logo
قراءة هادئة لانتخابات حامية

قراءة هادئة لانتخابات حامية

صوت لبنانمنذ يوم واحد

الإعلامي منير الحافي
لمتابعة الكاتب: mounirhafi@ X, Facebook, Instagram
كانت انتخابات بيروت البلدية، التي جرت الأحد الماضي، معركة حامية بين ست لوائح على الإجمال، إلا أنّ البارز كان التنافس ما بين لائحة «بيروت بتجمعنا» التي جمعت فعلاً أحزاباً سياسية ودينية، وبين لائحة «بيروت بتحبك» بقيادة العميد المتقاعد محمود الجمل. واستطاع رئيس اللائحة في نهاية المطاف أن يخرق البلوك الانتخابي القوي الذي مثلته اللائحة الأولى. بدا أن جميع الأطراف، أرادوا أن يعملوا بروفة على قوتهم الانتخابية وبالتالي قدرتهم الشخصية على خوض الانتخابات النيابية المقبلة بعد سنة، أو على الأقل دعم مرشحين من قبلهم، مثلما حصل في الانتخابات البلدية نفسها. لذلك دعم اللائحة الأولى، سنياًّ، جمعيةُ المشاريع (الأحباش) والنائب فؤاد مخزومي والوزير السابق محمد شقير وشخصيات سنية أخرى، إضافة إلى الثنائي الشيعي، والحزب الاشتراكي. مسيحياً دعم «بيروت بتجمعنا»، القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر والنائب السابق ميشال فرعون والطاشناق والهانشاك إضافةً إلى المطران إلياس عودة. مقابل هذه اللائحة، دعم النائب نبيل بدر والنائب عماد الحوت، لائحة برئاسة محمود الجمل. ويؤكد مقربون من هذه اللائحة أنها شكلت من دون كثير أموال ودون ماكينة انتخابية منظمة، والدليل أنه في منتصف النهار الانتخابي فُقد الاتصال مع كثير من مندوبي لائحة الجمل، ولم يشاهد لها مندوبون في أقلام الاقتراع. المفاجأة كانت في نتائج لائحة «بيروت مدينتي» المتدنية مقارنة مع نتائجها في انتخابات العام ٢٠١٦. وبدا أن اختيار اللائحة لشخصية فذة على الصعيد المهني والعائلي هي فادي عمر درويش، لم ينقذها من الفشل. درويش الذي نال ١٣٥٦٨ صوتاً، نالها لشخصه، فيما نال آخر مرشح من لائحته ٥٦٥٧ صوتاً وهذا معناه أن التصويت كان لفادي وليس لكل اللائحة. في النهاية، خسر النواب التغييريون الداعمون لمدينتي وهم إبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان وملحم خلف. ويؤكد مقربون من لائحة بيروت بتحبك أن هناك من أقنع رولا العجوز التي لها مكانة في بيروت، بأن تعمل لائحة تضم خيرة الناس لخوض الانتخابات. فلو صبّ مناصرو لائحة رولا العجوز للائحة «بيروت بتحبك» لارتفعت حظوظ الأخيرة. وبحسب معنيين فإن الـ ٧٤٤٦ صوتاً التي نالتها رولا، لو أضيفت للائحة الجمل لكانت حصلت لائحته على ١٤ مقعداً من أصل ٢٤. كذلك فإن تشكيل لائحة من قبل عدنان الحكيم وأخرى من قبل «مواطنين ومواطنات في دولة»، أضعف لائحة الجمل. كذلك أضعف ترشح المنفردين لائحة «العميد». في النتيجة خرق الجمل لائحة الكبار. وهذا يعزى لوقوف الناس دائماً مع المستفرد. أي أنه خارج لائحة الأقوياء في العاصمة. غير أن الجمل أثبت أنه «قوي» عند الصوت السني، إذ إن لائحته حصلت على نسبة ٧٠ في المئة من أصوات المقترعين السنّة. في ما الناخب المسيحي في العاصمة صبّ بنسبة ٩٠ في المئة للائحة الأحزاب. أما الشيعي فصوّت مئة في المئة والدرزي مئة في المئة للأحزاب، وحصلت لائحة بيروت بتجمعنا على ١٥ في المئة من أصوات المقترعين السنة. ويقرأ محللون انخفاض نسبة تصويت السنة للائحة القوية بأن جمهور رفيق الحريري لم يتحمس للائحة. ويحكى عن رقم يراوح ما بين ٢٠ ألفاً إلى ٣٠ ألفاً لم يشارك في الانتخاب. كما لوحظ عدم إقبال الناخب البيروتي المقيم خارج بيروت ولا من المصطافين في الجبل. على الصعيد الاختياري، فازت لوائح العائلات في أحياء بيروت الإثني عشر التاريخية وعاد معظم القديم إلى المخترة مطعّماً ببعض المرشحين الجدد. يُلاحظ في هذا المجال وصول المختارة السيدة دلال سامي السبليني في دار المريسة وهي أول سيدة مختارة في بيروت الثانية. أما الملاحظة الثانية فهي أن منطقة المصيطبة جسدت وحدة وطنية بالقول والفعل. إذ أوصل الناخبون خصوصاً السنة الذين يمثلون ٥٢ ألف صوت وحدهم، لائحة من خمسة عشر مختاراً برئاسة صائب كلش، تكونت من ٩ مخاتير سنة و٢ شيعة ودرزي وسرياني وكاثوليكي وأرثوذكسي. هذه التركيبة الفريدة لم تحصل في أي منطقة أخرى في بيروت ولا في كل لبنان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المناصفة محفوظة... وبيروت تُركت لخيباتها
المناصفة محفوظة... وبيروت تُركت لخيباتها

