logo
أعوام وراء القضبان... العدالة اللبنانية لا تعترف بالوقت

أعوام وراء القضبان... العدالة اللبنانية لا تعترف بالوقت

العربي الجديد١٤-٠٥-٢٠٢٥

تتأخر محاكمات الموقوفين على ذمة القضايا في لبنان أعواماً عديدة، بسبب عدم اقتيادهم إلى الجلسات، نتيجة عدم توفير إمكانيات لوجستية وعناصر أمنية من أجل تأمين العملية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق الأبرياء واكتظاظ السجون.
-
خيّم سكون غير معتاد على قاعة محكمة الجنايات في شمال
لبنان
صباح الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024، أثناء جلسة محاكمة
المتهمين
في قضية مقتل الشيخ أحمد الرفاعي من قضاء عكار، إذ ساد القاعة ترقّب ملحوظ من الحاضرين، بينهم أسرة الضحية ومعد التحقيق، والجميع كانوا في انتظار حضور المتهمين، وبمجرد وصولهم تحدث المتهم يحيى الرفاعي مطالباً القاضي بـ"التشديد على سوقهم إلى المحكمة، لعدم تأخير القضية"، فردّت هيئة المحكمة، برئاسة القاضي داني شبلي بـ"أنها تؤدي واجبها ضمن صلاحياتها، ومسؤولية سوْق الموقوفين تعود إلى قوى الأمن الداخلي".
جاء احتجاج الرفاعي بعدما ضاق ذرعاً من مسلسل تأجيل جلسات المحكمة المتوالي منذ إحالة المتهمين الخمسة إلى القضاء، بسبب عدم نقلهم من
سجن
رومية المركزي في بيروت، والذي يبعد 85 كيلومتراً عن مقر المحكمة، في ظاهرة آخذة بالتوسع منذ الأزمة الاقتصادية في عام 2019، كما يقول المحامي عبد الرحمن حسن، وكيل عائلة الضحية الرفاعي، محذراً من "تعطيل العدالة بسبب أزمة السوق، إذ بات تأجيل الجلسات مؤشراً خطيراً على شلل ملفات حساسة، وعلى الدولة التحرك لتأمين الإمكانات اللوجستية، وإلا سندخل مرحلة ضياع الحقوق".
يتضح ما ذهب إليه حسن عبر البيانات الرقمية، إذ
انخفضت نسبة تنفيذ قوى الأمن لطلبات سوق المتهمين إلى جلسات محاكماتهم
من
77% عام 2019 لتصل إلى 45% في عامي 2020 و2021، ثم ارتفعت إلى 67% في عام 2023
، قبل أن تتراجع مجدداً إلى
57% عام 2024
، بحسب دراسة "إدارة التوقيف الاحتياطي: تحديات ما بعد الأزمة في لبنان"، الصادرة في سبتمبر/أيلول 2024، عن "المفكرة القانونية"، منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة.
تحقيق متعدّد الوسائط
أدوية فقراء لبنان... تلاعب واستنسابية في علاج الأمراض المستعصية
ما الذي يعوق سوْق المتهمين؟
"يعتبر عدم سوق المتهمين للمثول أمام المحكمة أحد أسباب تأخير المحاكمات في لبنان، وبعد الانهيار المالي، لم تعد هناك عناصر كافية للقيام بهذه المهمة، والكثيرون تركوا الخدمة بسبب الرواتب الزهيدة"، كما يقول مصدر مسؤول في إدارة أحد السجون، تحفّظ على ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث مع وسائل الإعلام، ويقدر عدد عناصر الأمن الداخلي بين 25 ألفاً و 30 ألف عنصر حتى نهاية عام 2023، ويُكلف هؤلاء بمهام عديدة، من بينها سوق الموقوفين إلى الهيئات القضائية، ويضرب المصدر أمثلة على نقص العناصر بقوله إن تسعة فقط يعملون في مخفر مخيم برج البراجنة الرئيسي في قضاء بعبدا بمحافظة شمال لبنان، والذي يعرف باكتظاظه، وفي مخافر طرابلس الكبرى شمالاً (وتشمل بلدات الميناء، والتل، والقبة، والسويقة، وأبي سمراء) لا يتجاوز عناصر الأمن الستين.
توسّعت أزمة سوْق المتهمين عقب الأزمة الاقتصادية عام 2019
ومن الناحية التقنية، فإن عملية اقتياد المتهمين إلى المحاكمة تحتاج إلى شاحنة كبيرة تضم الموقوفين، وسياراتي مرافقة في الحد الأدنى، أي إنها تتطلب 10 عناصر أمن، والرقم مرشح للارتفاع في الملفات الخطرة، بحسب المصدر الأمني السابق، وهو ما تؤكده المحامية والباحثة غيدة فرنجية التي شاركت في إعداد الدراسة السابقة، موضحة لـ"العربي الجديد" أن الموارد المتاحة لقوى الأمن الداخلي من أجل تأمين سوق الموقوفين غير كافية لضمان حسن سير العملية، نتيجة النقص الحاد في الآليات المخصصة والعناصر، وأبرز مثال على ذلك،
سجن رومية، يوجد فيه 80 عنصراً موكلة إليهم مهمة السوق، إلا أن 31 منهم فقط يقومون بها، أما الآخرون فيكلفون بمهام أخرى، ومن بين 83 آلية مخصصة لجلب الموقوفين، فإن الصالحة منها خمس فقط
، وتبلغ قدرتها الاستيعابية القصوى بين 80 و90 موقوفاً يومياً، ويمكن أن يرتفع عدد الآليات إلى عشر في حال جرى إصلاح خمس أخرى تسمح حالتها بإعادتها للخدمة.
الصورة
النقص في عدد عناصر الأمن يتسبب في إعاقة تنفيذ طلبات سوْق المتهمين (Getty)
وبينما يربط العميد، جوزيف مسلم، مسؤول شعبة العلاقات العامة سابقاً في قوى الأمن الداخلي بلبنان، أزمة عدم السوق بمشاكل تقنية، كالأعطال الميكانيكية، نتيجة قلة المخصصات المالية للصيانة الدورية أكثر منها أزمة وقود ومحروقات، وهو ما تعمل المؤسسة على معالجته، متحدثاً عن "تعاون قوى الأمن مع بعض الجمعيات المانحة لتخفيف وطأة الأزمة". يرفض المحامي محمد صبلوح، مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية (غير حكومي)، الربط بين مشكلة عدم السوق والأزمة المالية، مؤكداً أن التأجيلات كانت تحدث حتى قبل عام 2019 بسبب جملة من العراقيل، مثل ضيق قاعات المحاكم، وعدم توفر الموارد المالية والموارد البشرية التي يحتاجها النظام القضائي لتسيير الأمور بشكل فعال، ويشمل ذلك: التمويل غير الكافي لتشغيل المحاكم، مثل تكاليف صيانة القاعات، ودفع أجور الموظفين، وتأمين مركبات النقل، وتجهيز المرافق الضرورية.
تحقيق
سجون لبنان... الموقوفون يدفعون ثمن إفلاس الدولة
وجهان لعملة واحدة
تنظر فرنجية إلى الاكتظاظ في أماكن التوقيف وأزمة السوق على أنهما وجهان لعملة واحدة، وفق معادلة أن الاكتظاظ يعد عاملاً أساسياً في مفاقمة التحديات أمام جلب الموقوفين إلى قصور العدل، في ظل نقص الموارد المخصصة لذلك، وبالتالي إعاقة تسريع الإجراءات القضائية ما يترتب عليه ازدياد أعداد الموقوفين لدى القطاعات الأمنية، وكذلك، فإن انخفاض إنتاجية العمل القضائي يؤدي إلى إطالة أمد التوقيف، وبالتالي إلى ارتفاع نسبة الاكتظاظ في أماكن الاحتجاز، وعليه تغذي الدوامة نفسها.
ويشكل الاكتظاظ في سجن رومية شرقي بيروت مثالاً واضحاً، إذ يضم 3619 موقوفاً ومحكوماً، بحسب أحدث إحصائية أصدرتها لجنة السجون في نقابة المحامين ببيروت في 21 أغسطس/آب 2024، بينما طاقته الاستيعابية القصوى 1200 سجين فقط، وهذه الحال تشكل تحدياً كبيراً في إدارة السجن وضمان حقوق السجناء، وينسحب هذا الأمر على السجون الأخرى، إذ أصبح الاكتظاظ هو القاعدة.
57 % فقط من طلبات اقتياد المتهمين للمحكمة نُفذت العام الماضي
أمّا بالنّسبة لمراكز الاحتجاز، فالأعداد الكبيرة هي المشكلة الأساسية فيها أيضاً، لا سيما في تلك التّابعة لمديريّة قوى الأمن الدّاخلي، علماً أن الطاقة الاستيعابية في جميع سجون لبنان من السجن المركزي إلى السجون الفرعية ونظارات قصور العدل لا تتعدى 3000 محتجز أو موقوف ومحكوم، بينما عدد الموقوفين حالياً في لبنان يتجاوز 7800 حالة، وهو ما حوّل النّظارات ومراكز الاحتجاز إلى سجون دون أن تستوفي مقوّمات السجون فعلياً، وفق ما جاء في التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لعام 2023 (مستقلة تمولها الدولة).
الصورة
إعاقة الإجراءات القضائية يزيد أمد التوقيف والاكتظاظ في سجون لبنان (Getty)
وتضع أزمة الاكتظاظ العدالة في مأزق جديد، إذ تلجأ قوى الأمن الداخلي إلى إيداع عدد من السجناء لدى الجيش اللبناني "على سبيل الأمانة"، نتيجة نقص القدرة الاستيعابية في السجون. "ويخلق هذا التداخل في المسؤوليات حالة من الضياع الإداري"، يقول صبلوح، موضحاً "عند مراجعة الشرطة العسكرية للمطالبة بموقوفين، يكون الرد بأنهم ليسوا لديها، بل بعهدة قوى الأمن الداخلي، التي بدورها ترفض سوقهم إلى المحاكم بحجة عدم توافر الوقود".
وتقدّر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن أكثر من 80% من الموقوفين لديها هم مودعون على سبيل الأمانة لحساب قطعات أخرى،
بحسب دراسة التوقيف الاحتياطي آنفة الذكر، ما يعني امتدادًا للمشكلة، لأن عمليات السوق تصبح أكثر صعوبة في الحالات التي يتعذّر فيها الموقوف "على سبيل الأمانة" في قطعة أمنية مختلفة عن تلك التي أوقفته. ويضرب صبلوح مثالا على ذلك يظهر حجم الخلل قائلا: "في إحدى الحالات طلبت المحكمة 10 موقوفين للمثول أمامها، لكنهم كانوا موزعين على عدة سجون لدى جهات مختلفة، وحضر تسعة منهم، لكن
تغيب واحد أدى إلى تأجيل النظر في الملف بأكمله لستة أشهر
".
الأرشيف
التعذيب في السجون اللبنانية...تلاعب بحقوق الضحايا في إثبات الجريمة
احتجاز أبرياء لأعوام في السجون
"يتكرر الجواب نفسه في كل مرة نطلب فيها سوق الموقوفين: لا تتوفر الإمكانيات للتنفيذ"
، يقول المحامي صبلوح بحدّة، مستشهداً بتجاربه: "لدي موقوف قاصر محتجز في سجن رومية، وملاحق بعدة ملفات في شمال لبنان، إلا أن قوى الأمن لا تجلبه للمحكمة بحجة عدم وجود جلسات لموقوفين آخرين في الوقت نفسه"، بينما يُساق إلى الجلسات حين يتم تجميع أعداد كبيرة من الموقوفين.
