
مظاهر تصاعد وتيرة التحريض العنصري والسياسي على فلسطينيي 48
وبلغ هذا التحريض مستويات غير مسبوقة، منها دعوات متكررة لمحاكمتهم، وتضييق الخناق على عملهم السياسي، في محاولة لنزع شرعيتهم وإخراجهم من دائرة التأثير البرلماني والعام.
وترافق ذلك مع تصاعد مظاهر العداء والعنصرية في الشارع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الداخل، انعكست في اعتداءات جسدية مباشرة، طالت عددا من الشخصيات البارزة، كان أبرزها الاعتداء على النائب أيمن عودة وتحطيم مركبته، ومحاولة الاعتداء على النائب عوفر كسيف أثناء مشاركتهما في مظاهرة مناهضة للحرب.
قتل 9 شبان فلسطينيين من الداخل برصاص شرطة الاحتلال منذ مطلع عام 2025، في مؤشر خطِر على تنامي العنف الممنهج عليهم.
وتشهد المؤسسات الأكاديمية والإعلامية بدورها حالة متزايدة من التضييق بحق طلبة الجامعات والصحفيين الفلسطينيين، بملاحقات أمنية، وفصل تعسفي، وتهديدات بالطرد، لكتم أي صوت يعارض الحرب أو يتعاطف مع الضحايا في غزة.
وواصلت سلطات الاحتلال منع النشاطات الوطنية، وفرضت قيودا صارمة على فعاليات مثل يوم الأرض ومسيرة العودة، بما فيها حظر رفع العلم الفلسطيني.
وتبرز قرارات المحاكم الإسرائيلية أيضا انحيازا متزايدا ضد حرية التعبير والعمل السياسي، كان آخرها إدانة رئيس لجنة الحريات الشيخ كمال الخطيب بتهمة "التحريض"، رغم تبرئته من "التماهي في منظمة إرهابية".
كما ثبتت محكمة إسرائيلية الاعتقال الإداري للقيادي في "حركة أبناء البلد" رجا إغبارية، في وقت يتم فيه احتجاز العشرات من شبان الداخل رهن الاعتقال الإداري بدون تهم واضحة، بقرار من وزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ويثير هذا التصعيد قلقا بالغا لدى القيادات السياسية والمجتمعية في الداخل الفلسطيني، الذين يحذرون من توجه سلطوي ممنهج لنزع الشرعية عن المواطنين العرب وشيطنة وجودهم، مما يهدد مستقبل الحضور الفلسطيني في الداخل وموقعه السياسي والوطني.
قانون الإقصاء
وحذر أستاذ القانون والنائب السابق عن الجبهة الديمقراطية، يوسف جبارين، من الأبعاد الخطِرة لما يُعرف بـ"قانون الإقصاء" الإسرائيلي، مؤكدا أنه يمثل انزلاقا نحو الاستبداد وتقويضا لأسس العمل الديمقراطي، لا سيما مبدأ فصل السلطات، والحق في التصويت والترشح للكنيست، وحقوق المواطنين العرب في التمثيل السياسي.
وقال للجزيرة نت، إن هذا القانون يستخدم كأداة للانتقام السياسي ضد النواب العرب، ويشرعن الملاحقة السياسية بحق ممثلي "الأقلية الأصلية" في البلاد.
ووجه انتقادا شديدا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية التي صدّقت عليه قبل سنوات، واعتبر أن ما حذر منه سابقا قد تحقق الآن بمحاولات إقصاء النائب أيمن عودة، وقبله النائب عوفر كسيف ذي توجه يساري.
ويشكل "قانون الإقصاء" -حسب جبارين- خطرا مباشرا على تمثيل فلسطينيي الداخل، ويكرس الإقصاء السياسي والتمييز ضدهم بأدوات قانونية استبدادية تمنح الأغلبية اليهودية في الكنيست صلاحيات تعسفية. وأوضح أن هذه التشريعات تهدف إلى عزل المجتمع العربي وتكميم أفواه نوابه، في مسعى لإعادة عقلية الحكم العسكري ومحو المواقف الوطنية لفلسطينيي 48.
من جانبه، تبنى سكرتير حزب التجمع الوطني الديمقراطي في منطقة المثلث، جمال دقّة، الطرح القائل، إن تصاعد التحريض والعنصرية على فلسطينيي 48 لم يعد مجرد سلوك فردي أو انعكاسا لمواقف يمينية متطرفة، بل أصبح نهجا عاما يسود المجتمع الإسرائيلي، بتغذية مباشرة من سياسات الحكومة.