المدن

timeمنذ 14 ساعات

  • المدن

المناصفة محفوظة... وبيروت تُركت لخيباتها

منذ ليل إعلان نتائج الانتخابات البلدية في بيروت، تتغنى الأحزاب التقليدية بالمنجز التاريخي: "بيروت أنقذت المناصفة"!. "التقاطع الانتخابي حافظ على التوازن"!"منقذو المناصفة في بيروت"… وكأننا أمام إنجاز ديمقراطي من العيار الثقيل، لا مجرد لائحة تحالفاتها هجينة تمّت صياغتها بين احزاب تخون بعضها بعضا، بلا رؤية، و برنامج موضوع لم نسمع عنه، فقط لتجنّب صدمة طائفية محتملة. لقد أصبح الحفاظ على المناصفة إنجازًا بحد ذاته، بينما البلدية نفسها تُركت كأنها تفصيل غير ذي أهمية. ماذا عن البلدية؟ اللافت ان الأحزاب التي شكلت اللائحة لم تتوانَ عند كل ظهور إعلامي للمتحدثين باسمهم ان تسمي هذا التحالف "تقاطع انتخابي" لم تسمه "ائتلافًا بلديًا" حتى، مع العلم أن المعركة الانتخابية في الأساس هي معركة بلدية. لكن المحاصصة المتلطية خلف المناصفة كانت اهم من البلدية. لم نسمع في هذه الاطلالات اي رؤية لإدارة المدينة، ولا حتى مشروع بسيط لإصلاح الأرصفة أو معالجة الجسور، أو تفعيل الشرطة البلدية، أو تأمين تمويل واضح وشفّاف لخطة نقل. لم يسأل أحد عن السنوات الست المقبلة: ماذا سنفعل بها؟ هل من خطة؟ هل من أهداف؟ وهل نعرف من سيدير ماذا؟ كل هذا تم تجاهله. فالمناصفة أولاً، ثم نناقش... إن تبقّى وقت أو حيز. تراجع "بيروت مدينتي" في المقلب الآخر، كشفت النتائج تراجعًا واضحًا لحملة "بيروت مدينتي"، التي كانت قد حققت عام 2016 مفاجأة مدوية بـ31 ألف صوت، على الرغم أن تلك الانتخابات حصلت في وقت كان فيه تيار المستقبل حاضرًا بكل ثقله السياسي والشعبي. واليوم، بعد أن غاب المستقبل عن المشهد، وبعد أن أصبح التغيير شعارًا عريضًا تبنّاه كثيرون، جاءت النتيجة أقل بكثير من التوقعات. إذا وضعنا جانبا القدرة المادية لهذه المجموعة والفرق الكبير بينها وبين التمويل عند لائحتي بيروت بتجمعنا وبيروت بتحبك، فالسبب لا يعود إلى الشارع، ولا إلى وعي الناخبين كما قال بعض الدائرين في فلك بيروت مدينتي – فهم، كما أظهروا في مناسبات كثيرة، قادرون على التمييز بين الجدّي والمرتبك – بل إلى عجز الحملة عن تقديم صورة موحّدة، أو برنامج بلدي واقعي من حيث الصلاحيات التي يتمتع بها المجلس البلدي ، وإلى كثرة الانقسامات الداخلية التي أضعفت صدقيتها. كما أن غياب ممثليها عن هموم الشارع البيروتي اضعف حظوظها وصورتها عند الناخبين. الناخبون منحوا فرصة في 2022، وأوصلوا نوابًا تغييريين إلى البرلمان، لكن الأداء في المجلس لم يكن على قدر الآمال. فخسرت هذه القوى جزءًا من الثقة، وتحوّل التراجع إلى نتيجة منطقية، لا مفاجئة. مخزومي: المسافة بين الحضور والإقناع الخاسر الأكبر في هذه الإنتخابات ليس ائتلاف بيروت مدينتي فقط، فؤاد مخزومي ايضا كان من ابرز الخاسرين. فهو، الذي طالما حاول أن يملأ الفراغ الذي خلّفه غياب تيار المستقبل، تلقّى صفعة انتخابية واضحة. فابن خالته ورئيس اللائحة ابراهيم زيدان احتل المركز السابع على لائحة بيروت بتجمعنا. وإذا وضعنا جانبا اصوات جمعية المشاريع، فإن اللائحة لم تحصل على الزخم السني الذي حصلت عليه لائحة بيروت بتحبك. فالناس لم تقتنع بمشروعه. الفراغ لا يُملأ فقط بالطموح. بدا واضحاً أن تيار المستقبل لا يزال القوة الأهم في الشارع السني. محمود الجمل… الحضور الهادئ من جهة أخرى، شكّل محمود الجمل، المدعوم من شخصيات من تيار المستقبل ، والمدعوم من النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية مفاجأة عند الانتهاء من الفرز. خاض المعركة بهدوء، مدعومًا بعلاقة مباشرة مع الناس، وخطاب بسيط وفعّال. ورغم أن ماكينة المستقبل لم تُفعّل بالكامل، نجح الجمل في الخرق، ما يعكس حسًّا شعبيًا لا يزال قادرًا على التمييز بين الحضور المفتعل والحضور الحقيقي. الأحزاب التقليدية: تنظيم وانضباط في الشارع المسيحي، عادت الأحزاب التقليدية لتفرض حضورها ، نتيجة جهد وتنظيم واستمرارية في الخطاب والمواقف. القوات والكتائب، على وجه الخصوص، خاضوا المعركة بوضوح، ونجحوا في مخاطبة جمهورهم بلغة يعرفها ويثق بها. التحذير من المسّ بالمناصفة لعب دوره بلا شك، لكن التنظيم كان حاضرًا أيضًا، في حين بدت القوى التغييرية وكأنها لا تزال في مرحلة التجريب، رغم مضي سنوات على انطلاقها. والمستقبل؟ مجرد مناصفة! الخوف الحقيقي هو أن يتحول هذا "الانتصار" إلى عبء. فماذا بعد؟ هل ستمضي السنوات الست المقبلة كما مرّت السنوات التسع التي سبقتها؟ هل ننتظر إصلاحات حقيقية من لائحة فُرضت تحت عنوان "التقاطع الإنتخابي"، بلا توافق فكري ولا رؤيوي؟ من سيموّل؟ من سينفّذ؟ ومن يراقب؟ خصوصًا في ظل وجود أطراف في المجلس البلدي يصعب التعامل معها ماليًا أو إداريًا بفعل العقوبات والتعقيدات السياسية. بيروت... وحيدة بيروت لم تصوّت بلا وعي، ولم تختَر عشوائيًا. بل هي مدينة أنهكتها الوعود، وجرّبت كل شيء تقريبًا. مشكلتها ليست في الناس، بل في من يصرّ على التعامل معها كأنها مجرد "توازن" يجب ضبطه، لا مدينة تحتاج إلى إدارة. لقد صوّتت بيروت، لا لأن اللوائح أقنعتها، بل لأن السياسة خذلتها... مرّة أخرى.

جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري
جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ يوم واحد

  • القناة الثالثة والعشرون

جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري

أطاحت الانتخابات البلدية الأخيرة في بيروت بمفاهيم رُسّخت على مدى ثلاثة عقود، قوامها ترشيح شخصيات نخبويّة آتية من خارج النسيج الاجتماعي المحلي، لا يعرف «البيارتة» عنها شيئاً. هذا النمط تغيّر مع دخول محمود الجمل إلى المشهد. منذ أن كان يرتدي بزّته العسكرية، اعتاد الجمل التجوّل في أحياء الطريق الجديدة وتلبية حاجات سكانها. منصبه كمستشار أمني للرئيس سعد الحريري أتاح له الاحتكاك بـ«فتوات» الشوارع و«شباب المنطقة»، فيما مكّنه موقعه كمنسّق عام لبيروت في تيار المستقبل من مدّ الجسور مع مختلف طبقات المدينة، من «التحتا» إلى «الفوقا». ومعركته النيابية عام 2022 لم تكن إلا تتويجاً لحضوره الشعبي المتنامي. إلى جانب الجمل، برز نبيل بدر. رجل أعمال ناجح جمع ثروة مالية، وترأّس نادي الأنصار، ودخل الندوة البرلمانية. لم تغيّره الثروة ولا العمل السياسي؛ لا يزال يرتاد المقاهي الشعبية، يجلس بثيابه الـ«casual» حول «الأرغيلة»، ويتحدّث بلغة الناس البسيطة. لا يُفلسف السياسة، بل يراها كما يراها جمهوره: «ماتش فوتبول» فيه فائز وخاسر. شكّل الاثنان «ديو» جسّد أهواء الشارع البيروتي السنّي. لذلك، لم يكن الجمل بحاجة إلى مقدّمات عندما قرّر الترشّح لرئاسة البلديّة؛ فصوره رُفعت بمبادرات فردية من أبناء الأزقّة الفقيرة الذين رأوا فيه امتداداً للحريرية السياسية الغائبة. رأى المزاج البيروتي في لائحة «بيروت بتجمعنا» مزيجاً من الأضداد اجتمعوا في «تحالف هجين». صحيح أنّ هذا النموذج من التحالفات بدأ في عهد الرئيس رفيق الحريري، وتمسّك به لاحقاً نجله سعد، إلا أنّ غياب التمثيل الحقيقي لـ«الحريريين» ومن يدور في فلكهم، جعل من الصعب على الكثيرين من أبناء العاصمة هضم مثل هذا التحالف. وما عزّز هذا الرفض الشعبي، الدور المحوري الذي يلعبه فؤاد مخزومي داخل اللائحة، وهو شخصية مثيرة للجدل لم تحظَ يوماً بقبول واسع لدى الشارع السنّي البيروتي. في المقابل، كان البديل الذي يمثّل وجدانهم حاضراً أمامهم: لائحة «بيروت بتحبّك». أدرك بدر والجمل حساسية المزاج العام، وعرفا كيف يظهّران خطاب المظلوميّة، وانضويا تحت راية «تيّار المستقبل» من دون السقوط في فخ الطموحات المكشوفة لوراثة سياسية. والأهمّ، أنّهما استخدما «الأدوات الحريريّة» في الحركة على الأرض، إذ طرقا الأبواب ودخلا أزقّة لم تطأها قدم زعيم منذ أيام رفيق الحريري. وليس تفصيلاً أن تُقاد الحملات الانتخابيّة من زاروب الطمليس والبرجاوي وأبو الخدود... وغيرها من الأزقّة الضيّقة التي يقطنها أبناء بيروت المنسيون. كلّ ذلك جعل من الجمل اسماً مقبولاً لدى الشارع السنّي من دون الحاجة إلى حملات تسويق مصطنعة. اندفع الناخب السنّي البيروتي إلى صناديق الاقتراع مدفوعاً بالإحساس بالتمثيل، لا بقوة ماكينة انتخابية منظّمة، إذ بدت لائحة «بيروت بتحبّك» شبه مجرّدة من البنية اللوجستية المطلوبة: حضور خجول للمندوبين داخل مراكز الاقتراع، وضعف لافت في عمليات النقل من خارج بيروت إلى داخلها. وما زاد الطين بلّة، الضربات المتتالية التي تلقّتها الماكينة: بدءاً من ضيق الوقت بعد تشكيل اللائحة قبل أسبوعين فقط، إثر فشل المفاوضات بين بدر واللائحة الائتلافية، وصولاً إلى غياب الخبرات وضعف الإمكانات، وانتهاءً بما تردّد عن انسحاب جماعي لأكثر من 175 مندوباً فجر يوم الأحد، تبيّن لاحقاً أنّ كثيرين منهم كانوا «مدسوسين»! وبالتالي، اعتمدت لائحة «بيروت بتحبّك» على «حواضر البيت»، على عكس ما أشيع عن إنفاق بدر 4 ملايين دولار قبل أيام من فتح صناديق الاقتراع. ما برز فعلياً على الأرض كان صورة مغايرة تماماً: مجموعات شبابية من أبناء بيروت تطوّعت عفوياً للعمل ضمن الماكينة، وساهمت في نقل الناخبين دون أن يُطلب منها رسمياً أو تُمنح مقابلاً مادياً، كما