
الدرس الأندونيسي.. تاريخٌ وعبرٌ سياسيَّة
اندونيسيا دولة آسيوية كبيرة وغير عادية بحضورها في المشهد السياسي الدولي، ولعل ما شهدته من احداث في القرن الماضي، وما حصل لها من تجربة، يمثل درسا سياسيا ينبغي التوقف عنده، ولعلي اطلعت وبالقدر المتاح لي في العقود الماضية على تجربة هذا البلد الذي تعرفنا اليه من خلال زعيمه سوكارنو...
اندونيسيا دولة آسيوية كبيرة وغير عادية بحضورها في المشهد السياسي الدولي، ولعل ما شهدته من احداث في القرن الماضي، وما حصل لها من تجربة، يمثل درسا سياسيا ينبغي التوقف عنده، ولعلي اطلعت وبالقدر المتاح لي في العقود الماضية على تجربة هذا البلد الذي تعرفنا اليه من خلال زعيمه (الاشتراكي) سوكارنو، و(مؤتمر باندونغ)، الذي كان بداية لظهور (حركة عدم الانحياز)، التي شغلت دول ما يعرف بالعالم الثالث كثيرا، وكانت بمثابة الحلم الذي تهاوى لاحقا، بعد أن ثبت للجميع ان عدم الانحياز أو الحياد التام، شبه مستحيل أو غير ممكن في الأقل، لأن عواصف السياسة الدولية أكبر من أن تبقي بلدا ما أو زعيما ما، متفرجا أو غير معني.
لقرون طويلة ظلت اندونيسيا تحت رحمة الاستعمار الهولندي، وفي عشرينيات القرن الماضي انطلقت المقاومة، التي قادها (الحزب الوطني الاندونيسي) الذي تأسس في العام 1927 بقيادة (سوكارنو)، لكن الحدث الابرز الذي سيغير المعادلة هو الاحتلال الياباني لأندونيسيا في العام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، وهنا بقيت المقاومة متربصة تنتظر نتائج الصراع الدولي الكبير الذي انتهى اخيرا باحتلال اليابان من قبل الحلفاء، لتجد اندونيسيا نفسها امام فرصة التحرر الذي حصل فعلا، على الرغم من محاولة الهولنديين رفض ذلك، لكنهم وتحت ضغط المقاومة، وافقت على الخروج ومنح اندونيسيا استقلالها التام في العام 1949.
لقد وجد هذا البلد نفسه امام ثلاثة تيارات داخلية كبيرة وقوية، الاولى هي الحركة الوطنية بقيادة الزعيم الاشتراكي (سوكارنو)، مدعوما من قوى يسارية محلية اخرى من بينها الحزب الشيوعي الاندونيسي، وتيار آخر يتمثل بالإسلاميين وقوة ثالثة هي الجيش الذي يتحكم به جنرالات بثقافة غربية، كونهم تربوا في مناخ معاد لليسار وايضا تلقوا الدعم منه، ليكونوا في صدارة هذه المؤسسة المؤثرة.
لقد ظل (سوكارنو) يخفي رغبته في جعل البلاد اشتراكية، وكان أحد أبرز مؤسسي (حركة عدم الانحياز)، التي تعني أن من ينضوي تحت عباءتها يجب ألّا تكون لديه ميول لأي من الحليفين الكبيرين، اللذين تشكلا بعد الحرب العالمية الثانية (حلف الاطلسي) و(حلف وارسو)، ولكن هذا المبدأ لا يمكن قبوله أو التعاطي معه بجدية من قبل الدول الكبرى، التي تسعى للاستقطاب وبحدة وقتذاك.
وتحت ضغط هذا الواقع المحلي الاندونيسي المتجاذب، حيث بقي سوكارنو يتحسب من رد فعل الجيش على اي اجراء يفهم على انه محاكاة للمعسكر الاشتراكي، قام المقدم القريب من الشيوعيين، (أونتونغ شمسوري) في العام 1965 بحركة (تطهير) داخل المؤسسة العسكرية وقتل ستة من كبار الجنرالات ممن رآهم موالين للغرب، ويشكلون عقبة امام اجراءات (سوكارنو) الاشتراكية، معتقدا أنه بهذا الاجراء سيمهد الطريق امام (سوكارنو) والقوى اليسارية الاخرى لتنفيذ برنامجهم، ففهمت اميركا والمعسكر الغربي، أن هناك انقلابا شيوعيا في اندونيسيا، فتحركت بقوة ودفعت بالجنرال (سوهارتو) للواجهة، وقد حصلت مجازر مروعة بحق الشيوعيين وغيرهم، وصلت إلى اكثر من مليون ضحية، وانتهت بإزاحة (سوكارنو) وتجريده من ألقابه وأوسمته، لاتهامه بالتواطؤ مع الانقلابيين، واصبح (سوهارتو) رئيسا للبلاد وبقي لمدة ثلاثين عاما في منصبه.
الغريب حقا، هو أن أندونيسيا ظلت بعد (سوكارنو) دولة رائدة في (حركة عدم الانحياز) ومن بين الدول الابرز فيها، ما يجعلنا نعتقد ان الحركة نفسها باتت بلا مضمون أو تأثير، وهو ما تأكد للجميع في ما بعد. حين اعيد قراءة ما حصل في اندونيسيا اليوم، فإني اقرأها بعين وعقل مختلفين عن قراءاتي المنفعلة السابقة، أي أن الموضوعية وقراءة توازن القوى محليا ودوليا باتت هي معياري في تقييم أي حدث، لان السياسة لا تعرف شيئا اسمه النيات الطيبة ولا تقدس المبادئ والعقائد، وانما هي لعبة مصالح، وسط بحر هائج من صراعات محكومة بمنطق الغلبة والاستحواذ للأسف، والسياسي الناجح هو الذي يعرف كيف يمرر زورقه بأكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسارات، وتحديدا حين يدرك أنه في تمسكه بمبادئه أو قناعاته ولم يتعامل مع الواقع بموضوعية، سيخسر ما لديه ويخسر نفسه ولم يحصل على مكاسب لبلده، وأن الكبار إذا ارادوا شيئا يحققونه ويصلون اليه بطرق مختلفة.
لقد كانت المجازر في أندونيسيا مروعة حقا، لكن كان من الممكن تجنبها أو التخفيف من أهوالها، في الأقل بتأكيد الحياد المعلن، لكن القيام بحركة خطيرة لتطهير الجيش من كبار ضباطه بدوافع عقائدية، لتمهيد الطريق لتطبيقات اشتراكية، لا يمكن أن يفهمه المعسكر الغربي إلا استهدافا له وفتحا للأبواب امام المعسكر المعادي، ولا بد من موقف حازم وسريع، وهو ما حصل. ترى هل بنا حاجة لإعادة قراءة التاريخ باستمرار، نعم، ولكن الاهم من القراءة هو أن نجعلها عبرًا ودروسا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ 7 ساعات
- شبكة النبأ
الدرس الأندونيسي.. تاريخٌ وعبرٌ سياسيَّة
