
الخامس من حزيران
تمرّ ذكرى مؤلمة وجارحة لأمتنا العربية، ذكرى عدوان الخامس من حزيران/يونيو عام 1967، ذلك العدوان الذي لم يكن حربًا بالمفهوم العسكري، لأنه لم تجرِ حربٌ بالمعنى الحقيقي، بل كان هجومًا همجيًا غادرًا، شاركت فيه أطراف عدة، في مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي الذي خدع واشنطن، إلى جانب أنظمة عربية وُصفت بـ"المعتدلة" لدى أمريكا. وقد انتهى هذا العدوان – للأسف – باحتلال ما تبقى من فلسطين، إضافة إلى سيناء المصرية والجولان السوري.كان الهدف الأساسي لذلك العدوان هو اصطياد "الديك الرومي"، أي الرئيس جمال عبد الناصر، أو على الأقل إسقاط هيبته. وقد كانت تلك هي "كلمة السر" بين أمريكا والكيان الصهيوني، لضرب المشروع القومي العربي التحرّري الذي قادته مصر في تلك المرحلة. رأت فيه واشنطن ولندن، وكلبهما الحارس الكيان الصهيوني، خطرًا على مصالحهم، وهو ما أثبتته الوثائق والتقارير التي رُفعت عنها السرية بعد عقود، وكذلك مذكرات المسؤولين في دول العدو.ولعل أبرز من وصف تلك الحرب بدقة شديدة، الزعيم الفرنسي شارل ديغول، في رسالته إلى الرئيس عبد الناصر، إذ قال إن "تلك المعركة كانت أمريكية منذ البداية وحتى النهاية، نُفّذت بأيدٍ صهيونية". بل أكثر من ذلك، فإن أحد أشهر حكّام "عرب الاعتلال"، كما وصفهم الأمريكيون أنفسهم، كان قد وجّه رسالة للرئيس الأمريكي ليندون جونسون – أحد أكثر رؤساء أمريكا انحيازًا للصهيونية – يطالبه فيها بدعم "ضربة خاطفة" تشنها إسرائيل ضد مصر، بهدف احتلال جزء من أراضيها وإسقاط جمال عبد الناصر، أو على الأقل إذلاله ودفعه لسحب جيشه من اليمن.ذلك الحاكم حرّض كذلك على سوريا والعراق، وحرّض تحديدًا على دعم الانفصاليين الأكراد. ولم يكن وحده في ذلك، فقد شاركت أنظمة عربية أخرى في دعم العدوان لوجستيًا، كما كشفت تقارير صهيونية وإسرائيلية، وبعض تلك الأنظمة تحوّلت لاحقًا إلى مجرد مخبر يخدم العدو، في سبيل القضاء على حركة المد القومي بقيادة مصر الناصرية.وبعد سنوات من رحيل عبد الناصر، ظهرت محاولة أخرى لتشويه تلك المرحلة، حين دعمت إحدى تلك الدول فنانة فاشلة لتكتب ما سمّته "مذكراتها"، وامتلأت بالكذب. كذّب تلك الادعاءات معظم أهل الفن والسياسة، حتى ممن كانوا مختلفين مع عبد الناصر، باستثناء من كانت لهم خصومات شخصية تتعلق بصراع على السلطة، كالإخوان مثلاً. وقد هدف هذا التشويه إلى ضرب الثورة التي غيّرت وجه المنطقة، والطعن بجهاز مخابراتها القوي آنذاك.لم يكن الغرض من هذه المذكرات فقط التشهير، بل كان جزءًا من الحرب غير الأخلاقية التي شُنّت على عبد الناصر بعد وفاته، وشاركت فيها المخابرات الأمريكية وأنظمة عربية. وقد صرّح السناتور الأمريكي جون ماكين لاحقًا قائلًا: "لا نريد أن يظهر جمال عبد الناصر آخر في الوطن العربي".وفي حوار مطول بين الصحفي الكبير عبدالله إمام ومدير المخابرات المصرية الأسبق صلاح نصر – رحمهما الله – سأله إمام عن تلك الفنانة ومذكراتها، فأجاب نصر أن الفنانة عملت بإرادتها الكاملة مع المخابرات، وكانت تتلقى راتبًا ثابتًا في البنك الأهلي المصري. وأضاف: "لو سمحت لي الدولة، لكشفت أكثر، فهناك دولة أصبحت اليوم ذات نفوذ كبير، تتدخل في شؤون الدول، كانت وراء نشر تلك المذكرات، وقدّمت دعمًا سخيًا لها مقابل كل حرف كتبته، لتدمير نفسها، والإساءة إلى وطنها".كما ظهر كتاب آخر بعنوان "وتحطّمت الطائرات عند الفجر"، لمؤلف يدعى باروخ نادل، زعم فيه أنه ضابط "موساد" اخترق مصر. يقول كاتب هذه السطور إنه بحث عن الكتاب وقرأه، لكنه لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به. وقد وُزّع هذا الكتاب – رغم تفاهته – مجانًا في شوارع بيروت عبر سفارات عربية، واسم المؤلف – على الأرجح – وهمي، وهو من صناعة مخابرات عربية. وقد أُجريت بروباغندا إعلامية واسعة لهذا الكتاب بهدف الإساءة لثورة يوليو وقائدها.