فعل على سبيل المثال «اتحاد أهالي عائشة بكّار». تدقيقٌ في الأرقام هذه العوامل أدّت إلى استناد لائحة «بيروت بتحبّك» إلى الدعم السنّي بشكل شبه كامل، إذ شكّل الصوت السنّي ما يقارب 99% من رصيدها الانتخابي. لكنّ الخلل الجوهري الذي واجهها تمثّل في عجزها عن تسمية مرشّحين مسيحيين وشيعة ودروز يتمتّعون بحضور شعبي وازن، بعدما أُقفلت الأبواب بوجهها من قِبل الأحزاب المتحالفة. ويُظهر تحليل أولي للأرقام بحسب التوزيع الطائفي أن اللائحة المدعومة من بدر والجماعة حصدت نحو 30 ألف صوت، من بينها حوالى 27 ألف صوت سنّي، ونحو 2000 صوت مسيحي، و500 صوت شيعي، و100 صوت درزي، تفاوتت بين المرشحين. وهذا يعكس بوضوح أن نحو 65% من الأصوات السنّية صبّت لـ«بيروت بتحبّك»، مقابل القاعدة السنّية التي أمّنتها «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» وحدها للائحة «بيروت بتجمعنا». وقد تمكّن الجمل من حصد أكثر من 40 ألف صوت سنّي، بعدما نجح في اختراق عدد من البلوكات الحزبيّة، من بينها بلوك «المشاريع» لما يتمتع به من حيثيّة شعبيّة ولامتلاكه شبكة من العلاقات العائلية والاجتماعية داخل الجمعية. كما كان خياراً مشتركاً لعدد كبير من البيارتة، حتى من خارج الاصطفافات الحزبية، إذ وضع كثيرون اسمه منفرداً على اللوائح، لكونه المرشّح الوحيد الذي يعرفونه. «الهوى مستقبلي» تحليل الأرقام يُظهر بوضوح أنّ «الهوى السنّي» مالَ إلى لائحة «بيروت بتحبّك». مع ذلك، من المجحف اختزال هذا الفوز بجهود بدر والجماعة والجمل. فالأرقام تعكس في الواقع حضور تيار «المستقبل» المستمر على الأرض السنّية، رغم غياب قيادته عن المشهد السياسي. ويتجلى ذلك بوضوح في النتائج الاختيارية، حيث اكتسح المرشحون المحسوبون على «الأزرق» المقاعد في أكثر من دائرة بيروتية، بما يعكس مزاجاً شعبياً لا يزال وفيّاً لرفيق الحريري ونهجه. صحيح أنّ تيار «المستقبل» لم يُصدر أي تعميم رسمي يطلب من مناصريه التصويت للائحة «بيروت بتحبّك»، إلّا أن النبض كان واضحاً في اتجاهات التصويت. «القلب الأزرق» كان عند الجمل، ما أتاح له حرية التحرّك داخل الشارع السنّي واستقطاب مفاتيح انتخابية أساسية تُعدّ من صلب التيار. فالجمل، بصفته منسّق بيروت السابق، يتمتع بشبكة علاقات أخطبوطية متجذّرة في مفاصل «سبيرز»، ما عزّز حضوره وجعل منه الخيار التلقائي لفئة واسعة من السنّة الباحثين عن امتداد «مستقبلي» ولو بصيغة جديدة. وعليه، لم يكن التصويت السنّي سوى تعبيرٍ عن «نوستالجيا» لرفيق الحريري وابنه سعد، ورسالة واضحة مفادها: «ما زلنا على العهد». لا الغياب القسري، ولا الشحّ المالي والخدماتي، ولا حتى إخراج المقرّبين من التيار الأزرق من مفاصل القرار السياسي والأمني، لم ينجح كل ذلك في زعزعة مكانة الحريري في وجدان السنّة الذين ذهب صوتهم، عملياً، إلى «الحريري الغائب» ممثّلاً بالجمل، لا إلى أي مشروع بديل. ما يشي بأن أحداً من اللاعبين السياسيين الحاليين في الشارع السنّي لا يملك حتى الآن القدرة على وراثة المرجعية الحريرية، أو الحلول مكانها. ولعل النتيجة الأبرز لانتخابات بيروت أنّ الغالبية السنّية التي امتلكها «المستقبل» في حضوره، ما زالت «في جيبه» حتى في غيابه. وكما يترك ابتعاد الحريري عن الساحة السنّية فراغاً في شارعه، فإنّ لهذا الغياب تداعيات سياسية عميقة أيضاً، ظهرت جلياً في الانتخابات البلدية الأخيرة. فقد أربك غيابه القوى السياسية التقليدية التي وجدت صعوبة في تأمين المناصفة داخل المجلس البلدي في بيروت، وهو ما كان يُعتبر في السابق تحصيلَ حاصلٍ بفضل حضور «تيار المستقبل». القلق الذي اعترى الأحزاب في تشكيل اللوائح المتوازنة كشف حجم الدور الذي كان يلعبه الحريري في الحفاظ على التوازنات الهشّة، والتي باتت مهدّدة اليوم في ظل غيابه الطويل. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الأخبار: جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري
الأخبار: جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري

وزارة الإعلام

timeمنذ يوم واحد

  • وزارة الإعلام

الأخبار: جنرال في زواريب الطريق الجديدة يُسقِط النخب المستوردة: بيروت صوّتت لسعد الحريري

كتبت صحيفة 'الأخبار': أطاحت الانتخابات البلدية الأخيرة في بيروت بمفاهيم رُسّخت على مدى ثلاثة عقود، قوامها ترشيح شخصيات نخبويّة آتية من خارج النسيج الاجتماعي المحلي، لا يعرف «البيارتة» عنها شيئاً. هذا النمط تغيّر مع دخول محمود الجمل إلى المشهد. منذ أن كان يرتدي بزّته العسكرية، اعتاد الجمل التجوّل في أحياء الطريق الجديدة وتلبية حاجات سكانها. منصبه كمستشار أمني للرئيس سعد الحريري أتاح له الاحتكاك بـ«فتوات» الشوارع و«شباب المنطقة»، فيما مكّنه موقعه كمنسّق عام لبيروت في تيار المستقبل من مدّ الجسور مع مختلف طبقات المدينة، من «التحتا» إلى «الفوقا». ومعركته النيابية عام 2022 لم تكن إلا تتويجاً لحضوره الشعبي المتنامي. إلى جانب الجمل، برز نبيل بدر. رجل أعمال ناجح جمع ثروة مالية، وترأّس نادي الأنصار، ودخل الندوة البرلمانية. لم تغيّره الثروة ولا العمل السياسي؛ لا يزال يرتاد المقاهي الشعبية، يجلس بثيابه الـ«casual» حول «الأرغيلة»، ويتحدّث بلغة الناس البسيطة. لا يُفلسف السياسة، بل يراها كما يراها جمهوره: «ماتش فوتبول» فيه فائز وخاسر. شكّل الاثنان «ديو» جسّد أهواء الشارع البيروتي السنّي. لذلك، لم يكن الجمل بحاجة إلى مقدّمات عندما قرّر الترشّح لرئاسة البلديّة؛ فصوره رُفعت بمبادرات فردية من أبناء الأزقّة الفقيرة الذين رأوا فيه امتداداً للحريرية السياسية الغائبة. تحالف هجين بلا روح حريرية رأى المزاج البيروتي في لائحة «بيروت بتجمعنا» مزيجاً من الأضداد اجتمعوا في «تحالف هجين». صحيح أنّ هذا النموذج من التحالفات بدأ في عهد الرئيس رفيق الحريري، وتمسّك به لاحقاً نجله سعد، إلا أنّ غياب التمثيل الحقيقي لـ«الحريريين» ومن يدور في فلكهم، جعل من الصعب على الكثيرين من أبناء العاصمة هضم مثل هذا التحالف. وما عزّز هذا الرفض الشعبي، الدور المحوري الذي يلعبه فؤاد مخزومي داخل اللائحة، وهو شخصية مثيرة للجدل لم تحظَ يوماً بقبول واسع لدى الشارع السنّي البيروتي. في المقابل، كان البديل الذي يمثّل وجدانهم حاضراً أمامهم: لائحة «بيروت بتحبّك». أدرك بدر والجمل حساسية المزاج العام، وعرفا كيف يظهّران خطاب المظلوميّة، وانضويا تحت راية «تيّار المستقبل» من دون السقوط في فخ الطموحات المكشوفة لوراثة سياسية. والأهمّ، أنّهما استخدما «الأدوات الحريريّة» في الحركة على الأرض، إذ طرقا الأبواب ودخلا أزقّة لم تطأها قدم زعيم منذ أيام رفيق الحريري. وليس