
هندسة اللايقين.. من أين جاء نموذج ترامب في التفاوض مع العالم؟
حينها، لم يَبدُ هذا مجرد تصعيد دبلوماسي، بل كأنه إعلان نِيّات عدائية للغاية، وأن تصعيدا تاريخيا يلوح في الأفق. لكن المدهش أن ترامب نفسه عاد بعد أشهر قليلة ليصافح كيم جونغ أون في أول قمة من نوعها بين زعيمين من البلدين، معلنا أنهما "قد وقَعا في الحب" بعد تبادل الرسائل الدبلوماسية، ومشيدا به.
منذ لحظاته الأولى على المسرح السياسي، حرص دونالد ترامب على ألا يبدو مثل أي رئيس أميركي سابق. لم يُخفِ طباعه الغاضبة، بل تبنّاها بفخر، قائلا في مناظرة الحزب الجمهوري عام 2016: "سأقبل بسرور عباءة الغاضب".
وعندما سُئل خلال حملته في 2024 عن كيفية ردّه على حصار صيني لتايوان، قال: "لن أضطر لفعل شيء، لأن [ شي جين بينغ ] يحترمني ويعلم أنني مجنون تماما"!
بيد أن ما ميّز ترامب لم يكن الغضب فحسب، بل رغبته في أن يُنظر إليه بوصفه زعيما مختلفا واستثنائيا، وغير قابل للتنبؤ، وأنه رجل صفقات، بل ذهب أبعد من ذلك في أحد خطاباته في حملته الأولى عام 2016، حين قال: "يجب أن تكون أمتنا أكثر غموضا وأقل قابلية للتنبؤ".
والآن، بعد أن اختبر العالم سياسات ترامب لوقت ليس بسيطا، يمكن القولُ إن هذا المزيج من الغموض وما تسميه عدد من الصحف الأميركية بـ "افتعال الجنون"، بالإضافة لفوضى التصريحات، وهو ما بات يُمثِّل منهجا تفاوضيا، وطريقةً خاصة لعقد الصفقات، فيما يبدو أنها ليست فوضى شعبوية فحسب، بل في الحقيقة هي أداة تفاوضية عالية المخاطرة من نوع خاص. فما ملامح هذا "المنهج الترامبي"؟ وما فرص استدامة نجاحه؟
هندسة اللاعقلانية
ليس من السهل تصنيف سلوك دونالد ترامب التفاوضي ضمن قوالب الدبلوماسية التقليدية، فهو لا يتحدث بلغة المؤسسات، ولا يلتزم بالتسلسل المنهجي الذي يُفضِّله صانعو السياسات، ولا يستخدم القنوات التقليدية في إعلان التصريحات الرسمية.
لكن رغم ما يبدو من عشوائية وتقلّب، سرعان ما يلحظ المراقب تكرارا واضحا في طريقة ترامب في إدارة الملفات الدولية، يُحيل إلى ما يشبه نموذجا تفاوضيا متكاملا، قائما على الصدمة، والتصعيد، والمقايضة.
لا يبدأ ترامب من منتصف الطريق، بل يقذف نفسه مباشرة إلى أقصى مدى، يطلق مطلبا جذريا -مثل قطع العلاقات التجارية نهائيا مع طرف ما، أو الإقدام على ضمّ أرضٍ ما عُنوة إلى بلاده- ثم يدعو بعد ذلك إلى التفاوض من موقع مُتفوق، مصحوبا بتهديدات مبطنة أو صريحة، لا تلبث أن تتحوّل في لحظة إلى رسائل مديح شخصية، أو وعود باتفاقات عظيمة، ثم إنْ لزم الأمر يعود فينفذ تهديدا جزئيا ليؤكد جديته.
هذا النموذج ظهر بوضوح في التعامل مع حلف الناتو. فتح ترامب النار على حلفاء واشنطن الأوروبيين، متهما إياهم بالتقاعس عن تحمل أعباء الدفاع الجماعي، ومهددا بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف إذا لم يُضاعفوا إنفاقهم العسكري.
بدا أداؤه أداء "عدوانيا" و"فوضويا"، لكن المفارقة أن هذا الضغط أسفر لاحقا عن إعلان جماعي لرفع ميزانيات الدفاع في عدد من دول الناتو إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو إنجاز لم تحققه الإدارات السابقة رغم الهدوء والانضباط الدبلوماسي. بعدها عاد ترامب للحديث بلغة الشراكة، مشيدا بالحلف ومؤكدا التزام بلاده بالبند الخامس. بدا وكأنه وضع الحلفاء على حافة الانهيار، ثم أعادهم من الحافة ليقطف الثمرة.
مرة أخرى مع إيران، لكن بنتائج مختلفة حتى الآن، وإن كانت العملية ما زالت تحمل في طيّاتها عوامل انفجارها مرة أخرى، طالب ترامب إيران بالتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية، مهددا بعواقب وخيمة إن لم تفعل. ثم دخل في مفاوضات غير مباشرة مع إيران، معلنا على الملأ أن المفاوضات تسير بشكل واعد، وأنه يريد أن تكون إيران دولة عظيمة. وفي مرحلة معينة، حدد موعدا لانتهاء المفاوضات، وعندما انقضى الموعد دون اتفاق، اتخذ إجراء عسكريا دراماتيكيا.
