
الغدر الصهيوني ولعنة الرب!
بقلم/ الدكتور التجاني بولعوالي
منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع عن مطلب إقامة دولة فلسطينية شرعية، وهو حلم حملته أجيال متعاقبة. جاءت اتفاقية أوسلو سنة 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي لتكون خطوة مفصلية نحو ما سُمّي آنذاك بـ'حل الدولتين'. نصّت الاتفاقية على الاعتراف المتبادل بين الطرفين: اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، فيما اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. كان الهدف النهائي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتم إنشاء السلطة الفلسطينية ككيان مؤقت تمهيداً لذلك.
هذه الخطوة التي وُصفت بـ'التاريخية' وقّعها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بحضور وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، وتحت متابعة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، في الثالث من سبتمبر 1993. لكنها لم تأت وليدة لحظة، بل سبقتها جهود مضنية ومساعٍ حثيثة لجسر الهوة بين مواقف متعارضة، فلسطينية وإسرائيلية ودولية. شخصياً، كنت أتابع الحدث مباشرة عبر شاشة الجزيرة في سنوات الشباب، وإلى جانب شعورٍ بالريبة من وجود مكيدة ما تُحاك للقضية الفلسطينية، كان هناك بصيص أمل بأن تنتهي المأساة بحل يضمن للفلسطينيين الحرية والكرامة والاستقلال. كان أملا معلقا، أشبه بما عبّر عنه نورمان كازنس: 'ينبغي أن تبني جسرا من الأمل على نهر من اليأس'.
لكن، وبعد مرور ثلاثة عقود على أوسلو، لا تزال الحرب والتهجير والتنكيل والتجويع هي العنوان الأبرز، ولم يتحقق وعد الدولة الفلسطينية. على النقيض، ظل وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917، والقاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، يتجسد على أرض الواقع، مدعوما من الغرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا. لقد أثبت التاريخ أن هذا الوعد البريطاني لليهود نُفّذ بدقة ورعاية غربية مستمرة، بينما بقي وعد أوسلو للفلسطينيين حبرا على ورق.
عند التأمل في مسار الأحداث، نجد أن هذا المسلك من الخداع والكيد والنفاق والغدر ليس جديدا في التاريخ، ولا يدعو إلى الدهشة والاستغراب، فمن اعتدى على الذات الإلهية وقتل الأنبياء وخالف الشرائع الإلهية، لن يكون ملتزما بعهوده مع الشعوب المستضعفة، وبالأخص مع الفلسطينيين الذين يعيشون في وضعية ضعف. لذلك، جاء العقاب الإلهي في نصوص الوحي على لسان أنبياء الله، كما في قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة: 78]. وهذه اللعنة؛ لعنة الرب، كما يؤكد المفسرون، خاصة بكفار بني إسرائيل، ووردت في التوراة والزبور والإنجيل والقرآن، ما يجعلها ممتدة الصلاحية في التاريخ، لا تقتصر على زمن وقوعها.
يذكر الإمام الطبري أن هذه اللعنة مذكورة على ألسنة أنبياء الله، ويرى الفخر الرازي أن المقصود بها أصحاب السبت في زمن داود، وأصحاب المائدة الذين كفروا بعيسى عليه السلام، مضيفا أن اليهود كانوا يفتخرون بأنهم من نسل الأنبياء، فجاء النص القرآني ليؤكد أنهم ملعونون على ألسنة هؤلاء الأنبياء بسبب تمردهم ومبالغتهم في العصيان. وهذا السلوك هو ما نراه ماثلا في أفعال الصهاينة اليوم: قتل، تدمير، إبادة جماعية، وتهجير قسري على مرأى العالم أجمع، دون احترام لوصايا التوراة وشريعة موسى عليه السلام، ولا للمواثيق الدولية، ولا للاتفاقيات التي وقعوها، سواء في أوسلو أو في غيرها.
إن ما يحدث اليوم في غزة وخارجها من مجازر وحصار وتجويع، يثبت أن أوسلو لم تكن سوى محطة في مسلسل إطالة أمد الصراع وإعادة تشكيله بما يخدم المشروع الصهيوني. في المقابل، ظل الفلسطينيون، رغم كل الخيبات، يحافظون على جذوة الأمل، ويواصلون الكفاح للحفاظ على هويتهم وأرضهم، مدركين أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن العدالة قد تتأخر لكنها لا تموت.
في الختام، إن تجربة اتفاقية أوسلو تكشف بالملموس أن الوعود السياسية، مهما كانت رنانة أو برعاية دولية، قد تتحول إلى سراب إذا افتقدت إلى إرادة حقيقية لتنفيذها. فبينما ظل الفلسطينيون ينتظرون دولة موعودة منذ 1993، استمر المشروع الصهيوني يتجذر على الأرض، مدعوما من قوى عالمية. ويثبت التاريخ أن من اعتاد نقض العهود لن يحترم اتفاقا، وأن ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من ظلم وعدوان هو امتداد لمسار طويل من الغدر، في ظل صمت دولي وعجز عربي، ما يجعل التحرر مرهونا بقوة الإرادة ووحدة الصف، لا بانتظار الذي يأتي ولا يأتي.
إيطاليا تلغراف
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 3 ساعات
- خبر للأنباء
"يجب أن تتوقف الآن".. بريطانيا تدين خطط إسرائيل الاستيطانية
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، إن بلاده تعارض بشدة خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة التي من شأنها تقسيم الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى شطرين. وشدد لامي، في بيان، على أن "هذه الخطط الإسرائيلية لبناء مستوطنة والتي من شأنها تقسيم الضفة الغربية وفصلها عن القدس الشرقية تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ويتعين أن تتوقف الآن". كان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، قد وافق على خطط لبناء مستوطنة من شأنها فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وصفها مكتبه بأنها ستقضي على فكرة إقامة دولة فلسطينية. وقالت القناة 12 الإسرائيلية، الأربعاء، إن سموتريتش، أعطى الضوء الأخضر لبناء 3400 وحدة استيطانية في منطقة متنازع عليها قرب القدس. وقال سموتريتش إن "خطط التوسع الاستيطاني في تلك المنطقة تدفن فكرة الدولة الفلسطينية". وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، بأن إسرائيل "طرحت 6 عطاءات لبناء وتوسعة لصالح مستعمرتي أرئيل الجاثمة على أراضي محافظة سلفيت، ومعاليه أدوميم الجاثمة على أراضي محافظة القدس، بواقع 4000 وحدة استعمارية جديدة". وأوضحت هيئة مقاومة الجدار والاستعمار، أن العطاءات الستة مقسمة إلى ثلاثة عطاءات لتوسعة الحي الجديد "أرئيل غرب"، من أجل بناء ما مجموعه 730 وحدة جديدة، وثلاثة عطاءات أخرى لتوسعة مستعمرة "معاليه أدوميم"، أضخمها العطاء رقم 320/2025 الذي يهدف لبناء 2902 وحدة جديدة.


الخبر
منذ 7 ساعات
- الخبر
زيد الخير يعقد جلسة علمية بالقاهرة لتعزيز السلام والأمن الفكري
عقد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، مبروك زيد الخير، اليوم الخميس بالقاهرة، جلسة علمية مع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، مصطفى حسن الأَقفهصي، تناولت أهمية تعزيز السلام والأمن الفكري، حسب بيان صادر عن المجلس. وأوضح البيان أن الطرفين ناقشا أهمية دعم الجهود الرامية إلى تعزيز السلام الفكري والتصدي للفتاوى المتطرفة، مع التركيز على تطوير استراتيجيات جديدة تتماشى مع التحديات المعاصرة، بما يساهم في ترسيخ قيم الاعتدال والتسامح.


الخبر
منذ 8 ساعات
- الخبر
إيداع 7 متهمين في قضية النصب وانتحال الصفة
أعلن وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس، اليوم الخميس، عن تفاصيل توقيف عصابة تحتال على المواطنين عن طريق انتحال صفات مدنية وعسكرية. وحسب بيان نيابة الجمهورية فإنه "تم فتح تحقيق بناء على شكوى المسمى (ب.م.س) والذي تعرض للنصب من طرف مجموعة من الأشخاص ادعوا أنهم أصحاب نفوذ وعلى صلات بإطارات نافذة وذات مناصب عليا في وزارة الطاقة، وذلك من أجل تسهيل حصوله على رخصة انجاز محطة خدمات بعين قزام، مقابل حصولهم على مبالغ مالية معتبرة". وأسفر التحقيق في الوقائع –وفق ذات البيان- عن توقيف مجموعة من الأشخاص ويتعلق الأمر بكل من المسمى "م.ع"، "م.ع.د"، "ز.ك"، "ح.م"، "ز.م"، "ع.ي" و"ص.ن". عند تقديم المعنيين أمام نيابة الجمهورية بتاريخ يوم اليوم الخميس تم فتح تحقيق قضائي ضدهم على أساس جنحة النصب واستعمال لقب متصل بمهنة منظمة قانونا طبقا للمواد 372 من قانون العقوبات و64 من قانون مكافحة التزوير واستعمال المزور وبعد سماع المتهمين من طرف السيد قاضي التحقيق أمر بإيداع جميع المتهمين رهن الحبس المؤقت.