
روسيا وطالبان.. شراكة الضرورة في ظل غياب الاعتراف الرسمي
في تحوّل لافت على مستوى العلاقات
الإقليمية، شارك ممثلو حركة طالبان للمرة الأولى في "منتدى الأمن
الدولي" الثالث عشر المنعقد في العاصمة الروسية موسكو يوم الأربعاء 27 يونيو،
وهو تطور يعكس عمق التغير في العلاقات بين الطرفين منذ استعادة الحركة السيطرة على
أفغانستان في أغسطس 2021.
وأعلنت وكالة "بختر" الحكومية أن
جمال ناصر غاروال، القائم بأعمال طالبان في روسيا، ألقى كلمة في المنتدى حول
"التطورات الأمنية في أفغانستان وتأثيراتها الإقليمية"، بمشاركة أحمد
ياسر، الملحق العسكري بسفارة طالبان، في حضور مسؤولين أمنيين من دول متعددة.
وتأتي هذه المشاركة بعد أسابيع من قرار
روسيا رفع حركة طالبان من قائمتها للمنظمات الإرهابية، وهو ما مهّد الطريق لفتح
قنوات دبلوماسية علنية، وتعيين طالبان لسفير جديد في موسكو.
من القطيعة إلى الحوار
لم تكن موسكو تنظر لطالبان بوصفها شريكًا
يومًا ما. فخلال حقبة التسعينيات، ومع سيطرة الحركة على أفغانستان، عبّرت روسيا عن
قلقها من تصدير التطرف إلى دول آسيا الوسطى، وصنّفت طالبان منظمة إرهابية عام
2003. كما دعمت الحرب الأمريكية في أفغانستان باعتبارها فرصة لكبح نفوذ الجماعات
الجهادية في المنطقة.
لكن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان
غيّر الحسابات الروسية. بدأت موسكو خلال السنوات القليلة الماضية في التواصل مع
الحركة ضمن "صيغة موسكو" التي جمعت فرقاء أفغان وأطرافًا إقليمية، قبل
أن تصبح طالبان سلطة الأمر الواقع في كابول. لاحقًا، أبقت روسيا على سفارتها
مفتوحة، وتواصلت مع مسؤولي الحركة بشكل غير رسمي، تمهيدًا للاعتراف الضمني بوجودها
كحكومة.
التحول في الموقف الروسي لا يرتبط فقط
بالواقع السياسي، بل يرتكز على مصالح أمنية واقتصادية متقاطعة. روسيا قلقة من تمدد
تنظيم "داعش – ولاية خراسان" على حدود آسيا الوسطى، وتعتبر طالبان، رغم
تحفظاتها عليها، شريكًا ضروريًا لمنع الفوضى.
في المقابل، ترى طالبان في موسكو أحد
منافذها النادرة نحو العالم، في ظل رفض غربي للاعتراف بها. وتعد روسيا موردًا
أساسيًا للوقود والسلع، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 300 مليون
دولار العام الماضي. كما يناقش الطرفان إجراء المعاملات التجارية بالعملات المحلية
بدلاً من الدولار، في محاولة للالتفاف على العقوبات الغربية.
موسكو تعيد التموضع
لا تخفي روسيا رغبتها في ملء الفراغ الذي
تركته الولايات المتحدة، وتعزيز نفوذها جنوب آسيا. ومن خلال فتح الباب لطالبان في
المحافل الأمنية والاقتصادية – مثل "منتدى موسكو" و"منتدى سانت
بطرسبرغ" المرتقب – تسعى موسكو لتكريس دورها كوسيط فاعل في ملفات حساسة،
ومنها الملف الأفغاني.
كما أن الانخراط في مشاريع مشتركة داخل
أفغانستان، خاصة في مجالات التعدين والطاقة والبنية التحتية، يمثل فرصة اقتصادية
لروسيا، في وقت تواجه فيه تحديات داخلية وخارجية بسبب العقوبات الغربية.
رغم هذا الانفتاح، لم تعترف موسكو رسميًا
بحكومة طالبان، مفضّلةً ما يمكن وصفه بـ"الاعتراف الواقعي"، الذي يضمن
مصالحها دون الاصطدام المباشر بالمجتمع الدولي. وتحرص روسيا على تجنب إعطاء شرعية
كاملة لطالبان، خشية تداعيات تتعلق بحقوق الإنسان ووضع المرأة في أفغانستان.