وفي الحالتين، لم يكن يسعى إلى خلق بيئة تفاوض مستقرة، بل إلى بيئة مرتبكة تمنحه اليد العليا، مستعدا لتفكيك القواعد القديمة، ثم إعادة بنائها عبر صفقات مباشرة. في ملف أوكرانيا مثلا، لوّح ترامب في بداية ولايته الثانية بإمكانية إعادة النظر في الدعم الأميركي لكييف، ما عُدَّ صدمة جيوسياسية في العواصم الغربية، قبل أن يعود ويُشيد بقدرة الحلفاء على الاستجابة والتنسيق.
ما كان لافتا أيضا هو تصعيده مع كندا، والتي سمّى رئيس وزرائها السابق جاستن ترودو بأنه حاكم الولاية رقم 51، والتي صرح ترامب بأنه سيضمها (كندا) للولايات المتحدة. كان هذا التصعيد عاملا في صعود رئيس الوزراء الجديد مارك كارني الذي انتخب في أواخر أبريل/نيسان الماضي على خلفية تعهّده بمواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرب تجارية وبضمّ كندا للولايات المتحدة.
إعلان
وبعد فوزه، تعهد بإطلاق "أكبر تحول في الاقتصاد الكندي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية" لبناء دولة "قوية"، في وقت يواجه فيه تاسع أكبر اقتصاد في العالم أزمة غير مسبوقة.
في وقت لاحق، استقبل ترامب كارني في البيت الأبيض، وما بدا تهديدا يمس سيادة كندا في بداية المطاف، تحول إلى سعي لفتح صفحة جديدة يغلب عليها سمة التوتر.
من أين جاء هذا النموذج؟
لفهم كيف بنى ترامب هذا النموذج التفاوضي لا يكفي تتبّع تصريحاته وقراراته السياسية، بل لا بد من العودة إلى البيئة التي تَشكَّل فيها عقله. فالرجل لم يأتِ من خلفية بيروقراطية ولا خدم في أجهزة الأمن القومي، ولم يتدرّب في أروقة وزارة الخارجية أو على طاولات لجان الكونغرس. جاء ترامب من عالم العقارات، والإعلام، والترفيه، والصفقات، ومن رحم ثقافة رجال الأعمال الطفيليين الذين يعتبرون كلَّ علاقة فرصةً لمقايضة رابحة، وكلَّ خصم قابلا للإرباك أو الترويض.
في كتابه الشهير "فن الصفقة" (The Art of the Deal)، الصادر عام 1987، يوضح ترامب فلسفته بعبارات شديدة التبسيط والوضوح: "أنا أضع أهدافا عالية جدا، ثم أواصل الضغط والضغط والضغط حتى أحصل على ما أريده". وفي مواضع كثيرة من الكتاب، يشير إلى أهمية استخدام الغموض، والمماطلة، والضجيج الإعلامي بوصفها أدوات تفاوض بحد ذاتها، ويقول: "أحاول دائما أن أترك خصمي يفكر: مهلا، ربما يتمكن هذا الرجل فعلا من تنفيذ ما يهدد به".
ولكن قبل أن يكتب ترامب كتابه هذا، ثمة شخصية يُرمز لها بأنها شديدة التأثير في بناء هذا المزيج الإدراكي والسلوكي لدى ترامب وفي صياغة رؤيته للعالم، هو روي كوهن، المحامي المثير للجدل الذي عُرف بشراسته وقدرته على تحويل أي أزمة إلى هجوم مضاد. كان كوهن في شبابه مساعدا للسيناتور الجمهوري الشهير جوزيف مكارثي، خلال حملات التطهير السياسي العنيفة في الخمسينيات، ثم أصبح لاحقا الموجّه السياسي والقانوني لترامب في بداياته.
فبحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو" نُشر عام 2017، بدأ كوهن، منذ عام 1973، في تمثيل عائلة ترامب، بعد أن رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضدهم بتهمة ممارسات تأجير عنصرية في آلاف الشقق التي يملكونها، وبحلول ثمانينيات القرن الماضي، كان كوهين بمنزلة المُدبّر الأساسي لمناورات ترامب التي أطلقت مسيرته المهنية، حيث أصبح كوهن بالنسبة لترامب أكثر بكثير من مجرد محاميه.
وفي لحظة حاسمة لترامب، لم تكن هناك شخصية أكثر تأثيرا من كوهن. وبحسب التقرير السابق ذكره، غرس كوهن فيه ثلاث قواعد أساسية:
لا تعتذر أبدا.
لا تتراجع أبدا.
هاجِم دائما.هذه القواعد تحوّلت في عقل ترامب إلى بوصلة تفاوضية راسخة. فعندما ينتقده الصحفيون، يصفهم بالأعداء. وعندما يتباطأ الحلفاء، يهددهم بالانسحاب. وعندما يتحدى خصومه، يبدأ بتدمير قواعد اللعبة قبل أن يطلب إعادة ترتيبها.
ومن هنا نفهم لماذا يُفضِّل ترامب التفاوض المباشر على القنوات الدبلوماسية، ولماذا يميل إلى تحويل الملفات الدولية إلى عروض شخصية، فالرجل لا يثق بالمؤسسات، بل يثق بحضوره الخاص وقدرته على تحريك المعادلة من خلال المواجهة وطبيعته الشخصية.
