
الدّين العام ليس حلاً بل تأجيلاً لفاتورة لم تحسب بعد
- لا أحد يرفض الدَين العام كأداة اقتصادية إذا ارتبط بمشروع إنتاجي واضح
- التصنيف الائتماني لا يقيّم فقط القدرة على السداد بل أيضاً الجدية في الإصلاح
في الاقتصاد كما في الحياة، ليس كل دواء شفاء، أحياناً يسكن الألم ليخفي ورماً يتضخم تحت السطح.
في ظاهر المشهد يبدو الدين العام كحل مالي أنيق، تستدين الحكومة من البنوك لتسد عجوزاتها وتطمئن الأسواق بأنها قادرة على الوفاء، لكن خلف هذه الابتسامة المحاسبية يكمن وجه الحقيقة الصارخ، فليس كل دين يبنى عليه عمران فهناك دين يبنى على انقاض المستقبل.
لا أحد يرفض الدين العام كأداة اقتصادية إذا ارتبط بمشروع إنتاجي واضح وخطة زمنية محكمة وإدارة مالية تراعي الانضباط والشفافية، لكن حين يطرح كخيار وحيد وبلا إصلاح مالي يسبق الاقتراض فإننا لا نحل المشكلة بل نعيد جدولتها على حساب الأجيال القادمة، والأخطر من الدين أن نقنع أنفسنا أننا نصلح الخلل المالي بينما نحن نعيد تدوير العجز ذاته بصيغة قانونية جديدة.
أولاً: الدين ليس مالاً جديداً بل مالاً مستعاراً من مستقبل مجهول:
كل دين هو تحميل للزمن ما لا طاقة له به والمشكلة ليست في الاقتراض ذاته بل في:
• غياب الرؤية الاقتصادية التي تضمن استثمار الدين لا استهلاكه.
• غموض الصرف خاصة إذا خصص لسد العجوزات والرواتب لا لمشاريع إنتاجية.
• تحوله من أداة استثنائية إلى عادة دائمة في تمويل الميزانية.
في بيئة كهذه لا يصبح الدين حلاً بل يصبح وسيلة لتأجيل الحقيقة ودفن الإصلاح المالي تحت أرقام موقتة.
ثانياً: الدين يضعف السيادة المالية ويزيد كلفة التبعية:
الدين ليس رقماً فقط بل التزاماً سياسياً واقتصادياً، مع كل توسع في الاقتراض ترتفع كلفة خدمة الدين وتضيق مساحة القرار المالي، ومع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً تبدأ فوائد الدين بأكل جزء متزايد من الميزانية على حساب التعليم والصحة والإسكان، فتتحول الدولة إلى مدين يفاوض على شروط لا يملك تغييرها.
كما حدث في دول كثيرة مثل اليونان والأرجنتين، تحول الدين من وسيلة دعم الى أداة إملاء خارجي حين فقدت تلك الدول قرارها المالي، وهو السيناريو الذي يجب أن نحذر تكراره.
وهذا لا يعني أن الدين العام مرفوض في ذاته، بل إن العديد من الدول استفاد منه حين كان جزءاً من رؤية تنموية شاملة، فالدين العام متى ما ارتبط بمشاريع إنتاجية حقيقية، وأُحكمت آليات صرفه وضبطت أهدافه الزمنية والمالية، يمكن أن يكون رافعة اقتصادية.
دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة استخدمتا الاقتراض كوسيلة للنهوض بالبنية التحتية والتعليم والصناعة، لكن ذلك لم يكن وليد قرار عابر، بل نتاج إصلاح مالي «صارم»، و«مؤسسات رقابية قوية»، و«حوكمة عالية الشفافية».
الفرق الجوهري ليس في الاقتراض ذاته بل في بيئته، هل هو قرار ضمن خطة؟ أم مجرد ردة فعل لأزمة؟
في الأولى يولد النمو، وفي الثانية يولد العجز المقنع!
ثالثاً: من العبث الحديث عن اقتراض والدولة لم تسترجع أموالها من نفسها:
لا يعقل أن تطلب الحكومة تفويضاً بالاقتراض وهي لم تسترجع مليارات محتجزة في السنوات الماضية في جهاتها التابعة، وحسب بيانات رسمية بلغت الأرباح المحتجزة لدى بعض الجهات ذات الميزانيات المستقلة ما يلي
• مؤسسة البترول الكويتية 8.4 مليار دينار.
• مؤسسة الموانئ الكويتية 136.2 مليون دينار.
• الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات 112.6 مليون دينار.
• الهيئة العامة للصناعة 52.5 مليون دينار.
بإجمالي يقارب 8.7 مليار دينار، لم ترحل الى خزينة الدولة كما يوجب القانون.
فهل يعقل أن نترك أموالنا مجمدة في حسابات الجهات الحكومية، ثم نستدين من الخارج بفوائد تحمل على أبنائنا؟
وللأمانة قامت مؤسسة البترول في وقت سابق باسترجاع مبلغ 1.8 مليار دينار من أرباحها المحتجزة وفق خطة مجدولة تم التفاهم عليها مع وزارة المالية، لكن هذه الخطة توقفت بعد ذلك من دون أسباب معلنة!
وقد يخرج من يقول إن هذه الجهات تمول مشاريعها من أرباحها وهو كلام نظرياً سليم لكن عمليا ما حدث مختلف تماماً، كان يمكن لمؤسسة البترول وغيرها أن تحتفظ بنسبة من أرباحها لتمويل مشاريعها التشغيلية أو استثمارها بمشاريع جديدة ذات صلة وهذا منصوص عليه قانوناً.
لكن تقرير ديوان المحاسبة كشف أن المؤسسة استغلت احتياطاتها في أنشطة استثمارية ذات مخاطر منخفضة مثل شراء الأسهم والودائع والسندات، وهي أنشطة لا تتسق مع الغرض الذي أنشئت لأجله وهو الاستثمار المباشر في العمليات النفطية والانتاجية، بل استخدمت بعض عوائد تلك الاستثمارات لتغطية خسائر مشاريع تشغيلية دون تحويل الفائض الحقيقي الى وزارة المالية «خزينة الدولة»، وهذا تجاوز للمهمة الأصلية وتحول فعلي الى كيان استثماري، يعمل خارج إطار السياسة المالية الحكومية، وتم توجيه جزء من هذه العوائد في ما مضى لصرف بكجات مليونية لبعض قياداتها، ما يعكس خللاً عميقاً في أولويات الصرف وضبابية في معايير الحوكمة، وما لم تفرض رقابة حقيقية، فإن الخلل لن يكون محاسبياً فقط.
رابعاً: الدين العام يبعث برسالة ضعف الى السوق:
حين تستدين الدولة دون إصلاح فعلي:
• تتراجع الثقة في التزامها المالي.
• تتأثر التصنيفات الائتمانية.
• تقل شهية المستثمرين في القطاع الخاص.
• وتخشى البنوك الدخول في تمويلات طويلة الاجل.
فالسوق لا تقرأ نوايا الحكومة بل تقرأ بياناتها وحين ترى أنها تستدين دون معالجة الخلل البنيوي تبدأ بتسعير الخطر لا على أساس السوق فقط بل على أساس السياسات.
التصنيف الائتماني لا يقيم فقط القدرة على السداد، بل يقيم أيضاً الجدية في الإصلاح، وكل تراجع فيه يرفع كلفة الدين المقبل ويضعف قدرة القطاع الخاص على الاقتراض بثقة.
خامساً: الأزمة ليست نقص أموال بل غياب الحوكمة:
لو كانت الدولة شركة لرفض مستثمروها ضخ فلس واحد قبل أن تعيد بناء نظام الحوكمة وضبط المصروفات وربط الانفاق بالعائد، الخلل اليوم ليس في الخزينة بل في طريقة الإدارة، فالمال موجود لكن القرار يحتاج إلى تفعيل والمحاسبة معلقة والنتائج مكررة.
سادساً: حين يكون القرار المالي صناعة خارجية لا داخلية:
في كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم يروي جون بيركنز تجربته في التفاوض مع دول نامية فقال: «كنت أجلس على طاولة التفاوض لكن القرار الحقيقي لم يكن يصنع هناك بل في واشنطن، كنا نلبس الهيمنة ثوب السيادة ونمرر السيطرة باسم التعاون الاقتصادي».
وما أشبه اليوم بالأمس، فإن لم نربط الدين بخطة انتاج واضحة ونضع شروطاً صارمة على صرفه ونخضع الجهات المستقلة لرقابة مالية فعلية، قد نجد أنفسنا نوقع على أوراق وندفع كلفتها من مستقبل أبنائنا.
كما أن غياب دور الادارة العامة الرشيدة يجعل بعض مكاتب الاستشارات الأجنبية من تضع لنا سقف الاقتراض ومجالات الصرف وشروط السداد.
ختاماً، لا نريد توريث العجز لأبنائنا، ولا بد من البدء بحوكمة المال العام.
فالدين ليس قراراً محاسبياً، بل قرار يحمل تبعات تمتد لأجيال، ولا يجوز أن يتحول إلى أداة لتأجيل الإصلاح، بينما تستمر بعض الجهات بالتصرف في المال العام دون رقيب أو مساءلة.
إن أخطر ما في الأمر، ليس الاستدانة بحد ذاتها، بل الاستدانة في ظل أموال محتجزة، ومصروفات بلا ضبط، ومشاريع بلا عوائد، ومؤسسات مالية بلا رقابة حقيقية.
حين تغيب الرقابة المؤسسية لا تبقى المسؤولية موزعة بل تصبح أمانة في أعناق من بيدهم القرار من الحكومة، وتصبح الرؤية واجباً يتجاوز الورقة والرقم، ويتطلع إلى مستقبل هذا الجيل وما بعده.
اللهم قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ يوم واحد
- الرأي
1568 ديناراً متوسط رواتب الكويتيين... بـ 2024
- 1607 دنانير متوسط الرواتب الحكومية - 1365 متوسط القطاع الخاص - 1892 متوسط الكويتيين الذكور - 1334 متوسط الكويتيات بزيادة 0.8 في المئة - 0.9 في المئة زيادة رواتب الوافدين إلى 340 ديناراً سجل معدل الأجور الشهرية للكويتيين نمواً بنسبة 0.64 في المئة خلال 2024، ليرتفع إلى 1568 ديناراً، مقارنة مع 1558 في 2023، إذ ارتفع هذا المعدل في القطاع الحكومي 0.37 في المئة إلى 1607 دنانير بعد أن كان 1601، في المقابل ارتفع هذا المعدل في القطاع الخاص 2.55 في المئة إلى 1365 ديناراً، بعد أن كان 1331 ديناراً. وصعد معدل الذكور الكويتيين 0.5 في المئة إلى 1892 ديناراً مقابل 1882 ديناراً، وزاد للإناث 0.8% من 1323 ديناراً إلى 1334 ديناراً. وبالنسبة للقطاع الحكومي فقد ارتفع متوسط أجور الذكور الكويتيين بنسبة 0.1% إلى 1953 ديناراً مقابل 1951، في حين زاد متوسط أجور الإناث 0.65% إلى 1375 ديناراً بعد أن كانت 1366، أما بالنسبة للقطاع الخاص فزاد للذكور 2.68 في المئة إلى 1643 ديناراً مقابل 1600، وصعد للإناث 2.3 في المئة إلى 1066 ديناراً، بعد أن كان 1042 ديناراً. معدلات الوافدين وحسب بيانات الإحصاء للقوى العاملة سجل معدل الأجور الشهرية للوافدين نمواً بنسبة 0.9 في المئة خلال 2024، ليرتفع إلى 340 ديناراً، مقارنة مع 337 ديناراً في 2023، إذ ارتفع هذا المعدل في القطاع الحكومي 1.33 في المئة إلى 762 ديناراً بعد أن كان 752 ديناراً، وارتفع في القطاع الخاص 0.94 في المئة إلى 320 ديناراً، بعد أن كان 317 ديناراً. وزاد هذا المعدل بالنسبة للذكور الوافدين 0.63 في المئة إلى 320 ديناراً مقابل 318 ديناراً، وللإناث صعد 0.8 في المئة من 475 ديناراً إلى 479 ديناراً، وبالنسبة للقطاع الحكومي ارتفع متوسط أجور الذكور 1.38 في المئة إلى 805 دنانير مقابل 794 ديناراً، في حين زاد متوسط أجور الإناث 1.4 في المئة إلى 721 ديناراً بعد أن كانت 711 ديناراً، وللقطاع الخاص زاد المعدل للذكور 0.98 في المئة إلى 308 دينار بعد أن كان 305 دنانير، وصعد للإناث 0.47 في المئة إلى 423 ديناراً، بعد أن كان 421 ديناراً. وارتفع معدل الأجور الشهرية للكويتيين آخر 5 سنوات 6.3 في المئة إلى 1568 ديناراً، مقارنة مع 1474 ديناراً في 2020، إذ ارتفع هذا المعدل في القطاع الحكومي 4.8 في المئة، في المقابل صعد في القطاع الخاص 13.27%، وارتفع للذكور الكويتيون 5.8 في المئة، وزاد للإناث 7.14 في المئة، وبالنسبة للقطاع الحكومي ارتفع متوسط أجور الذكور الكويتيين 4.3 في المئة، في حين زاد للإناث 5.6 في المئة، أما بالنسبة للقطاع الخاص صعد المعدل للذكور 11.46 في المئة، وللإناث 13.64 في المئة. من جانب آخر، ارتفع معدل الأجور الشهرية للوافدين آخر 5 سنوات 6.9 في المئة إلى 340 ديناراً، مقارنة مع 318 ديناراً في 2020، إذ ارتفع هذا المعدل في القطاع الحكومي 6 في المئة، في المقابل صعد في القطاع الخاص 7 في المئة. وارتفع المعدل بالنسبة لذكور الوافدين 6.3%، وبالنسبة للإناث 3.67%، وفي القطاع الحكومي ارتفع متوسط أجور الذكور الكويتيون 6.3 في المئة، وزاد للإناث 5.8 في المئة، أما بالنسبة للقطاع الخاص فارتفع للذكور 6.57%، وللإناث 5.22 في المئة.


الرأي
منذ يوم واحد
- الرأي
127.28 مليون دينار تداولتها «بورصة الكويت» مع مراجعة «MSCI»
ارتفعت السيولة المالية المتداولة في بورصة الكويت الخميس بنهاية جلسات مايو لتصل 127.28 مليون دينار في ظل تنفيذ المؤسسات التي تتبع مؤشر مورغان ستانلي «MSCI» للأسواق الناشئة لمراجعتها الدورية على الأسهم الكويتية. وحسب الموقع الرسمي للبورصة تقدمت الأسهم الأكثر استحواذاً على السيولة أمس «بيت التمويل الكويتي» بتداول 20.5 مليون دينار، وبنك الكويت الوطني بـ 12.8 مليون، وبنك وربة بـ9.16 مليون، و»هيومن سوفت» بنحو 8.8 مليون، و»المباني» بـ7.85 مليون، وبنك الخليج بـ 5.2 مليون، ولحظ استحواذ مكونات سوق النخبة (السوق الاول) على 103.87 مليون دينار من إجمالي السيولة المتداولة خلال آخر جلسات الشهر، في الوقت الذي جاءت إقفالات المؤشرات العامة متباينة إذ انخفض المؤشر العام للبورصة بـ 6.8 نقطة والسوق الاول بـ 9.01 نقطة أما «السوق الرئيسي العام» فقد أقفل مرتفعاً بشكل طفيف بلغ 0.69 نقطة» إلا أن «الرئيسي 50» كان الاكثر خسارة بـ 44.01 نقطة.


الرأي
منذ يوم واحد
- الرأي
«الخليج»: 1200 دينار وحزمة مزايا للكويتيين... عند تحويل الراتب
أطلق بنك الخليج عرضاً خاصاً لعملاء حساب الراتب للكويتيين، تحت شعار «ابدأ صح»، يحصلون من خلاله على هدية نقدية لغاية 1200 دينار عند تحويل الراتب إلى بنك الخليج، مع حزمة مزايا أخرى، تفتح لهم أبواباً جديدة تساعدهم على تحقيق أهدافهم خطوة بخطوة. ويتمتع عملاء حساب الراتب للكويتيين في البنك بالعديد من المزايا، تتضمن التسجيل التلقائي في أسرع برنامج مكافآت في الكويت، الذي يمكّن العميل من استبدال النقاط بالكاش، وحجز تذاكر السفر والفنادق والسيارات، والاستمتاع بتجربة لا تنسى، بالشراء من خلال متجر إلكتروني، هو الأول من نوعه مصرفياً. كما يحصل العملاء على خصومات حصرية لدى أبرز وكالات السيارات، وبفائدة 0 في المئة لدى عدد من الوكالات، فضلاً عن إمكانية الحصول على قرض شخصي لغاية 25 ألف دينار مع فترة سداد 5 سنوات، وقرض اسكاني لغاية 70 ألفاً، مع فترة سداد 15 سنة، وصندوق أمانات لمدة سنة وبطاقة ائتمانية مدى الحياة. ويناسب العرض جميع الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي وشبه الحكومي والقطاع النفطي، وكذلك الكويتيون المعينون حديثاً، أو الموظفون الذين يقومون بتحويل رواتبهم إلى «الخليج»، ممن يتقاضون راتباً يتجاوز 600 دينار، علماً أن البنك يمنح عروضاً مصممة خصيصاً لموظفي بعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية. ويحرص «الخليج» على مواكبة تطلعات عملاء حساب الراتب والاستماع إلى متطلباتهم، ليقدم لهم أفضل المزايا التنافسية في السوق المصرفي، في إطار مساعي البنك المتواصلة لمكافأة عملائه ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم. وفي جناح «الخليج» حتى الغد، في مجمع الكوت بالفحيحيل، يتلقى العملاء الرد على استفساراتهم في شأن تحويل رواتبهم إلى البنك والاستفادة من المزايا الكثيرة التي يوفرها لعملاء حساب الراتب للكويتيين.