logo
تعرّف على فريق الطيران النسائي الذي ساعد في هزيمة النازيين بطائرات خشبية #عاجل

تعرّف على فريق الطيران النسائي الذي ساعد في هزيمة النازيين بطائرات خشبية #عاجل

سيدر نيوزمنذ 7 ساعات

في ظلام الحرب العالمية الثانية، حلّقت مجموعة من الطيارات الروسيات في السماء، لا يحملن سوى القنابل والعزيمة، ليُصبحن كابوساً للألمان، عُرفن باسم 'ساحرات الليل'.
وتزخر الحرب العالمية الثانية بقصص بطولية استثنائية لم تنل جميعها حقها. والآن، وفي حلقة جديدة من بودكاست 'أبطال التاريخ السري' على راديو بي بي سي 4، بصوت هيلينا بونهام كارتر، تُسلط الضوء على هؤلاء البطلات المنسيات.
ولا شك أن أياً منهن أكثر تميزاً من سرب من الطيارات الروسيات اللواتي حلقن تحت جنح الليل ونفذن مهام قصف سرية.
وأطلق الألمان على هؤلاء النساء اسم 'ساحرات الليل'.
وكنّ نخبة من الطيارين والملاحين وطاقم الأرض والميكانيكيين، وقد قادهن شغفهن بالطيران وإحساسهن القوي بالواجب إلى كسر الحواجز بين الجنسين.
Andrei Linde
وكان من بين أعضاء السرب الطيارتان الطموحتان والصديقتان المقربتان بولينا غيلمان وغالية دوكوتوفيتش، تعلّمتا الطيران في صغرهما، وعندما صدر الأمر في أكتوبر/ تشرين الأول 1941 للطيارة السوفيتية الشهيرة مارينا راسكوفا بتجنيد النساء في وحدات الطيران النسائية، بما في ذلك 'ساحرات الليل'، انتهزتا الفرصة على الفور.
وتقول المؤرخة ليوبا فينوغرادوفا، مؤلفة كتاب 'ملائكة منتقمون: قناصات سوفياتيات على الجبهة الشرقية' (1941-1945)، عن المرأتين: 'كانتا مُغرمتين بالإثارة. كانتا ترغبان في الطيران، وكانتا شغوفتين به. وثانيًا، كانتا وطنيتين للغاية. لذا، تطوّعتا'.
وكانت قائدتهم راسكوفا مصدر إلهام. تقول فينوغرادوفا: 'كانت من مشاهير عصرها. كان اسمها وصورتها ووجهها معروفين في جميع أنحاء البلاد. كانت قدوة حسنة. امرأة أثبتت أن النساء قادرات تماماً على هذا النوع من الطيران'.
تحويل القيود إلى ميزة
وبالقرب من نهر الفولغا قرب إنجلز في روسيا، أنهت 'ساحرات الليل' تدريباً يستغرق عادة ثلاث سنوات في ثلاثة أشهر فقط.
ووجدت السيدتان نفسيهما مُختارتين كملاحات، لا طيارات، وهو أمرٌ خيّب أمل دوكوتوفيتش في البداية، إلّا أنها بعد أن حلّقت في الجو، أصبحت أكثر تفاؤلاً حيال هذه النتيجة، فكتبت: 'الآن أرى كم هو مثير أن تكون ملاحاً! عندما تحلق قليلاً، تتجول في حلم، وتتمنى فقط العودة إلى السماء'.
Andrei Linde
وبسبب نقص الطائرات في القوات السوفيتية، مُنحت النساء طائرات خشبية من طراز Po-2، غير صالحة للقتال، إذ كانت تُستخدم عادةً لرش المبيدات الحشرية. علاوة على ذلك، لم يُزوَّدن بأسلحة أو أجهزة راديو أو مظلات. ونتيجةً لذلك، أُعطيت الأولوية لحمل القنابل.
وفيما يتعلق بطائراتهن، استغللن محدوديتهن لصالحهن، فكان ضجيج طائرات Po-2 ضئيلاً، ولا يُمكن تتبع موقعها لاسلكياً، وكانت صغيرة جداً بحيث لا تظهر على أجهزة تحديد المواقع بالأشعة تحت الحمراء. وهكذا، تمكنت النساء من التحليق فوق الأراضي الألمانية، وإطفاء محركاتهن والانزلاق، وإلقاء قنابلهن بسهولة أكبر دون أن يُكتشف أمرهن.
ووفقاً لفينوغرادوفا، كانت وتيرة عملياتهن لا هوادة فيها: 'كل أربع دقائق، كانت طائرة تُقلع، وتقصف الهدف ثم تعود أدراجها، لتحل محلها الطائرات الأخرى'.
ونشر الألمان قصصاً عن تلك الهجمات في المناطق التي كانوا يحتلونها، وصوّروا السيدات كقوة خارقة للطبيعة، وأطلقوا عليهن اسم 'ساحرات الليل'، لأن طائراتهن الخشبية شُبّهت بالمكانس، بينما جعلتهن يشعرن وكأنهن يظهرن ويختفين دون أثر.
وقد اكتسبت 'ساحرات الليل' التميز بفضل انتصاراتهن، وفي عام 1943 أصبحن رسمياً فوج حرس الطيران الليلي السادس والأربعين لقاذفات القنابل. ومع ذلك، في شهر يوليو/ تموز من ذات العام، فاجأ الألمان الطيارات الروسيات بتكتيك جديد، إذ أبقوا مدافعهم المضادة للطائرات صامتة، وشنوا بدلاً من ذلك هجوماً جوياً ليلياً ضد القاذفات.
وقُتلت دوكوتوفيتش في 31 يوليو/ تموز، مع سبع من زميلاتها 'الساحرات' فيما وصفته فينوغرادوفا بأنه 'أسوأ ليلة على الأرجح في تاريخ الفوج بأكمله'. ومع ذلك، واصلت النساء القتال حتى أعلن الحلفاء النصر في مايو 1945.
وتقول فينوغرادوفا عن التزام جيلمان والساحرات الأخريات بالقضية: 'لقد كانوا في المطار مستعدين للقيام بمهمة عندما تم الإعلان عن النصر'.
في أكتوبر/ تشرين الأول 1945، تم حل الفوج رسمياً، وتميز بكونه الوحدة الوحيدة في الجيش الأحمر التي لا تزال تتألف بالكامل من النساء حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وانضمت جيلمان لاحقاً إلى المعهد العسكري للغات الأجنبية، وأطلقت على ابنتها اسم غالية تيمّناً بصديقتها الراحلة.
وتوفيت جيلمان عام 2005، وفي أواخر حياتها، تأملت في سر نجاح 'الساحرات'، مُعزيةً ذلك إلى أدائهن لواجباتهن طواعيةً.
وفي حديثها مع المؤرخة رينا بينينجتون، قالت جيلمان: 'لقد كانت إرادتهن الحرة، وما يُفعل بدافع القلب يكون دائماً أفضل مما يُفعل بدافع الالتزام'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تعرّف على فريق الطيران النسائي الذي ساعد في هزيمة النازيين بطائرات خشبية #عاجل
تعرّف على فريق الطيران النسائي الذي ساعد في هزيمة النازيين بطائرات خشبية #عاجل

سيدر نيوز

timeمنذ 7 ساعات

  • سيدر نيوز

تعرّف على فريق الطيران النسائي الذي ساعد في هزيمة النازيين بطائرات خشبية #عاجل

في ظلام الحرب العالمية الثانية، حلّقت مجموعة من الطيارات الروسيات في السماء، لا يحملن سوى القنابل والعزيمة، ليُصبحن كابوساً للألمان، عُرفن باسم 'ساحرات الليل'. وتزخر الحرب العالمية الثانية بقصص بطولية استثنائية لم تنل جميعها حقها. والآن، وفي حلقة جديدة من بودكاست 'أبطال التاريخ السري' على راديو بي بي سي 4، بصوت هيلينا بونهام كارتر، تُسلط الضوء على هؤلاء البطلات المنسيات. ولا شك أن أياً منهن أكثر تميزاً من سرب من الطيارات الروسيات اللواتي حلقن تحت جنح الليل ونفذن مهام قصف سرية. وأطلق الألمان على هؤلاء النساء اسم 'ساحرات الليل'. وكنّ نخبة من الطيارين والملاحين وطاقم الأرض والميكانيكيين، وقد قادهن شغفهن بالطيران وإحساسهن القوي بالواجب إلى كسر الحواجز بين الجنسين. Andrei Linde وكان من بين أعضاء السرب الطيارتان الطموحتان والصديقتان المقربتان بولينا غيلمان وغالية دوكوتوفيتش، تعلّمتا الطيران في صغرهما، وعندما صدر الأمر في أكتوبر/ تشرين الأول 1941 للطيارة السوفيتية الشهيرة مارينا راسكوفا بتجنيد النساء في وحدات الطيران النسائية، بما في ذلك 'ساحرات الليل'، انتهزتا الفرصة على الفور. وتقول المؤرخة ليوبا فينوغرادوفا، مؤلفة كتاب 'ملائكة منتقمون: قناصات سوفياتيات على الجبهة الشرقية' (1941-1945)، عن المرأتين: 'كانتا مُغرمتين بالإثارة. كانتا ترغبان في الطيران، وكانتا شغوفتين به. وثانيًا، كانتا وطنيتين للغاية. لذا، تطوّعتا'. وكانت قائدتهم راسكوفا مصدر إلهام. تقول فينوغرادوفا: 'كانت من مشاهير عصرها. كان اسمها وصورتها ووجهها معروفين في جميع أنحاء البلاد. كانت قدوة حسنة. امرأة أثبتت أن النساء قادرات تماماً على هذا النوع من الطيران'. تحويل القيود إلى ميزة وبالقرب من نهر الفولغا قرب إنجلز في روسيا، أنهت 'ساحرات الليل' تدريباً يستغرق عادة ثلاث سنوات في ثلاثة أشهر فقط. ووجدت السيدتان نفسيهما مُختارتين كملاحات، لا طيارات، وهو أمرٌ خيّب أمل دوكوتوفيتش في البداية، إلّا أنها بعد أن حلّقت في الجو، أصبحت أكثر تفاؤلاً حيال هذه النتيجة، فكتبت: 'الآن أرى كم هو مثير أن تكون ملاحاً! عندما تحلق قليلاً، تتجول في حلم، وتتمنى فقط العودة إلى السماء'. Andrei Linde وبسبب نقص الطائرات في القوات السوفيتية، مُنحت النساء طائرات خشبية من طراز