اندونيسيا دولة آسيوية كبيرة وغير عادية بحضورها في المشهد السياسي الدولي، ولعل ما شهدته من احداث في القرن الماضي، وما حصل لها من تجربة، يمثل درسا سياسيا ينبغي التوقف عنده، ولعلي اطلعت وبالقدر المتاح لي في العقود الماضية على تجربة هذا البلد الذي تعرفنا اليه من خلال زعيمه سوكارنو... اندونيسيا دولة آسيوية كبيرة وغير عادية بحضورها في المشهد السياسي الدولي، ولعل ما شهدته من احداث في القرن الماضي، وما حصل لها من تجربة، يمثل درسا سياسيا ينبغي التوقف عنده، ولعلي اطلعت وبالقدر المتاح لي في العقود الماضية على تجربة هذا البلد الذي تعرفنا اليه من خلال زعيمه (الاشتراكي) سوكارنو، و(مؤتمر باندونغ)، الذي كان بداية لظهور (حركة عدم الانحياز)، التي شغلت دول ما يعرف بالعالم الثالث كثيرا، وكانت بمثابة الحلم الذي تهاوى لاحقا، بعد أن ثبت للجميع ان عدم الانحياز أو الحياد التام، شبه مستحيل أو غير ممكن في الأقل، لأن عواصف السياسة الدولية أكبر من أن تبقي بلدا ما أو زعيما ما، متفرجا أو غير معني. لقرون طويلة ظلت اندونيسيا تحت رحمة الاستعمار الهولندي، وفي عشرينيات القرن الماضي انطلقت المقاومة، التي قادها (الحزب الوطني الاندونيسي) الذي تأسس في العام 1927 بقيادة (سوكارنو)، لكن الحدث الابرز الذي سيغير المعادلة هو الاحتلال الياباني لأندونيسيا في العام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، وهنا بقيت المقاومة متربصة تنتظر نتائج الصراع الدولي الكبير الذي انتهى اخيرا باحتلال اليابان من قبل الحلفاء، لتجد اندونيسيا نفسها امام فرصة التحرر الذي حصل فعلا، على الرغم من محاولة الهولنديين رفض ذلك، لكنهم وتحت ضغط المقاومة، وافقت على الخروج ومنح اندونيسيا استقلالها التام في العام 1949. لقد وجد هذا البلد نفسه امام ثلاثة تيارات داخلية كبيرة وقوية، الاولى هي الحركة الوطنية بقيادة الزعيم الاشتراكي (سوكارنو)، مدعوما من قوى يسارية محلية اخرى من بينها الحزب الشيوعي الاندونيسي، وتيار آخر يتمثل بالإسلاميين وقوة ثالثة هي الجيش الذي يتحكم به جنرالات بثقافة غربية، كونهم تربوا في مناخ معاد لليسار وايضا تلقوا الدعم منه، ليكونوا في صدارة هذه المؤسسة المؤثرة. لقد ظل (سوكارنو) يخفي رغبته في جعل البلاد اشتراكية، وكان أحد أبرز مؤسسي (حركة عدم الانحياز)، التي تعني أن من ينضوي تحت عباءتها يجب ألّا تكون لديه ميول لأي من الحليفين الكبيرين، اللذين تشكلا بعد الحرب العالمية الثانية (حلف الاطلسي) و(حلف وارسو)، ولكن هذا المبدأ لا يمكن قبوله أو التعاطي معه بجدية من قبل الدول الكبرى، التي تسعى للاستقطاب وبحدة وقتذاك. وتحت ضغط هذا الواقع المحلي الاندونيسي المتجاذب، حيث بقي سوكارنو يتحسب من رد فعل الجيش على اي اجراء يفهم على انه محاكاة للمعسكر الاشتراكي، قام المقدم القريب من الشيوعيين، (أونتونغ شمسوري) في العام 1965 بحركة (تطهير) داخل المؤسسة العسكرية وقتل ستة من كبار الجنرالات ممن رآهم موالين للغرب، ويشكلون عقبة امام اجراءات (سوكارنو) الاشتراكية، معتقدا أنه بهذا الاجراء سيمهد الطريق امام (سوكارنو) والقوى اليسارية الاخرى لتنفيذ برنامجهم، ففهمت اميركا والمعسكر الغربي، أن هناك انقلابا شيوعيا في اندونيسيا، فتحركت بقوة ودفعت بالجنرال (سوهارتو) للواجهة، وقد حصلت مجازر مروعة بحق الشيوعيين وغيرهم، وصلت إلى اكثر من مليون ضحية، وانتهت بإزاحة (سوكارنو) وتجريده من ألقابه