
الدبلوماسية... أو الحرب اللطيفة على العنف
ورد في الميثاق التأسيسي للـ"يونيسكو" أنه ''لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام''، وباتت هذه الجملة التعريف غير المباشر لما تهدف إليها الدبلوماسية العالمية لرسم العلاقات بين الدول المتنازعة أو الحليفة أو المحايدة. وعلى رغم أن ظهور اللغة الدبلوماسية يعود إلى العلاقات البدائية الأولى بين الجماعات البشرية المتنقلة بحثاً عن الماء والكلأ، فإنها لا تزال حتى يومنا هذا الوسيلة الأرقى للتواصل السياسي وأداة لبناء الجسور وتوجيه الرسائل وتجنب النزاعات أو وقفها في بعض الأحيان.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تصدعاً في هذا الإطار التقليدي، مع لجوء بعض الزعماء والرؤساء إلى إنتاج لغاتهم الخاصة للتواصل مع الدول الأخرى، وأخرجوا إلى العلن ما يدور داخل الغرف المغلقة التقليدية، وظهرت اتصالات واتفاقات غالباً ما كانت تبقى سرية. وكثير من هذا الإفصاح الدبلوماسي كان ذا تأثير سلبي بسبب تناقضه مع قواعد الدبلوماسية المتعارف عليها، وكان آخر هذه المظاهر اللقاء الذي جمع الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، والذي أظهر ضرباً لقيم الدبلوماسية القديمة بين الدول أمام أعين الكاميرات التي تنقل الحدث مباشرة إلى جميع مواطني العالم. قبلها كان استدعاء ترمب لملك الأردن على حين غرة لطرح مشروع "ريفييرا غزة" واحدة من صور إبعاد الطرق والوسائل الدبلوماسية المعتادة أو الكلاسيكية.
ماذا تعني الدبلوماسية؟
نحدد الشخص الدبلوماسي أو غير الدبلوماسي بناء على كيفية تقديمه لنفسه ولأفكاره، أو لتعبيره عن رأيه أمامنا في أمر قد يخصنا أو لا، ونقصد بذلك أنه لطيف أو غير لطيف. الأمر نفسه ينطبق على العلاقات بين الدول وفي المجتمع الإنساني العام، إذ يُستخدم مصطلح "دبلوماسي" للإشارة إلى الأشخاص الذين يعملون لمصلحة أو بالنيابة عن جهات دولية تعترف ببعضها بعضاً وبشرعيتها من أجل إدارة العلاقات المتبادلة ذات الطابع غير العنيف. أي كأننا توافقنا على أن الدبلوماسية هي ضد العنف، أو أنها وسيلة لمنع العنف قبل وقوعه أو لوقفه بعد اندلاعه.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في العلوم الاجتماعية التي تتناول الإنسان البدائي يقال إن العدائية كانت مسيطرة بين البشر الذين يلتقون أثناء بحثهم عن الغذاء، كما هي حال الرئيسيات من الحيوانات اليوم، وهذا ما كان يؤدي إلى سيطرة مجموعة من دون أخرى على مصادر الغذاء وطرد الجماعة الأخرى. لكن مع توافر الغذاء بما يكفي هذه الجماعات صار بالإمكان وضع قواعد لتوزيعه بما يبعد العنف كوسيلة للسيطرة ولضمان البقاء. أو ربما بدأ الأمر في أول اتصالات "دبلوماسية" بين المجموعات المتصارعة عبر الاتفاق على هدنات من أجل استعادة جثث المحاربين القتلى نتيجة العنف المتبادل، فتكون الدبلوماسية حاجة ناتجة من العنف نفسه.
يرى باحثون في علم اجتماع الإنسان البدائي أن هؤلاء الدبلوماسيين الأوائل كانوا يتمتعون بصفات بقيت هي نفسها السمة المميزة للثقافة الدبلوماسية عبر العصور، فهم غير مسلحين بالضرورة، ويسعون إلى تحقيق أهدافهم بالإقناع، كما كانوا يُعتبرون في مأمن من الأذى من الطرف الآخر. وهذا من حيث المبدأ، على رغم وجود استثناءات كثيرة عن المبدأ العام.
