
كينيا والسباق الأممي على استضافة مقرات الأمم المتحدة خارج نيويورك
أمينة محمد حسين
باحثة في شؤون شرق أفريقيا – نيروبي
فتح توجّه الأمم المتحدة الأخير نحو هيكلة مكاتبها ووكالاتها وتقليص وجودها في المقر الرئيسي بنيويورك الباب أمام منافسة محتدمة بين الأقاليم والدول لاستضافة المكاتب والهيئات الدولية التي سيتم نقلها خارج نيويورك.
وتظهر كل من كينيا ورواندا وبتسوانا كأبرز الدول الأفريقية المتنافسة للظفر باحتضان هذه المكاتب والهيئات الجديدة، في سباق لتعزيز وترسيخ مكانتها الإقليمية كمراكز نشطة للمؤسسات الدولية، بما يمنحها نفوذًا وقوة تأثير، ليس في القارة الأفريقية ودول الجنوب العالمي فحسب، بل أيضًا في صناعة القرار الأممي، وذلك في وقت يمر فيه العالم بتحولات جيوسياسية كبيرة، لا سيما بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، وسياسته المُعلنة بتقليص الدعم للمنظمات الدولية، ومحاولة إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية.
وتتشارك نيروبي في استضافة المقرات الرئيسية للأمم المتحدة خارج نيويورك مع كل من فيينا وجنيف، وتُعد نيروبي المدينة الوحيدة في الجنوب العالمي التي تستضيف مقرات رئيسية تابعة للأمم المتحدة.
أبرز المكاتب الأممية التي تستضيفها كينيا
تستضيف كينيا برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، والمكاتب القُطرية التالية: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، صندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO).
كما تستضيف المكاتب الإقليمية التالية: الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، منظمة العمل الدولية (ILO)، المنظمة البحرية الدولية (IMO)، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR)، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO)، مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، منظمة الأمم المتحدة للطفولة في أفريقيا، برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية؛الإيدز (UNAIDS)، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS).
تقع المكاتب والوكالات الأممية في نيروبي بحي غيغيري الراقي بمساحة كلية تبلغ 140 فدانًا، وتضم عدد 44 ألف موظف دولي، من بينهم 6 آلاف موظف كيني، لدى 1500 منهم عقود طويلة الأجل.
دعوات أفريقية لإصلاح الأمم المتحدة قد تدفع بمزيد من المكاتب الأممية لأفريقيا
في ظل صعود القارة الأفريقية وتأثيرها العالمي، بالإضافة إلى وجود معظم الأزمات الإنسانية وتلك المرتبطة بالتغيير، وخلال كلمته التي ألقاها في قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك في سبتمبر/ أيلول 2024، دعا الرئيس الكيني وليام روتو إلى إصلاح الأمم المتحدة.
وقال إن الأمم المتحدة لم تعالج التحديات العالمية المستمرة بشكل كافٍ، حيث يشهد الكوكب ارتفاع درجة الحرارة ومناخًا في أزمة، كما أن المحيطات ترتفع، والصحاري تتمدد، والصراعات تجتاح العالم، وملايين البشر نازحون وفقراء ومحرومون من الخدمات الأساسية.
وأضاف: أثبتت الأنظمة متعددة الأطراف عدم كفايتها في معالجة تغيّر المناخ، وعدم المساواة، والديون، وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ قرارات فورية لمعالجة الأزمات العالمية غير المسبوقة. وشدد على إعادة تصميم النظام العالمي الدولي، وتعزيز الشراكات من أجل الأمن المشترك، وسد الفجوة الرقمية، والاستثمار في القدرات البشرية، وتمكين المرأة والشباب.
وطالب بمعالجة الظلم التاريخي المتمثل في افتقار أفريقيا إلى التمثيل الدائم في مجلس الأمن الدولي، كمسألة عادلة في إصلاحات الأمم المتحدة. وبينما أكدت الولايات المتحدة دعمها لحصول أفريقيا على مقعدين دائمين، اشترطت ألّا يكون هناك حق النقض.