حتى في مظهره وسلوكه العلني، يستثمر ترامب في "اللاعقلانية المدروسة". يقول دانيال دريزنر، الأستاذ في جامعة تافتس، إن ترامب "نادرا ما يكون لاعب شطرنج ثلاثي الأبعاد، بل غالبا ما يكون الرجل الذي يأكل القطع". هذا التصوّر، وإن بدا ساخرا، يعبّر عن جوهر ما يفعله ترامب في النظام العالمي الآن؛ تفكيك قواعد اللعبة نهائيا ليعيد هو بناءها، حتى لو أدى ذلك إلى تشكيل لعبة مختلفة تماما.
نتائج لا يمكن التنبؤ بها
رغم ثبات النمط التفاوضي لدى ترامب، فإن نتائجه جاءت متفاوتة بشكل صارخ بين ملف وآخر. ففي حين أحرز تقدما تكتيكيا في بعض القضايا، اصطدمت إستراتيجيته بحوائط صلبة في ملفات أخرى، إما لأن خصومه فهموا مبكرا الفلسفة التي يتحرك بها، وإما لأن شركاءه تآكلت ثقتهم في قدرته على الالتزام.
في ملف التجارة العالمية، اختار ترامب أن يبدأ بحرب شاملة وتصريحات صاخبة للغاية. فرض تعريفات جمركية مرتفعة على الحلفاء والخصوم على حدٍّ سواء، من كندا إلى الاتحاد الأوروبي إلى الصين، ثم دعا إلى مفاوضات ثنائية بدلا من النظام التجاري متعدد الأطراف، باعتبار ذلك جزءا من إستراتيجيته لإعادة "التوازن التجاري" لصالح أميركا. فعليا، نجح في تعديل بعض الاتفاقات (مثل "USMCA" مع كندا والمكسيك)، لكنها تعديلات شكلية في معظمها.
أما مع الصين، فقد تحوّلت الحرب التجارية إلى ماراثون نزيف اقتصادي متبادل، لم تنتهِ إلا بهدنة هشّة لم تعالج جوهر الخلافات البنيوية، وما زالت الضغوط القاسية مستمرة بين الطرفين تعاني منها واشنطن كما تعاني بكين. وهكذا، أنتجت هذه الإستراتيجية حالة من التوتّر المستدام دون تسوية إستراتيجية حقيقية.
وفي السياسة الأوروبية، أثمر ضغط ترامب على الناتو عن التزامات مالية إضافية بالفعل، لكن الكلفة الدبلوماسية كانت مرتفعة، حيث إن تكرار التهديد بالانسحاب جعل كثيرا من الحلفاء يتعاملون مع الإدارة الأميركية بقدر من الحذر الإستراتيجي، وبدأت برلين وباريس تبحثان، للمرة الأولى بجدية، في إمكانية بناء بنية أمنية أوروبية مستقلة عن واشنطن، وأُثيرت مؤخرا نقاشات بين برلين ولندن حول اتفاقية دفاعية ثنائية. بهذا المعنى، حصل ترامب على تنازلات، لكنه زعزع ما عُدَّ لعقود "الركيزة النفسية" لتحالف الغرب.
وفيما يتعلق بإيران، سعى ترامب إلى فرض "اتفاق نووي جديد" بشروط أميركية، مدعوما بقصف على منشآت نووية داخل إيران بعد فشل المفاوضات. ورغم هذا الضغط، فإن طهران لم تنهَر، بل صعّدت خطواتها تجاه التخلي عن التزاماتها النووية والانسحاب من اتفاقية حظر الانتشار النووي، ولم تعدْ بعدُ لحظيرة الدبلوماسية منذ أطلق نتنياهو الرصاصة الأولى في 13 يونيو/حزيران.
وهنا تكمن المفارقة التي تنتجها إستراتيجية ترامب؛ حيث ينجح أحيانا لأنه يبدو غير موثوق، ويفشل أحيانا للسبب نفسه. فما يمنحه القدرة على التهديد، يسلبه القدرة على طمأنة الطرف الآخر بأن ثمة طريقا جادّة للاتفاق.
وهكذا، فإن نموذج ترامب ليس بلا جدوى، لكنه أيضا ليس وصفة سحرية. في الملفات التي تحتاج إلى صدمة أو تفاوض سريع قد يُنتج أرباحا آنية، لكنه في الملفات المركّبة والمعتمدة على الثقة التراكمية -مثل احتواء الصعود الصيني، وإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتعديل النظام التجاري- يبدو كمَن يهدم ثم لا يقدر على إعادة البناء.
نظرية "الرجل المجنون": من نيكسون إلى ترامب
غير بعيد عن نموذج ترامب؛ تُعد "نظرية الرجل المجنون" أحد أكثر الأساليب التفاوضية إثارة للجدل في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية.
تقوم النظرية على مبدأ بسيط في ظاهره، معقّد في تطبيقه، مفادُه أنك إذا أقنعت خصمك بأنك "غير عقلاني" بما يكفي لأن تتخذ قرارات مدمّرة، فإنه مدفوعا بالخوف سيقبل بالتراجع أو التنازل لتجنّب الأسوأ، إذ إن الناس عادة يسرعون لتجنب الخسائر أكثر مما يسارعون لجني المصالح. هنا ليست القوة وحدها هي الرادع، بل الإيحاء بأن تلك القوة ليست منضبطة، وأنها تحوي مزيجا من الجنون والغموض والانفعال.
تُنسب النظرية إلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون خلال حرب فيتنام ، حين أبلغ كبير موظفيه، هاري روبنز هالدمان، أنه يريد أن يظن الفيتناميون الشماليون بأنه "مجنون فعلا" ومستعد لاستخدام السلاح النووي إذا اقتضى الأمر.
