
الأديب الإسرائيلي الشهير ديفيد غروسمان يقرّ بالإبادة الجماعية ، بقلم : د. ماهر الشريف
بعد قيام منظمتين إسرائيليتين في مجال حقوق الإنسان، هما 'بتسيلم' و'أطباء من أجل حقوق الإنسان'، باتهام إسرائيل، في أواخر شهر تموز/يوليو الفائت، بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، صدر، في الثالث من شهر آب/أغسطس الجاري، بيان وقّعه عشرات المثقفين الإسرائيليين تحت عنوان 'إعلان مجتمع الثقافة: لنوقف الفظائع في غزة'، أثار جدلاً واسعاً بدعوته إلى 'وقف الحرب' وعدم ارتكاب 'جرائم حرب'، وجاء فيه: 'نجد أنفسنا، رغماً عن إرادتنا وقيمنا، وبصفتنا مواطنين في إسرائيل، شركاء في المسؤولية عن الأحداث المروّعة في غزة، ولا سيما قتل الأطفال والمدنيين، والتجويع، وتهجير السكان، والدمار العبثي للمدن' (1).
بيد أن الموقف الذي ترك أصداء واسعة في الأوساط الثقافية الغربية كان موقف الأديب الإسرائيلي ديفيد غروسمان (1954-)، الذي يُعدّ من أبرز الشخصيات الأدبية الإسرائيلية، والفائز بجائزة رئيس الوزراء للإنجاز الإبداعي، وبجائزة إسرائيل للأدب، وبعدة جوائز أخرى، ويُرشّح اسمه بانتظام لجائزة نوبل في الأدب وتُرجمت كتبه إلى لغات عديدة؛ فهذا الأديب أقرّ، مؤخراً، بأن بلده يرتكب إبادة جماعية في قطاع غزة.
إنها حرب إبادة جماعية
في مقابلة مع صحيفة 'لا ريبوبليكا' الإيطالية اليومية، وصف ديفيد غروسمان حرب إسرائيل في قطاع غزة بـ'الإبادة الجماعية' لأول مرة، وقال في هذه المقابلة، التي نُشرت يوم الجمعة، في الأول من هذا الشهر: 'لسنوات، رفضتُ استخدام مصطلح 'إبادة جماعية'، لكنني الآن لا أستطيع التوقف عن استخدامه، بعد ما قرأته في الصحف، وبعد الصور التي رأيتها، وبعد حديثي مع أشخاص كانوا هناك'. وأضاف أنه 'مضطر لرؤية ما يحدث أمام عينيه بألم شديد وقلب مكسور'. ومع أن مصطلح الإبادة الجماعية 'صادم بمجرد نطقه، ويزداد وقعه كالانهيار الجليدي ويجلب المزيد من الدمار والمعاناة،'، ومع أنه 'بذل كل ما في وسعه لتجنب وصف إسرائيل بأنها دولة إبادة جماعية'، إلا إنه 'يشعر بالأسف عندما يقرأ أرقام الضحايا في قطاع غزة، ويرى مظاهر المجاعة التي فرضتها إسرائيل'، مشيراً إلى 'أن الجمع بين كلمتي 'إسرائيل' و'المجاعة'، استناداً إلى تاريخنا، وحساسيتنا المُفترضة تجاه معاناة البشرية، والمسؤولية الأخلاقية التي لطالما أكدنا على مسؤوليتنا تجاه كل إنسان، وليس اليهود فقط… كل هذا مُدمر'.
وفي تعارض واضح مع توجهات الحكومة الإسرائيلية، قال ديفيد غروسمان إنه يظل 'مخلصاً بشدة' لفكرة الدولتين، فلسطين وإسرائيل، وذلك أساساً لأنه لا يرى 'بديلاً'، مرحباً، في هذا السياق، برغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر القادم، وعلّق على ذلك بقوله: 'أعتقد أنها فكرة جيدة، ولا أفهم الهستيريا التي استُقبلت بها في إسرائيل…من الواضح أنه لا بد من توفر شروط محددة: منع الأسلحة، وضمان انتخابات شفافة تستبعد كل من يفكر في استخدام العنف ضد إسرائيل' (2).
'إدانة الاحتلال ولكن من دون إنكار مسؤولية الفلسطينيين'
بينما عبّر ديفيد غروسمان في كتاباته، منذ سنوات، عن تحسسه معاناة الفلسطينيين التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي عليهم، فهو أكد أن هذا لا يعني 'تبني قضيتهم بصورة عمياء'. ففي مقال كتبه بعنوان: 'إسرائيل وشر التاريخ'، في حزيران/يونيو 1991، غداة حرب الخليج وقصف الصواريخ العراقية ضاحية تل أبيب، أوضح طبيعة التزام أنصار 'السلام' في إسرائيل وحدوده، ملاحظاً أن الأمر 'لا يتعلق بتبني قضية الفلسطينيين بصورة عمياء وإنما تمييز ما هو عادل في أسباب الخصم، وتحضير الرأي الإسرائيلي للاستماع إلى ما تنطوي عليه من معقولية، والانتباه إلى أن لا تستخدم الكلمات لنزع إنسانية الخصم'، ومقترحاً على الإسرائيليين والفلسطينيين ليس 'العدل المطلق، الذي يمكن أن يكون قاتلاً'، وإنما 'العدل النسبي'، القائم على 'إدانة الاحتلال والقمع الإسرائيليين، ولكن من دون إنكار مسؤولية الفلسطينيين'.
ورأى ديفيد غروسمان أن الانتفاضة الفلسطينية حملت، 'رغم دمويتها وألمها بالنسبة للطرفين'، بذرة أمل حقيقي بالتوصل إلى حل، لكن الفرصة التي انطوت عليها تم تضييعها، والمسؤولة الأولى عن ذلك هي الحكومة الإسرائيلية: 'فمن خلال ازدرائهم وعماهم السياسي، أضاع زعماؤنا الفرصة، ورفضوا، باحتقار، أن يتعاملوا بصورة جديدة مع تصريحات الزعماء الفلسطينيين، وسخروا من كل تظاهرة تعبر عن اعتدال، وسجنوا زعماء كان الحوار معهم ممكناً، وعوضاً عن تشجيع العناصر الأكثر واقعية بين الفلسطينيين، وفروا للمتطرفين أسلحة نفسية وإيديولوجية، تزيد النزاع اشتعالاً'.
وخلافاً لموقف الزعماء الإسرائيليين، راح يحدث، كما تابع، تغيير معتبر داخل الرأي العام الإسرائيلي عشية السنة الثالثة للانتفاضة، 'ليس جراء تعاطف عميق مع الفلسطينيين بقدر ما كان تعبيراً عن تململ إزاء التوتر وحالة الحرب'. وبينما استدار بعض الإسرائيليين نحو اليمين المتطرف و'أغرتهم فكرة الترانسفير غير الأخلاقية'، دعا آخرون إلى 'الانسحاب الفوري، الأحادي الجانب، وإحداث قطيعة مطلقة إزاء الأراضي المحتلة، وهي فكرة متهورة، يمكن أن تعطي الفلسطينيين كل ما يرغبون فيه من دون أن يمروا، هم أيضاً، بمرحلة مؤلمة ونيرة للتنازل، ومن دون أن تحصل إسرائيل في المقابل على ما تأمله من تسوية حكيمة'.
وأخذ غروسمان على أغلبية الفلسطينيين دعمهم، خلال الانتفاضة، قيام العراق بغزو الكويت وضمه، وتأييدهم إطلاق الصواريخ العراقية على إسرائيل، كما أخذ على اليسار الإسرائيلي اعتباره الفلسطينيين 'بمثابة أطفال لا يتحملون مسؤولية، وتقديم العذر لأفعالهم بحجة اليأس'، مقدّراً أن هذا اليأس 'كان من الممكن أن يقودهم، مثلاً، إلى رؤية أكثر واقعية للوضع'، وأن يفهموا 'أن عليهم أن يسحبوا دعمهم من ذاك الذي يسلب حرية شعب آخر، وأنه لا يمكن علاج الظلم بظلم آخر'. وخاطب الفلسطينيين بقوله: 'أنا لا أتحدث عن أن نحب بعضنا بعضاً، فالحب لن يسود فيما بيننا، بل نصنع السلام جراء تراكم مصالح'، ذلك إننا 'نحن وأنتم نتقاسم عدداً من المصالح المشتركة؛ فنحن وأنتم ندخل القرن الحادي والعشرين منهكين، ومتأخرين في تطورنا، وسكبنا أفضل ما عندنا من دم في جرح واحد، ونربّي أجيالاً من الأطفال مصابين بالعدوى…، وأنا لا أشك مطلقاً في أنكم ستغذون مثلنا الأمل في بلوغ يوم ينتهي فيه هذا النزاع فيما بيننا، وأنتم أكثر من أي شعب آخر في المنطقة ستربحون كل شيء من حل هذا النزاع' (3).
مثّلت الانتفاضة الثانية، التي أعقبت قيام حكومة إيهود باراك بتحميل ياسر عرفات مسؤولية فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية في منتجع كمب ديفيد، صدمة كبيرة لأنصار 'السلام' في إسرائيل، ومنهم ديفيد غروسمان الذي صرّح بأنه 'لا ينبغي الوثوق بالفلسطينيين'، وأعلن، في عريضة قدمها في 2 كانون الثاني/يناير 2001 ونشرتها صحيفة 'هآرتس'، 'معارضته حق العودة للاجئين الفلسطينيين'. وفي تموز/يوليو 2006، أيّد الحرب التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان، لكنه اعتبر تمديد هجوم الجيش الإسرائيلي 'غير ضروري'، وأصدر، في 10 آب /أغسطس 2006، قبل يومين من مقتل ابنه أوري في الحرب، برفقة الكاتبين عاموس عوز وأبراهام يهوشوع، نداءً في صحيفة 'هآرتس' يدعو الحكومة الإسرائيلية لقبول وقف إطلاق النار كأساس لحل تفاوضي، واصفاً استمرار العمل العسكري بأنه 'خطير وغير مُجدٍ' (4).
وفي خطاب ألقاه في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، أمام 100 ألف شخص تجمعوا في 'ساحة رابين' لإحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أكد أن الحرب التي خاضتها إسرائيل في لبنان 'بيّنت أن القوة العسكرية التي نمتلكها، في النهاية، لا يمكنها وحدها ضمان وجودنا، والأهم من ذلك كله، اكتشفنا أن إسرائيل تمر بأزمة أعمق مما كنا نخشى، في كل مجال تقريباً'.
وأضاف: 'قرر رابين التحرك لأنه أدرك، بذكاء كبير وقبل كثيرين غيره بوقت طويل، أن المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه الاستمرار في الوجود على المدى الطويل في حالة من الصراع المستعصي، لقد أدرك أن العيش في مناخ من العنف والاحتلال والإرهاب والقلق وانعدام الأمل يتطلب أكثر مما تستطيع إسرائيل تحمله، وهذا صحيح أيضاً اليوم، بل وأكثر حدة… دعونا نتوقف لحظة لننظر إلى أولئك الذين قدر لهم أن يكونوا شركاء لنا، انتخب الفلسطينيون حماس لقيادتهم، حماس ترفض التفاوض معنا، بل ترفض حتى الاعتراف بنا، ماذا عسانا أن نفعل في مثل هذا الوضع؟ هل نستمر في خنقهم مراراً وتكراراً ونستمر في قتل مئات الفلسطينيين في غزة، معظمهم من المدنيين الأبرياء مثلنا؟ نقتلهم ونُقتل إلى الأبد؟ سيد أولمرت [رئيس الوزراء آنذاك]، تحدث إلى الفلسطينيين، من فوق رؤوس حماس، إلى معتدليهم الذين، مثلي ومثلك، يعارضون حماس وأفعالها، تحدث إلى الشعب الفلسطيني، وتحدث عن أحزانه وجراحه، واعترف بالمعاناة التي يتحملها. بالطبع، الفلسطينيون مسؤولون أيضاً عن هذا المأزق، بالطبع، لعبوا دوراً في إفشال عملية السلام، لكن انظر إليهم من زاوية أخرى، لا تنظر فقط إلى المتطرفين منهم، بل إلى الذين يشاركوننا المصالح نفسها، انظر إلى الأغلبية العظمى من هذا الشعب التعيس، الذي يرتبط مصيره بمصيرنا، شئنا أم أبينا' (5).
في الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل، على أنقاض فلسطين، شبّه ديفيد غروسمان، في حديث أجرته معه مجلة 'لو نوفيل أوبسرفاتور' الفرنسية، في 19 نيسان/أبريل 2018، قيام هذه الدولة بـ 'المعجزة'، ورّد عن سؤال بخصوص تقييمه لبلاده بقوله: 'لنبدأ بما نفخر به؛ لو سألت جدي، قبل سبعين عاماً، عما إذا كان يعتقد أنه من الممكن لليهود أن يكون لهم دولة يوماً ما، لظنك مجنوناً. اليوم، لنا مكان في العالم، واللغة العبرية تزدهر في لهجات متعددة؛ بعد الحرب العالمية الثانية ومحرقة الهولوكوست، تمكّنا من إنشاء هذا المكان والدفاع عنه' (6).
ديفيد غروسمان إزاء السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023
في 24 تموز/يوليو 2023، دعا ديفيد غروسمان إلى بذل الجهود 'من أجل التوصل إلى اتفاقيات سلام مع جيراننا الأعداء، حتى لا نُعرّض أنفسنا لحرب جديدة'. وفي آب/أغسطس 2023، وفي ظل المظاهرات الاحتجاجية الحاشدة المناهضة لمشروع الإصلاح القضائي، حذر من الضعف الذي أصاب الإسرائيليين ومن الخوف الذي صار ينتابهم، وكتب: 'لأول مرة منذ سنوات، بدأ الإسرائيليون يشعرون بمعنى الضعف، لأول مرة، ربما منذ حرب يوم الغفران [سنة 1973] نسمع رنيناً خفيفاً من الخوف الوجودي يتردد في رؤوسنا، الخوف الذي يشعر به من لا يستقر مصيرهم بالكامل في أيديهم، الخوف الذي يشعر به الضعفاء'، ووصف إسرائيل 'أحد أجمل البلدان في العالم' بـ 'جسد مريض'، مندداً بالأوضاع السياسية التي تهدد 'ببيع التعهد الأكثر قيمة، وهو الوطن القومي للشعب اليهودي' (7).
تسبب هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بصدمة غير مسبوقة لدفيد غروسمان، الذي نشر في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقالاً بعنوان: 'نصب تذكاري لضحايا مذبحة 7 أكتوبر في إسرائيل'، تبنى فيه الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث ذلك اليوم، وجاء فيه: 'مرّ أربعون يوماً على ذلك السبت الذي لقي فيه مئات الرجال والنساء والرضع والأطفال وكبار السن حتفهم. في حمى الكراهية والشر، ذبح إرهابيو حماس عائلات في منازلها، الآباء والأمهات أمام أعين أطفالهم، والأطفال أمام آبائهم، اغتصبوا وقتلوا، طاردوا الراقصين الأبرياء في حفل راقص، وأطلقوا النار عليهم ببهجة صياد، أو كما لو كانوا أهدافًا في لعبة فيديو' (8).
في الأول من آذار/مارس 2024، نشر ديفيد غروسمان مقالاً في صحيفة 'نيويورك تايمز'، بعنوان: 'إسرائيل تسقط في هاوية'، حافظ فيه على تبنيه الرواية الإسرائيلية الرسمية عن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكنه عبّر فيه عن إحساسه بوجود 'الآخر' الفلسطيني. ففي ذلك المقال، أشار غروسمان إلى أن إسرائيل، 'بعد قرابة خمسة أشهر من المجزرة، تشعر بالخوف، والصدمة، والغضب، والحزن، والإذلال، والانتقام'، معتبراً أن اليأس العميق الذي شعر به معظم الإسرائيليين يعود إلى الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه: 'إنه وضع أمة مضطهدة بلا حماية، أمة، على الرغم من إنجازاتها الهائلة في مجالات عديدة، لا تزال في أعماقها أمة لاجئين، مُشبعة باحتمال الاقتلاع من جذورها، حتى بعد قرابة 76 عاماً من السيادة'، ولا تزال إسرائيل 'هي الدولة الوحيدة في العالم التي يُطالب بزوالها علانيةً'.
وأضاف 'من سنكون – بصفتنا إسرائيليين وفلسطينيين – عندما تنتهي هذه الحرب الطويلة والقاسية؟ لن تبقى ذكرى الفظائع التي يرتكبها كلٌّ منا في حق الآخر بيننا لسنوات طويلة فحسب، بل أيضاً، كما نعلم جميعاً، بمجرد أن تتاح لحماس الفرصة، ستُنفذ بسرعة الهدف المنصوص عليه بوضوح في ميثاقها الأصلي: ألا وهو الواجب الديني المتمثل في تدمير إسرائيل؛ كيف إذن يُمكننا توقيع معاهدة سلام مع عدو كهذا؟ ومع ذلك، ما الخيار المتاح لنا؟ سيُحاسب الفلسطينيون أنفسهم. وأنا كإسرائيلي، أتساءل أي نوع من الناس سنكون في نهاية الحرب، إلى أين سنُوجّه ذنبنا – إن كنا نملك الشجاعة الكافية للشعور به – لما ارتكبناه بحق الفلسطينيين الأبرياء؟ إلى آلاف الأطفال الذين قتلناهم، إلى العائلات التي دمّرناها؟…لعلّ الاعتراف باستحالة كسب هذه الحرب، وأننا، علاوة على ذلك، لا نستطيع الحفاظ على الاحتلال إلى أجل غير مسمى، سيُجبر الجانبين على قبول حل الدولتين، الذي، رغم عيوبه ومخاطره (وخصوصاً خطر سيطرة حماس على فلسطين عبر انتخابات ديمقراطية)، لا يزال الحل الوحيد الممكن. هذا هو الوقت المناسب أيضاً للدول القادرة على التأثير على الجانبين لاستغلاله، ليس هذا وقت السياسة الضيقة والدبلوماسية الساخرة، إنها لحظة نادرة حيث تمتلك موجة صدمة كتلك التي شهدناها في السابع من أكتوبر القدرة على إعادة تشكيل الواقع' (9).
في الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر، أُجريت عدة مقابلات صحفية مع ديفيد غروسمان، فأبدى، في مقابلة مع صحيفة 'ليبراسيون' الباريسية، نُشرت في 5 تشرين الأول 2024، دهشته من حقيقة أن كل رئيس أميركي يصل إلى البيت الأبيض يعلن 'أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الوجود'، مقدّراً ان إسرائيل وحدها، من بين جميع دول العالم، 'تعاني من هذا الوضع العبثي: فهي الدولة الوحيدة التي لا تزال 'شرعيتها'، الضرورية لوجود مستقر، غير معترف بها من قِبل الآخرين، بعد ستة وسبعين عاماً من السيادة'، وملاحظاً 'أن الشعارات التي تُردد الآن في المظاهرات الحاشدة، وفي حرم الجامعات حول العالم، وفي افتتاحيات الصحف – شعارات 'الموت لإسرائيل!' أو 'فلسطين من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن!' – تُظهر أن أعداء إسرائيل، من أعماق هذه الهاوية، لا يكتفون بانتقاد أفعالها – وهو انتقاد مُبرر أحياناً – بل ينكرون عليها الحق الذي يعترفون به لأي دولة أخرى: وهو وجود كامل، غير متنازع عليه، ودائم' (10).
من أين تنبع تناقضات أنصار 'السلام' الصهيونيين؟
بعد سقوط أكثر من 60000 شهيد وشهيدة، جراء القتل أو التجويع، وتدمير مدن قطاع غزة ومخيماته، وتعطيل كل بناه التحتية ومرافقه الحيوية، شهد ديفيد غروسمان صحوة ضمير باعترافه بأن إسرائيل ترتكب في حربها على قطاع غزة إبادة جماعية، وذلك بعد أن كان قد تبنى الرواية الرسمية الإسرائيلية لهجوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وما رافقها من مزاعم ثبت عدم صحتها، وأخرج ذلك الهجوم من سياقه التاريخي، أي من سياق مقاومة طويلة لمشروع استعمار استيطاني إحلالي، حتى وإن تخللته أعمال يمكن إدانتها والتشكيك في 'قيمتها الأخلاقية' على حد تعبير إيلان بابه.
والواقع، أن مواقف ديفيد غروسمان، وغيره من أنصار 'السلام' الصهيونيين، تنطوي على تناقضات تنبع من عدم اعترافهم بـ 'الخطيئة الأصلية' للصهيونية، ذلك إن مأساة الشعب الفلسطيني لم تبدأ في سنة 1967، بل بدأت في سنة 1948.
يجمع المعبرون عن تيارات الصهيونية المختلفة على شرعية قيام دولة يهودية في فلسطين؛ وإذا كان أنصار التيار الغالب يربط هذه الشرعية بـ 'الحق التاريخي'، أو بـ 'الوعد الإلهي'، أو بـ 'العمل على تطوير الأرض المقفرة والمتروكة'، فإن هناك تياراً أقلوياً، ينتمي إليه ديفيد غروسمان، يربط هذه الشرعية بالمحنة التي حلت باليهود جراء المحرقة النازية، معتبراً أن ليس للفعل الصهيوني سوى 'تبرير موضوعي واحد' هو إنقاذ اليهود من المحرقة النازية؛ من الصحيح أن الصهيونية ارتبطت بإجحاف بحق سكان فلسطين العرب، إلا أن هذا الإجحاف كان 'شرطاً ضرورياً' لم يكن في وسعها من دونه إقامة دولة لليهود الملاحقين.
ويميّز أنصار هذا التيار الأقلوي بين الأراضي التي أقيمت عليها الدولة في سنة 1948 وبين الأراضي التي احتلت في سنة 1967، بحيث يضفون الشرعية على 'تهويد' يافا أو الرملة بينما يعارضون 'تهويد' نابلس أو رام الله، ويقبلون مبدأ قيام دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، على أراضي سنة 1967 ولكن مع رفض التخلي عن القدس المحتلة، كما يتفق أنصار هذا التيار مع أنصار التيار الغالب على رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم ، وعلى اعتبار أن الصهيونية لا تتحمل مسؤولية ولادة مشكلة هؤلاء اللاجئين، ذلك إن الحكومات العربية هي، في نظرهم، التي أمرت هؤلاء السكان بمغادرة قراهم ومدنهم، وفتح الطريق أمام الجيوش العربية المتقدمة كي تتمكن من القضاء على دولة اليهود الوليدة، وهي التي رفضت فيما بعد حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كي تستمر في استغلالها سياسياً، ناهيك عن أن ما جرى في حقيقة الأمر هو عملية 'تبادل سكاني' بين أعداد متماثلة من العرب واليهود؛ فالعرب هربوا خوفاً من الحرب، بينما طُرد اليهود من الدول العربية في أعقاب تلك الحرب! – باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة أنباء شفا
منذ 4 أيام
- شبكة أنباء شفا
الأديب الإسرائيلي الشهير ديفيد غروسمان يقرّ بالإبادة الجماعية ، بقلم : د. ماهر الشريف
الأديب الإسرائيلي الشهير ديفيد غروسمان يقرّ بالإبادة الجماعية ، بقلم : د. ماهر الشريف بعد قيام منظمتين إسرائيليتين في مجال حقوق الإنسان، هما 'بتسيلم' و'أطباء من أجل حقوق الإنسان'، باتهام إسرائيل، في أواخر شهر تموز/يوليو الفائت، بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، صدر، في الثالث من شهر آب/أغسطس الجاري، بيان وقّعه عشرات المثقفين الإسرائيليين تحت عنوان 'إعلان مجتمع الثقافة: لنوقف الفظائع في غزة'، أثار جدلاً واسعاً بدعوته إلى 'وقف الحرب' وعدم ارتكاب 'جرائم حرب'، وجاء فيه: 'نجد أنفسنا، رغماً عن إرادتنا وقيمنا، وبصفتنا مواطنين في إسرائيل، شركاء في المسؤولية عن الأحداث المروّعة في غزة، ولا سيما قتل الأطفال والمدنيين، والتجويع، وتهجير السكان، والدمار العبثي للمدن' (1). بيد أن الموقف الذي ترك أصداء واسعة في الأوساط الثقافية الغربية كان موقف الأديب الإسرائيلي ديفيد غروسمان (1954-)، الذي يُعدّ من أبرز الشخصيات الأدبية الإسرائيلية، والفائز بجائزة رئيس الوزراء للإنجاز الإبداعي، وبجائزة إسرائيل للأدب، وبعدة جوائز أخرى، ويُرشّح اسمه بانتظام لجائزة نوبل في الأدب وتُرجمت كتبه إلى لغات عديدة؛ فهذا الأديب أقرّ، مؤخراً، بأن بلده يرتكب إبادة جماعية في قطاع غزة. إنها حرب إبادة جماعية في مقابلة مع صحيفة 'لا ريبوبليكا' الإيطالية اليومية، وصف ديفيد غروسمان حرب إسرائيل في قطاع غزة بـ'الإبادة الجماعية' لأول مرة، وقال في هذه المقابلة، التي نُشرت يوم الجمعة، في الأول من هذا الشهر: 'لسنوات، رفضتُ استخدام مصطلح 'إبادة جماعية'، لكنني الآن لا أستطيع التوقف عن استخدامه، بعد ما قرأته في الصحف، وبعد الصور التي رأيتها، وبعد حديثي مع أشخاص كانوا هناك'. وأضاف أنه 'مضطر لرؤية ما يحدث أمام عينيه بألم شديد وقلب مكسور'. ومع أن مصطلح الإبادة الجماعية 'صادم بمجرد نطقه، ويزداد وقعه كالانهيار الجليدي ويجلب المزيد من الدمار والمعاناة،'، ومع أنه 'بذل كل ما في وسعه لتجنب وصف إسرائيل بأنها دولة إبادة جماعية'، إلا إنه 'يشعر بالأسف عندما يقرأ أرقام الضحايا في قطاع غزة، ويرى مظاهر المجاعة التي فرضتها إسرائيل'، مشيراً إلى 'أن الجمع بين كلمتي 'إسرائيل' و'المجاعة'، استناداً إلى تاريخنا، وحساسيتنا المُفترضة تجاه معاناة البشرية، والمسؤولية الأخلاقية التي لطالما أكدنا على مسؤوليتنا تجاه كل إنسان، وليس اليهود فقط… كل هذا مُدمر'. وفي تعارض واضح مع توجهات الحكومة الإسرائيلية، قال ديفيد غروسمان إنه يظل 'مخلصاً بشدة' لفكرة الدولتين، فلسطين وإسرائيل، وذلك أساساً لأنه لا يرى 'بديلاً'، مرحباً، في هذا السياق، برغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر القادم، وعلّق على ذلك بقوله: 'أعتقد أنها فكرة جيدة، ولا أفهم الهستيريا التي استُقبلت بها في إسرائيل…من الواضح أنه لا بد من توفر شروط محددة: منع الأسلحة، وضمان انتخابات شفافة تستبعد كل من يفكر في استخدام العنف ضد إسرائيل' (2). 'إدانة الاحتلال ولكن من دون إنكار مسؤولية الفلسطينيين' بينما عبّر ديفيد غروسمان في كتاباته، منذ سنوات، عن تحسسه معاناة الفلسطينيين التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي عليهم، فهو أكد أن هذا لا يعني 'تبني قضيتهم بصورة عمياء'. ففي مقال كتبه بعنوان: 'إسرائيل وشر التاريخ'، في حزيران/يونيو 1991، غداة حرب الخليج وقصف الصواريخ العراقية ضاحية تل أبيب، أوضح طبيعة التزام أنصار 'السلام' في إسرائيل وحدوده، ملاحظاً أن الأمر 'لا يتعلق بتبني قضية الفلسطينيين بصورة عمياء وإنما تمييز ما هو عادل في أسباب الخصم، وتحضير الرأي الإسرائيلي للاستماع إلى ما تنطوي عليه من معقولية، والانتباه إلى أن لا تستخدم الكلمات لنزع إنسانية الخصم'، ومقترحاً على الإسرائيليين والفلسطينيين ليس 'العدل المطلق، الذي يمكن أن يكون قاتلاً'، وإنما 'العدل النسبي'، القائم على 'إدانة الاحتلال والقمع الإسرائيليين، ولكن من دون إنكار مسؤولية الفلسطينيين'. ورأى ديفيد غروسمان أن الانتفاضة الفلسطينية حملت، 'رغم دمويتها وألمها بالنسبة للطرفين'، بذرة أمل حقيقي بالتوصل إلى حل، لكن الفرصة التي انطوت عليها تم تضييعها، والمسؤولة الأولى عن ذلك هي الحكومة الإسرائيلية: 'فمن خلال ازدرائهم وعماهم السياسي، أضاع زعماؤنا الفرصة، ورفضوا، باحتقار، أن يتعاملوا بصورة جديدة مع تصريحات الزعماء الفلسطينيين، وسخروا من كل تظاهرة تعبر عن اعتدال، وسجنوا زعماء كان الحوار معهم ممكناً، وعوضاً عن تشجيع العناصر الأكثر واقعية بين الفلسطينيين، وفروا للمتطرفين أسلحة نفسية وإيديولوجية، تزيد النزاع اشتعالاً'. وخلافاً لموقف الزعماء الإسرائيليين، راح يحدث، كما تابع، تغيير معتبر داخل الرأي العام الإسرائيلي عشية السنة الثالثة للانتفاضة، 'ليس جراء تعاطف عميق مع الفلسطينيين بقدر ما كان تعبيراً عن تململ إزاء التوتر وحالة الحرب'. وبينما استدار بعض الإسرائيليين نحو اليمين المتطرف و'أغرتهم فكرة الترانسفير غير الأخلاقية'، دعا آخرون إلى 'الانسحاب الفوري، الأحادي الجانب، وإحداث قطيعة مطلقة إزاء الأراضي المحتلة، وهي فكرة متهورة، يمكن أن تعطي الفلسطينيين كل ما يرغبون فيه من دون أن يمروا، هم أيضاً، بمرحلة مؤلمة ونيرة للتنازل، ومن دون أن تحصل إسرائيل في المقابل على ما تأمله من تسوية حكيمة'. وأخذ غروسمان على أغلبية الفلسطينيين دعمهم، خلال الانتفاضة، قيام العراق بغزو الكويت وضمه، وتأييدهم إطلاق الصواريخ العراقية على إسرائيل، كما أخذ على اليسار الإسرائيلي اعتباره الفلسطينيين 'بمثابة أطفال لا يتحملون مسؤولية، وتقديم العذر لأفعالهم بحجة اليأس'، مقدّراً أن هذا اليأس 'كان من الممكن أن يقودهم، مثلاً، إلى رؤية أكثر واقعية للوضع'، وأن يفهموا 'أن عليهم أن يسحبوا دعمهم من ذاك الذي يسلب حرية شعب آخر، وأنه لا يمكن علاج الظلم بظلم آخر'. وخاطب الفلسطينيين بقوله: 'أنا لا أتحدث عن أن نحب بعضنا بعضاً، فالحب لن يسود فيما بيننا، بل نصنع السلام جراء تراكم مصالح'، ذلك إننا 'نحن وأنتم نتقاسم عدداً من المصالح المشتركة؛ فنحن وأنتم ندخل القرن الحادي والعشرين منهكين، ومتأخرين في تطورنا، وسكبنا أفضل ما عندنا من دم في جرح واحد، ونربّي أجيالاً من الأطفال مصابين بالعدوى…، وأنا لا أشك مطلقاً في أنكم ستغذون مثلنا الأمل في بلوغ يوم ينتهي فيه هذا النزاع فيما بيننا، وأنتم أكثر من أي شعب آخر في المنطقة ستربحون كل شيء من حل هذا النزاع' (3). مثّلت الانتفاضة الثانية، التي أعقبت قيام حكومة إيهود باراك بتحميل ياسر عرفات مسؤولية فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية في منتجع كمب ديفيد، صدمة كبيرة لأنصار 'السلام' في إسرائيل، ومنهم ديفيد غروسمان الذي صرّح بأنه 'لا ينبغي الوثوق بالفلسطينيين'، وأعلن، في عريضة قدمها في 2 كانون الثاني/يناير 2001 ونشرتها صحيفة 'هآرتس'، 'معارضته حق العودة للاجئين الفلسطينيين'. وفي تموز/يوليو 2006، أيّد الحرب التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان، لكنه اعتبر تمديد هجوم الجيش الإسرائيلي 'غير ضروري'، وأصدر، في 10 آب /أغسطس 2006، قبل يومين من مقتل ابنه أوري في الحرب، برفقة الكاتبين عاموس عوز وأبراهام يهوشوع، نداءً في صحيفة 'هآرتس' يدعو الحكومة الإسرائيلية لقبول وقف إطلاق النار كأساس لحل تفاوضي، واصفاً استمرار العمل العسكري بأنه 'خطير وغير مُجدٍ' (4). وفي خطاب ألقاه في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، أمام 100 ألف شخص تجمعوا في 'ساحة رابين' لإحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أكد أن الحرب التي خاضتها إسرائيل في لبنان 'بيّنت أن القوة العسكرية التي نمتلكها، في النهاية، لا يمكنها وحدها ضمان وجودنا، والأهم من ذلك كله، اكتشفنا أن إسرائيل تمر بأزمة أعمق مما كنا نخشى، في كل مجال تقريباً'. وأضاف: 'قرر رابين التحرك لأنه أدرك، بذكاء كبير وقبل كثيرين غيره بوقت طويل، أن المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه الاستمرار في الوجود على المدى الطويل في حالة من الصراع المستعصي، لقد أدرك أن العيش في مناخ من العنف والاحتلال والإرهاب والقلق وانعدام الأمل يتطلب أكثر مما تستطيع إسرائيل تحمله، وهذا صحيح أيضاً اليوم، بل وأكثر حدة… دعونا نتوقف لحظة لننظر إلى أولئك الذين قدر لهم أن يكونوا شركاء لنا، انتخب الفلسطينيون حماس لقيادتهم، حماس ترفض التفاوض معنا، بل ترفض حتى الاعتراف بنا، ماذا عسانا أن نفعل في مثل هذا الوضع؟ هل نستمر في خنقهم مراراً وتكراراً ونستمر في قتل مئات الفلسطينيين في غزة، معظمهم من المدنيين الأبرياء مثلنا؟ نقتلهم ونُقتل إلى الأبد؟ سيد أولمرت [رئيس الوزراء آنذاك]، تحدث إلى الفلسطينيين، من فوق رؤوس حماس، إلى معتدليهم الذين، مثلي ومثلك، يعارضون حماس وأفعالها، تحدث إلى الشعب الفلسطيني، وتحدث عن أحزانه وجراحه، واعترف بالمعاناة التي يتحملها. بالطبع، الفلسطينيون مسؤولون أيضاً عن هذا المأزق، بالطبع، لعبوا دوراً في إفشال عملية السلام، لكن انظر إليهم من زاوية أخرى، لا تنظر فقط إلى المتطرفين منهم، بل إلى الذين يشاركوننا المصالح نفسها، انظر إلى الأغلبية العظمى من هذا الشعب التعيس، الذي يرتبط مصيره بمصيرنا، شئنا أم أبينا' (5). في الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل، على أنقاض فلسطين، شبّه ديفيد غروسمان، في حديث أجرته معه مجلة 'لو نوفيل أوبسرفاتور' الفرنسية، في 19 نيسان/أبريل 2018، قيام هذه الدولة بـ 'المعجزة'، ورّد عن سؤال بخصوص تقييمه لبلاده بقوله: 'لنبدأ بما نفخر به؛ لو سألت جدي، قبل سبعين عاماً، عما إذا كان يعتقد أنه من الممكن لليهود أن يكون لهم دولة يوماً ما، لظنك مجنوناً. اليوم، لنا مكان في العالم، واللغة العبرية تزدهر في لهجات متعددة؛ بعد الحرب العالمية الثانية ومحرقة الهولوكوست، تمكّنا من إنشاء هذا المكان والدفاع عنه' (6). ديفيد غروسمان إزاء السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في 24 تموز/يوليو 2023، دعا ديفيد غروسمان إلى بذل الجهود 'من أجل التوصل إلى اتفاقيات سلام مع جيراننا الأعداء، حتى لا نُعرّض أنفسنا لحرب جديدة'. وفي آب/أغسطس 2023، وفي ظل المظاهرات الاحتجاجية الحاشدة المناهضة لمشروع الإصلاح القضائي، حذر من الضعف الذي أصاب الإسرائيليين ومن الخوف الذي صار ينتابهم، وكتب: 'لأول مرة منذ سنوات، بدأ الإسرائيليون يشعرون بمعنى الضعف، لأول مرة، ربما منذ حرب يوم الغفران [سنة 1973] نسمع رنيناً خفيفاً من الخوف الوجودي يتردد في رؤوسنا، الخوف الذي يشعر به من لا يستقر مصيرهم بالكامل في أيديهم، الخوف الذي يشعر به الضعفاء'، ووصف إسرائيل 'أحد أجمل البلدان في العالم' بـ 'جسد مريض'، مندداً بالأوضاع السياسية التي تهدد 'ببيع التعهد الأكثر قيمة، وهو الوطن القومي للشعب اليهودي' (7). تسبب هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بصدمة غير مسبوقة لدفيد غروسمان، الذي نشر في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقالاً بعنوان: 'نصب تذكاري لضحايا مذبحة 7 أكتوبر في إسرائيل'، تبنى فيه الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث ذلك اليوم، وجاء فيه: 'مرّ أربعون يوماً على ذلك السبت الذي لقي فيه مئات الرجال والنساء والرضع والأطفال وكبار السن حتفهم. في حمى الكراهية والشر، ذبح إرهابيو حماس عائلات في منازلها، الآباء والأمهات أمام أعين أطفالهم، والأطفال أمام آبائهم، اغتصبوا وقتلوا، طاردوا الراقصين الأبرياء في حفل راقص، وأطلقوا النار عليهم ببهجة صياد، أو كما لو كانوا أهدافًا في لعبة فيديو' (8). في الأول من آذار/مارس 2024، نشر ديفيد غروسمان مقالاً في صحيفة 'نيويورك تايمز'، بعنوان: 'إسرائيل تسقط في هاوية'، حافظ فيه على تبنيه الرواية الإسرائيلية الرسمية عن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكنه عبّر فيه عن إحساسه بوجود 'الآخر' الفلسطيني. ففي ذلك المقال، أشار غروسمان إلى أن إسرائيل، 'بعد قرابة خمسة أشهر من المجزرة، تشعر بالخوف، والصدمة، والغضب، والحزن، والإذلال، والانتقام'، معتبراً أن اليأس العميق الذي شعر به معظم الإسرائيليين يعود إلى الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه: 'إنه وضع أمة مضطهدة بلا حماية، أمة، على الرغم من إنجازاتها الهائلة في مجالات عديدة، لا تزال في أعماقها أمة لاجئين، مُشبعة باحتمال الاقتلاع من جذورها، حتى بعد قرابة 76 عاماً من السيادة'، ولا تزال إسرائيل 'هي الدولة الوحيدة في العالم التي يُطالب بزوالها علانيةً'. وأضاف 'من سنكون – بصفتنا إسرائيليين وفلسطينيين – عندما تنتهي هذه الحرب الطويلة والقاسية؟ لن تبقى ذكرى الفظائع التي يرتكبها كلٌّ منا في حق الآخر بيننا لسنوات طويلة فحسب، بل أيضاً، كما نعلم جميعاً، بمجرد أن تتاح لحماس الفرصة، ستُنفذ بسرعة الهدف المنصوص عليه بوضوح في ميثاقها الأصلي: ألا وهو الواجب الديني المتمثل في تدمير إسرائيل؛ كيف إذن يُمكننا توقيع معاهدة سلام مع عدو كهذا؟ ومع ذلك، ما الخيار المتاح لنا؟ سيُحاسب الفلسطينيون أنفسهم. وأنا كإسرائيلي، أتساءل أي نوع من الناس سنكون في نهاية الحرب، إلى أين سنُوجّه ذنبنا – إن كنا نملك الشجاعة الكافية للشعور به – لما ارتكبناه بحق الفلسطينيين الأبرياء؟ إلى آلاف الأطفال الذين قتلناهم، إلى العائلات التي دمّرناها؟…لعلّ الاعتراف باستحالة كسب هذه الحرب، وأننا، علاوة على ذلك، لا نستطيع الحفاظ على الاحتلال إلى أجل غير مسمى، سيُجبر الجانبين على قبول حل الدولتين، الذي، رغم عيوبه ومخاطره (وخصوصاً خطر سيطرة حماس على فلسطين عبر انتخابات ديمقراطية)، لا يزال الحل الوحيد الممكن. هذا هو الوقت المناسب أيضاً للدول القادرة على التأثير على الجانبين لاستغلاله، ليس هذا وقت السياسة الضيقة والدبلوماسية الساخرة، إنها لحظة نادرة حيث تمتلك موجة صدمة كتلك التي شهدناها في السابع من أكتوبر القدرة على إعادة تشكيل الواقع' (9). في الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر، أُجريت عدة مقابلات صحفية مع ديفيد غروسمان، فأبدى، في مقابلة مع صحيفة 'ليبراسيون' الباريسية، نُشرت في 5 تشرين الأول 2024، دهشته من حقيقة أن كل رئيس أميركي يصل إلى البيت الأبيض يعلن 'أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الوجود'، مقدّراً ان إسرائيل وحدها، من بين جميع دول العالم، 'تعاني من هذا الوضع العبثي: فهي الدولة الوحيدة التي لا تزال 'شرعيتها'، الضرورية لوجود مستقر، غير معترف بها من قِبل الآخرين، بعد ستة وسبعين عاماً من السيادة'، وملاحظاً 'أن الشعارات التي تُردد الآن في المظاهرات الحاشدة، وفي حرم الجامعات حول العالم، وفي افتتاحيات الصحف – شعارات 'الموت لإسرائيل!' أو 'فلسطين من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن!' – تُظهر أن أعداء إسرائيل، من أعماق هذه الهاوية، لا يكتفون بانتقاد أفعالها – وهو انتقاد مُبرر أحياناً – بل ينكرون عليها الحق الذي يعترفون به لأي دولة أخرى: وهو وجود كامل، غير متنازع عليه، ودائم' (10). من أين تنبع تناقضات أنصار 'السلام' الصهيونيين؟ بعد سقوط أكثر من 60000 شهيد وشهيدة، جراء القتل أو التجويع، وتدمير مدن قطاع غزة ومخيماته، وتعطيل كل بناه التحتية ومرافقه الحيوية، شهد ديفيد غروسمان صحوة ضمير باعترافه بأن إسرائيل ترتكب في حربها على قطاع غزة إبادة جماعية، وذلك بعد أن كان قد تبنى الرواية الرسمية الإسرائيلية لهجوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وما رافقها من مزاعم ثبت عدم صحتها، وأخرج ذلك الهجوم من سياقه التاريخي، أي من سياق مقاومة طويلة لمشروع استعمار استيطاني إحلالي، حتى وإن تخللته أعمال يمكن إدانتها والتشكيك في 'قيمتها الأخلاقية' على حد تعبير إيلان بابه. والواقع، أن مواقف ديفيد غروسمان، وغيره من أنصار 'السلام' الصهيونيين، تنطوي على تناقضات تنبع من عدم اعترافهم بـ 'الخطيئة الأصلية' للصهيونية، ذلك إن مأساة الشعب الفلسطيني لم تبدأ في سنة 1967، بل بدأت في سنة 1948. يجمع المعبرون عن تيارات الصهيونية المختلفة على شرعية قيام دولة يهودية في فلسطين؛ وإذا كان أنصار التيار الغالب يربط هذه الشرعية بـ 'الحق التاريخي'، أو بـ 'الوعد الإلهي'، أو بـ 'العمل على تطوير الأرض المقفرة والمتروكة'، فإن هناك تياراً أقلوياً، ينتمي إليه ديفيد غروسمان، يربط هذه الشرعية بالمحنة التي حلت باليهود جراء المحرقة النازية، معتبراً أن ليس للفعل الصهيوني سوى 'تبرير موضوعي واحد' هو إنقاذ اليهود من المحرقة النازية؛ من الصحيح أن الصهيونية ارتبطت بإجحاف بحق سكان فلسطين العرب، إلا أن هذا الإجحاف كان 'شرطاً ضرورياً' لم يكن في وسعها من دونه إقامة دولة لليهود الملاحقين. ويميّز أنصار هذا التيار الأقلوي بين الأراضي التي أقيمت عليها الدولة في سنة 1948 وبين الأراضي التي احتلت في سنة 1967، بحيث يضفون الشرعية على 'تهويد' يافا أو الرملة بينما يعارضون 'تهويد' نابلس أو رام الله، ويقبلون مبدأ قيام دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، على أراضي سنة 1967 ولكن مع رفض التخلي عن القدس المحتلة، كما يتفق أنصار هذا التيار مع أنصار التيار الغالب على رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم ، وعلى اعتبار أن الصهيونية لا تتحمل مسؤولية ولادة مشكلة هؤلاء اللاجئين، ذلك إن الحكومات العربية هي، في نظرهم، التي أمرت هؤلاء السكان بمغادرة قراهم ومدنهم، وفتح الطريق أمام الجيوش العربية المتقدمة كي تتمكن من القضاء على دولة اليهود الوليدة، وهي التي رفضت فيما بعد حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كي تستمر في استغلالها سياسياً، ناهيك عن أن ما جرى في حقيقة الأمر هو عملية 'تبادل سكاني' بين أعداد متماثلة من العرب واليهود؛ فالعرب هربوا خوفاً من الحرب، بينما طُرد اليهود من الدول العربية في أعقاب تلك الحرب! – باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت


شبكة أنباء شفا
٣١-٠٧-٢٠٢٥
- شبكة أنباء شفا
بصيص أمل وسط حرب الإبادة الاسرائيلية المستمرة ، بقلم : د. ماهر الشريف
بصيص أمل وسط حرب الإبادة الاسرائيلية المستمرة ، بقلم : د. ماهر الشريف بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك خلال انعقاد الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فاجأ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في 29 تموز/يوليو الجاري، المراقبين بإعلانه أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في أيلول المقبل 'ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المُزري في غزة، وتوافق على وقف إطلاق النار، وتلتزم بعدم ضم الضفة الغربية، وتقبل بعملية سلام طويلة الأمد تهدف إلى حل الدولتين'. وستكون بريطانيا ثاني دولة من مجموعة الدول السبع الكبرى، بعد فرنسا، تعترف بدولة فلسطينية في حال التزم رئيس وزرائها بوعده (1). التخوف من أن يقضي الضم على 'حل الدولتين' تماماً لا يُشك في أن قيام الكنيست يوم الأربعاء في 23 تموز الجاري بإقرار مشروع قانون غير ملزم يدعو إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، و'شطب أي خطة لإقامة دولة فلسطينية من جدول الأعمال'، فضلاً عن تسارع وتيرة الاستيطان اليهودي وتزايد عنف المستوطنين المتطرفين، واستمرار حرب الإبادة في قطاع غزة، كان من العوامل التي شجعت المسؤولين الفرنسي والبريطاني على إبداء عزمهما الاعتراف بدولة فلسطين. كان ثلاثة من أعضاء الكنيست هم سيمحا روتمان من حزب 'الصهيونية الدينية'، ودان إيلوز من حزب 'الليكود' وعوديد فورير من حزب 'يسرائيل بيتنا'، قد اقترحوا مشروع قانون الضم، الذي أقرّ بأغلبية 71 صوتاً مقابل 13، وقال رئيس الكنيست، أمير أوحانا من حزب 'الليكود'، بعد التصويت: 'هذه أرضنا، هذا وطننا؛ أرض إسرائيل ملك شعب إسرائيل'. وينص مشروع القانون على أن الضفة الغربية 'جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي'، وأن 'لإسرائيل حقاً طبيعياً وتاريخياً وقانونياً في جميع أراضي أرض إسرائيل'، ويدعو الحكومة إلى 'تطبيق السيادة والقانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على جميع أنواع المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وغور الأردن'، ويُؤكد أن ضم هذه الأراضي 'سيعزز دولة إسرائيل وأمنها، وسيمنع أي تشكيك في الحق الأساسي للشعب اليهودي في السلام والأمن في وطنه'. ويعيش حالياً في الضفة الغربية المحتلة، باستثناء القدس المحتلة التي ضمّت سابقاً، أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي ونحو ثلاثة ملايين فلسطيني. وقد صوّتت الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة، التي غادرت الائتلاف بسبب الخلافات حول قانون التجنيد، إلى جانب 'الليكود' وحزبي 'الصهيونية الدينية' و 'قوة يهودية' لصالح مشروع قانون الضم، فضلاً عن حزب 'إسرائيل بيتنا' المعارض. بينما صوّت أعضاء الكنيست العرب ونواب حزب 'الديمقراطيون' ضده. وامتنع حزبا المعارضة الرئيسيان، 'يوجد مستقبل' و'أزرق أبيض' عن التصويت. وكتب عضو الكنيست جلعاد كاريف من حزب 'الديمقراطيون' على موقع التواصل الاجتماعي 'إكس' تعليقاً على ذلك التصويت ورد فيه: 'يُمثّل ضمّ يهودا والسامرة خطراً واضحاً على مستقبل دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني'، وأضاف أن هذا القرار 'مجرّد ستار دخان يهدف إلى التخلي عن الأسرى وإقرار قانون الهاربين من الخدمة العسكرية' (2). لطالما كان ضم الضفة الغربية المحتلة، أو المستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها، طموحاً راسخاً لدى اليمين الإسرائيلي. ففي سنة 2019 ، وخلال الحملة للانتخابات التشريعية، تعهد بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن إلى إسرائيل. وفي آذار/مارس 2020، طرح، في خضم الحملة الانتخابية وبغية صرف انتباه الرأي العام عن قضايا الفساد المُتهم بها، موضوع الضم، ثم أعلنت حكومته، في مطلع تموز/ يوليو من ذلك العام، عزمها ضم جزء من الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً في المنطقة 'ج'، التي يقطنها بحسب منظمة 'بتسيلم' الإسرائيلية ما بين 200 ألف إلى 300 ألف فلسطيني، وما يقرب من 325 ألف مستوطن. وكان التقدير آنذاك أن الوضع الدولي مناسب لاتخاذ خطوة كهذه في ظل التحالف القائم بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب. بيد أن هذه الخطوة لم تتحقق، وخصوصاً بعد أن انتقل الحليفان للتركيز على قضية طبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. في كل الأحوال، يقدّر بعض المحللين أن ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل سيكّلف أكثر من 52 مليار شيكل سنوياً (أكثر من 13 مليار يورو). والأهم من ذلك، أنه يثير تساؤلاً حول المصير القانوني للسكان الفلسطينيين الذين سيخضعون للسيطرة الإسرائيلية. وبخصوص هذا التساؤل، لا تنظر فئة من الطبقة السياسية الإسرائيلية بعين الرضا إلى تحوّل محتمل في التوازن الديموغرافي قد يُعطي السكان العرب أغلبية في نهاية المطاف، وتعتقد أن تحقيق 'إسرائيل الكبرى' الذي يحلم به اليمين الإسرائيلي سيجبر إسرائيل على ضمان حقوق متساوية للفلسطينيين أو الاعتراف علناً بوجود مواطنين من الدرجة الثانية، بحيث يصبح الفصل العنصري شرعياً، لا سيما وأن قانون 'إسرائيل، الدولة القومية للشعب اليهودي'، الذي اعتمده الكنيست في 19 تموز/يوليو 2018، قد مهد طريق هذا الفصل العنصري من خلال تقسيم المواطنين إلى يهود، يستفيدون من 'حق تقرير المصير الوطني 'وفقاً للمادة 1 وغير يهود لا يستفيدون من 'حق تقرير المصير الوطني' (3). بواعث الموقفين الفرنسي والبريطاني يعتقد إيمانويل ماكرون أنه لا بد من وجود منظور سياسي لحل الصراع بين إسرائيل و'حماس'، وأن وقف إطلاق النار لن يكون كافياً لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهو يعتبر أنه يجب أن يصاحب الاعتراف بالدولة الفلسطينية 'إصلاح السلطة الفلسطينية، ونزع سلاح 'حماس' وإقصائها عن أي شكل من أشكال الحكم'. وبحسب السفير الفرنسي السابق في إسرائيل، جيرار أرو، فإن فرنسا 'لطالما أكدت أنها لن تعترف بالدولة الفلسطينية إلا في إطار عملية سلام؛ لكن لا توجد عملية سلام، وإذا استمعنا إلى رد فعل بنيامين نتنياهو على إعلان الإليزيه، نجد أنه يقول بوضوح إنه لا يريد دولة فلسطينية'. ويضيف: 'نحن في وضع لا توجد فيه حلول كثيرة للصراع: دولتان، أو ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، دون حقوق سياسية للفلسطينيين وهو ما يُعدّ فصلاً عنصرياً، أو طرد الفلسطينيين؛ لذا تنحاز فرنسا إلى حل الدولتين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية هو ، قبل كل شيء، بادرة سياسية، لأنه حتى الآن، وبينما تعترف ما يقرب من 150 دولة بفلسطين، لم تتخذ أي دولة من دول مجموعة السبع هذه الخطوة'. أما المؤرخ الفرنسي المختص بتاريخ القدس، فانسان لومير، فهو يرى أن فرنسا في الواقع 'متمسكة بخطها التاريخي؛ فاليوم، بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، هناك 7 ملايين فلسطيني و7 ملايين يهودي إسرائيلي: جميعهم لهم الحق، وجميعهم بحاجة إلى دولة' وهو يقدّر أن إيمانويل ماكرون أدرك 'أن هذا الاعتراف لا يمكن أن ينتظر أكثر، وإلا سينتهي به الأمر إلى الاعتراف بمقبرة، لأن هناك خططاً للتطهير العرقي تتزايد دقتها، ليس فقط قولاً، بل فعلاً أيضاً' (4). كان رئيس الوزراء البريطاني قد أكد، قبل أيام من إعلانه نية حكومته الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن شروط في أيلول/سبتمبر القادم، أن هذا الاعتراف يجب أن 'يكون جزءاً من خطة أكثر شمولاً'، وهو موقف تعرض لانتقاد عدد من مسؤولي حزب العمال الحاكم. فما الذي دفع كير ستارمر إلى تغيير موقفه بصورة مفاجئة؟ يقدّر كثير من المراقبين أن مبادرة زعيم حزب العمال السابق، جيريمي كوربين، إلى إطلاق حزب سياسي جديد يوم الخميس في 24 تموز الجاري، بالتعاون مع النائبة زارا سلطانة، التي تُمثل دائرة كوفنتري الجنوبية منذ سنة 2019، والتي انسحبت مؤخراً من حزب العمال، قد حفز رئيس الوزراء البريطاني، الذي هو في أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي، على اتخاذ هذه الخطوة، وخصوصاً أن الحزب الجديد يعتزم التوجه أكثر نحو اليسار، واتخاذ مواقف أكثر وضوحاً في صالح فلسطين والعدالة الاجتماعية. وكانت عضوية جيريمي كوربين، النائب المستقل حالياً في البرلمان، قد جرى تعليقها في حزب العمال بعد نشر تقرير داخلي يُسلِّط الضوء على 'تقاعسه في مواجهة معاداة السامية' كما جرى تعليق عضوية العديد من أعضاء الحزب الآخرين أو استقالوا، بمن فيهم عمدة لندن السابق كين ليفينغستون. أما عضوية زارا سلطانة فقد علقت في حزب العمال لتصويتها ضد توصيات الحزب ودعوتها إلى رفع الحد الأقصى لإعانة الطفل بعد إنجاب الطفل الثاني، كما عارضت خفض دعم الطاقة للمتقاعدين، منددة بنظامٍ لا يقدم سوى وعود كاذبة للناخبين (5). مؤتمر نيويورك الدولي لإنقاذ 'حل الدولتين' أعلن رئيس الوزراء البريطاني موقفه الجديد هذا في اليوم الثاني من انعقاد المؤتمر الدولي على المستوى الوزاري، الذي نظمته فرنسا والمملكة العربية السعودية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك يومي الاثنين والثلاثاء في 28 و 29 تموز الجاري، بغية إنقاذ 'حل الدولتين'، وإطلاق عملية سياسية جماعية. ويستند الأساس القانوني لهذا المؤتمر، الذي كان من المقرر عقده في منتصف حزيران/يونيو الفائت، إلى القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 أيلول/سبتمبر 2024، والذي تبنته 124 دولة، بما فيها فرنسا، وطالب، وفقاً لرأي محكمة العدل الدولية، إسرائيل بإنهاء احتلالها واستعمارها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وفرض عليها عاماً للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويركّز مؤتمر نيويورك، الذي يشارك فيه وزراء وممثلون عن أكثر من مئة دولة، على ثلاثة محاور، بالإضافة إلى تسهيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي 'إصلاح السلطة الفلسطينية'، و'نزع سلاح حماس وإقصائها عن الحياة السياسية الفلسطينية' و'مناقشة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول المنطقة'. وقد صرّح جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، في افتتاح المؤتمر، محاطاً بنظيره السعودي فيصل بن فرحان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه: 'لا بديل عن حل الدولتين السياسي لتحقيق التطلعات المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين للعيش بسلام وأمن'، مؤكداً أنه 'يجب أن نعمل على إيجاد سُبُل للانتقال من نهاية الحرب في غزة إلى نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن هذه الحرب تُهدّد استقرار المنطقة بأسرها'، وأضاف: 'يجب الحفاظ على آفاق قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال تطبيق تدابير ملموسة، لقد أطلقنا زخماً غير مسبوق لا يُقهر نحو حل سياسي في الشرق الأوسط، وفي إطار هذا المؤتمر، سنضع في صميم جهودنا الدبلوماسية الاعتراف بفلسطين، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل وتكاملها الإقليمي، وإصلاح الحكم الفلسطيني، ونزع سلاح حماس'. وختم خطابه بالقول: 'نطلق نداءً جماعيًا للتحرك؛ يجب أن تنتهي هذه الحرب، وأن تصمت المدافع، وأن يُرسى وقف إطلاق نار دائم، ويجب إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً ودون قيد أو شرط وأن تنتهي هذه الكارثة الإنسانية' (6). وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمته الافتتاحية: 'يجب أن نضمن ألا يصبح هذا المؤتمر مجرد تمرين آخر في الخطابات حسنة النية'. بينما أكدت المملكة العربية السعودية أن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل 'لن يتحقق إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية'. وفي مؤتمر صحفي على هامش المؤتمر، صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بأن هذا الموقف 'يتماشى مع الموقف الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل عام'، وأضاف: 'إنه ينطلق من قناعة راسخة بأن إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحدهما سيسمحان لنا بتحقيق سلام دائم وتكامل حقيقي في المنطقة'. أما رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، فقد دعا حركة 'حماس' إلى 'إنهاء سيطرتها على غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية، وإطلاق سراح الرهائن'، وقال: 'تتحمل جميع الدول مسؤولية التحرك الآن لإنهاء الحرب التي تُشن على شعبنا في غزة وفي جميع أنحاء فلسطين، وضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى، وضمان انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي'، وأضاف أن السلطة الفلسطينية 'مستعدة لاستضافة وتنسيق قوة عربية دولية للمساعدة في استقرار غزة بعد الحرب'، وأنه 'يجب أن نعيد بناء غزة مع شعبنا ولأجله، وأن ننهي الاحتلال، وأن نحقق الاستقلال الفلسطيني ونطبق حل الدولتين، حيث تعيش فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب في سلام وأمن، من أجل تحقيق السلام والأمن والازدهار في المنطقة' (7). هل يفتح المؤتمر أفق حل سياسي؟ يعتقد ريتشارد غوان، المحلل في 'مجموعة الأزمات الدولية'، أن 'إعلان ماكرون سيُحدث تغييراً جذرياً'، في مواقف الدول إزاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أما برونو ستاغنو، من منظمة 'هيومن رايتس ووتش'، فقال: 'إن المزيد من العبارات المبتذلة حول حل الدولتين وعملية السلام لن يُسهم في تحقيق أهداف المؤتمر أو وقف إبادة الفلسطينيين في غزة'، داعياً الحكومات إلى 'اتخاذ إجراءات ملموسة' ضد إسرائيل، مثل فرض حظر على الأسلحة'. ووفقاً لإحصاء وكالة 'فرانس برس' وتوثيقها، فإن 142 دولة على الأقل من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة – بما في ذلك فرنسا – تعترف الآن بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى سنة 1988. ولكن بعد أكثر من 21 شهراً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومحاولات المسؤولين الإسرائيليين ضم هذه الأراضي المحتلة، فإن المخاوف من استحالة إنشاء دولة فلسطينية فعلياً بدأت تتزايد، وخصوصاً في ظل موقفَي إسرائيل والولايات المتحدة المعارضين بحزم لمبدأ إنشاء هذه الدولة. كان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قد صرّح لدى افتتاح مؤتمر نيويورك بأن 'هذا المؤتمر لا يُسهم في البحث عن حل؛ بل يُعمّق الوهم فحسب؛ فبدلاً من المطالبة بالإفراج عن الرهائن والعمل على تفكيك حكم حماس الإرهابي، يُجري منظمو المؤتمر مناقشات وجلسات عامة منفصلة عن الواقع'. من جانبها، نددت إدارة دونالد ترامب بالمؤتمر ووصفته بأنه 'غير مثمر وينعقد في وقت غير مناسب'، وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان: 'بعيداً عن تعزيز السلام، سيُطيل المؤتمر أمد الحرب، ويُشجع حماس، ويُكافئ عرقلتها، ويُقوّض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام'. وبينما انتقدت الإدارة الأميركية الرئيس الفرنسي لإعلانه اعتزامه الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول المقبل، امتنعت عن انتقاد المملكة العربية السعودية، التي ساهمت في تنظيم مؤتمر نيويورك. وكانت هذه الإدارة قد حذرت في 11 حزيران/يونيو الفائت من المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الذي سيناقش 'حل الدولتين'، إذ وفقاً لبرقية دبلوماسية أميركية، اطلعت عليها وكالة 'رويترز'، فإن الدول التي تتخذ 'إجراءات معادية لإسرائيل' بعد المؤتمر ستُعتبر معارضة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، وقد تواجه عواقب دبلوماسية من واشنطن. وجاء في البرقية: 'نحث الحكومات على عدم المشاركة في هذا المؤتمر، الذي نعتبره مُضراً بالجهود الجارية، والضرورية لإنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن'. وأضافت: 'تعارض الولايات المتحدة أي خطوة أحادية الجانب للاعتراف بدولة فلسطينية افتراضية، والتي من شأنها أن تُشكل عقبة قانونية وسياسية رئيسية أمام الحل النهائي للصراع، وقد تُمارس ضغوطاً على إسرائيل في خضم الحرب، وبالتالي دعم أعدائها' (8). ويتوجب الاعتراف بأن الانقسام الفلسطيني المتواصل لا يخدم، بل يعرقل، هذه الجهود الدولية الجارية من فتح أفق سياسي جديد يضمن إنهاء حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني وتلبية حقوقه الوطنية، بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة. فمن جهة، لا تزال حركة 'حماس' ترهن مصير قطاع غزة وسكانه لموقفها الانفرادي وتضرب عرض الحائط بالدعوة إلى تشكيل وفد فلسطيني موحد لإدارة ملف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، ومن جهة ثانية، ما زالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تتخذ الخطوة تلو الخطوة بعيداً عن سياسة الإجماع الوطني، وآخرها الدعوة التي صدرت عن الرئيس محمود عباس في 19 تموز الجاري، بشأن إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في أواخر هذا العام، وذلك بشروط سياسية معينة قد لا تضمن أن تسفر عملية الانتخاب عن جمع شمل الشعب الفلسطيني وتعزيز وحدته من خلال ضمان مشاركة القوى السياسية والمجتمعية كافة، بل أن تكون مصدراً للمزيد من الانقسام!. باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.


جريدة الايام
٣١-٠٧-٢٠٢٥
- جريدة الايام
ترامب من اسكتلندا يصعّد لهجته إزاء روسيا: مهلة جديدة للتقدم بشأن أوكرانيا أو مواجهة عواقب
تيرنبري (اسكتلندا) - رويترز: حدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، مهلة جديدة مدتها 10 أو 12 يوما لروسيا لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا أو مواجهة عواقب، ما يؤكد الإحباط الأميركي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إزاء الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. وهدد ترامب بفرض عقوبات على روسيا وعلى مشتري صادراتها ما لم يجرِ إحراز تقدم. ويشير الموعد النهائي الجديد إلى استعداد الرئيس الأميركي للمضي قدما في تلك التهديدات بعد تردد سابق في القيام بذلك. وفي حديثه في اسكتلندا، حيث يعقد اجتماعات مع قادة أوروبيين، قال ترامب إنه يشعر بخيبة أمل من بوتين مشيرا إلى أنه سيقلص مهلة 50 يوما التي حددها بشأن هذه القضية في وقت سابق من هذا الشهر. وقال ترامب للصحافيين خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: "سأحدد مهلة جديدة مدتها حوالى ... 10 أو 12 يوما من اليوم.. لا داعي للانتظار ... نحن ببساطة لا نرى أي تقدم يحرز". ولم يصدر الكرملين تعليقا بعد. ورحبت أوكرانيا بهذا البيان. وشكر أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني ترامب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي على "صموده وإيصاله رسالة سلام واضحة من خلال القوة". ولم يتبع ترامب، الذي أبدى انزعاجه أيضا من زيلينسكي، دائما كلامه الحاد عن بوتين بالأفعال، مشيرا إلى ما يعتبره علاقة جيدة جمعت الزعيمين سابقا. وأشار ترامب إلى عدم رغبته في إجراء المزيد من المحادثات مع بوتين. وقال إن العقوبات والرسوم الجمركية ستستخدم كعقوبات على موسكو إذا لم تلب مطالب ترامب. وقال ترامب: "لا داعي للانتظار. إذا كنتم تعلمون كيف سيكون الرد، فلماذا الانتظار؟ وسيكون ذلك (من خلال) عقوبات، وربما برسوم جمركية، رسوم جمركية ثانوية. لا أريد أن أفعل ذلك بروسيا. أنا أحب الشعب الروسي". واقترحت أوكرانيا عقد قمة بين بوتين وزيلينسكي قبل نهاية آب، لكن الكرملين قال إن هذا الجدول الزمني غير مرجح وإن الاجتماع لا يمكن أن يعقد إلا كخطوة أخيرة نحو تحقيق السلام. وقالت وزارة الخارجية الروسية يوم السبت إنه إذا أراد الغرب سلاما حقيقيا في أوكرانيا، فسيتوقف عن إمداد كييف بالأسلحة. وعبر ترامب مرارا عن استيائه من بوتين لمواصلته شن هجمات على أوكرانيا رغم الجهود الأميركية لإنهاء الحرب. وأشاد ترامب بنجاحاته في مناطق أخرى من العالم حيث ساهمت الولايات المتحدة في التوسط في اتفاقيات سلام وحظي بإطراء بعض القادة الذين اقترحوا منحه جائزة نوبل للسلام. وقال ترامب اليوم "أشعر بخيبة أمل من الرئيس بوتين. سأقلص مدة الخمسين يوما التي منحته إياها إلى عدد أقل لأنني أعتقد أنني أعرف بالفعل ما سيحدث". وقال ترامب: "اعتقدنا أننا حسمنا الأمر مرات عديدة، ثم يخرج الرئيس بوتين ويطلق الصواريخ على مدينة مثل كييف ويقتل الكثير من الناس في دار رعاية أو ما شابه. وأقول إن هذه ليست الطريقة الصحيحة لسير الأمر".