logo
السعوديون يشدّدون قبضتهم على أوبك+ من خلال دفع زيادة إنتاج النفط

السعوديون يشدّدون قبضتهم على أوبك+ من خلال دفع زيادة إنتاج النفط

عكست التحركات الأخيرة في منظمة أوبك+ تحوّلًا جوهريًا في موازين القوة داخل الكارتل النفطي، حيث أصبحت السعودية، بقيادة وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، المحرك الأبرز للقرارات المصيرية، حتى حين تتعارض مع مصالح شركائها الكبار.
وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن أوبك+ تعمل على أساس توافق جماعي، فإن الاجتماع الأخير كشف أن صوت الرياض هو الأعلى، وأن يدها أصبحت الأقوى في رسم مسار الإنتاج العالمي، بصرف النظر عن معارضة موسكو أو غيرها.
رهانات سعودية محفوفة بالمخاطر
منذ بداية أبريل، بدت السعودية مصممة على تغيير قواعد اللعبة في سوق النفط.
فبدلاً من خفض الإنتاج لحماية الأسعار، قادت الرياض، إلى جانب سبع دول أخرى، تحركًا مفاجئًا لزيادة الإمدادات بنحو 411 ألف برميل يوميًا بدءًا من مايو.
جاء ذلك وسط أجواء من الهبوط في الأسواق بسبب ضعف الطلب من الصين وتصاعد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي.
غير أن الرياض لم تكتفِ بهذه الخطوة، بل مضت قدمًا في الدفع نحو زيادات إضافية خلال اجتماعات لاحقة، لتؤكد أن هذا الاتجاه لم يكن رد فعل عابر، بل سياسة ممنهجة هدفها استعادة حصة السعودية السوقية وردع الدول التي تتجاوز حصصها الإنتاجية داخل أوبك+.
من وجهة نظر الرياض، فإن هذه الاستراتيجية تنطلق من قناعة بأن الأسعار المرتفعة لم تعد تخدم مصالحها كما في السابق.
فالسوق تغيّرت، والمنافسة باتت أكثر شراسة، خصوصًا من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ومن دول أعضاء في أوبك+ تجاوزت حصصها دون رادع فعلي.
بالتالي، يبدو أن السعودية تعيد تفعيل سلاحها القديم: الفائض القابل للتشغيل بسرعة، أي قدرتها على ضخ ملايين البراميل يوميًا لإغراق السوق ومعاقبة المخالفين.
لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر. فقد تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، متجاوزة نزولًا حاجز الـ60 دولارًا للبرميل. وترافق هذا الانخفاض مع أعباء مالية متزايدة على موازنات الدول المنتجة، من روسيا إلى نيجيريا.
ويبرز هنا تساؤل جوهري: إلى أي مدى تستطيع السعودية تحمّل تداعيات خفض الأسعار عالميًا؟ وهل تملك رفاهية خوض حرب حصص طويلة الأمد في ظل ارتفاع إنفاقها الداخلي ومشاريعها الطموحة ضمن رؤية 2030؟
تحالفات مشروطة وتحولات في ميزان أوبك+
تعكس الخطوة السعودية أيضًا تحوّلًا في طبيعة التحالفات داخل أوبك+. فقد أبدت موسكو، وهي شريك أساسي للرياض منذ اتفاق 2016، ترددًا واضحًا في دعم سياسة الزيادة الأخيرة، مفضلة نهجًا أكثر حذرًا في ظل العقوبات الغربية وتذبذب إيراداتها.
ومع ذلك، لم تنجح روسيا في منع تمرير القرار، ما يكشف عن تآكل قدرتها على التأثير في مسار المنظمة، مقابل صعود نجم الرياض.
بل إن القرار لم يُناقش فعليًا ضمن أطر تشاورية تقليدية، بل جاء عبر مكالمات مفاجئة ومؤتمرات بالفيديو استدعت السعودية إليها الأعضاء عشية التنفيذ، وهو ما أثار انتقادات من بعض المندوبين الذين اعتبروا أنهم تُركوا في الظلام.
هذه الطريقة تعكس نمطًا متزايدًا من المركزية في إدارة شؤون أوبك+، وتؤكد أن قرار النفط في المنظمة بات مرهونًا بشكل كبير بقرارات الديوان الملكي السعودي.
وفي هذا السياق، برزت تكهنات متضاربة بشأن الدوافع الحقيقية لهذا التوجه. فالبعض أشار إلى رغبة سعودية في إرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض مؤخّرًا وكان قد زار الخليج الشهر الماضي في جولة اقتصادية وعسكرية تخللتها صفقات بمليارات الدولارات.
ويعتقد هؤلاء أن الرياض تراهن على إحياء التحالف الشخصي مع ترامب من خلال خفض الأسعار عالميًا، ما ينعكس إيجابيًا على المستهلك الأميركي ويعزز العلاقة السياسية بين البلدين.
لكن آخرين رأوا في التصعيد السعودي رسالة داخلية موجهة إلى دول أوبك+ التي تجاوزت حصصها الإنتاجية، خاصة أن العراق وروسيا وقازاخستان كانت ضمن قائمة الدول غير الملتزمة مؤخرًا.
بهذا المعنى، تُستخدم زيادة الإمدادات كأداة للانضباط، حيث يؤدي تراجع الأسعار إلى ضغط مالي على تلك الدول، ما يدفعها إلى الالتزام مستقبلاً.
الانعكاسات الجيوسياسية: أوبك+ أمام اختبار الاستمرار
التغير في سياسة أوبك+ لا يمكن فصله عن الحسابات الجيوسياسية الأوسع. فالسعودية لا تتحرك فقط باعتبارها منتجًا رئيسيًا، بل كقوة إقليمية تسعى لتعزيز أوراقها التفاوضية في أكثر من ملف: من اليمن إلى إيران، ومن صفقة الأسلحة مع واشنطن إلى مشاريع الطاقة المتجددة.
ويبدو أن استخدام ورقة النفط بات جزءًا من هذه المعادلة، إذ تسعى الرياض لتأكيد موقعها المحوري في تحديد مستقبل الطاقة، خصوصًا مع دخول مرحلة انتقالية يشوبها الغموض بشأن دور الوقود الأحفوري في السنوات المقبلة.
وفي الوقت نفسه، تتعرض وحدة أوبك+ لاختبار صعب. فالتفاوت في المصالح بات أوسع من أي وقت مضى، وهناك شعور متنامٍ داخل بعض العواصم بأن المنظمة أصبحت تدار وفقًا لأولويات سعودية صرفة.
وإذا استمرت هذه الديناميكية، فقد يبرز احتمال انسحاب بعض الأعضاء أو تجميد مشاركتهم، لا سيما إذا ما أدى انهيار الأسعار إلى أزمات مالية داخلية.
في المحصلة، السعودية اليوم في موقع القيادة بلا منازع داخل أوبك+، لكنها تواجه تحدي الحفاظ على هذا النفوذ دون أن تدمّر القاعدة التي تستند إليها. فالقوة الحقيقية لا تكمن فقط في القدرة على فرض السياسات، بل في الحفاظ على الحد الأدنى من الإجماع الذي يضمن بقاء الكارتل متماسكًا.
وبين طموحات ولي العهد محمد بن سلمان في الهيمنة النفطية، واعتبارات الدول الأخرى الباحثة عن الاستقرار، يقف تحالف أوبك+ على مفترق طرق: إما الدخول في مرحلة جديدة بقيادة سعودية صريحة، أو التآكل البطيء نتيجة غلبة المصالح الفردية على العمل الجماعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يفكر في التخلص من سيارته «تسلا»
ترامب يفكر في التخلص من سيارته «تسلا»

الرأي

timeمنذ 7 ساعات

  • الرأي

ترامب يفكر في التخلص من سيارته «تسلا»

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يعتزم التحدّث إلى الملياردير إيلون ماسك وأنه قد يتخلى عن سيارة تيسلا حمراء، إثر السجال الحاد بين الرجلين. وشدّد معسكر ترامب على أن سيّد البيت الأبيض يريد طي الصفحة مع رجل الأعمال المولود في جنوب إفريقيا، وقد أفاد مسؤولون وكالة فرانس برس بأن ماسك طلب الاتصال لكن الرئيس غير مهتم بذلك. بدلا من ذلك سعى الرئيس الجمهوري إلى تركيز الجهود على إقرار مشروع الميزانية في الكونغرس والذي كانت انتقادات ماسك له أشعلت فتيل السجال الخميس. تداعيات الخلاف بين أغنى شخص في العالم ورئيس أقوى دولة في العالم، قد تكون كبيرة إذ يمكن أن تقلّص الرصيد السياسي لترامب في حين قد يخسر ماسك عقودا حكومية ضخمة. وقال ترامب في تصريحات هاتفية لصحافيين في محطات تلفزة أميركية إن الخلاف أصبح وراءه، ووصف ماسك بأنه «الرجل الذي فقد عقله» في اتصال أجرته معه محطة إيه بي سي، فيما قال في تصريح لقناة سي بي اس إن تركيزه منصب «بالكامل» على الشؤون الرئاسية. في الأثناء، نفى البيت الأبيض صحة تقارير أفادت بأن الرجلين سيتحادثان. وردا على سؤال عما إذا يعتزم الرجلان التحادث، قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض في تصريح لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته «إن الرئيس لا يعتزم التحدث إلى ماسك اليوم». وقال مسؤول آخر «صحيح» أن ماسك طلب الاتصال. وتراجعت أسهم شركة تيسلا بأكثر من 14 في المئة الخميس على خلفية السجال، وخسرت أكثر من 100 مليار من قيمتها السوقية، لكنها تعافت جزئيا الجمعة. وفي مؤشر يدل على مدى تدهور العلاقة بينهما، يدرس الرئيس الأميركي بيع أو منح سيارة تيسلا كان اشتراها لإظهار دعمه لماسك إبان احتجاجات طالت الشركة. الجمعة كانت السيارة الكهربائية لا تزال مركونة في فناء البيت الأبيض. وردا على سؤال لفرانس برس حول ما إذا قد يبيع ترامب السيارة أو يهبها قال المسؤول الرفيع في البيت الأبيض «إنه يفكر في ذلك، نعم». وكانت التقطت صور لترامب وماسك داخل السيارة في حدث شديد الغرابة أقيم في مارس حوّل خلالها ترامب البيت الأبيض إلى صالة عرض لسيارات تيسلا بعدما أدت احتجاجات على الدور الحكومي الذي اضطلع به ماسك على رأس هيئة الكفاءة الحكومية إلى تراجع أسهم الشركة. - مدة الصلاحية -تأتي التطورات على الرغم من جهود يبدو أن ماسك بذلها لاحتواء التصعيد. الخميس، لوّح ماسك بسحب المركبة الفضائية دراغون من الخدمة، علما بأنها تعد ذات أهمية حيوية لنقل الرواد التابعين لناسا إلى محطة الفضاء الدولية، بعد تلويح ترامب بإمكان إلغاء عقود حكومية ممنوحة لرجل الأعمال. لاحقا، سعى ماسك لاحتواء التصعيد وجاء في منشور له على منصة إكس «حسنا لن نسحب دراغون». والجمعة لم يصدر ماسك أي موقف على صلة بالسجال. لكن لم يتّضح بعد كيف يمكن إصلاح العلاقة بين الرجلين والتي كانت تشهد تأزما أثار توترات في البيت الأبيض. مستشار ترامب التجاري بيتر نافارو الذي كان ماسك وصفه بأنه «أكثر غباء من كيس من الطوب» خلال جدل حول التعرفات الجمركية، لم يشأ التبجّح لكنه أشار إلى انتهاء «مدة صلاحية» ماسك. وقال في تصريح لصحافيين «كلا لست سعيدا»، مضيفا «يأتي أشخاص إلى البيت الأبيض ويذهبون».

عميل سري أميركي يعرض نقل معلومات سرية إلى المخابرات الألمانية
عميل سري أميركي يعرض نقل معلومات سرية إلى المخابرات الألمانية

الجريدة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجريدة

عميل سري أميركي يعرض نقل معلومات سرية إلى المخابرات الألمانية

أفادت وسائل إعلام ألمانية، الجمعة، بأن عميلا في الاستخبارات الأميركية عرض تمرير معلومات حساسة إلى جهاز المخابرات الاتحادي الألماني، مدفوعاً بإحباطه من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاء هذا التقرير الصحفي حصيلة تحقيق أجرته شبكتا البث العام الألمانيتان «في دي آر» و«إن دي آر» وصحيفة «زود دويتشه تسايتونج». وذكر التقرير أن جهاز المخابرات الاتحادي الألماني أبلغ السلطات الأميركية بهذه الواقعة على الفور. وتم توقيف الموظف المدني في وكالة استخبارات الدفاع الأميركية منذ أكثر من أسبوع بقليل في ولاية فيرجينيا الأميركية، للاشتباه في تورطه في أنشطة تجسس. ولم يكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن اسم الدولة التي كان المشتبه به ينوي تمرير المعلومات إليها. ووفقا لتقارير إعلامية، يتردد أن المشتبه به تواصل مع جهاز المخابرات الاتحادي الألماني في أوائل شهر مارس عبر رسالة بريد إلكتروني مجهولة الهوية. وقالت متحدثة لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن «جهاز المخابرات الاتحادي الألماني لا يعلق علنا على القضايا المتعلقة بالمعلومات الاستخباراتية أو الأنشطة ذات الصلة، وأن هذا لا يعني بالضرورة أن المعلومات صحيحة أو غير صحيحة.» وبعد الاعتقال في 30 مايو، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أن ناثان فيلاس إل كان لديه إمكانية الوصول إلى معلومات بالغة السرية وعرض على «حكومة أجنبية صديقة» نقل معلومات سرية إليها. وفي رسالة إلكترونية، أوضح المشتبه به أن دافعه كان عدم اتفاقه مع «القيم» التي تمثلها إدارة ترامب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store