"عليك أن تُقنعهم بأنني لا أسيطر على نفسي عندما أغضب، وأنه في أي لحظة يمكن أن أضغط الزر، سيخافون وسيرضخون لنا"، هكذا قال له نيكسون وفقا لمذكرات هالدمان. ورغم أن نيكسون أنكر لاحقا أنه قال ذلك حرفيا، فإن ما نقله هالدمان ظلّ حاضرا في الذاكرة السياسية الأميركية بمنزلة أصل هذه العقيدة الغامضة.
بيد أن الفكرةَ أقدمُ من نيكسون ذاته بكثير. في كتابه "نقاشات حول ليفي"، كتب نيقولا مكيافيللي: "أحيانا يكون من الحكمة أن تتظاهر بالجنون".
هذه الفكرة تبنّاها لاحقا مفكّرون في مجال الإستراتيجية، مثل توماس شيلينغ ودانيال إلسبرغ، خلال سنوات الحرب الباردة ، حين جادلوا بأن وجود شيء من اللاعقلانية أو عدم اليقين في سلوك القادة قد يجعل الخصم أكثر حذرا من الإقدام على التصعيد. لكن معظم هؤلاء المنظّرين لم يُوصوا أبدا باستخدامها بشكل فج، بل كانوا يعتبرونها احتمالا مؤقتا ضمن ألعاب الردع.
ومع البريق الذي يبدو محيطا بهذه النظرية، فإن أداءها تاريخيا لم يكن باهرا. فنيكسون نفسه، الذي سعى لتطبيقها مع فيتنام و الاتحاد السوفياتي ، لم يجنِ منها نتائج ملموسة؛ لم تتنازل هانوي، ولم ترتبك موسكو. السبب، كما خلص عدد من الباحثين، هو أن القادة في الطرف الآخر كانوا يعرفون تماما أن "الجنون المقصود" هو مجرد تكتيك، وأن واشنطن، رغم تهديداتها، تخضع لنظام بيروقراطي معقّد، ولرأي عام يصعب تجاهله. ولذا، فإن تهديدات نيكسون، رغم صخبها، بدت بلا أنياب.
لكن الأمر تغيّر مع دونالد ترامب. فالرجل لم يتقمّص دور المجنون، بل يُنظر إليه باعتباره كذلك حقا. يشرح دانيال دريزنر، في "فورين أفيرز"، أن ما كان "تمثيلا مقصودا" لدى نيكسون، بات لدى ترامب سِمة متأصلة في شخصيته السياسية، العديد من قادة العالم، من كوريا الجنوبية إلى كندا، يتعاملون مع ترامب على أنه "فعلا غير متوقع"، لا لأنه يريد ذلك، بل لأنه كذلك فعلا.
في المقابل، تشير الباحثة روزان ماكمانوس، في أبحاثها بجامعة بن ستيت، إلى أن "نظرية الرجل المجنون" قد تنجح فقط في حالات نادرة، عندما يكون القائد غير عقلاني حول قضية محددة، لا مجنونا بشكل عام. فإذا اعتقد الخصم أن الطرف الآخر يهتم بقضية واحدة بشراسة، فقد يُصدّق تهديده. أما إذا بدا أن السلوك المجنون هو جزء من الشخصية العامة، فإن التهديد يفقد مصداقيته، لأن الطرف الآخر لن يعرف متى يتوقف هذا الجنون، ولا متى يتحقق الاستقرار.
المشكلة الكبرى إذن ليست في زرع الخوف فقط، بل في القدرة على ضبطه أيضا، حيث تقتضي نظرية "الرجل المجنون" -حتى تنجح- أن تكون هناك طمأنة موازية للتهديد ومكافئة له، أي إن القائد يجب أن يقنع خصمه بأنه إذا استجاب فسوف يحصل على استقرار أو سلام دائم يستحق التنازل.
لكن من لا يستطيع ضبط سياسة "الرجل المجنون" لا يبعث على الطمأنة، ولا يستطيع أن يبني هذه الثقة مع من حوله. ولهذا، كما لاحظ دريزنر، فشلت معظم محاولات ترامب في انتزاع تسويات نهائية، لأنه لم يكن يُنظر إليه بوصفه شخصا يمكن الوثوق به حتى بعد الوصول إلى اتفاق.