"
ويُعد تأخير سوق الموقوفين لانتظار تجميع عدد كافٍ منهم لإرسالهم في شاحنة واحدة، أحد العوائق الإجرائية المتكررة التي تعرقل انتظام الجلسات
، وتؤثر سلباً في سير العدالة، وهو ما حصل مع موقوف آخر في سجن القبة بطرابلس، يتولى صبلوح قضيته، ويجب مثوله أمام محكمة جنايات الأحداث في قصر العدل في بيروت، إلا أن
جلساته تأجلت على مدار ثلاثة أشهر، بذريعة أنه لا يمكن تحمل تكاليف السوق والنقل من أجل متهم واحد
، واستمر هذا الأمر إلى الأسبوع الأخير من شهر فبراير/شباط 2025، وفقاً لصبلوح.
الصورة
لا تتحرك شاحنة نقل الموقوفين إلا بعد تجميع عدد كافٍ لإرسالهم إلى المحكمة (Getty)
وتؤثر هذه التحديات بشكل مباشر على حق الدفاع، طالما تعوق وصول المحتجزين إلى قصور العدل للمثول أمام المحاكم، بحسب فرنجية. وهو السبب في
وجود 67% من السجناء غير المحاكمين في لبنان
، بحسب تصريحات صحافية لوزير العدل عادل نصار في السابع من إبريل/نيسان 2025.
"بالتالي ينتج عن الأزمة احتجاز أبرياء لأعوام في السجون، كما هو الحال مع المتهمين في أحداث مخيم نهر البارد التي اندلعت في 20 مايو/أيار 2007، إذ وقعت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحي جماعة فتح الإسلام التي ظهرت في المخيم عام 2006، ما أدى إلى تفجير الوضع العسكري، وبعد 3 أشهر سيطر الجيش اللبناني على المخيم بالكامل، واعتقل كل من يشتبه بارتباطه بالجماعة، لكن لم تنعقد محاكماتهم مطلقاً، وعند مراجعة الوكلاء القانونيين للمعنيين في الوسطيْن السياسي والقضائي، كانت الذريعة الدائمة: لا توجد قاعة تتسع لنحو 500 مدعى عليه، وبعد 14 عاماً من الانتظار، حصل 45 موقوفاً منهم على أحكام بالبراءة، فيما لم تتجاوز أحكام أكثر من 170 آخرين السنة ونصف أو السنتين، ما يعني أنهم خسروا 12 عاماً من أعمارهم خلف القضبان دون محاكمة، كما يقول صبلوح: "العدالة يجب أن تأتي في وقتها ولا تتأخر".
تظهر هذه الإشكالية جلياً أيضا في قضية الشيخ أحمد الأسير، الذي أوقف عقب اشتباكات دامية بين أنصاره والجيش اللبناني في مدينة صيدا عام 2013، ويوضح المحامي محمد صبلوح الذي تولّى الدفاع عن الأسير في وقت سابق، أنه كان يُلاحق أمام جهتين قضائيتين في آن واحد: المحكمة العسكرية ومحكمة الجنايات في بيروت، وكان يُساق إلى المحكمة العسكرية بانتظام، فيما كانت جلساته أمام الجنايات تتعطّل مراراً بسبب عدم سوقه". ويضيف أن "السبب المعلن حينها كان أن وضعه حساس طائفياً، ولا يمكن سوقه مع موقوفين من طوائف مختلفة"، مشيرًا إلى أن القوى الأمنية كانت تتذرّع أيضًا بـ"عدم توفر سيارة إضافية" لنقله. والمفارقة، بحسب صبلوح، أن
المحكمة المدنية نفسها تدخّلت مرارًا للمطالبة بسوق الأسير، لكن من دون جدوى، بينما استمرت المحكمة العسكرية في محاكمته بشكل طبيعي، بسبب ما وصفه بـ"هيبة القضاء العسكري" لدى الضابطة العدلية.
العمود الفقري لتحقيق العدالة
هذا الخلل الإجرائي لا يقتصر على حالة واحدة، إذ تجمع مصادر التحقيق على أن "عدم السوق" أصبح ظاهرة مقلقة، تؤدي إلى تأجيلات متكررة لجلسات المحاكمة، من دون علم القضاة أو المحامين بذلك إلا عند بدء الجلسة واكتشاف غياب المتهم. ويصف المحامي المتخصص في القضايا الجنائية أحمد البياع هذا التأخير بأنه "انتهاك مزدوج" قائلاً: "سرعة التقاضي هي العمود الفقري لتحقيق العدالة، وكلما طال أمد المحاكمة، طال الظلم، ليس فقط الموقوفين، بل أيضًا أهاليهم والمجتمع بأسره".
"القضاة يتولون مهام تفوق قدراتهم وطاقتهم"، هكذا علق قاض لبناني، يحتفظ "العربي الجديد" باسمه لكون العاملين في سلك العدالة غير مخولين بالتواصل مع وسائل الإعلام، على الحالة التي يعملون فيها قائلًا: "كل قاضٍ موكل بأكثر من محكمة، والبعض على عاتقه أربع مهام"، مع ذلك لا تقصير في متابعة الملفات، والتأخير خارج عن إرادة القضاة "لأن سوق الموقوفين يقع على عاتق الأمن"، ولا بد من إيجاد حل عام وشامل للمشكلة حتى لا ندور في حلقة مفرغة، ولا بد من تكثيف تفقد السجون كما ينص القانون للتأكد من عدم وجود نزلاء غير محكومين وهي مهمة منوطة بالقضاة لأن "
توقيف شخص لفترات طويلة من دون إثبات الجرم يتنافى مع جوهر العدالة
" كما يقول المحامي المتخصص في القضايا الجنائية البياع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لبنان: "يونيسف" ستوقف دعم رياض أطفال المخيمات الفلسطينية
لبنان: "يونيسف" ستوقف دعم رياض أطفال المخيمات الفلسطينية

العربي الجديد

timeمنذ 5 أيام

  • العربي الجديد

لبنان: "يونيسف" ستوقف دعم رياض أطفال المخيمات الفلسطينية

تبدأ مراحل تعليم الفلسطينيين في لبنان من الصف الأول الأساسي، ما يعني أن الأطفال بين عمري ثلاث وست سنوات يبقون في البيت بسبب عدم قدرتهم على الالتحاق بمدارس الفلسطينيين في لبنان وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لذا تتمثل البدائل في رياض الأطفال التي تدعمها مؤسسات وجمعيات تمول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قسماً من برامجها. قضايا وناس التحديثات الحية يونيسف: حرب إسرائيل ألحقت أضراراً كارثية بحياة أطفال لبنان وأخيراً أوقفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العديد من البرامج حول العالم، ومن بينها تلك للأمم المتحدة ما انعكس على تمويل "يونيسف" التي تنفذ برامج فلسطينية وسورية في لبنان. وتقول مديرة روضة أبناء القسام، في مخيم برج البراجنة ببيروت، فاديا لوباني، لـ"العربي الجديد": "تعمل روضتنا ضمن برنامج الطفولة المبكرة الذي تدعمه يونيسف. وقد أرسلت الإدارة الداعمة ليونيسف بريداً إلكترونياً أبلغتنا فيه بوقف التمويل في نهاية مايو/ أيار الجاري، ما يشير إلى حتمية توقيف الأنشطة الصيفية، وعدم تمديد البرنامج التعليمي فنحن لا نتقاضى أقساطاً من الطلاب، وتعمل ست عشرة معلمة لدينا براتب شبه تطوعي يبلغ 200 دولار". تضيف: "يستهدف المشروع الذي تدعمه يونيسف تطوير مهارات المربيات وبرامج خاصة بالأطفال، وإعطاء المربيات رواتب، وهو يشمل كل روضات المخيمات، علماً أن نحو 50 روضة تستفيد من التمويل". وتقول المعلمة سميرة ياسين المتحدرة من بلدة الشيخ داود بقضاء عكا في فلسطين والتي تقيم في مخيم برج البراجنة، وهي مربية في روضة أبناء القسام التي تعمل فيها منذ 22 عاماً، لـ"العربي الجديد": "عدم حصولي على راتب 200 دولار سيؤثر علي خصوصاً انه يتزامن أيضاً مع وقف الوكالة الأميركية الدولية للتنمية (USAID) منحة ابنتي التي تشمل قسط الجامعة ومبلغ 100 دولار، في حين أنه يبقى لها عام دراسي واحد قبل أن تتخرج". وتقول سوسن محمد المتحدرة من قضاء عكا بفلسطين والتي تقيم في مخيم برج البراجنة: "أعمل في مشروع الطفولة المبكرة الذي ستوقف يونيسف تمويله بسبب عدم وجود دعم، وهذا العمل هو ملاذي الوحيد حتى لو أنني أتقاضى راتباً رمزياً، فهو يسد احتياجاتي القليلة والأشياء الأساسية علماً أنني امرأة منفصلة عن زوجي، ومسؤولة عن تأمين مصاريف أولادي في بلد يعتبر وضعه المعيشي سيئا للغاية". تتابع: "أعيش في بيت أهلي بمخيم برج البراجنة، وهو مستأجر، ووضع أهلي المادي متدهور، ولدي ثلاثة أولاد، لذا لا أعلم ماذا سأفعل بعدما علمت بخبر توقيف المشروع التي يعني أنني سأخسر عملي". لا بدائل لبرامج "يونيسف" لتعليم أطفال اللاجئين الفلسطينيين، 1 مارس 2016 (Getty) وتقول مديرة مؤسسة تعاون في لبنان السيدة سوسن مصري لـ"العربي الجديد": "المؤسسة أهلية تخدم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ونعمل لضمان التعليم والصحة وتقديم مساعدات كثيرة أخرى، وهي شريكة أساسية منذ تسع سنوات مع يونيسف لدعم التعليم في مرحلة مبكرة. ومن بين برامج الشراكة تحسين التعليم في رياض الأطفال، وضمان حصول عدد أكبر من الطلاب على التعليم قبل المدرسة. ومن خلال هذه الشراكة تخدم المؤسسة 50 روضة، وتعمل مع 20 مؤسسة شريكة داخل الوسط الفلسطيني". تتابع: "نعمل مع يونيسف لتدريب مواكبة المعلمات مراحل نمو الأطفال وتأهيل الرياض وتزويدها بالمواد اللازمة، وتحسين البيئة الصحية، ووضع الحدّ الأدنى من المعايير، وتنشيط الروضة. وتساهم يونيسف في إدخال تحسينات على الوسط الفلسطيني، وفي دفع رواتب معلمات، حتى لو بشكل جزئي". تضيف: "انعكس توقيف التمويل على يونيسف التي أجبرت على توقيف برامج وموظفين من العمل فتأثرت مؤسستنا التي تستفيد من هذه الشراكة، وبالتالي قدرتها على دعم رياض أطفال ما يحتم البحث عن بدائل. وفعلياً يأتي وقف التمويل في وقت صعب للمؤسسة لأن البدائل غير متوافرة، خصوصاً أن دولاً أخرى أوقفت التمويل أو قلصته، إذ كان يمكن أن نلجأ إلى مصادر تمويل أخرى لكنها ليست متوفرة حالياً. وحالياً تبحث يونيسف نفسها عن بدائل، حتى بحجم أقل، لمحاولة منع توقيف التمويل بالكامل، لكن الانقطاع مرجح خصوصاً خلال الصيف المقبل. طلاب وشباب التحديثات الحية لبنان: دعم من اليونيسف لإعادة 387 ألف طفل إلى المدارس رغم الحرب وتؤكد أن "الجميع يبحث عن بدائل كي يستمر عمل الروضات والخدمات الممنوحة للاجئين الفلسطينيين، فيونيسف لا تغطي فقط عمل الروضات وتساهم في تطويره، بل تدعم أيضاً التعليم المدرسي، وبرامج الشباب، وخدمات الصحة العامة. وبالتأكيد تعمل يونيسف مع جمعيات أخرى يمكن أن تشكل خيارات بديلة مناسبة لمواصلة دعم البرامج المهمة للاجئين.

"السوق الفلسطيني" في مخيّم برج البراجنة لأجل غزة
"السوق الفلسطيني" في مخيّم برج البراجنة لأجل غزة

العربي الجديد

timeمنذ 6 أيام

  • العربي الجديد

"السوق الفلسطيني" في مخيّم برج البراجنة لأجل غزة

في ظلّ ما يعيشه قطاع غزة من حصار وتجويع وقتل يومي، يحاول اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مساندة أهل غزة بما استطاعوا. وشهد مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت فعالية تضامنية تمثّلت في تنظيم "السوق الفلسطيني" الذي خصّص ريعه بالكامل لدعم أطفال غزة. السوق، الذي نُظّم صباح اليوم الجمعة بالتزامن مع الذكرى الـ 77 للنكبة واستمرار حرب الإبادة على القطاع، تحوّل إلى مساحة جماعية للمقاومة الشعبية من خلال الخبز والكعك والمنتجات اليدوية، في مشهدٍ تضامني شارك فيه أهالي المخيّم كل حسب إمكانياته. تحت خيمة كتب عليها "دعم أطفال غزة واجب مقدس"، كانت مهى مرة، وهي مربية أطفال، تخبز العجين وتبيعه، تقول لـ"العربي الجديد": "أنا مربية، لكنّني اليوم جئت لأخبز رغيفاً لأجل غزة. عيون أهل غزة تستحق التعب، وأنا مستعدة لبيع الخبز طوال عمري لأجلهم". إلى جانبها، وضعت سميرة ياسين صواني الكعك على طاولة صغيرة، فوقها لافتة كتب عليها: "اشترِ كعكة تدعم صمود غزة"، تقول لـ"العربي الجديد": "قضيت الليل أصنع الكعك وأنا أفكر بأطفال غزة. ما أفعله قد لا يغيّر الواقع، لكن ربما يخفف وجعاً هناك". رباب عبد اللطيف، إحدى الزائرات، تتنقل بين الطاولات المحمّلة بالخبز والكعك والثياب والمطرّزات، وتقول لـ"العربي الجديد": "جئنا نشتري لنشعر أننا نفعل شيئاً. عجزنا يقتلنا يومياً. هذا السوق دواء لمشاعرنا قبل أن يكون دعماً لغزة". بدورها، جاءت عبير الحاج مع أطفالها الثلاثة، وتقول لـ"العربي الجديد": "المهم أن نساعد، وإذا لم تصل الأموال بسبب الحصار، فعلى الأقل نحن لم نتقاعس، فشعور العجز مميت". صحة التحديثات الحية لبنان: فلسطينيون يرفضون قرار إغلاق عيادة "أونروا" في النبطية ونظم السوق عدد من نساء وأهالي المخيّم، ولاقى إقبالاً لافتاً. وتقول رجاء جمعة، إحدى المنظمات، لـ"العربي الجديد": "الفكرة انطلقت جراء صور الجوع في غزة. ثم عرضناها على إدارة السوق فرحبوا بها، ولم نتوقع هذا الحضور الكثيف. هناك من قرأ الإعلان على فيسبوك وجاء من خارج المخيّم لدعم غزة"، وتضيف: "نحن هنا لنقول لأهل غزة: أنتم لستم وحدكم، حتى لو بفلس الأرملة". خلال صنع العجين (العربي الجديد) وبينما تُخبَز الأرغفة في مخيّم برج البراجنة، يُصدر التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، الاثنين الماضي، تحذيراً فاده بأن 470 ألف شخص في غزة سيواجهون مجاعة كارثية بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2025، كما سيحتاج 71 ألف طفل و17 ألف أم لعلاج عاجل من سوء التغذية الحاد. وتطالب الأمم المتحدة برفع الحصار فوراً تفادياً لانهيار الزراعة وتفشي الأوبئة في قطاع يعيش مجاعة مُعلنة. وكان تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، قد أشار إلى أن 470 ألف شخص في غزة سيواجهون جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة والأشد من التصنيف) خلال الفترة بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2025، بزيادة قدرها 250% عن تقديرات التصنيف السابقة.

أعوام وراء القضبان... العدالة اللبنانية لا تعترف بالوقت
أعوام وراء القضبان... العدالة اللبنانية لا تعترف بالوقت

العربي الجديد

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

أعوام وراء القضبان... العدالة اللبنانية لا تعترف بالوقت

تتأخر محاكمات الموقوفين على ذمة القضايا في لبنان أعواماً عديدة، بسبب عدم اقتيادهم إلى الجلسات، نتيجة عدم توفير إمكانيات لوجستية وعناصر أمنية من أجل تأمين العملية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق الأبرياء واكتظاظ السجون. - خيّم سكون غير معتاد على قاعة محكمة الجنايات في شمال لبنان صباح الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024، أثناء جلسة محاكمة المتهمين في قضية مقتل الشيخ أحمد الرفاعي من قضاء عكار، إذ ساد القاعة ترقّب ملحوظ من الحاضرين، بينهم أسرة الضحية ومعد التحقيق، والجميع كانوا في انتظار حضور المتهمين، وبمجرد وصولهم تحدث المتهم يحيى الرفاعي مطالباً القاضي بـ"التشديد على سوقهم إلى المحكمة، لعدم تأخير القضية"، فردّت هيئة المحكمة، برئاسة القاضي داني شبلي بـ"أنها تؤدي واجبها ضمن صلاحياتها، ومسؤولية سوْق الموقوفين تعود إلى قوى الأمن الداخلي". جاء احتجاج الرفاعي بعدما ضاق ذرعاً من مسلسل تأجيل جلسات المحكمة المتوالي منذ إحالة المتهمين الخمسة إلى القضاء، بسبب عدم نقلهم من سجن رومية المركزي في بيروت، والذي يبعد 85 كيلومتراً عن مقر المحكمة، في ظاهرة آخذة بالتوسع منذ الأزمة الاقتصادية في عام 2019، كما يقول المحامي عبد الرحمن حسن، وكيل عائلة الضحية الرفاعي، محذراً من "تعطيل العدالة بسبب أزمة السوق، إذ بات تأجيل الجلسات مؤشراً خطيراً على شلل ملفات حساسة، وعلى الدولة التحرك لتأمين الإمكانات اللوجستية، وإلا سندخل مرحلة ضياع الحقوق". يتضح ما ذهب إليه حسن عبر البيانات الرقمية، إذ انخفضت نسبة تنفيذ قوى الأمن لطلبات سوق المتهمين إلى جلسات محاكماتهم من 77% عام 2019 لتصل إلى 45% في عامي 2020 و2021، ثم ارتفعت إلى 67% في عام 2023 ، قبل أن تتراجع مجدداً إلى 57% عام 2024 ، بحسب دراسة "إدارة التوقيف الاحتياطي: تحديات ما بعد الأزمة في لبنان"، الصادرة في سبتمبر/أيلول 2024، عن "المفكرة القانونية"، منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة. تحقيق متعدّد الوسائط أدوية فقراء لبنان... تلاعب واستنسابية في علاج الأمراض المستعصية ما الذي يعوق سوْق المتهمين؟ "يعتبر عدم سوق المتهمين للمثول أمام المحكمة أحد أسباب تأخير المحاكمات في لبنان، وبعد الانهيار المالي، لم تعد هناك عناصر كافية للقيام بهذه المهمة، والكثيرون تركوا الخدمة بسبب الرواتب الزهيدة"، كما يقول مصدر مسؤول في إدارة أحد السجون، تحفّظ على ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث مع وسائل الإعلام، ويقدر عدد عناصر الأمن الداخلي بين 25 ألفاً و 30 ألف عنصر حتى نهاية عام 2023، ويُكلف هؤلاء بمهام عديدة، من بينها سوق الموقوفين إلى الهيئات القضائية، ويضرب المصدر أمثلة على نقص العناصر بقوله إن تسعة فقط يعملون في مخفر مخيم برج البراجنة الرئيسي في قضاء بعبدا بمحافظة شمال لبنان، والذي يعرف باكتظاظه، وفي مخافر طرابلس الكبرى شمالاً (وتشمل بلدات الميناء، والتل، والقبة، والسويقة، وأبي سمراء) لا يتجاوز عناصر الأمن الستين. توسّعت أزمة سوْق المتهمين عقب الأزمة الاقتصادية عام 2019 ومن الناحية التقنية، فإن عملية اقتياد المتهمين إلى المحاكمة تحتاج إلى شاحنة كبيرة تضم الموقوفين، وسياراتي مرافقة في الحد الأدنى، أي إنها تتطلب 10 عناصر أمن، والرقم مرشح للارتفاع في الملفات الخطرة، بحسب المصدر الأمني السابق، وهو ما تؤكده المحامية والباحثة غيدة فرنجية التي شاركت في إعداد الدراسة السابقة، موضحة لـ"العربي الجديد" أن الموارد المتاحة لقوى الأمن الداخلي من أجل تأمين سوق الموقوفين غير كافية لضمان حسن سير العملية، نتيجة النقص الحاد في الآليات المخصصة والعناصر، وأبرز مثال على ذلك، سجن رومية، يوجد فيه 80 عنصراً موكلة إليهم مهمة السوق، إلا أن 31 منهم فقط يقومون بها، أما الآخرون فيكلفون بمهام أخرى، ومن بين 83 آلية مخصصة لجلب الموقوفين، فإن الصالحة منها خمس فقط ، وتبلغ قدرتها الاستيعابية القصوى بين 80 و90 موقوفاً يومياً، ويمكن أن يرتفع عدد الآليات إلى عشر في حال جرى إصلاح خمس أخرى تسمح حالتها بإعادتها للخدمة. الصورة النقص في عدد