
هل تستطيع أوروبا الاحتماء بمظلة فرنسا النووية؟
"إنها عبارة غريبة. المظلة تمنع المطر عنك – هي لا تفجر الغيوم".
محق هو خبير الشؤون النووية في "معهد ميدلبري للدراسات الدولية" (كاليفورنيا) جيفري لويس حين تطرق إلى المفارقة في موضوع المظلة النووية. حالياً، تبحث أوروبا عن ردع نووي جديد بعد تراجع موثوقية الردع الأميركي.
بحسب عدد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، يكمن الحل ولو جزئياً في الردع النووي الفرنسي. طالب المستشار الألماني المقبل فريدريتش ميرتس فرنسا بتوسيع مظلتها النووية لتشمل كل أوروبا. لكن هل يتمتع الردع الفرنسي بالحد الأدنى من الصدقية؟
حجتان ونقيضهما
يعتقد دانيال دوبتريس من مؤسسة "أولويات الدفاع" أن ثمة عقبتين على الأقل أمام موثوقية الردع الفرنسي. من جهة، بعد مغادرة ماكرون الإليزيه سنة 2027، من المرجح أن تصبح القومية المتشددة مارين لوبان الرئيسة الفرنسية المقبلة، هي التي رفضت مشاطرة أو تفويض الردع النووي الفرنسي مع دول أخرى.
تجد هذه الحجة ما يدحضها. غيرت لوبان بعض مواقفها في السياسة الخارجية فوقفت ضد الغزو الروسي لأوكرانيا بالرغم من علاقاتها الإيجابية السابقة مع الكرملين. وبعدما حاولت التقرب من الرئيس دونالد ترامب سنة 2017، باتت أقل ميلاً لربط نفسها بتيار "ماغا"، كما وصفت إعلان ترامب تجميد المساعدات لأوكرانيا بأنه "وحشي".
علاوة على ذلك، قد تكون لوبان الرئيسة غير لوبان المرشحة الرئاسية. ثمة احتمال في أن يكون رفض لوبان منصبّاً على إشراك الحكومات الأخرى في صياغة القرار النووي، لكن حماية أوروبا من تهديد نووي ملح هو أمر آخر. وبصفتها قومية متشددة بالتحديد، تدرك لوبان أن حماية فرنسا لأوروبا يعلي من شأن بلادها على المستوى القاري. وعلى المدى البعيد، قد تكون ثمرة توسيع مظلة السلاح النووي الفرنسي أكثر إثارة للشهية. إن التصور الدولي عن فرنسا بصفتها قوة نووية يختلف تماماً عن فرنسا بصفتها القوة النووية الوحيدة التي تحمي أوروبا.
العقبة الثانية التي كتب عنها دوبتريس هي أن أوروبا لن ترتاح إزاء حصر قرار استخدام السلاح النووي بالرئيس الفرنسي. لكن الرؤساء الأميركيين يتمتعون أصلاً بهذا الامتياز في الوقت الحالي. وثمة سؤال آخر: بمن سيثق الأوروبيون أكثر: برئيس أميركي أم برئيس فرنسي؟
إن معدلات تأييد ترامب في أوروبا أقل من 10 في المئة أحياناً، لهذا السبب يبدو الجواب واضح المعالم. بطبيعة الحال، قد يعود رئيس أطلسي إلى البيت الأبيض سنة 2029. لكن الرهان الأوروبي على هذه الفرضية أمر شائك.
بحسب الخبير في شؤون الردع النووي في جامعة هارفارد ألكسندر سورغ، يمكن تأسيس آلية تشاورية بين فرنسا وشركائها شبيه بالآلية التي تحكم التشاور في الناتو ("مجموعة التخطيط النووي" وفرنسا خارجها). وعن سؤال ما إذا كانت فرنسا "ستقايض باريس بتالين" (عاصمة إستونيا) في حال تعرضت لتهديد نووي روسي، أشار سورغ إلى أن هذا السؤال يصبح أكثر إشكالية مع الولايات المتحدة. يفصل الأخيرة عن أوروبا محيط كامل، ولا تربطها بها العلاقات نفسها التي تشبك فرنسا بقارتها.
السؤال الأبرز
ثمة تحد ثالث يطرح جدالاً واسعاً، وقد يكون الأكثر حدة، بين المراقبين. لدى روسيا ما يفوق 4 آلاف رأس نووي. لدى فرنسا ما يقل عن 300. أي ردع يمكن أن تقدمه فرنسا مع هذا الاختلال الكبير في التوازن؟
بحسب بونوا غريمار، باحث مشارك في "معهد دراسات الاستراتيجية والدفاع" في جامعة جان مولان الفرنسية، تستطيع فرنسا تدمير المدن الروسية الكبيرة بما فيها موسكو. لكن روسيا تستطيع الاعتماد على كبر مساحتها وترسانتها للفوز عبر الاستنزاف.
غير أن تطوير الأسلحة النووية يستند أساساً إلى فكرة استخدامها لاحقاً كورقة رادعة لا هجومية. من هنا، يرى الأستاذ في جامعة بروكسل الحرة كريستوف وازينسكي أن القوة التدميرية لهذه القنابل كبيرة بما يكفي إلى درجة أن "امتلاك بضع مئات من الأسلحة النووية يبرهن أساساً ردعها الفعال للغاية".
مع ذلك، وبحسب غريمار، إذا كان بإمكان 290 رأساً نووياً حماية فرنسا فستبرز الحاجة إلى زيادة الرقم لحماية كامل القارة الأوروبية. لكن سورغ من جامعة هارفارد، يعتقد أنه مع إضافة الردع النووي البريطاني – ولو كانت العملية معقدة وتحتاج إلى بعض الوقت – ستراكم الدولتان ما يعادل تقريباً ترسانة الصين الحالية من القنابل النووية.
ديغول يصارح كينيدي
ثمة قضايا عدة يستند إليها احتساب قدرة الردع بعيداً من الأرقام. على سبيل المثال، وبالعودة إلى عبارة "مقايضة باريس بتالين"، هي تمثل سؤالاً طرحه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول على نظيره الأميركي جون كينيدي: "هل ستقايض نيويورك بباريس؟". إذا لم يكن كينيدي مقتنعاً بهذه المعادلة، أي تعريض نيويورك لقصف نووي مقابل الدفاع عن باريس، فستكون موسكو أقل اقتناعاً بمسارعة واشنطن إلى الدفاع عن أوروبا. من هنا، ليس الردع مبنياً فقط على عدد الرؤوس النووية بل أيضاً على نية التدخل للدفاع عن الحلفاء.
يوحي العدد المتزايد للدول الأوروبية (بما فيها الشرقية) الراغبة بالتشاور مع فرنسا في المسألة النووية أن نية باريس بالدفاع عن أوروبا ربما تكون أشد وضوحاً من النية الأميركية، لدى بعض الأوروبيين على الأقل.
يبدو أن جهود ماكرون باتت تؤتي ثمارها بطريقة لم يتوقعها الرئيس الفرنسي نفسه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 16 دقائق
- الميادين
روسيا: المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: إذا تمكنت "إسرائيل" وإيران حقاً من التوصل إلى اتفاق لوقف النار فنحن نرحب بذلك
روسيا: المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: إذا تمكنت "إسرائيل" وإيران حقاً من التوصل إلى اتفاق لوقف النار فنحن نرحب بذلك

القناة الثالثة والعشرون
منذ 18 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل إعلان ترامب وقف حرب الـ12 يوما
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فجر الثلاثاء، وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، جاء مفاجئاً حتى لكبار مسؤولي إدارته. ووفق مسؤول كبير في البيت الأبيض، فقد فاجأ الإعلان، الذي صدر بعد دقائق من الساعة السادسة مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة، حتى بعض كبار مسؤولي إدارة ترامب، باستثناء نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، الذي قاد الجهود على مدار الشهرين الماضيين للتوصل إلى اتفاق لكبح البرنامج النووي الإيراني. وأوضح المسؤول الكبير في البيت الأبيض أن فانس وروبيو وويتكوف عملوا عبر قنوات "مباشرة وغير مباشرة" للتواصل مع الإيرانيين، مضيفاً أن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار، شريطة ألا تتعرض لهجمات أخرى من طهران. وقبل تأكيده أن إيران وإسرائيل اتفقتا على وقف إطلاق النار، تحدث ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والمسؤولين الإيرانيين، بمساعدة قطر في التوسط. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، لعب دوراً في مناقشات وقف إطلاق النار. وأشاد المسؤول الكبير في البيت الأبيض بالضربات العسكرية الأمريكية على ثلاثة مواقع إيرانية لتخصيب اليورانيوم يوم السبت، والتي مهدت الطريق لمناقشة وقف إطلاق النار. ولم يذكر المسؤول الشروط التي ربما وافقت عليها إيران، بما في ذلك ما إذا كانت قد أجابت عن أسئلة حول مكان مخزونها من اليورانيوم المخصب. وأعلن ترامب، أنّ إيران وإسرائيل وافقتا على "وقف تام لإطلاق النار" يبدأ قرابة الساعة الرابعة من فجر الثلاثاء بتوقيت غرينتش؛ ما سيضع "نهاية رسمية" لحرب استمرت 12 يوماً بين البلدين. وكتب ترامب على منصّته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" إنّه "تمّ الاتفاق بشكل تامّ بين إسرائيل وإيران على وقف شامل وكامل لإطلاق النار". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النشرة
منذ 29 دقائق
- النشرة
خارجية قطر: استدعاء السفير الإيراني في الدوحة لإدانة انتهاك سيادتنا ونؤكد ضرورة العودة للحوار
أعلنت وزارة الخارجية ال قطر ية، عن "استدعاء السفير ال إيران ي في الدوحة لتجديد إدانتنا لانتهاك سيادتنا ومجالنا الجوي"، وقالت إنّ "انتهاك إيران لسيادة قطر يتنافى مع مبدأ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة بين البلدين". وأوضحت الوزارة أنّه "تم تأكيد ضرورة العودة فورا إلى الحوار والمسارات الدبلوماسية لحل الخلافات وتجنب التصعيد". وأمس، أطلق الحرس الثوري الإيراني عملية "بشارة الفتح"، مستهدفًا قاعدة العديد الأميركية في قطر، رداً على استهداف الجيش الأميركي المنشآت النووية الإيرانية. وأعلن الحرس، في بيان، أن قواته استهدفت قاعدة العديد في قطر "بضربة صاروخية مدمّرة وقوية"، وذلك "رداً على العدوان العسكري الصريح الذي شنه النظام الإجرامي الأميركي على المنشآت النووية السلمية، وانتهاكه الواضح للقانون الدولي، وبناءً على قرار المجلس الأعلى للأمن القومي وقيادة مقر خاتم الأنبياء". وأوضح أنّ "القاعدة تُعدّ مقر القيادة الجوية المركزية وأكبر الأصول الاستراتيجية للجيش الأميركي الإرهابي في منطقة غرب آسيا"، لافتاً إلى أن "رسالة هذا الرد الحاسم إلى البيت الأبيض وحلفائه واضحة وصريحة: (...) لن تترك أي اعتداء على سيادتها، ووحدة أراضيها، وأمنها القومي دون رد".