس الدول الصناعية الكبرى هيمنة تجارية، حيث تستورد الدول العربية المواد الخام مثل النفط والغاز، وتعيد شراءها في صورة منتجات مصنعة بأضعاف التكلفة، هذا بالإضافة إلى سيطرة شركات أجنبية على موانئ عربية استراتيجية، وتوغل إسرائيلي غير مسبوق في بعض الأسواق العربية عبر اتفاقيات تطبيع تجاري واقتصادي. التحرر من الهيمنة الاقتصادية يتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز الشعارات، وتبدأ من بناء أمن غذائي حقيقي، من خلال الاستثمار في الزراعة في دول مثل السودان وموريتانيا والعراق، وإنشاء صندوق عربي للأمن الغذائي بتمويل خليجي مشترك، كما يجب إنشاء بنك عربي للتنمية مستقل عن المؤسسات الغربية، يمول مشروعات البنية التحتية والطاقة والتصنيع، بشروط وطنية وشفافية كاملة. من الضروري كذلك تبني مشروع صناعي عربي يقوم على مناطق صناعية مشتركة في مصر والمغرب وتونس والأردن، تركز على الصناعات الدوائية، والتكنولوجية، والدفاعية، ولا بد من مضاعفة الإنفاق على البحث والتطوير، وتوطين التكنولوجيا عبر دعم الشركات الناشئة، والاستثمار في التعليم التقني والابتكار. يجب أن تتوقف الدول العربية تدريجيا عن تصدير النفط الخام، والتوسع في التكرير محليا لتوليد قيمة مضافة وتشغيل العمالة المحلية، كما يجب استثمار الطاقة الشمسية في دول مثل السعودية ومصر والأردن والجزائر لإنشاء مشاريع طاقة نظيفة تخفف التبعية في المستقبل، ومن المهم إعادة إحياء السوق العربية المشتركة، بإلغاء القيود الجمركية، وتحسين الربط اللوجستي بين الموانئ والطرق والسكك الحديدية، وتعزيز التعاون النقدي عبر إطلاق آلية تسوية مالية عربية. العالم يمر بتغيرات كبرى، التعددية القطبية تفتح فرصا جديدة للدول غير الغربية، والحروب والأزمات (كجائحة كورونا وأزمة أوكرانيا والعدوان على غزة والحرب على إيران) أظهرت هشاشة الاقتصادات، هذه لحظة فارقة يجب ألا تمر دون أن نبني عليها، فالقوة الاقتصادية ليست ترفًا، بل شرطًا للسيادة السياسية. حين ننظر إلى تجربة الاتحاد الأوروبي، ندرك أن وحدة الشعوب ليست حلما مستحيلا، بل مشروعا قابلا للتحقق إذا وجدت الإرادة السياسية والإدراك التاريخي، أوروبا، التي مزقتها الحروب لعقود، ودفعت ثمنا باهظا من الدماء والخراب، قررت بعد الحرب العالمية الثانية أن خيارها الوحيد للسلام والازدهار هو الوحدة الاقتصادية والسياسية، ومن هذا القرار الجماعي، ولِدت السوق الأوروبية المشتركة، ثم تطورت إلى اتحاد نقدي، فسياسي، فعملوا على توحيد عملاتهم، وتنسيق سياساتهم الزراعية والصناعية والتجارية، واليوم يشكل الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الكتل الاقتصادية عالميًا بقوة تفاوضية موحدة. في المقابل، لا تزال الدول العربية، التي تتحدث لغة واحدة، وتتشابه في الثقافة والدين والمصير، عاجزة عن تحقيق حتى الحد الأدنى من التكامل الاقتصادي. الفُرقة والتردد والتدخلات الخارجية عطلت كل مشروع وحدوي عربي حقيقي، في وقت تتقدم فيه التكتلات الدولية بقوة وثقة. إن مصير الشعوب لا تحدده الأمنيات، بل تصنعه القرارات المصيرية التي يتخذها القادة والمفكرون والسياسيون اليوم. نحن لا نكتب فقط تحليلات ومقالات، بل نصوغ وثيقة تاريخية للمستقبل. وثيقة تقول بوضوح: إن بقاء الدول العربية في حالة التبعية والفرقة سيقودها إلى مزيد من الضعف، بينما وحدتها الاقتصادية والسياسية هي الطريق الوحيد نحو الكرامة والنهضة. الفرصة لا تزال قائمة، والموارد لا تزال متوفرة، والشارع العربي أكثر وعيًا من أي وقت مضى، فهل نمتلك الشجاعة لبدء مشروع وحدة حقيقي؟ أم سنترك أبناءنا يرثون عبء التشتت والعجز؟، ما نكتبه اليوم ليس مجرد كلمات، بل إعلان نوايا لأجيال قادمة، ومشروع مستقبل يجب أن يولد من رحم أزمات اليوم. التحرر من الضغوط الاقتصادية لا يتحقق بالكلمات، بل بالقرارات، والشعوب العربية تستحق اقتصادات قوية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وخلق الوظائف، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إن قوة العرب تبدأ من استقلالهم الاقتصادي، ولا يمكن بناء مشروع قومي عربي دون اقتصاد حر، قوي، ومنتج، إذا أردنا أن نحترم في هذا العالم، فعلينا أن نبني بأيدينا طريقنا نحو الاستقلال، ولن يتحقق ذلك إلا بإرادة عربية موحدة تعي أن التنمية لا تستورد، وإنما تصنع وتحمى.


Amman Xchange
منذ 2 ساعات
- Amman Xchange
اقتصاد إندونيسيا يسجل أسرع نمو فصلي منذ عامين
أظهر اقتصاد إندونيسيا أداءً أفضل من المتوقع في الربع الثاني من العام، محققاً أسرع وتيرة نمو منذ عامين، بفضل قوة الاستثمارات وإنفاق الأسر، ما قد يُعزز آمال الحكومة في الحفاظ على زخم النمو، رغم التحديات العالمية. وأفادت بيانات مكتب الإحصاء الإندونيسي، يوم الثلاثاء، بأن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 5.12 في المائة على أساس سنوي خلال الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، مقارنةً بـ4.87 في المائة في الربع السابق، ومتجاوزاً متوسط التوقعات البالغ 4.80 في المائة، وفقاً لاستطلاع أجرته «رويترز». وقالت راديكا راو، كبيرة الاقتصاديين في بنك «دي بي إس»، إن هذا الأداء المفاجئ يعود جزئياً إلى دعم ميزان التجارة الخارجية، في ظل زيادة الشحنات التصديرية قبيل تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية. ورغم مؤشرات سابقة على تباطؤ النشاط، مثل تراجع مبيعات السيارات وثقة المستهلك، وانكماش مؤشر مديري المشتريات، فإن وتيرة النمو جاءت لتبدد بعض تلك المخاوف. وسجل إنفاق الأسر، الذي يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، نمواً طفيفاً بنسبة 4.97 في المائة، بدعم من زيادة الإنفاق على الغذاء والسفر خلال عطلات دينية ومدرسية. كما قفز نمو الاستثمار إلى 6.99 في المائة، وهو أعلى معدل له منذ الربع الثاني من 2021، بفضل مشاريع البنية التحتية، وعلى رأسها توسعة شبكة النقل الجماعي السريع في جاكرتا. في المقابل، انخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 0.33 في المائة على أساس سنوي، في حين ساهمت صادرات الزيوت النباتية والمعادن والإلكترونيات وقطع غيار السيارات في تعزيز ميزان التجارة، مع تسارع شحنات التصدير في النصف الأول وسط سعي المشترين لتفادي الرسوم الأميركية. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، حذّر اقتصاديون من تباطؤ محتمل في الصادرات خلال النصف الثاني، مع تراجع الطلب العالمي على السلع الإندونيسية الأساسية. وقال برايان لي، الخبير في «ماي بنك»، إن الفائض التجاري قد يتقلص أكثر، داعياً إلى تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، فضلاً عن تحفيز مالي إضافي. من جانبه، أعلن وزير الاقتصاد الإندونيسي، إيرلانغا هارتارتو، أن الحكومة ستواصل دعمها للنمو، من خلال تمديد الإعفاءات الضريبية على مشتريات المنازل حتى ديسمبر (كانون الأول)، وتقديم خصومات على تذاكر الطيران خلال موسم العطلات، إلى جانب منح حوافز للصناعات كثيفة العمالة عبر قروض ميسرة وائتمانات استثمارية. ولم يحدد الوزير حجم الحوافز المرتقبة للنصف الثاني، لكن جاكرتا كانت قد خصصت 24.4 تريليون روبية (1.49 مليار دولار) كحوافز في النصف الأول. وعلى أساس ربع سنوي غير معدل موسمياً، نما الناتج المحلي بنسبة 4.04 في المائة.


