
دروس التاريخ .. كيف حولت أسوأ كارثة اقتصادية بعض المستثمرين إلى أساطير؟
في صباح خريفي يوم 24 أكتوبر عام 1929، اهتزت وول ستريت تحت وقع خطوات آلاف المستثمرين المذعورين، وشهدت انهيار الأسهم دون سابق إنذار، فيما عُرف لاحقًا بـ "الخميس الأسود"، والذي تبعه جلستان سوداوان في الأسبوع التالي.
كانت الأرض تميد تحت أقدام من اعتقدوا أن الازدهار أبدي، فالأسواق مستقرة تقريبًا منذ الأزمة المالية في 1907، وواصلت الصعود في أغلب الأوقات، لكن ما لم يدركوه أن في الظلام الدامس تُصنع أعظم الانتصارات، وكانت هذه أحلك فترات وول ستريت تاريخيًا.. كان هذا هو الكساد العظيم.
وخلال أسابيع، تبخرت ثروات، انهارت البنوك، وفقد الملايين وظائفهم وحتى منازلهم، لكن وسط هذا الانهيار الشامل، كان هناك من يرون فرصًا، لا كوارث، من يغوصون في الركام بحثًا عن الكنوز التي غطاها الرماد.
زلزال أخرج كنزًا
- قبل الخوض في "كيف فعلوا ذلك؟" و"من أبرز الرابحين من الانهيار؟"، من الضروري هنا الإشارة إلى أن حجم الكارثة لم يضاهِه شيء من قبل ولا من بعد، حيث انكمش الاقتصاد الأمريكي على مدار 4 سنوات بنسبة 36%، وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 25% (15 مليون شخص في سن العمل).
- في سوق الأسهم، انخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 11% في مستهل تعاملات الخميس، قبل أن تتدخل المؤسسات وجهات التمويل ليغلق على خسائر محدودة في تلك الليلة، ثم انتعش في الجلسة التالية، لكنه انخفض بنسبة 13% يوم الإثنين وبنسبة 12% يوم الثلاثاء.
- منذ بلغ السوق ذروته في 3 سبتمبر عام 1929 عند 381.17 نقطة، انخفض بنسبة 89% إلى 41.22 نقطة بحلول 8 يوليو عام 1932، ولم يعد إلى مستوى الذروة السابق قبل نوفمبر عام 1954.
- جاء ذلك أيضًا بعد فترة استثنائية من ازدهار السوق، حيث كان مؤشر "داو جونز" ارتفع بمقدار 6 أمثال من مستوى 63 نقطة في أغسطس 1921 إلى مستوى الذروة في سبتمبر عام 1929.
- في هذه المرحلة قال أستاذ الاقتصاد بجامعة ييل "إيرفينغ فيشر" تصريحه الشهير، إن أسعار الأسهم وصلت إلى ما يشبه مستوى مرتفع دائم، ورغم أنه حذّر من احتمال وصول السوق إلى ذروته، استبعد حدوث انهيار حاد، معلقًا: "لا أعتقد أننا سنشهد تراجعًا بخمسين أو ستين نقطة عن المستويات الحالية، الآن أو لاحقًا".
- خلال حقبة الانتعاش، انتشرت السيارات والهواتف وغيرها من التقنيات الجديدة، واستثمر العامة المزيد من مدخراتهم في الأسهم والسندات، بدعم من القروض الرخيصة، ما أدى إلى صعود الأسعار، لكن الاحتياطي الفيدرالي حذر من المضاربة، وفضل تقييد القروض بدلًا من رفع الفائدة، خلافًا لرؤية فرعه في نيويورك.
الانهيار الأسوأ والفرص الأعظم
- شكل الكساد العظيم أسوأ انهيار اقتصادي في التاريخ، لكنه للمفارقة، أتاح فرصًا غير مسبوقة لقلة مختارة من المستثمرين الاستراتيجيين، في الوقت الذي دُمرت فيه الأسواق وأفلس فيه نحو ثلث البنوك في الولايات المتحدة (نحو 9 آلاف مؤسسة).