تلك البروباغندا الساذجة ذكّرتني بمشهد من فيلم مرجان أحمد مرجان للفنان الكبير عادل إمام، حين اشترى كتاب شعر فارغًا ليدّعي الثقافة، فطلب عمل بروباغندا له دون توزيعه، وحرص على شراء كل النسخ! وهكذا فعلت تلك السفارات، طبعت الكتاب المزعوم ووزعته رغم تفاهته.للأسف، هذه هي حال كل معارك "طواحين الهواء" التي تُشنّ على عبد الناصر، وهو الذي رحل عن الدنيا منذ 55 عامًا، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. لكن ما يقلق أعداءه، أن الشعوب العربية – رغم النكسة – أصرت على عودته بعد إعلان التنحي، وعندما رحل، شيّعته الملايين من مصر وكل أرجاء الوطن العربي.وتبقى نكسة حزيران ضربة موجعة لآمال الأمة العربية وطموحاتها. وقد تحوّل الخامس من حزيران، للأسف، إلى يوم للبكاء والنواح المصطنع، وكأن هذه الأمة خُتمت بختم الهزيمة الأبدية.ورغم ذلك، جاءت معارك الاستنزاف – أو حرب السنوات الثلاث كما أسماها قائدها الفريق أول محمد فوزي – ثم معركة الكرامة في الأردن، التي سطّرها الجيش العربي الأردني والفدائيون الفلسطينيون، تلتها حرب أكتوبر المجيدة، التي خانتها السياسة، إذ وضعت كل أوراقها في يد أمريكا، الواجهة الأخرى للكيان الصهيوني. ولو كانت السياسة بمستوى أداء السلاح، لتغير وجه المنطقة.لكن، تبقى النكسة خسارة معركة، لا نهاية صراع. وفلاسفة الهزيمة وكتّاب البترودولار ينشطون هذه الأيام لبثّ سمومهم، وجعل النكسة نهاية للقضية العربية، لكنها لم تكن كذلك ولن تكون.رحم الله شهداء الأمة العربية في تلك النكسة، وأتشرف – أنا كاتب هذه السطور – بأن شقيقي الأكبر "عبدالله" كان أحد شهداء تلك الحرب، في صفوف الجيش العربي الأردني، واستُشهد في اليوم التالي لاندلاعها، كما فعل المئات من زملائه.تبقى النكسة – رغم كل الأقلام المأجورة – عدوانًا غادرًا، وحالة استثنائية، وليست قاعدة كما يريد الخونة تصويرها. فالتاريخ سلسلة من الدروس والعبر، والهزيمة الحقيقية ليست خسارة الأرض، بل الاستسلام وفقدان الإرادة. وطالما بقيت المقاومة، بقيت الكرامة والحضور. وإن كان الفيلسوف الألماني "كانط" قال: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود"، فنحن نقول: "نحن نقاوم، إذًا نحن موجودون"… ولا عزاء للصامتين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
عطوة عشائرية بإعتراف إلى عشيرة الحديثة وآل عيد إثر مقتل أحد ابنائها من قبل عشيرة غباين
أخبارنا : أحمد محمد السيد . توجة جاهة كريمة برئاسة الشيخ أحمد عليان أبو صعيليك وجمع كبير من القامات الوطنية والعشائرية من كافة محافظات المملكة إلى ديوان عشيرة الحديثة في منطقة أم نوارة في العاصمة عمان وكان في استقبالهم الشيخ عبد الكريم الحويان وجمع كبير من الشيوخ والوجهاء من عشيرة الحديثة عامة وآل عيد خاصة بوجود قامات وطنية وعشائرية من مختلف محافظات المملكة وذلك على إثر جريمة القتل التي راح ضحيتها أحمد عبد الكريم أحمد مسلم والذي تسبب بها محمد فايز غباين، وقد تكرمت عشيرة الحديثة عامة وآل عيد خاصة وعلى لسان الشيخ عبد الكريم الحويان بإعطاء عطوة عشائرية باعتراف لحين صدور الحكم وحسب الشروط الموضحة في صك العطوة العشائرية باعتراف والتي تنص على : المطالبة بالإعدام للقاتل واسقاط كافة الشكاوي الكيدية والجلوة إلى لواء الهاشمية وعلى الجد الأول وعدم توكيل محامي للجاني وتكون مدة العطوة ستة أشهر من تاريخ كتابة هذا الصك وذلك إكراما لله ورسوله ولجلالة الملك والجاهة الكريمة ويكون الشيخ جعفر الرواد كفيل الدفا وكفيل الوفا الشيخ أحمد أبو صعيليك والشيخ عماد عرار. وتحدث بإسم الجاهة المكلفة من عشيرة غباين الشيخ ماهر أبو يحيى وشكر عشيرة الحديثة عامة وآل عيد خاصة والشيخ عبد الكريم الحويان والقامات الوطنية والعشائرية على حسن الاستقبال في هذا الديوان العامر وقال رحم الله ابنكم أحمد عبد الكريم أحمد مسلم والفاتحة لروحه الطاهرة وأن شاء الله مثواه الجنة وجئنا إلى عشيرة الحديثة معترفين مقرين غير مدافعين عن الجرم الذي حدث للمرحوم أحمد عبد الكريم مسلم على يد الجاني محمد فايز غباين الذي هدر دم انسان مسلم وهذا عند الله عظيم عقابه شديد في الدنيا والآخرة. بدوره الشيخ عبدالكريم الحويان رحب بالجاهة الكريمة بقاماتها الوطنية والعشائرية وعلى رأسها الشيخ أحمد عليان أبو صعيليك والمتحدث بإسم الجاهة الشيخ ماهر أبو يحيى وقال الحويان حمى الله الأردن بلد الأمن والأمان قيادة وشعباً وجيشا وأجهزة أمنية ومخابرات وأدام الله علينا هذه العادات والتقاليد العشائرية الأردنية العريقة التي تحمي المجتمع وتحل الخلافات بين الناس ونشكر القامات الوطنية والعشائرية الساعين بالخير وإصلاح ذات البين في المجتمع الأردني الموحد خلف وطنه وقيادته الهاشمية الحكيمة. وبالنسبة للجريمة التي طالت أحمد عبد الكريم أحمد مسلم رحمه الله نسأل الله أن يكون شهيدا لأنه قتل غدر وهذا الغدر جاء من مجرم جبان أزهق روح حرم الله قتلها إلا بالحق في عيد الأضحى المبارك وهذا ليس من شيم الرجال ونطالب بإعدام القاتل الذي مارس جريمته مع سبق الإصرار والترصد ونطالب بعودة القصاص باعدام المجرمين حتى يكون ذلك رادع لكل من تسول له نفسه إزهاق أرواح الناس وقد زادت جرائم القتل في هذا الوطن وهذا يحتاج إلى تفعيل عقوبة الإعدام وأخذ حق الناس من هؤلاء المجرمين. وأكد الشيخ الحويان على مطالب عشيرة حديثة وآل عيد بإعطاء عطوة باعتراف لحين صدور الحكم وحسب الشروط الموضحة في صك العطوة والتي تنص على المطالبة بالإعدام للقاتل واسقاط كافة الشكاوي الكيدية والجلوة إلى لواء الهاشمية وعلى الجد الأول وعدم توكيل محامي للجاني وتكون مدة العطوة ستة أشهر من تاريخ كتابة هذا الصك وذلك اكراما لله ورسوله ولجلالة الملك والجاهة الكريمة. بدوره الشيخ ماهر ابو يحيى قال نحن مع اعدام القاتل حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يعتدي على أمن واستقرار هذا الوطن الكريم بأهله وقيادته الهاشمية الحكيمة وكلنا ثقة بقضائنا العادل الذي يأخذ الحقوق من الجناة المجرمين ويعطي الحقوق لأصحابها المكلومين ويبقى جزاء المجرم من الله في نار جهنم. وشكر الشيخ ماهر أبو يحيى بإسمه وإسم الشيخ أحمد عليان أبو صعيليك والقامات الوطنية والعشائرية شكر عشيرة الحديثة وآل عيد والشيخ عبدالكريم الحويان على حسن الاستقبال والضيافة وتكرمهم باعطاء عطوة باعتراف حسب ما تم الاتفاق عليه في صك العطوة العشائرية بإعتراف بحضور وجوه الخير من القامات الوطنية والعشائرية من كافة محافظات المملكة الذي نعتز بدورهم في إصلاح ذات البين بين الناس لأن ذلك أعلى مراتب الجهاد. بدوره قال الشيخ عبدالكريم الحويان هذه الجاهة وأي جاهة تسعى بالخير بين الناس هم رسل سلام وجزاهم الله كل خير في هذا الوطن الذي يستند إلى القانون المدني والقضاء العشائري وهي صمام أمان لهذا الوطن الذي نلتف حول قيادته الهاشمية الحكيمة وقواته المسلحة الأردنية الجيش العربي والأجهزة الأمنية الساهرين على أمن واستقرار هذا الوطن الكريم بأهله وقيادته الهاشمية. وهذه عاداتنا وتقاليدنا توارثناها بقيمها واخلاقها وتسامحها وكرمها لنعيش في ظلها بامن وسلام وتسامح وعطاء لهذا الوطن الكريم بأهله وقيادته الهاشمية الحكيمة.


الوكيل
منذ ساعة واحدة
- الوكيل
وفيات الخميس 12-6-2025
تم الوكيل الإخباري- انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الخميس 2025/6/12: اضافة اعلان نبيل إبراهيم عجيلات عبادة سعيد خالد القضاة محمد مصطفى عبدالحليم الداود عبدالله سلمان مراد "محمد عامر" رمضان محمد عواد هديل عبد محمد عنيزات فتحية صبري القاعود


أخبارنا
منذ 4 ساعات
- أخبارنا
خبير التأمينات الصبيحي يحذر من "غضب اجتماعي واسع " بسبب
أخبارنا : قال خبير التأمينات الاجتماعية، موسى الصبيحي، إنه من غير المقبول أن تتخذ الحكومات الأردنية الثلاث الأخيرة قراراً بإنهاء خدمات الموظف العام المستكمل لشروط التقاعد المبكر، وأن تحيله قسراً إلى هذا النوع من التقاعد، دون طلب منه أو رغبة، في الوقت الذي تنص فيه التشريعات على أن سن التقاعد للموظف العام هو الستون، وللموظفة الخامسة والخمسون. وأضاف الصبيحي أنه تمّت إحالة عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام على تقاعد الضمان المبكر، بخدمات ومدد اشتراك تبدأ من (21) سنة، وبأعمار تتراوح في الغالب ما بين 47 إلى 54 عاماً، وهو ما وضع معظم هؤلاء الموظفين وعائلاتهم في وضع معيشي حرج. وأشار إلى أنه في وقت سابق حذّر من أن هذا الأمر سيؤدي حتماً إلى إضعاف المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث ستزيد نفقات المؤسسة التأمينية وتنخفض إيراداتها من الاشتراكات، وهو ما سيقرّب نقطة التعادل الأولى بينهما بصورة كبيرة، ما يشكّل نقطة الخطر الأولى في التحليل الاكتواري. وبحسب المؤشرات الأولية للدراسة الاكتوارية الحادية عشرة (الأحدث)، سيكون ذلك على الأرجح خلال العام 2031، أي بعد ست سنوات فقط لا غير. وتابع أنه في حال استمرار الأمر على حاله، فإنه سيقود إلى الإخلال بالمعادلة الاكتوارية التي تفترض أن يكون لدينا ما بين 5 إلى 7 مشتركين فعّالين "مؤمّن عليهم" مقابل كل متقاعد، لنكون في مرحلة أمان مقبولة. وبيّن أن المعادلة وصلت اليوم، بفضل بعض هذه السياسات غير المحسوبة، إلى أن يكون لدينا (4.3) مشترك مقابل كل متقاعد، والعدد في تناقص إذا استمر العمل بسياسة الإحالة القسرية على التقاعد المبكر. واختتم بالقول إن هذا سيضع الحكومة ومؤسسة الضمان في موقف حرج للغاية، بسبب الاضطرار إلى تصويب أوضاع المركز المالي للضمان من خلال إجراء تعديلات ضرورية قاسية جداً، ربما سيؤدي إحداثها والإصرار عليها إلى غضب اجتماعي واسع، لا قدّر الله.