Amman Xchange
منذ 2 ساعات
- Amman Xchange
العجز التجاري الكندي يتسع في يونيو مع ارتفاع واردات النفط
أوتاوا: «الشرق الأوسط» اتسع العجز التجاري الكندي في السلع إلى 5.9 مليار دولار كندي (4.24 مليار دولار أميركي) خلال يونيو (حزيران) الماضي؛ بدفع من نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات؛ نتيجة استيراد معدات نفطية عالية القيمة لمرة واحدة، وفقاً لبيانات رسمية صدرت الثلاثاء. ويُعدّ هذا العجز ثاني أعلى مستوى على الإطلاق بعد الرقم القياسي المُسجل في أبريل (نيسان) الماضي، البالغ 7.6 مليار دولار كندي. وكان محللون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا أن يتوسع العجز إلى 6.3 مليار دولار كندي، مقارنة بـ5.5 مليار دولار كندي في مايو (أيار)، بعد تعديله بالخفض. وأفادت «هيئة الإحصاء الكندية» بأن إجمالي الواردات ارتفع بنسبة 1.4 في المائة خلال يونيو إلى 67.6 مليار دولار كندي، بعد تراجع بنسبة 1.6 في المائة في مايو الذي سبقه. وأوضحت أن استثناء معدات مشروع نفطي بحري جرى استيرادها من الولايات المتحدة يُظهر انخفاضاً في الواردات بنسبة 1.9 في المائة. في المقابل، ارتفعت الصادرات الكندية بنسبة 0.9 في المائة إلى 61.74 مليار دولار كندي، بعد نمو بلغ اثنين في المائة خلال مايو، في زيادة تعود أساساً إلى ارتفاع قيمة صادرات النفط الخام، مدعومة بارتفاع الأسعار بسبب التوترات في الشرق الأوسط. لكن من حيث الحجم، تراجعت الصادرات بنسبة 0.4 في المائة خلال يونيو. وأدت زيادة رسوم واشنطن الجمركية على كندا - التي رفعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب من 25 إلى 35 في المائة بدءاً من هذا الشهر على السلع غير المتوافقة مع اتفاقية التجارة الحرة - إلى الضغط على الميزان التجاري الثنائي، إلى جانب رسوم قطاعية أخرى على الصلب والألمنيوم والسيارات؛ مما دفع بالمصدرين الكنديين إلى البحث عن أسواق بديلة في أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. ورغم هذه الضغوط، فإن الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 3.1 في المائة خلال يونيو، مدفوعة بشحنات النفط الخام، إلا إنها تظل منخفضة بنسبة 12.5 في المائة على أساس سنوي. كما تراجعت الصادرات إلى الدول غير الأميركية بنسبة 4.1 في المائة، وهو أول انخفاض منذ فبراير (شباط)، بعد أن بلغت ذروتها في مايو الماضي. وبالنسبة إلى الواردات، فقد ارتفعت من الولايات المتحدة بنسبة 2.6 في المائة، مدفوعة باستيراد الوحدة النفطية المذكورة، في أول زيادة بعد 3 أشهر من التراجع المتواصل. وتراجع الدولار الكندي بنسبة 0.2 في المائة إلى 1.3804 مقابل الدولار الأميركي (ما يعادل 72.44 سنتاً أميركياً)، في حين ارتفعت عوائد السندات الحكومية لأجل عامين بـ0.6 نقطة أساس لتصل إلى 2.703 في المائة.