- أدت خسائر سوق الأسهم إلى انخفاض إنفاق المستهلكين وانخفاض الطلب على السلع والخدمات، وتبعت الانهيار الاقتصادي حالات إفلاس واسعة النطاق، حيث خسر المستثمرون والمواطنون العاديون مبالغ طائلة.
- أدى انهيار البنوك إلى خسارة الكثيرين لمدخراتهم بالكامل (نحو 7 مليارات دولار من أموال المودعين)، وأدى الركود الزراعي، إلى جانب العوامل البيئية، إلى تدمير فرص العمل في المناطق الريفية.
- كما تسببت الحروب التجارية ، بما في ذلك التعريفات الجمركية المعروفة باسم "هاولي-سموت" لعام 1930 والتي فرضت قيودًا على 20 ألف سلعة مستوردة، إلى مزيد من انكماش النشاط الاقتصادي.
النخبة الرابحة
- "جون روكفلر" والاستحواذ الاستراتيجي على الأصول: في حين أن التفاصيل الدقيقة حول استثمارات "روكفلر" في فترة الكساد الاقتصادي محدودة في المصادر المتاحة، تشير تقديرات إلى أنه خسر نصف ثروته في بداية الأزمة لكنها نمت بنحو 180% في السنوات القليلة التالية للانهيار.
- بينما اضطر معظم المستثمرين إلى تصفية حيازاتهم بأسعار مُنخفضة، فإن ثروة "روكفلر" الهائلة والسيولة المرتفعة قبل الكساد مكّنته من الاستحواذ على أصول استراتيجية بخصومات غير مسبوقة من قيمتها قبل الانهيار.
- يعرف نهج "روكفلر" بالاستثمار الانتهازي المُعاكس للدورة الاقتصادية، حيث وظّف رأس المال عندما لم يتمكن معظم المستثمرين من ذلك بسبب القيود المالية أو العوائق النفسية، ما مكنه من اقتناء أصول قيمة بأسعار بخسة ومضاعفة ثروته عدة مرات.
- "جوزيف كينيدي".. توقع السوق وإعادة توزيع الأوزان: يمثل ربما أكثر دراسات الحالة نفعًا في مجال بناء الثروة خلال فترة الكساد العظيم، فقد نمت ثروته من 4.3 مليون دولار عند بداية الأزمة إلى 180 مليون دولار خلال سنوات قليلة، وهو ما يُمثّل نموًا بنسبة تتجاوز 4000%.
- ينبع نجاح "كينيدي" من بُعدين استراتيجيين بالغي الأهمية: أولاً، أظهر توقعًا استثنائيًا بخروجه من سوق الأسهم قبل انهياره مباشرة عام 1929، ما يعكس "انفصالًا تحليليًا ملحوظًا" عن التفاؤل السائد في السوق آنذاك.
- ثانيًا ، نفّذ "كينيدي" عملية إعادة توزيع فعّالة للاستثمارات، بما في ذلك الخدمات المصرفية، وتداول الأسهم، وإنتاج الأفلام، ونمت أصوله العقارية الضخمة بشكل كبير. في النهاية، قُدرت ثروته بنحو 500 مليون دولار عند وفاته عام 1969.
- "جيه بول جيتي": اتبع نهج "اشتر عندما يبيع الجميع، واحتفظ بالسهم حتى يشتريه الجميع"، واستفاد من حاجة الشركات للسيولة خلال الأزمة في الاستحواذ على أسهم النفط وعقارات مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، واصفًا الانهيار بأنه "فرصة العمر للاستحواذ على شركات النفط دون مقابل". قفز أحد أسهمه بنسبة 840% بعد 5 سنوات من شرائه.
- "جيسي ليفرمور".. معجزة ثراء: مع بداية الأزمة باع حيازاته من الأسهم مسجلًا خسائر تقارب نحو 250 ألف دولار، لكنه راهن بقوة على انهيار السوق عبر أداة البيع على المكشوف، وحقق مكسبًا قدره 100 مليون دولار (1.85 مليار دولار بقيمة الأموال اليوم) خلال أسبوع واحد فقط.
- خلال الكساد العظيم، لم يكن الانهيار موعدًا لهلاك الجميع، بل كان ميدانًا لتكوين ثروات ضخمة لمن تمتعوا بالرؤية والصبر، وأبرز عوامل النجاح تمثلت في الحفاظ على سيولة مرتفعة قبل الانهيار، ما منح المستثمرين أمثال "كينيدي" و"روكفلر" القدرة على شراء أصول عالية الجودة بأسعار منخفضة للغاية.
- كما أظهر هؤلاء "انفصالًا تحليليًا" عن عواطف السوق، وتبنوا عقلية معاكسة للتيار في مواجهة الخوف الجماعي، ونجحوا لأنهم امتلكوا المرونة النفسية، والتحمل الذهني، ومهارة التوقيت الاستراتيجي، وطبقوا أساليب مثل الخروج المبكر من الأسواق، والاستحواذ الانتهازي، وتنويع القطاعات.
- في لحظات الفوضى، كان الرهان على العقل لا الانفعال هو طريق النجاة، وكما أثبتت تلك الحقبة، فالبقاء ليس للأكثر تفاؤلًا، بل للأقوى الأكثر استعدادًا والأكثر هدوءًا تحت الضغط، وربما أيضًا الأكثر حظًا بامتلاكه الكاش.
المصادر: أرقام- موقع تاريخ الفيدرالي- أرشيف نيويورك تايمز- موقع تاريخ الضمان الاجتماعي الأمريكي- مجلة المحاسبة والأعمال المالية الأسترالية- إنفستوبيديا- مدونة إستيودنت أوف هيستوري- بي بي إس- هيستوري- أفا تريد- شات جي بي تي- كلود- بريبلكستي
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق للأعمال
منذ 39 دقائق
- الشرق للأعمال
لماذا طرحت مصر سندات لأجل 5 سنوات لأول مرة منذ عامين؟
باع البنك المركزي المصري، بالنيابة عن وزارة المالية، أمس الاثنين سندات خزانة محلية بعائد ثابت لأجل 5 سنوات لأول مرة منذ عامين بقيمة 20 مليار جنيه، أي بأكثر من 9 أضعاف حجم السيولة المستهدف جمعه والبالغ ملياري جنيه، فيما خفض "المركزي" المستهدف في عطاء إصدار سندات خزانة لأجل عامين و3 سنوات بعائد ثابت، مكتفياً ببيع أوراق مالية بنحو 710 ملايين جنيه، ما يعادل 5% فقط من السيولة المستهدف جمعها والبالغة 13 مليار جنيه. عزا 5 مصرفيين ببنوك حكومية وخاصة في مصر، تحدثوا مع "الشرق"، التحول تجاه إصدار أدوات دين طويلة الآجل، إلى سعي مصر لتنويع الآجال في إدارة الدين لتقليل مخاطر كلفة الفائدة المرتفعة بالموازنة المقبلة، في ظل وجود طلب من المستثمرين قبل الخفض المرتقب للفائدة. البنك المركزي المصري باع سندات خزانة لأجل 5 سنوات لمستثمر واحد بمتوسط سعر فائدة 19.98%، من أصل 41 طلباً مقدماً من المستثمرين بقيمة 25.8 مليار جنيه بسعر فائدة وصل إلى 28%، بحسب بيانات المركزي. وفي المقابل تخطى متوسط سعر الفائدة على سندات الخزانة لأجل عامين و3 سنوات 21.6% و22.5% على التوالي، وفق بيانات المركزي. كانت وزارة المالية ترفض خلال العطاءات السابقة بيع سندات خزانة لأجل 5 سنوات بعائد ثابت بسبب ارتفاع تكلفة أسعار الفائدة، مع الاكتفاء ببيعها بعائد متغير في ظل احتمالات خفض الفائدة لتقليل مخاطر تكلفة العائد عليها. إطالة أجل الدين يرى نائب رئيس أحد البنوك الكبرى خلال حديثه مع "الشرق"، طلب عدم ذكر اسمه، أن سلوك وزارة المالية هذا الاتجاه يأتي لأنه: "لابد من وجود أدوات دين مختلفة ومتوازنة لتغطية تكلفة الفترات القصيرة ومتوسطة الأجل". وأوضح مسؤول حكومي تحدث لـ"الشرق" أن وزارة المالية تستهدف إطالة أجل الدين، مشيراً إلى أن نتائج الطرح الأخير لسندات الخزانة يتوافق مع قرار السلطات المصرية بخفض سعر الفائدة بالسوق. مضيفاً أن هذا النهج يستهدف فتح شهية المستثمرين والبنوك. سندات قياسية خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، باعت وزارة المالية كمية قياسية من أذون وسندات الخزانة بنحو 4.5 تريليون جنيه بهدف تمويل عجز الموازنة، وفق بيانات منشورة على موقع البنك المركزي قامت "الشرق" بجمعها. وخلال الربع الأخير من العام الحالي تخطط وزارة المالية المصرية لطرح كمية قياسية من أذون وسندات الخزانة المحلية بنحو 2.2 تريليون جنيه خلال الربع الرابع من العام المالي الحالي (أبريل إلى يونيو) لسد عجز الموازنة، وتتوزع بواقع 1.905 تريليون جنيه لأذون الخزانة، و270 مليار جنيه لسندات الخزانة ذات العائد الثابت والمتغير. ترقب قرار الفائدة أضاف المسؤول الحكومي الذي تحدث مع "الشرق": "ما يحدث أمر طبيعي خاصة أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي ستعقد اجتماعها الدوري بعد غد، وسط توقعات لمواصلة الخفض التدريجي لسعر الفائدة". يعقد البنك المركزي المصري ثالث اجتماع له خلال العام الحالي، الخميس المقبل، لحسم أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، وسط تباين التوقعات بخفض آخر جديد بين 1% و2%، أو الإبقاء عليها دون تغيير تحوطاً من تسارع التضخم. يأتي الاجتماع المرتقب بعد أن قرر البنك المركزي المصري خفض الفائدة لأول مرة منذ 4 سنوات ونصف بنسبة 2.25% في آخر اجتماع له في أبريل إلى 25% للإيداع و26% للإقراض بعد تباطؤ معدل التضخم واتساع العائد الحقيقي على الجنيه بنحو 11.4%. في موازنة العام المالي المقبل تستهدف وزارة المالية المصرية طرح أذون وسندات خزانة وغيرها من الأدوات بنحو 3.57 تريليون جنيه، بزيادة 25% عن التقديرات في الموازنة الحالية، وفق البيان التحليلي للموازنة العامة للدولة الذي حصلت "الشرق" على نسخة منه. من اشترى؟ قال نائب رئيس إدارة المعاملات الدولية والخزانة في أحد البنوك الخاصة لـ"الشرق"، إن التحول إلى طرح سندات أطول أجلاً يتوافق مع خطة الحكومة في مد أجل الدين لتقيل تكلفة عبء الاقتراض. وأضاف أن "المالية" قد تكون لجأت إلى تحويل جزء من استحقاقات ديونها قصير الأجل في سندات خزانة، إلى ما هو أطول أجلا بالتعاون مع أحد البنوك الحكومية الكبرى التي تستثمر بكثافة لتمويل عجز الموازنة لتقليل تكلفة الفائدة. ويرى محمود نجلة المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي للاستثمارات المالية خلال حديثه لـ"الشرق" أن هذا الطرح ربما جاء بعد وجود طلب من مستثمر أجنبي لشراء سندات خزانة لأجل 5 سنوات عبر بنك محلي للاستفادة من العائد المرتفع قبل اجتماع المركزي المقبل واحتمالات الخفض. وأكد أن دخول مستثمر أجنبي في سندات أطول أجلاً لا يعني بالضرورة كونه توجهاً عاماً لدى كل المستثمرين الأجانب، لكنه جاء بغرض محدد مثل الاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة قبل الخفض المرتقب.


الشرق للأعمال
منذ 41 دقائق
- الشرق للأعمال
ترمب يؤجل موعد فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيمدد الموعد النهائي الذي سيفرض فيه رسوماً جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي حتى التاسع من يوليو، وذلك عقب مكالمة هاتفية أجراها مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وأضاف ترمب للصحفيين يوم الأحد أثناء عودته إلى واشنطن: "أجرينا مكالمة لطيفة جداً، ووافقت على تأجيل الأمر". وكانت فون دير لاين قد نشرت في وقت سابق من يوم الأحد منشوراً على منصة "إكس" قالت فيه إن "أوروبا مستعدة للمضي سريعاً وبشكل حاسم في المحادثات"، لكنها أضافت أن "إبرام اتفاق جيد سيستغرق وقتاً حتى 9 يوليو". وهذا التاريخ هو نهاية فترة التجميد التي حددها ترمب لرسومه الجمركية المعروفة بـ"الرسوم المتبادلة"، والتي كانت مدتها 90 يوماً. وكان من المقرر أن يخضع الاتحاد الأوروبي لرسوم جمركية بنسبة 20% بموجب تلك الرسوم التي أُعلن عنها في أبريل، في إطار ما أطلق عليه ترمب اسم "يوم التحرير". تهديد برسوم أعلى لكن ترمب هدّد يوم الجمعة بفرض رسوم أعلى، تصل إلى 50%، متهماً التكتل بتأخير المفاوضات عمداً، وباستهداف الشركات الأميركية بشكل غير عادل من خلال الدعاوى القضائية والتنظيمات. وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم الأسبوع الماضي مقترحاً تجارياً محدثاً إلى الولايات المتحدة، في محاولة لدفع المحادثات قدماً، كما أجرى مفوّض التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش، اتصالاً هاتفياً يوم الجمعة مع نظيره الأميركي جايمسون غرير. وبحسب تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإن التهديد الأخير من ترمب بفرض رسوم جمركية على التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تبلغ قيمتها 321 مليار دولار، سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنحو 0.6%، وزيادة الأسعار بأكثر من 0.3%.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
الواردات الأميركية من الطماطم المكسيكية تتجاوز ثلاثة مليارات دولارات«معركة الطماطم» تشعل نزاعاً تجارياً بين أميركا والمكسيك
يعد الأميركيون من أكثر شعوب العالم حباً للطماطم، حيث تحتل المرتبة الأولى بين المنتجات الطازجة المستوردة من الخارج، وبالرغم من هذا الحب الجارف للطماطم، إلا أن هذه التجارة باتت معرضة للخطر، بعد أن أحيت إدارة ترمب جهوداً دامت ثلاثة عقود للحد من الواردات، وتساهم واردات الطماطم بشكل كبير في الاقتصاد الأمريكي من خلال تحقيق مبيعات بمليارات الدولارات، ودعم آلاف الوظائف، كما تعزز الأسعار التنافسية التي تعود بالنفع على المستهلكين والشركات على حد سواء، وقد تُعرض قيود الاستيراد الجديدة كل ذلك للخطر، لأن الإنتاج الأمريكي لا يلبي الطلب المحلي، والسؤال: ما الذي سيحرزه هذا التغيير؟ هل ستصبح الطماطم الأميركية أغلى ثمناً؟ هل ستُضطر الشركات للبحث عن بدائل؟ هل سيُؤثر هذا التغيير على الوظائف التي يُوفرها هذا القطاع المزدهر؟ إغراق الأسواق الأميركية بدأ الصراع على الطماطم في تسعينيات القرن العشرين، حيث دفع النمو غير المسبوق في واردات الطماطم من المكسيك، المنتجين الأمريكيين إلى مطالبة إدارة كلينتون بالتحقيق فيما إذا كانت تُباع بأسعار منخفضة بشكل غير عادل، وهذا يعني وجود انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية والسياسة التجارية الأميركية، وردت واشنطن بإجراء تحقيق لمكافحة الإغراق، أجرته وزارة التجارة ولجنة التجارة الدولية الأميركية، حيث كُلفت الهيئتان بفحص ما إذا كانت الواردات تُباع في الولايات المتحدة بأقل من قيمتها السوقية العادلة، وهو ما يُعرف بالإغراق. يُلحق الإغراق الضرر بالمنتجين المحليين من خلال خفض الأسعار المحلية لمنافسة الواردات، مما يُسبب ضائقة مالية، وتُعتبر رسوم مكافحة الإغراق في جوهرها تعريفة جمركية، وأصدرت وزارة التجارة حكمًا ضد المنتجين المكسيكيين، إذ وجدت أنهم مارسوا سياسة الإغراق، لكنها توصلت إلى اتفاق معهم، حيث وافق مصدرو الطماطم المكسيكيون على تحديد حد أدنى للأسعار، مما دفع الولايات المتحدة إلى إلغاء التحقيق، وعقب ذلك، أبرمت واشنطن ومكسيكو سيتي، سلسلة من اتفاقيات التعاون على مر السنين، وتم تنفيذ أول تعريفة جمركية في عام 1996، ودخلت أحدث تعريفة جمركية حيز التنفيذ في عام 2019 خلال ولاية ترمب الأولى، بعد أن هددت إدارته بفرض تعريفة جمركية على الطماطم المكسيكية بنسبة 17.5 %. الانسحاب من اتفاقية الطماطم في أبريل الماضي، انسحبت وزارة التجارة الأميركية من أحدث اتفاقية لتعليق استيراد الطماطم، وأعلنت فرض رسوم إغراق بنسبة 21 % على الطماطم الطازجة المستوردة من المكسيك، بدءًا من يوليو المقبل، وليس من الواضح في هذه المرحلة ما إذا كان المستوردون والمستهلكون الأميركيون سوف يتحملون العبء الكامل لهذه التعريفات، أو ما إذا كان المصدرون المكسيكيون للطماطم سوف يتحملون هذه التكلفة، ومن المفترض أن تفيد هذه الخطوة المنتجين الأميركيين، ومعظمهم في ولاية فلوريدا، مع وجود عدد أقل بكثير منهم في كاليفورنيا، ومع ذلك، تهدد الرسوم الجمركية بإلحاق الضرر بموزعي المنتجات، وتجار الجملة والتجزئة، بالإضافة إلى المستهلكين الأميركيين. اعتاد الأميركيون على شراء الطماطم الطازجة بكميات كبيرة لإضافتها إلى سلطاتهم وحشوها في شطائرهم، رغم أنه لا يمكن حصاد الطماطم إلا في الأشهر الأكثر دفئًا من العام، ولا يتعلق النزاع بجميع الطماطم التي يتناولها الأميركيون، إذ يُقسم إنتاج الطماطم في الولايات المتحدة إلى فئتين رئيسيتين، الأولى هي فئة الطماطم الطازجة، وهي التي يدور الخلاف حولها، أما الفئة الثانية، فهي معالجة الطماطم، التي تستخدمها الشركات لصنع معجون الطماطم، والطماطم المعلبة أو المطهية، والصلصة، وتتصدر كاليفورنيا الولايات المتحدة في معالجة إنتاج الطماطم، وعلى عكس الطماطم الطازجة، تحقق الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا في منتجات الطماطم المصنعة. عندما تم تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية في يناير 1994، كان إنتاج الطماطم الطازجة في الولايات المتحدة أكثر من أربعة أمثال كمية الطماطم الطازجة المستوردة أي 1.7 مليون طن متري منتجة، مقابل 400 ألف طن متري فقط مستوردة، وقد تدهور الإنتاج المحلي الأميركي من الطماطم بشكل مطرد منذ ذلك الوقت، بينما ازدادت الواردات، وأصبحت الطماطم الطازجة المستوردة الآن أكثر وفرة بمرتين، حيث تم زراعة مليون طن متري في الولايات المتحدة عام 2024، مقارنةً بمليوني طن متري مستوردة، وقد حدث هذا في الوقت الذي أصبح فيه الأميركيون يأكلون الطماطم الطازجة بكميات أكبر من أي وقت مضى، حيث بلغت حصة الفرد الأميركي سنوياً من الطماطم 9 كيلوغرامات في عام 2024. زيادة المعروض والأسعار في عام 2024، بلغ إجمالي الواردات الأميركية من الطماطم الطازجة 3.6 مليار دولار، منها 3.1 مليار دولار من المكسيك، ويمثل هذا زيادة بنسبة 367 ٪ منذ دخول اتفاقية نافتا حيز التنفيذ، ونظراً لانخفاض تكاليف إنتاج العديد من المنتجات الطازجة في المكسيك، بفضل قلة تكاليف العمالة عن نصف مستوياتها في الولايات المتحدة، فقد بقيت أسعار الطماطم منخفضة في السوق الأميركية، من جهة أخرى، يفيد تقييد استيراد الطماطم المكسيكية، منتجي الطماطم الأمريكيين في ضبط أسعارهم، إلا أن هناك عوامل أخرى يجب مراعاتها، حيث تلعب الواردات دورًا حاسمًا في تعزيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل، ووفقًا لدراسة حديثة، فقد حققت هذه الواردات أثرًا اقتصاديًا إجماليًا تجاوز 8 مليارات دولار. تأتي الـ5 مليارات دولار الإضافية من جميع أنشطة القيمة المضافة المرتبطة بنقل هذه المنتجات من الحدود إلى المستهلكين، ويدعم هذا الأثر الاقتصادي الإجمالي حوالي 47 ألف وظيفة أمريكية مرتبطة بتخزين الطماطم وتوزيعها وتجارة الجملة والتجزئة، ومن المتوقع أن تؤدي رسوم مكافحة الإغراق على الطماطم الطازجة المستوردة إلى ارتفاع الأسعار، وتقليص كمية الطماطم الطازجة التي يمكن للأمريكيين شراؤها، كما سيُخفف ذلك بعض الآثار الاقتصادية، ويلغي بعض الوظائف التي حفزتها طفرة استيراد الطماطم. خيارات المنتجين المكسيكيين مع قرب فرض ضريبة أميركية على الطماطم المكسيكية في منتصف يوليو، يضغط المزارعون المكسيكيون بشدة ضد هذا الإجراء الذي يقولون إنه سيضر بالبلدين، ويعترفون بأن الأمر صعب للغاية، وفي الأسبوع الأول من شهر مايو الحالي، التقى مصدرو الطماطم المكسيكيين في واشنطن، بوزير الزراعة المكسيكي خوليو بيرديغي، ووزيرة الزراعة الأميركية بروك رولينز، بالإضافة إلى مشترين وموزعين وتجار تجزئة أمريكيين يعارضون رسوم الاستيراد الأميركية، ويمارس المصدرون المكسيكيون، والمستوردون الأمريكيون، المتضررون من كلا الجانبين ضغوطًا على أعضاء الكونجرس لإلغاء أو تخفيف هذه الرسوم. يواجه منتجو الطماطم المكسيكيون مخاطر كبيرة، إذ يُصدرون أكثر من نصف محصول الطماطم المكسيكية إلى الولايات المتحدة، وهذا يمثل دخل سنوي يتجاوز 3 مليارات دولار، وفقًا لوزارة الاقتصاد المكسيكية، وقد شهدت صادرات المكسيك من الطماطم ارتفاعًا حادًا في السنوات الأخيرة مع توسع إنتاج الصوبات الزراعية، واليوم، تُزود المكسيك، الولايات المتحدة بما يقارب 7 من كل 10 طماطم طازجة يستهلكها الأمريكيون، ويدرس مصدرو الطماطم المكسيكيون جميع الخيارات، الدبلوماسية، والتجارية، ويبرع المكسيكيون في إنتاج مجموعة متنوعة من الطماطم لسوق التصدير، بما في ذلك طماطم الكرز، وطماطم الهيرلوم، الصغيرة، وطماطم العنب الناضجة. من ناحيتها، هددت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، بأن حكومتها قد ترد على رسوم الطماطم، بفرض رسوم انتقامية على واردات الدجاج الأميركية، وتتهم بورصة فلوريدا للطماطم، المزارعين المكسيكيين بالإغراق، من خلال استغلال انخفاض تكاليف العمالة وبيع منتجاتهم بأسعار أقل من أسعار السوق الأميركية، ويدرك المكسيكيون أن المزارعين في ولاية فلوريدا الأميركية لا يستطيعون المنافسة لأنهم يفتقرون إلى التكنولوجيا، والمياه، والمناخ الملائم، والقوى العاملة، وبخصوص التكنولوجيا، فقد استثمر المزارعون المكسيكيون بشكل كبير في تكنولوجيا الصوب الزراعية، مما سمح لهم بزراعة طماطم متخصصة، في حين كانت صناعة الطماطم في فلوريدا تقليدية، حيث تعتمد بشكل رئيسي على الطماطم المستديرة.