مصير "واتساب" في روسيا بات على شفا الهاوية
ووقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي قانونًا يُجيز تطوير تطبيق مراسلة مدعوم من الدولة مُدمج مع الخدمات الحكومية، في إطار سعي روسيا جاهدةً لتقليل اعتمادها على منصات مثل "واتساب" و"تليغرام".
وقال أنطون غوريلكين، نائب رئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب الروسي، في بيان على "تليغرام"، إن تطبيق "MAX" المدعوم من الدولة قد يكتسب حصة سوقية إذا غادر "واتساب"، الذي يستخدمه 68% من الروس يوميًا، بحسب "رويترز".
وقال غوريلكين: "حان الوقت ليستعد واتساب لمغادرة السوق الروسية"، مُضيفًا أن "ميتا" مُصنّفة كمنظمة مُتطرفة في روسيا.
وحظرت روسيا منصتا فيسبوك وإنستغرام، التابعتين لـ"ميتا" أيضًا، منذ عام 2022، عندما أرسلت موسكو عشرات الآلاف من القوات إلى أوكرانيا.
ووافق المشرعون الروس هذا الأسبوع على تعديلات قانونية شاملة، مقترحين غرامات تصل إلى 5,000 روبل (63 دولارًا) على أي شخص يبحث عن مواد على الإنترنت تعتبرها الحكومة متطرفة، وهذا لا يشمل فقط منصات مثل "إنستغرام" و"فيسبوك"، بل يشمل أيضًا العديد من السياسيين والناشطين المعارضين.
تهديد للأمن القومي
قال أنطون نيمكين، عضو لجنة تكنولوجيا المعلومات في البرلمان الروسي، إن مصير "واتساب" في روسيا أصبح الآن محسومًا.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن نيمكين قوله: "وجود مثل هذه الخدمة في الفضاء الرقمي الروسي يُعد في الواقع خرقًا قانونيًا للأمن القومي".
وردًا على سؤال حول إمكانية مغادرة "واتساب" لروسيا، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن جميع الخدمات يجب أن تلتزم بالقانون الروسي.
ولطالما سعت روسيا إلى ترسيخ ما تسميه السيادة الرقمية من خلال تعزيز الخدمات المحلية.
وأعرب منتقدون عن مخاوفهم من أن تطبيق المراسلة الروسي الجديد المدعوم من الدولة قد يتتبع أنشطة مستخدميه، مشيرين إلى أن روسيا قد تبطئ سرعات "واتساب" لتشجيع المستحدمين على تحميل التطبيق الجديد.
وشهدت منصة يوتيوب، التابعة لشركة غوغل، انخفاضًا حادًا في عدد مستخدميها في روسيا خلال العام الماضي، ليصل إلى أقل من 10 ملايين مستخدم يوميًا، بعد أن كان يتجاوز 40 مليونًا في منتصف عام 2024، حيث صعّبت سرعات التنزيل البطيئة الوصول إليها.
ونشرت الرئاسة الروسية (الكرملين) هذا الأسبوع قائمة بتعليمات من بوتين، تتضمن أمرًا بفرض قيود إضافية على استخدام البرمجيات في روسيا، بما في ذلك خدمات الاتصال المُنتجة في "دول غير صديقة" فرضت عقوبات على روسيا. وأعطى بوتين مهلة نهائية حتى الأول من سبتمبر.
وقالت غوريلكين، في إشارة إلى أمر بوتين، إن "واتساب" من المرجح أن يكون من بين خدمات الاتصال التي ستُفرض عليها قيود.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 33 دقائق
- أرقام
زيلينسكي: نحتاج 65 مليار دولار سنويا لمواصلة الحرب ضد روسيا
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده تحتاج إلى تمويل بأكثر من 65 مليار دولار سنويا في ظل استمرارها في القتال ضد القوات الروسية. وصرّح الرئيس الأوكراني للصحفيين، وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس- أوكرانيا يوم الجمعة، بأنه "يتعين على أوكرانيا التعامل مع عجز قدره 40 مليار دولار، في حين يتطلب إنتاج الطائرات المسيرة الأوكرانية حاليا تمويلا سنويا بقيمة 25 مليار دولار، وهذا يعني بالفعل أننا بحاجة إلى 65 مليار دولار لتغطية كل شيء". وأوضح زيلينسكي بأنه إلى جانب تكاليف إنتاج الطائرات المسيرة، فهناك أيضا نفقات الصواريخ ومعدات الحرب الإلكترونية. وأوضح زيلينسكي أنه ناقش هذه المسألة مع داعمين غربيين بارزين، منهم رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والولايات المتحدة، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. ويسعى زيلينسكي أيضا إلى تغطية رواتب الجنود الأوكرانيين من مصادر خارجية، مشيرا إلى أن هؤلاء الجنود يشكلون جزءا أساسيا من القدرة الدفاعية لأوكرانيا، ويساهمون في ضمان أمن أوروبا بأكملها. ويتقاضى الجنود الأوكرانيون في الخطوط الأمامية راتبا شهريا إجماليا يعادل أكثر قليلا من 2400 يورو. ويتم تمويل أكثر من نصف الميزانية الوطنية لأوكرانيا من مصادر خارجية، بما يعادل نحو 41 مليار دولار سنويا. ووفقا لوزارة المالية في كييف، فإن ما يعادل نحو 30 مليار يورو من التمويل الأجنبي قد دخل البلاد بالفعل خلال هذا العام. وأكد زيلينسكي في خطابه المصور مساء الجمعة أن أوكرانيا تخطط لزيادة إنتاجها من الطائرات المسيرة الاعتراضية بشكل كبير لمواجهة الهجمات الروسية المتواصلة بالطائرات المسيرة. وأشار زيلينسكي إلى أن هناك خطة مؤكدة لإنتاج ما بين 500 إلى 1000 طائرة مسيرة اعتراضية يوميا، رغم اعترافه بصعوبة هذه المهمة. وقد تم تحديد موعد نهائي محدد، وأصبح المسؤولون المعنيون يتحملون بشكل شخصي مسؤولية تنفيذ الخطة، وفق زيلينسكي. جدير بالذكر أن الطائرات المسيرة أصبحت تلعب دورا متزايد الأهمية في العمليات القتالية للطرفين المتحاربين في أوكرانيا، حيث يتم استخدامها على الجبهات وفي شن هجمات على المناطق الخلفية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
«المظلّة النووية» الأوروبية... خطوة في مسيرة الألف ميل
يُجمع المحلّلون الاستراتيجيون على توصيف المرحلة الراهنة التي تجتازها أوروبا بـ«المفصلية»؛ نظراً للتحديات التي تواجهها، وهي معروفة: حرب أوكرانيا المتواصلة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وحروب الشرق الأوسط وانعكاساتها على القارة القديمة، وتمرّد «الجنوب الشامل» وسعي قادته لإحداث تغيير في موازين القوى في العالم. غير أن الجانب اللافت أكثر من غيره هو «الضبابية» في العلاقات... أو ما يمكن تسميته «تلاشي اليقين» إزاء السياسة الأميركية منذ عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في بداية العام الحالي. ما يثير قلق الأوروبيين راهناً ثلاثة أمور: الأول، تغيّر السياق العسكري في أوروبا وخوف الأوروبيين من روسيا ومن طموحاتها، واعتبارهم أن الرئيس فلاديمير بوتين «لن يكتفي» بما سيحصل عليه من أوكرانيا في نهاية المطاف وأن طموحاته الأوروبية تذهب أبعد من ذلك؛ ولذا عليهم التأهب. والثاني، تذبذب سياسة الإدارة الأميركية إزاء حرب أوكرانيا، وخوفها من أن تشيح واشنطن نظرها عما يحصل شرق أوروبا؛ كي تركز اهتمامها على الصين التي تعتبرها منافسها الاستراتيجي. والثالث، أن يقرّر الرئيس الأميركي، في لحظة ما، أن الدفاع عن أوروبا مسؤولية الأوروبيين، وبالتالي... يتخلّى عن حلف شمال الأطلسي (ناتو) ويسحب المظلة النووية الأميركية عنهم، وهي المظلة التي تفيأوا ظلها طيلة عقود طويلة؛ الأمر الذي يجعلهم منكشفين أمام ما يعتبرونه «خطراً روسياً». ومن ثم، فهم الآن يجدّون البحث عن «بديل». المظلة «البديلة» لا يمكن البحث عنها إلا لدى الدولتين النوويتين في أوروبا، وهما فرنسا وبريطانيا. من هنا، فإن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا، والتركيز في جانب منها على التعاون العسكري بين الطرفين، وتحديداً النووي، قد تشكّل انعطافة مهمة وخطوة أولى باتجاه التأسيس لرَدع نووي أوروبي. إلا أن تحقيق مشروع كهذا دونه عقبات كثيرة، أهمها: الانقسامات الأوروبية، وتمسّك دول عديدة في شرق أوروبا وشمالها بالحماية الأميركية التي وفّرت للقارة القديمة، منذ تأسيس «ناتو»، الأمن والسلام. يمثّل الإعلان المشترك بعنوان «إعلان الجمهورية الفرنسية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية بشأن السياسة والتعاون في المجال النووي» حجر الأساس لتعزيز العلاقات الدفاعية بين الطرفين. ولقد جاء في فقرته الأولى، أنه «لا يوجد دليل أقوى على متانة وأهمية علاقتنا الثنائية من رغبتنا في التعاون في هذا المجال البالغ الحساسية». بيد أن الأهم ورد في الفقرتين الثانية والثالثة؛ إذ جاء في الثانية ما يلي: «تهدف أسلحتنا النووية إلى ردع التهديدات القصوى لأمن بلدينا ومصالحنا الحيوية. قواتنا النووية مستقلة، لكنها قابلة للتنسيق، وتُسهم بشكل كبير في الأمن الشامل للتحالف وفي السلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية». ونصّت الفقرة الثالثة على أنه «كما نعلن صراحة منذ عام 1995، أننا لا نتصوّر وجود حالة تُهدّد فيها المصالح الحيوية لأحد بلدينا، فرنسا والمملكة المتحدة، من دون أن تكون المصالح الحيوية للآخر مهددة أيضاً. و(اليوم) تتفّق فرنسا والمملكة المتحدة على أنه لا وجود لتهديد خطير ضد أوروبا لا يستدعي استجابة (رداً) من قبل بلدينا معاً». يتضمّن الإعلان «المبدئي» نقلة نوعية لجهة التهديدات التي تبرّر لجوء البلدين لاستخدام السلاح النووي. فالعقيدة النووية السابقة التي تربط البلدين تعود إلى عام 1995، التي يتضمنها ما يُسمّى «إعلان تشيكرز» الذي يحصر الضغط على الزر النووي بالدفاع المتبادل بين باريس ولندن. ووفق «إعلان نورثوود»، فإن وظيفة نووي البلدين تذهب أبعد من ذلك؛ لأنه يشير إلى إمكانية اللجوء إلى قوة الردع النووية في حال «وجود تهديدات قصوى لأوروبا». ولأن الطرفين يعتبران أن «الغموض الاستراتيجي» يُعدّ إحدى أوراق الردع، فإنّهما يمتنعان عن تعريف طبيعة «التهديدات القصوى» التي تستدعي ردّاً نووياً. كذلك، لا يفصح «الإعلان» عن هوية الدول المعنية بهذا الرد: فهل تشمل كل الدول المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي (ناتو)، أي الدول التي تُعدّ «غربيةّ» بالمفهوم السياسي؟ اما الطريق للعمل بـ«العقيدة» النووية الجديدة فيمر بـ«تعميق التعاون والتنسيق النووي» بين الطرفين من خلال «إنشاء مجموعة توجيه نووية فرنسية - بريطانية لضمان التنسيق السياسي لهذا العمل، وهي ستُدار من قِبل رئاسة الجمهورية الفرنسية ومكتب رئيس الوزراء البريطاني، وستضطلع بدور تنسيقي في المجالات الاستراتيجية والقدراتية والعملياتية». في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده ماكرون مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مساء العاشر من يوليو (تموز)، شدد الأول على أن «الزمن تغيّر» وأن التعاون العسكري بين بريطانيا وفرنسا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار «مواجهة نزاع رئيس في أوروبا خلال السنوات القريبة المقبلة تشارك فيه دول متقدمة»، في إشارة لروسيا. وتميل باريس، كما جاء في وثيقة «التهديدات الاستراتيجية» التي نُشرت يوم 14 يوليو الحالي، إلى اعتبار أن نزاعاً من هذا النوع يمكن أن يحصل قبل بلوغ عام 2030. وخلاصة الرئيس الفرنسي، أنه «في هذا السياق، يتعين على أوروبا أن تعرف أنها تستطيع الاعتماد على قطب استراتيجي نووي يجمع فرنسا والمملكة المتحدة». ووصف ماكرون القرارات التي اتُخذت بأنها «جوهرية». واللافت، أنه في إشارته إلى «الاستجابة» المشتركة لـ«التهديد الخطير» لأوروبا، لم يستبعد استخدام السلاح النووي بقوله: «أياً كانت طبيعة هذه الاستجابة». ولأنه يعي أن المعارضة في بلاده، يميناً ويساراً؛ يمكن أن تأخذ عليه تفريطه بالسيادة الفرنسية وبقوة الردع التي تمتلكها، حرص كما في كل مرة يثار فيها هذا الموضوع، إلى التأكيد أن فرنسا وبريطانيا «ستبقيان بلدين مستقلين وذوي سيادة». المنطلق الفرنسي - البريطاني الأول، أن الضغط على الزرّ النووي يجب أن يبقى «سيادياً»، بمعنى أن يبقى بين يدي السلطات المعنية في البلدين. ووصفت هيلوييز فاييه، الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن ما تحقّق في بريطانيا يُعدّ «خطوة إضافية فعلاً بدرجة غير مسبوقة من التنسيق العسكري والسياسي»، معتبرة أنه «ينسجم مع العقيدة النووية الفرنسية، التي تعتبر أن المصالح الحيوية الفرنسية تتضمن بُعداً أوروبياً». كذلك، فإنها ترى أنه يتماشى مع العقيدة البريطانية التي «تندرج تقليدياً ضمن إطار الحلف الأطلسي والتعاون مع الولايات المتحدة». وفي أي حال، فإن ماكرون دعا، منذ عام 2020، إلى إطلاق «حوار استراتيجي حول دور الردع النووي الفرنسي في الحفاظ على أمننا الجماعي»، مضيفاً أن «للمصالح الحيوية الفرنسية بعداً أوروبياً». وقبل ماكرون، تطرّق كل الرؤساء الفرنسيين إلى «البعد الأوروبي» للردع النووي الفرنسي. من جهة ثانية، في مقال نشرته صحيفة «لوموند» بتاريخ 10 مارس (آذار) الماضي تحت عنوان: «هل حان الوقت لنشر مظلة نووية أوروبية حقيقية فوق أوروبا؟»، ميّز كاتبه الباحث الاستراتيجي الفرنسي برونو لوتيرتريه بين «سيناريوهين»: السيناريو الأول، سمّاه «الضمانة الإضافية»، التي تفترض بقاء المظلة النووية الأميركية - الأطلسية، وأن يعمد الأوروبيون بالاستناد إلى فرنسا وبريطانيا إلى تطوير مظلة نووية «رديفة»، الغرض منها توفير مزيد من الطمأنة للأوروبيين، ولكن من غير الانقطاع عن الحليف الأميركي ما يمكن أن يعني أيضاً استباق انسحاب أميركي قد يحصل في المستقبل والتأهب لهذا الاحتمال. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة تنشر، منذ سنوات، أسلحة نووية في ألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وهولندا وتركيا في إطار ما يسمى «تقاسم الأسلحة النووية». إلا أن مفتاح الاستخدام موجود في واشنطن ولا يمكن الوصول إليه إلا بالحصول على ضوء أخضر أميركي. أما السيناريو الآخر، فسماه تيرتريه «الضمانة الرئيسة». وهو يتعلّق بانحسار المظلة الأميركي، وحاجة الأوروبيين المطلقة إلى التنسيق فيما بينهم للنظر في كيفية الاستفادة من القدرات النووية الفرنسية والبريطانية وتأمين ورقة ردع نووية ذاتية تتمتع بالمصداقية «في نظر موسكو». حقيقة الأمر، أن «المظلة» الأوروبية لن ترى النور غداً، وما جاء في الإعلان البريطاني - الفرنسي ليس سوى خطوة في مسار الألف ميل. بل، إذا كان صحيحاً أن العقيدة النووية الفرنسية أشارت منذ ما قبل ماكرون إلى «البعد الأوروبي» لقدرات الردع الفرنسية، فإن ذلك بقي مجرد صيغة إنشائية تتردّد في البيانات والخطب، من دون مضمون جدّي. إلا أن وصول فريدريتش ميرتس إلى المستشارية في برلين سرّع البحث في هذا المجال. ومنذ ما قبل تسلّمه مهماته رسمياً يوم 6 مايو (أيار) الماضي، طرح ميرتس إشكالية «المظلة» الأوروبية، معرباً عن «انفتاحه» لتوسيع رقعة الحماية النووية الفرنسية - البريطانية. وقال ميرتس في مقابلة صحافية مع إذاعة «دويتشه لاند فونك» يوم 6 مارس الماضي حرفياً: «علينا ببساطة أن نصبح أقوى معاً في مجال الردع النووي في أوروبا؛ إذ إن الوضع العالمي، وخاصة القضايا الأمنية الحالية، يتطلب منّا نحن الأوروبيين أن نناقش هذا الموضوع معاً»، مشدداً على أن النقاشات يجب أن تشمل فرنسا وبريطانيا. ماكرون يرى أن «الزمن تغيّر» وأن التعاون العسكري بين بريطانيا وفرنسا يجب أن يتحسّب لنزاع كبير في أوروبا خلال سنوات قليلة ووفق المستشار الألماني الجديد، فإن الغرض من المناقشات هو «معرفة ما إذا كانت ألمانيا قادرة على الاستفادة من المشاركة النووية (مع باريس ولندن) أو على الأقل الحصول على الأمن النووي». بيد أنه حرص على تأكيد أمرين: الأول، أن المظلة الأوروبية «يجب أن تكون مُكملة للمظلة النووية الأميركية التي نرغب بالطبع في الإبقاء عليها». والآخر أن ألمانيا «لن تتمكّن ولن يُسمح لها بامتلاك السلاح النووي». وللتذكير، فإن ألمانيا وقَّعت على معاهدة منع انتشار السلاح النووي. ولكن مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، ثمة أصوات من داخل حزب ميرتس (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) ومن اليمين المتطرف (حزب البديل لألمانيا) تدعو بالفعل إلى أن تمتلك ألمانيا سلاحاً نووياً. المستشار الألماني ميرتس (آ ف ب) ولكن لا يتوقّف الاهتمام بالمظلّة الأوروبية عند الحدود الألمانية. إذ إن بولندا، بدورها، مهتمة للغاية. وقال رئيسها أندريه دودا، في تصريح لقناة «إل سي آي» الإخبارية الفرنسية، يوم 6 مارس الماضي، إن بلاده «ترحب» بأن تمتد المظلة الفرنسية النووية لتحمي شركاء أوروبيين، مضيفاً أن «المصالح الحيوية الفرنسية تبدأ في بولندا، كما أنها تمتدّ إلى أوكرانيا». وفي نظره، انفتاح باريس، في هذا السياق، «يعكس إحساساً بالمسؤولية» إزاء حماية أوروبا من اعتداء خارجي. بيد أن النقاش حمي وطيسه في ألمانيا مع كلام يانس سباهن، رئيس مجموعة نواب اليمين الديمقراطي المسيحي في «البوندستاغ»، الذي أثار جدلاً واسعاً بقوله لصحيفة «فيلت أم سانتونغ» في أول يوليو: «يجب علينا أن نناقش موضوع إيجاد مظلة نووية أوروبية مستقلة، ولن ينجح ذلك إلا بقيادة ألمانية». وأردف سباهن: «إذا لم نتمكن من توفير رادع نووي، سنتحول بيدقاً في السياسة العالمية». وخلاصته، أن على ألمانيا «مناقشة مشاركتها ومشاركة أوروبا في الترسانة النووية لفرنسا وبريطانيا. ومع أن ذلك سيكون مكلفاًً، لكن لحمايتنا يتوجب علينا تمويله». وجاء الرد عليه سريعاً من ميرتس، بعد ذلك بقليل؛ إذ قال الأخير خلال مؤتمر صحافي، في برلين، مع لوك فريدن، رئيس وزراء لوكسمبورغ: «يجب بذل كل جهد ممكن للحفاظ على المشاركة النووية للولايات المتحدة في السنوات، بل في العقود المقبلة». ولمزيد من الإيضاح؛ أضاف أن الغرض «ليس الاستعاضة عن الضمانات التي توفرها الولايات المتحدة بضمانات لأوروبا... وليست هناك مبادرات ملموسة، بل جُلّ ما هو متوافر بعض النقاشات مع الجانب الفرنسي». المتابعون يدركون أن المسألة النووية بالغة الحساسية في ألمانيا التي تخلّت بموجب المعاهدة المسماة «2 زائد 4» الموقّعة في موسكو، في ديسمبر (كانون الأول) 1990 عن إنتاج وامتلاك أو السيطرة على أسلحة نووية أو كيماوية أو بيولوجية. وكانت الدول الموقّعة يومذاك: ألمانيا الغربية والشرقية إضافة إلى الدول الحليفة الأربع بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (قبل انهياره). وكان ذلك هو الثمن الذي دفعه الألمان لقبول إعادة توحيد بلادهم. لكن اقتراب الخطر الروسي وانعدام الثقة بديمومة الحماية الأميركية يدفعان الألمان إلى إعادة النظر بوضعهم العسكري والاستراتيجي ويجعلهم يبحثون عن «البديل» مع الإعلان عن تمسكهم بالحماية الأميركية. وجوهر ما يقوله ميرتس عن الحاجة إلى بقاء الالتزام الأميركي أوروبياً «لسنوات وعقود» وجود علامات استفهام جدية حول قيام مظلة نووية أوروبية. إذ ثمة أسئلة تُطرح حول كفاية القوة النووية الفرنسية - البريطانية التي لا يتعدى حجمها الـ525 رأساً نووياً لتشكل قوة ردع فاعلة ولحماية أوروبا أو بعض منها. فضلاً عن ذلك، فإن القوة البريطانية مرتبطة عضوياً وصناعياً بالولايات المتحدة. وبالتالي، لا تمتلك لندن الحرية الكاملة للتصرف بما تملكه. ثم إن تأسيس قوة أوروبية يفترض انطلاق مناقشات معقدة وصعبة مقرونة بانقسامات داخلية أوروبية بين مَن يروّج للاستقلالية الاستراتيجية ومَن يتمسك بالأهداب الأميركية. وعليه، فالسيناريو المرجّح عنوانه البحث عن مظلة نووية فرنسية - بريطانية «مُكملة» لا «بديلة» فعلية للمظلة الأميركية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
تتار القرم... تاريخ من التقلبات السياسية والاجتماعية
تتار القرم هم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم، وهم شعب تركي من أوروبا الشرقية تشكّل تاريخياً في شبه الجزيرة، لكنه تعرض لتحولات كبرى على مدى قرون أسفرت عن تحول سكان المنطقة الأصليين إلى أقلية في موطنهم. وعندما سيطرت موسكو على المنطقة عام 2014 وضمتها الاتحاد الروسي كان تتار القرم يمثلون 20 في المائة فقط من سكان شبه الجزيرة. كانت خانية القرم التي أُسست في القرن الخامس عشر دولة متعددة القوميات والمذاهب، عاش فيها: تتار القرم، واليهود القراؤون، والكريمشاك، والأوروم (أحفاد الهيلينيين)، وأحفاد القوط، والأرمن، وشينجن القرم (أو الأورمانشيلي). ونشأ في تلك الفترة نظام فريد من التوازن والتوافق والتسامح، أسهم في نشوء مجتمع قرمي مميز. واستندت السياسة الدينية والعرقية لخانية القرم إلى مبادئ الإسلام. ايضاً شهد عصر خانية القرم ازدهاراً في ثقافة تتار القرم وفنونهم وأدبهم. وكان عاشق عمر الشاعر الكلاسيكي في شعر تتار القرم في ذلك العصر. أما أهم معلم معماري باقٍ من ذلك العصر فهو قصر الخان في باختشيساراي (عاصمة القرم في العصور الوسطى). الامبراطورة كاترين الثانية (مجلة "هي") طوال القرن الثامن عشر، أصبحت خانية القرم «ورقة مساومة» في اللعبة الجيوسياسية الشرسة بين تركيا وروسيا، وفي نهاية القرن وقعت في منطقة النفوذ الروسي. وعام 1783، نتيجة انتصار روسيا على الإمبراطورية العثمانية، احتلت روسيا القرم أولاً ثم ضمتها إليها. وشكّل هذا بداية حقبة سوداء في تاريخ تتار القرم. وحقاً، شكلت حرب القرم انتهاكاً مباشراً لمعاهدة كوتشوك كاينارجا للسلام. رافق ضم القرم انتهاكات عديدة لحقوق وحريات السكان المحليين. كما وقع تقويض الدولة المستقلة لتتار القرم بقيادة شاجين جيراي. تحول ضم الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية لشبه الجزيرة إلى كارثة على السكان المحليين التتار؛ إذ طُردوا من أراضيهم التي صودرت، بما فيها أراضٍ كانت تحت تصرف المساجد. بل، وحوّل الروس مزارعي القرم الأحرار إلى أقنان، وهو ما أجبر مئات الآلاف من تتار القرم على الفرار واللجوء إلى الإمبراطورية العثمانية. «الحرب الثقافية» شُنت على تتار القرم بأمر من السلطات الإمبراطورية، فهُدمت المساجد والمقابر القديمة. وهكذا باتوا للمرة الأولى أقلية في وطنهم، وحل مكانهم المستوطنون الروس والأوكرانيون. مع حلول بداية القرن العشرين كانت للحرب الأهلية في روسيا عواقب وخيمة على تتار القرم. فعام 1917، بعد «ثورة فبراير» انعقد أول كورولتاي (مؤتمر) لشعب تتار القرم، وأعلن مسار إنشاء جمهورية القرم الشعبية المستقلة متعددة الجنسيات. يومذاك قاد العملية نعمان جليبيدجيان، وهو سياسي وشخصية عامة وعضو في لجنة صياغة دستور جمهورية القرم الشعبية. ومن ثم أقرّ مجلس النواب (الكورولتاي) مشروع الدستور الذي قدمته اللجنة، وأعلن تأسيس جمهورية القرم الشعبية، دافع نعمان جليبيدجيان عن المساواة بين جميع سكان شبه جزيرة القرم. وكتب: «مهمتنا هي بناء دولة مثل سويسرا. شعوب القرم باقة رائعة، وكل شعب يحتاج إلى حقوق وظروف متساوية، لأننا يجب أن نسير جنباً إلى جنب». لكن «ثورة أكتوبر» في روسيا وصعود البلاشفة - الذين لم يعترفوا بحكومة تتار القرم - إلى السلطة، قوضا وجود جمهورية القرم الشعبية الناشئة. ويوم 26 يناير (كانون الثاني) 1918، بدأت وحدات البلاشفة المسلحة من سيفاستوبول عمليات عسكرية نشطة. أُطيح خلالها بحكومة تتار القرم، وانتهت بإعدام جليبيدجيان، ورمي جثته في البحر الأسود. ولكن عام 1921، أسست جمهورية القرم السوفياتية الذاتية الحكم كجزء من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. وكانت اللغتان الرسميتان فيها هما الروسية وتتار القرم، وتألفت القيادة العليا بشكل رئيسي من تتار القرم. ولكن فترة الانتعاش القصيرة للحياة الوطنية، قمعها الزعيم البلشفي جوزيف ستالين عام 1937. ووفقاً لتعداد عام 1939، بلغ عدد تتار القرم في شبه جزيرة القرم 220 ألف نسمة نسمة، أي ما يعادل 20 في المائة فقط من إجمالي سكان شبه الجزيرة. عام 1944، وبقرار من القيادة السوفياتية، تعرّض تتار القرم لترحيل عنيف وشامل من وطنهم التاريخي، وأُرسلوا إلى مناطق سوفياتية في آسيا الوسطى وسيبيريا وجبال الأورال. وكانت التهمة الموجهة لهم هي «التعاون مع نظام الاحتلال الألماني النازي» إبان الحرب العالمية الثانية. ووفقاً للبيانات الرسمية، رُحّل 193,865 فرداً من تتار القرم في تلك الحملة. أيضاً، لأكثر من 50 سنة، حُذف اسم «تتار القرم» من الاستخدام العلمي والقانوني. وغُيرت جميع أسماء المواقع الجغرافية التي تشير إلى صلتها بتتار القرم، وفرضت حظراً على دراسة اللغة التتارية، وتطوير التقاليد الثقافية والوطنية. لكن، عام 1989، أقرّ المجلس الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بأن الترحيل «غير قانوني». وكان ذلك أول اعتراف رسمي بعد عقود من الاحتجاز القسري لتتار القرم في المنفى، سبق ذلك تاريخ طويل من النشاط السري المحاط بالمخاطر. وابتداءً من عام 1967، بدأت أولى عائلات تتار القرم بالعودة إلى شبه الجزيرة في عمليات بطيئة وغير متسقة. وبين عامي1967 و1977، لم تستقر سوى 577 عائلة فيها. بعدها بين تعدادي 1979و1989، زيادة عدد تتار القرم في شبه الجزيرة بمقدار 33 ألف نسمة وخلال 1989 عاد نحو 30 ألف شخص إضافي، وعموماً بلغت عمليات العودة إلى الوطن ذروتها في عامي 1990 و1991، عندما انتقلت نواة تتار القرم العرقية، التي كانت موزعة في أرجاء الاتحاد السوفياتي إلى شبه الجزيرة. وبحلول نهاية عام 1991 تجاوز العدد 150 ألفاً، وبات هؤلاء تلقائياً مع تفكك الدولة السوفياتية مواطنيين أوكرانيين. ولقد كان الإرث التاريخي الثقيل في العلاقة مع روسيا أحد أسباب اصطفاف تتار القرم إلى جانب حكومة أوكرانيا ضد ما عدوه «غزواً روسياً جديداً» لوطنهم التاريخي عام 2014.