Po-2، غير صالحة للقتال، إذ كانت تُستخدم عادةً لرش المبيدات الحشرية. علاوة على ذلك، لم يُزوَّدن بأسلحة أو أجهزة راديو أو مظلات. ونتيجةً لذلك، أُعطيت الأولوية لحمل القنابل. وفيما يتعلق بطائراتهن، استغللن محدوديتهن لصالحهن، فكان ضجيج طائرات Po-2 ضئيلاً، ولا يُمكن تتبع موقعها لاسلكياً، وكانت صغيرة جداً بحيث لا تظهر على أجهزة تحديد المواقع بالأشعة تحت الحمراء. وهكذا، تمكنت النساء من التحليق فوق الأراضي الألمانية، وإطفاء محركاتهن والانزلاق، وإلقاء قنابلهن بسهولة أكبر دون أن يُكتشف أمرهن. ووفقاً لفينوغرادوفا، كانت وتيرة عملياتهن لا هوادة فيها: 'كل أربع دقائق، كانت طائرة تُقلع، وتقصف الهدف ثم تعود أدراجها، لتحل محلها الطائرات الأخرى'. ونشر الألمان قصصاً عن تلك الهجمات في المناطق التي كانوا يحتلونها، وصوّروا السيدات كقوة خارقة للطبيعة، وأطلقوا عليهن اسم 'ساحرات الليل'، لأن طائراتهن الخشبية شُبّهت بالمكانس، بينما جعلتهن يشعرن وكأنهن يظهرن ويختفين دون أثر. وقد اكتسبت 'ساحرات الليل' التميز بفضل انتصاراتهن، وفي عام 1943 أصبحن رسمياً فوج حرس الطيران الليلي السادس والأربعين لقاذفات القنابل. ومع ذلك، في شهر يوليو/ تموز من ذات العام، فاجأ الألمان الطيارات الروسيات بتكتيك جديد، إذ أبقوا مدافعهم المضادة للطائرات صامتة، وشنوا بدلاً من ذلك هجوماً جوياً ليلياً ضد القاذفات. وقُتلت دوكوتوفيتش في 31 يوليو/ تموز، مع سبع من زميلاتها 'الساحرات' فيما وصفته فينوغرادوفا بأنه 'أسوأ ليلة على الأرجح في تاريخ الفوج بأكمله'. ومع ذلك، واصلت النساء القتال حتى أعلن الحلفاء النصر في مايو 1945. وتقول فينوغرادوفا عن التزام جيلمان والساحرات الأخريات بالقضية: 'لقد كانوا في المطار مستعدين للقيام بمهمة عندما تم الإعلان عن النصر'. في أكتوبر/ تشرين الأول 1945، تم حل الفوج رسمياً، وتميز بكونه الوحدة الوحيدة في الجيش الأحمر التي لا تزال تتألف بالكامل من النساء حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وانضمت جيلمان لاحقاً إلى المعهد العسكري للغات الأجنبية، وأطلقت على ابنتها اسم غالية تيمّناً بصديقتها الراحلة. وتوفيت جيلمان عام 2005، وفي أواخر حياتها، تأملت في سر نجاح 'الساحرات'، مُعزيةً ذلك إلى أدائهن لواجباتهن طواعيةً. وفي حديثها مع المؤرخة رينا بينينجتون، قالت جيلمان: 'لقد كانت إرادتهن الحرة، وما يُفعل بدافع القلب يكون دائماً أفضل مما يُفعل بدافع الالتزام'.

من "طبل الصفيح" إلى "ما ينبغي أن يُقال": إرث غونتر غراس بعد عقدٍ على الرحيل
من "طبل الصفيح" إلى "ما ينبغي أن يُقال": إرث غونتر غراس بعد عقدٍ على الرحيل

النهار

timeمنذ 20 ساعات

  • النهار

من "طبل الصفيح" إلى "ما ينبغي أن يُقال": إرث غونتر غراس بعد عقدٍ على الرحيل

في نيسان/أبريل 2015، انطفأ صوت أحد أكثر الكتّاب الألمان إلحاحاً وإزعاجاً للذاكرة الوطنية، غونتر غراس (1927–2015)، الذي ظلّ طوال حياته يسائل التاريخ، لا لينبشه وحسب، بل ليُحاكمه بالأدب. بعد مرور عقد على رحيله، لا تزال سيرته تثير جدلاً أخلاقياً وأدبياً، بين من يرى فيه "ضمير ألمانيا" وبين من يراه شاهداً مأزوماً على ما لم يقدر على مقاومته يوماً. ولد غراس في مدينة دانتسيغ، التي أصبحت لاحقاً غدانسك البولندية بعد الحرب العالمية الثانية، لأسرة متواضعة من الطبقة العاملة. كغيره من أبناء جيله، سُحق تحت عجلات التاريخ مبكراً؛ ففي سن السابعة عشرة، جُنّد في صفوف قوات الـSS، وهي التجربة التي ظلّ صامتاً عنها لعقود، حتى اعترف بها في سيرته الذاتية "تقشير البصلة" (2006) ، ما فجر عاصفة من النقد. كيف يمكن لمن كان جزءاً من آلة الموت النازية أن يكون "ضمير أمة"؟ لكن ذلك السؤال لم يكن إلا امتداداً لما ظلّ يكتبه غراس طوال حياته: سؤال الذنب، والتواطؤ، وصمت الأغلبية. طبل الصفيح لم يكن الاعتراف لحظة سقوط، بل تتويج لمسيرة فكرية وأدبية اتخذت من الألم وسيلة للقول، ومن التشوه الداخلي مادة للخلق. غراس، الذي درس النحت والفنون الجميلة في دوسلدورف وبرلين بين عامي 1947 و1956، بدأ حياته كفنان بصري، لكن الكلمة أغوته أكثر من الحجر. في عام 1959، صدر عمله الأبرز:"طبل الصفيح"، الذي ما زال حتى اليوم يعدّ من أعظم روايات القرن العشرين. بطل الرواية، أوسكار ماتسيراث، طفل يتوقف عن النمو في سن الثالثة احتجاجاً على الانهيار الأخلاقي لمجتمعه. بقرع طبله المعدني وصرخاته الخارقة، يكشف أوسكار زيف الواقع، ويسخر من كل شيء: العائلة، الكنيسة، الجيش والدولة. عبر هذا التكوين الرمزي للبطولة، رسم غراس صورة جديدة للبطل الحديث: لا بطلاً نبيلاً، بل كائن مشوّه ، حادّ الوعي، ورافض للتواطؤ حتى بثمن العزلة. وقد كتب الناقد الأدبي مارسيل رايش-رانيكي أن "طبل الصفيح كانت صفعة على وجه الجمهورية الفيدرالية". معركة مستمرة مع الذات والعالم لم تكن هذه الصفعة يتيمة، بل جاءت ضمن ثلاثية دانتسيغ، التي شملت أيضاً "القط والفأر" (1961) و"سنوات الكلاب" (1963)، إذ واصل غراس نبش الجراح، لا من باب التأريخ، بل من موقع الإنسان المشارك في الكارثة. هو لا يكتب عن النازية من الخارج، بل من الداخل، بوصفه أحد أبناء جيلها الذين "سكتوا حين وجب الكلام، وانحنوا حين وجب الرفض"، على حد تعبيره. ولهذا، لم يكن "أدب الضمير" عند غراس مقاماً أخلاقياً، بل معركة مستمرة مع الذات، بلغة ساخرة، وغالباً جارحة. في العقود اللاحقة، واصل غراس التجريب والمساءلة، عبر أعمال مثل "الفأرة 1986"و"مئويتي" (1999) و"مشية السرطان" (2002) التي أعادت قراءة أحداث القرن العشرين من زوايا غير مألوفة، رافضاً الاصطفاف السهل، ومنحازاً إلى الهامش والضحايا الصامتين. وفي "مشية السرطان" تحديداً، استعاد مأساة السفينة الألمانية "فيلهلم غوستلوف"، غارزاً قلمه في تربة محرّمة: ضحايا الحرب الألمان. لم يكن هذا تعاطفاً مع الجلاد، بل مساءلة لتقسيمات الذاكرة نفسها، تلك التي تحتكر الحزن وتوزّعه بحسب الهوية. القصيدة القنبلة لكن غراس لم يكن مجرد روائي؛ كان مثقفاً عضوياً بالمعنى الغرامشي للكلمة. انخرط في دعم الحزب الديموقراطي الاجتماعي، وكتب خطابات لحملاته، ووقف ضد إعادة تسليح ألمانيا، وساهم في تقاربها مع بولندا، وواجه حملةً شرسة عام 2012 بعد نشره قصيدة نثرية بعنوان "ما ينبغي أن يُقال" انتقد فيها السياسات النووية الإسرائيلية، وهاجم صمت الغرب على التحضيرات الإسرائيلية لضرب إيران، رافضاً أن يُستخدم ماضي ألمانيا ذريعةً للصمت الأبدي. كانت القصيدة سبباً في منعه من دخول إسرائيل، واتهامه بمعاداة السامية من صحف مثل "دي فيلت" و"دير شبيغل"، على رغم أنه شدد على أن هدفه هو التوازن الأخلاقي، لا إنكار الجرائم النازية. ومع ذلك، دخل غراس المنطقة الأخلاقية الرمادية، حيث يصبح الشاهد متهماً، وحيث كلّ تذكير بالتاريخ يصبح تهديداً للسرديات الرسمية. وعلى رغم أن جيله من الكتّاب الكبار – كهاينرش بول، كريستا فولف، وزيباستيان هافنر – قد رحل أو صمت، مازال إرثه يثير الجدل بين الكتّاب الألمان الشباب. فبعضهم يرى فيه نموذجاً للمثقف النبوي الذي لا يهادن، بينما يعتبره آخرون رمزاً ثقيل الظل لعصرٍ أدبي تجاوزته الحداثة السائلة، خصوصاً مع أسلوبه الكثيف وجمله الطويلة، التي قد تبدو منفّرة لجيل يبحث عن الإيجاز والوضوح. وختاماً، يبقى تأثير غراس حياً في مجالات عدة، من الأدب اللاتيني الأميركي (حيث يُقارن بأسلوب غابرييل غارثيا ماركيز في المزج بين الواقع والغرائبية)، إلى الدراسات الأكاديمية. ففي دراسة نشرتها مجلة The German Quarterly عام 2016، وُصفت رواياته بأنها "مرآة أخلاقية لعصر ما بعد الذنب، قادرة على كشف التواطؤ القومي من خلال أدوات التخييل". اليوم، بعد عشر سنوات على رحيله، تبدو أعمال غراس أقل رواجاً تجارياً، لكنها أكثر راهنية من أي وقت مضى، في عالم تتصاعد فيه النزعات القومية، وتُختصر فيه الوقائع في شعارات. إنه كاتب لا يُقرأ للمتعة فقط، بل لمساءلة النفس. وربما هذا هو سبب صعوبة إعادة إنتاجه أو استنساخه: فغراس لم يكن مدرسة أدبية، بل موقف وجودي. في إحدى مقابلاته، قال: "نحن لا نقشر البصلة لنصل إلى القلب، بل لنصل إلى الدموع الأخيرة"، ربما كانت هذه العبارة تلخيصاً لمجمل مشروعه، حيث الكتابة ليست احتفاء بالحقيقة، بل مواجهة معها، وحيث الأدب لا يطلب الراحة، بل اليقظة. وإذا كان الزمن قد يميل إلى نسيان من يزعجه، فإن غونتر غراس سيظل أحد أولئك الذين كَتبوا لا ليُحبّوا، بل ليُسمَعوا.

العزف الصامت لروايات الرصاص: معرض عن الذاكرة وتطوراتها
العزف الصامت لروايات الرصاص: معرض عن الذاكرة وتطوراتها

الديار

timeمنذ 3 أيام

  • الديار

العزف الصامت لروايات الرصاص: معرض عن الذاكرة وتطوراتها

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب يحتفي الفنان الموسيقي والتشكيلي اللبناني، جورج يمين، هذا الأسبوع، بختام معرضه "روايات الرصاص" (Narratives of Bullets) بعنوان رديف "العزف الصامت" (Silent Impact) الذي أقيم في غاليري "تانيت" في مار مخائيل في بيروت. أكثر من إشكالية تختبيء في ثنايا العناوين، بالترادف مع الاهتمام الأساس للفنان، أي الموسيقى، لكن المعرض صور فوتوغرافية استطاع الفنان وحده قراءة الرابط بين الصورة والصوت. رصاص وصامت إشكالية أولى في طرح يمين، فالرصاص، على النقيض، صاعق، وليس صامتاً، لكنه تحوّل صامتاً بالتفاعل معه، وتتبع آثاره، وتطورات حضوره، وعندما أصبح موضوعاً في الذاكرة الطاعنة في الطفولة، فتحوّل صوت أزيزه عزفاً، شاءه الفنان صامتاً، رغم صخبه. لا يخرج يمين عن نمط الحياة التي عاشتها غالبية أجيال الاستقلال اللبناني التي تعايشت مع الرصاص بصورة دائمة، والبداية مع مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بأحداث سنة 1958. لكنّ طفولة يمين تعود للثمانينيات من القرن العشرين، أمضاها في بيروت يوم كانت الأعمال العسكرية تطغى على الحياة العامة، وربما كان الرصاص أخفها وطأةً، وضجيجاً مقارنة مع مواد الأعمال العسكرية الأخرى من قذائف وصواريخ. تنبىء نشرة تعريفية مترافقة مع المعرض أن يمين، وأثناء توثيقه لحياته الموسيقية من خلال التصوير الفوتوغرافي، "قاده تجواله في المدن والطبيعة والصحاري إلى اكتشافٍ مفاجئٍ لِصلةٍ بطفولته". مثله مثل مختلف الأجيال التي عايشت الرصاص- الحروب اللامتهاودة في لبنان، و"خلال جولاته، يجمع الرصاصات الطائشة. عندما كان صبياً في العاشرة من عمره، نشأ في لبنان أواخر ثمانينيات القرن الماضي، واجه يمين بالفعل بقايا الحرب مع خراطيشها"، إلى أن أصبح التفاعل مع الرصاص أمراً مألوفاً، خصوصاً بعد أن تسرب إلى الخصوصيات اللبنانية، وبات نظراً لوفرته، موضوعاً غير جاذب لجمعه. تَسَرّبَ الرّصاص إلى احتفالات "النصر"، النجاح بالشهادة، ولادة طفل، حَمَلُ بقرة، فلم تعد الرصاصة أمراً غير مألوف، إلّا أن التباينات بتفسير حصولها هي غير المألوفة. فالرصاصة الطائشة، برأي النشرة، "تحمل معانٍ غامضة، إذ يُمكن أن تُشير إلى الفرح والحزن. ويظل لغز نيّة مُطلقها قائماً حتى يعثر المرء بالصدفة على الرصاصة أو غلافها المفقود، مما يزيد من غموض العمل". المعرض يتعمّق في استكشافٍ مُثيرٍ للذاكرة، ويتلمّس الفنان ما وراء الغرض المُقصود من الرصاصة، ويرى في تشوهها قصة تغيير ومرور الزمن، لذلك صوّرها منكسرة، أو متآكلة، أو مهترئة، أو سليمة، فلكل حالة معنىً، ولكل شكل إشارة يمكن وصفها بالتوثيقية لمرحلة تاريخية، أو حدث عابر. فمن خلال الاستكشاف الفوتوغرافي للمناظر الطبيعية والحضرية، ممارسة لا بد منها لفنان تصوير فوتوغرافي، من هنا يُعيد هذا العمل النظر في ذكريات الطفولة التي شكّلتها الحرب، حيث تُعاد صياغتها كعلامات للزمن والذاكرة والتحول. يُبرز كتابه "الأثر الصامت: روايات الرصاص" جانباً من أعمال يمين، كما نَشر كتاب "العزف الصامت: أوركسترا الديوان الغربي الشرقي وفن الموسيقى" عام 2014، يستكشف القوة التحويلية للموسيقى في تعزيز الحوار، من خلال أعمال فرقة موسيقية تجمع موسيقيين من خلفيات متنوعة. منذ عام 1999، وخلال جولاته العالمية العديدة مع أوركسترا الديوان الغربي الشرقي، اكتشف يمين أن التصوير الفوتوغرافي وسيلة ثانية للتعبير عن نفسه، مما مكنه من التقاط الروابط الموسيقية بصرياً وتجربة الحركة والأشكال، ويعكس كتابه المصور "شرارة أمل"، الذي صدر عام 2014 عن دار نشر "كورسو" في ألمانيا، هذه المرحلة. تُعرض أعمال جورج يمّين في مجموعات خاصة ومؤسسات مثل مؤسسة بارنبويم - سعيد (إشبيلية). وقد عرض أعماله في معرض بيرنهايمر (لوسرن)، ومعرض لايكا (سالزبورغ)، وفوتوكينا كولونيا (كولونيا)، ومعرض أنيما (الدوحة)، ومعرض المرخية (الدوحة). كما عُرضت أعماله في العديد من المعارض الفنية الدولية مثل لايكا غاليري/سالزبورغ، وبرنهايمر للفنون الجميلة. معرض/لوسرن، معرض أنيما/الدوحة وجمعتها مؤسسات مثل مؤسسة بارنبويم سعيد/برلين وغيرها. وعلى هامش المعرض، أقيمت ندوة فنية تناولت "المكانة الفريدة للتصوير الفوتوغرافي في لبنان"، جمعت 3 شخصياتٍ في المشهد الفني اللبناني، وهم: ميشال الزوق، فنانٌ عالميٌّ في مجال التصوير والراب، يستكشف من خلال سلسلته "الحيوانية والحضرية" التوترَ بين العنف والجمال، ونايلة كتانة كونيغ، مؤسسة الغاليري، والفنان يمين، وتناول كل من المتحدثين تحديات التصوير في مجتمعٍ مُجزّأ، ومسؤولية الفنان في مواجهة الأزمة، والآفاق المستقبلية لهذه الممارسة في المنطقة، كل من خلال تجربته الفنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store