عناصر الأمن يتسبب في إعاقة تنفيذ طلبات سوْق المتهمين (Getty) وبينما يربط العميد، جوزيف مسلم، مسؤول شعبة العلاقات العامة سابقاً في قوى الأمن الداخلي بلبنان، أزمة عدم السوق بمشاكل تقنية، كالأعطال الميكانيكية، نتيجة قلة المخصصات المالية للصيانة الدورية أكثر منها أزمة وقود ومحروقات، وهو ما تعمل المؤسسة على معالجته، متحدثاً عن "تعاون قوى الأمن مع بعض الجمعيات المانحة لتخفيف وطأة الأزمة". يرفض المحامي محمد صبلوح، مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية (غير حكومي)، الربط بين مشكلة عدم السوق والأزمة المالية، مؤكداً أن التأجيلات كانت تحدث حتى قبل عام 2019 بسبب جملة من العراقيل، مثل ضيق قاعات المحاكم، وعدم توفر الموارد المالية والموارد البشرية التي يحتاجها النظام القضائي لتسيير الأمور بشكل فعال، ويشمل ذلك: التمويل غير الكافي لتشغيل المحاكم، مثل تكاليف صيانة القاعات، ودفع أجور الموظفين، وتأمين مركبات النقل، وتجهيز المرافق الضرورية. تحقيق سجون لبنان... الموقوفون يدفعون ثمن إفلاس الدولة وجهان لعملة واحدة تنظر فرنجية إلى الاكتظاظ في أماكن التوقيف وأزمة السوق على أنهما وجهان لعملة واحدة، وفق معادلة أن الاكتظاظ يعد عاملاً أساسياً في مفاقمة التحديات أمام جلب الموقوفين إلى قصور العدل، في ظل نقص الموارد المخصصة لذلك، وبالتالي إعاقة تسريع الإجراءات القضائية ما يترتب عليه ازدياد أعداد الموقوفين لدى القطاعات الأمنية، وكذلك، فإن انخفاض إنتاجية العمل القضائي يؤدي إلى إطالة أمد التوقيف، وبالتالي إلى ارتفاع نسبة الاكتظاظ في أماكن الاحتجاز، وعليه تغذي الدوامة نفسها. ويشكل الاكتظاظ في سجن رومية شرقي بيروت مثالاً واضحاً، إذ يضم 3619 موقوفاً ومحكوماً، بحسب أحدث إحصائية أصدرتها لجنة السجون في نقابة المحامين ببيروت في 21 أغسطس/آب 2024، بينما طاقته الاستيعابية القصوى 1200 سجين فقط، وهذه الحال تشكل تحدياً كبيراً في إدارة السجن وضمان حقوق السجناء، وينسحب هذا الأمر على السجون الأخرى، إذ أصبح الاكتظاظ هو القاعدة. 57 % فقط من طلبات اقتياد المتهمين للمحكمة نُفذت العام الماضي أمّا بالنّسبة لمراكز الاحتجاز، فالأعداد الكبيرة هي المشكلة الأساسية فيها أيضاً، لا سيما في تلك التّابعة لمديريّة قوى الأمن الدّاخلي، علماً أن الطاقة الاستيعابية في جميع سجون لبنان من السجن المركزي إلى السجون الفرعية ونظارات قصور العدل لا تتعدى 3000 محتجز أو موقوف ومحكوم، بينما عدد الموقوفين حالياً في لبنان يتجاوز 7800 حالة، وهو ما حوّل النّظارات ومراكز الاحتجاز إلى سجون دون أن تستوفي مقوّمات السجون فعلياً، وفق ما جاء في التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لعام 2023 (مستقلة تمولها الدولة). الصورة إعاقة الإجراءات القضائية يزيد أمد التوقيف والاكتظاظ في سجون لبنان (Getty) وتضع أزمة الاكتظاظ العدالة في مأزق جديد، إذ تلجأ قوى الأمن الداخلي إلى إيداع عدد من السجناء لدى الجيش اللبناني "على سبيل الأمانة"، نتيجة نقص القدرة الاستيعابية في السجون. "ويخلق هذا التداخل في المسؤوليات حالة من الضياع الإداري"، يقول صبلوح، موضحاً "عند مراجعة الشرطة العسكرية للمطالبة بموقوفين، يكون الرد بأنهم ليسوا لديها، بل بعهدة قوى الأمن الداخلي، التي بدورها ترفض سوقهم إلى المحاكم بحجة عدم توافر الوقود". وتقدّر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن أكثر من 80% من الموقوفين لديها هم مودعون على سبيل الأمانة لحساب قطعات أخرى، بحسب دراسة التوقيف الاحتياطي آنفة الذكر، ما يعني امتدادًا للمشكلة، لأن عمليات السوق تصبح أكثر صعوبة في الحالات التي يتعذّر فيها الموقوف "على سبيل الأمانة" في قطعة أمنية مختلفة عن تلك التي أوقفته. ويضرب صبلوح مثالا على ذلك يظهر حجم الخلل قائلا: "في إحدى الحالات طلبت المحكمة 10 موقوفين للمثول أمامها، لكنهم كانوا موزعين على عدة سجون لدى جهات مختلفة، وحضر تسعة منهم، لكن تغيب واحد أدى إلى تأجيل النظر في الملف بأكمله لستة أشهر ". الأرشيف التعذيب في السجون اللبنانية...تلاعب بحقوق الضحايا في إثبات الجريمة احتجاز أبرياء لأعوام في السجون "يتكرر الجواب نفسه في كل مرة نطلب فيها سوق الموقوفين: لا تتوفر الإمكانيات للتنفيذ" ، يقول المحامي صبلوح بحدّة، مستشهداً بتجاربه: "لدي موقوف قاصر محتجز في سجن رومية، وملاحق بعدة ملفات في شمال لبنان، إلا أن قوى الأمن لا تجلبه للمحكمة بحجة عدم وجود جلسات لموقوفين آخرين في الوقت نفسه"، بينما يُساق إلى الجلسات حين يتم تجميع أعداد كبيرة من الموقوفين. " ويُعد تأخير سوق الموقوفين لانتظار تجميع عدد كافٍ منهم لإرسالهم في شاحنة واحدة، أحد العوائق الإجرائية المتكررة التي تعرقل انتظام الجلسات ، وتؤثر سلباً في سير العدالة، وهو ما حصل مع موقوف آخر في سجن القبة بطرابلس، يتولى صبلوح قضيته، ويجب مثوله أمام محكمة جنايات الأحداث في قصر العدل في بيروت، إلا أن جلساته تأجلت على مدار ثلاثة أشهر، بذريعة أنه لا يمكن تحمل تكاليف السوق والنقل من أجل متهم واحد ، واستمر هذا الأمر إلى الأسبوع الأخير من شهر فبراير/شباط 2025، وفقاً لصبلوح. الصورة لا تتحرك شاحنة نقل الموقوفين إلا بعد تجميع عدد كافٍ لإرسالهم إلى المحكمة (Getty) وتؤثر هذه التحديات بشكل مباشر على حق الدفاع، طالما تعوق وصول المحتجزين إلى قصور العدل للمثول أمام المحاكم، بحسب فرنجية. وهو السبب في وجود 67% من السجناء غير المحاكمين في لبنان ، بحسب تصريحات صحافية لوزير العدل عادل نصار في السابع من إبريل/نيسان 2025. "بالتالي ينتج عن الأزمة احتجاز أبرياء لأعوام في السجون، كما هو الحال مع المتهمين في أحداث مخيم نهر البارد التي اندلعت في 20 مايو/أيار 2007، إذ وقعت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحي جماعة فتح الإسلام التي ظهرت في المخيم عام 2006، ما أدى إلى تفجير الوضع العسكري، وبعد 3 أشهر سيطر الجيش اللبناني على المخيم بالكامل، واعتقل كل من يشتبه بارتباطه بالجماعة، لكن لم تنعقد محاكماتهم مطلقاً، وعند مراجعة الوكلاء القانونيين للمعنيين في الوسطيْن السياسي والقضائي، كانت الذريعة الدائمة: لا توجد قاعة تتسع لنحو 500 مدعى عليه، وبعد 14 عاماً من الانتظار، حصل 45 موقوفاً منهم على أحكام بالبراءة، فيما لم تتجاوز أحكام أكثر من 170 آخرين السنة ونصف أو السنتين، ما يعني أنهم خسروا 12 عاماً من أعمارهم خلف القضبان دون محاكمة، كما يقول صبلوح: "العدالة يجب أن تأتي في وقتها ولا تتأخر". تظهر هذه الإشكالية جلياً أيضا في قضية الشيخ أحمد الأسير، الذي أوقف عقب اشتباكات دامية بين أنصاره والجيش اللبناني في مدينة صيدا عام 2013، ويوضح المحامي محمد صبلوح الذي تولّى الدفاع عن الأسير في وقت سابق، أنه كان يُلاحق أمام جهتين قضائيتين في آن واحد: المحكمة العسكرية ومحكمة الجنايات في بيروت، وكان يُساق إلى المحكمة العسكرية بانتظام، فيما كانت جلساته أمام الجنايات تتعطّل مراراً بسبب عدم سوقه". ويضيف أن "السبب المعلن حينها كان أن وضعه حساس طائفياً، ولا يمكن سوقه مع موقوفين من طوائف مختلفة"، مشيرًا إلى أن القوى الأمنية كانت تتذرّع أيضًا بـ"عدم توفر سيارة إضافية" لنقله. والمفارقة، بحسب صبلوح، أن المحكمة المدنية نفسها تدخّلت مرارًا للمطالبة بسوق الأسير، لكن من دون جدوى، بينما استمرت المحكمة العسكرية في محاكمته بشكل طبيعي، بسبب ما وصفه بـ"هيبة القضاء العسكري" لدى الضابطة العدلية. العمود الفقري لتحقيق العدالة هذا الخلل الإجرائي لا يقتصر على حالة واحدة، إذ تجمع مصادر التحقيق على أن "عدم السوق" أصبح ظاهرة مقلقة، تؤدي إلى تأجيلات متكررة لجلسات المحاكمة، من دون علم القضاة أو المحامين بذلك إلا عند بدء الجلسة واكتشاف غياب المتهم. ويصف المحامي المتخصص في القضايا الجنائية أحمد البياع هذا التأخير بأنه "انتهاك مزدوج" قائلاً: "سرعة التقاضي هي العمود الفقري لتحقيق العدالة، وكلما طال أمد المحاكمة، طال الظلم، ليس فقط الموقوفين، بل أيضًا أهاليهم والمجتمع بأسره". "القضاة يتولون مهام تفوق قدراتهم وطاقتهم"، هكذا علق قاض لبناني، يحتفظ "العربي الجديد" باسمه لكون العاملين في سلك العدالة غير مخولين بالتواصل مع وسائل الإعلام، على الحالة التي يعملون فيها قائلًا: "كل قاضٍ موكل بأكثر من محكمة، والبعض على عاتقه أربع مهام"، مع ذلك لا تقصير في متابعة الملفات، والتأخير خارج عن إرادة القضاة "لأن سوق الموقوفين يقع على عاتق الأمن"، ولا بد من إيجاد حل عام وشامل للمشكلة حتى لا ندور في حلقة مفرغة، ولا بد من تكثيف تفقد السجون كما ينص القانون للتأكد من عدم وجود نزلاء غير محكومين وهي مهمة منوطة بالقضاة لأن " توقيف شخص لفترات طويلة من دون إثبات الجرم يتنافى مع جوهر العدالة " كما يقول المحامي المتخصص في القضايا الجنائية البياع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store