
شبكة العنكبوت... أوكرانيا تعيد كتابة قواعد الحرب
خلال يونيو (حزيران) عام 1942، استطاعت القوات الأميركية الحاق أكبر خسارة في أسطول طائرات الإمبراطورية اليابانية، وأغرقت أربع حاملات طائرات في معركة ميدواي. فبعد ستة أشهر فقط من هجوم بيرل هاربر الذي مثل صفعة يتذكرها التاريخ للولايات المتحدة، وبفضل قدرتها على فك الشيفرات والرادارات، تمكنت القوات الأميركية من اعتراض خطط اليابانيين وضرب أسطولهم.
نجحت الاستخبارات الأميركية في فك رموز الاتصالات اليابانية، مما أتاح لها توقع موعد ومكان الهجوم بدقة. وباستخدام حاملات الطائرات وطائرات الاستطلاع الحديثة، تمكنت قواتها من تدمير أربع حاملات طائرات يابانية رئيسة، ولم تكن ميدواي مجرد مواجهة بحرية بل حولت موازين القوى عبر التكنولوجيا، وشكلت نقطة تحول محورية في الحرب.
شبكة العنكبوت
وبعد أكثر من ثمانية عقود وفي مطلع الشهر نفسه، وجهت أوكرانيا ضربة من شأنها أن تعيد صياغة قواعد الحرب مع روسيا، وذلك عبر عملية استخباراتية تكنولوجية تعرف بـ"شبكة العنكبوت". فالأحد الماضي، استطاعت مسيرات أوكرانيا استهداف قاذفات في العمق الروسي، وهو ما وصفه مراقبون بأنه انقلاب يمثل انتكاسة قاسية لموسكو وقد يعيد تعريف أسلوب إدارة العمليات العسكرية وتنفيذها.
وفق رواية كييف، فإن مسيراتها استطاعت تدمير 41 طائرة معظمها قاذفات استراتيجية بعيدة المدى من طراز "تو 95" و"تو 22"، وهي طائرات من الحقبة السوفياتية استخدمت لإطلاق صواريخ كروز على أوكرانيا. وإن كانت بعض التقارير الصحافية تشككك في ذلك العدد، إذ ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بناءً على مراجعة الفيديوهات المؤكدة وصور الأقمار الاصطناعية، أن الطائرات الروسية المتضررة بلغت 13 طائرة في الأقل.
وتشير تفاصيل العملية إلى جهد استخباراتي واسع ودقيق استند بصورة كبيرة إلى تكنولوجيا رخيصة تتمثل في المسيرات، إذ بدأ الأمر بطلب جريء من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى رئيس جهاز استخباراته أواخر خريف 2023، للرد على عمليات القصف الروسي لمحطات الطاقة والمدن الأوكرانية بوابل من الصواريخ، مما أربك الدفاعات الجوية المحدودة لأوكرانيا، بحسب تفاصيل أوردتها صحيفة "وول ستريت" جورنال الأميركية.
كانت المهمة شاقة، فالقاذفات الاستراتيجية الروسية التي تطلق أقوى صواريخها تعمل من قواعد بعيدة من مدى الدفاعات الأوكرانية، وتنتشر في مطارات تبعد حتى 3000 ميل من أوكرانيا. واستخدم جهاز الأمن الأوكراني (أس بي يو) بقيادة اللواء فاسيل ماليوك طائرات درون بعيدة المدى بفعالية، لكنها تظل عرضة لاعتراض الدفاعات الروسية من صواريخ اعتراضية إلى أجهزة تشويش إلكترونية.
وعلى طريقة حصان طروادة، قام القائد العسكري الأوكراني بتهريب أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة الهجومية ذات الاستخدام الواحد بلغ عددها 117 مسيرة، إلى داخل روسيا عبر شاحنات نقل تجارية دون علم سائقي الشاحنات. وعند اقترابهم من القواعد الجوية الروسية، فتحت الأسطح من بعد، مطلقة العنان لعشرات الدرونات في مشهد يمزج بين جواسيس الحرب الباردة وسيناريوهات أفلام ترانسفورمرز. ويقول ماليوك إن "الطائرات المسيرة هُربت إلى روسيا داخل كبائن خشبية مركبة على ظهر الشاحنات ومخفاة تحت أسقف قابلة للفتح تعمل من بعد".
التكنولوجيا تعيد صياغة المشهد
كان الهجوم مفاجئاً لموسكو. ووفق مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أظهرت الضربات مرة أخرى قدرة أوكرانيا على أن تكون في طليعة التكنولوجيا والتكتيكات، إذ استغلت كييف كل شيء بدءاً من التكنولوجيا العسكرية القديمة وأنظمة التجارة المتاحة وحتى الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية، وكان لذلك تأثير حاسم في الحرب منذ بداياتها، إذ منح أوكرانيا طرقاً جديدة وغير متوقعة لمهاجمة القوات والأراضي الروسية.
بالنسبة إلى الكاتب الأميركي ماكس بوت، فإن عملية شبكة العنكبوت تشبه في طريقتها ونتائجها هجوم بيرل هاربر الذي أسفر عن تدمير 328 طائرة أميركية و19 سفينة حربية، على يد القوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية. ويقول إن الأوكرانيين أعادوا كتابة قواعد الحرب مرة أخرى، فلابد أن القيادة العليا الروسية صدمت بقدر صدمة الأميركيين عام 1941، عندما نفذ الأوكرانيون هجوماً مفاجئاً استهدف خمس قواعد جوية روسية بعيدة من الجبهة، اثنتان منها تقعان على بعد آلاف الأميال في أقصى شمال روسيا وسيبيريا.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق السفير الأميركي السابق لدى كييف جون هيربست فإن العملية تشكل "رداً قوياً على الفكرة المتكررة القائلة بأن الحرب تميل حتماً لمصلحة موسكو". ويرى الزميل لدى المعهد البريطاني للخدمات المتحدة مايكل شوركين، أن في عملية معقدة كهذه ليس من المستبعد أن يكون الأوكرانيون استعدوا لأي سيناريو محتمل، ودربوا خوارزميات ذكاء اصطناعي للتعرف على الطائرات أو توجيه المسيرات في حال حدوث تشويش.
لكن الأمر لا يقتصر على ساحة القتال في أوكرانيا، بل تمتد أثاره إلى الصراعات العالمية. فكانت الضربات الدقيقة في السابق حكراً على الدول الأكثر تقدماً، إذ كانت الأسلحة التقليدية المستخدمة في الضربات الدقيقة مثل صواريخ كروز "توماهوك" تكلف ملايين الدولارات لكل ضربة. أما اليوم، فأصبح لدى عدد أكبر من الجهات القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة من مسافات أبعد، حتى وإن لم تكن أنظمتهم متطورة بصورة كبيرة.
ويقول شوركين إن "أوكرانيا نفذت عملية يفترض أن ترعب جيوش العالم... ضربة منخفضة الكلفة وعميقة باستخدام وسائل أبسط، فيما قلة من الجيوش أو حتى أي جيش مستعد لصدها". ووفق مصنع أسلحة تحدث للوكالة الفرنسية مع طلب عدم ذكر هويته، فإن "ما حدث سيلهم كثراً"، لافتاً إلى أن "هذه الأدوات الجديدة تجبر الجميع على إعادة التفكير بصورة كاملة في أنظمة الدفاع وطريقة إنتاجها، ومبادئها... هذا يفتح مجالات لم نكن نتخيلها قط".