تفصيلاً أن تُقاد الحملات الانتخابيّة من زاروب الطمليس والبرجاوي وأبو الخدود… وغيرها من الأزقّة الضيّقة التي يقطنها أبناء بيروت المنسيون. كلّ ذلك جعل من الجمل اسماً مقبولاً لدى الشارع السنّي من دون الحاجة إلى حملات تسويق مصطنعة. اندفع الناخب السنّي البيروتي إلى صناديق الاقتراع مدفوعاً بالإحساس بالتمثيل، لا بقوة ماكينة انتخابية منظّمة، إذ بدت لائحة «بيروت بتحبّك» شبه مجرّدة من البنية اللوجستية المطلوبة: حضور خجول للمندوبين داخل مراكز الاقتراع، وضعف لافت في عمليات النقل من خارج بيروت إلى داخلها. وما زاد الطين بلّة، الضربات المتتالية التي تلقّتها الماكينة: بدءاً من ضيق الوقت بعد تشكيل اللائحة قبل أسبوعين فقط، إثر فشل المفاوضات بين بدر واللائحة الائتلافية، وصولاً إلى غياب الخبرات وضعف الإمكانات، وانتهاءً بما تردّد عن انسحاب جماعي لأكثر من 175 مندوباً فجر يوم الأحد، تبيّن لاحقاً أنّ كثيرين منهم كانوا «مدسوسين»! وبالتالي، اعتمدت لائحة «بيروت بتحبّك» على «حواضر البيت»، على عكس ما أشيع عن إنفاق بدر 4 ملايين دولار قبل أيام من فتح صناديق الاقتراع. ما برز فعلياً على الأرض كان صورة مغايرة تماماً: مجموعات شبابية من أبناء بيروت تطوّعت عفوياً للعمل ضمن الماكينة، وساهمت في نقل الناخبين دون أن يُطلب منها رسمياً أو تُمنح مقابلاً مادياً، كما فعل على سبيل المثال «اتحاد أهالي عائشة بكّار». تدقيقٌ في الأرقام هذه العوامل أدّت إلى استناد لائحة «بيروت بتحبّك» إلى الدعم السنّي بشكل شبه كامل، إذ شكّل الصوت السنّي ما يقارب 99% من رصيدها الانتخابي. لكنّ الخلل الجوهري الذي واجهها تمثّل في عجزها عن تسمية مرشّحين مسيحيين وشيعة ودروز يتمتّعون بحضور شعبي وازن، بعدما أُقفلت الأبواب بوجهها من قِبل الأحزاب المتحالفة. ويُظهر تحليل أولي للأرقام بحسب التوزيع الطائفي أن اللائحة المدعومة من بدر والجماعة حصدت نحو 30 ألف صوت، من بينها حوالى 27 ألف صوت سنّي، ونحو 2000 صوت مسيحي، و500 صوت شيعي، و100 صوت درزي، تفاوتت بين المرشحين. وهذا يعكس بوضوح أن نحو 65% من الأصوات السنّية صبّت لـ«بيروت بتحبّك»، مقابل القاعدة السنّية التي أمّنتها «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» وحدها للائحة «بيروت بتجمعنا». وقد تمكّن الجمل من حصد أكثر من 40 ألف صوت سنّي، بعدما نجح في اختراق عدد من البلوكات الحزبيّة، من بينها بلوك «المشاريع» لما يتمتع به من حيثيّة شعبيّة ولامتلاكه شبكة من العلاقات العائلية والاجتماعية داخل الجمعية. كما كان خياراً مشتركاً لعدد كبير من البيارتة، حتى من خارج الاصطفافات الحزبية، إذ وضع كثيرون اسمه منفرداً على اللوائح، لكونه المرشّح الوحيد الذي يعرفونه. «الهوى مستقبلي» تحليل الأرقام يُظهر بوضوح أنّ «الهوى السنّي» مالَ إلى لائحة «بيروت بتحبّك». مع ذلك، من المجحف اختزال هذا الفوز بجهود بدر والجماعة والجمل. فالأرقام تعكس في الواقع حضور تيار «المستقبل» المستمر على الأرض السنّية، رغم غياب قيادته عن المشهد السياسي. ويتجلى ذلك بوضوح في النتائج الاختيارية، حيث اكتسح المرشحون المحسوبون على «الأزرق» المقاعد في أكثر من دائرة بيروتية، بما يعكس مزاجاً شعبياً لا يزال وفيّاً لرفيق الحريري ونهجه. صحيح أنّ تيار «المستقبل» لم يُصدر أي تعميم رسمي يطلب من مناصريه التصويت للائحة «بيروت بتحبّك»، إلّا أن النبض كان واضحاً في اتجاهات التصويت. «القلب الأزرق» كان عند الجمل، ما أتاح له حرية التحرّك داخل الشارع السنّي واستقطاب مفاتيح انتخابية أساسية تُعدّ من صلب التيار. فالجمل، بصفته منسّق بيروت السابق، يتمتع بشبكة علاقات أخطبوطية متجذّرة في مفاصل «سبيرز»، ما عزّز حضوره وجعل منه الخيار التلقائي لفئة واسعة من السنّة الباحثين عن امتداد «مستقبلي» ولو بصيغة جديدة. وعليه، لم يكن التصويت السنّي سوى تعبيرٍ عن «نوستالجيا» لرفيق الحريري وابنه سعد، ورسالة واضحة مفادها: «ما زلنا على العهد». لا الغياب القسري، ولا الشحّ المالي والخدماتي، ولا حتى إخراج المقرّبين من التيار الأزرق من مفاصل القرار السياسي والأمني، لم ينجح كل ذلك في زعزعة مكانة الحريري في وجدان السنّة الذين ذهب صوتهم، عملياً، إلى «الحريري الغائب» ممثّلاً بالجمل، لا إلى أي مشروع بديل. ما يشي بأن أحداً من اللاعبين السياسيين الحاليين في الشارع السنّي لا يملك حتى الآن القدرة على وراثة المرجعية الحريرية، أو الحلول مكانها. ولعل النتيجة الأبرز لانتخابات بيروت أنّ الغالبية السنّية التي امتلكها «المستقبل» في حضوره، ما زالت «في جيبه» حتى في غيابه. وكما يترك ابتعاد الحريري عن الساحة السنّية فراغاً في شارعه، فإنّ لهذا الغياب تداعيات سياسية عميقة أيضاً، ظهرت جلياً في الانتخابات البلدية الأخيرة. فقد أربك غيابه القوى السياسية التقليدية التي وجدت صعوبة في تأمين المناصفة داخل المجلس البلدي في بيروت، وهو ما كان يُعتبر في السابق تحصيلَ حاصلٍ بفضل حضور «تيار المستقبل». القلق الذي اعترى الأحزاب في تشكيل اللوائح المتوازنة كشف حجم الدور الذي كان يلعبه الحريري في الحفاظ على التوازنات الهشّة، والتي باتت مهدّدة اليوم في ظل غيابه الطويل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store