كما كتب عدد من منسقي برامج الأمم المتحدة المقيمين في أفريقيا ورقة بحثية بعنوان: 'تشكيل الأمم المتحدة في المستقبل'، طالبوا فيها بإجراء إصلاحات لضمان قدرة المنظمة الأممية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضافوا أنه في ظل الضغوط التي تتعرض لها وازدياد الأزمات العالمية المعقدة والمترابطة، من تغيّر المناخ إلى الاضطراب الرقمي، يتعين على الأمم المتحدة أن تطور وسائل ذات صلة وفاعلية لمواجهة التحديات المستقبلية، بما فيها التمويل والاستجابة السريعة والفعالة للأزمات.
وطالبت الورقة بأن يلعب المنسقون المقيمون دورًا في تشكيل وجود الأمم المتحدة ومتابعة الوكالات للتأكد من فاعليتها، وأن يقوموا بدور الحوار مع الحكومات المضيفة وضمان اتساق البرامج مع أهداف التنمية الوطنية.
الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أصدرت في شهر مايو/ أيار الماضي أوامر لأكثر من 60 من مكاتبها وعملياتها بتقديم مقترحات حتى منتصف شهر يونيو/ حزيران الجاري لتخفيض 20% من موظفيها، وذلك لمواجهة أزمة تمويل حرجة. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة على نحو 14 ألف وظيفة، وتشمل التخفيضات المكاتب السياسية والإنسانية.
منافسة إقليمية متزايدة على استضافة مكاتب جديدة للأمم المتحدة
في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي في كينيا، تتطلع دول أفريقية إلى تقديم نفسها كمقرات آمنة ومناسبة لاستضافة المكاتب الجديدة، ومن بين هذه الدول رواندا، التي قدمت بالفعل طلبًا رسميًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال رئيس الوزراء الرواندي، إدوارد نجيرتي، في رسالة بعث بها يوم 23 مايو/ أيار 2025: 'رواندا مستعدة للعمل كشريك ملتزم في تشكيل مستقبل عملياتها العالمية'.
ولم تحدد رسالة كيغالي وكالات معينة، لكنها أشارت إلى قدرة البلاد على توفير مساحات لهذه المقرات، بالإضافة إلى إمكانية تهيئة ربط جوي مباشر بالمراكز الإقليمية والعالمية الرئيسية. كما تباهت الرسالة بسجل البلاد الحافل بالاستقرار السياسي، والكفاءة المؤسسية، وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة.
بجانب رواندا، تقدمت كل من قطر والنمسا وبتسوانا بطلب أيضًا لاستضافة مكاتب الأمم المتحدة الجديدة، حيث أرسلت الحكومة البتسوانية في شهر أبريل/ نيسان 2025 رسالة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تؤكد فيها استعدادها لتوفير استضافة مجانية داخل أحد المباني الحكومية القادرة على استيعاب أكثر من ألف موظف، ودعم تكاليف التشغيل للمكاتب الجديدة.
وجادلت 'غابورون' بموقعها الجغرافي الإستراتيجي في قلب الجنوب الأفريقي، مما يجعلها ذات أهمية للتنسيق الإقليمي، فضلًا عن توافر المهنيين المتعلمين والماهرين. وأضافت الرسالة أن بتسوانا ظلت شريكًا دائمًا وثابتًا مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وتؤكد التزامها بمبادئ حسن الجوار، والشمول، والتنمية المستدامة، بما يتماشى مع الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة.
استضافة مقر معاهدة البلاستيك
في عام 2022، اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تفويضًا للتفاوض على الصك الدولي الملزم لإنهاء التلوث البلاستيكي. واجتمعت الدول الأعضاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وتم اعتماد تقرير (INC5) لتطوير المعاهدة.
وأكدت كينيا التزامها بمنع استخدام البلاستيك، ووقّعت على مبادرة البحار النظيفة لتخليص المجاري المائية من النُفايات البلاستيكية، حيث حظرت استخدام البلاستيك في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2020. كما انضمت كينيا في سبتمبر/ أيلول 2024 إلى الدول التي تهدف إلى القضاء على التلوث البلاستيكي، إلى جانب 67 دولة أخرى.
في يناير/ كانون الثاني 2025، انتقلت مفاوضات معاهدة البلاستيك التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى جنيف، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية عالمية تاريخية لمعالجة تلوث البلاستيك.
وكان اجتماع المندوبين في بوسان- كوريا الجنوبية، في خواتيم عام 2024، قد انفض دون التوصل إلى اتفاق، مما دفع الدول إلى عقد اجتماع آخر في نيروبي يوم 4 يونيو/ حزيران 2025، حضره ممثلون رفيعو المستوى وواصلوا المشاورات بشأن وضع معالم اتفاق للصك الدولي الملزم بشأن التلوث البلاستيكي.
كما تم الاتفاق على استمرار المشاورات الإقليمية لمجموعات الدول خلال الفترة القادمة السابقة لاجتماع جنيف، وستُعقد مشاورات المجموعة الأفريقية في الفترة من 3 إلى 5 يوليو/ تموز 2025 في نيروبي، بالإضافة إلى اجتماع غير رسمي لرؤساء الوفود في الفترة من 30 يونيو/ حزيران إلى 2 يوليو/ تموز 2025 في نيروبي.
ومن المقرر كذلك أن يُقام الجزء الثاني من الدورة الخامسة المستأنفة (INC 5-2) في الفترة من 5 إلى 14 أغسطس/ آب 2025، في جنيف، ويُتوقع أن تكون حاسمة.
وتسعى كينيا للحصول على دعم بعض الدول الأوروبية لاستضافة مقر الأمانة العامة للمعاهدة، وقد أبدت سويسرا هي الأخرى اهتمامًا بالاستضافة. لكن وزيرة البيئة الكينية، ديبورا باراسا، طلبت من وفد فرنسي زار نيروبي في 15 أبريل/ نيسان 2025 دعم الطلب الكيني، وأشارت في هذا الصدد إلى الدور المحوري الذي تلعبه نيروبي في الحوكمة البيئية العالمية، باعتبارها البلد المضيف لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ووكالات أممية أخرى.
كما أضافت أن الرئيس الكيني، وليام روتو، لا يزال يترأس المجموعة الأفريقية للجنة رؤساء الدول الأفريقية المعنية بتغير المناخ. وفي ذات السياق، تقدّمت كينيا بطلب لاستضافة أسبوع المناخ الأفريقي في سبتمبر/ أيلول 2025، بالإضافة إلى احتمال استضافة مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة في يوليو/ تموز 2025، بعد أن تعذر إقامته في ليبيا بسبب الظروف الأمنية.
هل كينيا قادرة على استضافة مزيد من المكاتب الجديدة؟
قدمت كينيا طلبًا لاستضافة المكاتب التي أُعلن عن نقلها خارج نيويورك، وقالت الحكومة الكينية إنها مستعدة ومؤهلة لذلك. وصرّح رئيس الوزراء ووزير الخارجية، موساليا مودفاي، في مايو/ أيار 2025 لوسائل إعلام محلية بأن كينيا تضع نفسها كوجهة رئيسية لوكالات الأمم المتحدة التي تسعى إلى الانتقال من نيويورك، مما يوفر فوائد هائلة في حال تم توسيع أسرة الأمم المتحدة في كينيا.
وأضاف لقد أظهرت كينيا، من خلال استضافتها مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، مدى هذا التأثير، ونحن مستعدون للعمل بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، وتضع كينيا نفسها كدولة مضيفة مثالية على المستوى العالمي.
وقالت الحكومة الكينية إن الأمم المتحدة وافقت على ميزانية تبلغ 300 مليون دولار لتحديث وتوسيع عملياتها في كينيا، بما في ذلك تطوير المرافق، ومن بينها قاعة الجلسات الرئيسية التي تستوعب حاليًا ألفَي شخص، وسيتم توسيعها لتستضيف تسعة آلاف شخص، مع احتمال عقد اجتماع للجمعية العامة في كينيا.
الخلاصة
بينما تطرح منافسة كل من رواندا وبتسوانا تحديات أمام رغبة كينيا في استضافة مزيد من الوكالات والمكاتب الأممية، تبرز قضايا أخرى قد تكون مؤثرة على قدرة نيروبي وملاءمتها لاستضافة المقرات الأممية، ومن بينها حالة عدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي والأمني، لا سيما أن الحكومة الحالية واجهت/ تواجه معارضة شبابية متزايدة بدأت في منتصف العام الماضي برفض الميزانية العامة المتضمنة زيادة في الضرائب، وتطورت إلى المطالبة برحيل النظام.