أما طالبان، فترى في هذا الانفتاح الروسي
نقطة ارتكاز سياسية لمواجهة عزلتها، دون التفريط في خطابها الداخلي أو إحداث
تغييرات جذرية في نهجها.
وفي ظل حسابات دقيقة وتحركات محسوبة، تمضي
العلاقات بين طالبان وروسيا في مسار تصاعدي، تعكسه اللقاءات الرسمية والمشاركة في
المنتديات، دون أن تخرج عن إطار التجاذب الحذر الذي يوازن بين المصالح والتوجسات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ ساعة واحدة
- شفق نيوز
"التقشف" يضرب الأمم المتحدة.. خطة لتسريح نحو 7000 موظف وتقليص النفقات
شفق نيوز/ تعتزم الأمانة العامة للأمم المتحدة إلغاء نحو 6900 وظيفة، ضمن خطة "تقشفية" تهدف إلى تقليص ميزانيتها بنسبة 20%، أي ما يعادل نحو 740 مليون دولار من أصل 3.7 مليارات. وكشفت مذكرة داخلية، اطلعت عليها وكالة "رويترز"، وتابعتها وكالة شفق نيوز، أن على إدارات المنظمة تقديم مقترحات لتقليص أعداد الموظفين بحلول منتصف حزيران/ يونيو المقبل، تمهيداً لدخول التخفيضات حيّز التنفيذ مع انطلاق دورة الميزانية الجديدة في كانون الثاني/ يناير 2026. وتأتي هذه الإجراءات وسط أزمة سيولة خانقة، تضاعفت بسبب تغيّر السياسات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي جمّد مساهمات بلاده جزئياً، في وقت تُمثل فيه واشنطن نحو ربع تمويل الأمم المتحدة. وتُقدر المتأخرات الأميركية بنحو 1.5 مليار دولار، وسط تأخيرات أخرى في المدفوعات من الصين، ثاني أكبر ممول للمنظمة. وقال المراقب المالي للأمم المتحدة، تشاندرامولي راماناثان، إن الخطة تهدف لإعادة تشكيل المنظمة لتواكب تحديات القرن الـ21، وتقليص البيروقراطية، دون أن يذكر الولايات المتحدة بالاسم. من جانبه، ألمح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال اجتماعات مغلقة مع دبلوماسيين، إلى توجهات إصلاحية عميقة تشمل دمج إدارات رئيسية، نقل الموظفين إلى مواقع أقل تكلفة، وربما دمج أو تقليص بعض الوكالات الأممية. وأضاف أن "قرارات صعبة ومؤلمة" باتت ضرورية لضمان استمرار المنظمة وقدرتها على العمل في ظل المتغيرات الجيوسياسية والمالية. ويرى محللون أن هذه الإجراءات قد تكون محاولة لتهدئة الإدارة الأميركية وتفادي المزيد من التقليصات، بينما تتواصل الضغوط على الأمم المتحدة لإنجاز مهامها الإنسانية والسياسية في ظل ميزانيات تتقلص باستمرار.


شفق نيوز
منذ 5 ساعات
- شفق نيوز
كيف يساعد الغرب روسيا في تمويل حربها على أوكرانيا؟
تُظهر البيانات أن روسيا واصلت جني مليارات الدولارات من صادرات الوقود الأحفوري إلى الغرب، ما ساعد في تمويل غزوها الشامل لأوكرانيا، الذي دخل عامه الرابع. منذ بدء ذلك الغزو في فبراير/ شباط عام 2022، حققت روسيا أرباحاً من تصدير الوقود الهيدروكربوني، تفوق ثلاثة أضعاف المساعدات التي تلقتها أوكرانيا من حلفائها. تُظهر البيانات، التي حللتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن حلفاء أوكرانيا الغربيين دفعوا لروسيا مقابل الهيدروكربونات أكثر مما قدموه إلى كييف من مساعدات. يقول ناشطون إن على الحكومات في أوروبا وأمريكا الشمالية بذل المزيد من الجهود، لمنع النفط والغاز الروسيين من تأجيج الحرب على أوكرانيا. كم تبلغ عائدات روسيا؟ تُعدّ عائدات بيع النفط والغاز أساسية لاستمرار عمل آلة الحرب الروسية. يُمثل النفط والغاز ما يقرب من ثلث إيرادات الدولة الروسية، وأكثر من 60 في المئة من صادراتها. في أعقاب غزو فبراير/ شباط 2022، فرض حلفاء أوكرانيا عقوبات على منتجات الهيدروكربونات الروسية. حظرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة النفط والغاز الروسيين، بينما حظر الاتحاد الأوروبي واردات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً، لكنه لم يحظر الغاز. ورغم ذلك، حققت روسيا بحلول 29 مايو/ أيار الجاري أكثر من 883 مليار يورو (973 مليار دولار أمريكي)، من عائدات صادرات الوقود الأحفوري منذ بدء الغزو الشامل، بما في ذلك 228 مليار يورو من الدول التي فرضت العقوبات، وفقًا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA). وكان النصيب الأكبر من هذا المبلغ، 209 مليارات يورو، من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وواصلت دول الاتحاد الأوروبي استيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب مباشرةً من روسيا، حتى أوقفت أوكرانيا عمليات النقل في يناير/ كانون الثاني 2025، ولا يزال النفط الخام الروسي يُضخ عبر الأنابيب إلى المجر وسلوفاكيا. ولا يزال الغاز الروسي أيضا يُضخ إلى أوروبا بكميات متزايدة عبر تركيا: تُظهر بيانات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) أن حجمه ارتفع بنسبة 26.77 في المئة، في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024. كما لا تزال المجر وسلوفاكيا تستقبلان الغاز الروسي، من خطوط الأنابيب عبر تركيا. ورغم جهود الغرب، فقد انخفضت عائدات روسيا من الوقود الأحفوري في عام 2024 بنسبة 5 في المئة فقط، مقارنةً بعام 2023، إلى جانب انخفاض مماثل بنسبة 6 في المئة في حجم الصادرات، وفقًا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف. وشهد العام الماضي أيضاً زيادة بنسبة 6 في المئة في عائدات روسيا من صادرات النفط الخام، وزيادة بنسبة 9 في المئة على أساس سنوي في عائدات غاز خطوط الأنابيب. وتشير التقديرات الروسية إلى أن صادرات الغاز إلى أوروبا ارتفعت بنسبة تصل إلى 20 في المئة في عام 2024، مع وصول صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية. ويُشير تقرير مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف إلى أن نصف صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال حالياً تذهب إلى الاتحاد الأوروبي. تقول كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن التكتل لم يفرض "أشد العقوبات" على النفط والغاز الروسيين، لأن بعض الدول الأعضاء تخشى تصعيد الصراع، ولأن شرائهما "أرخص على المدى القصير". لم تُدرج واردات الغاز الطبيعي المسال ضمن الحزمة السابعة عشرة الأخيرة من العقوبات، التي أقرها الاتحاد الأوروبي على روسيا، لكنه اعتمد خارطة طريق باتجاه إنهاء جميع واردات الغاز الروسي بحلول نهاية عام 2027. تُظهر البيانات أن عائدات روسيا من بيع الوقود الأحفوري تجاوزت باستمرار حجم المساعدات، التي تتلقاها أوكرانيا من حلفائها. قد يُعيق التعطش للوقود جهود الغرب للحد من قدرة روسيا على تمويل حربها. تقول ماي روزنر، الناشطة البارزة في منظمة "غلوبال ويتنس"، إن العديد من صانعي السياسات الغربيين يخشون أن يؤدي خفض واردات الوقود الروسي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. "لا توجد رغبة حقيقية لدى العديد من الحكومات في الحد من قدرة روسيا على إنتاج وبيع النفط. هناك خوف مبالغ فيه مما قد يعنيه ذلك لأسواق الطاقة العالمية. هناك خط فاصل قد تصبح فيه أسواق الطاقة معرضة للخطر أو معرضة للانحراف بشكل كبير". "ثغرة التكرير" بالإضافة إلى المبيعات المباشرة، ينتهي المطاف ببعض النفط الذي تُصدّره روسيا في الغرب - بعد معالجته وتحويله إلى منتجات وقود في دول ثالثة، عبر ما يُعرف بـ"ثغرة التكرير". وفي بعض الأحيان، يُخفّف من تركيزه باستخدام خام من دول أخرى أيضاً. يقول مركز أبحاث الطاقة إنه حدد ثلاث "مصافي تكرير لغسيل النفط الروسي" (على غرار غسيل الأموال) في تركيا، وثلاثا في الهند ومن ثم بيعه للدول التي تفرض عقوبات. ويُشير إلى أنها استخدمت ما قيمته 6.1 مليار يورو من الخام الروسي، لتصنيع منتجات للدول التي تفرض عقوبات. انتقدت وزارة البترول الهندية تقرير مركز أبحاث الطاقة، ووصفته بأنه "محاولة مُضلِّلة لتشويه صورة الهند". يقول فايبهاف راغوناندان، المحلل في مركز أبحاث الطاقة: "(هذه الدول) تعلم أن الدول التي تفرض عقوبات مستعدة لقبول هذا. هذه ثغرة قانونية تماماً. الجميع يدركها، لكن لا أحد يبذل جهداً يُذكر لمعالجتها على نحو فعال". يرى نشطاء وخبراء أن الحكومات الغربية تمتلك الأدوات والوسائل المتاحة، لوقف تدفق عائدات النفط والغاز إلى خزائن الكرملين. وفقًا لنائب وزير الطاقة الروسي السابق، فلاديمير ميلوف، وهو الآن من أشد معارضي الرئيس فلاديمير بوتين، ينبغي تطبيق العقوبات المفروضة على تجارة الهيدروكربونات الروسية بشكل أفضل - وخاصةً الحد الأقصى لسعر النفط الذي اعتمدته مجموعة الدول السبع الكبرى، والذي يقول ميلوف إنه "غير فعال". ومع ذلك، يخشى ميلوف من أن تُعيق التغييرات التي أجراها الرئيس، دونالد ترامب، في الحكومة الأمريكية عمل وكالات مثل وزارة الخزانة الأمريكية أو مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وهما سلطتان أساسيتان في تطبيق العقوبات. وهناك سبيل آخر يتمثل في استمرار الضغط على "أسطول الظل" الروسي من ناقلات النفط، المتورطة في التهرب من العقوبات. ويقول ميلوف: "إنها عملية جراحية معقدة. يجب إصدار دفعات جديدة من العقوبات بشكل دوري، تستهدف مجموعات السفن (المتورطة)، والشركات الوهمية، والتجار، وشركات التأمين، وما إلى ذلك، كل بضعة أسابيع". ووفقا له، فقد كانت الحكومات الغربية أكثر فعالية في هذا المجال، لا سيما مع فرض إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عقوبات جديدة، في يناير/ كانون الثاني 2025. وتقول ماي روزنر: إن حظر صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أوروبا، وسد ثغرة التكرير في نطاق ولاية سلطات القضاء الغربية، سيكونان "خطوات مهمة في استكمال فك ارتباط الغرب بالهيدروكربونات الروسية". ووفقًا لراغوناندان من مركز أبحاث الطاقة، سيكون من السهل نسبياً على الاتحاد الأوروبي التخلي عن واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي. وقال لبي بي سي: "خمسون بالمائة من صادراتهم (الروس) من الغاز الطبيعي المسال موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، و5 في المئة فقط من إجمالي استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز (الطبيعي المسال) في عام 2024 كان من روسيا. لذا، إذا قرر الاتحاد الأوروبي وقف استيراد الغاز الروسي تماماً، فسيضر ذلك روسيا أكثر بكثير مما سيضر المستهلكين في الاتحاد الأوروبي". خطة ترامب لإنهاء الحرب عبر خفض أسعار النفط رفض خبراء، أجرت بي بي سي مقابلات معهم، فكرة دونالد ترامب بأن الحرب الروسية مع أوكرانيا ستنتهي، إذا خفضت منظمة أوبك أسعار النفط. وقال ميلوف لبي بي سي: "يسخر الناس في موسكو من هذه الفكرة، لأن الطرف الذي سيعاني أكثر... هو صناعة النفط الصخري الأمريكية، وهي الأقل تنافسية من حيث التكلفة في العالم". ويقول راغوناندان إن تكلفة إنتاج النفط الخام في روسيا أقل أيضاً من تكلفة إنتاج دول أوبك، مثل المملكة العربية السعودية، لذا سيتضررون من انخفاض أسعار النفط قبل روسيا. ويضيف: "من المستحيل أن توافق السعودية على ذلك. لقد جُرِّب هذا من قبل. وقد أدى ذلك إلى صراع بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة". وتقول روزنر إن هناك إشكاليات أخلاقية وعملية في شراء الغرب للهيدروكربونات الروسية، في الوقت الذي يدعم فيه أوكرانيا. وتضيف: "نحن الآن في وضع نموِّل فيه المعتدي في حرب ندينها، ونموّل أيضاً المقاومة ضدها". "إن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يعني أننا في واقع الأمر نخضع لأهواء أسواق الطاقة، ومنتجي الطاقة العالميين، والديكتاتوريين الأعداء".