وأوضح للجزيرة نت، أن هذه السياسات تتعامل مع المواطنين العرب كـ"طابور خامس"، ما يخلق بيئة سياسية واجتماعية تشجع على العنف والتمييز دون رادع.
وأشار إلى أن الملاحقة السياسية والتحريض المتواصل الذي تمارسه المؤسسة الإسرائيلية على فلسطينيي الداخل، يترجم على الأرض إلى اعتداءات جسدية متكررة، غالبا ما تمر دون محاسبة قانونية، وهو ما يفتح المجال لتكرارها وتصاعدها.
وباتت الدولة ذاتها -وفقا له- في مقدمة المحرضين والمنفّذين لهذه السياسات، مستشهدا بقتل 9 شبان من فلسطينيي 48 برصاص الشرطة منذ مطلع العام الجاري.
وأكد دقّة أن تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع فلسطينيي الداخل منذ اندلاع الحرب على غزة يتسم بالانتقام والاستهداف، مع تصاعد النظرة إليهم على أنهم خطر وجودي يجب التخلص منه، قائلا "نحن اليوم في بدايات مرحلة أكثر وحشية من التحريض العنصري، فقط لأننا عبرنا عن تضامننا مع أهلنا في غزة ورفضنا الحرب".
انتقام واستهداف
بدوره، قال رئيس اللجنة الشعبية في اللد المحامي خالد زبارقة، إن ملاحقة القيادات والمؤثرين من فلسطينيي الداخل تأتي في إطار ما وصفه بـ"هندسة الوعي" التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية، بهدف إعادة تشكيل الوعي الجمعي للفلسطينيين بما يتماشى مع السياسات الرسمية للدولة، وسعيها إلى "أسرلة" الهوية والوعي الوطني والديني للفلسطينيين في الداخل.
وأوضح للجزيرة نت، أن إسرائيل تلاحق وتجرّم كل خطاب وطني ثوري أو ديني، في محاولة لفرض الرواية الصهيونية كـ"رواية عُليا" على حساب السردية الفلسطينية الأصلية، بأدوات القوة والقمع.
واعتبر أن استهداف الشيخ رائد صلاح ، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، مثال واضح على هذا التوجه، خاصة بسبب دوره في الدفاع عن القدس و المسجد الأقصى ، مؤكدا أن ملاحقته تهدف إلى ضرب الثوابت الوطنية والدينية وتقويض الهوية الجامعة لفلسطينيي الداخل.
وحسب زبارقة، فقد تصاعدت وتيرة هذه الملاحقات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واندلاع الحرب على القطاع، بذرائع "التحريض"، وضمن مساعٍ لشيطنة الخطاب الفلسطيني وفرض الرواية الصهيونية بالقوة.
واختتم بالإشارة إلى أن إسرائيل تستخدم أدوات القمع والمنع لإسكات كل صوت متضامن مع أهالي غزة، الذين يواجهون حرب إبادة وتجويع، مؤكدا أن اللجوء إلى القوة لفرض الرواية الصهيونية هو دليل على تآكلها. ورغم كل أدوات البطش، شدد على أنها فشلت في تغييب الوعي الفلسطيني الذي لا يزال صامدا ومقاوما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 18 دقائق
- الجزيرة
إعلام إسرائيلي: نتنياهو وترامب تلاعبا بعائلات الأسرى وحماس تريد إنهاء الحرب
تناول الإعلام الإسرائيلي الانهيار المفاجئ لمفاوضات تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث قال محللون إن أجواء التفاؤل التي سادت طيلة الأيام الماضية لم تكن سوى حيلة لتقليل الاحتجاجات وتخفيف الغضب. فقد أكد مراسل الشؤون السياسية في القناة الـ14 تامير موراغ، أن تمسك حماس بإنهاء الحرب هو الذي دفع المبعوث الأميركي للمنطقة ستيف ويتكوف، لإعلان عدم رغبتها في التوصل لاتفاق، وهو ما كرره دونالد ترامب نفسه. كما قالت محللة الشؤون العربية كيسينيا سبوتلوفا، إن الخرائط التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – لإعاقة التفاوض ثم تراجع عنها لم تكن هي سبب فشل المفاوضات، وإنما تمسك حماس بإنهاء الحرب. أما مراسلة الشؤون السياسية في القناة الـ13 موريا وولبيرغ، فقالت إنه "لا مجال حاليا لاستعادة الأسرى العشرين الأحياء إلا من خلال صفقة رغم محاولات إسرائيل الترويج لرواية مخالفة لذلك". وكان نتنياهو قال عقب سحب فريق التفاوض من الدوحة إنه سيبحث بدائل أخرى لاستعادة الأسرى. لكن