ومن المتوقع أن تزداد وتيرة المعارضة مع مرور الوقت، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وقيام الحكومة بالتضييق على مساحة الرأي الآخر، على غير عادة كينيا التي تميزت في السابق بارتفاع سقف الحريات الإعلامية والسياسية مقارنة بنظيراتها في شرق أفريقيا.
كما أن هدف الأمم المتحدة بتنويع وتوزيع مقرات الوكالات والهيئات الدولية في عواصم وأقاليم مختلفة، قد يكون سببًا في اختيار مقرات بديلة لنيروبي للاستضافة، في وقت تبرز فيه مدن مثل كيغالي كخيار آمن ومستقر، وشريك دولي وإقليمي يقدّم نفسه بصورة مقنعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 15 ساعات
- إيطاليا تلغراف
المرأة التي زلزلت إسرائيل وأميركا - إيطاليا تلغراف
إيطاليا تلغراف كريس هيدجيز كاتب ومراسل عسكري أميركي فرض العقوبات من قبل إدارة ترامب على فرانشيسكا ألبانيزي، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، يُعدّ نذير شؤم لنهاية حكم القانون الدولي. عندما يُكتب تاريخ الإبادة الجماعية في غزة، ستكون فرانشيسكا ألبانيزي – المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة – واحدة من أكثر الأصوات شجاعة ووضوحًا في الدفاع عن العدالة والتمسّك بالقانون الدولي، وهي الآن تتعرض لعقوبات من إدارة ترامب على خلفية قيامها بدورها في رئاسة المكتب الأممي المكلّف برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين. تتلقى ألبانيزي تهديدات بالقتل بشكل منتظم، وتتعرض لحملات تشويه مُحكمة تقودها إسرائيل وحلفاؤها، ومع ذلك فهي تسعى بشجاعة لمحاسبة كل من يدعم ويشارك في استمرار الإبادة الجماعية. وهي تنتقد ما تسميه 'الفساد الأخلاقي والسياسي للعالم' الذي يسمح باستمرار هذه الإبادة. وقد أصدر مكتبها تقارير مفصّلة توثّق جرائم الحرب في غزة والضفة الغربية، من بينها تقرير بعنوان 'الإبادة كوسيلة للإزالة الاستعمارية'، أُعيد نشره كمُلحق في كتابي الأخير إبادة متوقعة. أبلغت ألبانيزي منظمات خاصة بأنها قد تكون 'مسؤولة جنائيًا' لمساعدتها إسرائيل في تنفيذ الإبادة في غزة. وأعلنت أنه إذا صحّ ما نُقل عن رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون بأنه هدّد بقطع التمويل وسحب بريطانيا من المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فإن ذلك قد يُعرّض كاميرون ورئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك للملاحقة الجنائية بموجب نظام روما الأساسي، الذي يجرّم محاولات منع محاكمة مرتكبي جرائم الحرب. ودعت ألبانيزي كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة تهم التواطؤ في جرائم الحرب بسبب دعمهم للإبادة الجماعية، مؤكّدة أن أفعالهم لا يمكن أن تمرّ دون عقاب. وكانت من أبرز الداعمين لأسطول 'مادلين' الذي سعى لكسر الحصار عن غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية، وكتبت أن القارب الذي اعترضته إسرائيل كان يحمل، إلى جانب الإمدادات، رسالة إنسانية للعالم. في أحدث تقاريرها، أدرجت ألبانيزي أسماء 48 شركة ومؤسسة، منهاPalantir Technologies Inc.، Lockheed Martin، Alphabet Inc. (Google)، Amazon، IBM، Caterpillar Inc.، Microsoft، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، إضافةً إلى بنوك وشركات تأمين وعقارات وجمعيات خيرية، كلّها – بحسب التقرير – تنتهك القانون الدولي وتحقّق أرباحًا بمليارات الدولارات من الاحتلال والإبادة الجماعية للفلسطينيين. وزير الخارجية ماركو روبيو أدان دعم ألبانيزي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي فُرضت عليها وعلى أربعة من قضاتها عقوبات أميركية العام الماضي لإصدارهم مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت. وانتقد روبيو ألبانيزي لمحاولاتها محاكمة مواطنين أميركيين أو إسرائيليين يدعمون الإبادة الجماعية، واعتبر أنها غير صالحة لمنصبها كمقرّرة خاصة، متّهمًا إياها بأنها 'تروّج لمعاداة السامية بلا خجل، وتدعم الإرهاب، وتُبدي احتقارًا صريحًا للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب'. ومن المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى منع ألبانيزي من دخول الولايات المتحدة، وتجميد أي أصول تمتلكها هناك. الهجوم على ألبانيزي يُنذر بعالم بلا قواعد، عالم يُسمح فيه لدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية دون أي مساءلة أو رادع. هذا الهجوم يكشف عن الخدع التي نمارسها لخداع أنفسنا والآخرين. إنّه يعرّي نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا. ومن الآن فصاعدًا، لن يأخذ أحد على محمل الجد تعهّداتنا المعلنة بالديمقراطية وحرية التعبير وسيادة القانون وحقوق الإنسان. ومن يستطيع لومهم؟ فنحن لا نتحدث إلا بلغة القوة، بلغة الهمج، بلغة المذابح الجماعية، بلغة الإبادة. قالت ألبانيزي في مقابلة أجريتها معها أثناء مناقشة تقريرها 'الإبادة كإزالة استعمارية': 'أعمال القتل، القتل الجماعي، التعذيب النفسي والجسدي، الدمار، خلق ظروف حياة لا تسمح لأهل غزة بالبقاء – من تدمير المستشفيات، والتهجير القسري الجماعي، والتشريد الجماعي، بينما يتعرّض الناس للقصف اليومي، ويُجَوّعون- كيف يمكننا أن نقرأ هذه الأفعال بمعزل عن بعضها؟' الطائرات المُسيّرة المسلحة، الطائرات المروحية، الجدران والحواجز، نقاط التفتيش، الأسلاك الشائكة، أبراج المراقبة، مراكز الاحتجاز، الترحيل، الوحشية والتعذيب، رفض منح تأشيرات الدخول، الحياة الشبيهة بالفصل العنصري التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين، فقدان الحقوق الفردية، والمراقبة الإلكترونية – كلّ ذلك مألوف للمهاجرين اليائسين على الحدود المكسيكية أو الساعين لدخول أوروبا، بقدر ما هو مألوف للفلسطينيين. هذا ما ينتظر من سمّاهم فرانز فانون بـ'معذّبي الأرض'. أمّا من يدافعون عن المظلومين، كألبانيزي، فسيُعاملون كالمظلومين أنفسهم. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


الشروق
منذ 18 ساعات
- الشروق
من 'الهاجاناه' إلى 'فتية التلال': دولة الاحتلال التي تدار بالعصابات
ليست المذابح التي يتعرض لها الفلسطينيون في الأغوار اليوم نادرة، ولا هي وليدة 'فراغ أمني' كما تزعم سلطات الاحتلال، بل هي تجلٍّ معاصر لذات المشروع الذي تأسست عليه إسرائيل: التطهير العرقي بالحديد والنار، وتحويل فلسطين من وطنٍ إلى ساحة استيطان تحت حراسة البنادق. حين نراقب التهجير القسري في خربة حمصة الفوقا، أو الخوف المزروع في عيون أطفال عين الحلوة، نشاهد أمامنا نسخةً محدثة من يافا والقدس وحيفا 1948، حين كان الفلسطيني يُطرد تحت وقع الرصاص، وتحل محله مستوطنات مسوّرة بالعلم والدم. فما الفرق بين 'الهاجاناه' التي هجّرت وذبحت في النكبة، و'فتية التلال' التي تروّع الأهالي اليوم؟ لا فرق. الدولة تغيّرت في الشكل، لكن العقلية واحدة: عصابة تلبس بزّة، وتصوغ قانونًا على مقاس السلاح. من ميليشيا إلى منظومة: تاريخٌ يعيد نفسه حين تأسست 'الهاجاناه' عام 1920، قُدّمت على أنها قوة دفاع ذاتي يهودية، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى ذراع تنفيذية لمخططات الطرد والهدم. كانت تعمل كجيش ظل للوكالة اليهودية، ووضعت خطة 'دالت' عام 1948، التي دعت صراحة إلى تفريغ القرى الفلسطينية واحتلالها. ومن رحمها، وُلدت 'الأرغون' بقيادة مناحيم بيغن، و'شتيرن' بقيادة يتسحاق شامير، وهما من نفّذا أبشع المجازر مثل دير ياسين وكفر قاسم. اليوم، لا تحمل الميليشيات الصهيونية أسماء عبريّة ناعمة، بل تتعمد الوحشية: فتية التلال: طليعة عنف المستوطنين، تتكوّن من شبّان متديّنين متطرفين ينفذون اعتداءات ليلية على الرعاة والمزارعين، بدعم من جنود الاحتلال وتواطؤ شرطته. حراس الجبل وشبيبة التلال: مجموعات شبه عسكرية تتلقى تدريبًا عسكريًا من ضباط احتياط، وتنتشر في نابلس وجنين والأغوار، تُهاجم البيوت، وتطرد الأهالي، وتحرق الممتلكات تحت مسمى 'دفاع استباقي'. حماة الهيكل: جماعات تهويدية تتلقى تمويلًا حكوميًا مباشرًا، هدفها هدم المسجد الأقصى وإقامة 'الهيكل الثالث'، وهي على صلة وثيقة بوزراء حاليين في حكومة الاحتلال. صيادو البشر / كتيبة 'النجمة الحديدية': مجموعات سرية، تسجّل نفسها كفرق رياضية أو مراكز شباب، لكنها تنفذ عمليات اعتقال وتعذيب ضد فلسطينيين في مناطق نائية، خاصة في الأغوار الجنوبية، وسط صمت إعلامي مريب. الأغوار: نكبة تتكرّر بالحذافير بحسب إفادات ميدانية من سكان خربة الحديدية وعين الحلوة، فإن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا سلسلة من الاعتداءات الممنهجة خلال الأشهر الأخيرة. في إحدى الليالي، روت لنا السيدة 'أم ناصر'، وهي مربية أغنام في وادي المالح: 'استيقظنا على أصوات صراخ وجرافات، كأننا في حلم يعاد من أيام النكبة. خلعوا أبواب الخيام، وصرخوا: اخرجوا، هذه أرض الدولة!'. هذا التهجير لا يُنفّذ فقط بالسلاح، بل بمنظومة كاملة تشمل: تصاريح مائية تمنع الأهالي من الوصول لآبارهم. إعلانات طوارئ كاذبة تُعلن الأغوار 'مناطق تدريب عسكري'. مصادرات للمواشي واعتقالات للأطفال بتهم 'إعاقة الجيش'. بمعنى آخر، يتم التهجير قانونيًا تحت مسمى 'الأمن'، تمامًا كما جرى حين أُعلنت حيفا منطقة عسكرية في نيسان 1948، فهُجّرت عشرات آلاف العائلات بحماية عصابات 'الهاجاناه'. الدولة العصابة: حين يكون الإرهاب هو المؤسسة لا شيء يميز بين عصابة و'إسرائيل الرسمية' اليوم. الفرق الوحيد أن الأولى لا تملك شعارًا رسميًا، بينما الثانية تملك مقاعد في الأمم المتحدة، وتُصدّر خطابًا ديمقراطيًا بوجه كولونيالي. وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، هو راعٍ مباشرٌ لهؤلاء المستوطنين. يطالب بإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين، ويُشيد بمنفذي الحرق في بلدة حوارة. أما سموتريتش، وزير المالية، فصرّح أمام كاميرات العالم أن 'لا وجود لشعب فلسطيني'. هذه ليست تصريحات فردية، بل جوهر عقيدة الدولة. فالمستوطِن المسلّح هو الجندي الفعلي للمشروع الصهيوني، أكثر من الجندي الذي يرتدي البزّة. وهذا ما يجعلنا أمام 'دولة عصابات' لا تزال تعمل بنفس المنطق: طرد الشعب الفلسطيني بالقوة، وإحلال مستوطن أيديولوجي مكانه. ماذا بعد الأغوار؟ إن مرّ سيناريو الأغوار بلا ردّ وطني موحّد، فمصير مسافر يطا وسلوان ورهط والنقب لن يختلف. نكبة 2025 جارية بصمت، لكنها أوضح من أن تُنفى. لم تعد إسرائيل تُخفي نيتها، بل تعلن بوقاحة: الأرض لنا، والفلسطيني غريب مؤقت. أمام هذه الحقائق، لا مجال للحياد، ولا للاكتفاء بالرصد. لا بد من تصعيد ميداني وشعبي ودولي واسع، يُجبر العالم على الاعتراف بأننا لسنا أمام احتلال فقط، بل أمام كيان إحلالي عنصري تُديره منظومة من العصابات، بأسماء وزارات، وألقاب جنرالات. الخاتمة حين نسمع صراخ الأطفال في الأغوار، ونتتبع خطوات الطرد كما دوّنتها الروايات الفلسطينية في يافا واللد والقدس، نُدرك أن التاريخ لم ينتهِ، وأن النكبة ليست ذكرى بل واقع مستمر. الهاجاناه تغيّرت أسماؤها، لكنها لم تختفِ. إنما ارتدت عباءات جديدة، وواصلت ذات الدور: محو الإنسان الفلسطيني من خريطة الأرض والذاكرة.


حدث كم
منذ 3 أيام
- حدث كم
زكية الدريوش وممثل الفاو بالمغرب يبحثان دعم قطاع الصيد التقليدي
10/07/2025 شكلت ضرورة مواصلة دعم قطاع الصيد التقليدي، نظرا لدوره الحيوي اقتصاديا واجتماعيا، محور لقاء عقد امس الأربعاء بالرباط بين كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المكلفة بالصيد البحري، زكية الدريوش، والممثل الجديد لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) المعين حديثا بالمغرب، ألكسندر هيونه. وأوضح بلاغ لكتابة الدولة أن هذا اللقاء شكل مناسبة للتأكيد على تميز علاقات التعاون بين المملكة المغربية ومنظمة الفاو، التي تعد نموذجا رائدا في التعاون الوثيق والمستمر. وأضاف المصدر ذاته أن الممثل الجديد للمنظمة نوه بهذه العلاقات التي تتسم بتاريخ طويل من الشراكة المثمرة والتعاون البناء، مشيرا إلى أن المغرب يعد نموذجا يحتذى به على مستوى الشراكة المتينة مع الفاو. وبحسب البلاغ، تناول اللقاء عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها ضرورة مواصلة دعم قطاع الصيد التقليدي نظرا لدوره الاقتصادي والاجتماعي الحيوي، خاصة على مستوى الساكنة الساحلية. كما تم التطرق إلى التحديات المتزايدة الناتجة عن التغير المناخي وتأثيراتها على الموارد البحرية، مع التأكيد على الاهتمام المشترك بتطوير آليات تعاون جديدة تعزز صمود القطاع وقدرته على التكيف. وفي هذا الإطار، جددت كاتبة الدولة تأكيد التزام المملكة بتعزيز التعاون جنوب–جنوب عبر مبادرات ملموسة لفائدة البلدان الإفريقية، لاسيما في مجالات تعزيز الكفاءات، والإدارة المستدامة للموارد البحرية، وتطوير الصيد التقليدي. كما أكدت حرص المملكة على بلورة رؤية إفريقية مشتركة لمعالجة التحديات المحيطية، وهو ما تعكسه مشاركتها النشيطة في مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات (UNOC-3) المنعقد بمدينة نيس في يونيو الماضي. وشدد الطرفان أيضا على أهمية مواصلة العمل المشترك من أجل تعزيز التعاون الثنائي، وفتح آفاق جديدة مبنية على الحوار، والتضامن، والابتكار، بما يخدم مصالح الطرفين ويستجيب للتحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع الصيد البحري من بينها الحكامة المحيطية، والأمن الغذائي، وحماية الموارد البحرية بطريقة مستدامة. وفي الختام أكد الطرفان أن اللقاء يمثل انطلاقة مرحلة جديدة من التعاون القائم على الحوار والتضامن والابتكار، مع توافق في الرؤى حول قضايا أساسية مثل الحكامة المحيطية، الأمن الغذائي، والحفاظ المستدام على الموارد البحرية، معربين عن ارتياحهما لمستوى التفاهم والتقارب في وجهات النظر بين المملكة المغربية ومنظمة الفاو بخصوص عدد من القضايا ذات الأولوية.