
الفلسطيني أحمد منصور محترقاً: الواقع يهزم السينما
فيديو احتراق الصحافي الفلسطيني أحمد منصور يجمّد المشاعر، كأنما إشارة صدرت من أصبع ضاغط على زرّ شاء أن يوقف المشهد، لا ليتفرسه، وإنما لكي ينعى من خلاله آخر ما تبقى من أنفاس الرحمة. لقد ماتت الخيرية يا "كانط"، وصار الكائن/ الآلة هو من يقرر مصائر البشر في هذا الكون الأعشى الذي أضحى، بسبب لعنة الحضارة، أعمى في بصره وبصيرته.
كانت السينما أسبق إلى تصور المآلات التي تنتظر البشر، فقد ركز الخيال العلمي، منذ زمن بعيد، على إنتاج كائنات آلية مصممة للفتك والتدمير، ومبرمجة من أجل إذلال فكرة الإحساس والتعاطف. كان ذلك في زمن الخيال الذي يهدف إلى الإمتاع والتشويق وبث إثارة ما (ربما بريئة) في عروق الكائن المتسمّر أمام الشاشة. فالتعلق بأفلام العنف والرعب، التي تجد استحساناً لدى غالبية مشاهدي السينما، آت من الكبت النفسي الهاجع في اللاوعي الذي لم يتخلص الإنسان منه، فوجد ضالته في الأفلام أو في الفن، أو في العنف المادي الذي تختلط فيه مشاعر العدوان بالكراهية، وقد أفاض "فرويد" في تشريح ذلك، حيث عزا العنف إلى عدم إشباع دوافع اللذة "الليبدو" المركبة من الرغبات والمشاعر والانفعالات والنزوات والميول، التي تتصارع بشكل مفتوح مع غريزة الموت.
الصحافي أحمد منصور ومشهد الاحتراق (اتحاد الصحافيين الفلسطينيين)
لم تكن تلك الأفلام تبشر أو تدعو أو تحث على الإبادة المبرمة للجنس البشري، لكنها الآن، في غزة، وفي سواها من الساحات المنكوبة بـ"تسونامي الشر"، تصبح هدفاً ومراداً. القاتل تعلّم من المخرج ومن كاتب السيناريو، فراقَ له العمل، وأراد أن ينفذه بحذافيره، وعلى الهواء مباشرة، وبلا عدة إنتاج، أو ميزانية، أو ممثلين، أو خدع فنية، أو مؤثرات بصرية، أو استعانة بمؤهلات الذكاء الاصطناعي. صار القاتل ملهِماً للكاتب، ومفجراً في خيال المخرج ما لم يخطر في بال بشر.
في فيلم تيتان (Titane) للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورناو، الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، 2021، نعثر على إنسان شبه آلي تتحول برمجته الوجدانية بعد زرع لوحة من معدن "التيتانيوم" في جمجمة بطلة الفيلم ألكسيا (الممثلة المدهشة أغاثا روسيل)، في أعقاب حادث سيارة في طفولتها.
اللوحة المزروعة في الجمجمة أعلى الأذن اليمنى تتصل بالأوامر العقلية التي تجعل المفاهيم الأخلاقية منزوعة من سياقاتها المنطقية، حيث العنف يغدو غاية ووجهة ومتعة. فالقتل المتسلسل بدم بارد وبمقدارعال من التوحش وعدم تأنيب الضمير، يصبح هو القاعدة. أما الحنان والتعاطف أو الحاجة إليهما، كما تبدو في لحظات النصف الثاني من الفيلم، فتبدو كأنها استثناء.
ألكسيا، التي تهرب من الشرطة بعد جرائمها، تُجري تغييرات في مظهرها حتى لتبدو مثل شاب يعثر عليه ضابط في فرقة الإطفاء فيقنع (أو يوهم) نفسه بأنه ابنه المفقود منذ عشر سنوات "أدريان".
ولإنجاح هذه الخدعة تمارس ألكسيا على نفسها عنفاً منقطع التخيل، إذ تحلق شعرها وحواجبها، وتكسر أنفها بشكل متوحش يهزأ بالألم، ثم في مرحلة لاحقة تحاول بقر بطنها بمخرز الشعر الطويل لتخفي حملها بعد أن تكون قد مارست الجنس مع سيارة (!!)، فيكون دم الجنين أسودَ مثل زيت الحافلات المحروق، في رؤية هيتشكوكية معجونة بأنفاس كافكا الكابوسية، وتصورات شوبنهاور العدمية التي ترى أن الوجود هو بؤرة الحزن والكآبة والشر المطلق.
وعلى الرغم من كل هذا العنف الذي يكون واحداً من تعبيراته إحراق ألكسيا منزل العائلة بوجود أبيها وأمها، بعدما أغلقت عليهما الباب، إلا أنّ طيفاً من وعي المشاعر يتسرب إلى عروقها المعدنية في علاقتها بأبيها المفترَض الذي أقسم على حمايتها مهما كلفه الأمر، فإذ بنا أمام قلب يخفق، ودمع يترقرق في المحاجر، ويدين ترتعشان، وشفتين ممتلئتين بامتنان مخنوق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان ذلك في السينما، حيث الدم سائل أحمر يتفجر من الأجساد، وحيث العظام المنصهرة في أتون النار هو كومة من الخدع البصرية المصممة بالكمبيوتر. بيْد أن ما جرى في خيمة الصحافي أحمد منصور في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، كان حقيقة وثقتها الكاميرا لجسد لا يقوى على أن ينتزع كتلته، ويفر من اللهيب المحتدم الذي كبّل إرادة الناس الذين لم يتمكنوا من إنقاذ أحمد، وكان أقصى ما قدموه له، لضعف حيلتهم، هو رش قليل من الماء لإطفاء جهنم التي ذاب فيها الجسد الذي تفحم.
لم تكن مزروعة في أجساد القتلة شرائح "التيتانيوم"، ولم تجر إعادة إنتاج داخل المختبر لبرمجة مشاعرهم أو إعادتهم إلى فطرتهم الأولى قبل أن تلوثها وتعطبها أيديولوجيا المزاعم التوراتية وأكاذيبها وأوهامها. فقد سبق الذين ألقوا القنبلة الجهنمية على خيمة الصحافيين، ضابط إسرائيلي وعد طفلته أن يهديها، بمناسبة عيد ميلادها، تفجيراً لأحد المباني السكنية في قطاع غزة. ويقول الضابط في مقطع فيديو نشرته وسائل إعلام، في السادس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023: "أهدي ابنتي بمناسبة عيد ميلادها الثاني، هذا التفجير، إني اشتاق لها"!
الواقع، الآن، يسدد لكمة منكرة للسينما، ويتجاوزها في مقدار الرعب المختلط بالشر الفتاك الذي تحترق فيه أجساد الأطفال، وتحترق معها صيحاتهم واستغاثاتهم، من أجل أم تبتهج وتحتفل طفلة لا تبعد كثيراً عنهم في الجغرافيا، ولا تختلف عنهم في الطينة البشرية التي جُبل منها الإنسان، لكنّ أقدار التاريخ اختلفت فأضرمت الحرائق في الجغرافيا ومن فيها ومن عليها. ولم تقف عند هذا الحد، فقد طاول الحريق الشرائع والأديان والنواميس. وإذ تنجز النار هذه "المهمة" الآثمة، فإنها تحرق آخر ضلع في نعش الخير والرحمة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 5 أيام
- سعورس
القاسمي يقدم لوحتين في أثناء زيارة سمو أمير منطقة جازان ونائبه لمحافظة بيش
بدعم كريم من الهيئة الملكية لمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، وبالشراكة معها، قدَّم الفنان عبدالله القاسمي من فريق "بيش آرت" عملين فنيين مميزين، وذلك خلال زيارة سمو أمير منطقة جازان ونائبه إلى محافظة بيش في أثناء زيارتهم المحافظة اليوم الإثنين. ورحب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان بالعملين، كونه يدعم الفن والفنانين بالمنطقة. واستخدم الفنان عبدالله القاسمي في لوحة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز، أمير منطقة جازان ، مادة التيتانيوم الخام، أحد أثمن المعادن في العالم، لما تحمله من دلالات على القوة والتميّز. وجاء العمل الثاني لصاحب السمو الأمير ناصر بن محمد بن جلوي، نائب أمير منطقة جازان ، مستخدمًا القهوة والبن، لتجسّد اللوحة دفء الأصالة وعبق التراث. وقال الفنان عبدالله القاسمي من فريق بيش آرت للفن التشكيلي في جازان إن هذين العملين ترجمة بصرية للاعتزاز بقيادة المنطقة، وتعبيرًا صادقًا عن عمق الانتماء لتراثها وهويتها الثقافية. ‹ › ×


صدى الالكترونية
٢٤-٠٥-٢٠٢٥
- صدى الالكترونية
نتفليكس تزيح الستار عن تفاصيل غرق غواصة تيتان
كشفت «نتفليكس» عن أول إعلان تشويقي لفيلمها الوثائقي الجديد حول كارثة غواصة «أوشن غيت» التي راح ضحيتها 5 أشخاص خلال رحلة إلى حطام سفينة «تايتانيك». وسيُعرَض الفيلم بعنوان «تيتان: كارثة أوشن غيت»، من إخراج مارك مونرو (المعروف بأعمال مثل «الفتاة المفقودة» و«بريتني ضدّ سبيرز»)، للمرّة الأولى في مهرجان «ترايبيكا السينمائي»، وسيُتاح عبر منصة «نتفليكس» ابتداء من 11 يونيو المقبل. ويتضمن الإعلان التشويقي للفيلم شعار «كلما تعمّقت، ازدادت الظلمة»، ويعد بكشف الحقائق التي أدَّت إلى هذه الرحلة المأساوية، بينما يقول أحد الخبراء في الإعلان: «لم يكن ثمة وسيلة لمعرفة متى ستفشل الغواصة، لكن حسابياً، كانت ستفشل حتماً»، ويضيف آخر: «مؤسِّس (أوشن غيت)، ستوكتون راش، كان مؤمناً تماماً بنجاحها. كان يسعى إلى الشهرة، وذلك غذَّى غروره ورغبته في الظهور». ويعلّق ثالث: «كنت أظنّه مختلّاً عقلياً إلى حدّ ما». وفي 23 يونيو 2023، فقدت الغواصة الاتصال بالعالم الخارجي بعد ساعة و45 دقيقة على بدء غوصها في أعماق المحيط. وكانت شركة «أوشن غيت» تعرض رحلات تجارية إلى حطام «تايتانيك» مقابل 250 ألف دولار للفرد. وبعد عملية بحث وإنقاذ واسعة تابعها العالم بقلق بالغ، انتهت المأساة بالعثور على بقايا الغواصة، وخلُص الخبراء إلى أنها تعرَّضت لانفجار داخلي.


ياسمينا
٢٣-٠٥-٢٠٢٥
- ياسمينا
رغم حظر الإطلالات الجريئة...نجمات يتجاهلن ذلك ويظهرن بفساتين غير محتشمة في مهرجان كان السينمائي 2025
تجاهلت عدد من النجمات قانون حظر الإطلالات الجريئة الذي أعلن عنه مهرجان كان السينمائي بدورته الـ78، وظهرن بفساتين غير محتشمة على السجادة الحمراء. لأسباب تتعلق باللياقة حظر مهرجان كان السينمائي 2025 الإطلالات الجريئة على السجادة الحمراء لأول مرّة في تاريخه، حيث شددت إدارة المهرجان في بيانها الذي سبق إنطلاقة المهرجان على ضرورة إنتقاء الإطلالات بعناية والبُعد عن الإطلالات الجريئة. فساتين شفافة ومفتوحة تثير الجدل في المهرجان جاءت هذه الخطوة الإستباقية حرصًا من المهرجان على تسليط الضوء على الأفلام المشاركة، وعدم لفت الأنظار للإطلالات العارية التي قد سبق وأن ظهرت في الدورات السابقة من المهرجان، وخصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ورغم هذا التشديد الصارم الذي تم من خلاله تأكيد وجود فرق خاصة بمنع دخول أي شخص لا يحترم القواعد والسياسة الجديدة إلا أننا شهدنا الكثير من الإطلالات الجريئة. نستعرض لك قائمة بالنجمات اللواتي تجاهلن قوانين المهرجان وارتدين فساتين مفتوحة وشفافة مثيرات الجدل على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي… بيلا حديد في اليوم الأول من أيام المهرجان لفتت عارضة الأزياء بيلا حديد الأنظار بفستانها الجريء، لتظهر بأسلوبها المعتاد دون أي تقيد بقواعد المهرجان، حيث ارتدت فستاناً من الحرير الأسود بتصميم عصري جريء، تميز بشق جانبي مرتفع وقصة مكشوفة عند الخصر، والظهر مما أضفى على حضورها لمسة من الجرأة الممزوجة بالكلاسيكية. لاميتا فرنجية ضمن الإطلالات التي أحدثت ضجة خلال اليومين الماضيين إطلالة العارضة لاميتا فرنجية، التي تجاهلت هي الأخرى قوانين المهرجان مرتدية فستان مكشوف الصدر بشكل مبالغ به، من تصميم المصمم نبيل يونس، ورغم فخامة الفستان الذي زُيّن بالكريستال والريش إلا أنه بدا فاضحًا بقصة صدره المنخفضة التي لم تلائم تفاصيل جسمها. هاندا أرتشيل في اليوم الثاني من المهرجان أطلت النجمة التركية هاندا أرتشيل بفستان باللون الفوشيا من الساتان بقصة مكشوفة عند الصدر وفتحة ساق عالية، وهذا ما جعل إطلالتها محط جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين بأنها خالفت القواعد الخاصة بالزي بالمهرجان. لجين عضاضة اختارت مدونة الموضة الأمريكية اللبنانية لجين عضاضة إطلالتين جريئتين خلال أيام مهرجان كان السينمائي 2025، كانت الأولى بفستان أسود من تصميم المصمم جورج حبيقة، بفتحة كبيرة من منطقة البطن، واختارت ذات الشيء في اليوم التالي حيث ظهرت بفستان من تصميم المصمم رامي قاضي، تميز أيضًا بفتحة البطن والخصر، مع شق طويل يصل إلى أعلى الفخذ. دانييلا بيك كانت المغنية الأمريكية دانييلا بيك واحدة من النجمات اللواتي اخترن إطلالات جريئة خلال أيام المهرجان، حيث أنتقت إطلالتها الأولى من Lee Petra Grebenau، والتي كانت عبارة عن فستان شفاف مكشوف الظهر مع تفاصيل سواروفسكي الفاخرة التي غطت الفستان بشكل كامل، وكذلك ظهرت في اليوم التالي بفستان شفاف و جريء آخر باللون الأسود مفتوح الظهر وبرباطات أمامية تكشف الصدر والبطن من المنتصف. كانت تلك أجرأ الإطلالات التي رصدناها على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي 2025، والذي سيستمر بفعالياته حتى يوم غد السبت 24 مايو، ولك بهذا الخصوص أن تلق نظرة على إطلالات النجمات السعوديات في مهرجان كان 2025: كلاسيكية وابتكار تعكس روح التفرّد .