المستشار الإعلامي والإستراتيجي حاييم روبنشتاين، قال إنه لا يعرف ما البدائل التي يتحدث عنها نتنياهو، وإنه يخشى أن التخلي عن حياة هؤلاء الأسرى إلى الأبد هو البديل الذي يفكرون فيه. بدورها، وجّهت الأسيرة السابقة ليري إلباغ، رسالة توسلت فيها إلى المسؤولين أن يفعلوا ما بوسعهم لإعادة الأسرى أحياء، وقالت إن حياة من عادوا من غزة لن تعود طبيعية أبدا إلا بعودة الموجودين هناك حاليا. تلاعب بعائلات الأسرى وقد علَّق داني ميران، هو والد أسير في غزة، على انهيار المفاوضات بقوله "إن التوقعات التي أظهروها لنا خلال وجود وفد التفاوض في قطر منحتنا آمالا هائلة كما لم يحدث من قبل، ثم الآن انهارت دنياي مجددا". وفي السياق، قال المدير السابق في إذاعة صوت إسرائيل تشيكو منشيه، إن ما حدث هو "تلاعب بعائلات الأسرى عبر البيانات الصحفية والتسريبات والأجواء الدافئة التي بثها نتنياهو بدعم من ترامب"، مضيفا "لا أعرف ما الذي يفكرون فيه، لكن يبدو أن التصريحات السابقة كانت لامتصاص الغضب وتقليل الاحتجاجات، لأن الواقع يقول شيئا آخر". إعلان وأخيرا، قالت عضوة الكنيست عن حزب العمل إفرات رايتن، "إن هذه الحرب الملعونة تحولت منذ فترة لحرب مصالح حزبية، وهي تكلفنا أرواح الأسرى والجنود والغزيين أيضا"، مؤكدة أن "من لا يتساءل عما يحدث وراء الحدود والجدار (في غزة) فإنه يرتكب جريمة بحق نفسه".


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟
في خضم المجازر اليومية والكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ومع التوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية، جاء تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نية فرنسا الاعتراف بـ"دولة فلسطينية قابلة للحياة" في شهر سبتمبر/ أيلول 2025 كحدث لافت. هذا الإعلان، الذي يحمل طابعًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا حساسًا، يثير تساؤلات عديدة حول دوافع فرنسا، وتوقيت الخطوة، ومدى جديتها، وكذلك حول تأثيرها على القضية الفلسطينية، وعلى موازين القوى في المنطقة، وعلى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية. السياق العام للإعلان يأتي هذا التصريح في وقت حرج؛ فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشهد فلسطين عدوانًا إسرائيليًّا مدمرًا، وصل في قطاع غزة إلى مستويات من التجويع والتدمير لا يمكن تبريرها بأي منطق. العالم يشاهد، وتتوالى التقارير عن مجاعة في الشمال، وانهيار النظام الصحي، وفقدان مئات الآلاف لمنازلهم.. كل هذا يجري وسط تواطؤ دولي وصمت رسمي من قوى غربية عديدة، بما فيها فرنسا، التي اكتفت منذ بداية الحرب بتصريحات عامة تدين "الإرهاب" وتدعو لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". لكن مع تصاعد الغضب الشعبي في الشارع الأوروبي، وازدياد الضغوط الداخلية في فرنسا تحديدًا، حيث تعيش أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية، لم يعد ممكنًا لباريس الاستمرار في التواطؤ الصامت. هنا جاء تصريح ماكرون في محاولة لإعادة التوازن لموقفه السياسي، وتقديم "حل وسط" يُظهر فرنسا كداعم للعدالة، دون التصادم المباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. مفهوم "الدولة القابلة للحياة" إن إعلان فرنسا لا يتحدث عن "الاعتراف بدولة فلسطينية" بشكل مباشر أو غير مشروط، بل يربط ذلك بما أسماه ماكرون "دولة قابلة للحياة". هذا المصطلح الفضفاض كثيرًا ما استُخدم في الخطاب الغربي للتهرب من الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. "قابلة للحياة" بحسب التفسير الغربي تعني دولة: لا تشكل "تهديدًا أمنيًّا" لإسرائيل. تقبل نزع سلاح المقاومة. تقبل وجود قوات مراقبة دولية. لا تكون لها سيطرة على المعابر والحدود والمجال الجوي. هذا التعريف في جوهره ينزع من الدولة سيادتها ويُبقيها كيانًا وظيفيًّا خاضعًا للرقابة الدولية والإسرائيلية. فهل هذا ما تريده فلسطين؟ وهل هذه الدولة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من قرن من أجل تقرير مصيره؟ دوافع فرنسا الحقيقية رغم أهمية هذا الإعلان على المستوى الرمزي، فإنه لا يمكن فصله عن الحسابات السياسية البحتة التي تحرك السياسة الخارجية الفرنسية، وتشمل: محاولة استعادة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع دور فرنسا في الملفين؛ اللبناني والسوري. امتصاص الغضب الداخلي الناتج عن تزايد حملات التضامن مع غزة داخل المجتمع الفرنسي. محاولة ضبط التوازن بين العلاقات التاريخية مع إسرائيل والعلاقات المتوترة مع الجاليات المسلمة. الرد على التحركات الأوروبية (مثل أيرلندا، إسبانيا، النرويج) التي اعترفت رسميًّا بدولة فلسطين في مايو/ أيار 2025. وبالتالي، فإن ماكرون لا يتحرك بدافع إنساني أو قانوني بحت، بل تحت ضغط مركب من السياسة الداخلية والواقع الدولي. التأثير السياسي والإقليمي للقرار على الصعيد الفلسطيني: قد يمنح هذا الاعتراف دفعة معنوية للموقف الفلسطيني في الساحة الدولية، وخاصة إذا تبعه اعتراف دول أوروبية أخرى كألمانيا أو بلجيكا أو السويد، كما قد يعزز موقف السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية، ويزيد الضغوط على الاحتلال. ولكن، هناك خطر أن يُستخدم هذا الاعتراف كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط مجحفة، تحت عنوان "نحن نعترف بدولتكم، وعليكم الآن القبول بالتسوية". على إسرائيل: سترفض إسرائيل بشدة هذا الاعتراف، كما فعلت سابقًا مع أيرلندا وإسبانيا، وستعتبره "مكافأة للإرهاب"، وقد ترد بتشديد عدوانها وفرض مزيد من العقوبات على السلطة الفلسطينية، كما قد تحرك اللوبيات الصهيونية في فرنسا لإضعاف ماكرون سياسيًّا. على الدول العربية: قد يحفّز هذا الاعتراف بعض الدول العربية "المترددة" للعودة إلى دعم فلسطين بشكل علني، وخاصة في ظل تصاعد الأصوات الشعبية ضد التطبيع. لكن في المقابل، قد تستخدم بعض الأنظمة هذا الاعتراف لتبرير صمتها قائلة: "دعوا الأوروبيين يتكفلون". على الرأي العام الدولي: سيُعتبر هذا الإعلان، إن حدث فعليًّا، إنجازًا لحركات التضامن العالمي، وإثباتًا أن الضغط الشعبي يمكن أن يغيّر مواقف الحكومات. وقد يفتح الباب لمزيد من المحاكمات والمساءلات القانونية، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. ما هو المطلوب فلسطينيًّا؟ لكي لا يكون هذا الاعتراف مجرد ورقة رمزية، على القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية الفلسطينية أن: ترفض أي صيغة "منقوصة" للدولة، لا تشمل السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة عام 1967. – تطالب باعتراف صريح بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. تربط الاعتراف بوقف الحرب والحصار فورًا. تستثمر الاعتراف لتوسيع التحرك القانوني والدبلوماسي في المنظمات الدولية. ترفض أي ضغوط لفرض تسوية جديدة تنكر حق العودة، وتبقي الاحتلال بأشكال أخرى. في النهاية، فإن خطوة فرنسا- رغم تأخرها الكبير- تمثل علامة تحوّل مهمة إن تم تنفيذها بجدية، وبما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة. أما إذا كانت مجرد محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والتغطية على العجز الغربي تجاه غزة، فستتحول إلى صفعة أخرى مغطاة بالحرير. الشعوب العربية، والجاليات الفلسطينية، وحركات التضامن العالمية، مطالبة بالبقاء يقظة ومواصلة الضغط على الحكومات الغربية، ليس فقط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل لمحاسبة الاحتلال، وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي برمّته.