أدى استقرار المجموعات البشرية إلى التفاعل مع المجموعات المجاورة لها بسبب الحاجة إلى تبادل البضائع والمنتجات والحيوانات والأسرى من الفريقين نتيجة النزاعات السابقة التي لم تختف نهائياً حتى زمننا المعاصر. وأدى اتساع المجتمعات المستقرة وتطور عمليات التبادل وتضخمها إلى الحاجة لإبرام اتفاقيات سلام، وكان لا بد من أن يتمتع المبعوثون لإقامة هذا السلام وإبرام هذه الاتفاقيات بسلطات معينة تفوق سلطات بقية أفراد الجماعت، بالتالي إلى مكانة اجتماعية أرفع وإلى معرفة بالقضايا المطروحة. وبحسب بعض الدراسات كان يتم إبقاء هؤلاء المبعوثين كرهائن لضمان تنفيذ الاتفاقيات.
الدبلوماسية في الإمبراطوريات القديمة
كشفت ألواح اكتشفت في تل العمارنة في مصر عن الطريقة التي أدارت بها البلاد علاقاتها مع جيرانها ومع الكيانات البعيدة في الشرق الأدنى خلال الألفية الثانية قبل الميلاد. قبل ذلك كانت السجلات اليونانية القديمة حول العلاقات الدبلوماسية في العالم الهيليني معروفة في القرون الأخيرة قبل الميلاد. وفي الإمبراطورية الهندية القديمة كان كتاب المستشار السياسي "كوتيليا" المعروف باسم "أرثاشاسترا" خلال عهد سلالة الماوريا قد ترجم إلى لغات عدة في العالم القديم، وكان هذا الكتاب من المدارس الأولى في فن إدارة الدولة وتحسين وتقوية العلاقات الدبلوماسية. أما السجلات الصينية فتبرز الدبلوماسية بين الإمبراطوريات المتحاربة، مما يوضح كيف أدت ضرورات الممارسة الدبلوماسية إلى ظهور أنماط تفكير وسلوك شكلت جوهر الثقافة الدبلوماسية الصينية حينها وفي زمن الإمبراطوريات القديمة، وقد كانت أسساً لممارسات دبلوماسية ما زالت سارية حتى اليوم.
أما الإمبراطورية الرومانية فأقامت علاقاتها الدبلوماسية مع جيرانها وفقاً للقانون الروماني للأمم، وهو شكل من أشكال القانون الدولي الذي فرضته روما من طرف واحد. ومع انهيار الإمبراطورية الرومانية سادت الفوضى في أوروبا الغربية قروناً عدة، لكن الفاعلين الرئيسين استمروا بإقامة علاقات سلمية تتوسط المواجهات العنيفة. وفي عهود الإمبراطوريات الإسلامية الأولى بعد الفتح الإسلامي تشطت الدبلوماسية بعد الفتوحات القائمة على القتال والغزو، وفي المراحل المختلفة وتحديداً بعد الامتداد الهائل للإمبراطورية الإسلامية حتى أوروبا خلال الخلافة العباسية وقبل ذلك خلال السيطرة على إسبانيا في دولة الأندلس، فقد كان لا بد من الدبلوماسية الإسلامية مع كل ممثلي الشعوب التي تعرضت للغزو.
