
بين فردوسي والخميني.. جدل الهوية بين القومية والدين
في جلسة عائلية حميمة قبل أيام، جمعتني لحظات ماتعة ومفعمة بالذكريات والتأملات مع مجموعة من الأصدقاء،
من بينهم الصديق العزيز الأستاذ أنور عبدالرحمن، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير جريدة 'أخبار الخليج'. أنور ليس مجرد صديق وزميل درب في بلاط صاحبة الجلالة، بل هو مثال نادر لرجل عصامي شق طريقه من الصفر إلى قمة النجاح، لا على الصعيد المادي فحسب، بل على المستوى المعرفي والثقافي أيضًا.
ومن دون خلفية أكاديمية رسمية، استطاع أن يكوّن لنفسه رصيدًا فكريًا ومعرفيًا يضاهي كبار المثقفين؛ بفضل نهمه الدائم في القراءة، وحرصه على الاطلاع المتنوع باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب إتقانه المدهش للغة الفارسية وآدابها، شعرًا ونثرًا، ويكاد يتألق أكثر عندما يدور الحديث حول الشاعر الفارسي العظيم عمر الخيام ورباعياته الخالدة، أو حول فردوسي وملحمته التاريخية 'الشاهنامه'، التي باتت في نظر كثيرين مرآة الهوية الفارسية العميقة.
في تلك الجلسة، دار الحديث في منحى فلسفي وفكري حول إشكالية الهوية لدى الإيرانيين، أو الفُرس تحديدًا، هل يغلب لديهم الانتماء القومي الفارسي، أم الانتماء الإسلامي الشيعي؟
هل يمكن القول إن إيران - الدولة والنظام والشعب - هي أولا وأساسًا كيان فارسي، أم أن العقيدة الإسلامية (وتحديدا المذهب الشيعي) هي الركيزة الأهم في تشكيل وجدانها وسلوكها السياسي؟
قد يبدو السؤال مجرد جدل فكري، لكن واقع الحال يقول إنه سؤال شديد الحساسية والتعقيد، وله تداعيات كبرى على السياسات الداخلية والخارجية لإيران، وعلى علاقة هذه الدولة بجوارها العربي، وبالعالم الإسلامي عمومًا.
لقد تمكن المد الإسلامي العربي منذ لحظة انطلاقه في القرن السابع الميلادي، من صهر هويات شعوب بأكملها ضمن بوتقة الهوية الإسلامية العربية الجامعة.
مصر الفرعونية، على سبيل المثال، تخلّت عبر الزمن عن هويتها القديمة، وتماهت بالكامل مع العروبة والإسلام.
وفي شمال إفريقيا، تراجعت لغات وثقافات الأمازيغ لصالح العربية لغةً وهويةً ودينًا.
لكن المفارقة الكبرى هي أن الفرس، رغم خضوعهم المبكر للفتح الإسلامي، لم يفقدوا هويتهم العرقية والثقافية، بل امتصوا الإسلام وتمسكوا بجوهرهم القومي، وأعادوا قولبته بشكل يعكس عمق الذات الفارسية.
إنها ظاهرة متميزة في التاريخ، أن يحتضن شعب دينًا جديدًا، لكنه لا يسمح لهذا الدين أن يطمس معالمه الحضارية، بل يعيد تشكيله وفقًا لروحه وثقافته.
ولعل هذا ما دفع الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، أثناء زيارته لإيران ولقائه بالإمام الخميني في طهران إلى طرح السؤال الجوهري التالي: 'كيف احتفظ الإيرانيون بهويتهم الفارسية، بينما لم تتمكن مصر، رغم عمق حضارتها، من فعل الشيء نفسه؟'.
فكان الرد كما رواه هيكل: 'لأنكم في مصر لا تملكون فردوسي، ولا تملكون شاهنامه'.
تلك العبارة تحمل من الدلالة أكثر مما يبدو في ظاهرها. 'الشاهنامه' ليست مجرد ملحمة شعرية تاريخية، بل هي عمل تأسيسي للوجدان الفارسي، يربط بين الأرض، واللغة، والرموز القومية، ويعيد إحياء أساطير وأبطال ما قبل الإسلام، كأنها تحدٍ صامت للزمن العربي والإسلامي الذي تلاها.
ومن هنا، يمكن فهم كثير من المفارقات في السلوك الإيراني الرسمي: فبينما يقدم النظام الإيراني نفسه كحامل راية الإسلام الشيعي، ومدافع عن المستضعفين وناصر لشيعة العالم، إلا أن سياساته غالبًا ما تنبع من اعتبارات قومية فارسية أكثر منها دينية، ولعل من بين أبرز الأمثلة على ذلك، الموقف الإيراني الأخير من أزمات سوريا ولبنان، ففي الوقت الذي ادّعى فيه النظام الإيراني مناصرة الشيعة في المنطقة، لم يتردد في التخلي عنهم، حين رأى في ذلك مصلحة استراتيجية تتفق مع أولوياته القومية.
إن ما يحرك السياسة الخارجية الإيرانية ليس دائمًا البعد المذهبي أو العقائدي، بل البراغماتية المغلّفة بخطاب ديني، والمرتكزة في جوهرها على شعور قومي عميق بالجذور الفارسية.
فحين تتعارض المصلحة السياسية مع الولاء الديني، فإن الكفة تميل - في أغلب الأحيان - إلى ما يخدم مشروع الدولة الإيرانية الحديثة، لا بالضرورة مشروع الأمة الإسلامية.
ومن هنا تبرز المفارقة: دولة شيعية دينية في المظهر، لكنها قومية فارسية في الجوهر، تخوض صراعاتها في المنطقة تحت راية الإسلام، ولكن بروح 'الشاهنامه' وتحمل اسم الإمام، لكنها تسير في خطى كسرى.
ربما لهذا السبب يصعب فهم إيران من زاوية مذهبية فقط؛ فالدين فيها ليس سوى أحد أوجه الهوية، وليس الوجه الأعمق. الوجه الأعمق هو الفردوسي، و 'الشاهنامه'، وتلك اللغة التي استعصت على الذوبان، وذلك المزاج الثقافي الذي بقي صامدًا في وجه المد العربي والإسلامي، واستمر حاضرًا بقوة، رغم كل موجات الأسلمة، والتشيّع، والثورات.
ليست قضية الهوية شأنًا ثقافيًا مجردًا، بل هي في صميم السياسة والواقع والمصير.
وإذا كانت إيران قد استطاعت أن توظّف روايتها القومية لتثبيت موقعها الإقليمي، فإن عالمنا العربي لا يزال يتخبط بين انتماءات متصارعة، تتوزع بين الطائفة والقبيلة، وبين الجغرافيا الضيقة والتاريخ المبتور.
لقد رأينا كيف تم توظيف الدين والمذهب لتمزيق النسيج العربي في أكثر من ساحة، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وكيف تحوّلت بعض الأقليات إلى أدوات للصراع لا شركاء في البناء، نتيجة غياب المشروع العربي الجامع الذي يصون التنوع ولا يختنقه.
ورأينا كيف فقدت القضية الفلسطينية شعاعها ومركزيتها في الضمير العربي، لا بسبب تغير الوقائع فقط، بل بسبب تآكل الهوية الجامعة التي كانت توحّد الهمّ والمصير. فحين تضعف الهوية، تتشظى القضايا، ويتحوّل الصراع من صراع مع الخارج إلى صراع داخل الذات.
نحن اليوم أمام مأزق وجودي، لا لغوي ولا عرقي.
فإما أن نعيد تعريف أنفسنا من خلال سردية شاملة تجمع العربي والمسيحي، السني والشيعي، الأمازيغي والكردي، ضمن عقد ثقافي وسياسي جديد، أو نستمر في تفتيت الذات طائفيًا وعرقيًا حتى نغدو مجرد فسيفساء قابلة للكسر في أي لحظة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
بين فردوسي والخميني.. جدل الهوية بين القومية والدين
في جلسة عائلية حميمة قبل أيام، جمعتني لحظات ماتعة ومفعمة بالذكريات والتأملات مع مجموعة من الأصدقاء، من بينهم الصديق العزيز الأستاذ أنور عبدالرحمن، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير جريدة 'أخبار الخليج'. أنور ليس مجرد صديق وزميل درب في بلاط صاحبة الجلالة، بل هو مثال نادر لرجل عصامي شق طريقه من الصفر إلى قمة النجاح، لا على الصعيد المادي فحسب، بل على المستوى المعرفي والثقافي أيضًا. ومن دون خلفية أكاديمية رسمية، استطاع أن يكوّن لنفسه رصيدًا فكريًا ومعرفيًا يضاهي كبار المثقفين؛ بفضل نهمه الدائم في القراءة، وحرصه على الاطلاع المتنوع باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب إتقانه المدهش للغة الفارسية وآدابها، شعرًا ونثرًا، ويكاد يتألق أكثر عندما يدور الحديث حول الشاعر الفارسي العظيم عمر الخيام ورباعياته الخالدة، أو حول فردوسي وملحمته التاريخية 'الشاهنامه'، التي باتت في نظر كثيرين مرآة الهوية الفارسية العميقة. في تلك الجلسة، دار الحديث في منحى فلسفي وفكري حول إشكالية الهوية لدى الإيرانيين، أو الفُرس تحديدًا، هل يغلب لديهم الانتماء القومي الفارسي، أم الانتماء الإسلامي الشيعي؟ هل يمكن القول إن إيران - الدولة والنظام والشعب - هي أولا وأساسًا كيان فارسي، أم أن العقيدة الإسلامية (وتحديدا المذهب الشيعي) هي الركيزة الأهم في تشكيل وجدانها وسلوكها السياسي؟ قد يبدو السؤال مجرد جدل فكري، لكن واقع الحال يقول إنه سؤال شديد الحساسية والتعقيد، وله تداعيات كبرى على السياسات الداخلية والخارجية لإيران، وعلى علاقة هذه الدولة بجوارها العربي، وبالعالم الإسلامي عمومًا. لقد تمكن المد الإسلامي العربي منذ لحظة انطلاقه في القرن السابع الميلادي، من صهر هويات شعوب بأكملها ضمن بوتقة الهوية الإسلامية العربية الجامعة. مصر الفرعونية، على سبيل المثال، تخلّت عبر الزمن عن هويتها القديمة، وتماهت بالكامل مع العروبة والإسلام. وفي شمال إفريقيا، تراجعت لغات وثقافات الأمازيغ لصالح العربية لغةً وهويةً ودينًا. لكن المفارقة الكبرى هي أن الفرس، رغم خضوعهم المبكر للفتح الإسلامي، لم يفقدوا هويتهم العرقية والثقافية، بل امتصوا الإسلام وتمسكوا بجوهرهم القومي، وأعادوا قولبته بشكل يعكس عمق الذات الفارسية. إنها ظاهرة متميزة في التاريخ، أن يحتضن شعب دينًا جديدًا، لكنه لا يسمح لهذا الدين أن يطمس معالمه الحضارية، بل يعيد تشكيله وفقًا لروحه وثقافته. ولعل هذا ما دفع الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، أثناء زيارته لإيران ولقائه بالإمام الخميني في طهران إلى طرح السؤال الجوهري التالي: 'كيف احتفظ الإيرانيون بهويتهم الفارسية، بينما لم تتمكن مصر، رغم عمق حضارتها، من فعل الشيء نفسه؟'. فكان الرد كما رواه هيكل: 'لأنكم في مصر لا تملكون فردوسي، ولا تملكون شاهنامه'. تلك العبارة تحمل من الدلالة أكثر مما يبدو في ظاهرها. 'الشاهنامه' ليست مجرد ملحمة شعرية تاريخية، بل هي عمل تأسيسي للوجدان الفارسي، يربط بين الأرض، واللغة، والرموز القومية، ويعيد إحياء أساطير وأبطال ما قبل الإسلام، كأنها تحدٍ صامت للزمن العربي والإسلامي الذي تلاها. ومن هنا، يمكن فهم كثير من المفارقات في السلوك الإيراني الرسمي: فبينما يقدم النظام الإيراني نفسه كحامل راية الإسلام الشيعي، ومدافع عن المستضعفين وناصر لشيعة العالم، إلا أن سياساته غالبًا ما تنبع من اعتبارات قومية فارسية أكثر منها دينية، ولعل من بين أبرز الأمثلة على ذلك، الموقف الإيراني الأخير من أزمات سوريا ولبنان، ففي الوقت الذي ادّعى فيه النظام الإيراني مناصرة الشيعة في المنطقة، لم يتردد في التخلي عنهم، حين رأى في ذلك مصلحة استراتيجية تتفق مع أولوياته القومية. إن ما يحرك السياسة الخارجية الإيرانية ليس دائمًا البعد المذهبي أو العقائدي، بل البراغماتية المغلّفة بخطاب ديني، والمرتكزة في جوهرها على شعور قومي عميق بالجذور الفارسية. فحين تتعارض المصلحة السياسية مع الولاء الديني، فإن الكفة تميل - في أغلب الأحيان - إلى ما يخدم مشروع الدولة الإيرانية الحديثة، لا بالضرورة مشروع الأمة الإسلامية. ومن هنا تبرز المفارقة: دولة شيعية دينية في المظهر، لكنها قومية فارسية في الجوهر، تخوض صراعاتها في المنطقة تحت راية الإسلام، ولكن بروح 'الشاهنامه' وتحمل اسم الإمام، لكنها تسير في خطى كسرى. ربما لهذا السبب يصعب فهم إيران من زاوية مذهبية فقط؛ فالدين فيها ليس سوى أحد أوجه الهوية، وليس الوجه الأعمق. الوجه الأعمق هو الفردوسي، و 'الشاهنامه'، وتلك اللغة التي استعصت على الذوبان، وذلك المزاج الثقافي الذي بقي صامدًا في وجه المد العربي والإسلامي، واستمر حاضرًا بقوة، رغم كل موجات الأسلمة، والتشيّع، والثورات. ليست قضية الهوية شأنًا ثقافيًا مجردًا، بل هي في صميم السياسة والواقع والمصير. وإذا كانت إيران قد استطاعت أن توظّف روايتها القومية لتثبيت موقعها الإقليمي، فإن عالمنا العربي لا يزال يتخبط بين انتماءات متصارعة، تتوزع بين الطائفة والقبيلة، وبين الجغرافيا الضيقة والتاريخ المبتور. لقد رأينا كيف تم توظيف الدين والمذهب لتمزيق النسيج العربي في أكثر من ساحة، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وكيف تحوّلت بعض الأقليات إلى أدوات للصراع لا شركاء في البناء، نتيجة غياب المشروع العربي الجامع الذي يصون التنوع ولا يختنقه. ورأينا كيف فقدت القضية الفلسطينية شعاعها ومركزيتها في الضمير العربي، لا بسبب تغير الوقائع فقط، بل بسبب تآكل الهوية الجامعة التي كانت توحّد الهمّ والمصير. فحين تضعف الهوية، تتشظى القضايا، ويتحوّل الصراع من صراع مع الخارج إلى صراع داخل الذات. نحن اليوم أمام مأزق وجودي، لا لغوي ولا عرقي. فإما أن نعيد تعريف أنفسنا من خلال سردية شاملة تجمع العربي والمسيحي، السني والشيعي، الأمازيغي والكردي، ضمن عقد ثقافي وسياسي جديد، أو نستمر في تفتيت الذات طائفيًا وعرقيًا حتى نغدو مجرد فسيفساء قابلة للكسر في أي لحظة.