في كل الأحوال، ليس في عالم السياسة ما يُفزع أكثر من رجل يملك زمام القوة ويتقن التلويح بإطلاق أعنّتها دون رادع ولا ضابط. هكذا بدا دونالد ترامب على المسرح الدولي؛ رجلٌ يفاوِض وكأن العالم طاولة قمار، يُصعّد ثم يتراجع، يهدد ثم يساوم، يختبر الحدود بينه وبين خصومه ليس من أجل احترامها، بل لإعادة رسمها وفق ما يريد. وأيًّا ما كانت نتائج هذا النهج، المزيد من الاتفاقات أم المزيد من الحروب، فإنه سيبقى النموذج الصاعد في السياسة الأميركية لسنوات قادمة، وعلى العالم أن يُجيد فهمه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ما أهداف ترامب من قمته مع 5 رؤساء أفارقة؟
بين 9 و11 يوليو/تموز الجاري استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب 5 من الزعماء الأفارقة في قمة مصغرة ضمت رؤساء كل من الغابون و موريتانيا و ليبيريا و غينيا بيساو و السنغال ، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات بشأن مغزاها والمتوقع منها. ورغم توافق أكثر الباحثين على تذيل أفريقيا قائمة اهتمامات ترامب فإن من الملاحظ أن هذه القمة تأتي في سياق زمني شهد عددا من التحركات الدبلوماسية اللافتة لواشنطن في القارة السمراء، والتي تمتزج فيها الملفات السياسية بنظيرتها الاقتصادية. وقد سُبقت القمة بإعلان نجاح وساطة واشنطن بين كل الكونغو الديمقراطية ورواندا في 27 يونيو/حزيران الماضي، حيث استضاف ترامب وزيري خارجية البلدين لتوقيع اتفاق سلام أشار بيان الخارجية الأميركية إلى أنه سيتعدى منع تجدد الأعمال العدائية بينهما إلى إطلاق "إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي" لتوسيع التجارة والاستثمار الأجنبيين المستمدين من سلاسل توريد المعادن الحيوية الإقليمية. وقبل يومين من هذا الإعلان عُقدت في العاصمة الأنغولية لواندا قمة الأعمال الأميركية الأفريقية التي قالت الخارجية الأميركية إن مخرجاتها حققت رقما قياسيا في الصفقات والالتزامات بما قيمته 2.5 مليار دولار. لماذا تم اختيار هذه الدول؟ كعادة الغموض وعدم اليقين اللذين يرافقان تحركات الرئيس الأميركي يبدو اختيار هذه المجموعة من القادة محط جدال بين العديد من الخبراء. ويرى مدير برنامج أفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية البريطانية أليكس فانز أن من الخطأ المبالغة في تفسير قائمة الضيوف، وأنه رغم وجود بعض الدوافع الواضحة فإن هذه الاختيارات تكشف عن نهج قد يكون عشوائيا، فالزعماء المدعوون ينتمون إلى اقتصادات صغيرة نسبيا، ومعظمها ليس من أولويات واشنطن، في حين اتسمت دعوة الرئيس الليبيري بـ"الانتهازية" لأنه موجود بالفعل في الولايات المتحدة. هذا المسلك في التفسير يخالفه لاندري سينييه الزميل الأول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في مؤسسة "بروكينغز"، والذي يصف في مقال له قائمة المدعوين بأنها "خيار إستراتيجي". وباستعراضه مزايا الدول الخمس يوضح المقال التحليلي المنشور على بروكينغز ثراءها بالموارد المعدنية: فالغابون (ثاني أكبر منتج للمنغنيز في العالم) أعلن رئيسها حظرا على تصدير المنغنيز الخام اعتبارا من عام 2029 بهدف تعزيز وتنمية سلسلة قيمة محلية تتضمن استثمارا عاما وخاصا، كما أنها تحتوي على كميات كبيرة من خام الحديد والنحاس والذهب والماس. في حين تتميز ليبيريا بـ"اكتشافات رائدة لرواسب معدنية هائلة" تشمل الذهب والماس وخام الحديد، وربما الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيوديميوم، ومن المتوقع أن تجذب 3 مليارات دولار من الاستثمارات. كما تشير المصادر المتخصصة إلى امتلاك غينيا بيساو وموريتانيا والسنغال موارد طبيعية قيّمة، بما في ذلك النفط والغاز والذهب ومعادن الأرض النادرة واليورانيوم. وتتجلى أهمية هذا الجانب في وصف ترامب الدول المشاركة في القمة بأنها "أماكن نابضة بالحياة للغاية ذات أراض قيّمة للغاية، ومعادن عظيمة، ورواسب نفطية عظيمة، وشعب رائع". جانب آخر يشير إليه مقال كتبه موسى ديوب على "لي 360 أفريك" يتمثل في الجوانب الأمنية، كمكافحة الإرهاب والقرصنة في خليج غينيا والهجرة غير النظامية، حيث يندرج مواطنو الدول المدعوة ضمن قوائم ترحيل المهاجرين من الأراضي الأميركية. بالمقابل، يرى العديد من المراقبين أن غياب الدول الأفريقية الكبرى كنيجيريا يشير إلى عملية "انتقائية" تهدف واشنطن من خلالها إلى خلق نموذج لشراكات مع دول أصغر وأكثر "مرونة" سياسيا واقتصاديا. الاستثمار أولا تأتي الملفات المتعلقة بتنشيط التجارة والاستثمار على رأس أجندة القمة المصغرة، ويصف موقع سيمافور الأميركي هذه القمة بأنها أحدث خطوة في إطار توجه واسع النطاق لتركيز العلاقات الأميركية الأفريقية على الفرص التجارية والاستثمارات. نهج "التجارة بدلا من المعونة" عبر عنه بشكل جلي وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن بلاده ستدعم "الدول التي تظهر القدرة والرغبة في مساعدة نفسها"، وأن هذه الإستراتيجية الجديدة ستتحقق "من خلال إعطاء الأولوية للتجارة على المساعدات، والفرص على التبعية، والاستثمار على المساعدات". بالمقابل، أوضح مسؤول مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية تروي فيتريل أن "الدبلوماسية التجارية" ستكون محور التفاعل الأساسي مع أفريقيا، وأن تقييم جميع سفراء الولايات المتحدة في القارة السمراء يتم الآن بناء على مدى فعاليتهم في مناصرة الأعمال الأميركية وعدد الصفقات التي يُسهّلونها. تأمين سلاسل الإمداد يمثل التوجه الأميركي نحو تجاوز نقاط الضعف في سلاسل الإمداد الخاصة بالمعادن الحيوية للصناعات المستقبلية أحد المحاور الرئيسية للإستراتيجية الأميركية في أفريقيا، حيث تهدف واشنطن إلى تأمين وصول هذه المعادن إليها دون الاضطرار إلى الاعتماد على منافسيها كالصين الناشطة في هذا المجال أفريقيا. ويشير موسى ديوب إلى بعض نقاط الضعف الأميركية في هذا المجال حيث يُكرَّر أكثر من 70% من المعادن النادرة في العالم حاليا في الصين، مما يجعل قطاعات كاملة من الصناعة العالمية عموما، والصناعة الأميركية خصوصا عرضة للخطر. وقد أظهر حظر بكين الأخير على تصدير 3 معادن نادرة (الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون) بالغة الأهمية لتصنيع أشباه الموصلات وتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء والأسلحة سيطرة الصين الإستراتيجية على سلاسل التوريد العالمية. وإلى جانب ما سبق، لا تمتلك الصين الموارد المعدنية فحسب، بل تسيطر أيضا على العديد من مناجم الكوبالت والنيكل والكولتان والنحاس والليثيوم والمنغنيز، وغيرها في أفريقيا، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، وغيرها. من جانب آخر، يمثل قرار الغابون حظر تصدير خام هذا المعدن اعتبارا من 2029 جرس إنذار إلى نوع مختلف من الأخطار التي قد تهدد قدرة واشنطن على الحصول على هذه المعادن الحساسة، وداعيا لانخراطها في تطوير سلاسل القيمة بدلا من مجرد استخراج المواد الخام. وفي هذا السياق، يمكن عد هذه القمة خطوة ضمن مجموعة من الإجراءات الأميركية الاستباقية الهادفة إلى تنويع وتأمين سلاسل إمداد المعادن الحيوية الأميركية، حيث يؤدي عدم احتكار بكين قطاع التعدين في الدول الخمس فرصة مهمة للاستثمارات الأميركية الراغبة للعمل في هذا المجال. المنافسة الجيوسياسية يمثل العمل على كبح نفوذ المنافسين الدوليين لأميركا جزءا من المزيج الجامع بين الاقتصاد والصراعات الجيوسياسية على القارة الأفريقية، حيث تعمل إدارة ترامب من خلال الاستثمارات الموجهة والشراكات الإستراتيجية لا على تحقيق الأرباح فحسب، بل على مواجهة بكين من خلال بناء شبكات من التحالفات وتطوير القدرة على الوصول الحصري إلى الموارد. وتتجاوز هذه الرؤية الملفات الاقتصادية إلى الجوانب الأمنية والعسكرية، حيث يشير تحليل صادر عن مركز "التهديدات الحرجة" إلى أن الشراكة الأميركية مع الغابون وغينيا بيساو تسهم في خلق توازن مع النفوذ الصيني والروسي المتزايد على الساحل الأطلسي لأفريقيا، مستفيدة من سياسة الرئيس الغابوني برايس أوليغي أنغيما الذي حافظ على علاقات متوازنة وغير ملزمة مع الولايات المتحدة والصين. وقد شهدت السنوات الأخيرة نموا لافتا في التعاون الأمني بين غينيا بيساو وروسيا التي دربت أكثر من 5 آلاف ضابط غيني، في حين اتفق البلدان مؤخرا على رفع عدد الضباط الغينيين الدارسين سنويا في الكليات العسكرية الروسية. ويوضح التحليل المذكور أن للولايات المتحدة علاقات دفاعية سابقة مع كلا البلدين تساعد في موازنة النفوذ الصيني والروسي وتوفر أسسا لمزيد من النمو، حيث شاركت الغابون في مناورات "أوبانغيم إكسبرس" البحرية بقيادة أميركية في عامي 2017 و2024. ووقّعت غينيا بيساو اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة في عام 2023، ودعمت واشنطن بناء منشأتين جديدتين للمراقبة بالرادار في الغابون، وقدّمت المساعدة الفنية لمرافق المراقبة، وتبرعت بسفن دورية بحرية في عام 2024. مكافحة الإرهاب والهجرة لا تبدو الملفات الأمنية بعيدة عن أجندة هذه القمة، حيث تشير نوزموت غباداموزي كاتبة موجز أفريقيا في مجلة فورين بوليسي إلى أهمية منطقة الساحل المتزايدة للمصالح الأميركية المرتبطة بمكافحة الإرهاب، وقد حذر قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي من تحول الساحل إلى "نقطة اشتعال للصراع المطول" و"مركز الإرهاب في العالم". وفي هذا السياق، يسهم تعاون الولايات المتحدة مع موريتانيا والسنغال في تحقيق أهداف واشنطن باحتواء التهديدات الإرهابية المتنامية في منطقة الساحل، وعقب التغييرات الجيوسياسية التي عصفت بالمنطقة وإخراج القوات الأميركية تعمل واشنطن على تعزيز تعاونها مع الدول المحيطة بالساحل لمراقبة وكبح الجماعات الإرهابية التي قد تمتلك -وفقا للانغلي- "القدرة على مهاجمة الوطن". وبالنظر إلى أهمية الملفات المتعلقة بالهجرة غير النظامية في إستراتيجية الرئيس الأميركي فقد ينظر ترامب إلى بعض هذه الدول كشركاء جدد محتملين في جهوده لترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة، حيث زادت الهجرة الأفريقية عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك -خاصة من موريتانيا والسنغال- في السنوات الأخيرة مع تشديد أوروبا قبضتها على الهجرة. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت سرا مقترحات إلى الدول الخمس لقبول مهاجرين من دول ثالثة مرحّلين من الولايات المتحدة، وأصدرت تعليمات للدبلوماسيين الأميركيين لتوضيح أن استضافة مواطني دول ثالثة هي القضية "الأهم" بالنسبة لترامب. بالمقابل، تشير الأرقام إلى أن دولة كموريتانيا تحتل المرتبة الثانية أفريقيا من بين الدول التي تضم أكبر عدد من المواطنين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بدون وثائق رسمية، وبالتالي فإنهم معرضون لخطر الترحيل ، بواقع 3822 موريتانيا. رغم التركيز الذي انصب على الطريقة التي وصفها العديد من المراقبين بـ"غير اللائقة" في تعامل ترامب مع "نظرائه" الأفارقة وما نالته من تغطية واهتمام إعلاميين فإن هذه القمة وما سيترتب عليها تمثل أول خطوة وأول اختبار جدي أيضا للدبلوماسية الأميركية الجديدة تجاه أفريقيا القائمة على الانتقال من المعونات إلى التعاون التجاري. هذه النقلة تتوافق مع توجه متنام في القارة الأفريقية يلبي الرغبة في إعادة صياغة العلاقة مع واشنطن على أساس المنفعة المتبادلة والشراكة والاعتماد على الذات، وقد صرح الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في القمة الأخيرة للأعمال بين الولايات المتحدة وأفريقيا بأن "الوقت قد حان للاستعاضة عن منطق المساعدات بمنطق الطموح والاستثمار الخاص". من جانبه، يرى الزميل الأول في مركز الدارسات الإستراتيجية والدولية كاميرون هدسون أن هذا النهج تواجهه العديد من العقبات، يأتي في مقدمتها إحجام المستثمرين الأميركيين عن الانخراط في مشاريع بأفريقيا نتيجة الصور غير المنقوصة عنها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة التوفيق بين أولويات ترامب الداخلية والخارجية تمثل عائقا آخر لا يقل خطورة، فاستهداف العديد من الدول الأفريقية بمنع تأشيرات السفر كانت وراء تحذير وزير خارجية نيجيريا يوسف توغار من أن واشنطن قد تخسر فرصة استغلال معادن بلاده الأرضية النادرة، قائلا "نود إبرام صفقات مع الولايات المتحدة، لكن قيود التأشيرات تشكل عوائق غير جمركية أمام الصفقات". وفي السياق نفسه، يشير العديد من المراقبين إلى أن سياسات التعرفة الجمركية التي ميزت إستراتيجية ترامب التجارية الخارجية ستؤدي إلى تضرر الاقتصادات الأفريقية التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة وبالتي قد يدفعها إلى البحث عن بدائل كالصين أو غيرها، مما سيؤثر سلبا على جهود واشنطن لكبح نفوذ بكين في القارة.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
ترامب غاضب من أنصاره بسبب "رجل لا يموت أبدا"
حض الرئيس الأميركي دونالد ترامب قاعدته السياسية على التوقف عن مهاجمة إدارته بشأن ملفات تتعلق بجيفري إبستين رجل الأعمال المتهم باعتداءات جنسية والاتجار بفتيات قاصرات، بعد أن تحولت هذه القضية إلى هاجس لدى معتنقي نظريات المؤامرة. ونفت وزارة العدل الأميركية و مكتب التحقيقات الفدرالي في مذكرة نشرت الأسبوع الماضي وجود دليل على احتفاظ إبستين بـ"قائمة عملاء" أو أنه كان يبتز شخصيات نافذة. كما رفضا المزاعم بأن إبستين قُتل، مؤكديْن وفاته منتحرا في أحد سجون نيويورك عام 2019 وأنهما لن يفصحا عن أي معلومات إضافية متعلقة بالقضية. وقوبلت هذه الخطوة باستغراب بعض المؤثرين اليمينيين الذين دعم الكثير منهم ترامب لسنوات، كما وُجهت انتقادات لاذعة إلى وزيرة العدل بام بوندي ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي كاش باتيل. واستغرب ترامب في منشور مطول أمس السبت على منصته تروث سوشيال الهجوم على وزيرة العدل "التي تقوم بعمل رائع". وأضاف "نحن في فريق واحد، فريق ماغا"، في إشارة إلى حركته "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، مضيفا "لا يعجبني ما يحدث، لدينا إدارة مثالية باتت حديث العالم، وأشخاص أنانيون يحاولون الإضرار بها بسبب رجل لا يموت أبدا، جيفري إبستين". ويزعم الكثير من بين أتباع "ماغا" أن شخصيات فاعلة تنتمي إلى "الدولة العميقة" تخفي معلومات عن شركاء لإبستين من طبقة النخبة في المجتمع. وكتب أليكس جونز مؤيد ترامب والمروج لنظريات المؤامرة "بعد ذلك، ستقول وزارة العدل: في الواقع، لم يكن جيفري إبستين موجودا في الأساس، هذا فوق كل شيء مقزز". أما المؤثرة اليمينية المتطرفة لورا لومر فطالبت ترامب بإقالة بوندي بسبب هذه القضية، ووصفتها بأنها "تسبب الإحراج". لكن ترامب دافع عن بوندي، واعتبر أن ما تسمى "ملفات إبستين" ما هي إلا خدعة دبرها الحزب الديمقراطي لتحقيق مكاسب سياسية، وقال "دعونا لا نضيع الوقت والجهد على جيفري إبستين، شخص لا يبالي به أحد". ودعا الرئيس الأميركي باتيل وبوندي إلى التركيز بدلا من ذلك على ما سماها "انتخابات 2020 المزورة والمسروقة" التي خسرها أمام جو بايدن. وطالب بالسماح لمكتب التحقيقات الفدرالي بالتركيز على هذا التحقيق "بدلا من قضاء شهر تلو الآخر في البحث فقط عن نفس الوثائق القديمة حول جيفري إبستين المستلهمة من اليسار الراديكالي". ونفى ترامب -الذي ظهر في مقطع فيديو واحد على الأقل مع إبستين خلال حفلة تعود إلى عقود مضت- مزاعم عن وجود أي صلة مباشرة معه أو ورود اسمه في ملفات تتعلق بقضيته. وقال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي أمس السبت قبل ساعات من ظهور منشور ترامب "نظريات المؤامرة غير صحيحة، ولم تكن كذلك قط". وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن دان بونجينو -وهو مقدم برامج بودكاست يميني عيّنه ترامب نائبا لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي- هدد بالاستقالة بسبب طريقة تعامل الإدارة مع هذه القضية.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
وفاة عامل مكسيكي في كاليفورنيا إثر عملية دهم لإدارة الهجرة
توفي عامل مزرعة مكسيكي بعدما أُصيب بجروح خطيرة خلال عملية دهم نفذتها إدارة الهجرة الأميركية لمزارع قنب قانونية قرب من لوس أنجلوس، حسبما أفادت عائلته أمس السبت. وخلال عمليات المداهمة التي جرت الخميس في إطار حملة إدارة دونالد ترامب على الهجرة غير النظامية ، أوقف حوالي 200 شخص ووقعت اشتباكات بين عناصر إدارة الهجرة والجمارك "آيس" ومحتجين. وأطلقت عائلة العامل صفحة على منصة لجمع التبرعات لدعم أقربائه في المكسيك. ونشرت الصفحة السبت تحديثا أعلنت فيه وفاة العامل خايمي (57 عاما،) وهو أول شخص معروف يتوفى خلال إحدى عمليات إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية الجارية. وخلال العملية التي نفذتها الشرطة في مقاطعة فنتورا، على بعد ساعة بالسيارة من لوس أنجلوس، تعرض الرجل للمطاردة من قبل عناصر الهجرة، حسبما ذكرت عائلته. وكتب أحد أفراد العائلة على الصفحة ذاتها: "كان عمي خيمي مجرد مزارع بريء ومجتهد. طارده موظفو الهجرة، وقيل لنا إنه سقط من ارتفاع 9 أمتار". الرواية الرسمية من جهتها، أوضحت تريشا مكلولين وهي ناطقة باسم وزارة الأمن الداخلي، أن الرجل لم يكن ملاحقا ولا قيد الاحتجاز. وأضافت "رغم عدم ملاحقته من جانب قوات إنفاذ القانون، تسلق هذا الشخص سطح دفيئة وسقط من ارتفاع 10 أمتار واستدعت الجمارك وحرس الحدود فورا سيارة إسعاف إلى موقع الحادث لتقديم الإسعافات الأولية له في أسرع وقت ممكن". وأعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية أنه تم القبض على 200 مهاجر غير نظامي خلال عمليات دهم مواقع لزراعة الماريغوانا في كاربينتيريا وكاماريو الخميس، إضافة إلى إنقاذ 10 أطفال "من الاستغلال المحتمل والعمل القسري والاتجار بالبشر". وردت شركة "غلاس هاوس براندز" المالكة للمزارع في بيان بأنها "لم تنتهك عن علم ممارسات التوظيف المعمول بها ولم تقم بتوظيف قاصرين على الإطلاق"، وأكدت الشركة أنها ستؤمن محامين للعمال المحتجزين. وقالت وزارة الأمن الداخلي أن أكثر من 500 "مثير شغب" حاولوا عرقلة عملية الدهم. ويواجه 4 مواطنين أميركيين اتهامات بالاعتداء على عناصر أمن أو مقاومتهم. وأظهرت لقطات بثتها وسائل إعلام محلية عناصر ملثمين يرتدون ملابس مكافحة الشغب في إدارة الهجرة، يفرقون عشرات المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، كما ظهر متظاهرون يلقون مقذوفات على سيارات الشرطة. توجيهات ترامب ومساء الجمعة الماضي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سمح لعناصر إنفاذ القانون الذين "يتعرضون لقذف بالحجارة أو الطوب أو أي شكل آخر من أشكال الاعتداء، بتوقيف سيارتهم واحتجاز هؤلاء الأوغاد، باستخدام أي وسيلة ضرورية للقيام بذلك". وفي مكان الحادث، قال آرون فوينتس المشرف الذي يعمل في "غلاس هاوس" منذ عامين، إنه رأى الخميس الماضي وصول العشرات من شاحنات الهجرة. وأضاف "حددوا هوية الأشخاص للتحقق من امتلاكهم أوراقا ثبوتية، ثم وضعوهم واحدا تلو الآخر في الشاحنات. لم أرَ العملية كاملة، ولكن كان هناك عنف وسوء معاملة". وتهدد عملية الدهم هذه بإعادة إشعال التوترات، بعد شهر من مظاهرات شهدتها لوس أنجلوس ضد سياسة الهجرة التي ينتهجها ترامب والتي تحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف.