
جوبا وكمبالا.. توترات حدودية تعكس هشاشة التحالف السياسي والعسكري
أعادت الحادثة شبح المواجهة العسكرية بين البلدين لتسلط الضوء على غياب ترسيم واضح ونهائي للحدود المشتركة، وتكشف عن صراع متجدد على الأرض والموارد يهدد الاستقرار الهش في المنطقة.
وإذ بلغت حد المواجهات العسكرية فهي تفتح الباب أمام تصاعد توترات جديدة ونزاعات على الأراضي الزراعية والمناطق السكنية التي تعتبرها المجتمعات المحلية جزءا من أراضيها التاريخية.
محافظ مقاطعة كاجو كيجي، واني جاكسون مولي، وصف الحادثة بأنها تصعيد خطير للانتهاكات التي تقوم بها القوات الأوغندية، متهما إياها بالسعي للسيطرة على أراض محلية وإبعاد السكان عنها.
وقال مولي في حديث للجزيرة نت "نواجه محاولات متكررة لإجبار مجتمعاتنا على مغادرة أراضيها التاريخية تحت تهديد السلاح، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها توغل مماثل".
السبب الجوهري
وأكد المحافظ أن غياب الترسيم الرسمي للحدود هو السبب الجوهري وراء تصاعد التوترات، مشددا على أن السلطات المحلية تواصل مطالبة الحكومة المركزية في جوبا بالتدخل العاجل سياسيا وإنسانيا قبل أن تتفاقم الأزمة.
وترجع جذور هذه النزاعات الحدودية إلى ما قبل استقلال جنوب السودان في 2011، لكنها تصاعدت منذ 2015 مع بدء الجيش الأوغندي تنفيذ توغلات متكررة داخل المناطق المتنازع عليها، خصوصا في بوكي وإيكوتوس وكاجو كيجي. وعلى الرغم من توقيع اتفاق لترسيم الحدود في العام نفسه، فإن عدم تنفيذه ميدانيا أبقى الوضع هشا، وأتاح المجال لادعاءات سيادية متضاربة بين البلدين.
وفي محاولة لخفض التصعيد، أعلنت قوات دفاع جنوب السودان سلسلة من الإجراءات المشتركة مع الجيش الأوغندي لوقف الاشتباكات ومنع تجددها. وفي بيان بتاريخ 29 يوليو/تموز الماضي، قال الناطق باسم الجيش، اللواء لول رواي كونغ، إن اشتباكا مسلحا وقع بين الجيشين في منطقة نياينقا-مودا وأسفر عن خسائر بشرية للطرفين من دون تحديد الأعداد.
وأشار إلى أن رئيس هيئة الأركان العامة في جنوب السودان، الفريق أول داو أتورجونق نيول، تواصل مباشرة مع نظيره الأوغندي، الجنرال موهوزي كاينيروغابا، وتم الاتفاق على 3 خطوات أساسية:
الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية.
تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لتقصّي أسباب الاشتباكات.
مواصلة عمل اللجنة الفنية لترسيم الحدود وتقديم حلول سلمية للنزاعات المتكررة.
وأكد رواي التزام الجيش بضبط النفس والتعاون مع الجانب الأوغندي لتفادي مزيد من التصعيد في المناطق الحدودية الحساسة.
تحالف سياسي
ورغم التوتر الميداني، يحرص الجيش في جنوب السودان على عدم الإضرار بالعلاقات السياسية الوثيقة مع كمبالا، إذ يرتبط الرئيس سلفاكير ميارديت بتحالف متين مع نظيره الأوغندي يوري موسيفيني.
هذا التحالف الذي بدأ سياسيا تحول إلى تعاون عسكري مباشر منذ 2013، حين تدخل الجيش الأوغندي لدعم جوبا في مواجهة تمرد رياك مشار ، مستخدما الطيران والجنود في معارك بارزة مثل بور وملكال. كما شارك الطيران اليوغندي مؤخرًا في عمليات ضد المتمردين قرب الناصر بأعالي النيل في يوليو/تموز 2025.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية تيكواج بيتر أن العلاقة بين جنوب السودان وأوغندا تقوم على تحالف سياسي قوي ودعم عسكري حاسم قدمته كمبالا لجوبا منذ الحرب الأهلية في 2013، مشيرا إلى أن التوترات الأخيرة تعود غالبا إلى استفزازات ميدانية وليست توجيهات عليا.
وقال بيتر للجزيرة نت إن "أوغندا حليف أساسي للحكومة الحالية، وما جرى في كاجو كيجي يمكن النظر إليه على أنه سوء تفاهم ميداني، وليس قرارا سياسيا لاستخدام القوة".
أما المحلل السياسي والصحفي أبراهام مكواج، فيرى أن هذه التوترات تعكس "تحالفا شكليا يخفي علاقة تبعية غير متكافئة لمصلحة أوغندا"، معتبرا أن التصعيد الأخير ليس حادثا عابرا بل "تعبير عن صراع على الأرض والموارد والسيادة الوطنية، ويكشف عن هشاشة الدولة في الجنوب واحتدام التناقضات بين التابع والمتبوع".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
هل تحدث زيارة ويتكوف لروسيا اختراقا لإنهاء حرب أوكرانيا؟
تكتسب الزيارة المرتقبة للمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف إلى روسيا أهمية خاصة على وقع التوتر الأخير بين واشنطن وموسكو، والتصعيد الميداني بين روسيا وأوكرانيا. وكانت روسيا قد لوحت على لسان نائب رئيس مجلس أمنها القومي ديمتري ميدفيديف باستخدام السلاح النووي، ليأمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أثر ذلك بنشر غواصات نووية في مناطق قريبة من روسيا. واستبعد المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية إيفان تيموفيف ومستشار الأمن القومي الأميركي السابق مارك فايفل أن تسفر زيارة ويتكوف المرتقبة إلى روسيا عن نتائج ملموسة أو صفقة تُقرب إنهاء الحرب في أوكرانيا. تشاؤم ولكن وبدا التشاؤم حاضرا في حديث تيموفيف لبرنامج "ما وراء الخبر"، إذ لا يرَ من طرفه أي آفاق أو اتفاق مستدام قد يتم التوصل إليه، معربا عن قناعته بأن الولايات المتحدة لديها خيارات محدودة فيما يتعلق بالتأثير على الاقتصاد الروسي. واستبعد المتحدث الروسي التوصل إلى أي اتفاق في الأمد القريب، لكن زيارة ويتكوف تحمل في طياتها "استعادة الثقة للعودة إلى طاولة المفاوضات وتنشيطها في ظل تضارب وجهات النظر". ووفق تيموفيف، فإن لدى روسيا نية حسنة للمضي قدما في المفاوضات، في وقت تحاول فيه تعزيز موقفها السياسي رغم الإخفاقات السابقة، مستبعدا تقديمها أي تنازلات جديدة يضعف موقفها التفاوضي. وبناء على ذلك، فإن موسكو تحاول إقناع ويتكوف بأجندتها السياسية المقبلة، في حين يتطلع ترامب إلى بعض التنازلات الروسية وجهدا أكبر من الرئيس فلاديمير بوتين في هذا السياق. وخلص إلى أن التصريحات المتبادلة بين ترامب وميدفيديف "مجرد مناوشات على منصات التواصل، وليست موقفا سياسيا وعسكريا حقيقيا"، مجددا التأكيد على أن التلويح الأميركي بعقوبات ورسوم جمركية على الهند لن تكون مؤثرة على الاقتصاد الروسي. وكان ترامب قد جدد تهديده بفرض عقوبات على روسيا وشركائها التجاريين، -خاصة الهند- التي اتهمها بإعادة بيع النفط الروسي وليس شرائه فحسب. رؤية غير واضحة في المقابل، يذهب ويتكوف إلى روسيا برؤية غير واضحة، حسب مارك فايفل، وهو مسؤول الاتصالات السابق للبيت الأبيض، إذ يبدو الرجلا مشغولا أيضا بالحرب الإسرائيلية على غزة وملفات أخرى في المنطقة. وفي ضوء مهام ويتكوف المتعددة، فإن زيارة ويتكوف "محاولة للوقوف على بعض المؤشرات لجلب السلام للمنطقة، في حين يبدو بوتين مطالبا بشرح موقفه والإبقاء على مسألة زخم المفاوضات". وكذلك، يبحث ويتكوف عن خفض للتصعيد وتعبيد الطريق لمفاوضات "قد تشمل بعض التنازلات من الأطراف المعنية خاصة المناطق المحتلة داخل أوكرانيا ، وكذلك انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والضمانات التي تبحث عنها، وإمكانية لقاء بوتين ونظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي". واتفق فايفل بأنه لا يبدو في الأفق وقفا وشيكا لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، في حين وقت يواصل فيه ترامب العمل لتنفيذ وعده الانتخابي بإنهاء الحرب ووقف المعاناة، والمضي قدما في التفاوض للوصول إلى صفقة. وبناء على هذا الوضع، لا يزال ترامب يبحث حلا، ولم يجد أي ثغرة بعد عند بوتين لدفعه للقبول بإنهاء حرب أوكرانيا. وفي هذا الإطار، يأتي الحديث عن خطط غربية لتسليح كييف بأسلحة أميركية بمنزلة "رسالة قوية بأن الناتو مستعد للتأثير، وكذلك إثناء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن استيراد النفط الروسي".


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
الدعم السريع في الرمق الأخير
ما يقرب من 28 شهرا مرت على إطلاق مليشيا الدعم السريع الرصاصة الأولى بهدف الاستيلاء على مقاليد الحكم في السودان، على خلفية الخلاف بين قيادة الجيش والقوى السياسية المساندة له من جهة، وبين قيادة المليشيا وحليفها السياسي المعروف اختصارا وقتها بـ"قحت" حول ما أطلق عليه حينئذ الاتفاق الإطاري، في نسخته التي أعدتها المليشيا وجناحها السياسي "قحت"، وطالبت قيادة الجيش والقوى السياسية الأخرى بالتوقيع عليه دون إجراء تعديلات عليه كأمر حتمي ولازم، وأشارت بشكل صريح وواضح إلى أن البديل له هو الحرب. وقد أتبعت مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي القول بالفعل، عندما رفضت قيادة الجيش والقوى المدنية المناوئة للمليشيا التوقيع على الاتفاق الإطاري، فنفذت وعيدها وتهديدها بالحرب فجر الخامس عشر من شهر أبريل/ نيسان 2023، حيث هاجمت المليشيا مقرات القيادة العامة للجيش مستهدفة بشكل أساسي مقر قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لاعتقاله أو قتله حسب ما صرح به في ذلك الوقت قائد مليشيا الدعم السريع حميدتي. ولم يعد خافيا بعد دخول الحرب عامها الثالث في أبريل/ نيسان الماضي أنها كانت محاولة انقلابية من قبل مليشيا الدعم السريع للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ومن ثم تطبيق مشروع سياسي متعدد الأبعاد يتضمن مشاريع سياسية فرعية ترمي إلى تحقيق عدة أهداف أبرزها، إجراء تغيير ديمغرافي شامل في السودان، بإزاحة المكونات الإثنية التاريخية الأصيلة، وإحلال مكونات إثنية بديلة من خارج الحدود الجغرافية للسودان، هي في حقيقة الأمر امتداد للمكونات الإثنية الداخلية التي تشكل لحمة وقوام مليشيا الدعم السريع، ومن ثم إخضاع الدولة السودانية كلها لهيمنة وسيطرة هذه المكونات. هدف آخر أكثر أهمية ويمثل مرتكزا أساسيا لمشروع مليشيا الدعم السريع لحكم السودان وهو هدف اقتصادي يتمثل في السيطرة على الموارد الطبيعية المعدنية والزراعية والحيوانية التي يزخر بها السودان، بالإضافة إلى المنفذ البحري المميز على البحر الأحمر الذي يمتد على حوالي 750 كيلو مترا في موقع إستراتيجي جيوسياسي شديد الأهمية إقليميا ودوليا. حيث يشكل هذا الموقع أهمية خاصة في أجندة القوى الإقليمية الداعمة للمليشيا ولمشروعها السياسي، بما يمكن وصفه أنه أحد أهم أطماع هذه القوى في السودان. وهدف ثالث ذو طبيعة مزدوجة، فهو هدف وفي نفس الوقت وسيلة توطد بها مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي أركان ودعائم مشروعها لحكم السودان، وهو السيطرة على طرق ومنافذ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتجارة البشر والتهريب بكافة أنواعه. فهذه السيطرة تعتبر هدفا يمكنها من السيطرة على الحدود، ووسيلة في نفس الوقت لتمتين العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تمثل الهجرة غير الشرعية لها واحدة من أمهات قضايا أمنها القومي. وتمتين علاقات التعاون في هذا المجال مع الاتحاد الأوروبي، يوفر شرعية للدولة الجديدة واعترافا بها، وبالتالي يمحو إلى حد كبير تلك المآخذ والآثار السالبة التي رانت على العلاقة بين الجانبين؛ بسبب الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في وقت سابق في دارفور قبل أكثر من عقدين من الزمان. كانت هذه هي أهم معالم وأهداف وملامح مشروع دولة آل دقلو لحكم السودان، حيث رجحت أنها يمكن إقامتها عن طريق الحرب وقوة السلاح. لكن، وكما تابع العالم كله، فقد فشلت مليشيا الدعم السريع في الوصول إلى الحكم عن طريق القوة العسكرية، حيث أعدت له العدة والعتاد اللازمين، وخططت لذلك بطريقة محكمة، لكن رغم ذلك كان الفشل هو الحصاد، والنتيجة التي أصبحت واقعا ملموسا لا يحتمل الإنكار. فبعد أن كانت المليشيا تسيطر على العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وأجزاء واسعة من ولايات سنار والنيل الأبيض واقتربت من حدود ولاية القضارف بشرق السودان وتخوم ولايتي نهر النيل والشمالية بشمال السودان، تراجعت بفعل الحملات العسكرية المتتابعة التي شنها عليها الجيش السوداني والقوات المساندة له والمقاومة الشعبية، حيث استطاعت هذه القوات تحرير كل تلك المناطق المذكورة، واضطرت مليشيا الدعم السريع إلى الهروب إلى دارفور وغرب كردفان. وفي خضم هذه الحملات التي يشنها الجيش فقدت المليشيا الكثير من قواتها وعتادها وتعرضت لهزائم كبيرة، وانكسرت قوتها الصلبة المتمثلة في القوة المحترفة والمدربة، ولجأت لتعويض هذا الفقد بالاستعانة بمقاتلين مرتزقة من عدد من الدول المجاورة وغير المجاورة، وكذلك لجأت المليشيا إلى التجنيد القسري للأطفال والشباب في وقت وجيز والدفع بهم إلى أتون المعارك. ونتيجة لذلك ولأسباب أخرى تتعلق بخلافات حول المستحقات المالية، للجنود والضباط، وشح الموارد المالية للمليشيا، وغياب الرعاية الطبية والعلاجية للجرحى والمصابين والتمييز فيها بين المكونات المختلفة للمليشيا، والتعامل الفظ الذي تنتهجه المليشيا إزاء المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها، والحصار الذي تفرضه على الفاشر، وهجماتها المتكررة على مخيمات النازحين، وقصف الأحياء والقرى في شمال دارفور، ورفضها التعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية؛ لفتح مسارات لإيصال المساعدات والأغذية للمدنيين المحاصرين، تصاعدت أصوات السخط والاحتجاج من داخل هذه المكونات، وبالتالي أصبحت المليشيا عبئا ثقيلا ومصدرا للمعاناة لمواطني وأهالي دارفور. وأمام هذا الواقع المأزوم، مضافا إليه التجهيزات الضخمة للجيش والقوات المساندة له لمعركة فك الحصار عن الفاشر، وتحرير بقية مدن دارفور والتي يعتبرها الجيش (أم المعارك)، وخاتمة حملاته العسكرية الناجحة ضد المليشيا، فقد جعل هذا الوضع مليشيا الدعم السريع على المحك، وأمام خيارات صعبة للغاية عليها الاختيار من بينها في نطاق زمني ضيق. فإما أن تصمد وتخوض المعركة ببقايا قوات فارة من ميادين القتال وقابعة في آخر معاقلها، ومثخنة بالجراح والهزائم والخلافات وبمعنويات متدنية، في مواجهة قوات مجهزة بصورة احترافية، وأعدت للمعركة عدتها وعتادها بكافة التشكيلات العسكرية بما فيها الطيران، وبالتالي فالنتيجة الراجحة هي الخسارة والهزيمة، وهذا هو الخيار الأول، وهو خيار يتسم بالمغامرة غير المحسوبة، بل هو خيار انتحاري. والخيار الثاني أمام مليشيا الدعم السريع، هو الاستسلام حفاظا على ما تبقى من قواتها وتفاديا لمصير قاتم محتوم، غير أن هذا الخيار يضع النهاية لها ويقضي على مستقبلها ويضعها تحت طائلة القانون الداخلي والدولي؛ بسبب جرائمها وانتهاكاتها طوال فترة الحرب. والخيار الثالث ذو طبيعة سياسية، وهو خيار لا يقل صعوبة ومرارة عن سابقيه، رغم كونه يمثل مخرجا نظريا للمليشيا من مأزقها ووضعها المأزوم، إلا أنه في جوهره يلامس المستحيل، لكنه يظل نافذة الأمل الوحيدة، ونقطة الضوء الخافتة التي تُرى بالكاد في نهاية نفق أزمة المليشيا، وهو خيار عقد تحالف مع خصومها من القوى الدارفورية التي تناصبها العداء تاريخيا والتي تقاتل ضدها في صف الجيش. وهو خيار تحفه عقبات كبيرة وكثيرة وشائكة، فالجرائم البشعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في حق هذه القوى وحواضنها المجتمعية والأهلية لا يمكن غفرانها وتناسيها بسهولة، ذلك أن القبول بمثل هذا الخيار من قبل هذه القوى يمثل خسارة كبيرة واستسلاما غير مبرر وهي في أوج قوتها، وعلى مقربة من تحقيق نصر كبير على خصم يعيش أضعف حالاته، وعلى مرمى حجر من هزيمة محققة. غير أن هذا الخيار الأخير هو الآن في موضع بحث ونظر لدى جهات إقليمية ساندت مليشيا الدعم السريع، وأخرى دولية، لا تريد للجيش السوداني أن ينهي الحرب لصالحه بنصر مشهود وأداء احترافي كان محل ثناء الرئيس ترامب نفسه، فالقوى الإقليمية المساندة للمليشيا ترى في انتصار الجيش على هذا النحو هزيمة لها، ونهاية لأطماعها في السودان، وخروجها من المعادلة كلية. ومن ناحية أخرى، فإن القوى الدولية وتحديدا القوى الغربية، ورغم أنها حليفة للقوى الإقليمية المنحازة للمليشيا ولديها مصالح مشتركة معها، إلا أنها تقع تحت وطأة ضغوط أخلاقية وإنسانية، وأيديولوجية والتزامات سياسية تتعلق بإستراتيجياتها ومصالحها المرتبطة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تجعلها غير راغبة في مسايرة حلفائها الإقليميين، والتوغل معهم داخل نفق الأزمة السودانية إلى ما لا نهاية. أضف إلى ذلك أن السياسة الغربية تجاه المنطقة العربية ظلت وما تزال تقوم على دعم ومساندة وتمكين ما تعتبرهم أقليات مستضعفة داخل دول هذه المنطقة، وأنه من مسلمات هذه السياسة الغربية في حالة وجود نزاع داخلي في هذه الدول، مناصرة الطرف الذي يمثل بنظرها أقلية، ويأتي هذا تقوية لدعائم ما يعتبرونه حفظا لأمنهم القومي في إطاره الشامل. وبالنظر إلى هذه الحقيقة المعلومة وإذا أنزلناها على الوضع في السودان بصورة عامة، ودارفور بصورة خاصة، نجد أنه من المرجح أن تميل القوى الغربية لترجيح كفة من تعتبرهم أقليات يتوجب عليها نصرتهم ومساندتهم. وبناء على ما تقدم من حيثيات وفرضيات، مضافا إليها الفشل العسكري للمليشيا على الأرض وهزائمها المتكررة، والفشل السياسي للجناح السياسي لها المسمى حاليا تحالف "صمود"، وآخرها عجزها عن استقطاب الاعتراف والدعم الدولي والإقليمي لحكومتها الموازية التي أعلنت عنها مؤخرا، فإن مصير مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي سيكون إلى فناء وتلاشٍ في الأجل القريب.


الجزيرة
منذ 44 دقائق
- الجزيرة
مليونا لاجئ في خطر مع تراجع التمويل الطارئ في أوغندا
قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أوغندا تقترب من استضافة مليوني لاجئ في ظل تفاقم الأزمات في السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية". وأضافت المفوضية أن هذه الأزمات تدفع مئات الأشخاص يوميا لعبور الحدود بحثا عن الأمان والمساعدة المنقذة للحياة. وقالت مديرة العلاقات الخارجية في المفوضية دومينيك هايد، والتي زارت مؤخرا مستوطنات للاجئين السودانيين وجنوب السودانيين في أوغندا إنها "قابلت فتاة تبلغ من العمر 16 عاما فرت من العنف في جنوب السودان، وهي الآن ترعى إخوتها الأربعة بعد فقدان والديها". وأضافت هايد أن الفتاة الفارة من جنوب السودان تحلم بالعودة إلى المدرسة، لكن كل ما يشغلها الآن هو البقاء على قيد الحياة، وأكدت أن التمويل الطارئ سينفد في سبتمبر/أيلول. وأشارت إلى أن المزيد من الأطفال "سيموتون بسبب سوء التغذية، والمزيد من الفتيات سيقعن ضحية للعنف الجنسي، وستُترك العائلات بلا مأوى أو حماية إذا لم يتحرك العالم"، وأفادت بأن أوغندا فتحت "أبوابها ومدارسها ومراكزها الصحية. هذا النموذج يمكن أن ينجح، لكنه لا يمكن أن يستمر وحده". وحسب المفوضية، وصل إلى أوغندا ما معدله 600 شخص يوميا منذ بداية عام 2025، ومن المتوقع أن يصل العدد الإجمالي إلى مليوني لاجئ بنهاية العام. واعتبرت المفوضية أوغندا أكبر دولة مضيفة للاجئين في إفريقيا، والثالثة عالميا، إذ تستضيف حاليا 1.93 مليون لاجئ، أكثر من مليون منهم دون سن 18 عاما، ووصل من بين هؤلاء أكثر من 48 ألف طفل ومراهق بمفردهم. وفي ظل هذه الأوضاع تواجه الاستجابة الإنسانية حاليا واحدة من أسوأ أزمات التمويل منذ عقود. وتسمح سياسة أوغندا تجاه اللاجئين لهم بالعيش والعمل والوصول إلى الخدمات العامة، ولكن نقص التمويل يؤثر بشكل كبير على تقديم المساعدات ويهدد بتقويض سنوات من التقدم. وتُقدَّر تكلفة تلبية احتياجات لاجئ واحد في أوغندا بحوالي 16 دولارا شهريا في عام 2025، ولكن في ظل نقص التمويل، لن تتمكن المفوضية من تقديم سوى 5 دولارات شهريا لكل لاجئ. ومع تقلص إمدادات الغذاء والماء والدواء، ترتفع معدلات سوء التغذية، خصوصا بين الأطفال دون سن الخامسة بوتيرة مقلقة. كما يُضطر اللاجئون إلى اتخاذ قرارات مصيرية للبقاء على قيد الحياة، منها ترك التعليم، كما تزداد تقارير العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويرتفع خطر الانتحار بين الشباب اللاجئين مع تناقص عدد العاملين في مجال الصحة النفسية. وبحلول نهاية يوليو/تموز، لم تمتلك المفوضية موارد كافية إلا لدعم أقل من 18 ألف شخص بالمساعدات النقدية والمواد الإغاثية الأساسية، وهو ما يكفي لتغطية شهرين فقط من أعداد الوافدين الجدد الحالية. ولا يتجاوز تمويل استجابة أوغندا لأزمة اللاجئين نسبة 25%. وتدعو المفوضية إلى دعم دولي عاجل ومستدام، بما في ذلك من الجهات الفاعلة في مجال التنمية، لضمان أن يتمكن اللاجئون والمجتمعات المضيفة لهم من العيش بأمان وكرامة.