
فجوة الرواتب تقلق الجسم التربوي... "رابطة المتعاقدين" تطالب بالإنصاف
أصدرت رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي في لبنان (CTLP) بيانًا طالبت فيه بتعديل اقتراح القانون المعجل المكرّر الذي تقدم به عضو لجنة التربية النيابية النائب الدكتور إيهاب حمادة، والذي من المقرر مناقشته في جلسة المجلس النيابي يوم الخميس 15 أيار.
ورحّبت الرابطة بالمبادرة التشريعية، معتبرة أنها تندرج في صلب المطالب المزمنة للرابطة، التي طالما دعت إلى ربط أجر المعلم بمستواه الأكاديمي وخبراته، كخطوة أساسية لتحفيز الجسم التربوي وتحسين جودة التعليم الرسمي.
وفي توضيح لموقفها، أكدت الرابطة أنّ الزيادة المقترحة بنسبة 20٪ لحملة شهادة الماجستير و40٪ لحملة شهادة الدكتوراه تُعدّ محفزة ومبدئية جيدة، لكنها تصطدم بشرط تعجيزي، يتمثل في مطابقة المادة التي يدرّسها الأستاذ مع اختصاص شهادته العليا.
وأوضحت أن هذا الشرط يحرم شريحة واسعة من الأساتذة المتعاقدين من الاستفادة، إذ إن كثيرين من أصحاب الشهادات العليا – ماجستير ودكتوراه – لا يدرّسون في اختصاصاتهم الجامعية، بسبب آلية التعاقد المعتمدة، التي تفرض على مديري المدارس ملء الشواغر بغض النظر عن التخصص الدقيق للمعلم.
وأكد البيان أن الخبرة التراكمية في التعليم بمادة معينة على مدى عشرين عامًا، أحيانًا خارج نطاق الشهادة، يجب أن تُعادل أكاديميًا، ولا يجوز أن تكون عائقًا أمام الإفادة من الزيادة المقترحة، خصوصًا أن الشهادة الجامعية لم تكن يومًا شرطًا إلزاميًا للتدريس وفق المادة، فكيف تُفرض في حالات الشهادات العليا؟
ولفتت الرابطة إلى غياب نظام التدرّج الوظيفي في العقود التعليمية، حيث يحصل الأستاذ المتعاقد منذ ثلاثين سنة على الأجر نفسه الذي يتقاضاه متعاقد جديد.
ورغم أن آخر دفعة تعاقد "وفق الأصول" جرت في عام 2012، مع بعض الاستثناءات حتى 2015، فإن أشكال التعاقد اللاحقة (تحت تسمية "مستعان به" أو "متعاقد على الصناديق") كرّست انعدام العدالة الوظيفية، وغيّبت مبدأ السلم التربوي في تحديد الأجور.
من هنا، تطالب الرابطة باعتماد فئات تعاقدية مبنية على عدد سنوات الخبرة، على غرار ما هو معتمد في التعاقد المهني، بما يحقق عدالة راتبية تحفظ كرامة المعلم وتقدّر سنوات عطائه.
وشدّدت الرابطة في بيانها على الفجوة الصارخة في قيمة أجر الساعة بين أساتذة المرحلة الأساسية والثانوية، مشيرة إلى أن:
"أجر الساعة للمتعاقد الأساسي غير المجاز هو 6.5 دولارًا
أجر الساعة للمتعاقد الأساسي المجاز هو 8.2 دولارًا
أجر الساعة للمتعاقد الثانوي 14.6 دولارًا".
واعتبرت الرابطة أن هذا التمييز لم يعد مبرّرًا، خصوصًا بعد أن أصبح التوظيف في التعليم الأساسي يشترط شهادة جامعية أيضًا، مما ينفي الفارق الأكاديمي الذي كان يُستخدم لتبرير الفجوة سابقًا.
يأتي هذا البيان في وقت تتزايد فيه الضغوط المعيشية والمالية على المعلمين المتعاقدين في لبنان، الذين يشكلون نسبة كبرى من الجسم التعليمي في القطاع الرسمي. وقد ظل ملفهم معلّقًا لعقود دون أي إطار قانوني ثابت، ما جعلهم عرضة لمزاجية السياسات التربوية والمالية.
وكان النائب إيهاب حمادة قد تقدّم مؤخرًا باقتراح قانون لرفع أجر الساعة للمتعاقدين وفقًا للشهادات، ضمن مساعٍ لتطوير أداء القطاع الرسمي وتحفيز الأساتذة ذوي الكفاءات، لكن الرابطة تدعو إلى تعديل بنود الاقتراح بما يضمن عدالة التوزيع وشمولية الاستفادة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صيدا أون لاين
منذ 16 ساعات
- صيدا أون لاين
الجنوب بين محدلة التزكية ومعارك صيدا وجزين ورسائل سياسيّة من البقاع
اتجهت الانظار للتوّ إلى الجنوب، حيث نجحت «محدلة التزكية» في الحد من خطر الانتخابات في عدد من القرى، لا سيما في الحافة الامامية، وتمكّن «الثنائي الشيعي» (أمل – حزب الله) من إقناع الطامحين إلى أن الفرصة أفضل في انتخابات 2029.. وتستعد صيدا لمعركة انتخابية، وكذلك الحال في مدينة جزين، بعدما تمكَّن حزب «القوات» من إخراج خصمه التاريخي التيار الوطني الحر من معظم المدن المسيحية ذات التأثير السياسي والسياحي والمسيحي. واشارت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» الى ان تنتهي الانتخابات البلدية والاختيارية في مرحلتها الأخيرة في الجنوب، يصبح التقييم لنتائجها في صورته النهائية مع العلم ان هناك مشهدية فرضت نفسها لجهة التمثيل والأحجام وأوضحت ان اتمام هذا الاستحقاق هو نجاح للعهد والحكومة معا . وكتبت" الديار": ان المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع، افضت الى تثبيت وقائع سياسية شيعية لا يمكن تجاهلها او تجاوزها، حيث بدأت القوى السياسية المحلية كافة، اضافة الى الرعاة الاقليميين والدوليين، اجراء مراجعات باتت ضرورية للتعامل مع النتائج، بعدما نجح «الثنائي» في هذه الجولة في اكتساح كافة القوى المناوئة له في الساحة الشيعية بقاعا، خصوصا في مدينة بعلبك حيث تجاوز منافسيه باكثر من 6400 صوت، فيما ثبت موقعه الحامي للمناصفة في العاصمة بيروت، من خلال بلوك من 19 الف صوت، عوّض من خلاله الدور الذي كان يؤديه تيار «المستقبل» قبل عزوفه. ولولا هذا الالتزام لكانت لائحة «بيروت بتحبك» حققت خرقا باكثر من مرشح. وذكرت «البناء» أن سفارات دول أجنبية وعربية في لبنان كانت ترصد سير العملية الانتخابية في بيروت والبقاع لا سيما في مناطق حضور الثنائي حركة أمل وحزب الله، وكذلك تتابع نتائج الانتخابات وأبعادها السياسية لا سيما أنها الاستحقاق الانتخابي الأول بعد الحرب الأخيرة والتحوّلات في المنطقة، وبالتالي مدى تأثير تداعيات هذه الحرب على أداء الثنائيّ وإدارته لملف الانتخابات وعلى بيئة المقاومة ومدى تمسكها بالمقاومة وخيارها، للبناء على هذه النتائج في استحقاق الانتخابات النيابيّة في العام المقبل. وكتبت راجانا حمية في" الاخبار": لم تكن النتيجة التي حقّقها الثنائي حزب الله وحركة أمل في الانتخابات البلدية لمحافظة بعلبك - الهرمل مفاجئة، إذ فازت لوائح «تنمية ووفاء» بكاملها، من دون أي خرق واحد. مع ذلك، لم تكن هذه النتيجة بلا دلالات، بالنظر إلى الظروف الداخلية والخارجية التي سبقت ورافقت الاستحقاق الانتخابي. وقد أدّت هذه النتائج قسطها للعُلا، مع التأكيد بالأرقام أن «خيار الناس هو المقاومة»، وفقاً للنائب إيهاب حمادة. وقد سُجّلت أعلى النسب في الانتخابات البلدية لهذا العام في محافظة بعلبك - الهرمل، مع وصول معدّل الاقتراع فيها إلى 46%، وتسجيل نسب غير مألوفة في بعض البلدات مثل النبي شيت (81%) وحوش الرافقة (67%)، بما يتخطى الاقتراع إلى الاستفتاء. وفي الأرقام أيضاً، استطاعت لوائح «تنمية ووفاء» إبراز الحجم الحقيقي لمنافسيها، مع الفوارق التي تخطّت آلاف الأصوات بين آخر الرابحين في لائحة الثنائي وأول الخاسرين في اللوائح المنافسة. وحتى في المعارك السياسية التي حاربت فيها قوى داخلية وخارجية الثنائي، كما في مدينة بعلبك، كان الفارق بين آخر الرابحين وأول الخاسرين في لائحة «بعلبك مدينتي» المدعومة من السعودية، 6 آلاف صوت، بحسب النتائج النهائية. وكذلك الحال في مدينة الهرمل، حيث كان الفارق بين آخر الفائزين وأول الخاسرين 6500 صوت. ويمكن اعتبار ما جرى «بروفا» للانتخابات النيابية المقبلة في محافظة بعلبك - الهرمل، على ما يقول حمادة، لافتاً إلى أن التصويت في الانتخابات النيابية، يكون على أساس سياسي، خلافاً للانتخابات البلدية التي تدخل فيها الاعتبارات العائلية، ما يعني أن ناخبي بعلبك - الهرمل، سيصبّون أصواتهم حُكماً في «صندوق المقاومة».


صيدا أون لاين
منذ 2 أيام
- صيدا أون لاين
مُعظمهم من الشباب.. حالات الانتحار تتزايد في لبنان وهذه أسبابها
ما إن بدأ اللبناني يلتقط أنفاسه مع تراجع وتيرة الجرائم الدورية التي أثقلت يومياته، حتى عادت ظاهرة الانتحار الى الواجهة مجددًا. فمن الضاحية الجنوبية، حيث أنهت الشابة مريم نحلة حياتها، إلى صيدا التي شهدت محاولة انتحار لفتاة تبلغ من العمر 28 عامًا، وصولًا إلى البربير، والأشرفية، وتلّ العباس في عكار، تتوالى الحالات بشكل يثير القلق. تكرار هذه المشاهد في أكثر من منطقة يطرح أسئلة ملحّة: ما الذي يدفع شبابًا وشابات إلى قرار نهائي بهذا الحجم؟ وأي واقع مأزوم هذا الذي يجعل الحياة عبئًا لا يُحتمل؟ رغم الحديث اليوم عن "عهد لبنان الجديد" برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وما يرافقه من وعود بالتغيير، وإعادة وصل لبنان بـ"الحضن العربي"، وفرض الأمن، والسعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عبر القنوات الديبلوماسية رغم الخروقات المستمرّة، فضلًا عن محاولات إخراج البلد من أزمته الخانقة، يبقى الواقع، إلى حدّ كبير، شبيهًا بما كان عليه سابقًا. ضغوط اقتصادية خانقة على المستوى الاقتصادي والعملي، لا تزال فرص العمل نادرة. ففي عامَي 2023 و2024، بلغت نسبة البطالة 27% من مجمل القوى العاملة، أي ما يزيد بنحو 2.4 مرّة عن المعدّل العام في سائر الدول العربية. وحتى في حال توفّرت الوظيفة، فإنها غالبًا تمرّ عبر المحسوبيات والوساطات. أمّا من حالفه الحظ في إيجاد عمل، فكثيرًا ما يُضطر إلى القيام بأكثر من وظيفة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. فبحسب آخر قرار صادر عن وزير العمل محمد حيدر، رُفع الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة، مع مضاعفة التقديمات العائلية والمدرسية، ليبلغ المجموع نحو 312 دولارًا. مبلغ لا يكاد يغطي أبسط الحاجات، في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع، وخصوصًا المواد الغذائية. في هذا الواقع الضاغط، وجد كثيرون أنفسهم مضطرين إلى الاستدانة، ما عمّق أزماتهم ودفعهم أكثر نحو دوّامة الديون. فمنذ ستّ سنوات، وتحديدًا بعد اندلاع ثورة 17 تشرين وأزمة المصارف التي خنقت اللبنانيين، عاد عدد كبير منهم إلى نقطة الصفر. ومنذ عام 2019، يسعى الشاب اللبناني إلى التأقلم مع المشهد المتقلّب، فابتعد كثيرون عن اختصاصاتهم الجامعية، واتجهوا نحو أعمال بديلة: من مهنة الصرّاف، إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، والتداول بالعملات الرقمية، وصولًا إلى تقديم محتوى مباشر عبر "تيك توك" ومنصات التواصل الأخرى. وفي الآونة الأخيرة، زادت الحرب العنيفة التي شهدها لبنان من معاناة الناس. فذاك الشاب الذي استثمر كلّ ما يملك لبناء منزل أحلامه أو لتحقيق مشروع خطّط له لسنوات، خسر كلّ شيء في لحظة. وآخرون وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل بعد أن سُرّحوا نتيجة العدوان. عوامل نفسية تدفع نحو الانهيار اما على الصعيد النفسي، فتوضح الاختصاصية النفسية ربى بشارة لـ"لبنان 24"، أن الانتحار لا يحدث فجأة، بل هو خلاصة مسار طويل من التراكمات النفسية، تتشابك فيها العوامل الخارجية والداخلية. فالظروف المعيشية الصعبة، الضغوطات الاقتصادية، البطالة، وغياب الاستقرار، تُعدّ عوامل خارجية تطوّق الفرد وتدفعه نحو الحافة. أما العوامل الداخلية، فهي أعمق، متجذّرة في التجربة الشخصية، نمط التفكير، أسلوب التربية، والبيئة التي نشأ فيها. تقول بشارة إن الشخص الذي يُقدم على إنهاء حياته، غالبًا ما يكون قد ضاق به الأفق النفسي إلى حدّ لم يعُد يرى فيه مخرجًا. وقد لا تكون الأزمة الآنية هي السبب الوحيد، بل تتراكم الأسباب على مدى سنوات من الإهمال العاطفي، غياب الاحتواء، وحرمان من المساحات الآمنة للتعبير عن الألم. وفي بلدٍ تتراجع فيه سبل العيش بقدر ما تتراجع سبل النجاة، تضعف قدرة الإنسان على الاحتمال. وتضيف أن ما يُنقذ الإنسان من هذه الدوّامة هو ما يُعرف بـ"المساحة النفسية" الواسعة، تلك القدرة الداخلية على رؤية الخيارات، حتى حين تبدو معدومة. وهذه تُزرع في سنّ مبكرة، حين يُسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره، ويُعلَّم كيف يواجه لا أن يهرب، وكيف يبحث عن حلول لا أن يغرق في المآزق. وتشدّد بشارة على دور الأهل في تشكيل هذه المساحة، فوجود أبوَين يتعاملان مع التحديات بنضج أمام أولادهم، يمنح الطفل نماذج واقعية عن كيفية مواجهة الأزمات. القدرة على التحمّل، كما تؤكّد، ليست فطرية، بل تُكتسب. وكلّما تمرّن الطفل على تحمّل المسؤولية، خوض التجارب، والتعامل مع الفشل، كلّما أصبح أشدّ تماسكًا حين يكبر. هنا تبرز أهمية التربية الواقعية، التي لا تُلبس الحياة حُلّة مثالية، بل تُظهرها كما هي كمزيج من المتعة والتحديات، من المكافآت والخيبات. وتحذّر بشارة أيضًا من الإفراط في التساهل، وهي سمة تطغى على أساليب التربية الحديثة. فكلّما خفّ الانضباط، قلت قدرة الجيل الجديد على التحمل. وتشير إلى أنّ معلمات من الجيل السابق يلاحظن كيف بات الأطفال اليوم أقل صبرًا، وأسرع انفعالًا، مقارنة بجيل تربّى في بيئات أكثر صرامة، واحتكاكًا مباشرًا بالحياة والطبيعة. وشدّدت على أن الإنسان بحاجة إلى جرعة من الحب، يقابلها تدريب على التحمّل، والاعتياد على مواجهة الأزمات، بدءًا من داخل العائلة. في الختام، يقف الشاب اللبناني على هامش وطنٍ يُفترض أن يحتضنه، بينما تغيب عنه أبسط حقوقه، وتُقفل في وجهه أبواب الفرص. لا مقوّمات اقتصادية تُسند صموده، ولا بيئة نفسية تُعينه على الاحتمال. ستّ سنوات من الأزمات المتراكمة جعلت الحياة أثقل من أن تُحتمل. فهل من بارقة أمل؟ وهل تتحرّك الدولة قبل أن يفقد هذا الجيل آخر ما تبقّى له من إيمان بالوطن؟

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 أيام
- القناة الثالثة والعشرون
مُعظمهم من الشباب.. حالات الانتحار تتزايد في لبنان وهذه أسبابها
ما إن بدأ اللبناني يلتقط أنفاسه مع تراجع وتيرة الجرائم الدورية التي أثقلت يومياته، حتى عادت ظاهرة الانتحار الى الواجهة مجددًا. فمن الضاحية الجنوبية، حيث أنهت الشابة مريم نحلة حياتها، إلى صيدا التي شهدت محاولة انتحار لفتاة تبلغ من العمر 28 عامًا، وصولًا إلى البربير، والأشرفية، وتلّ العباس في عكار، تتوالى الحالات بشكل يثير القلق. تكرار هذه المشاهد في أكثر من منطقة يطرح أسئلة ملحّة: ما الذي يدفع شبابًا وشابات إلى قرار نهائي بهذا الحجم؟ وأي واقع مأزوم هذا الذي يجعل الحياة عبئًا لا يُحتمل؟ رغم الحديث اليوم عن "عهد لبنان الجديد" برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وما يرافقه من وعود بالتغيير، وإعادة وصل لبنان بـ"الحضن العربي"، وفرض الأمن، والسعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عبر القنوات الديبلوماسية رغم الخروقات المستمرّة، فضلًا عن محاولات إخراج البلد من أزمته الخانقة، يبقى الواقع، إلى حدّ كبير، شبيهًا بما كان عليه سابقًا. ضغوط اقتصادية خانقة على المستوى الاقتصادي والعملي، لا تزال فرص العمل نادرة. ففي عامَي 2023 و2024، بلغت نسبة البطالة 27% من مجمل القوى العاملة، أي ما يزيد بنحو 2.4 مرّة عن المعدّل العام في سائر الدول العربية. وحتى في حال توفّرت الوظيفة، فإنها غالبًا تمرّ عبر المحسوبيات والوساطات. أمّا من حالفه الحظ في إيجاد عمل، فكثيرًا ما يُضطر إلى القيام بأكثر من وظيفة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. فبحسب آخر قرار صادر عن وزير العمل محمد حيدر، رُفع الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة، مع مضاعفة التقديمات العائلية والمدرسية، ليبلغ المجموع نحو 312 دولارًا. مبلغ لا يكاد يغطي أبسط الحاجات، في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع، وخصوصًا المواد الغذائية. في هذا الواقع الضاغط، وجد كثيرون أنفسهم مضطرين إلى الاستدانة، ما عمّق أزماتهم ودفعهم أكثر نحو دوّامة الديون. فمنذ ستّ سنوات، وتحديدًا بعد اندلاع ثورة 17 تشرين وأزمة المصارف التي خنقت اللبنانيين، عاد عدد كبير منهم إلى نقطة الصفر. ومنذ عام 2019، يسعى الشاب اللبناني إلى التأقلم مع المشهد المتقلّب، فابتعد كثيرون عن اختصاصاتهم الجامعية، واتجهوا نحو أعمال بديلة: من مهنة الصرّاف، إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، والتداول بالعملات الرقمية، وصولًا إلى تقديم محتوى مباشر عبر "تيك توك" ومنصات