ويرى زميل مجلس العلاقات الخارجية مايكل هورويتز أن القدرة على استخدام وسائل دقيقة وفعالة على نطاق واسع وبسرعة، خصوصاً عند دمجها مع الذكاء الاصطناعي المتقدم لتوجيهها، تشكل ضغطاً هائلاً على أنظمة الدفاع، "لنفكر في البحرية الأميركية التي أنفقت مليارات الدولارات في البحر الأحمر خلال الأعوام الأخيرة للدفاع عن نفسها وعن السفن التجارية، من أنظمة هجوم دقيقة ومنخفضة الكلفة يستخدمها الحوثيون في اليمن". ويضيف أن الهجوم الأوكراني الأخير يظهر بوضوح أن الأهداف الواقعة في عمق أراضي الدول لم تعد في مأمن. وهذا سيخلق دوافع جديدة لتعزيز التحصين مثل بناء ملاجئ لحماية الأصول من الهجمات البسيطة وزيادة القدرة على التكيف، كتوزيع الأصول لتجنب وضعها كلها في خطر أثناء وقوع هجوم، وابتكار وسائل مضادة مثل الاستثمار في وسائل منخفضة الكلفة لمواجهة المسيرات الانتحارية، كالأسلحة الموجهة بالطاقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 2 ساعات
- حضرموت نت
اخبار اليمن : وول ستريت جورنال: إيران تسعى لإعادة بناء قدراتها العسكرية وتسعى لأستيراد آلاف الأطنان من المواد المنتجة للصواريخ الباليستية لدعم وكلاءها الحوثيين
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن إيران تسعى لإعادة بناء قدراتها العسكرية، وتعمل حاليًا على استيراد آلاف الأطنان من المواد الكيميائية اللازمة لإنتاج صواريخ باليستية، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي. ووفقًا للصحيفة، فقد طلبت طهران شحنات ضخمة من نترات الأمونيوم من الصين، وهي مادة أساسية في تصنيع وقود الصواريخ ذات الوقود الصلب. ومن المقرر أن تصل هذه المواد خلال الأشهر المقبلة، وسط مؤشرات على نية إيران استخدام جزء منها لدعم الميليشيات المتحالفة معها، بما في ذلك جماعة الحوثيين في اليمن. وأوضحت الصحيفة أن شركة إيرانية تُدعى پيشگامان تجارت رفيع نوين تقدمت بطلب إلى شركة صينية مقرها هونغ كونغ تُدعى Line Commodities Holdings، إلا أن الطرفين امتنعا عن الرد على استفسارات الصحيفة، كما لم يعلّق المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة. في المقابل، قالت الخارجية الصينية إنها لا تملك معلومات عن هذه الصفقة، وأكدت التزام بكين بالرقابة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج. وأضافت وول ستريت جورنال أن هذه التحركات تأتي ضمن مساعي طهران لتعزيز حلفائها الإقليميين وإعادة تشكيل ما يُعرف بـ'محور المقاومة'، في ظل الضربات العسكرية التي أضعفت مواقعهم، خاصة في سوريا ولبنان وغزة واليمن. ونقل التقرير عن مصادر أمنية أن إيران نقلت مؤخرًا صواريخ باليستية إلى ميليشيات شيعية في العراق سبق أن نفذت هجمات ضد القوات الأميركية، في استمرار لاستراتيجية طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي بالصواريخ والطائرات المسيّرة. وتؤكد تقديرات استخبارية أن شحنات سابقة من بيركلورات الصوديوم – وهي مادة تستخدم في تصنيع نترات الأمونيوم – وصلت إلى إيران عبر سفن راسية في موانئ صينية، وكانت كافية لتأمين وقود نحو 260 صاروخًا قصير المدى، فيما يُرجّح أن تكفي الصفقة الجديدة لتزويد نحو 800 صاروخ بالوقود. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت في أبريل الماضي عقوبات على كيانات في إيران والصين لتورطها في تمويل وتوريد المواد المستخدمة في برامج الصواريخ الإيرانية، بما في ذلك دعم برنامج الحوثيين للصواريخ والطائرات المسيّرة. وسبق أن أعلنت البحرية الأميركية في نوفمبر 2022 اعتراض سفينة في خليج عمان كانت تحمل أكثر من 70 طنًا من نترات الأمونيوم، يُعتقد أنها كانت في طريقها إلى الحوثيين، وهو ما يتكرر ضمن نمط معروف لتهريب السلاح من إيران. واختتمت الصحيفة تقريرها بالتحذير من مخاطر تخزين هذه المواد المتفجرة، مشيرة إلى انفجار مميت وقع في أبريل الماضي بميناء رجائي في بندر عباس الإيرانية، نجم عن سوء تخزين مواد متفجرة بينها بيركلورات الصوديوم، وأسفر عن عشرات القتلى. وتؤكد هذه التطورات، بحسب التقرير، أن إيران تواصل العمل على دعم ميليشياتها الإقليمية رغم العقوبات الدولية، في مسار يهدد بتفاقم الأزمات في المنطقة، لا سيما في اليمن حيث يواصل الحوثيون استخدام هذه القدرات لاستهداف دول الجوار وتهديد الملاحة الدولية. المصدر : وول ستريت جورنال


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
أوكرانيا وغزة
رغم الكثير من القضايا الملحة على مستقبل البشرية ؛ فإن حربى أوكرانيا (عدد القتلى والجرحى 400 ألف أوكرانى و780 ألف روسي) وغزة (60 ألفا من القتلى وضعفهم من الجرحي) لا تكفان عن مفاجأة العالم بما تأتيان به من مدهشات. آخرها بدأت حكايته قبل 18 شهرا، عندما بدأ المخططون العسكريون فى كييف فى تصميم هجوم يكون مفاجئا على قاعدة جوية للقاذفات المخصصة لعمليات التدمير التى تلحق بالمدن الأوكرانية وفى المقدمة منها "كييف" العاصمة. كان واضحا أن "المقاومة" الأوكرانية تواجه الكثير من الصعوبات فى الحرب التى بدأت فى 24 فبراير 2022، وبعد استعادة موسكو المبادأة أخذت فى السعى نحو توسيع نطاق احتلالها حتى جاء دونالد ترامب معترضا على المعالجة الأمريكية والأوروبية للحرب بطريقة معاكسة لما كان سائدا عن قيام موسكو بغزو أوكرانيا بالمخالفة لكل الأعراف الدولية، فبات سببها إمكانية انضمام أوكرانيا لحلف الأطلنطي. شكل الرئيس الأمريكى الجديد ضغطا على القيادة الأوكرانية، مؤكدا أنها «لم يعد لديها أوراق تلعب بها» فى حرب عميقة. المسار جاء باستعداد «كييف» للتراجع عن إقليم «كورسك» الروسى الذى احتلته أوكرانيا لكى تبادله بالأراضى المحتلة فى الدونباس، بعد أن تبخرت أحلام زيلينسكى باستعادة إقليم القرم الذى استولت على روسيا فى عام 2024. اعتذر زيلينسكى لترامب وشكر الولايات المتحدة على ما أعطته؛ وأكثر من ذلك التوقيع على اتفاق مع واشنطن على إدارة الثروات النادرة المعدنية الأوكرانية، بحيث تسدد أوكرانيا ديونها الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة. ووسط محاولات ترامب للتوسط فى مفاوضات لوقف إطلاق النار ولو لشهر واحد تلكأت موسكو فى قبوله إذا بأوكرانيا تشن هجوما كبيرا بالطائرات المسيرة على القاعدة الجوية الروسية القريبة من موسكو وتدمر 40 قاذفة قنابل، كان متوقعا أن تصب الجحيم على الأهداف الأوكرانية. المراقبون وصفوا الغارة بأنها كانت "بيرل هاربر" الثانية؛ ولكن إذا أخذنا حرب غزة فى الحسبان فإن مثيلتها كانت هجمة "البيدجر" فى حرب غزة.


صدى الالكترونية
منذ 4 ساعات
- صدى الالكترونية
شجار جسدي بين إيلون ماسك ووزير الخزانة الأمريكي خارج المكتب البيضاوي
كشفت صحيفة واشنطن بوست عن وقوع شجار جسدي مفاجئ بين الملياردير الأمريكي إيلون ماسك ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت خارج المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وذلك خلال زيارة تمت في منتصف أبريل الماضي، عقب اجتماع جمع الطرفين مع الرئيس السابق دونالد ترامب. وبحسب التقرير، فإن الخلاف بدأ عقب خروج ماسك وبيسنت من الاجتماع، حيث بدأ الاثنان في تبادل الإهانات اللفظية داخل أروقة الجناح الغربي، بعد أن أثار بيسنت فشل ماسك في الوفاء بتعهد سابق له بالكشف عن تريليون دولار من الإنفاق الحكومي المبذر والاحتيالي، ونُقل عن بيسنت قوله لماسك: 'أنت محتال، أنت محتال تمامًا!' فيما تطورت المواجهة إلى اشتباك جسدي عندما قام ماسك بصدم كتفه في صدر بيسنت بطريقة عنيفة تشبه لاعبي الرجبي، ما دفع الوزير للرد بالمثل، قبل أن يتدخل عدد من الموظفين والمسؤولين لفض الاشتباك، بينما كان الرجلان يقتربان من مكتب مستشار الأمن القومي. وذكرت الصحيفة أن إيلون ماسك تم طرده من الجناح الغربي للبيت الأبيض فورًا، في حين أُبلغ الرئيس ترامب بالواقعة ليعلّق لاحقًا قائلاً: 'هذا كثير.' وأثارت الحادثة موجة من التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية حول طبيعة العلاقة المتوترة بين ماسك وبعض رموز الإدارة، ودورها في تصاعد التوترات داخل المشهد السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة.