
فلسطين فضحت كل كذبة يرددها الغرب على مسامع العالم
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كودي كافا* - (كاونتربنش) 5/5/2025
الفظائع لم تتوقف قط في غزة. والولايات المتحدة ترسل القنابل إلى إسرائيل بلا عوائق لجعل الأطفال يتبخرون. والمملكة المتحدة ترسل طائرات تجسس بانتظام لتحلق فوق غزة من أجل تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية عسكرية، مما يجعلها شريكة في جرائم إسرائيل أيضًا.
اضافة اعلان
* * *
ثمة عبارات شائعة جدًا في مجتمعنا. وأنتم تعرفونها: الولايات المتحدة والغرب يدافعان في جميع أنحاء العالم عن الديمقراطية، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، والأسواق الحرة، وسيادة القانون وحقوق الإنسان. هذا ما يقولونه لنا. ولكن، أي معنى كان يمكن أن يكون لهذه المشاعر -حيث المشاعر في الواقع هي كل ما هي عليه، في يوم من الأيام، إذا كان لها معنى أصلًا، ضاع. لقد أصبحت كلامًا فارغًا. والأسوأ من ذلك، أنها أكاذيب يتم تكرارها حتى الغثيان لتحصين المجتمعات ضد التفكير في الأمور بنفسها. كشفت فلسطين، ربما أكثر من أي أزمة أخرى سبقتها، هذه الأكاذيب الرائجة بما هي؛ أكاذيب من أرفع طراز. أما ما إذا كانت هذه الحقيقة ستترسخ حقًا وتبقى في المجتمع أم لا، فهو ما لا أعرفه. لست متفائلًا. ولكن كما لم تكن هناك عودة إلى الوراء بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، عندما قاطع الواقع حفلتنا المنحطة بوقاحة، كذلك لا عودة إلى الوراء بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
دعونا نستعرض، بإيجاز، كل واحدة من هذه الأكاذيب الغربية.
الديمقراطية
في العام 2006، عندما تم انتخاب حركة "حماس" ديمقراطيًا وفازت بأغلبية المقاعد في "السلطة الفلسطينية" (وهو انتخاب لم يكن لأطفال غزة في ذلك الحين -ولا اليوم- أي علاقة به)، فقَد الغرب -المدافع الوحيد عن الديمقراطية العالمية- صوابه تمامًا، وصرخ: "لا! لم نقصد هذا النوع من الديمقراطية"! وسارع الكونغرس إلى تمرير قانون يمنع تقديم أي مساعدات للسلطة الفلسطينية ما لم تُظهر "تقدمًا في تطهير أجهزتها الأمنية من الأفراد المرتبطين بالإرهاب، وتفكيك جميع البنى التحتية الإرهابية، والتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، ووقف التحريض المعادي لأميركا وإسرائيل، وضمان الديمقراطية والشفافية المالية".
وبالمثل، أصدرت "اللجنة الرباعية للشرق الأوسط" -المؤلفة من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا- بيانًا قالت فيه: "إن حل الدولتين يتطلب من جميع المشاركين في العملية الديمقراطية نبذ العنف والإرهاب، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونزع السلاح".
وكما هو متوقع، لم يُطبَّق هذا الطلب إلا على الفلسطينيين. أما إسرائيل، فلم يُتوقع منها نبذ الإرهاب، أو الاعتراف بحق فلسطين في الوجود، أو نزع السلاح. ويرفض برنامج حزب نتنياهو نفسه صراحة دعم قيام دولة فلسطينية.
وفوق ذلك، فرضت إسرائيل -"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" كما يقولون لنا (بغض النظر عن حقيقة أن بعضًا من أسوأ الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تتلقى مليارات الدولارات سنويًا من الولايات المتحدة)- واقعًا مشابهًا لنظام "جيم كرو" العنصري ضد الفلسطينيين، بحكم الواقع أو بحكم القانون على حد سواء. وفي هذا الواقع، لا يتمتع فلسطينيو الداخل بحقوق متساوية. وتحتفظ منظمة "عدالة" بقائمة تضم أكثر من 65 قانونًا تمييزيًا ضد الفلسطينيين.
ينص قانون "الدولة القومية" الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي في العام 2018، صراحة، على أن اليهود هم الذين يتمتعون وحدهم بحق تقرير المصير القومي في إسرائيل. والفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة لا يتمتعون بحرية الحركة بينها وبين غزة أو داخل إسرائيل. ويمكن قانونيًا منع الفلسطينيين من السكن في القرى الإسرائيلية. ومن غير القانوني أن يجمع الفلسطينيون مياه الأمطار. ولا يستطيع الفلسطينيون الحصول على تصاريح بناء لمنازلهم. وليس لديهم حقوق الزواج نفسها التي يتمتع بها اليهود الإسرائيليون؛ حيث إن أي شخص يتزوج من فلسطيني -بغض النظر عن جنسيته- تُقيّد حركته داخل إسرائيل، وربما يُمنع من العودة إلى المنطقة. والفلسطيني الذي يتزوج من يهودية إسرائيلية لا يمكنه الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبعض الفلسطينيين الذين تمكنوا من مغادرة إسرائيل يُمنعون من العودة إليها إلى الأبد. والهدف من هذه القوانين المتعلقة بالجنسية واضح: الحفاظ على الهيمنة اليهودية على حساب حقوق الفلسطينيين. وقد أقرّ وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الحين، يائير لابيد، بذلك صراحة حين قال: "لا ينبغي أن نخفي جوهر قانون الجنسية. إنه إحدى الأدوات الهادفة إلى ضمان وجود أغلبية يهودية في دولة إسرائيل". إن إسرائيل، ببساطة، ليست دولة ديمقراطية.
هنا في الولايات المتحدة، يحاول بعض المواطنين ممارسة حقهم الديمقراطي في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وللأسف، تُجبرك العديد من الولايات الأميركية على توقيع قسم ولاء لإسرائيل إذا أردت الحصول على عقود حكومية أو وظائف حكومية، وتمنع تحديدًا أي تكتيكات يستخدمها "حراك المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) ضد إسرائيل. وفي مثال حديث على ذلك، اكتشف مسؤولو مدينة سان ماركوس في ولاية تكساس أن المدينة ترسل 404 ملايين دولار سنويًا إلى إسرائيل. وعندما أعدّ مجلس المدينة مشروع قرار للتصويت عليه، يطالب بتحويل تلك الأموال إلى أولويات داخلية، هدد حاكم الولاية، غريغ أبوت، بإخراج سان ماركوس من جميع العقود الحكومية المستقبلية. هكذا تعمل "ديمقراطيتنا" -حاكم "من المحافظين" يُقوّض السيطرة المحلية لصالح دولة أجنبية.
حرية التعبير
لا أعرف إذا كنتم قد لاحظتم، لكن الكثير من الناس تم اعتقالهم، ومضايقتهم، والاعتداء عليهم، واقتيادهم إلى مركبات غير مميزة على يد شرطة بملابس مدنية، والتجسس عليهم، وإلغاء تأشيراتهم، وترحيلهم، لمجرد كتابة مقالات رأي مؤيدة للشعب الفلسطيني. إذا أراد المرء أن يجادل بأن احتلال الطلاب للمباني الحكومية والجامعية بالقوة يُعد جريمة قابلة لاعتقال مرتكبيها، فلا بأس. لكنّ إعلان أن الشعب الفلسطيني لا يجب أن يُباد على يد دولة صهيونية إثنية قومية قاتلة ليس عملًا غير قانوني، ولا ينبغي أن يكون كذلك. في المملكة المتحدة، التي قد يفاجئك أن تعلم أنها لا تمتلك حماية محددة لحرية التعبير كما في الولايات المتحدة، تم اعتقال أحد النشطاء البارزين من حركة "عمل من أجل فلسطين" وتوجيه تهمة دعم منظمة إرهابية إليه بسبب خطابين ألقاهما فحسب. كان هذا كل ما في الأمر؛ ألقى خطابين.
بهذه الأساليب القمعية المتطرفة، نعود إلى أيام الحرب العالمية الأولى، عندما شنّت الدولة الرجعية وقواتها الشرطية وشبه العسكرية حملة مطاردة واسعة النطاق لتدمير النشاط المناهض للحرب والمؤيد للعمال بالكامل. في تلك الحملة، تم اقتحام المكاتب، وإغلاق المنشورات، والتجسس على البريد الخاص، وسُجن الآلاف ورُحل المئات. هذا هو واقعنا من جديد. من المضحك كيف أن الآراء المتوافقة مع الدولة، مثل الصهيونية، لا تُجرَّم. آمل فقط أن يكون موقفكم "المتوازن" و"المتزن" المؤيد لإسرائيل يستحق الثمن. لقد كلَّفَنا "التعديل الأول" من الدستور الأميركي.
الصحافة الحرة
تم استخدام هذا القمع الحكومي أيضًا ضد الصحفيين. حتى أنني لا أعني هنا الدعاية الإمبريالية الخبيثة التي تروّج لها الصحافة الليبرالية السائدة منذ زمن طويل بخصوص هذه القضية. ما أعنيه هو أن الصحفيين يُعتقلون فعليًا، ويتم التحقيق معهم، ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية، وتُوجه إليهم اتهامات جنائية خطيرة. وإليكم بعض الأمثلة: تم اعتقال الصحفية سارة ويلكينسون في المملكة المتحدة وصودرت أجهزتها بسبب "محتوى نشرته على الإنترنت" يتعلق بفلسطين. وتم اعتقال آسا وينستانلي، المحرر المشارك في موقع "الانتفاضة الإلكترونية"، في المملكة المتحدة وسُرقت أجهزته بتهمة "تشجيع الإرهاب". وقام ضباط مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة باعتقال الصحفي كيت كلارينبرغ، وتم استجوابه بشأن آرائه السياسية. وتم اعتقال كريغ موراي، الصحفي والدبلوماسي البريطاني السابق، أيضًا، وصودرت أجهزته بسبب أنشطته المؤيدة لفلسطين. وتعرض الصحفي ريتشارد مدهيرست للاعتقال على يد كل من حكومتي المملكة المتحدة والنمسا في مناسبتين منفصلتين، وفي كل مرة تمت مصادرة ممتلكاته الصحفية. وأسباب هذا القمع الحكومي للصحفيين واضحة. في استجواب الشرطة النمساوية لمدهيرست، شدد الضباط حرفيًا على أن مدهيرست يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين، وهو بالتالي ذو تأثير خطير.
في بعض الأوساط، بدأت هذه الأساليب القمعية تُحقق أهدافها المقصودة. وإليكم مثالًا شخصيًا: بعد اغتيال إسرائيل لقائد "حزب الله"، حسن نصر الله، باستخدام قنابل أميركية الصنع تزن الواحدة منها 2.000 رطل في بيروت في هجوم حضري أودى بحياة مئات الأشخاص، كتبت مقالًا سريعًا عن الهجوم. وجادلتُ في المقال بأن أسلوب إسرائيل التقليدي في اغتيال قادة المقاومة، على الرغم من كونه مدمّرًا لمنظمات مثل "حزب الله" من حيث الوظيفة التنظيمية، لن يقضي على المقاومة، بل سيُعيد إنتاجها. وقدمتُ المقال لعدة منصات إعلامية صغيرة تُعنى بشؤون الشرق الأوسط والجنوب العالمي. وقد أبدت واحدة من هذه المنصات، مقرها أوروبا، اهتمامًا أوليًا بالمقال، لكنها عادت وأرسلت لي ما يلي: "للأسف، قد لا نتمكن من نشر المقال. بعد التشاور مع المحررين الذين راجعوا مقالك، تقرر أنه لا يمكن نشره، خاصة بسبب التداعيات القانونية".
ولم يوضحوا أكثر بشأن "التداعيات القانونية"، لكنني افترضت أنهم قلقون من استهدافهم باتهامهم بدعم "حزب الله" بطريقة ما. وبالنظر إلى غياب حماية حرية التعبير في أوروبا، لم أُفاجأ، لكنني شعرت بخيبة أمل شديدة من هذا الموقف. كنت مستعدًا لتعديل المقال لينشر، وأرسلت لهم الرد التالي:
"اعتقلت الشرطة البريطانية مؤخرًا آسا وينستانلي من 'الانتفاضة الإلكترونية' وصودرت مواده الصحفية. بالنسبة لي، هذه لحظة تتطلب من الصحافة البديلة أن تكون أكثر شجاعة، وأكثر تأكيدًا، وأكثر صدقًا، لا أقل.
يسعدني التعاون مع المحررين إذا كانت هناك عناصر محددة يمكن تغييرها أو حذفها لنشر المقال (الذي يمكن الآن أن يركّز على اغتيال يحيى السنوار الأخير). لكنني مع ذلك سأُصر على الحفاظ على جوهر المقال ونبرته".
ولم أسمع منهم مرة أخرى.
يمكنك أن تجادل بأنهم استخدموا ببساطة حجة "القانون" كذريعة لرفض مقال لم يكونوا ليقبلوه بأي حال من الأحوال. وحتى لو كان هذا صحيحًا، من اللافت أنهم اختاروا مثل هذه الذريعة كوسيلة فعالة لإسكات وجهات نظر معينة. وبما أن موضوع المقال كان حساسًا زمنيًا، انتهى بي المطاف بنشره ذاتيًا، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
أستطيع الاستمرار في سرد أمثلة كهذه. ولم يقتصر الأمر على الاعتقالات. كان كل ما بثه مراسلو (سي. إن. إن) و(بي. بي. سي) من داخل إسرائيل خاضعًا لمراقبة الرقيب الإسرائيلي، وقد امتثلت تلك الوسائل الإعلامية. امتثلت؟! وداعًا إذن للصحافة الحرة.
الأسواق الحرة
أُشير سابقاً إلى قمع "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS). ولكن ماذا عن فلسطين نفسها؟ كانت غزة -وما تزال- محاصرة بالكامل ومعزولة عن العالم الخارجي. لا يستطيع الغزيون الصيد في البحر المتوسط، وإلا ستُقصف قواربهم وتُستهدف بالنار. وقد سُرقت أراضيهم الخصبة أو دُمّرت. وقُطع عنهم الدعم بشكل تام. ويتعرض أولئك الذين يحاولون تنظيم قوافل مساعدات بحرية إلى غزة دائماً للهجوم. في العام 2010، قُتل عشرة من عمال الإغاثة في "أسطول الحرية"، بمن فيهم مواطن أميركي، على يد القوات الإسرائيلية لمحاولتهم إيصال مساعدات إلى غزة. وفي الليلة التي سبقت كتابة هذه السطور فقط، في 2 أيار (مايو)، تعرّضت سفينة أخرى من "أسطول الحرية" تقلّ 30 عامل إغاثة للقصف بطائرتين انتحاريتين مسيّرتين، يُرجّح أن إسرائيل هي التي أطلقتهما.
وفي الضفة الغربية، تتعرض المحال التجارية ومحال البقالة المحلية للمداهمة والإغلاق بشكل مستمر على يد قوات الدفاع الإسرائيلية. ويُجبر الناس على الاعتماد على عمال الإغاثة والجمعيات الخيرية الدولية؛ والكثيرون مصابون بالذعر من مغبة التبرع، خوفاً من التورط في قوانين "مكافحة الإرهاب" الغربية التي تحظر تقديم الدعم المادي لأي منظمة تُصنف بأنها "إرهابية"، وفقاً لتعريف فضفاض وغامض يحدده الغرب. وبذلك، الأسواق الحرة لا وجود لها بالنسبة لفلسطين أو مؤيديها.
بالإضافة إلى ذلك، تعطّلت الأسواق العالمية بفعل هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، رداً على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين. ومطالب اليمنيين واضحة: لن يوقفوا هجماتهم على السفن حتى تنهي إسرائيل حملتها الدموية على غزة. وقد رفضت إسرائيل الاستجابة، ويقوم الغرب بقصف المدنيين اليمنيين انتقاماً. من الواضح أن التجارة الحرة الدولية تتراجع إلى المرتبة الثانية خلف إبادة جماعية تُدار على المستوى الدولي.
سيادة القانون
تشكل الولايات المتحدة -من خلال استمرارها في تمويل وتسليح إسرائيل حتى بعد أن أمرت "محكمة العدل الدولية" (ICJ) إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين- شريكاً كاملاً في الإبادة، لتكون بذلك مسؤولة جنائياً. وقد استخدمنا حق النقض (الفيتو) في "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة ضد قرارات عدة تدعو إلى وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي يمنع تقديم الدعم العسكري لأي دولة تعوق وصول المساعدات الإنسانية، فإننا مستمرون في إرسال السلاح إلى إسرائيل على الرغم من منعها دخول الطعام وسائر الإمدادات الضرورية إلى غزة. وأكثر من ذلك، ينتهك كل دولار أميركي يُرسل إلى إسرائيل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) لأن إسرائيل دولة نووية. ويمنع القانون الذي أقره الكونغرس في العام 1976 تقديم أي مساعدات للدول النووية التي لم توقّع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وإسرائيل لم توقّع. والولايات المتحدة لا تعترف رسمياً حتى بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية، لأن الاعتراف بذلك يعني الإقرار بأن مليارات الدولارات التي تُمنح لإسرائيل سنوياً تُصرف بطريقة غير قانونية.
وكما يشير الكاتب الفلسطيني الأميركي رامي خوري، فإن الغرب يظهر بشكل دائم نزعة عشوائية خارجة عن القانون في تعاملاته مع شؤون الشرق الأوسط:
"الصعوبة مع الإسرائيليين والحكومة الأميركية، وخصوصاً وزارة الخارجية... هي أنهم لا يمتلكون أي مرجعية أخلاقية أو قانونية. كل ما يقولونه يمر بلا عوائق. القانون الدولي، قرارات الأمم المتحدة، المعاهدات، اتفاقيات منع الإبادة -كل هذه الأمور لا تعني شيئاً للحكومة الأميركية أو للحكومة الإسرائيلية في وضعنا هذا في الشرق الأوسط. ربما تعني لهم شيئاً مع 'الروهينغا' أو مع أحدٍ آخر، أما هنا، فهذه القوانين غير قابلة للتطبيق".
أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" (ICC) مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغيره من كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين بسبب جرائمهم ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، لم تقُم أي حكومة استضافت زيارات هؤلاء المسؤولين منذ صدور المذكرات بتنفيذ واجبها القانوني باعتقال هؤلاء المجرمين، على الرغم من كونها من الدول الموقعة على المعاهدة المؤسسة لـ"المحكمة الجنائية الدولية". بدلاً من ذلك، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية" و"محكمة العدل الدولية"، بما في ذلك أفراد من عائلاتهم، ومنعتهم من السفر.
تقوم "مؤسسة هند رجب"، وهي مجموعة رقابية، بإبلاغ الحكومات عندما يزور جنود إسرائيليون دولاً أجنبية، مع أن هؤلاء وثّقوا جرائمهم بأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، لم يتعرض أي منهم للمساءلة الجنائية على الرغم من توفر الأدلة (التي قدموها هم أنفسهم). ولم تُمنع أي من الطائرات التي تقلهم من عبور المجال الجوي الغربي. وأذكّركم هنا بأن الولايات المتحدة منعت طائرة رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، من التحليق عندما اعتقدت أن إدوارد سنودن كان على متنها. وليس سنودن، الذي كشف عن التجسس الأميركي العالمي غير المشروع، مجرمًا متهمًا بالإبادة، ومع ذلك سُحب جواز سفره، وحاولت الولايات المتحدة ترحيله من هونغ كونغ باستخدام وثائق قالت هونغ كونغ إنها "غير مستوفية للمعايير قانونياً". وفي البيان نفسه، وبشكل عابر، ذكّرت هونغ كونغ الولايات المتحدة بأنها كانت تخترق أنظمتها الإلكترونية بشكل غير قانوني منذ سنوات.
وبالمثل، اضطر جوليان أسانج للعيش في الأسر 14 عاماً، بين لجوئه إلى سفارة الإكوادور الضيقة في لندن وسجنه في سجن بلمارش عالي الحراسة، فقط لأنه نشر وثائق مسربة من تشيلسي مانينغ أظهرت جرائم حرب واسعة النطاق وفساداً دولياً يفوق ما كان متخيلاً. هذه هي "سيادة القانون" التي نمارسها. المبلغون عن الفساد والصحفيون يُسجنون ويُطاردون حتى آخر الأرض. أما مجرمو الحروب والمذابح، فيتجولون بحرية بلا حساب.
حقوق الإنسان
من أين نبدأ وأين ننتهي؟ الفظائع لم تتوقف قط في غزة. والولايات المتحدة ترسل القنابل إلى إسرائيل بلا عوائق لجعل الأطفال يتبخرون. والمملكة المتحدة ترسل طائرات التجسس بانتظام لتحلق فوق غزة من أجل تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية عسكرية، مما يجعلها شريكة في جرائم إسرائيل أيضًا. وأكاد لا أصدق أنني أكتب الجملة التالية: لقد قصفت الولايات المتحدة مؤخرًا مدنيين يمنيين، وقتلت ثمانية منهم، بعد أن نشر مُستخدم عشوائي على منصة (إكس) صورًا وإحداثيات لما ظنت أنه مستودع أسلحة تابع للحوثيين. لطالما كانت المعلومات الاستخباراتية المستخدمة في حروب الطائرات المسيّرة وحملات القصف التي نخوضها ملوثة بالأكاذيب، لدرجة أن معظم الذين يُقتلون في بعض الفترات لم يكونوا الأهداف المقصودة أصلاً، لكن ما حدث هنا يجسد مستوى جديدًا من الكسل والانحطاط.
الفظائع المستمرة في فلسطين لا تُعد ولا تُحصى. ولا يمكن لأي شخص أو جهة أن يتعقبها جميعًا. إنها يومية. إنها دائمة. لكن أكثر ما هزّني مؤخرًا كان هذا اللقاء مع الدكتور فيروز سيدهوا، الذي تطوع مرتين مؤخرًا للعمل كجرّاح طوارئ في ما تبقى من نظام المستشفيات في غزة. أرجوكم، أرجوكم، أرجوكم أن تشاهدوا هذا اللقاء. الدكتور سيدهوا متّزن للغاية، بليغ، ومقنع. وما يرويه يفوق التصور من حيث منسوب الرعب. وإليكم بعضا من أبرز ما قاله: لا يوجد نظام مستشفيات فاعل في غزة بعد الآن. إذا لم يكن المستشفى قد قُصف ودُمّر بالفعل، فإنه تُرك من دون إمدادات، وامتلأ بالمرضى واللاجئين، وتعرض للمداهمة والنهب مرات عدة من القوات الإسرائيلية. أصبحت مباني المستشفيات مخيمات لجوء. والناس يُستهدفون برصاص القناصة والقصف الإسرائيلي عند دخولهم وخروجهم من المستشفى، ولذلك يبقى أفراد الطاقم الطبي داخل المبنى على مدار الساعة، يعملون وينامون؛ يعملون وينامون، ويعملون وينامون. والرعاية الطبية المقدمة لا تتجاوز ما يمكن تقديمه في مطبخ منزلك باستخدام مشرط وشاش. والأطباء المتطوعون يجلبون بأنفسهم أكبر كمية من الإمدادات الطبية يمكنهم حملها لأن إسرائيل تمنع دخول شاحنات الإمداد. لا يوجد تعقيم. لا توجد بنوك دم. الناس يموتون من جروح قابلة للعلاج، فقط لأنهم يصابون بعدوى أو ينزفون حتى الموت. هناك مقابر جماعية خارج كل مستشفى. الأطباء في كل مستشفى متبقٍ يشاهدون عشرات الأطفال المصابين برصاص في الرأس والصدر. عشرات الأطفال. مصابون بطلقات نارية. في الرأس والصدر. ليس بشظايا. رصاص. مُستهدفون. أطفال. بعد إحدى الهجمات الإسرائيلية مباشرة، يقول الدكتور سيدهوا: "بصراحة، خلال أول عشر أو خمس عشرة دقيقة، كان كل ما فعلناه هو إعلان وفاة الأطفال الصغار".
حين أرى ما نُنزله يوميًا بالشعب الفلسطيني، مقارنةً بتفشي البلادة الأخلاقية في مجتمعنا، وانسحابنا الأعمى إلى التافه والسطحي، ومخدراتنا السعيدة، ومشاهدنا، وغيبوبتنا الأميركية المميتة -أريد أن أصرخ. أريد أن أقلب الطاولات. أريد أن أوقظ الأطفال النائمين. لا يمكن أن يستمر هذا أكثر. هذا، كله، لا يُحتمل. لكنه، مع ذلك، يُحتمل. تكتب الدكتورة فرح الشريف، الباحثة في التاريخ الفكري الإسلامي: "لقد أصبح الموت كثيفًا، مؤخرًا".
إذا أخرجت لسانك في أي مكان بأميركا هذه الأيام، ستتساقط عليه الجزيئات غير المرئية من قرابة ربع مليون من قتلى غزة، ويمكنك أن تتذوق مرارة الإبادة الجماعية وأنت تحتسي كوبك من الحجم الكبير من الفرابوتشينو.
***
تطفو جزيئات مضيئة من أرواح من أُبيدوا على الهواء. لا يمكن الفرار منها. الوحوش هي من تمسك بزمام الأمور. يسود الرعب، لكن نوعًا من "الطبيعية" المريبة يخيّم. شرٌّ مبتذل يعمّ كل شيء. الهواء مثقل بانحلال ميكانيكي، موت روحي، انحطاط أخلاقي، خنق جماعي.
مرحبًا بكم في أميركا: مركز الإمبراطورية. مهرجان الجنون.
هكذا نحن. لا يمكنك أن تأخذ الخير، إذا ما تبقى منه شيء، من دون أن تأخذ الشر معه أيضًا. وأخشى أن هذا طريق لا رجعة فيه.
هل تريد شيئًا عمليًا في مواجهة كل هذا؟
قف في وجه الآلة، وعطِّل التروس.
*كودي كافا Kody Cava: فني مسرح منتسب إلى نقابة I.A.T.S.E. Local 154، وكاتب مخضرم وناشط شغوف. يتمتع بخبرة طويلة في العمل خلف الكواليس في فضاءات العروض الحية، مما أكسبه حساً تقنياً دقيقاً ينعكس في أعماله الإبداعية والسياسية. يمزج في كتاباته بين حرفية الصنعة وضرورة الضمير، وغالباً ما يتناول مواضيع الإمبريالية والعدالة الاجتماعية والمسؤوليات الأخلاقية للمواطَنة في زمن الأزمات العالمية. كناشط، شارك في حركات قاعدية تدافع عن حقوق الإنسان، وتضامن العمال، وتحرير فلسطين. يتميز صوته بتعاطف عميق ورفض قاطع لتطبيع العنف المنهجي، مما يجعل مساهماته تترك أثراً بالغاً في الأوساط الفنية والسياسية على حد سواء.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Palestine Has Exposed Every Lie the West Tells the World
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 2 ساعات
- رؤيا نيوز
تشات جي بي تي يورط محامين في الولايات المتحدة
قالت قاضية اتحادية أمريكية إنها تفكر في فرض عقوبات على محامين من شركة محاماة باهظة التكاليف تم التعاقد معها للدفاع عن نظام السجون في ولاية ألاباما. وأفادت الاتحادية آنا ماناسكو خلال جلسة استماع في مقاطعة برمنغهام بولاية ميشيغان في شمال شرق الولايات المتحدة، بأن أحد المحامين استخدم برنامج 'تشات جي بي تي' لإعداد مذكرتين قانونيتين تضمنتا إشارات إلى اقتباسات غير موجودة. وعقدت القاضية آنا ماناسكو جلسة استماع في برمنغهام لاستجواب محامين من شركة 'باتلر سنو' بشأن تلك المذكرات القانونية. وصرحت بأن هناك تحذيرات واسعة النطاق على المستوى الوطني من المحاكم بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد المذكرات القانونية، بسبب احتمالية احتوائها على معلومات غير دقيقة. وأوضحت ماناسكو أنها تدرس مجموعة من العقوبات المحتملة، بما في ذلك فرض غرامات، ومنحت الشركة مهلة 10 أيام لتقديم مذكرة قانونية إلى المحكمة. وقدّم محامو شركة 'باتلر سنو' اعتذارات متكررة خلال الجلسة، وقالوا إن أحد شركاء الشركة، مات ريفز، استخدم برنامج 'تشات جي بي تي' للبحث عن سوابق قانونية تدعم موقفهم، لكنه لم يتحقق من دقة تلك المعلومات قبل إضافتها إلى المذكرات المقدمة للمحكمة. وتبين لاحقا أن تلك الإشارات كانت 'هلوسات' أي اقتباسات خاطئة، صادرة عن نظام الذكاء الاصطناعي. ووقع أربعة محامين من بينهم ريفز، على الوثائق التي تضمنت هذه المعلومات. وكتب محامو الشركة في ردهم على القاضية: 'شركة باتلر سنو تشعر بالحرج مما حدث، وهو تصرّف مخالف للحكمة السليمة ولسياسة الشركة.. لا يوجد عذر لاستخدام 'تشات جي بي تي' كمصدر للسوابق القانونية دون التحقق من صحة المصادر التي يوفرها، حتى لو كان ذلك لدعم مبادئ قانونية راسخة'. وقال ريفز للقاضية: 'أنا وحدي أتحمل المسؤولية عن الاستشهادات القانونية الخاطئة، وآمل ألا تعاقبي زملائي على ذلك'.


البوابة
منذ 2 ساعات
- البوابة
ترامب "حزين وغاضب".. اتصال هاتفي مع نتنياهو بعد "إطلاق نار بواشنطن"
تصدر عنوان "مقتل اثنين من موظفي سفارة تل أبيب لدى واشنطن"، عنوان مكالمة هاتفية أجراها، الخميس، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال مكتب نتنياهو في بيان إن "الرئيس الأميركي أعرب، خلال الاتصال الذي أجراه نتنياهو معه، عن أسفه بشأن الحادث المتعلق بموظفي السفارة في واشنطن". البيت الأبيض، علّق على المكالمة قائلاً إن الرئيس الأميركي "حزين وغاضب" من حادث إطلاق النار على موظفين بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن. وفي وقت سابق، اعتقلت شرطة واشنطن المشتبه به الذي يدعى "إلياس رودريغيز" ويبلغ من العمر 30 عاماً بعد وقوع الحادث، وقالت إنها لم "تتلقَ أي معلومات استخباراتية عن تهديد إرهابي أو جريمة كراهية محتملة قبل إطلاق النار". ووفق شبكة "سي بي إس" فإن القتيلين هما دبلوماسي إسرائيلي يعمل في السفارة وزوجته، وقد تم إطلاق النار عليهما عند خروجهما من المتحف اليهودي، ويبدو أن الهجوم كان مخططا له مسبقا. المصدر: وكالات


البوابة
منذ 2 ساعات
- البوابة
تصعيد خطير.. منع جامعة "هارفارد" من قبول طلبة دوليين
أخطرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جامعة هارفارد العريقة بقرارها الجديد بمنعها من قبول الطلبة الدوليين في كلياتها، في خطوة تمثل "تصعيدا كبيرا" في إطار الضغط على الجامعة من أجل التناغم مع أجندة ترامب. إدارة ترامب والجامعة تبادلتا الاتهامات خلال الأيام الأخيرة بشأن قانونية "طلب سجلات" من وزارة الأمن الداخلي. وزيرة الأمن الداخلي كرسيتي نويم، بعثت رسالة للجامعة جاء فيها "أكتب إليكم لأخطركم بأنه ابتداء من الآن سيتم، إلغاء اعتماد برنامج الطلاب وتبادل الزوار في جامعة هارفارد". وكانت وزارة التعليم الأميركية أبلغت جامعة هارفارد في وقت سابق، أنها ستجمد مليارات الدولارات من المنح البحثية وغيرها، كما تقوم إدارة ترامب باستخدام نفوذ التمويل الاتحادي لإجبار شركات محاماة وجامعات وغيرها على إجراء تغييرات شاملة في السياسات. الجامعة، التي تدعم حرية التعبير، عبّر طلابها من خلال احتجاجات سلمية، عن رفضهم لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وصعدت إدارة ترامب إجراءاتها ضد جامعة هارفارد في الأسابيع القليلة الماضية، إذ بدأت مراجعة رسمية لتمويل اتحادي يبلغ نحو 9 مليارات دولار للجامعة، وطالبتها بحظر ممارسات التنوع والمساواة والشمول، واتخاذ إجراءات صارمة ضد بعض الجماعات الداعمة للفلسطينيين. ورفضت جامعة هارفارد الشهر الماضي، العديد من مطالب ترامب، ووصفتها بأنها هجوم على حرية التعبير والحرية الأكاديمية، كما رفعت دعوى قضائية على إدارة ترامب بعد أن علقت الإدارة نحو 2.3 مليار دولار من التمويل الاتحادي للمؤسسة التعليمية، في حين تعهدت الجامعة أيضا بمواجهة التمييز في الحرم الجامعي. المصدر: الجزيرة