وبعد تفكك الخلافة إلى كيانات متعددة انخرطت في علاقات دبلوماسية مع الدويلات والولايات والممالك والإمارات المتفرقة التي تتمتع بحكم ذاتي في شرق وغرب الإمبراطورية الممتدة في كل الاتجاهات. وفي غالب الأحيان كانت هذه العلاقات الدبلوماسية تتمتن وتثبت وتدوم نتيجة لحروب دموية مترافقة مع الغزو الإسلامي وتمدد الإمبراطورية الجديدة. وكانت هذه العلاقات الدبلوماسية الجديدة القائمة على القوة والسيطرة وانتصار فئة على أخرى أو الناتجة من الحاجة إلى وقف العنف وإرساء السلام بعد حروب طويلة ودموية في سائر أنحاء الأمم والمجتمعات السياسية القديمة، بمثابة الحجر الأساس والمدماك لخلق وتثبيت قواعد الثقافة الدبلوماسية الكلاسيكية التي ما زالت معظم قواعدها متبعة حتى اليوم في الزمن الحديث، مع بعض التطوير الذي يتناسب مع تغيير أشكال الحكم وأنظمته والانتقال من نظم الإمبراطوريات الممتدة جغرافياً والخاضعة لسلطة مركز واحد، إلى الدولة- الأمة الصغيرة ذات الحدود والمصالح المتلاصقة والمتضاربة والمتنافسة.
تحولات القرن العشرين الشكلية
جرى التحول في الثقافة الدبلوماسية الكلاسيكية مع ظهور البعثات الدبلوماسية الدائمة في أوروبا خلال عصر النهضة. وكان وجود بعثات عدة في المكان نفسه يتطلب الالتزام ببعض قواعد البروتوكول الأساسية. ولم يقتصر عمل الدبلوماسيين على التعامل مع الكيانات المضيفة، بل كانت هناك أيضاً علاقات بين مختلف البعثات، مما أدى إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ"السلك الدبلوماسي".
في التبادلات الدبلوماسية الكلاسكية أو ما قبل الحديثة كان يتم اختيار الدبلوماسي من خلفية اجتماعية راقية وربما من عائلة معينة انتمى أفرادها العمل في السلك الدبلوماسي عبر الأجيال، وغالباً ما يكون على ثقافة عالية في الفنون والتاريخ وربما القانون، على أن يتحلى بشخصية جذابة وأخلاق راقية، وأن يتحدث لغات عدة في الأقل منها اللاتينية ثم الفرنسية بشكل إلزامي، وغيرها من اللغات التي ترتفع أهمية بارتفاع قوة وسيطرة الأمة أو الدولة الناطقة بها، فكانت الإسبانية والبرتغالية في عصور معينة، كما هي الآن اللغة الإنجليزية مثلاً. وفي أحيان كثيرة كان على الدبلوماسي الكلاسيكي لكي يؤدي مهامه كرسول لبلاده لدى الأمم الأخرى على أكمل وجه، أن يقوم بتمويل مقره وموظفيه من ماله الخاص، وأن يكون متزوجاً من سيدة ذات مستوى مماثل قادرة على القيام بدور المضيفة المرموقة، فالعمل في السلك الدبلوماسي الكلاسيكي مهنة عائلية أو اجتماعية مرموقة ومتوارثة، وبها تتم الدلالة على الدولة التي يمثلها هذا الدبلوماسي، وكلما ارتفع في رقيّه الشخصي ورقيّ بعثته كلما كان ذلك مرآة للدولة التي يمثلها.
لم يطرأ تغيير كبير على الدبلوماسية الكلاسيكية لقرون عدة، إلا في ما خص هوية الدبلوماسيين وسلطاتهم والمهام المطلوبة منهم، فانتقلت الهيئات الدبلوماسية من كونها مجموعة المبعوثين الشخصيين للحكام وكبار المسؤولين إلى فئات من الموظفين العموميين التابعين لوزارات الخارجية في الحكومات الوطنية، والقاطنين في سفارات بلادهم داخل الدول المستضيفة، وبات مبنى السفارة وقطعة الأرض التي يبنى عليها بمثابة جزيرة مكانية وسياسية تابعة للدولة الأم، وتتمتع الهيئات الدبلوماسية بحصانات سياسية وقانونية لا يمكن للدول المتضيفة التعدي عليها وإلا سيعتبر الأمر تعدياً على الدولة التابعة لها تلك البعثة الدبلوماسية.
بعد الحرب العالمية الأولى لم يكن للدبلوماسيين دور أساسي في إبرام معاهدات السلام لعام 1919، حيث تولى السياسيون هذا الأمر بأنفسهم. وهذا أمر طبيعي خلال حرب هائلة ومدمرة يعلو فيها صوت السلاح على كل ما عداه، فتخفت الأدوار الدبلوماسية في مثل لهذه الحالات ليحل الدور على الجنرالات والسياسيين لإبرام المعاهدات أو لوضع اتفاقات السلام أو الاستسلام الناتجة من الحرب. كما بدأ ظهور الدبلوماسية الاقتصادية نتيجة لأزمة الركود الاقتصادي العالمي الكبير في ثلاثينيات القرن الـ20، فارتفع شأن أنواع مختلفة من دبلوماسيي وزارات الخارجية، لتشمل وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة التي أفرزت أنواعاً جديدة من الدبلوماسيين يتولون مهاماً مرتبطة بالتفاهمات والمساومات والمعاهدات التجارية والاقتصادية، وعلى رغم اختلاف أدوارهم عن دور الدبلوماسي السياسي الكلاسيكي، فإن هذا النوع من الجديد صار جزءاً ثابتاً من الهيئات والبعثات الدولية، حتى إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحدث
منذ ساعة واحدة
- الحدث
بأمر ترامب: حملة "تطهير" واسعة في مجلس الأمن القومي الأمريكي لـ"تفريغ الدولة العميقة"
أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقيادة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالوكالة ماركو روبيو، عن بدء حملة تصفية واسعة داخل مجلس الأمن القومي. تهدف هذه الحملة إلى "تفريغ الدولة العميقة" من البيروقراطيين المتجذرين الذين يعارضون توجهات الرئيس. أكد مسؤول أمريكي مطلع على تفاصيل القرار، في حديث لوكالة "أكسيوس"، أن هذه الخطوة تمثل مواجهة حاسمة مع ما تعتبره إدارة ترامب قلب "الدولة العميقة" داخل المؤسسات الأمريكية. ومن المتوقع تقليص عدد موظفي المجلس من 350 إلى النصف. وأوضح المسؤول أن "مجلس الأمن القومي هو الدولة العميقة في جوهرها... إنها معركة مباشرة بين ماركو والدولة العميقة". وأضاف أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة للصراعات الداخلية المستمرة بين المسؤولين ووكالاتهم، مما جعل إعادة الهيكلة ضرورة حتمية. وفي تعليق منفصل، أوضح مسؤول كبير في البيت الأبيض أن النظام البيروقراطي الحالي "غير مجدٍ ويقترب من الزوال"، مشيرًا إلى أن الموظفين الذين شملتهم عمليات التسريح سينتقلون إلى مناصب حكومية أخرى. كان ماركو روبيو قد أشرف على إعادة هيكلة شاملة لمجلس الأمن القومي، تضمنت نقل صلاحيات كبيرة إلى وزارتي الخارجية والدفاع. واعتبر ترامب هذه الخطوة ضرورية لتصحيح مسار المجلس الذي وصفه بأنه "بيروقراطية سيئة السمعة مليئة بمسؤولين قدامى لا يتشاركون رؤيته". وأفادت شبكة "سي إن إن" بأن الموظفين الذين تم تسريحهم من مجلس الأمن القومي تلقوا إشعارًا مفاجئًا بإجازة يوم الجمعة، مع مهلة تقل عن ساعة لتفريغ مكاتبهم، في إطار عملية إعادة الهيكلة التي يقودها روبيو.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
منها "سامسونغ" و"أبل"... ضرائب أميركية جديدة على الهواتف نهاية يونيو
هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الجمعة، بفرض رسوم جمركية جديدة مرتفعة على هاتف "آيفون" من شركة "أبل" وجميع السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، في خطوة قد تزيد الضغوط على أسعار المستهلكين وتثير اضطرابات جديدة في الأسواق المالية إذا ما نفذت. قبل الساعة الثامنة صباحاً في واشنطن، نشر الرئيس الأميركي سلسلتين من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي هاجم فيهما الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، تيم كوك، وممارسات التجارة الأوروبية. وقال ترمب إنه إذا رفضت "أبل" نقل إنتاج هواتف "آيفون" من الهند ودول أخرى إلى الولايات المتحدة، "فيجب على 'أبل' دفع رسوم جمركية لا تقل عن 25 في المئة لمصلحة الولايات المتحدة". وانتقد ترمب الدبلوماسيين الأوروبيين ووصفهم بأنهم "شديدو الصعوبة في التعامل"، وقال إن محادثات التجارة "لا تسير إلى أي مكان". وبناءً على ذلك، أعلن ترمب أنه "يوصي بفرض تعرفة جمركية مباشرة بنسبة 50 في المئة على الاتحاد الأوروبي، بدءاً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل". وفي تصريحات أدلى بها لاحقاً للصحافيين من المكتب البيضاوي، أوضح أن الضرائب الجديدة على الهواتف الذكية ستدخل حيز التنفيذ في نهاية يونيو المقبل، وستطبق على شركة "سامسونغ" وغيرها من الشركات، إلى جانب "أبل". وبعد أسابيع من الهدوء النسبي على جبهة التجارة، أثارت تعليقات ترمب عبر وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف من احتمال تراجع جديد في الأسواق المالية. ومع ذلك تعاملت "وول ستريت" مع الأنباء بهدوء، إذ أغلق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" منخفضاً بأقل من واحد في المئة، في وقت رأى محللون من "باركليز بنك" و"كابيتال إيكونوميكس" أن التهديدات الجديدة بفرض الرسوم الجمركية ليست سوى ورقة ضغط تفاوضية. وقالت المفاوضة التجارية الأميركية السابقة، نائبة رئيس معهد آسيا للسياسات حالياً، ويندي كتلر، "يبدو أن هذه التهديدات، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، لم تعد تحمل الثقل نفسه، لذا أعتقد أن الأمور مع الاتحاد الأوروبي ستزداد سوءاً قبل أن يعثر على مسار للمضي قدماً." وفي تصريحاته من المكتب البيضاوي، قال ترمب إن الاتحاد الأوروبي "يريد التوصل إلى اتفاق بشدة" بعد تهديداته بفرض الرسوم الجمركية. في وقت سابق، قال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن تهديدات ترمب تهدف إلى تحفيز المسؤولين الأوروبيين. وأضاف في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الجمعة الماضي "آمل في أن يشعل هذا التهديد شرارة تحت الاتحاد الأوروبي". وقال بيسنت إن المقترحات التي قدمها المسؤولون الأوروبيون حتى الآن لا ترقى إلى تلك التي طرحتها دول أخرى شريكة للولايات المتحدة في التجارة. وأضاف "الاتحاد الأوروبي يعاني مشكلة في اتخاذ قرارات جماعية، فهو يتكون من 27 دولة، لكن تتمثل جميعها في مجموعة واحدة في بروكسل، وبعض ما يصلني من تعليقات يشير إلى أن بعض الدول الأعضاء لا تعرف حتى ما الذي يتفاوض عليه الاتحاد الأوروبي نيابة عنها". لكن كتلر ترى أن المسؤولين الأوروبيين من غير المرجح أن يرضخوا لتهديدات ترمب، لأنهم يعتقدون أنه يسعى إلى تجنب ارتفاع الأسعار على المستهلكين وانخفاض سوق الأسهم الذي قد ينتج من فرض الرسوم الجمركية والرد الأوروبي المتوقع. ووفقاً لما قاله محللو "بنك باركليز"، لـ"وول ستريت جورنال"، فإن تنفيذ الضرائب المهددة على واردات الهواتف الذكية والسلع الأوروبية سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وارتفاع التضخم. وأضاف محللو البنك أن الولايات المتحدة قد تقترب "بصورة كبيرة من دخول حال ركود" خلال العام المقبل. عجز تجاري مع الولايات المتحدة يزيد على 250 مليار دولار سنوياً وتراجعت قيمة الأسهم بأكثر من 10 في المئة بعد إعلان الرئيس في أوائل أبريل (نيسان) الماضي، عن فرض أعلى رسوم جمركية في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، لكن السوق تعافت لاحقاً بعدما أرجأ تنفيذ كثير من تلك الرسوم 90 يوماً لإتاحة المجال أمام مفاوضات مع شركاء تجاريين كبار، من بينهم الصين. وقال ترمب إن "الحواجز التجارية القوية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، وضريبة القيمة المضافة، والعقوبات السخيفة على الشركات، والحواجز غير النقدية، والتلاعبات النقدية، والدعاوى القضائية غير العادلة والمجحفة ضد الشركات الأميركية، وغيرها، أدت إلى عجز تجاري مع الولايات المتحدة يزيد على 250 مليار دولار سنوياً، وهو رقم غير مقبول على الإطلاق". ويشير الرقم الذي ذكره ترمب من طريق الخطأ إلى ملايين الدولارات بدلاً من المليارات، كذلك فإنه يبالغ في تقدير العجز التجاري في السلع بين الولايات المتحدة وأوروبا بنحو 15 مليار دولار، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي، كذلك تجاهل ترمب الفائض الذي تحققه الولايات المتحدة في تجارة الخدمات مع أوروبا، والذي تجاوز 70 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام وزارة التجارة الأميركية. وأدلى ترمب في منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي بتصريح خاطئ، قال فيه إن الاتحاد الأوروبي "تشكل في الأساس بهدف استغلال الولايات المتحدة تجارياً". لكن في الواقع، نشأ الاتحاد الأوروبي من جهود ترمي إلى تعزيز الروابط الاقتصادية بين فرنسا وألمانيا، اللتين خاضتا ثلاث حروب مدمرة بين عامي 1871 و1945، وأدى تأسيس "المجموعة الأوروبية للفحم والصلب" عام 1951، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى التمهيد لتشكيل الاتحاد الأوروبي عام 1993. ترمب يريد نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة واقترح ترمب حلاً لشركة "أبل" والمصنعين في أوروبا لتفادي الرسوم الجمركية الجديدة، يتمثل في نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة. وقال لاحقاً للصحافيين إنه قد يمنح "قليلاً من التأجيل" إذا وافقت الشركات الأوروبية على بناء مصانع جديدة في أميركا، غير أن كثيراً من كبار رجال الأعمال أكدوا أن نقل سلاسل التوريد فعلياً قد يستغرق أعواماً. وهدد ترمب بفرض رسوم جمركية في وقت مبكر من صباح الجمعة، مما فاجأ المسؤولين الأوروبيين، بحسب ما قال دبلوماسي تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع. وجاء منشور ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي قبل ساعات من مكالمة مهمة بين الممثل التجاري الأميركي جيمسون جرير والمسؤول التجاري الأعلى في الاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش. وتسير المفاوضات ببطء، إذ قدم الأوروبيون مجموعة من المجالات، تشمل السلع الصناعية وبعض المنتجات الزراعية، التي يمكن للطرفين تخفيض الرسوم عليها. ويعتبر الاتحاد الأوروبي جهة تفاوضية معقدة بسبب ضرورة موافقة الدول الأعضاء الـ27 على أي اتفاقية. واستغرقت الاتفاقات التجارية السابقة بين الاتحاد الأوروبي ودول أخرى أعواماً من التفاوض، وهي مدة أطول بكثير من المهلة التي حددها ترمب بـ90 يوماً في التجميد الجزئي للرسوم الجمركية في أبريل الماضي، فضلاً عن الموعد النهائي في الأول من يونيو المقبل الذي أشار إليه ترمب لبدء فرض رسوم بنسبة 50 في المئة. وقال مسؤولون أوروبيون في الأسابيع الأخيرة إن فريق ترمب طالب بتنازلات تجارية أحادية الجانب، من دون تقديم كثير في المقابل. وأشار هؤلاء المسؤولون إلى أن هذا النهج قد يصعب المفاوضات مع أي شريك تجاري، لكنه يمثل تحدياً خاصاً نظراً إلى طريقة اتخاذ القرار داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يمكن لأي حكومة عضو أن تبطئ أو توقف إبرام الصفقة. وتحدث المسؤولون أيضاً شريطة عدم الكشف عن هويتهم ليتمكنوا من التحدث بصراحة حول المفاوضات التي تجري خلف الأبواب المغلقة. تصعيد أميركي لافت على الاتحاد الأوروبي إذا نفذت إدارة ترمب تهديدها، فإن فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة سيشكل تصعيداً لافتاً مع حلفاء واشنطن القدامى، حتى بعدما سعت الإدارة إلى تهدئة تجارية مع الصين، الخصم الاستراتيجي. وتبلغ الرسوم الجمركية على السلع الصينية حالياً بين 40 و60 في المئة، بعدما كانت عند مستوى 145 في المئة الذي حدده ترمب سابقاً. ورفض المسؤولون في الاتحاد الأوروبي في بروكسل التعليق مباشرة بعد إعلان ترمب. واتبع الاتحاد الأوروبي استراتيجية نسبياً متوازنة، ساعياً إلى تجنب التصعيد مع الولايات المتحدة، أكبر سوق تصديرية له، وسارع الاتحاد إلى الاستفادة من فترة التوقف البالغة 90 يوماً، من خلال مزيج من التهديدات الانتقامية والتنازلات المحتملة التي يأمل في أن تدفع فريق ترمب نحو التوصل إلى اتفاق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فرض ترمب في بداية أبريل الماضي رسوماً جمركية شاملة بنسبة 20 في المئة على الاتحاد الأوروبي كجزء من حملة تجارية عالمية، ثم علقها 90 يوماً. ولا تزال ضريبة أساسية بنسبة 10 في المئة على سلع الاتحاد الأوروبي سارية، إلى جانب رسوم على السيارات والفولاذ والألمنيوم، كما هي الحال على واردات من أماكن أخرى. وهددت أوروبا في وقت سابق من هذا الشهر بفرض رسوم جمركية على قطع غيار الطائرات والسيارات الأميركية إذا فشلت المحادثات مع واشنطن، إذ أدرجت أكثر من 100 مليار دولار من المنتجات الأميركية التي قد تواجه رسوماً انتقامية رداً على الرسوم الجمركية الشاملة بنسبة 20 في المئة وضرائب السيارات. وبعدما فتحت فترة التوقف التي أعلنها ترمب نافذة للمحادثات، أجل الأوروبيون فرض رسوم جمركية منفصلة على منتجات أميركية بقيمة نحو 23 مليار دولار، رداً على رسوم فولاذ أميركية لا تزال سارية. لكن التهديد الجمعة أثار تساؤلات حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد يسرع أو يصعد من خطة الرد المقترحة. 97 في المئة من صادرات الاتحاد الأوروبي وأرسل الاتحاد الأوروبي إلى إدارة ترمب هذا الشهر قائمة بالتنازلات المحتملة بينما سعى الجانبان إلى إيجاد أساس للتفاوض، وفقاً لمسؤولين. وأدى تبادل الرسائل إلى إحداث بارقة أمل في التوصل إلى اتفاق بعد أسابيع من المفاوضات المتعثرة، وأظهر قادة الاتحاد الأوروبي موقفاً أكثر تفاؤلاً بعض الشيء بعد مكالمة هاتفية هذا الشهر بين ترمب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي وصفها بأنها "رائعة جداً". وقدم المسؤولون الأوروبيون عروضاً بزيادة مشتريات منتجات الطاقة الأميركية، والتعاون المشترك لمواجهة مشكلة فائض الطاقة الإنتاجية في قطاعات مثل الصلب، والتنسيق في مجال الذكاء الاصطناعي، وعرض قادة الاتحاد الأوروبي زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال الأميركي، واقترحوا نظام "صفر مقابل صفر" للرسوم الجمركية على السلع الصناعية، وأشاروا إلى إمكان مناقشة الجوانب التنظيمية بين الجانبين، لكن الدبلوماسيين الأوروبيين أقروا بأن التقدم في المحادثات كان بطيئاً، مع استمرارهم في محاولة فهم ما تطلبه إدارة ترمب بالضبط. المسؤول التجاري الأعلى في الاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، الذي أقر بأن المفاوضات ليست "سهلة"، حذر من أن ما يصل إلى 97 في المئة من صادرات الاتحاد الأوروبي قد تخضع للرسوم الجمركية إذا أسفرت التحقيقات التجارية التي تجريها واشنطن، والتي تشمل الأخشاب والأدوية وأشباه الموصلات عن فرض رسوم. وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي لديه كثير ليخسره من حرب التعرفة عبر الأطلسي، فإنه يمتلك أدوات تجارية قوية في جعبته، من بينها استهداف قطاع الخدمات الأميركي، الذي يعد مركزاً كبيراً لأرباح عمالقة التكنولوجيا الأميركية، لكن الدول الأعضاء في الاتحاد منقسمة في شأن مدى حكمة اتخاذ مثل هذه الخطوة.


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
إدارة ترمب تفرض قيودا جديدة على الصحفيين في البنتاغون
أصدر وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، يوم الجمعة قراراً يقضي بضرورة مرافقة الصحفيين من قبل مرافقين رسميين داخل جزء كبير من مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون)، في خطوة تعد الأحدث ضمن سلسلة القيود التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على تغطية الصحافة للمؤسسة الدفاعية. وتمنع هذه الإجراءات، التي دخلت حيز التنفيذ فوراً، الصحفيين المعتمدين من الدخول إلى معظم مرافق وزارة الدفاع في أرلينغتون بولاية فرجينيا، إلا في حال حصولهم على موافقة رسمية ومرافقة من المسؤولين. وأشار هيغسيث في مذكرته إلى أن الوزارة ملتزمة بالشفافية، لكنها ملزمة أيضاً بحماية المعلومات الاستخباراتية الحساسة التي قد يؤدي الكشف غير المصرح به عنها إلى تعريض حياة الجنود الأميركيين للخطر. وأضاف أن حماية المعلومات السرية وأمن العمليات تعد أمراً حيوياً للوزارة. من جانبها، أعربت رابطة صحافة البنتاغون، التي تمثل مصالح الصحفيين المكلفين بتغطية أخبار الجيش الأمريكي، عن رفضها لهذه القواعد الجديدة، واصفة إياها بأنها 'هجوم مباشر على حرية الصحافة'. وأوضحت الرابطة أن الصحفيين كانوا منذ عقود، حتى في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، يصلون إلى مناطق غير مؤمنة داخل البنتاغون دون وجود مخاوف أمنية مماثلة. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من وزارة الدفاع على بيان الرابطة، حسب ما أفادت وكالة رويترز. تأتي هذه الإجراءات في ظل تحقيقات مستمرة داخل البنتاغون بخصوص تسريبات معلومات سرية منذ عودة ترامب إلى الرئاسة في يناير، حيث تم منح إجازات إدارية لثلاثة مسؤولين على خلفية هذه القضايا. كما أُبلغت مؤسسات إعلامية كبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست و'سي.إن.إن' و'إن.بي.سي نيوز' بإخلاء مكاتبها داخل البنتاغون، مع اعتماد نظام جديد يسمح لوسائل إعلام أخرى، أبرزها من الموالين لإدارة ترمب، بالحصول على مقرات صحفية دائمة. وفي سياق متصل، أفادت رويترز بأن إدارة ترامب بدأت في استخدام أجهزة كشف الكذب للتحقيق في تسريبات المعلومات غير المصنفة على أنها سرية، مع تهديد بعض موظفي وزارة الأمن الداخلي بفصلهم حال رفضهم الخضوع للاختبارات. وأكد البيت الأبيض أن الرئيس ترمب لا يتسامح مع تسريب المعلومات للصحافة، وأن الموظفين الحكوميين الذين يخالفون ذلك سيواجهون المساءلة القانونية.