التواصل الأخرى. وفي الآونة الأخيرة، زادت الحرب العنيفة التي شهدها لبنان من معاناة الناس. فذاك الشاب الذي استثمر كلّ ما يملك لبناء منزل أحلامه أو لتحقيق مشروع خطّط له لسنوات، خسر كلّ شيء في لحظة. وآخرون وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل بعد أن سُرّحوا نتيجة العدوان. عوامل نفسية تدفع نحو الانهيار اما على الصعيد النفسي، فتوضح الاختصاصية النفسية ربى بشارة لـ"لبنان 24"، أن الانتحار لا يحدث فجأة، بل هو خلاصة مسار طويل من التراكمات النفسية، تتشابك فيها العوامل الخارجية والداخلية. فالظروف المعيشية الصعبة، الضغوطات الاقتصادية، البطالة، وغياب الاستقرار، تُعدّ عوامل خارجية تطوّق الفرد وتدفعه نحو الحافة. أما العوامل الداخلية، فهي أعمق، متجذّرة في التجربة الشخصية، نمط التفكير، أسلوب التربية، والبيئة التي نشأ فيها. تقول بشارة إن الشخص الذي يُقدم على إنهاء حياته، غالبًا ما يكون قد ضاق به الأفق النفسي إلى حدّ لم يعُد يرى فيه مخرجًا. وقد لا تكون الأزمة الآنية هي السبب الوحيد، بل تتراكم الأسباب على مدى سنوات من الإهمال العاطفي، غياب الاحتواء، وحرمان من المساحات الآمنة للتعبير عن الألم. وفي بلدٍ تتراجع فيه سبل العيش بقدر ما تتراجع سبل النجاة، تضعف قدرة الإنسان على الاحتمال. وتضيف أن ما يُنقذ الإنسان من هذه الدوّامة هو ما يُعرف بـ"المساحة النفسية" الواسعة، تلك القدرة الداخلية على رؤية الخيارات، حتى حين تبدو معدومة. وهذه تُزرع في سنّ مبكرة، حين يُسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره، ويُعلَّم كيف يواجه لا أن يهرب، وكيف يبحث عن حلول لا أن يغرق في المآزق. وتشدّد بشارة على دور الأهل في تشكيل هذه المساحة، فوجود أبوَين يتعاملان مع التحديات بنضج أمام أولادهم، يمنح الطفل نماذج واقعية عن كيفية مواجهة الأزمات. القدرة على التحمّل، كما تؤكّد، ليست فطرية، بل تُكتسب. وكلّما تمرّن الطفل على تحمّل المسؤولية، خوض التجارب، والتعامل مع الفشل، كلّما أصبح أشدّ تماسكًا حين يكبر. هنا تبرز أهمية التربية الواقعية، التي لا تُلبس الحياة حُلّة مثالية، بل تُظهرها كما هي كمزيج من المتعة والتحديات، من المكافآت والخيبات. وتحذّر بشارة أيضًا من الإفراط في التساهل، وهي سمة تطغى على أساليب التربية الحديثة. فكلّما خفّ الانضباط، قلت قدرة الجيل الجديد على التحمل. وتشير إلى أنّ معلمات من الجيل السابق يلاحظن كيف بات الأطفال اليوم أقل صبرًا، وأسرع انفعالًا، مقارنة بجيل تربّى في بيئات أكثر صرامة، واحتكاكًا مباشرًا بالحياة والطبيعة. وشدّدت على أن الإنسان بحاجة إلى جرعة من الحب، يقابلها تدريب على التحمّل، والاعتياد على مواجهة الأزمات، بدءًا من داخل العائلة. في الختام، يقف الشاب اللبناني على هامش وطنٍ يُفترض أن يحتضنه، بينما تغيب عنه أبسط حقوقه، وتُقفل في وجهه أبواب الفرص. لا مقوّمات اقتصادية تُسند صموده، ولا بيئة نفسية تُعينه على الاحتمال. ستّ سنوات من الأزمات المتراكمة جعلت الحياة أثقل من أن تُحتمل. فهل من بارقة أمل؟ وهل تتحرّك الدولة قبل أن يفقد هذا الجيل آخر ما تبقّى له من إيمان بالوطن؟ انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News