الوطن
منذ 2 أيام
- الوطن
المرأة والإعلام الرقمي وعد أن لا يترك أي صوت في الظلام
منى علي المطوع بدأت كلامها بالإشادة بشعار مؤتمر المرأة الإقليمي وحرص القائمين على وضع صورة امرأة محجبة تمثل حقيقة ومظهر المرأة العربية المسلمة على أرض الواقع وقالت: بسبب كارثة حرب الكويت فكرنا بالعمل التطوعي في مملكة البحرين وأول ما بدأنا بالتطوع قالوا لي ستضيعين شبابج، وبدأت جمعية النور للبر من غرفة واحدة صغيرة، ومن خلال إنشاء لجنة البناء حيث قامت وزارة الداخلية بتعليمنا المسح للمنازل وأول منزل رممناه كان بقيمة 15 ألف دينار في حالة بو ماهر بالمحرق، ومن هذه الخطوة اهتم سمو رئيس الوزراء الراحل خليفة بن سلمان رحمه الله بتطويرها وأصبحت اليوم المنطقة متطورة. بتلك الكلمات بدأت سعادة الشيخة لولوة بنت خليفة بن علي آل خليفة نائب رئيس مجلس إدارة جمعية النور للبر مداخلتها خلال مؤتمر المرأة والمسؤولية المجتمعية الثامن في الدول العربية 2025 وقد ذكرت قصة عن العمل التطوعي عندما صادف أنها كانت في بيروت خلال فترة الصيف، وكانت سواحل بيروت في حال يرثى لها، وطلبوا من السفير السويسري وبكل جرأة أنهم يحتاجون دعماً لتنظيف السواحل، وقام السفير بنفسه بالنزول مع سبع مدارس لتنظيف السواحل نهاراً، وقد منحوا للطلبة شهادة داعمة لهم في التخرج، وشددت أنها تتمنى أن يصل كلامها لوزارة التربية والتعليم والمدارس الخاصة بأهمية تشجيع الطلبة على العمل التطوعي خلال فترة الصيف وكذلك أن يتولى أولياء الأمور أخذهم إلى الجمعيات التطوعية بدلاً من البقاء طيلة الوقت على الهواتف حيث تكثر الجريمة فالدول قامت على العمل التطوعي، كما أنه ينشر التماسك المجتمعي كما ذكرت أن طلبة من جامعة البحرين تطوعوا مع الجمعية في بناء منزل في مدينة حمد، ولا ننسى أن الإسلام حث على العمل التطوعي وله أجر عظيم. ما لفت انتباهنا في هذا المؤتمر الإقليمي الذي يأتي لأجل تسليح المرأة في مجتمعاتنا العربية بتعلم استخدام منصات الإعلام الرقمي واستخدامه لتطويرها علمياً وأكاديمياً وثقافياً واقتصادياً ما ذكرته الخبيرة في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية د. أمل الجودر وهي تعرض قصة الفتاة نور التي استطاعت النجاح وخرجت من حياة الأرياف البسيطة لتصبح من أبرز النساء الناجحات؛ بسبب منصات الإعلام الرقمي الذي وعد أن لا يترك أي صوت في الظلام بعد الآن كما أن ما بينته الدكتورة أحلام القاسمي بأن من مكاسب الإعلام الرقمي إيصال المرأة سياسياً وخلق اتجاهات تشجع وجودها السياسي كما بينت أن دول الخليج مستقبلاً ستكون رائدة في التحول إلى المدن الذكية. الإعلام الرقمي اليوم بإمكانه إيصال أي قضية وأي مشروع وأي موضوع إلى مدى كبير جداً للغاية لا حدود له، وإلى مجتمعات كان من المحال أن تصل إليها عبر وسائل الإعلام التقليدية، كما أن الشخص الذي لا يجيد استخدام منصات الإعلام الرقمي والتطبيقات يعتبر إنساناً أمياً، إنها فرصة طموحة حتى لبناء المرأة اقتصادياً وتمكينها وكسر نمطية ظهور المرأة المعتاد وبإمكان أي امرأة في أي مجتمع بالأخص مجتمعات الأرياف والمجتمعات المحافظة أن تدير عملها الخاص من خلال منصة رقمية من داخل منزلها دون الحاجة حتى لتظهر وجهها أو شكلها وأن تكون مؤثرة رقمية ومشهورة ولها أعمال ريادية ناجحة على مستوى العالم. إحساس عابر:ما تميز به هذا المؤتمر الإقليمي حصول معالي الشيخة لمياء بنت محمد آل خليفة رئيسة مجلس إدارة جمعية النور للبر والشيخة رنا بنت عيسى بن دعيج آل خليفة المدير العام لمعهد الإدارة العامة بمملكة البحرين على وسام المرأة العربية القيادية للمسؤولية اجتماعياً من الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية وتقليد سعادة الشيخة لولوة بنت خليفة بن علي آل خليفة نائب رئيس مجلس إدارة جمعية النور للبر سفيراً للمسؤولية المجتمعية وهو تقدير كبير لجهود المرأة البحرينية في ميادين العمل التطوعي على المستوى العربي والإقليمي.


البلاد البحرينية
منذ 2 أيام
- البلاد البحرينية
مثلث التحولات في كوالالمبور
تطل العاصمة الماليزية كوالالمبور اليوم على خريطة العالم كمنصة صاعدة لإعادة هندسة العلاقات الآسيوية الخليجية، وسط مشهد دولي يمور بالتحولات والتقلبات. تتقاطع فيها ثلاثة خطوط استراتيجية: تنامي النفوذ الصيني، وتطلع دول الخليج إلى تنويع شراكاتها خارج الغرب، وصعود رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) ككتلة ديناميكية متعددة الثقافات. عند نقطة التماس بين هذه المحاور، تشكّلت قمة الخليج وآسيان – ومعها الصين – لا كمجرد تظاهرة دبلوماسية، بل كصورة مكثّفة لتحول مركب في الجغرافيا السياسية والاقتصادية والثقافية... تحول يتخذ من كوالالمبور رأسًا لمثلث يتوسع بثبات. البيانات التجارية لعام 2024 ترسم خطوط هذا التحول بدقة: بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وآسيان 963 مليار دولار أميركي، بينما سجل بين دول الخليج وآسيان 130.7 مليار دولار أميركي، ولامس حجم التجارة بين الصين والخليج 298 مليار دولار أميركي. هذه ليست مجرد أرقام، بل إشارات إلى تشكُّل فضاء اقتصادي مشترك يتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية، ويقوم على المصالح المتقاطعة والفرص المتبادلة، خصوصًا في مجالات الرقمنة، وأمن الطاقة، والبنية التحتية. آسيان، ببنيتها التوافقية ونموذجها التنموي، باتت وجهة استراتيجية للخليج الساعي لتجاوز الاعتماد على عائدات النفط والغاز، نحو مسارات أكثر استدامة. مع توقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع آسيان، باتت العواصم الخليجية ترى في كوالالمبور بوابة إلى جنوب جديد يعجّ بالإمكانات والتوازنات. على المستوى الثقافي، يتيح التفاعل بين الإسلام الملايوي وروح الخليج المنفتحة بناء خطاب حضاري مشترك يراهن على التعليم، والسياحة، والابتكار الثقافي. ليس الأمر تلاقحًا عابرًا، بل بناء لهوية آسيوية إسلامية مرنة، تتجاوز الانقسامات وتعزز الدبلوماسية الشعبية. أما من حيث العمق السياسي، فإن القمة تمثل تحررًا من نماذج الاستقطاب القديمة. كما أشار المفكر الروسي ألكسندر دوغين، فإن العالم المتعدد الأقطاب يتشكل من مراكز توازن لا من مركز هيمنة. وها هي ماليزيا، بعقلانيتها البراغماتية وروحها التوفيقية، تطرح نموذجًا ثالثًا لا يقع في فخ الانحياز بل يحتضن التعدد. الخليج، إذ يشارك بفاعلية في هذا المشهد، لا يملك ترف التردد. لم يعد الغرب هو النجم القطبي الوحيد، ولم تعد معادلات الأمس صالحة لغدٍ يتشكل على إيقاع جديد. اللحظة تفرض الانتقال من شعار التنويع إلى ممارسة التكامل، ومن الهامش إلى القلب. وهنا، تتجلى كوالالمبور لا كمجرد مدينة مستضيفة، بل كنقطة التقاء استثنائية لثلاث قوى تصوغ معًا ملامح عالم جديد. في هذا المثلث، حيث تتقاطع طرق التجارة، ومفاهيم التنمية، وتيارات الفهم الحضاري، بدأت تحولات القرن تُرسم بهدوء. تحولات لا تُقاس فقط بما سيجرى في القمة، بل بما ستنقله كوالالمبور من معانٍ ورسائل، في طريق لا ينتهي عند البيان الختامي... بل يمتد نحو المستقبل.