
ماذا يريد الغرب وكياناتنا القُطْرِيَّةُ؟
وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال أمهلت إسرائيل بعض سكان حي الحدث في ضاحية بيروت الجنوبية سُويعات، كي يغادروا منازلهم المجاورة لعمارة أرادت قصفها بحجة تخزين عتاد لحزب الله فيها.
وبينما كانت أعمدة الدخان الأسود تتصاعد من العمارة التي أصبحت ركامًا، كان الرئيس اللبناني وقائد جيش لبنان السابق العماد جوزيف عون، يتحدث في مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.
رفعت صوت التلفاز، وقد كنت أتوقع أن يستهل الرئيس العماد حديثه بالتنديد الشفوي، كما هي عادة الزعماء العرب، بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وانتهاكه الصارخ قرارَ وقف إطلاق النار، لكن الرئيس المتأنق، من جلدة رأسه حتى أخمص قدمه، استهل كلامه بغزل تاريخي مع ماكرون، وقال إن علاقة لبنان مع فرنسا علاقة عضوية تعود لما قبل 750 عامًا، زمن الإمبراطور لويس التاسع الذي شمل موارنة لبنان برعايته!
لكن مهلًا أيها الرئيس العماد! لقد كان لويس الذي تسبح بحمده اليوم على رأس حملة صليبية تعزم غزو بلاد العرب كلها، عندما التقى الموارنة أثناء توقف حملته في قبرص وشملهم برعايته الصليبية.
وإن كنت أيها الرئيس اعتبرت ذلك رعاية للبنان كله، كما نعرفه اليوم، فقد اختلطت لديك الخيوط بين الوطن والطائفة. فلبنان ليس كله لطائفة بعينها، وأنت يفترض بك تمثيل كل اللبنانيين.
وهكذا فإن تلك العلاقة التي تغنيت بها لا يتغنى بها كل اللبنانيين. ثم هل كان لبنان أيام لويس التاسع كيانًا مستقلًا حتى تسحب رعاية لويس التاسع لموارنته على كل لبنان؟
ولا تنسَ يا سيادة الرئيس أن حامي لبنان كما تراه من منظورك، أسرَه المصريون في معركة المنصورة، وأُطلق سراحه بفدية كبيرة. فهو لم يحمِ نفسه ولا حمى الموارنة آنذاك. وفرنسا اليوم، التي تتفاخر بالعلاقة التاريخية معها حتى وإن كانت علاقة غزو صليبي، لن تشمل لبنان برعايتها، ولا تستطيع.
انظر إليها يا سيادة الرئيس تنسحب من أفريقيا التي استعمرتها لقرون، وانظر إليها تتوسل الحماية من الشواطئ الأخرى للأطلسي. أو لم تسمع ما قاله ماكرون في المؤتمر الصحفي من أن لبنان أصبح اليوم في المسار الصحيح؟! لبنان في المسار الصحيح بعد أن احتلت إسرائيل أرضه في الجنوب، ودمّرت قراه وتواصل قصف عاصمته، وأنت تتغزل بفرنسا وتاريخها، أم إن ذلك الجنوب المدمّر والبقاع المهشم ليس هو لبنان الذي تراه وطنًا؟
لكنني، رغم كل شيء، أود أن أشكرك على صراحتك يا سيادة الرئيس، إذ لم تتستر على مكنوناتك، وأفصحت باختيارك غير الموفق لشاهد من التاريخ، عما تشعر بالانتماء إليه أولًا، وهو الانتماء للطائفة قبل الانتماء للوطن كله، خلافًا لما تفعله وفعلته بعض رموز الأقليات الطائفية في بلداننا.
فها هي سوريا تتكشف فيها كل دمامل الأقليات الطائفية والإثنية، بعد أن توارت لعقود وراء ستارات وشعارات قومية مخادعة، فما إن رحل الطاغية حتى يمم بعض أولئك الذين تشدقوا بعروبتهم من ربابنة أقليات الطوائف شطر تل أبيب، ورفعوا أعلامهم الطائفية، وأعلن بعضهم جهارًا حبه المذهبي القادم من الشرق، وطالب آخرون ألا ينسحب حماتهم الأميركيون من سوريا.
شكرًا لك أيضًا يا سيادة الرئيس، فقد جسدت لنا معضلتنا الحقيقية في الوطن العربي، ألا وهي التشظّي القُطْري. فقد أزاحت الانتماءات القٌطْرِية الانتماء للأمة الجامعة في بعدها العربي القومي، وبعدها العقدي الإسلامي، وكلاهما لا ينفصمان عن بعضهما.
وإن حدث، كما هو حالنا اليوم، تشظّت الأمة إلى كيانات قٌطْرِيَّةٍ يتساوى في عجزها أمام العالم كبيرها وصغيرها، فكيف سيكون حالنا من العجز حين يتشظى الكيان القُطْري نفسه من داخله فيصبح الانتماء فيه للطائفة، مهما صغرت وانحصرت في الجغرافيا، على حساب الانتماء للوطن!
هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! فكياناتنا القُطْرِية تريد أن تستنسخ لنا تاريخًا جديدًا تصبح فيه حروب أعدائنا السابقة علينا مؤازرة لنا، علينا أن نكون لها من الشاكرين. وكذلك حرو بهم الراهنة علينا لا بدّ لنا أن نشكرهم عليها؛ لأنها أعادتنا إلى المسار الصحيح، كما قال ميشيل ماكرون. أَوَ ليس هناك من العرب اليوم من يستحث إسرائيل على القضاء على حماس في غزة وفي كل فلسطين، بل ويلومها لأنها ما استطاعت، بعد أكثر من 17 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية على غزة، أن تنهي حماس.
هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! كياناتنا القُطْرِيَّة تريد أن "تنزل" علينا دينًا جديدًا باسم الإبراهيمية، كي تنفي العقيدة الإسلامية الجامعة التي هيمنت بكتابها الكريم على كل ما سبقها من الأديان السماوية.
هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! كياناتنا القُطْرِية تريد أن تعيد تعريف جغرافيّة وطننا العربي لتنفي وحدته الطبيعية والتاريخية، فلا تعود جزيرة العرب هي جزيرة العرب كما عرفناها قبل الإسلام وبعده، بحدودها الممتدة من بحر العرب جنوبًا إلى هضبة الأناضول شمالًا، ومن جبال زاغروس شرقًا إلى شواطئ المتوسط غربًا. ولا يعود شمال أفريقيا العربي الإسلامي ووسطها السوداني العربي والمسلم، كما عرفناه ونعرفه منذ أن صهلت خيول عقبة بن نافع عند شواطئ الأطلسي، ولا يعود بحر القلزم الأحمر بحيرة عربية كما كان حتى عهد قريب.
هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! الغرب يريد، وكياناتنا القُطْرِيَّة تذعن وتنفذ، كي تصبح إسرائيل جزءًا أصيلًا من تاريخنا وعقيدتنا وجغرافيّة وطننا، وكي يصبح ما تشنه علينا من حروب خدمة لنا، ينبغي أن نشكرها عليها، ونقدم لها المزيد من طقوس الطاعة والانصياع.
إعلان
وهكذا تكون حرب الإبادة على غزة وفلسطين في مصلحة كياناتنا في حدودها الطائفية والإثنية بعد أن ينتهي مفهوم الأمة القطب الجامع أرضًا وفكرًا وعقيدة.
لا حول ولا قوة إلا بالله. إنه زمن إسرائيلي شئت أم أبيت، ولو أن هولاكو قائد المغول، الذين اجتاحوا بغداد عام 1258، عاد للحياة ورأى مدى هوان الأمة وانصياعها وخنوعها لإسرائيل لاعتبر نفسه فاشلًا، إذ فاقته إسرائيل في إذلال 400 مليون عربي، بل وتحويل بعضهم لمطايا تعصب عيونهم وتلهب سياطها ظهورهم، فلا حصان من خيولهم يصهل، ولا معتصم منهم يسمع وينتخي!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
نتنياهو: الدولة الفلسطينية فكرة سخيفة ولن نمكن السلطة من إدارة غزة
وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقامة دولة فلسطينية بالفكرة السخيفة كما تعهد بعدم تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة. وفي الملف الإيراني، هدد مجددا بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية. وقال نتنياهو، في كلمة بمؤتمر لرابطة الأخبار اليهودية في القدس اليوم الأحد، إن إقامة دولة فلسطينية "فكرة سخيفة وقد رأينا ما جلبته الدولة الفلسطينية في غزة". ورأى أن الفلسطينيين "لا يريدون إقامة دولة إلى جانب إسرائيل بل دولة داخل إسرائيل". وأضاف أن الحاجز الأكبر أمام السلام هو رفض الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية، حسب تعبيره. وفيما يتعلق باستمرار الحرب على غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: "نحاول استعادة من بقي على قيد الحياة من رهائننا وجثامين القتلى من غزة". وأضاف أن حماس"لن تبقى في غزة"، و"لن نمكن السلطة الفلسطينية من إدارة غزة". "ضغوط أميركية" وتحدث نتنياهو عن ضغوط مارستها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على حكومته في مراحل مختلفة بشأن الحرب على غزة. وقال إن "إدارة بايدن هددتنا بقطع الأسلحة عنا إذا دخلنا غزة، فقلنا لهم إننا لسنا دولة تابعة". وتشن إسرائيل حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة -وفق توصيف خبراء دوليين- منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد تنصلت من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في يناير/كانون الثاني الماضي، ومنعت دخول الغذاء والدواء إلى القطاع. إعلان وتطرق نتنياهو، في كلمته، إلى الوضع في لبنان ، وقال إن إسرائيل سببت "صدمة مروعة لحزب الله بعملية تفجير أجهزة النداء". وأضاف: "خلال ساعات دمرنا أسلحة وصواريخ كان حزب الله يعدها منذ 30 عاما". وبشأن اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ، قال: "قررنا ألا نبلغ الأميركيين بشأن استهداف نصر الله إلا عندما تكون مقاتلاتنا في الجو قبيل تنفيذ العملية". ورأى أن "بعض الأشخاص لا يمكن استبدالهم فعلا، ونصر الله واحد منهم وقد قتلناه". تهديدات لإيران وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي تهديداته لإيران، قائلا: "سندمر المفاعلات النووية الإيرانية ومنشآت تخصيب اليورانيوم لنتأكد من أنهم لن يتمكنوا من التخصيب لأي غرض". وأضاف أن إسرائيل لن تقبل إلا "بتدمير كل قدرات إيران النووية لنتأكد من عدم محاولتهم إحياء برنامجهم مع إدارة أميركية أخرى"، داعيا إلى تسوية ملف إيران النووي على "الطريقة الليبية"، في إشارة على ما يبدو إلى تخلي معمر القذافي عام 2003 عن المشروع النووي الليبي. وادعى نتنياهو أن إسرائيل أعادت الإيرانيين "10 سنوات إلى الوراء بعدما ظنوا أنهم اقتربوا من حيازة سلاح نووي".


الجزيرة
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الجيش الإسرائيلي يقصف مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية
أفادت مراسلة الجزيرة بأن مسيّرات إسرائيلية قصفت بـ3 صواريخ مستودع في الضاحية الجنوبية ل بيروت ، وذلك بعد إنذار وجهه جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء المبنى الذي يقع في حي الحدث تمهيدا لقصفه. وأضافت المراسلة أن حريقا كبيرا ودخانا كثبفا يتصاعد من المبنى المستهدف في حي الحدث. وقبل ساعة، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال أ فيخاي أدرعي ، في تغريدة على منصة إكس، "إنذار عاجل للموجودين في الضاحية الجنوبية في بيروت وخاصة في حي الحدث"، مضيفا لكل مَن هو في المبنى المحدد بالأحمر وفق ما يُعرض في الخارطة المرفقة والمباني المجاورة له، "أنتم موجودون قرب منشآت تابعة ل حزب الله". وأردف "من أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلاتكم أنتم مضطرون لإخلاء هذه المباني فورا والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 300 متر وفق ما يُعرض في الخارطة". وفي مطلع أبريل/نيسان الجاري أعلنت وزارة الصحة اللبنانية ارتفاع عدد القتلى إلى 4 أشخاص جراء غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين. كما أدت الغارة الى إصابة 7 أشخاص بجروح، حسب البيان نفسه. ورغم سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تواصل إسرائيل استهدافها جنوب لبنان بذريعة مهاجمة أهداف لحزب الله، حيث ارتكبت أكثر من 1342 خرقا، وخلّفت 117 قتيلا و362 جريحا على الأقل. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص. وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/شباط الماضي، خلافا للاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال لبنانية رئيسية، ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة. كما شرعت أخيرا في إقامة شريط حدودي يمتد كيلومترا أو كيلومترين داخل أراضي لبنان.


الجزيرة
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الجيش الإسرائيلي ينذر بقصف منزل في ضاحية بيروت الجنوبية
وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي إنذارا بالإخلاء لسكان مبنى في حي الحدث ب ضاحية بيروت الجنوبية تمهيدا لقصفه. وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي في تغريدة على منصة إكس "إنذار عاجل للمتواجدين في الضاحية الجنوبية في بيروت وخاصة في حي الحدث"، مضيفا لكل من يتواجد في المبنى المحدد بالأحمر وفق ما يُعرض في الخارطة المرفقة والمباني المجاورة له "أنتم تتواجدون بالقرب من منشآت تابعة ل حزب الله". وأردف قائلا "من أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلاتكم أنتم مضطرون لإخلاء هذه المباني فوراً والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 300 متر وفق ما يُعرض في الخارطة". وفي مطلع أبريل/نيسان الجاري أعلنت وزارة الصحة اللبنانية ارتفاع حصيلة القتلى إلى 4 أشخاص جراء غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين. كما أدت الغارة الى إصابة 7 أشخاص بجروح، حسب البيان نفسه. ورغم سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تواصل إسرائيل استهدافها لجنوب لبنان بذريعة مهاجمة أهداف لحزب الله، حيث ارتكبت أكثر من 1342 خرقا، وخلّفت 117 قتيلا و362 جريحا على الأقل. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص. إعلان وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/شباط الماضي، خلافا للاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال لبنانية رئيسية، ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة. كما شرعت مؤخرا في إقامة شريط حدودي يمتد لكيلومتر أو اثنين داخل أراضي لبنان.