ساحة التحرير
منذ 10 ساعات
- ساحة التحرير
إياد علاوي والبعث!ناجي الغزي
إياد علاوي والبعث! ناجي الغزي* في مشهد سياسي يتسم بالغموض والتناقض، يعود إياد علاوي إلى الواجهة من جديد، لا بوصفه فاعلاً سياسياً يحمل مشروعاً إصلاحياً يعالج أزمات الدولة العراقية المتراكمة، بل كصدى باهت لمرحلة مظلمة تُستدعى بانتقائية مثيرة للريبة، حيث تتقاطع صور البعث مع أطياف عزة الدوري، وتُستحضر ذكريات نظام دموي طُويت صفحته بثمن فادح من دماء العراقيين. وفي لحظة سياسية موغلة بالخذلان، خرج إياد علاوي، عبر شاشة قناة MBC1 ليكشف دون مواربة عن موقف سياسي وفكري صادم يتجاوز حدود الاجتهاد أو الرأي الشخصي، ليصطدم وجهاً لوجه بجراح وطن ما زال ينزف من إرث البعث الدموي. لم يكن ظهوره مجرد زلة لسان أو حنيناً عاطفياً إلى الماضي، بل كان إعلاناً سياسياً صارخاً بإعجابه بالدكتاتور صدام حسين، متغنياً بما وصفه بـ'شجاعته'، ومعتبراً 'عبثيته' سبباً لصعوده كقائد، وهو ذات العبث الذي أودى بحياة مئات الآلاف من أبناء العراق في سلسلة حروب إبادة، وتطهير عرقي، ومقابر جماعية، وحصارات اقتصادية دمرت بنية الدولة والمجتمع. خيانة الذاكرة الوطنية إن ما أعلنه علاوي في هذا السياق لا يمكن وصفه سوى بأنه تحدٍّ فجّ وصريح لذاكرة الشهداء، وإهانة مباشرة لتضحيات الشعب العراقي الذي قدّم أرواح أبنائه في مواجهة الاستبداد البعثي. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يتوحد السياسيون على رفض وتوثيق جرائم نظام صدام، يقف علاوي، الذي تولّى الحكم بغطاء دولي عام 2004، ليمتدح راس النظام البعثي القذر، ملوّحاً بندمه لأنه عارضه ذات يوم. أليس في ذلك نسف صريح لكل المسوغات التي استند إليها المجتمع الدولي في دعم العملية السياسية في العراق؟ أليست هذه التصريحات مخالفة صريحة لنص وروح القوانين العراقية التي تحظر تمجيد حزب البعث وتجرّم رموزه وممارساته؟ تمويل البعث: وقائع تتطلب تحقيقاً قضائياً ما كشفه الإعلامي الدكتور حميد عبد الله، في برنامجه المعروف 'تلك الايام' نقلاً عن كتاب ما زال مسوده لسلوان المسلط تحت عنوان 'اسرار وخفايا' اخر مرافق للرئيس صدام حسين، يتحدث عن شهادة سلوان المسلط – أحد المرافقين المقربين لصدام حسين – ليضيف بعداً جنائياً خطيراً إلى سلوك علاوي. فقد أشار المسلط إلى أن علاوي قدّم مبلغ 600 ألف دولار إلى عزة الدوري، نائب صدام وأحد المطلوبين للقضاء العراقي، مقابل إصدار بيان يحث فيه أنصار البعث على دعم علاوي في الانتخابات السابقة. هذه الشهادة، إن ثبتت، تمثل جريمة تمويل كيان محظور بموجب قانون اجتثاث البعث، وتمثل خرقاً صارخاً لقانون الأحزاب وقوانين تمويل الحملات الانتخابية، بل تمثل تواطؤاً مع رأس تنظيم إرهابي كان وما زال يمثل تهديداً لأمن العراق واستقراره. إعادة تدوير البعث منذ تسلمه رئاسة الحكومة عام 2004، بدأ علاوي مشروعاً واضح المعالم لإعادة تدوير البعثيين في مؤسسات الدولة، بحجة 'المصالحة الوطنية'، متجاوزاً بذلك الخطوط الحمراء الأخلاقية والقانونية. وتشكل قائمته السياسية اليوم، التي تضم شخصيات من أبرزها صالح المطلك المعروف بانتمائه العلني لحزب البعث، استمراراً لهذا التوجه. وهو بذلك لا يكتفي بتبرئة البعث من جرائمه، بل يسعى لإعادة دمجه في الحياة السياسية كأمر واقع، وكأن المجازر التي ارتكبها الحزب في حلبجة والجنوب والأنفال ليست أكثر من أحداث عابرة لا تستحق التوقف عندها. علاوي شخصية فاقدة للتأثير اليوم، يعيش إياد علاوي حالة من العزلة السياسية والانكماش التنظيمي. فقد خسر جمهوره، وانفضّ عنه عدد كبير من قيادات 'حركة الوفاء الوطنية'، نتيجة تمسكه بفرض ابنته 'سارة' كقيادة مستقبلية للحزب، متجاوزاً بذلك أبسط مفاهيم العمل الديمقراطي والكفاءة السياسية. هذه النزعة العائلية لم تؤدِ فقط إلى تفكك الحركة، بل عكست تراجعاً حاداً في الرؤية والمشروع السياسي إن وجد، وتحول علاوي من زعيم مفترض إلى شخصية رمزية فاقدة للتأثير، مرهقة بتقدم العمر، ومرتبكة في خطابها إلى درجة اللا تركيز واللا وضوح. أين الدولة؟ أين القضاء؟ إن تصريحات علاوي وممارساته لا يمكن التعامل معها كأخطاء فردية أو مواقف عابرة، بل تمثل سلوكاً ممنهجاً لإعادة الاعتبار لحزب محظور دستورياً. وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً من قبل: • الهيئة القضائية العليا، لفتح تحقيق رسمي في قضية التمويل الانتخابي لعزة الدوري. • هيئة المساءلة والعدالة، للنظر في تصريحات علاوي ومدى مخالفتها لقانون اجتثاث البعث. • مجلس النواب العراقي، لاتخاذ موقف سياسي وقانوني يرفض هذا النكوص الخطير عن التزامات العدالة الانتقالية. لا مصالحة مع الجلاد إن دماء شهداء حلبجة، وأصوات الضحايا والمقابر الجماعية في الوسط والجنوب، وصور الأطفال الذين قضوا في حصار استمر 13 عاماً، ومليارات الدولارات التي بعثرها صدام المجرم في حروبه ومغامراته، لا يمكن أن تُغفر أو تُنسى أو تُبرر تحت أي عنوان سياسي. إن ما يفعله إياد علاوي اليوم هو محاولة تشويه للعدالة، وتحريف للذاكرة، وتسويق لرؤية لا أخلاقية تحت غطاء المصالحة الوطنية. وإذا لم يتم التصدي لهذا المسار، فإننا نكون قد وقعنا في فخ تاريخي يعيد إنتاج الجريمة، ويمنح الجلاد فرصة جديدة ليتحدث باسم الدولة. العراق لا يحتاج إلى زعماء متهالكين يحنّون إلى دكتاتور، بل إلى رجال دولة يكتبون مستقبله بدماء الشهداء لا بتواقيع الصفقات المشبوهة. للمزيد اضغط على الرابط الموجود باحث سياسي واقتصادي 2025-05-29