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
صوت غزة حين تُبكي الكلمات
يتردّد صوت غزة الخارج من تحت الركام في أرجاء الكون فلا يجيب صداه أحد! ويستغيث شعب مسلم يئن تحت وطأة الحصار والقهر، يفترسه شبح الجوع، وتنشب فيه المصائب أظفارها، فلا يجد في أمته أُذنًا واعية تصغي إليه. ما أعظم المأساة، وما أشد القهر!. إنها مأساة أمة، فقدت الإحساس بالشعور، وتخلت عن المسؤولية، وتاهت في دروب الضياع والغثائية والكسل وبلادة الضمير، وتسويغ العجز بالأعذار الواهية. في خطابه الأخير، الذي جاء بعد صمت طويل، كانت كلمات الناطق الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام "أبو عبيدة" تقطر أسًى وحزنًا، تُبكي الحجر وتُذيب القلوب، تحسّر فيها ما على ما وصل إليه حال أمته. لم تكن رسائله هذه المرة سياسية وعسكرية- كما عودنا- فحسب، بل كانت نفثة مصدور، وصيحة مخذول، تقرع كلماتها آذاننا الصماء وضمائرنا الميتة. لقد كان عتابه هذه المرة لاذعًا، يحمل في طياته مرارة الخذلان، وخيبة الأمل، وكان وقع كلماته شديدًا على القلوب. وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، ولم يعفِ أحدًا من تلك المسؤولية حين قال: " إننا نقول وبكل مرارة وألم: يا قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية، ويا نخبها وأحزابها الكبيرة، ويا علماءها، أنتم خصومنا أمام الله عز وجل، أنتم خصوم كل طفل يتيم، وكل ثكلى، وكل نازح ومشرد، ومكلوم وجريح ومجوع.. إن رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذلوا بصمتكم". كم كانت تلك الكلمات مفعمة باللوم والعتب، ومثقلة بالحزن والأسى! وكم كانت أسئلته مريرة حين تساءل ولا جواب: "كيف لأمة عظيمة، يبلغ تعداد أفرادها مليارَي نسمة، وتمتلك من المقدرات والإمكانات ما تمتلك، كيف لها أن تعجز عن إدخال شربة ماء أو كسرة خبز أو حبة دواء لأشقائها في الدين والعروبة، وهم يُقتلون ويُجوعوَّن على مرأى ومسمع من الجميع"! لقد أسـمعـت لو ناديت حيــًّا ولـكـن لا حيــاة لمـن تنادي إعلان ولو نارًا نفخت بها أضاءت ولـكـن أنت تنـفـخ في رمـاد آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة أين نحن من نخوة أهل الجاهلية وأنفتهم، حين تحدوا تلك الصحيفة الظالمة فمزقوها وقالوا: "والله لا نأكل الطعام وبنو هاشم جوعى في الشِّعب"؟! كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتـلى وأســرى فما يهـتـز إنـسـان ما ذا التقــاطع في الإسـلام بيـنكم وأنــــتــم يـــا عبــاد الله إخــــوان ألا نفـــوس أبيــــّات لهـــا هِــمــم أما على الـخيـــر أنصار وأعـوان إن صمتنا وعجزنا وتقصيرنا هو ما شجع الكيان المجرم- كما يقول أبو عبيدة- على القيام بإبادة شعب بأكمله؛ لأنه أمن العقاب، واطمأن للصمت، واستند إلى الخذلان. إن مما ميز خطاب "أبو عبيدة" الأخير هو الإحساس بخيبة الأمل، والشعور بمرارة العجز والخذلان.. لقد كانت كلماته شديدة الوقع على القلوب، جديرة بأن توقظ نيام الضمائر. ليست صرخة "أبو عبيدة" في وجه أمته صرخة فرد، بل هي صرخة كل أرملة وثكلى، وكل يتيم وجائع على ثرى غزة، وثغور عسقلان، يشعر أنه تُرك وحيدًا يواجه آلة القتل ويقاسي ألم الجوع. هي صرخة في وجه أمة خلعت كرامتها وألِفت الذل، واستغرقت في سباتها، متغاضية عن شلال الدماء الذي ينزف على ثرى أرض الرباط الطاهرة.. إنها صرخة تترك غصة في حلق كل مؤمن صادق. وتشعل نار الغضب في قلوب المخلصين. إن صمتنا وعجزنا أمام هذه المأساة سيبقى وصمة عار في جبيننا، ولن يغسلنا منه إلا تحرك عاجل لإغاثة الملهوفين، والاستجابة لصرخاتهم. إنه آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة.