logo
سيد ضياء الموسوي الرقص على حد السكين الخميس 17 أبريل 2025

سيد ضياء الموسوي الرقص على حد السكين الخميس 17 أبريل 2025

إنها صدمة العاشق الجريح من 'القديس' الذي راح يرقص مع أمريكا رقصة الفلامنكو لمصلحته، تاركًا خلفه أنهارًا من الجنازات، وبحارًا من الجرحى، وتلالًا من الثكالى، وعواصم أشبه بالقبور في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
الذكي من يُتقن اللعب على الحبال المشدودة، لا من يرقص بأطراف أصابعه على سكين حادة. أما المتهور، فهو من يضحي بكل أوراقه، وبأهله، وأطفاله، وبوطنه من أجل سياسة متغيرة، سرعان ما تتحول فيها ضلوع أبنائه إلى أعمدة لطاولة المفاوضات، وجلود أطفاله إلى ستائر لغرف الحوارات. تلك الحوارات التي تحجب الرؤية عن خيبات الفقراء، وأوجاع المكلومين، وجروح المغدورين الذين تدثرت أجسادهم بأكفان الشعارات الثورية، ودفنوا في قبور الحزن، في جنازات قرارات خائبة.
احذر أن تجعل من دماء أهلك حطبًا في نار مراهقة سياسية، فتخسرهم في ساعة تفاوض عابرة!
هل لأتباع إيران في لبنان واليمن والعراق وغيرها أن يفهموا الدرس؟ أن 'القديس' يجلس اليوم مع 'الشيطان الأكبر' على طاولة واحدة؟
أنا لست ضد هذا الجلوس، بل أعدّه حكمة. وهي - لعلها - آخر ما تبقى من نصائح الرئيس السابق محمد خاتمي في الإناء الإيراني. فقد تمثّل آخر الوعي الإيراني في بعض الإصلاحيين الليبراليين، وإذا دفع المتشددون نحو المواجهة، فستكون نهاية درامية لقصة ثورة أضرت بالسنّة ولم تنفع الشيعة.
إن جلوس 'القديس' مع 'الشيطان الأكبر' أسقط كل الشعارات التاريخية. وهي شهادة بأن ليس كل من تراه عدوًّا يجب أن تُشيطنه، أو تكسر عظمه... ففي السياسة دائمًا هناك مساحات مشتركة لأكبر ربح بأقل خسارة.
السؤال: كيف يفهم أولئك الذين جعلوا من إيران قداسًا، وكل ما تقوم به مقدسًا، وكل رجل فيها قديسًا، ألا يتطرفوا أكثر في المواجهات؟ ألا تنفجر حناجرهم بالشعارات الثورية، ويصنعوا الأزمات في أوطانهم، دون أن يقبلوا بالموجود ويبنوا عليه، بسياسة 'الخطوة خطوة'، لا بسياسة 'حرق المراحل'؟
نريد أوطانًا آمنة، تقوم على احترام القوانين والدساتير، والعمل على تحقيق الحقوق من خلالها. أوقفوا الشعارات الرومانسية، أوقفوا لغة السب والشتم، أوقفوا عقلية 'إما كلّه أو خَلّه'.
يقول أرسطو: 'غاية السياسة هي تحقيق الخير العام، ولا يتحقق ذلك إلا على يد رجال حكماء عاقلين، يعرفون طبائع البشر وحدود القوة'.
حذاري أن تضع حياتك وأطفالك ومستقبلهم كورقة في لعبة الشطرنج السياسية، فتخسر كل شيء في ساعة تفاوض بين المتخاصمين، هؤلاء أهلك وفلذات كبدك.
السياسي الماهر هو من يتحرك بعقل وكياسة وذكاء. كما فعل اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية؛ رفضوا الثورية، وتجاوزوا نرجسية الأنا، وفهموا الدرس. لم يأخذوا أبناءهم للمقابر، ولم يدخلوهم في مراهقات سياسية تحت شعار 'الثأر' لهيروشيما وناجازاكي، بل ثأروا من العالم بإدخال أبنائهم الجامعات، وتفوقوا في الاقتصاد والتعليم. ويقول ميكافيللي في كتابه الأمير: 'من الخطير على السياسي أن يتصرف تبعًا لعاطفته؛ فالحكمة أن يدرك متى يكون أسدًا، ومتى يكون ثعلبًا'.
وأنا أقول: لا تكن ثعلبًا بل كن حكيمًا، أخلاقيًا، وإنسانيًا. كن غواصًا ماهرًا في بحر السياسة المليء بأسماك القرش. وإن لم تستطع، فابقَ على الشاطئ، واشرب عصيرًا تحت أشعة الشمس، واستمع إلى الموسيقى، فذلك أفضل من أن تُورط الناس في مراهقات سياسية.
السياسي الماهر، حتى في لحظة الإنقاذ، يضع خطًّا للعودة. لا يغامر بكل شيء وينتحر. فالغواص الماهر ينزل إلى القاع لينقذ، لكنه لا ينسى زجاجة الأكسجين، ولا طريق العودة. يقول نزار قباني: 'الرصاصة التي تُطلق لا يمكن استرجاعها، ولا الاعتذار عنها'.
كمجتمعات، أدعو إلى 'تقاعد سياسي' لرجال الدين؛ لأن الخُطب ورّطتنا، وورطت شبابًا في عمر الزهور. سنوات من الأخطاء ذاتها، واليتامى يولّدون يتامى.
نحن بحاجة إلى عودة المدارس الدينية التقليدية التي تدعو للقيم والأخلاق والدين الوسطي، وتترك السياسة لأهلها، وتبني الأوطان يدًا بيد مع الحكام.
الفيلسوف الفرنسي فولتير، الذي أسقط التخلف الكنسي ودعا إلى إصلاحه، قال: 'لا يمكن أن تُدار الشعوب بالخطب الرنانة والمراهقة السياسية، بل بالحكمة والعدل'.
فهل ما فعله السنوار نفع غزة أم أضرّها؟ علينا أن ندرس 'علم التفس السياسي' لنفهم الواقع. هناك نظرية تُعرف بـ'النضج النفسي السياسي' (Political Emotional Maturity). تقول النظرية إن السياسي غير الناضج يميل إلى قرارات متهورة، مدفوعة بالغرور، وهدفه إما الإعجاب أو الانتقام. أما السياسي الناضج نفسيًا وعاطفيًا، فهو: قادر على تأجيل قراراته إلى حين هدوء العاطفة. واعٍ لذاته وحدود قوته. يضع الخير العام قبل الأنا. لهذا، أنا أرفض 'الدولة الدينية' التي تقوم على فكر المغيبات، لا على الاستراتيجيات. على مراهقات، لا على مؤسسات. على الغيب، لا على دستور أو فكر فلسفي يحكم التصرف.
سؤالي: هل قرأ هؤلاء 'الدينيون السياسيون' في الفكر السياسي؟ في كتابات روسو، وهوبز، وجون لوك؟ قلة.
دخلت مكتبة أحدهم، فوجدتها متخمة بكتب الطهارة والنفاس، اثني عشر مجلدًا! ولم أجد كتابًا واحدًا في السياسة أو الاجتماع أو علم النفس. فكيف لأمثال هؤلاء أن يقودوا السياسة؟ يقول سقراط: 'السياسي الجاهل أشبه بمن يقود سفينة في عاصفة دون بوصلة'. وفي بُعده الفلسفي يميز بين الحكمة والقوة.
المراهق سياسيًا كطفل يلهو بسكينٍ مسمومة، يبيع دموع الناس مقابل نشوة قرار.
أيها السياسي… السياسة ليست مزاجًا، ولا نزوةً فوق منصة جماهير. إنها ميزان: على كفةٍ أرواح الناس، وعلى الكفة الأخرى رغباتك.
الحكمة: أن تؤجل القرار ساعة، كي لا يقتلك الغضب. أن تمضي لسريرك والمساء يئن، دون أن تصدر قرارًا أعمى يحمل في جوفه قبورًا صامتة.
بحرينيًا، فلنعد إلى التاريخ: هل كانت مقاطعة البرلمان عام 2002 حكمة؟ هل كانت الاستقالات الجماعية في 2011 قرارًا صائبًا؟ هل كان من الحكمة إلقاء 19 مقعدًا برلمانيًا بدافع 'الحماس الثوري'؟ هل كانت مقاطعة برلمان 2014 ضرورية؟
إنها كوميديا سوداء: تركوا طاولة البرلمان بـ19 مقعدًا، وراحوا يتحدثون عن طاولة في جمعية بها امرأة وثلاثة رجال! أين هو الذكاء في هذا الانحدار من نقاشات البرلمان إلى الطهارة والنجاسة؟ ومن العمل في المؤسسات إلى الصراخ في الشوارع؟
السؤال: هل نستوعب الدرس، ونتوقف عن تحويل الزهور إلى قبور، والوجوه النضرة إلى تراب؟ ألا يمكننا أن نحول الطعنات إلى قبلات، واللعنات إلى أغنيات؟
يا سادة، السياسة لعبة حبال مشدودة لا رقصة سكاكين فوق أصابع مرتعشة.
في السياسة: احفظ لنفسك ممرًا للهروب، ومخرجًا للعقل. فبناء الدولة لا يكون برومانسية الثورة، ولا بعداء العالم أجمع، بل بالعقل، والعلم، والحضارة.
فهل من واعٍ يعقلها؟ ألا يرهن أبناءه لمراهقات سياسية، قبل أن يصحو ذات فجر،
ويجد جثث الضحايا متراكمة على مائدة 'قديس' و 'شيطان'، وأبناء المساكين مجرد صدى في قصيدة رثاء، أو صورًا مؤلمة لشبابٍ في بيت عزاء، أو خبرًا باكيًا على صفحة جريدة، اختلط فيها الدم بالحبر، فتحولت المحبرة إلى مقبرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"1000 مقابل 1000".. إتمام أكبر عملية لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا
"1000 مقابل 1000".. إتمام أكبر عملية لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا

البلاد البحرينية

timeمنذ 12 ساعات

  • البلاد البحرينية

"1000 مقابل 1000".. إتمام أكبر عملية لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا

قالت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، إن موسكو وكييف استكملتا عملية تبادل أسرى حرب استمرت ثلاثة أيام بعد أن تبادل الطرفان اليوم 303 أسرى من كل جانب. وأضافت الوزارة بالقول: "وفقا للاتفاقيات الروسية الأوكرانية التي تم التوصل إليها في 16 مايو (أيار) في إسطنبول، وعلى مدى الفترة من 23 إلى 25 مايو (أيار)، أجرى الجانبان الروسي والأوكراني عملية تبادل أسرى بمعدل ألف أسير مقابل ألف أسير وفق صيغة "1000 مقابل 1000". وقالت الوزارة: "أُعيد 303 عسكريين روس آخرين من الأراضي الخاضعة لسيطرة نظام كييف. وفي المقابل، تم تسليم 303 أسرى حرب من القوات الأوكرانية. ويتواجد العسكريون الروس حالياً على أراضي جمهورية بيلاروسيا، حيث يتلقون الدعم النفسي والطبي اللازم". وأكدت الوزارة أنه سيتم نقل جميع العسكريين والمدنيين الروس إلى روسيا لتلقي العلاج والتأهيل في المؤسسات الطبية التابعة لوزارة الدفاع الروسية. بالمقابل، أعلن مدير مكتب الرئيس الأوكراني أن كييف استعادت 303 أسرى من روسيا في المرحلة الثالثة من عملية تبادل الأسرى الكبيرة. وقبلها، كتب زيلينسكي على "تليغرام": "اليوم، يعود إلى الديار جنود من قواتنا المسلحة والحرس الوطني وحرس الحدود وخدمة النقل الخاصة التابعة للدولة". وكان هذا التبادل هو الخطوة الملموسة الوحيدة نحو السلام التي انبثقت من أول محادثات مباشرة بين الطرفين المتحاربين منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأُجريت المحادثات في 16 مايو (أيار)، لكنها لم تفض إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ودعت أوكرانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى وقف القتال لمدة 30 يوما من دون شروط مسبقة للسماح بإجراء محادثات سلام. ويُعتقد أن مئات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين قد أُصيبوا أو قُتلوا في أدمى الصراعات في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ولا ينشر أي من الجانبين أرقاماً دقيقة للقتلى أو المصابين. كما قُتل عشرات الآلاف من المدنيين الأوكرانيين خلال حصار القوات الروسية للمدن الأوكرانية وقصفها.

بين فردوسي والخميني.. جدل الهوية بين القومية والدين
بين فردوسي والخميني.. جدل الهوية بين القومية والدين

البلاد البحرينية

timeمنذ يوم واحد

  • البلاد البحرينية

بين فردوسي والخميني.. جدل الهوية بين القومية والدين

في جلسة عائلية حميمة قبل أيام، جمعتني لحظات ماتعة ومفعمة بالذكريات والتأملات مع مجموعة من الأصدقاء، من بينهم الصديق العزيز الأستاذ أنور عبدالرحمن، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير جريدة 'أخبار الخليج'. أنور ليس مجرد صديق وزميل درب في بلاط صاحبة الجلالة، بل هو مثال نادر لرجل عصامي شق طريقه من الصفر إلى قمة النجاح، لا على الصعيد المادي فحسب، بل على المستوى المعرفي والثقافي أيضًا. ومن دون خلفية أكاديمية رسمية، استطاع أن يكوّن لنفسه رصيدًا فكريًا ومعرفيًا يضاهي كبار المثقفين؛ بفضل نهمه الدائم في القراءة، وحرصه على الاطلاع المتنوع باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب إتقانه المدهش للغة الفارسية وآدابها، شعرًا ونثرًا، ويكاد يتألق أكثر عندما يدور الحديث حول الشاعر الفارسي العظيم عمر الخيام ورباعياته الخالدة، أو حول فردوسي وملحمته التاريخية 'الشاهنامه'، التي باتت في نظر كثيرين مرآة الهوية الفارسية العميقة. في تلك الجلسة، دار الحديث في منحى فلسفي وفكري حول إشكالية الهوية لدى الإيرانيين، أو الفُرس تحديدًا، هل يغلب لديهم الانتماء القومي الفارسي، أم الانتماء الإسلامي الشيعي؟ هل يمكن القول إن إيران - الدولة والنظام والشعب - هي أولا وأساسًا كيان فارسي، أم أن العقيدة الإسلامية (وتحديدا المذهب الشيعي) هي الركيزة الأهم في تشكيل وجدانها وسلوكها السياسي؟ قد يبدو السؤال مجرد جدل فكري، لكن واقع الحال يقول إنه سؤال شديد الحساسية والتعقيد، وله تداعيات كبرى على السياسات الداخلية والخارجية لإيران، وعلى علاقة هذه الدولة بجوارها العربي، وبالعالم الإسلامي عمومًا. لقد تمكن المد الإسلامي العربي منذ لحظة انطلاقه في القرن السابع الميلادي، من صهر هويات شعوب بأكملها ضمن بوتقة الهوية الإسلامية العربية الجامعة. مصر الفرعونية، على سبيل المثال، تخلّت عبر الزمن عن هويتها القديمة، وتماهت بالكامل مع العروبة والإسلام. وفي شمال إفريقيا، تراجعت لغات وثقافات الأمازيغ لصالح العربية لغةً وهويةً ودينًا. لكن المفارقة الكبرى هي أن الفرس، رغم خضوعهم المبكر للفتح الإسلامي، لم يفقدوا هويتهم العرقية والثقافية، بل امتصوا الإسلام وتمسكوا بجوهرهم القومي، وأعادوا قولبته بشكل يعكس عمق الذات الفارسية. إنها ظاهرة متميزة في التاريخ، أن يحتضن شعب دينًا جديدًا، لكنه لا يسمح لهذا الدين أن يطمس معالمه الحضارية، بل يعيد تشكيله وفقًا لروحه وثقافته. ولعل هذا ما دفع الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، أثناء زيارته لإيران ولقائه بالإمام الخميني في طهران إلى طرح السؤال الجوهري التالي: 'كيف احتفظ الإيرانيون بهويتهم الفارسية، بينما لم تتمكن مصر، رغم عمق حضارتها، من فعل الشيء نفسه؟'. فكان الرد كما رواه هيكل: 'لأنكم في مصر لا تملكون فردوسي، ولا تملكون شاهنامه'. تلك العبارة تحمل من الدلالة أكثر مما يبدو في ظاهرها. 'الشاهنامه' ليست مجرد ملحمة شعرية تاريخية، بل هي عمل تأسيسي للوجدان الفارسي، يربط بين الأرض، واللغة، والرموز القومية، ويعيد إحياء أساطير وأبطال ما قبل الإسلام، كأنها تحدٍ صامت للزمن العربي والإسلامي الذي تلاها. ومن هنا، يمكن فهم كثير من المفارقات في السلوك الإيراني الرسمي: فبينما يقدم النظام الإيراني نفسه كحامل راية الإسلام الشيعي، ومدافع عن المستضعفين وناصر لشيعة العالم، إلا أن سياساته غالبًا ما تنبع من اعتبارات قومية فارسية أكثر منها دينية، ولعل من بين أبرز الأمثلة على ذلك، الموقف الإيراني الأخير من أزمات سوريا ولبنان، ففي الوقت الذي ادّعى فيه النظام الإيراني مناصرة الشيعة في المنطقة، لم يتردد في التخلي عنهم، حين رأى في ذلك مصلحة استراتيجية تتفق مع أولوياته القومية. إن ما يحرك السياسة الخارجية الإيرانية ليس دائمًا البعد المذهبي أو العقائدي، بل البراغماتية المغلّفة بخطاب ديني، والمرتكزة في جوهرها على شعور قومي عميق بالجذور الفارسية. فحين تتعارض المصلحة السياسية مع الولاء الديني، فإن الكفة تميل - في أغلب الأحيان - إلى ما يخدم مشروع الدولة الإيرانية الحديثة، لا بالضرورة مشروع الأمة الإسلامية. ومن هنا تبرز المفارقة: دولة شيعية دينية في المظهر، لكنها قومية فارسية في الجوهر، تخوض صراعاتها في المنطقة تحت راية الإسلام، ولكن بروح 'الشاهنامه' وتحمل اسم الإمام، لكنها تسير في خطى كسرى. ربما لهذا السبب يصعب فهم إيران من زاوية مذهبية فقط؛ فالدين فيها ليس سوى أحد أوجه الهوية، وليس الوجه الأعمق. الوجه الأعمق هو الفردوسي، و 'الشاهنامه'، وتلك اللغة التي استعصت على الذوبان، وذلك المزاج الثقافي الذي بقي صامدًا في وجه المد العربي والإسلامي، واستمر حاضرًا بقوة، رغم كل موجات الأسلمة، والتشيّع، والثورات. ليست قضية الهوية شأنًا ثقافيًا مجردًا، بل هي في صميم السياسة والواقع والمصير. وإذا كانت إيران قد استطاعت أن توظّف روايتها القومية لتثبيت موقعها الإقليمي، فإن عالمنا العربي لا يزال يتخبط بين انتماءات متصارعة، تتوزع بين الطائفة والقبيلة، وبين الجغرافيا الضيقة والتاريخ المبتور. لقد رأينا كيف تم توظيف الدين والمذهب لتمزيق النسيج العربي في أكثر من ساحة، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وكيف تحوّلت بعض الأقليات إلى أدوات للصراع لا شركاء في البناء، نتيجة غياب المشروع العربي الجامع الذي يصون التنوع ولا يختنقه. ورأينا كيف فقدت القضية الفلسطينية شعاعها ومركزيتها في الضمير العربي، لا بسبب تغير الوقائع فقط، بل بسبب تآكل الهوية الجامعة التي كانت توحّد الهمّ والمصير. فحين تضعف الهوية، تتشظى القضايا، ويتحوّل الصراع من صراع مع الخارج إلى صراع داخل الذات. نحن اليوم أمام مأزق وجودي، لا لغوي ولا عرقي. فإما أن نعيد تعريف أنفسنا من خلال سردية شاملة تجمع العربي والمسيحي، السني والشيعي، الأمازيغي والكردي، ضمن عقد ثقافي وسياسي جديد، أو نستمر في تفتيت الذات طائفيًا وعرقيًا حتى نغدو مجرد فسيفساء قابلة للكسر في أي لحظة.

ترقب لانطلاق أول محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف منذ 3 سنوات
ترقب لانطلاق أول محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف منذ 3 سنوات

الوطن

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • الوطن

ترقب لانطلاق أول محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف منذ 3 سنوات

وسط ترقب ومتابعة دولية، تنطلق اليوم الخميس، في تركيا، أول محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف منذ ثلاث سنوات، في غياب الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وأوفد الكرملين مجموعة من التكنوقراط ذوي الخبرة للمشاركة في المحادثات المرتقبة اليوم. وذكرت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، نقلا عن مصدر مطلع اليوم الخميس، أن المحادثات بشأن أوكرانيا التي تعقد في إسطنبول لن تكون مفتوحة لوسائل الإعلام. وقال المصدر للوكالة إن المفاوضات ستجرى في قصر دولمة بهجة في إسطنبول. ويرأس الوفد الروسي مساعد الرئيس فلاديمير ميدينسكي، ويضم الوفد أيضا نائب وزير الخارجية ميخائيل غالوزين، ورئيس المديرية العامة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية إيغور كوستيوكوف، ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين. واقترح بوتين يوم الأحد إجراء مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول اليوم الخميس "دون أي شروط مسبقة". وبعد إعلان الكرملين عن الوفد، قال مسؤول أميركي إن ترامب لن يحضر، وذلك بعد أيام من قوله إنه يفكر في القيام بزيارة. من جهته، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في لقاء صحافي إنه من السابق لأوانه مناقشة نتائج المفاوضات، مشيراً إلى أن الحرب الأوكرانية والمصالح الوطنية عمليتان منفصلتان عن بعضهما. ورغم أن بوتين لم يؤكد قط أنه سيحضر شخصيا، فإن غياب الرئيسين الروسي والأميركي عن المفاوضات يخفض سقف التوقعات بتحقيق تقدم كبير في الحرب التي انطلقت بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد تحدى الرئيس الروسي بشأن المشاركة في المحادثات "ما لم يكن خائفا"، في محاولة واضحة للإظهار لترامب من هو الأكثر حرصا على السلام. وقال مسؤول أوكراني إن زيلينسكي في طريقه إلى تركيا. وكان زيلينسكي قد أكد أن بلاده مستعدة لأي شكل من أشكال التفاوض لإنهاء الحرب مع روسيا وتحقيق سلام دائم. إلى ذلك، وصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى تركيا، قبيل انطلاق محادثات وقف إطلاق النار المرتقبة بين روسيا وأوكرانيا. في سياق متصل، قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبها إنه التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام في مدينة أنطاليا التركية لمشاركة رؤية الرئيس الأوكراني بشأن "جهود السلام المستقبلية، وتنسيق المواقف خلال هذا الأسبوع الحاسم". وذكر وزير الخارجية الأوكراني، أن اللقاء "ناقش بالتفصيل منطق الخطوات التالية، وتبادلنا وجهات النظر"، قائلاً إنه جدد التأكيد على التزام أوكرانيا القوي والثابت بجهود السلام التي يبذلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وتابع أن "روسيا من الضروري أن تبادل أوكرانيا خطواتها البناءة"، معتبراً أن موسكو "لم تفعل ذلك حتى الآن". وأضاف أن روسيا "يجب أن تدرك أن رفض السلام له ثمن". ويأمل ترامب في أن يوقع الجانبان هدنة لمدة 30 يوما لوقف أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وقال مشرع روسي أمس الأربعاء إنه قد تكون هناك أيضا مناقشات حول تبادل كبير لأسرى الحرب. ويؤيد زيلينسكي وقفا فوريا لإطلاق النار لمدة 30 يوما، لكن بوتين قال إنه يريد أولا بدء محادثات لمناقشة تفاصيل وقف إطلاق النار هذا. وتُعد هذه الجولة من المفاوضات واحدة من أبرز المحطات الدبلوماسية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وسط توقعات بحضور دولي مكثف، وترقب لمواقف أكثر مرونة قد تُمهد لمرحلة جديدة من التهدئة السياسية. وقد جدّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش دعوته لوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط في أوكرانيا، تمهيداً لسلام عادل يحترم وحدة أراضيها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store