وأوسمته، لاتهامه بالتواطؤ مع الانقلابيين، واصبح (سوهارتو) رئيسا للبلاد وبقي لمدة ثلاثين عاما في منصبه. الغريب حقا، هو أن أندونيسيا ظلت بعد (سوكارنو) دولة رائدة في (حركة عدم الانحياز) ومن بين الدول الابرز فيها، ما يجعلنا نعتقد ان الحركة نفسها باتت بلا مضمون أو تأثير، وهو ما تأكد للجميع في ما بعد. حين اعيد قراءة ما حصل في اندونيسيا اليوم، فإني اقرأها بعين وعقل مختلفين عن قراءاتي المنفعلة السابقة، أي أن الموضوعية وقراءة توازن القوى محليا ودوليا باتت هي معياري في تقييم أي حدث، لان السياسة لا تعرف شيئا اسمه النيات الطيبة ولا تقدس المبادئ والعقائد، وانما هي لعبة مصالح، وسط بحر هائج من صراعات محكومة بمنطق الغلبة والاستحواذ للأسف، والسياسي الناجح هو الذي يعرف كيف يمرر زورقه بأكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسارات، وتحديدا حين يدرك أنه في تمسكه بمبادئه أو قناعاته ولم يتعامل مع الواقع بموضوعية، سيخسر ما لديه ويخسر نفسه ولم يحصل على مكاسب لبلده، وأن الكبار إذا ارادوا شيئا يحققونه ويصلون اليه بطرق مختلفة. لقد كانت المجازر في أندونيسيا مروعة حقا، لكن كان من الممكن تجنبها أو التخفيف من أهوالها، في الأقل بتأكيد الحياد المعلن، لكن القيام بحركة خطيرة لتطهير الجيش من كبار ضباطه بدوافع عقائدية، لتمهيد الطريق لتطبيقات اشتراكية، لا يمكن أن يفهمه المعسكر الغربي إلا استهدافا له وفتحا للأبواب امام المعسكر المعادي، ولا بد من موقف حازم وسريع، وهو ما حصل. ترى هل بنا حاجة لإعادة قراءة التاريخ باستمرار، نعم، ولكن الاهم من القراءة هو أن نجعلها عبرًا ودروسا.


صدى البلد
منذ 9 ساعات
- صدى البلد
ضياء رشوان: نتنياهو لا يستطيع تغيير ملامح الشرق الأوسط
أكد الكاتب الصحفي ضياء رشوان، أن نتنياهو لا يستطيع تغيير ملامح الشرق الأوسط التي وجدت واستمرت قبل دولته بـ3 آلاف سنة. وقال ضياء رشوان في تصريحاته على قناة ' إكسترا نيوز '، :"إسرائيل تقصف إيران بطائرات أمريكية أجرت عليها بعض التعديل، ويتم تموينها في الهواء من 30 طائرة أمريكية، كما أن الصواريخ والقنابل التي تُطلق من هذه الطائرات من صناعة أمريكية، كما أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية كلها أمريكية. وحول رؤيته بشأن مدى قدرة إيران على الاستمرار في الحرب إذا ما استمرت الحرب بشكل مباشر مع تل أبيب فقط أو إذا ما تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر، قال موضحًا: "إذا تدخلت أمريكا، فإننا سنكون أمام سيناريو الفوضى". وواصل: "الحروب عندما تصل إلى نقطة تضغط بشدة على الدول، فإنها توحد الشعوب، ولكن عندما تصل إلى نقطة إذعان واستسلام، فإن الدولة تخسر جزءً من الشعب وتحيي الأكثر تشددا، مثلا، ألمانيا، أجبرت على الاستسلام في الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وبعدها بـ21 سنة، كانت ألمانيا تجتاح أوروبا كلها وتنخرط في الحرب العالمية الثانية التي قُتل فيها من 60 إلى 72 مليون شخص".


الشرق الجزائرية
منذ 12 ساعات
- الشرق الجزائرية
فريدمان يقترح 'الدبلوماسية القسرية' على إيران وإسرائيل
«أساس ميديا» وراء الحرب الإسرائيلية الإيرانية الحالية صدامٌ بين عقيدتين استراتيجيّتين مجنونتين: عقيدة السعي إلى التفوّق على العدوّ من خلال إجراءات جنونيّة، التي تتبعها إيران ووكلاؤها، وعقيدة المضيّ حتّى النهاية واعتماد مبدأ 'مرّة واحدة وإلى الابد'، التي تُحرّك بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة. لكنّ لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصةً لتصحيح كلتيهما، وخلق أفضل فرصةٍ لاستقرار الشرق الأوسط منذ عقود. يعتبر المحلّل والكاتب السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ عقيدة 'التفوّق على العدوّ بالجنون' التي تمارسها إيران، ومارسها أيضاً وكيلها 'الحزب'، عبر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وتفجير السفارة الأميركية في بيروت، ومساعدة بشّار الأسد، جاءت بنتائج سيّئة. وربّما ساعدت إيران و'الحزب' على طرد إسرائيل من جنوب لبنان. لكنّها عجزت عن طرد الإسرائيليين من وطنهم التوراتيّ، ولن تتمكّن أبداً من التفوّق على اليهود الإسرائيليين في الجنون. في رأيه، تلعب إيران وفقاً لقواعد الشرق الأوسط، التي يسمّيها قواعد حماه، نسبةً إلى هجمات محافظة حماه السوريّة التي نفّذتها حكومة حافظ الأسد عام 1982، والتي غطّيتُ عواقبها. قضى الأسد على جماعة الإخوان المسلمين في حماه بتسوية مساحات شاسعة من المدينة بالأرض بلا رحمة، وبنايات سكنيّة كاملة، وتحويلها إلى موقف سيّارات. مغالطات استراتيجيّة يوضح: لقد اعتقد كلٌّ من زعيم 'الحزب' السابق السيّد حسن نصرالله والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أنّهما يستطيعان التفوّق على جنون اليهود الإسرائيليين، وأنّ إسرائيل لن تحاول أبداً قتلهم شخصيّاً، وأنّ إسرائيل، كما كان يحبّ نصرالله أن يصفها، 'خيوط عنكبوتيّة' ستتفكّك تحت الضغط. فدفع حياته ثمناً لهذا الخطأ في التقدير، وربّما كان المرشد الأعلى سيدفع الثمن أيضاً لو لم يتدخّل ترامب، كما ورد، لمنع إسرائيل من قتله. أمّا على الجانب الإسرائيلي فيعتبر فريدمان أنّ بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة التي تدير الحكومة الإسرائيلية اليوم واقعون في فخّ مغالطتهم الاستراتيجيّة، والتي يسمّيها عقيدة 'الحلّ النهائي'، أو مبدأ 'مرّة واحدة وإلى الأبد'. ويوضح: لقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنّها ستحلّ المشكلة 'نهائيّاً'. وهناك طريقتان فقط للقضاء على هذه المشكلة نهائيّاً: – أن تحتلّ إسرائيل الضفّة الغربية وغزّة وجميع أراضي إيران بشكل دائم، كما فعلت أميركا بألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. – وأن تحاول تغيير الثقافة السياسيّة. لكنّ إسرائيل، في رأيه، لا تملك أيّ فرصة لاحتلال إيران بأكملها، وقد احتلّت الضفّة الغربية لمدّة 58 عاماً ولم تقضِ على نفوذ 'حماس' هناك، علاوة على القوميّة الفلسطينية العلمانية. ذلك لأنّ الفلسطينيّين هم من السكّان الأصليين. ولذا لن تتمكّن إسرائيل أبداً من 'إخضاعهم مرّة واحدة وإلى الأبد'، ما لم تقتل كلّ واحد منهم. ويجدّد تأكيده: 'السبيل الوحيد للاقتراب من إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كلّيّاً هو العمل على حلّ الدولتين'. ترامب وإيران وفقاً لفريدمان يجب على ترامب إذا كان يريد اتّفاقاً جيّداً مع إيران أن يعلن في آن واحد: – أنّه سيزوّد سلاح الجوّ الإسرائيلي بقاذفات بي-2 وقنابل خارقة للتحصينات وزنها 13,500 كيلوغرام، ومدرّبين أميركيّين، فيمنح إسرائيل القدرة على تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، ما لم توافق إيران فوراً على السماح لفرق من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بتفكيك هذه المنشآت والوصول إلى جميع المواقع النووية في إيران لاستعادة جميع الموادّ الانشطارية التي أنتجتها طهران. فقط إذا امتثلت إيران تماماً لهذه الشروط، يُسمح لها بامتلاك برنامج نووي مدني تحت رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. لكنّ إيران لن تمتثل إلّا في ظلّ تهديد جدّي باستخدام القوّة. – أنّ إدارته تعترف بالفلسطينيين شعباً له الحقّ في تقرير مصيره الوطني. ولكن لتحقيق ذلك يجب عليهم إثبات قدرتهم على الوفاء بمسؤوليّات الدولة من خلال تشكيل قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية تعتبرها الولايات المتّحدة ذات صدقيّة، وخالية من الفساد، وملتزمة خدمة المواطنين الفلسطينيّين في الضفّة الغربية وغزّة بفعّاليّة، والتعايش مع إسرائيل. – أنّه لن يتسامح مع التوسّع الاستيطاني السريع وواقع الدولة الواحدة الذي تُنشئه إسرائيل الآن، والذي يُمثّل وصفة لحرب أبديّة، لأنّ الفلسطينيّين في الضفّة الغربية وغزّة لن يختفوا أو يتخلّوا 'مرّة واحدة وإلى الأبد' عن هويّتهم الوطنية وتطلّعاتهم. – أن يؤكّد التزام إدارته رعاية محادثات السلام من أجل حلّ الدولتين، مع اعتبار خطّة ترامب للسلام، التي تُمهّد الطريق نحو حلّ الدولتين منذ رئاسته السابقة، نقطة البداية الدنيا وليست نقطة النهاية، أي أنّ على الطرفين التفاوض مباشرةً. طريقة ذكيّة لإنهاء الحرب في رأي فريدمان سيكون على ترامب إذا كان يريد حقّاً إحلال السلام في الشرق الأوسط أن يعمل كيلا تصبح أميركا أسيرة نتنياهو أو ضحيّة إيران. إذ ليست للولايات المتّحدة مصلحة في جعل إسرائيل آمنة للتوسّع المتطرّف، أو إيران آمنة للتطرّف النوويّ. وعليه أن يتجاهل الانعزالية الخطيرة والانفعاليّة التي يتبنّاها نائبه جي دي فانس، وأن يتجنّب نصائح نتنياهو الحمقاء التي يقدّمها جنرالات الحزب الجمهوري والإنجيليون، والتي لا تخدم مصالح الولايات المتّحدة ولا صدقيّتها في المنطقة. يعتبر أنّ الشروط الضرورية، وإن لم تكن كافية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، التي ستسمح لأميركا بتقليص وجودها العسكري هناك لا إنهائه، هي: – إجبار إيران على رسم حدود غربيّة واضحة، والتوقّف عن محاولة استعمار جيرانها العرب وتدمير إسرائيل بقنبلة نوويّة. – إجبار إسرائيل على رسم حدود شرقيّة واضحة، والتوقّف عن محاولة استعمار الضفّة الغربيّة بأكملها. – إجبار الفلسطينيين على رسم حدود شرقية وغربية واضحة بين إسرائيل والأردن، والتوقّف عن مقولة 'من النهر إلى البحر'. يعتقد أخيراً أنّ هذه الحرب تتيح أفضل فرصة منذ عقود لاستخدام ما سمّاه المفاوض المخضرم دينيس روس 'الدبلوماسية القسرية'. فهل ترامب قادر على ذلك؟ سنعرف قريباً. إيمان شمص