logo
من أين يأتي اليقين بزوال إسرائيل؟

من أين يأتي اليقين بزوال إسرائيل؟

العربي الجديدمنذ 3 أيام
يبدو كيان العدو الصهيوني اليوم في أوج "عظمته" وجبروته وعلّوه، يضرب في كلّ مكان، ويظهر كمن يهيمن على سماء المنطقة العربية، بل تمتدّ "يده الطويلة" إلى أبعد وأبعد، وتصريحات مسؤوليه مليئة بالخيلاء والفخر، وحتى "الفجور"، خصوصاً بعد حرب الـ12 يوماً مع إيران، وشهوة تحقيق الحلم التوراتي بامتداد الكيان من النيل إلى الفرات لم تعد حبيسة كُتبهم وكُنسهم، بل امتدّت إلى المخيال الشعبي، وصار عادياً أن يتحدّث حتى العوام في الكيان عن قرب تحقيق هذا الحلم، بل إنه أصبح "برنامج عمل" لدى بعض أحزابهم الأكثر يمينية وتطرّفاً. وفي هذه اللحظة التي يمكن أن نسمّيها تجوّزاً لحظة "الشعور الوطني المنتفخ" لدى العقل الجمعي الصهيوني، ثمّة من يتحدّث، في "الجانب الآخر" من المشهد، عن قرب زوال "إسرائيل"، بعدما وصلت لحظة العلو الأكبر التي ليس بعدها من علوٍّ إلى الانهيار.
اللافت هنا أنك لا تسمع هذا الكلام من عوام العرب والمسلمين فقط، بل يمتدّ هذا الاعتقاد إلى باحثين ودارسين ومتخصّصين في علم الدراسات المستقبلية، فضلاً عن علماء دين ومفسّرين متخصّصين في استبطان (وتفسير) آيات القرآن الكريم، التي تتحدّث عن "وعد الآخرة"، وبداية زوال الكيان. كما يلفت النظر هنا اليقين الذي يجري بلسان منكوبي غزّة، ممّن تهدّمت بيوتهم، وفقدوا مقوّمات الحياة، بل إن الحياة نفسها لم تعد متاحةً لغالبيتهم الساحقة، في ظلّ حرب التجويع والقتل والتعطيش والتشريد والمطاردة والنزوح. ومع هذا تجد من يتحدّث عن قرب العودة إلى قريته الممحوة في يافا، أو بيته الذي لم يعد موجوداً في صفد. هذه "الميتافيزيقيا" الفلسطينية بحاجة إلى دراسة في أبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية، بالقدر الذي تحتاج للدراسة تلك الحالة الصهيونية التلمودية في الجانب الآخر.
يقول أحد أبطال رواية "الزمن الأصفر"، للكاتب العبري ديفيد غروسمان، إن الأرض المقدّسة (فلسطين) تشبه قارباً في البحر، فيه شخصان، وكي ينجو أحدهما لا بدّ من أن يغرق الآخر. تختصر هذه الصورة المشهد الكلّي للاعتقادين آنفي الذكر، فلا مكان على هذه الأرض لاثنين، إمّا نحن أو هم، فهي لا تتسّع إلا لشعب واحد، وقلّة قليلة من كلا الطرفَين (لم تعد تكاد تُرى)، لم تزل تعتقد بإمكانية التعايش بين "الشعبَين". وفي ما يبدو، خاصّة بعد زلزال "7 أكتوبر" (2023)، انقرضت هذه الفئة أو كادت، وهيمنت في الطرفَين عقيدة زوال الطرف الآخر. في منطق التاريخ، كيان العدو لا مستقبل له، فهو نقطة في بحر "معادٍ" هادر، حتى لو امتدّ بقاء الكيان قرناً آخر، ولكن الحديث هنا عن "اليوم التالي" بتعبير الساسة، يعني هناك اعتقاد لدى الطرفَين بقرب زوال الطرف الآخر "غداً"، وهذا الغد ليس بعيداً أو مختفياً في ضباب الغيب البعيد، بل هو قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، فأين الحقيقة في هذا المشهد السوريالي الأقرب إلى المستحيل وفق المنظور الواقعي؟
تبدو "دولة" الاحتلال كمن دخل في الحائط، ففرط القوة التي تتمتّع بها تبدو غير ذات فاعلية أمام فرط الضعف الذي يتحلّى به "عدوها"
يبدو أن كلّا من الطرفين ينتظر "معجزةً" تحسم الأمر، وتنهي المشهد لصالح أحدهما. وبما أن المعجزات لم تعد تحصل في دنيا الواقع، فلا بدّ أن حزمة من العوامل والمفاعيل العملية على الأرض ستحسم الأمر، وفي وسع أيّ عاقل اليوم أن يرى أن "دولة" الاحتلال هي كمن دخل في الحائط، ففرط القوة التي تتمتّع بها تبدو غير ذات فاعلية أمام فرط الضعف الذي يتحلّى به "عدوها"، وهو هنا ما نسمّيها نحن "المقاومة"، وهي في المعيار الفيزيائي لا تساوي شيئاً أمام قوة الكيان، فهو يتمتّع بدعم نحو أكثر من نصف قوى العالم، فثمّة جسور جوّية تعمل لمدّه بكلّ ما يحتاج من سلاح وذخائر وقطع غيار وخبراء لآلته العسكرية، وثمّة "غطاء" يحميه من المساءلة القانونية الدولية، وثمّة "فيتو" جاهز لمنع أي تفعيل للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل ثمّة نظام عربي رسمي تجاوز مرحلة التواطؤ والخذلان إلى مرحلة الدعم المباشر، ويرافق هذا دعم عربي وغربي اقتصادي منع عملته "الوطنية" (الشيكل) من الانهيار، بفضل إجراءات حمائية ذات أذرع متعدّدة. ومع هذا الدعم اللامحدود كلّه، يفشل الكيان في حسم معركته مع 300 كيلومتر ونيّف من الأرض، تضمّ مقاومة حوصرت نحو 17 عاماً جواً وبحراً وبرّاً، فيما "يحسم" أمره مع جيوش ودول في ستّة أيام أو ساعات، و13 يوماً مع دولة شبه نووية.
وقعت "المعجزة" التي ننتظر حدوثها بالفعل، وهي صمود غزّة أمام هذه الجحافل المقاتلة من الصهاينة اليهود والعرب والغربيين، حينما يجلس رئيس أكبر دولة قرب الهاتف ينتظر ردّ أولئك المحاصرين في أنفاق غزّة على مقترحات "هدنة" صاغها مبعوثه، فهذا المشهد هو ما يمكن أن يكون مفتاح فهمنا ما يجري، وربّما يجيب عن سؤال من الذي سيكون موجوداً في "اليوم التالي"، وبالتالي، عن سرّ اليقين الفلسطيني والعربي والإسلامي بحتمية زوال إسرائيل. أمّا كيف ومتى على وجه التحديد، فتلك حكاية أخرى، لكن ما هو مؤكّد أن غداً أقرب كثيراً ممّا نتصوّر.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من أين يأتي اليقين بزوال إسرائيل؟
من أين يأتي اليقين بزوال إسرائيل؟

العربي الجديد

timeمنذ 3 أيام

  • العربي الجديد

من أين يأتي اليقين بزوال إسرائيل؟

يبدو كيان العدو الصهيوني اليوم في أوج "عظمته" وجبروته وعلّوه، يضرب في كلّ مكان، ويظهر كمن يهيمن على سماء المنطقة العربية، بل تمتدّ "يده الطويلة" إلى أبعد وأبعد، وتصريحات مسؤوليه مليئة بالخيلاء والفخر، وحتى "الفجور"، خصوصاً بعد حرب الـ12 يوماً مع إيران، وشهوة تحقيق الحلم التوراتي بامتداد الكيان من النيل إلى الفرات لم تعد حبيسة كُتبهم وكُنسهم، بل امتدّت إلى المخيال الشعبي، وصار عادياً أن يتحدّث حتى العوام في الكيان عن قرب تحقيق هذا الحلم، بل إنه أصبح "برنامج عمل" لدى بعض أحزابهم الأكثر يمينية وتطرّفاً. وفي هذه اللحظة التي يمكن أن نسمّيها تجوّزاً لحظة "الشعور الوطني المنتفخ" لدى العقل الجمعي الصهيوني، ثمّة من يتحدّث، في "الجانب الآخر" من المشهد، عن قرب زوال "إسرائيل"، بعدما وصلت لحظة العلو الأكبر التي ليس بعدها من علوٍّ إلى الانهيار. اللافت هنا أنك لا تسمع هذا الكلام من عوام العرب والمسلمين فقط، بل يمتدّ هذا الاعتقاد إلى باحثين ودارسين ومتخصّصين في علم الدراسات المستقبلية، فضلاً عن علماء دين ومفسّرين متخصّصين في استبطان (وتفسير) آيات القرآن الكريم، التي تتحدّث عن "وعد الآخرة"، وبداية زوال الكيان. كما يلفت النظر هنا اليقين الذي يجري بلسان منكوبي غزّة، ممّن تهدّمت بيوتهم، وفقدوا مقوّمات الحياة، بل إن الحياة نفسها لم تعد متاحةً لغالبيتهم الساحقة، في ظلّ حرب التجويع والقتل والتعطيش والتشريد والمطاردة والنزوح. ومع هذا تجد من يتحدّث عن قرب العودة إلى قريته الممحوة في يافا، أو بيته الذي لم يعد موجوداً في صفد. هذه "الميتافيزيقيا" الفلسطينية بحاجة إلى دراسة في أبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية، بالقدر الذي تحتاج للدراسة تلك الحالة الصهيونية التلمودية في الجانب الآخر. يقول أحد أبطال رواية "الزمن الأصفر"، للكاتب العبري ديفيد غروسمان، إن الأرض المقدّسة (فلسطين) تشبه قارباً في البحر، فيه شخصان، وكي ينجو أحدهما لا بدّ من أن يغرق الآخر. تختصر هذه الصورة المشهد الكلّي للاعتقادين آنفي الذكر، فلا مكان على هذه الأرض لاثنين، إمّا نحن أو هم، فهي لا تتسّع إلا لشعب واحد، وقلّة قليلة من كلا الطرفَين (لم تعد تكاد تُرى)، لم تزل تعتقد بإمكانية التعايش بين "الشعبَين". وفي ما يبدو، خاصّة بعد زلزال "7 أكتوبر" (2023)، انقرضت هذه الفئة أو كادت، وهيمنت في الطرفَين عقيدة زوال الطرف الآخر. في منطق التاريخ، كيان العدو لا مستقبل له، فهو نقطة في بحر "معادٍ" هادر، حتى لو امتدّ بقاء الكيان قرناً آخر، ولكن الحديث هنا عن "اليوم التالي" بتعبير الساسة، يعني هناك اعتقاد لدى الطرفَين بقرب زوال الطرف الآخر "غداً"، وهذا الغد ليس بعيداً أو مختفياً في ضباب الغيب البعيد، بل هو قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، فأين الحقيقة في هذا المشهد السوريالي الأقرب إلى المستحيل وفق المنظور الواقعي؟ تبدو "دولة" الاحتلال كمن دخل في الحائط، ففرط القوة التي تتمتّع بها تبدو غير ذات فاعلية أمام فرط الضعف الذي يتحلّى به "عدوها" يبدو أن كلّا من الطرفين ينتظر "معجزةً" تحسم الأمر، وتنهي المشهد لصالح أحدهما. وبما أن المعجزات لم تعد تحصل في دنيا الواقع، فلا بدّ أن حزمة من العوامل والمفاعيل العملية على الأرض ستحسم الأمر، وفي وسع أيّ عاقل اليوم أن يرى أن "دولة" الاحتلال هي كمن دخل في الحائط، ففرط القوة التي تتمتّع بها تبدو غير ذات فاعلية أمام فرط الضعف الذي يتحلّى به "عدوها"، وهو هنا ما نسمّيها نحن "المقاومة"، وهي في المعيار الفيزيائي لا تساوي شيئاً أمام قوة الكيان، فهو يتمتّع بدعم نحو أكثر من نصف قوى العالم، فثمّة جسور جوّية تعمل لمدّه بكلّ ما يحتاج من سلاح وذخائر وقطع غيار وخبراء لآلته العسكرية، وثمّة "غطاء" يحميه من المساءلة القانونية الدولية، وثمّة "فيتو" جاهز لمنع أي تفعيل للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل ثمّة نظام عربي رسمي تجاوز مرحلة التواطؤ والخذلان إلى مرحلة الدعم المباشر، ويرافق هذا دعم عربي وغربي اقتصادي منع عملته "الوطنية" (الشيكل) من الانهيار، بفضل إجراءات حمائية ذات أذرع متعدّدة. ومع هذا الدعم اللامحدود كلّه، يفشل الكيان في حسم معركته مع 300 كيلومتر ونيّف من الأرض، تضمّ مقاومة حوصرت نحو 17 عاماً جواً وبحراً وبرّاً، فيما "يحسم" أمره مع جيوش ودول في ستّة أيام أو ساعات، و13 يوماً مع دولة شبه نووية. وقعت "المعجزة" التي ننتظر حدوثها بالفعل، وهي صمود غزّة أمام هذه الجحافل المقاتلة من الصهاينة اليهود والعرب والغربيين، حينما يجلس رئيس أكبر دولة قرب الهاتف ينتظر ردّ أولئك المحاصرين في أنفاق غزّة على مقترحات "هدنة" صاغها مبعوثه، فهذا المشهد هو ما يمكن أن يكون مفتاح فهمنا ما يجري، وربّما يجيب عن سؤال من الذي سيكون موجوداً في "اليوم التالي"، وبالتالي، عن سرّ اليقين الفلسطيني والعربي والإسلامي بحتمية زوال إسرائيل. أمّا كيف ومتى على وجه التحديد، فتلك حكاية أخرى، لكن ما هو مؤكّد أن غداً أقرب كثيراً ممّا نتصوّر.

قبائل باكستان ترفض الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش
قبائل باكستان ترفض الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش

العربي الجديد

time٣٠-٠٧-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

قبائل باكستان ترفض الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش

رفضت القبائل الباكستانية الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش في بعض مناطق الشمال الغربي، وخرج أفرادها بالآلاف متوجهين صوب المناطق التي فرض فيها الجيش الحظر، حاملين معهم مصاحف القرآن الكريم . كما عارضت الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا، شمال غربي البلاد، قرار الجيش بشن عمليات عسكرية وفرض حظر التجوال في بعض المناطق. وكان الجيش الباكستاني قد أعلن منذ أمس الثلاثاء فرض حظر التجوال في جزء كبير من مقاطعة باجور القبلية، مع بدء عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المسلحين، كما يشن الطيران الحربي غارات مكثفة على المناطق. وقال عضو البرلمان، كل ظفر خان، الذي يقود الحراك القبلي ضد عمليات الجيش وإجراءاته الأخيرة، إن ثلاثة مدنيين قُتلوا حتى الآن، وأصيب أكثر من 20 آخرين بجراح جراء الغارات الجوية وسقوط صواريخ على الأحياء السكنية في مقاطعة باجور. وأضاف خان، في تصريح صحافي، أن الغارات الجوية ينفذها سلاح الجو على الأحياء السكنية، وفي مناطق لا يوجد فيها مسلحون، مطالبًا الجيش بوقف تلك العمليات التي تهدف فقط إلى إثارة الخوف والذعر في قلوب المواطنين. وأوضح أن الحراك القبلي الذي يتوجه صوب المناطق التي فُرض فيها حظر التجوال، يهدف إلى التأكيد على رفض الانصياع لأوامر الجيش. أخبار التحديثات الحية باكستان: حزب خان والزعامة القبلية تطلب من الجيش مغادرة منطقة القبائل ويتوجه آلاف من أبناء القبائل في مسيرات صوب الأحياء التي أعلن فيها الجيش حظر التجوال وبدء عملياته المسلحة، حاملين معهم مصاحف القرآن الكريم. وتُقاد هذه المسيرات من قبل زعماء قبليين، بالإضافة إلى كل ظفر خان، عضو البرلمان والقيادي في حزب "حركة الإنصاف" الذي يتزعمه عمران خان. كما أعلنت القبائل، بالإجماع، رفضها النزوح من المناطق القبلية، وعدم السماح للجيش بشن عمليات عسكرية فيها. وتُظهر مشاهد مصورة حدوث تفجيرات كبيرة داخل بعض أحياء باجور، نتيجة سقوط قنابل ألقتها الطائرات الحربية الباكستانية. في المقابل، أعلن الجيش الباكستاني مقتل 17 مسلحًا، بينهم قادة ميدانيون، في عمليته العسكرية في مقاطعة باجور القبلية، من دون أن يصدر أي تعليق بشأن ردود الفعل الشعبية. وفي غضون ذلك، أعلنت قبائل جنوب وزيرستان أيضًا رفضها الانصياع لقرار الجيش بفرض حظر التجوال في المقاطعة، ورفضت أي نوع من العمليات العسكرية. من جهتها، رفضت الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا قرار الجيش فرض حظر التجوال أو شن عملية عسكرية. وقال رئيس وزراء الحكومة المحلية، علي أمين غندابور، إن أي قرار بشأن المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي هو من صلاحيات الحكومة المحلية، وإنها لم تقبل أي قرار من الحكومة المركزية أو الجيش دون التشاور معها. وكان حزب "حركة الإنصاف" وزعماء القبائل قد طالبوا الجيش الباكستاني بمغادرة منطقة القبائل في غضون 15 يومًا، مؤكدين أن وجود الجيش هو سبب استمرار أعمال العنف، وأن عودة القانون القبلي هو الحل الوحيد لاستتباب الأمن في المنطقة. كما طلبت القبائل من "طالبان باكستان" مغادرة المنطقة أيضًا.

ثناء على سناءين
ثناء على سناءين

العربي الجديد

time٢٤-٠٧-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

ثناء على سناءين

اقتضى متطلب القافية المستخدمة في العنوان، استخدام اسم الناشطة سناء سيف الإسلام، تحية لنضال والدتها الدكتورة ليلى سويف، وقد أنهك إضراب كلي عن الطعام جسدها المثقل ببث وحزن على طفلها، وكل رجل يظل هكذا في عيني أمه حتى لو تزوج وأنجب، وصال وجال سياسياً وحقوقياً، حتى صار ملء السمع والبصر، كما ولدها الناشط علاء عبد الفتاح المغيب في سجون مصر، وهي للمفارقة ذات خصوصية تاريخية وكأن لها بعد قدري يتجاوز واقعنا المعاصر، فلم تذكر كلمة السجن ومشتقاتها في القرآن الكريم سوى عشر مرات؛ تسع منها في سورة يوسف وواحدة في سورة الشعراء، وفي الآيات كلها ارتبطت التفاصيل المروية بـ"أم الدنيا"، إن كانت في قصة النبي يوسف وحاله من الجب إلى الزنزانة أو النبي موسى بينما كان في مواجهة مع طغيان فرعون. خلف القضبان ذاتها لدى السناء الثانية ابن وزوج، أضناها فراقهما من بعد طفلتها الشهيدة أسماء التي أُزهِقت روحها بميدان رابعة العدوية ولم يزد عمرها وقتها عن 17 عاماً، إنها سناء عبد الجواد زوجة الدكتور محمد البلتاجي ووالدة أنس الموقوف قبل أكثر من 12 سنة، ووقتها لم يكن قد أتم عامه العشرين بينما تجاوز اليوم عمره 32 عاماً، ثلثه ضاع في السجون منتقلاً من قضية إلى أخرى، ولعمري لم أفهم يوماً كيف يمكن أن يشكل شاب على حداثة سنه كل هذا الخطر الذي يستدعي إلقاءه في غيابة الجب أو السجن فلن يفرق الوصف كثيراً، فالداخل مفقود والخارج مولود، وحبل الألم ممدود في حياة الأسرتين لم ينقطع خلال العشرية الماضية، وكل يوم تطالعنا الأنباء بما لا يسر، أحدثها ما أعلنته الوالدة والزوجة المكلومة عبد الجواد بخصوص "نقل شريك عمرها إلى المشفى بسبب الإضراب عن الطعام الذي يخوضه في محبسه مع آخرين احتجاجاً على ظروف الاحتجاز شديدة القسوة داخل زنزانة مغلقة 24 ساعة يومياً منذ ثمانية أعوام لم يروا فيها الشمس ولا ألوان السماء! لا يغادرونها إلا إلى المشفى في أصعب الظروف وإذا سمح لهم بذلك". لعلك لاحظت عزيزي القارئ أنني لم آت على ذكر انتماء العائلتين السياسي، لكن وما أهمية ذلك في بلد ماتت فيه السياسة، حتى عند السلطة التي لا تفرق بين من تصنفهم في خانة "الأعداء الداخليين"، كلهم منضمون إلى جماعة إرهابية، وينشرون أخباراً وبيانات كاذبة كما درجت الاتهامات على تصويرهم. وقبل أن تلقي بك الظنون يميناً أو يساراً، أسألك كم مرة منذ ثورة/انقلاب يوليو 1952، سمها ما شئت، شنت الدولة حملات بلا هوادة ضد معارضيها من مختلف التيارات وأخرجتهم من فضاء الجماعة الوطنية إلى حيز تخويني يفوق ما تصم به العدو الخارجي؟ ثم ما تلبث الأوضاع أن تتغير وينتهي الصراع أو سببه ومن أشعل ناره، لتختفي تلك اللغة الذميمة كما سيحدث مجدداً، بينما في الأثناء أعمار أفنيت وموارد أهدرت وسنوات من عمر الوطن أهدرت في "اللاشيء"، تضييعاً لزماننا بحسب التعبير السوداني الجميل في دقة وصفه، لكن الأهم من ذلك هو أن تفكر في حال هؤلاء حتى لا تتورط في "التواطؤ الأخلاقي" بصمتك أو غض بصرك وعقلك عن المخالفات المرتكبة، وفي هذا حماية لذاتك من أن تطاولك حتى لو اختبأت في جحر ضب، وعلى الأقل اسأل نفسك لماذا تضطر السلطة الأهلَ أو المسجونين إلى الحوار معها عبر أجسادهم الجائعة؟ لماذا لا تطبق قوانينها وفي لائحة السجون أو القانون الجنائي ما يغلق هذه الملفات وغيرها في ظل ما تصفه بمخططات خارجية تستهدف وجودها وتستدعي اصطفافاً ووحدة وطنية؟ حكماً لأنها غير مكترثة للداخل فعينها وعقلها مع الخارج، تلك هي "السلطة الصماء"، الجسد فيها موضوعاً لضرب المثل، كسراً لإرادة الفرد الخارج عن طاعتها إخضاعاً له وضماناً للهيمنة على المجتمع الخائف وما التشريعات والقوانين إلا غطاء وظيفي يضمن كل ما سبق، وهذا ما فهمه هؤلاء المضربون عن الطعام فكان خيارهم تحرير الجسد من الألم الممارس بحقهم وتفعيله أداة مقاومة وتحد صامتة، في استعادة لتراث نضالي يمتد إلى عهود سابقة، مفاده أن "خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً" والقول للزعيم أحمد عرابي في وقفته الشجاعة كما سيدات أسرة المناضل والحقوقي الراحل سيف الإسلام عبد الفتاح وزوجة الدكتور البلتاجي وغيرهن من الكثيرات المنافحات عن حقوق مسلوبة، ولا أجد وصفاً لهن أروع من شعر سيد حجاب، في شارة بداية مسلسل "الوسية" وتعني الكلمة بالعامية المصري، الأرض المملوكة لإقطاعي يستعبد الفلاحين، فكان أن نصحهم الشاعر هم وكل من يعاني التسلط قائلاً: "عيش يابن آدم بكر زي الشجر، موت وانت واقف زيه فى مطرحك، ولا تنحني لمخلوق بشر أو حجر، وشب فوق مهما الزمان جرحك". هكذا فعلن في تجسيد لمعنى كلمة السناء في اللغة وهو الضوء الساطع، والإشراق، والرفعة، والشرف، وهي معان لا تقف عند الحالتين المذكورتين فقط في هذا المقال، وإن كانتا من بين الأكثر شهرة خاصة أنهم يسعون للتضامن مع غيرهم والدفاع عمن لا صوت لهم، فالمصائب تجمع المصابين ومواقع التواصل ممتلئة بقصص تعكس شجاعة المرأة المصرية سواء كانت زوجة أو ابنة أو شقيقة أو أماً لمعتقل، تجدهن قابضات على الجمر، بعضهن نعلمهن وأخريات من دونهن الله يعلمهن، وكلهن يروين عذابات ذويهن داخل سجون مصر التي كلما توقعنا أنها قد امتلأت وجدناها تسأل هل من مزيد؟!.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store