
المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: أوكرانيا لن تستطيع البقاء كدولة مستقلة!
المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: أوكرانيا لن تستطيع البقاء كدولة مستقلة!
في حوار مطول مع الصحفية الأوكرانية ديانا بانشينكو، صرح المفكر الروسي ألكسندر دوغين بأن أوكرانيا لن تكون قادرة على الاستمرار كدولة ذات سيادة في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن التحولات السياسية في أوكرانيا قد قادت البلاد إلى وضع مأساوي.
وقال دوغين خلال اللقاء، الذي تناول جوانب متعددة من الجغرافيا السياسية للأزمة الأوكرانية: 'كانت هناك فترة في بداية الألفية كانت فيها العلاقات بين أوكرانيا وروسيا جيدة، لكن مع مرور الوقت، تحول الموقف الأوكراني بشكل كبير حتى أصبح هناك كراهية واسعة تجاه روسيا'.
وأضاف المفكر الروسي، أن الأوكرانيين كانوا يدفعون نحو الصراع من خلال سياسات استفزازية، ما أدى في نهاية المطاف إلى إشتعال الأوضاع في 2022.
كما أشار دوغين إلى أن الأوكرانيين لم يفهموا العواقب الوخيمة لهذه السياسات، مع مقارنة لافتة بين مواقفهم والمواقف النازية قبل الحرب العالمية الثانية.
وفي معرض حديثه عن المستقبل، أكد دوغين أن أوكرانيا، في شكلها الحالي، لن تستطيع البقاء كدولة ذات سيادة مستقلة.
وتطرق الحوار أيضًا إلى التباينات الكبيرة بين مناطق أوكرانيا الشرقية والغربية، حيث كانت المناطق الشرقية أقل تأييدًا للخطط القومية الغربية، بل وسعت للحفاظ على توازن مع روسيا.
دوغين: الإمبريالية متعددة الأقطاب ستحل محل العولمة
وحول سؤال هل تكره الأوكرانيين؟
أجاب دوغين بأن لديه أسبابًا شخصية لتوجيه مشاعر كراهية تجاه الأوكرانيين، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن هذه المشاعر لا تعني كرهًا مطلقًا. وأضاف أن كراهية الأوكرانيين ستكون بمثابة كراهية جزء من الشعب الروسي نفسه، مؤكدًا على الروابط الثقافية والتاريخية التي تجمع الشعبين.
وقال المفكر الروسي: 'أوكرانيا أصبحت دولة إرهابية وقتلت ابنتي، ومن هنا يأتي سبب كراهيتي لهم، لكنني لا أستطيع أن أكرههم بلا حدود. كراهية الأوكرانيين تعني كراهية جزء من ثقافتنا، من تاريخنا'. وتابع أن ما يحدث اليوم يشبه 'ثورة جزء ضد الكل'، مشبهًا الوضع بما يحدث حين تبدأ يد الإنسان في التصرف بشكل مستقل عن العقل.
???? ألكسندر دوغين: 'الصراع مع أوكرانيا هو صراع مع جزء منّا'
في مقابلة صريحة، يتحدث الفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين عن رؤيته للعلاقة بين روسيا وأوكرانيا، وعن موقفه من الحرب الدائرة. هل يمكن لروسيا أن تكره أوكرانيا وهي جزء من تاريخها وهويتها؟ كيف يرى دوغين هذا الانقسام؟ وهل… pic.twitter.com/Za5nvK4ORN
وأوضح أن العلاقات بين روسيا وأوكرانيا هي أكثر من مجرد صراع بين دولتين منفصلتين، قائلًا: 'نحن كيان واحد. رغم الحرب والانقسام، لا يمكننا أن نعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا أو صحيحًا. حتى عندما ننتصر على الأوكرانيين، فإن ذلك ليس انتصارًا على عدو خارجي، بل هو انتصار على جزء منا'.
وحول سؤال كيف تفسر الوضع الحالي في أوكرانيا؟
قدم المفكر الروسي ألكسندر دوغين رؤيته حول الوضع في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن أوكرانيا تعرضت لتضليل كبير من الغرب، الذي وعدها بعظمة مستحيلة وأوهمها بوحدة موالية للغرب. وأضاف دوغين أن الأيديولوجيا الأوكرانية الحالية، التي تجمع بين القومية الاشتراكية والمبادئ الليبرالية، تدعي زورًا وجود أمة موحدة تهدف إلى مهاجمة روسيا.
*في هذا الحديث الصريح، يناقش الفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين جذور الأزمة الأوكرانية، ودور الأيديولوجيا السياسية، ومسؤولية كل من الغرب وروسيا في الأحداث الجارية: 'لقد كذب الغرب على الأوكرانيين'
* بعد ثلاث سنوات… https://t.co/KSJyV0rzjM pic.twitter.com/Ra6VblCXmc
وأشار دوغين إلى أن روسيا كانت تأمل في توجيه الأمور بشكل إيجابي تجاه أوكرانيا، ولكن للأسف لم تكن هناك جهود كافية لتحقيق ذلك. وأوضح قائلاً: 'لقد كانت لدينا رؤية لمستقبل مشترك، ولكن لم نتمكن من التعبير عنها بطريقة كافية لشعب أوكرانيا'. وأضاف أن الوضع الآن وصل إلى مرحلة يصعب تغييرها بسهولة بعد سنوات من التوترات المتراكمة.
© Sputnik
2025-03-05

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ 14 ساعات
- ساحة التحرير
نائب الرئيس الأميركي يعلن نهاية الهيمنة الأميركية.. ما علاقة اليمن؟!علي الدرواني
نائب الرئيس الأميركي يعلن نهاية الهيمنة الأميركية.. ما علاقة اليمن؟! علي الدرواني بعد فشل الولايات المتحدة في المواجهة مع اليمن، وانسحاب حاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان، وتجاوزها مضيق جبل طارق، في طريقها للعودة، يعلن نائب الرئيس الأميركي جي دي هانس، أن 'عصر الهيمنة الأميركية غير المتنازع عليها قد انتهى'. وفي ما بدا أنه يقدم تفسيرًا وشرحًا لأسباب انتهاء هذا العصر، يضيف هانس: 'يجب على المشرعين وكبار القادة العسكريين على حد سواء أن يتعلموا التكيف مع عالمٍ، حيث الطائرات دون طيار الرخيصة والمتاحة بسهولة، والصواريخ المجنحة والهجمات السيبرانية تُسبب أضرارًا بالغة لأصولنا العسكرية وأفراد خدمتنا'. وبالحديث عن الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، فإنه من الواضح جدًا، أنه يتحدث حصرًا عن اليمن، لأنه ببساطة لم تخض الولايات المتحدة أيَّ تحدٍّ من هذا القبيل، إلا في مواجهة القوات المسلحة اليمنية التي اشتبكت مع خمس من حاملات الطائرات الأميركية، تبادلت الانتشار في المنطقة على مدى عام ونصف، وكانت تهدف لمنع إسناد غزّة، وتأمين الملاحة الإسرائيلية، لكنّها انكفأت أخيرًا، وأعلنت الانسحاب، والهزيمة، مدّعية أنها انتصرت. لقد كانت التكتيكات اليمنية فعالة بدرجة كبيرة، رغم استخدام أسلحة يصر بعض المراقبين والعسكريين على وصفها بالبدائية، وإن كان بعضهم الآخر يعتبر أنها متقدمة، لكنّها على كلّ حال، فرضت نفسها، وأسفرت عن تغييرات عميقة في العقيدة العسكرية ليس فقط للبحرية الأميركية، وإنما أصبحت مثار اهتمام كبريات مراكز الأبحاث في الشرق والغرب، ولاحظنا كيف أن وسائل الإعلام الصينية والروسية قد اهتمت بها لدرجة كبيرة، وسلطت الضوء عليها عبر عشرات التقارير. أما أبرز نتائج العمليات اليمنية، فهي تتابع خمس حاملات طائرات، للعمل في بيئة عسكرية خطيرة، لم تشهدها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، حسب تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين، وسقوط ثلاث طائرات حديثة من طراز أف 18، الأحدث في سلاح البحرية الأميركية. واحدة قيل إنها بنيران صديقة، واثنتان في أثناء هروب حاملة الطائرات ترومان، والابتعاد عن الضربات الصاروخية اليمنية، ما أدى إلى انعطاف حاد، وبالتالي سقوط الطائرات، المشار إليها. علاوة على ارتفاع تكاليف الانتشار العسكري واستخدام القذائف، والتي وصلت حسب آخر التقديرات إلى سبعة مليارات دولار. أهمية تصريحات فانس، نابعة من موقعه كنائب للرئيس الأميركي، ويتحدث باسمه، ويشرح سياسته الجديدة، وأيضًا من كونها ضمن محاضرة ألقاها على خريجي البحرية 2025، والذين أُلقي على عاتقهم مسؤولية العمل بالنهج الجديد للبحرية الأميركية، والذي حسب تعبيره، سيكون 'غير مألوف حتّى لأولئك الذين خدموا قبلكم'. لكن، ما الذي تعنيه نهاية الهيمنة الأميركية؟ ولماذا يُشار إلى هذا المفهوم الجديد في السياسة الأميركية، على لسان نائب الرئيس الأميركي؟ يعرف عن جي دي فانس، أنه كان مع فكرة أميركا أولًّا، والتي يرفعها ترامب منذ ولايته الأولى، وكان معارضًا للغزو الأميركي للعراق، ويعتبر أن أميركا لا تحسن إدارة الحروب، وفي تعليقه بعد الانسحاب الأميركي من العراق أمام الكونغرس، قال: 'رأيت عندما ذهبت للعراق أنني تعرضت للكذب، وأن الوعود التي قدمتها السياسة الخارجية كانت مجرد مزحة'. في العدوان الذي شنته إدارة ترامب على اليمن، ووفقًا لتسريبات 'ذ أتلانتيك'، في ما عرف بفضيحة تطبيق المراسلة سيجنال، فإن فانس، لم يكن متحمسًا، حيث شكك في مدى أهمية العملية، قائلًا: ' إن 3% فقط من التجارة الأميركية يمر عبر قناة السويس'، في ما '40% من التجارة الأوروبية يمر عبرها، وهذا يقلل من أهمية اهتمام الولايات المتحدة بحرية الملاحة، وأضاف: 'أكره ببساطة إنقاذ أوروبا مرة أخرى'. في خطابه لخريجي البحرية، يضيف فانس متحدثًا عن رحلة ترامب للمنطقة: 'ركزت معظم العناوين الرئيسية في الإعلام على تريليونات الدولارات من الاستثمارات الجديدة التي تم تأمينها لبلدنا في الوقت الحاضر من السعودية وقطر والإمارات، وهذا بالطبع أمر مهم.. لكنني أعتقد أن الجزء الأكثر أهمية في تلك الرحلة هو أنها دلت على نهاية النهج الطويل الأمد في السياسة الخارجية والذي أعتقد أنه كان بمنزلة قطيعة مع السابقة التي وضعها آباؤنا المؤسسون'. هكذا، فإن فانس يختصر المسألة، ويؤكد التحول الكبير في السياسة الأميركية، نحو التخفيف من الحضور في المنطقة، مدفوعًا بنهاية عصر التفوق، وأيضًا بأمثلة من الفشل الأميركي الذي دفع ثمنه الاقتصاد الأميركي ترليونات الدولارات، ودفعه أفراد الخدمة الذين خدموا سابقًا، ثمّ من أتوا بعدهم تحملوا ذلك أيضًا، وتحملوا معه نتائج الفشل السابق، حسب فانس. إنه، إذن، عصر الانكفاء الأميركي، وانتهاء ما وصفها بـ 'سياستنا الخارجية التي استبدلت الدفاع الوطني والحفاظ على تحالفاتنا ببناء الأمة والتدخل في شؤون الدول الأجنبية حتّى عندما لا يكون لتلك الدول الأجنبية علاقة تذكر بالمصالح الأميركية'. من المتوقع أن تبقى السياسة الجديدة لواشنطن، على حالها في ما يخص الكيان 'الإسرائيلي'، بل وستسعى بكلّ شكل من الأشكال ليكون جزءًا من المنطقة وتوسيع اتفاقيات التطبيع، وقبل ذلك دعم أميركي كامل لمواصلة جريمة الإبادة في غزّة، فنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، يعتبر من داعمي الكيان، ودائمًا ما يدعو إلى دعم قوي لـ'إسرائيل' حتّى 'تهزم' حماس، ويرى أن هذه 'الهزيمة' هي التي ستسمح بفتح بوابة التطبيع 'الإسرائيلي' مع العرب. إعلامي يمني 2025-05-29


الرأي العام
منذ يوم واحد
- الرأي العام
بين صفعة هانوي واعتداء ميلانو.. أي الزعماء تحمل إهانته بصبر أكبر؟
وجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه فجأة في واجهة الأحداث بامتداد يد زوجته إلى وجهه في حركة لا مودة فيها ولا مزاح، ولعله سيدخل التاريخ بملابساتها غير العادية. مثل هذه الحوادث التي تتعرض فيها شخصيات سياسية للصفع أو ما يشبه الصفع نادرة نسبيا، إلا أن ما جرى لماكرون قبل نزوله من طائرته في العاصمة الفيتنامية هانوي، لم يحدث من قبل لأي رئيس أو زعيم دولي. الأدهى بالطبع أن اليد التي 'دفعت' برئيس فرنسا إلى موقف محرج للغاية ليست لشخص عادي غريب ولا لخصم سياسي. إنها يد 'قريبة وحميمة'! الرئيس الفرنسي حين تعرض في يونيو 2021 لاعتداء مفاجئ باليد من قبل مواطن فرنسي عادي أثناء زيارة تفقدية لمنطقة بجنوب شرق البلاد، علّق داعيا إلى ضرورة عدم السماح للأفراد العدوانيين بالانخراط في 'النقاش'، لأنهم ببساطة لا يستحقون ذلك. قياسا بهذا الرأي قد ينصح أحد الرئيس الفرنسي قائلا: 'لا يجب أن تصطحب زوجتك، وخاصة في زيارة رسمية إذا لم تكن على مودة ووفاق كامل معها'. كان رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني قد تعرض في عام 2009 لموقف محرج في مدينة ميلانو بعد مشاركته في تجمع لحزبه، شعب الحرية. كان برلسكوني كعادته يسير مرحا متبخترا وفجأة طار شيء ما ثقيل وأصابه في وجهه. في البداية أفيد بانه تعرض للكمة وجهها رجل يبلغ من العمر 40 عاما، ثم تبين أن رئيس الحكومة الإيطالية في ذلك الوقت أصيب برمية من بعيد تسببت في أضرار بأسنانه وكسر في أنفه. بعد الاعتداء، أُدخل رئس الوزراء الإيطالي إلى المستشفى، وبعد حوالي ثلاثة أشهر أجريت له عملية جراحية لزرع جزء من عظم الفك بمستشفى في مدينة ميلانو. وذُكر حينها أن الأطباء أصلحوا فك وأسنان برلسكوني وكان يبلغ من العمر وقتها 73 عاما. قبل ذلك في مايو من عام 2004، تعرض المستشار الألماني جيرهارد شرودر لصفعة خلال اجتماع للناخبين. الصفعة وجهها له رجل غريب عنه يبلغ من العمر 52 عاما، فيما كان منشغلا بتوزيع التوقيعات خلال حملته لانتخابات البرلمان الأوروبي. صاحب الصفعة اعتقل على الفور ثم أطلق سراحه بسرعة. قيل وقتها إن السلطات لم تجد سببا لمقاضاته وخاصة أن المستشار لم يصب بأذى. مع ذلك وضع الرجل لاحقا تحت المراقبة لمدة أربعة أشهر وفرضت عليه 100 ساعة من الخدمة الاجتماعية. في مستوى سياسي أقل، تعرضت عام 2004 الناشطة والسياسية الهولندية من أصل صومالي آيان حرسي علي، أثناء مشاركتها في نشاط عام لصفعة من قبل مواطن هولندي على خلفية مواقفها الناقدة للإسلام. من أمثلة ذلك أيضا حادثة تورط فيها مسؤول عسكري رفيع هو الجنرال الأمريكي الشهير جورج باتون خلال الحرب العالمية الثانية. صفع الجنرال عددا من الجنود الذين اعتبرهم كسالى وروحهم القتالية متدنية. الصفعات أثارت انتقادات ضده، وتسببت في خفض رتبته لفترة وجيزة. مع كل ذلك، يبقى ما جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت أمام سلم الطائرة في هانوي سابقة، قد تصبح علامة دلالية لعام 2025 ولرئيس فرنسي خرجت الأمور عن سيطرته في كل شيء.


موقع كتابات
منذ 3 أيام
- موقع كتابات
ذاكرة الألم والعدالة الانتقالية
وسوف يظل البحث عن الحقيقة يوقظ حماسة الانسان ونشاطه ما بقي فيه عرق ينبض وروح تشعر…' هذا ما قاله المفكّر الألماني هيغل، وهو يصلح مدخلاً لبحثنا الموسوم 'ذاكرة الألم والعدالة الانتقالية'. والمقصود بذاكره الألم 'ذاكرة الضحايا وذويهم'، إن كانوا قد فارقوا الحياة، و'ذاكرة المجتمع' التي توجّعت بسبب ما عاناه الضحايا وذويهم والمجتمع ككل من آلام تركت تأثيراتها اللاحقة، والتي تحتاج إلى معالجات تنسجم مع قيم العدالة من جهة، وتستشرف إعادة بناء المجتمع على نحو سليم من جهة أخرى كي لا يتكرر ما حصل من استلاب للضحايا وحقوقهم الإنسانية، لاسيّما تعريضهم لآلام مبرحة، تظلّ محفورة في الذاكرة الجمعية. وسؤال الضحايا هو سؤال قلق وليس سؤال طمأنينة، وهو سؤال ضيق وليس سؤال رهاوة، بقدر ما هو سؤال شك وليس سؤال يقين، والسؤال يولّد اسئلة، ما الذي حصل؟ وكيف حصل؟ ولماذا حصل؟ ومن المسؤول؟ وكيف السبيل إلى تعويض الضحايا وجبر الضرر؟ وقد ابتدع الفكر الحقوقي الدولي وعبر تجارب مختلفة فكرة العدالة الانتقالية، التي تُعتبر ذاكرة الألم إحدى أركانها كي تكون في دائرة الضوء، ولا يلفّها النسيان، لذلك كثيراً ما يتكرّر في الحديث عن العدالة الانتقالية: نغفر دون أن ننسى، وتلك المسألة مهمة وضرورية كدرس للأجيال المقبلة، ولكي نتابع المقصود بذاكرة الضحايا (ذاكرة الألم)، لا بدّ من التعمّق في مفهوم العدالة الانتقالية، فما المقصود منها؟ وإذا كانت فكرة العدالة قيمة مطلقة ولا يمكن طمسها أو التنكر لها أو حتى تأجيلها تحت أي سبب كان أو ذريعة أو حجة، فإن العدالة الانتقالية تشترك مع العدالة التقليدية في إحقاق الحق واعادته إلى أصحابه وفي كشف الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر وتعويض الضحاياوإصلاح الأنظمة القانونية والقضائية وأجهزة إنفاذ القانون بهدف تحقيق المصالحة الوطنيةالمجتمعية. لكن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية المتواترة في كونها تُعنى بالفترات الانتقالية مثل: الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم، أو الانتقال من حالة صراع سياسي داخلي رافقه عنف مسلح إلى حالة السلم وولوج سبيل التحوّل الديمقراطي، أو الانتقال من حكم سياسي تسلّطي إلى حالة الانفراج السياسي والانتقال الديمقراطي، أي الانتقال من حكم منغلق بانسداد آفاق، إلى حكم يشهد حالة انفتاح واقرار بالتعددية، وهناك حالة أخرى وهي فترة الانعتاق من الكولونيالية أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي. وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الاجراءات الاصلاحية الضرورية وسعي لجبر الضرر لضحايا الانتهاكات الجسيمة وذويهم، فضلاً عن إبقاء الذاكرة حيّة مجتمعياً، فيما يتعلّق بالانتهاكات السابقة، والهدف هو الحيلولة دون تكرار آلام الماضي. ويختلف مفهوم العدالة الانتقالية عن مفهوم ما يسمّى ﺑ 'العدالة الانتقامية'، التي تقود إلى الثأر والكيدية، الأمر الذي يجعل دورة العنف والألم مستمرّة قد يتصوّر البعض أن اختيار طريق العدالة الانتقالية يتناقض مع طريق العدالة الجنائية، سواءً على المستوى الوطني أم على المستوى الدولي، في حين أن اختيار الطريق الأول لا يعني استبعاد الطريق الثاني، وخصوصاً بالنسبة للضحايا، ومسألة إفلات المرتكبين من العقاب. ولكن مفهوم العدالة الانتقالية ودوافعها السياسية والقانونية والحقوقية والانسانية، أخذ يتبلور وإنْ كان ببطيءفي العديد من التجارب الدولية وفي العديد من المناطق في العالم، ولاسيما في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يخص ضحايا النازية، وانْ كان قد شابه شيء من التسيس وبخاصة بعد تقسيم ألمانيا من جانب دول الحلفاء، كما اتخذ بُعداً جديداً في أمريكا اللاتينية،وبخاصة بعد ما حصل في تشيلي إثر الانقلاب العسكري في 11 أيلول (سبتمبر) 1973، الذي قاده الجنرال بنوشيهضدّ حكومة سلفادور ألندي المنتخبة. ومنذ السبعينيات وحتى الآن شهد العالم أكثر من 40 تجربة للعدالة الانتقالية من بين أهمها تجربة تشيلي والرجنتين والبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب أفريقيا وتيمور الشرقية وصربيا واليونان. كما شهدت البرتغال وإسبانيا والدول الاشتراكية السابقة نوعاً من أنواع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وثمة تجارب غير مكتملة أو مبتورة لمفهوم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لا تنطبق عليه الشروط العامة للعدالة الانتقالية، وخصوصاً كشف الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر وتعويض الضحايا والاصلاح المؤسسي. ولا بد من ادراج تجربة المغرب كأحد أهم التجارب العربية والدولية في امكانية الانتقال الديمقراطي السلمي من داخل السلطة، خصوصاً بإشراك المعارضة التي كان في مقدمتها عبد الرحمن اليوسفي الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء ( الوزير الأول)، وفتح ملفات الاختفاء القسري والتعذيب، وفيما بعد تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض الضحايا، والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات. قد يعتقد البعض أن وصفة العدالة الانتقالية لوحدها ستكون شافية لصلاح الوضاع وإعادة الحقوق وانتهاج سبيل التطور الديمقراطي، خصوصاً بتسليط الضوء على ذاكرة الألم، لكن مثل هذا الاعتقاد غير واقعي ان لم يترافق مع اعتبار العدالة الانتقالية مساراً متواصلاً لتحقيق المصالحة الوطنية والسلم الهلي والمجتمعي والقضاء على بؤر التوتر والارهاب والعنف، وصولاً إلى انجاز مهمات الاصلاح المؤسسي والتحوّل الديمقراطي. وبالرغم من حداثة التجربة التاريخية للعدالة الانتقالية، الاّ أنها أكدت انه لا توجد تجربة انسانية واحدة ناجزة يمكن اقتباسها بحذافيرها، بل هناك طرقاً متنوعة ومختلفة للوصول اليها وتحقيق المصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، ومثل هذا الاستنتاج يعنينا على المستوى العربي، فلا يوجد بلد عربي يمكنه الاستغناء عن مبادئ العدالة الانتقالية وصولاً للتحوّل الديمقراطي، خصوصاً وأنها بحاجة إليه بهذه الدرجة أو تلك لوضع المستلزمات الضرورية للصلاح والتحوّل الديمقراطي ووضع حد للانقسام والتمييز المجتمعي. ان مجرد قبول فكرة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يعني أن أوساطاً واسعة أخذت تقرّ بأهمية وضرورة التعاطي مع ذاكرة الألم من مواقع إنسانية، بحيث تعطي مؤشرات وعلامات على الاستعداد للقطيعة مع الماضي، انطلاقاً من رؤية جديدة لإعادة بناء الدولة والمجتمع في إطار قواعد جديدة قوامها احترام حقوق الانسان وحكم القانون، الامر الذي يحتاج تأهيل وتدريب وتطوير للأجهزة الحكومية وبخاصة القضائية والتنفيذية بما فيها أجهزة الشرطة والأمن. – نص محاضرة ألقاها الباحث في المؤتمر الدولي السنوي الموسوم 'ذاكرة الألم في العراق' بدعوة من كرسي اليونيسكو لدراسات منع الإبادة الجماعية التابع لكلية الآداب في جامعة بغداد 16 نيسان / أبريل 2025 (برعاية من العتبة العباسية في كربلاء).