
من أوشفيتز إلى رفح: الإبادة الجماعية هي الحل
حسن لافي / في مشهد غير مألوف حتى في أضيق التحالفات، التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب مرتين خلال خمسة أيام في البيت الأبيض. لم تكن لقاءات للاحتفاء بالحرب على إيران فقط، بل كانت مؤشرًا واضحًا على أن هناك ترتيبات كبرى تُطبخ بهدوء خلف المفاوضات العلنية حول وقف إطلاق النار في غزة، خاصة أن تصريحات ترامب تركزت على ضرورة إنهاء الحرب، وهو ما يعني الحاجة لخطة سياسية لليوم التالي، ليس لغزة وحدها بل للمنطقة كلها.
لذلك كانت الأنظار مشدودة إلى مفاوضات الدوحة، حيث بُنيت آمال على مسار تهدئة شامل يتضمن صفقة تبادل أسرى ومساراً يوقف القتال ويقود إلى إنهاء الحرب. لكن فجأة، ومن دون تفسير منطقي، تعثرت المفاوضات، وتجمد التقدم فيها بسبب التعنت الإسرائيلي بشأن الانسحاب من "محور موراج"، والإصرار على استبقاء احتلال محافظة رفح بالكامل. بهذا، كانت "إسرائيل" تعد خطة موازية، لا تتضمن تهدئة ولا انسحاباً، بل "حلًا نهائيًا" للمسألة الفلسطينية في غزة.
هذا الحل لا يشبه الحلول السياسية التقليدية، بل يستنسخ النموذج الأخطر في القرن العشرين: "الحل النهائي" النازي تجاه اليهود. فكما قررت ألمانيا النازية في بداية الأربعينات أن وجود اليهود "مشكلة لا حل لها إلا بالإزالة الكاملة"، بدأت "إسرائيل" اليوم تتعامل مع الفلسطينيين في غزة بالمنطق ذاته: شعب يجب أن يُزال من المكان، إمّا بالترحيل، أو بالإبادة، أو بالعزل الكامل.
في النموذج النازي، جرى تنفيذ الخطة عبر مراحل:
1. تصنيف اليهود إلى "جيّدين" و"غير جيّدين".
2. عزلهم في غيتوهات مغلقة.
3. نقلهم إلى معسكرات.
4. تصفيتهم في غرف الغاز والأفران.
أما في النموذج الإسرائيلي اليوم:
يجري تصنيف الفلسطينيين إلى "مقاومين" و"غير مقاومين".
يُجبر غير المقاومين، وهم نحو 600 ألف بحسب التقديرات الاسرائيلية، على البقاء في ما يُسمى "المدينة الإنسانية" جنوب رفح، ويُمنع عليهم العودة إلى ديارهم.
ثم يُدفعون تدريجيًا إلى خارج فلسطين، عبر معبر كرم أبو سالم ومطار رامون، في ترحيل جماعي يتناقض مع المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
أما من تبقى – وهم نحو 1.4 مليون – فيُستهدفون بالقصف والتجويع والأمراض وتفكيك البنية التحتية.
ووفقًا لتحليل نُشر في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، فإن الهدف هو "تقليص البيئة السكانية الحاضنة للمقاومة"، أي القضاء على الشعب كوسيلة لإنهاء القتال. أليس هذا هو التعريف الحرفي للإبادة الجماعية كما أوردته اتفاقية 1948؟
المفارقة أن هذه الخطة بدأت تُنفَّذ تحت غطاء "صفقة تهدئة" يجري بموجبها ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على كامل محافظة رفح، وهي واحدة من خمس محافظات تشكّل قطاع غزة. فقد أعادت "إسرائيل" تموضع قواتها في محور موراج شمال مدينة رفح، الذي يفصل المدينة عن خان يونس والمنطقة التي تُسمى "الإنسانية" في المواصي، رغم أن لا هدفًا أمنيًا يبرر هذا التموضع، كما أكدت مصادر داخل الجيش الإسرائيلي نفسه.
التمسك باحتلال رفح ليست تطورًا ميدانيًا، بل هو تحول سياسي مدروس. ففي النقاشات السابقة، لم يكن هناك قناعة عسكرية إسرائيلية حقيقية بأهمية السيطرة على رفح أو على محور فيلادلفيا. بل في هدنة كانون الثاني/يناير الماضي، وافقت "إسرائيل" على الانسحاب التدريجي من المحور، وسحبت قواتها من المدينة. فما الذي تغيّر الآن؟
الجواب كما تقدمه "إسرائيل" نفسها: لا يمكن تنفيذ مشروع "المدينة الإنسانية" من دون السيطرة الكاملة على محور موراج. الهدف إذاً ليس أمنيًا، بل هندسة ديموغرافية تمنع عودة النازحين، وتدفع بهم إما إلى مخيم طويل الأمد أو إلى التهجير.
وفي تمهيد لذلك، أطلقت "إسرائيل" مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية" GHF بدعم أميركي–إسرائيلي، بحجة إيصال المساعدات. لكن مراكز التوزيع تحولت إلى مصائد موت، استشهد فيها أكثر من 600 فلسطيني أثناء انتظار الطعام. لم تكن المساعدات هدفًا، بل وسيلة للفرز والسيطرة والقتل.
كما أنشأت "إسرائيل" مجموعات مسلحة محلية في المناطق التي تسيطر عليها، بدعم مباشر من جهاز الشاباك، سرقت المساعدات، ومنعت دخولها، ثم تحولت إلى أدوات أمنية إسرائيلية لحكم السكان. السجان لم يعد جنديًا إسرائيليًا، بل فلسطينيًا خائناً يعمل بالوكالة.
هكذا تكتمل أركان الخطة:
معسكر الاعتقال: "المدينة الإنسانية".
السجان: الميليشيات المحلية.
الغطاء الإنساني: مؤسسة GHF.
والركن الأخير قريبًا: إعلان الدول التي ستستقبل المهجرين، وبدء عملية عسكرية تستكمل إبادة من تبقى.
ورغم وضوح هذا المخطط، لا يزال المجتمع الدولي وفي مقدمته محكمة العدل الدولية، التي تتردد في تسمية الجريمة باسمها الحقيقي. فاكتفت بإجراءات رمزية في الشكوى المقدّمة من جنوب أفريقيا، من دون اتخاذ موقف قانوني حاسم، تحت ضغط القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. فمحكمة العدل الدولية، على الرغم من خطورة الأدلة المقدمة، ما تزال تُراوغ في توصيف الإبادة وتتهرب من إعلان "إسرائيل" كمرتكبة للجريمة، ما يجعلها شريكًا بالصمت.
كما صمت العالم أمام دخان أوشفيتز، يصمت اليوم أمام ركام غزة. الفرق أن غرف الغاز استُبدلت بالتجويع، والأفران بالركام، والقطارات بممرات إنسانية تُفضي إلى النفي. الإبادة تتكرر، لكن بأدوات حديثة وخطاب مخادع، والقاتل الإسرائيلي لا يكتفي بارتكاب الجريمة، بل ما زال يرتدي قناع ضحية "أوشفيتز" .
ما يحدث في غزة ليس حربًا، بل هو مشروع إبادة جماعية محدثة. إنها نسخة القرن الحادي والعشرين من أوشفيتز، بحماية دبلوماسية وشاشات مشوشة، وشعب يُباد ويُجبر على الرحيل، بينما العالم يُشيح بوجهه مرة أخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 2 ساعات
- معا الاخبارية
عائلات الرهائن الإسرائيليين تعلّق على أنباء "احتلال غزة"
بيت لحم -معا- أكد منتدى عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، الإثنين، أن الحكومة الإسرائيلية تعمدت إحباط أي صفقة لإنقاذ الرهائن وسعت لتضليل الجمهور، رغم إمكانية إعادتهم. وذكر المنتدى في بيان: "كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق شامل لإعادة الرهائن، وهو أمر ثابت لا لبس فيه". وأضاف البيان: "الحكومة تعمدت وبقصد مبيت إحباط صفقات إنقاذ الرهائن، بينما كانت تضلل الجمهور، رغم أن كبار المسؤولين الأمنيين قدموا للحكومة مرارا وتكرارا خيارات قابلة للتطبيق، مبتكرة، ومعقدة من شأنها أن تسمح بإعادة جميع الرهائن إلى وطنهم وإخضاع حماس". وتابع: "لقد رفضت الحكومة، وأحبطت وفوتت كل فرصة لإعادة الرهائن، الحكومة مسؤولة عن الإحباطات المتكررة". كما أكد أن "عشرات الرهائن الذين اختطفوا أحياء قتلوا في الأسر بانتظار صفقة لم تكن الحكومة الإسرائيلية تنوي أبدا المضي فيها". وأشارت إلى أن "عائلات 50 رهينة تنتظر إعادة أحبائهم إلى ديارهم، لإعادة تأهيل الأحياء ودفن القتلى، لقد سقط 50 جنديا قتلى منذ نهاية الصفقة السابقة بلا مقابل سواء إنجازات عسكرية أو عودة الرهائن". وجاء البيان بعد دقائق قليلة من نشر وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات لمسؤولين تشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتخذ قرارا باحتلال قطاع غزة وتنفيذ عمليات واسعة داخله حتى في المناطق التي يتوقع وجود رهائن فيها. وقال مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين: "تم اتخاذ القرار.. سنحتل قطاع غزة".


فلسطين أون لاين
منذ 3 ساعات
- فلسطين أون لاين
رئيس النُّوَّاب الأميركيِّ يزور مستوطنة "أرئيل": الضَّفَّة ملك شرعيّ لليهود
وكالات/ فلسطين أون لاين زار رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، اليوم الاثنين، مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية المحتلة، في خطوة غير مسبوقة لمسؤول أميركي بهذا المستوى، وبموافقة رسمية من البيت الأبيض. وتُعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس مجلس نواب أميركي إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث التقى جونسون خلال جولته بعدد من قادة مجلس "ييشاع"، وهو الهيئة الرسمية التي تمثل المستوطنين في الضفة، وأعلن دعمه الكامل لضم الضفة الغربية لإسرائيل، قائلًا: "الضفة الغربية هي خط المواجهة، ويجب أن تبقى جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، حتى لو رفض العالم ذلك". ورأت صحيفة "يسرائيل هيوم" في زيارتة أنها "استثنائية"، مشيرة إلى أنها جرت بسرية نظراً لحساسيتها، وبتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية، وشاركت فيها مجموعات ضغط مؤيدة لإسرائيل، أبرزها الجمعية الأميركية للتعليم الإسرائيلي. ورغم مشاركة عدد من السياسيين الجمهوريين الأميركيين في زيارات سابقة لمستوطنات، إلا أن زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي الحالي تفتح مرحلة جديدة من الدعم العلني للاستيطان الإسرائيلي، وتثير جدلاً واسعاً بشأن موقف واشنطن من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تعتبر المستوطنات غير شرعية. واعتبر مراقبون أن زيارة جونسون لمستوطنة "أرئيل" تمثل تحولاً خطيراً في موقف واشنطن الرسمي، وتؤكد تصاعد النفوذ اليميني داخل السياسة الأميركية الخارجية، لا سيما أن جونسون صرّح خلال زيارته بأن "جبال يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي ملك شرعي للشعب اليهودي"، داعياً الأميركيين إلى "التمسك بالجذور اليهودية-المسيحية" التي قال إنها نشأت في "أرض إسرائيل". في الوقت نفسه، عبّر عدد من النواب الأميركيين والجهات الحقوقية عن رفضهم للزيارة، محذرين من أنها تقوّض أي فرصة لحل الدولتين وتشرعن واقع الاحتلال المفروض على الفلسطينيين بقوة السلاح والمستوطنات.


فلسطين أون لاين
منذ 4 ساعات
- فلسطين أون لاين
رئيس النُّوَّاب الأميركيِّ يزور مستوطنةً "أرئيل": الضَّفَّة ملك شرعيّ لليهود
وكالات/ فلسطين أون لاين زار رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، اليوم الاثنين، مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية المحتلة، في خطوة غير مسبوقة لمسؤول أميركي بهذا المستوى، وبموافقة رسمية من البيت الأبيض. وتُعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس مجلس نواب أميركي إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث التقى جونسون خلال جولته بعدد من قادة مجلس "ييشاع"، وهو الهيئة الرسمية التي تمثل المستوطنين في الضفة، وأعلن دعمه الكامل لضم الضفة الغربية لإسرائيل، قائلًا: "الضفة الغربية هي خط المواجهة، ويجب أن تبقى جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، حتى لو رفض العالم ذلك". ورأت صحيفة "يسرائيل هيوم" في زيارتة أنها "استثنائية"، مشيرة إلى أنها جرت بسرية نظراً لحساسيتها، وبتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية، وشاركت فيها مجموعات ضغط مؤيدة لإسرائيل، أبرزها الجمعية الأميركية للتعليم الإسرائيلي. ورغم مشاركة عدد من السياسيين الجمهوريين الأميركيين في زيارات سابقة لمستوطنات، إلا أن زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي الحالي تفتح مرحلة جديدة من الدعم العلني للاستيطان الإسرائيلي، وتثير جدلاً واسعاً بشأن موقف واشنطن من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تعتبر المستوطنات غير شرعية. واعتبر مراقبون أن زيارة جونسون لمستوطنة "أرئيل" تمثل تحولاً خطيراً في موقف واشنطن الرسمي، وتؤكد تصاعد النفوذ اليميني داخل السياسة الأميركية الخارجية، لا سيما أن جونسون صرّح خلال زيارته بأن "جبال يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي ملك شرعي للشعب اليهودي"، داعياً الأميركيين إلى "التمسك بالجذور اليهودية-المسيحية" التي قال إنها نشأت في "أرض إسرائيل". في الوقت نفسه، عبّر عدد من النواب الأميركيين والجهات الحقوقية عن رفضهم للزيارة، محذرين من أنها تقوّض أي فرصة لحل الدولتين وتشرعن واقع الاحتلال المفروض على الفلسطينيين بقوة السلاح والمستوطنات.