دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص!وليد الحيالي
دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
مقدمة:
في خضم التحولات الاقتصادية العالمية، أصبحت العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في البلدان النامية محورية لتحقيق التنمية المستدامة. تلعب الدولة دورًا معقدًا ومتعدد الأبعاد: فهي من جهة مسؤولة عن تهيئة بيئة الاستثمار، ومن جهة أخرى، هي فاعل اقتصادي كبير يسيطر في كثير من الأحيان على الموارد والقرارات. وفي هذا السياق، يُعد العراق نموذجًا حيًّا لما يمكن أن تكون عليه هذه العلاقة في بلد غني بالموارد، ولكنه مثقل بالتحديات البنيوية والسياسية.
أولًا: الإطار العام لدور الدولة في دعم القطاع الخاص في البلدان النامية
في معظم البلدان النامية، ورثت الدولة دورًا مهيمنًا في الاقتصاد نتيجة لعقود من الاقتصاد الموجّه، أو بسبب الموروث الاستعماري. غير أن هذا الدور الهيمني غالبًا ما أدى إلى تهميش القطاع الخاص، أو تحويله إلى تابع يعاني من الاعتماد على العقود الحكومية والامتيازات المؤقتة.
ومع موجات 'التحول نحو اقتصاد السوق' التي بدأت في الثمانينيات والتسعينيات، بدأت الدول في تحرير الأسواق، ولكن دون بناء مؤسسات ضامنة ومهيّئة، ما أدى إلى نشوء 'اقتصادات هجينة' تفتقر إلى الشفافية والاستقرار.
ثانيًا: العراق… تحديات الانتقال في بيئة معقدة
منذ سقوط النظام السابق عام 2003، دخل العراق مرحلة انتقال اقتصادي معقد، حاول فيها التحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، لكن هذا الانتقال لم يكن مؤسسيًا ولا متدرجًا. فقد ورث العراق:
• دولة ريعية تعتمد على النفط بنسبة تزيد عن 90% من الإيرادات العامة.
• ضعف هائل في المؤسسات، وغياب الثقة بين المواطن والدولة.
• بنية تحتية مدمرة، وقطاع مصرفي متخلف.
• تداخل بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية، حيث تحكم الولاءات الحزبية عملية التعاقد والتمويل.
وقد أدى ذلك إلى إعاقة نمو القطاع الخاص وتحويله إلى تابع للإنفاق العام وليس شريكًا فيه.
ثالثًا: دروس مقارنة – تجارب ناجحة في دعم القطاع الخاص
1. تجربة ماليزيا: الدولة كشريك تنموي
في سبعينيات القرن الماضي، كانت ماليزيا تعاني من ضعف اقتصادي واعتماد كبير على تصدير المواد الخام. لكن الدولة اعتمدت استراتيجية شراكة ذكية مع القطاع الخاص، تضمنت:
• إنشاء مناطق صناعية خاصة بامتيازات ضريبية.
• تطوير التعليم الفني والمهني.
• تفعيل سياسات إحلال الواردات ثم التصدير.
• الشراكة مع القطاع الخاص في البنية التحتية (PPP).
واليوم، يعد القطاع الخاص الماليزي أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد، خاصة في الصناعة والخدمات والتكنولوجيا.
2. تجربة رواندا: بناء بيئة أعمال جذابة
رغم محدودية الموارد، اعتمدت رواندا استراتيجية إصلاح إداري جذري بعد الإبادة الجماعية عام 1994. شملت الإصلاحات:
• تقليص زمن تسجيل الشركات إلى يومين فقط.
• سن قوانين استثمار محفّزة.
• مكافحة الفساد بقوة.
• دعم المشاريع الصغيرة من خلال التمويل المصغر.
أصبحت رواندا واحدة من أفضل 10 دول في إفريقيا من حيث بيئة ممارسة الأعمال، بحسب تقارير البنك الدولي.
3. تجربة مصر (ما بعد 2016): إصلاحات مرتبطة بالمؤسسات الدولية
بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، شرعت مصر في سلسلة من الإصلاحات:
• تحرير سعر الصرف.
• إصلاح منظومة الدعم تدريجيًا.
• سن قوانين جديدة للاستثمار والمناطق الحرة.
• إنشاء صناديق لدعم المشروعات الصغيرة.
ورغم التحديات الاجتماعية المصاحبة، بدأت تظهر بوادر نمو في قطاعات التصنيع والخدمات، مع دور متزايد للقطاع الخاص.
رابعًا: التحديات الأساسية أمام القطاع الخاص في العراق
1. غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة: لا توجد استراتيجية واضحة متفق عليها بين القوى السياسية والاقتصادية.
2. ضعف البيئة التشريعية: قوانين قديمة، وغياب آليات تنفيذ فعالة.
3. الفساد والمحسوبية: القطاع الخاص يعاني من تمييز سياسي ومناطقي في العقود والمناقصات.
4. التمويل: القطاع المصرفي لا يلعب دورًا تنمويًا فعليًا، ولا توجد أدوات تمويل متطورة (رأس مال مجازف، سندات تنموية، إلخ).
5. ضعف التعليم والتدريب: لا توجد مواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
خامسًا: خارطة طريق لدور الدولة في دعم القطاع الخاص العراقي
• أولًا: التحول من 'رب عمل' إلى 'ممكن ومحفز'
الدولة يجب أن تتوقف عن كونها المشغّل الأكبر، وتتحول إلى منظم ذكي ومراقب عادل.
• ثانيًا: إصلاح المنظومة القانونية والقضائية
من خلال تحديث قوانين الشركات، الاستثمار، والمنافسة، وتفعيل القضاء التجاري.
• ثالثًا: بناء شراكات ذكية (PPP)
يجب إشراك القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، التعليم، والطاقة، ضمن عقود شفافة.
• رابعًا: تطوير النظام المصرفي
عبر تحديث أنظمة التمويل، وتشجيع أدوات استثمارية جديدة، مثل صناديق استثمارية تنموية.
• خامسًا: التمييز الإيجابي للمشروعات الصغيرة
من خلال تخصيص حصص من العقود الحكومية، ومنح إعفاءات ضريبية، وتوفير التدريب والدعم الفني.
• سادسًا: التعلم من تجارب الدول الأخرى
العراق لا يحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، بل يمكن أن يتبنى ممارسات مجربة وناجحة، مع مراعاة خصوصياته.
خاتمة
ليس هناك نموذج واحد يصلح للجميع، ولكن الثابت أن لا تنمية مستدامة دون قطاع خاص قوي ومبادر. العراق، إذا أراد التحرر من قيد الاقتصاد الريعي، لا بد أن يعيد تعريف دور الدولة بوصفها حاضنة للفرص، لا مستحوذة على الثروة. التجارب العالمية تؤكد أن بناء بيئة أعمال مستقرة، عادلة، وشفافة، هو الأساس لتحويل الطاقة المجتمعية إلى نمو اقتصادي حقيقي.
2025-05-12
The post دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص!وليد الحيالي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
معوقات التنمية في العراق وسبل معالجتها!وليد الحيالي
معوقات التنمية في العراق وسبل معالجتها! بقلم: البروفيسور وليد الحيالي مقدمة: يمتلك العراق من الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي والإرث الحضاري ما يجعله مؤهلاً ليكون من بين الدول المتقدمة في المنطقة. ومع ذلك، فإن واقع التنمية فيه ما زال هشاً ومتأخرًا، نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية منذ عقود، تعمقت بعد الاحتلال عام 2003. ويعاني البلد من اختلالات هيكلية في الإدارة، والاقتصاد، والبنية التحتية، والتعليم، فضلاً عن بيئة سياسية متقلبة تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية. يبحث هذا العمل في أهم معوقات التنمية في العراق، مدعومة بأمثلة واقعية، مع تقديم حلول قابلة للتطبيق، تستند إلى الخبرة الأكاديمية والملاحظة الميدانية. الفصل الأول: الإطار النظري للتنمية 1.1 تعريف التنمية تُعرف التنمية بأنها سلسلة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية تهدف إلى رفع مستوى معيشة الإنسان، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وتعزيز سيادة القانون. وتشمل التنمية ليس فقط النمو الاقتصادي، بل أيضًا التعليم، الصحة، البنية التحتية، والحوكمة. 1.2 أبعاد ومؤشرات التنمية • التنمية الاقتصادية: زيادة الناتج المحلي وتنويع مصادر الدخل. • التنمية البشرية: رفع مستوى التعليم والصحة وتمكين الإنسان. • الحوكمة الرشيدة: محاربة الفساد وتعزيز الشفافية. • الاستدامة: حماية الموارد للأجيال القادمة. الفصل الثاني: المعوقات الأساسية للتنمية في العراق 2.1 الفساد المالي والإداري يُعد الفساد العائق الأكبر أمام التنمية. العراق احتل مراتب متأخرة في مؤشر الشفافية الدولية، ما يعكس غياب الرقيب الفعلي. أمثلة: • سرقة الأمانات الضريبية (2022): بقيمة 2.5 مليار دولار. • مشاريع متعثرة مثل مطار كربلاء، الذي التهم ملايين الدولارات دون إنجاز فعلي. 2.2 غياب الاستقرار السياسي والأمني منذ 2003، أُسس النظام على المحاصصة السياسية والطائفية، ما جعل القرارات التنموية رهينة الصفقات والترضيات، لا المصلحة الوطنية. أمثلة: • تعطل مشاريع إعادة إعمار الموصل رغم مرور سنوات على تحريرها. • بيئة الاستثمار تتراجع بسبب هيمنة الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة. 2.3 الاعتماد على النفط كمصدر وحيد الاقتصاد العراقي ريعي، يعتمد على النفط بنسبة تفوق 92% من الإيرادات، ما يجعله هشًا أمام تقلبات الأسواق العالمية. أمثلة: • أزمة الرواتب في 2020 بعد انهيار أسعار النفط. • إهمال القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية. 2.4 ضعف البنية التحتية والخدمات العامة رغم الموازنات الانفجارية، لم يُلاحظ تحسن جوهري في الكهرباء، والمياه، والنقل. أمثلة: • البصرة تعاني من تلوث مياه الشرب منذ 2018. • العراق يستورد الكهرباء من دول الجوار رغم امتلاكه موارد تؤهله للاكتفاء الذاتي. 2.5 ضعف رأس المال البشري والتعليم يشهد التعليم في العراق تراجعًا خطيرًا، من حيث جودة المناهج، وضعف العلاقة بين التعليم وسوق العمل. أمثلة: • آلاف الخريجين عاطلون عن العمل. • تصنيف الجامعات العراقية متراجع عالميًا. • هجرة أكثر من 23 ألف أكاديمي منذ 2003. 2.6 البيروقراطية وسوء الإدارة الإجراءات الحكومية معقدة، والكفاءات مهمشة لصالح الولاءات الحزبية. أمثلة: • مشروع بسماية السكني تأخر رغم تعاقد شركة كورية مرموقة. • صعوبة تسجيل الشركات الأجنبية والمحلية. 2.7 إهمال الكفاءات العراقية المهاجرة العراق فقد عشرات الآلاف من الكفاءات الأكاديمية والمهنية التي تعيش في دول المهجر، دون أي توجه رسمي حقيقي للاستفادة من خبراتهم. أمثلة: • غياب برامج وطنية للاستفادة من العلماء العراقيين بالخارج. • عروض كثيرة من عراقيين في أوروبا وأمريكا لدعم التعليم أو تقديم استشارات قوبلت بالإهمال. الفصل الثالث: سبل المعالجة والتنمية الممكنة 3.1 الإصلاح السياسي والمؤسسي • إعادة صياغة الدستور بما يضمن حكمًا مدنيًا بعيدًا عن المحاصصة. • تعزيز دور البرلمان في الرقابة والتشريع التنموي. • تقليص عدد الوزارات والهيئات المستقلة ودمج المتشابه منها. 3.2 تنويع الاقتصاد • دعم الزراعة: تطوير الري، دعم الفلاح، تسويق المحاصيل. • تطوير الصناعة التحويلية (الأغذية، الأدوية، النسيج). • دعم السياحة الدينية والتراثية في النجف وكربلاء وبابل. 3.3 مكافحة الفساد • تفعيل قوانين 'من أين لك هذا؟' و'الرقابة المالية'. • رقمنة المعاملات الحكومية لمنع الرشوة. • دعم استقلال القضاء والمفتشين العامين. 3.4 إصلاح التعليم وبناء رأس المال البشري • تحديث المناهج وربطها بالاحتياجات الفعلية. • زيادة الإنفاق على البحث العلمي. • إنشاء مراكز تدريب مهني في المحافظات. 3.5 تحسين بيئة الاستثمار • سنّ قوانين ضامنة لحماية المستثمر. • إنشاء مناطق صناعية حرة. • تسهيل إجراءات تأسيس الشركات وتخفيض الضرائب. 3.6 الاستفادة من الكفاءات المهاجرة • إنشاء 'مجلس الكفاءات الوطنية بالخارج' تحت إشراف مجلس الوزراء. • تقديم حوافز (مالية، بحثية، سكنية) لعودة الأكاديميين. • عقود استشارية وتدريبية قصيرة لتبادل الخبرات مع الداخل. استنتاجات 1. العراق لا يعاني من نقص الموارد بل من ضعف الإدارة وسوء التوظيف. 2. الإصلاح السياسي شرط أساسي لأي خطة تنموية. 3. الفساد وسوء الإدارة يمثلان التهديد الأكبر لأي تقدم. 4. تنمية الاقتصاد لا يمكن أن تتم دون تنويعه وفك ارتباطه بالريع النفطي. 5. استعادة الكفاءات الوطنية خطوة حاسمة لإعادة بناء الدولة. 6. التنمية ليست مشاريع إسمنتية، بل منظومة تشمل الإنسان قبل البُنيان. خاتمة إن أي مشروع تنمية في العراق يجب أن يبدأ من إصلاح المنظومة السياسية، ثم بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة والنزاهة. إن عودة العراق إلى موقعه الطبيعي في المنطقة لا تتم عبر الموازنات الضخمة وحدها، بل عبر استعادة الإنسان العراقي إلى قلب المعادلة التنموية، سواء داخل الوطن أو خارجه. فالإرادة السياسية، والمشاركة المجتمعية، والاستفادة من العقول المهاجرة، تمثل مفاتيح حقيقية للخروج من نفق التخلف إلى أفق التنمية المستدامة. المصادر والمراجع 1. البنك الدولي (2023). تقرير العراق الاقتصادي. 2. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2022). خطة التنمية المستدامة للعراق. 3. منظمة الشفافية الدولية (2024). مؤشر الفساد العالمي. 4. وزارة التخطيط العراقية (2023). الاستراتيجية الوطنية للتنمية 2030. 5. الجبوري، محمد عبد الله (2021). 'التنمية الاقتصادية في العراق: التحديات والفرص'. 6. الموسوي، فاضل كاظم (2020). إدارة الدولة وإشكالية التنمية في العراق. 7. الربيعي، عادل (2022). 'القطاع الخاص ودوره في تنويع الاقتصاد العراقي'. 2025-05-22 The post معوقات التنمية في العراق وسبل معالجتها!وليد الحيالي first appeared on ساحة التحرير.


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 2 أيام
- وكالة الصحافة المستقلة
التجارة تعلن قرب تخصيص 250 مليار دينار لدعم الصناعيين وقروض ميسرة
المستقلة/- أعلنت وزارة التجارة عن قرب صدور قرار حكومي هام لتخصيص مبلغ 250 مليار دينار كدعم مالي للصناعيين في العراق عبر تقديم قروض ميسرة وتسهيلات مالية، بهدف تعزيز القطاع الصناعي وتحفيز الاستثمار الوطني. وفي تصريح لصحيفة «الصباح» تابعته المستقلة، أوضح مدير دائرة تطوير القطاع الخاص في الوزارة، مالك خلف وادي، أن القرار حاليًا قيد المصادقة لدى المجلس الوزاري للاقتصاد، تمهيدًا لإقراره في مجلس الوزراء. وينص القرار على منح القروض الميسرة للصناعيين مقابل ضمانات بسيطة تتناسب مع حجم ونوع المشاريع المقدمة، وذلك لتسهيل تمويل المشاريع الصناعية وتشجيع أصحابها على تطوير أعمالهم. إلى جانب ذلك، تستعد وزارة التجارة لإطلاق مشروع «دليل تسجيل الأعمال» بالشراكة مع منظمة العمل الدولية خلال الشهر المقبل. وأشار وادي إلى أن الدليل سيكون عبارة عن كتيب تعريفي إلكتروني يهدف إلى تسهيل إجراءات تسجيل وتنظيم بيئة العمل لجميع مشاريع القطاع الخاص، ويشمل خطوات التسجيل، دفع الرسوم، والحوافز التي تقدمها المصارف. ويأتي هذا المشروع في ظل وجود نسبة كبيرة من الأعمال غير مسجلة رسميًا تصل إلى 80%، ما يعكس الحاجة الملحة لتنظيم وتحفيز قطاع الأعمال الخاص. كما كشفت الوزارة عن إطلاق استراتيجية لريادة الأعمال بالشراكة مع البنك الدولي، لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن البنك الدولي سيقدم الدعم الفني والمشورة لضمان نجاح تنفيذ الاستراتيجية، بالإضافة إلى التعاون مع المستثمرين ورجال الأعمال المحليين لتنفيذ مشاريع استثمارية متنوعة خلال الفترة المقبلة. وفي إطار التعاون الدولي، أوضح وادي وجود شراكات مع شركات إسبانية متخصصة في التكنولوجيا الزراعية، تشمل تبادل الخبرات في أنظمة الري الحديثة، المكننة، والأسمدة المتطورة، إلى جانب دعم الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية. كما تمت الإشارة إلى تعاون اقتصادي بين العراق والإمارات عبر تأسيس مجلس الأعمال العراقي – الإماراتي، الذي يهدف إلى تعزيز فرص الاستثمار والتجارة بين البلدين. كما نوه المسؤول إلى شراكات الوزارة مع منظمات دولية كبرى في مشاريع الإسكان عبر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات، مركز التجارة الدولية، ومنظمة العمل الدولية، التي تتماشى مع رؤية العراق للتنمية المستدامة 2030 وخطة التنمية الوطنية للفترة 2024-2028. وتهدف هذه الشراكات إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، خلق بيئة استثمارية محفزة في قطاع الإسكان، وتوفير فرص عمل للمواطنين مع توزيع عادل للوحدات السكنية بين الفئات المستحقة. تأتي هذه الخطوات الحكومية ضمن جهود واضحة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحفيز القطاع الخاص، في وقت يشهد فيه العراق تحديات كبيرة في مجال التنمية والاستثمار، ما يضع وزارة التجارة في موقع محوري لتحقيق نقلة نوعية في القطاع الصناعي والاقتصادي.


ساحة التحرير
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص!وليد الحيالي
دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص! بقلم: البروفيسور وليد الحيالي مقدمة: في خضم التحولات الاقتصادية العالمية، أصبحت العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في البلدان النامية محورية لتحقيق التنمية المستدامة. تلعب الدولة دورًا معقدًا ومتعدد الأبعاد: فهي من جهة مسؤولة عن تهيئة بيئة الاستثمار، ومن جهة أخرى، هي فاعل اقتصادي كبير يسيطر في كثير من الأحيان على الموارد والقرارات. وفي هذا السياق، يُعد العراق نموذجًا حيًّا لما يمكن أن تكون عليه هذه العلاقة في بلد غني بالموارد، ولكنه مثقل بالتحديات البنيوية والسياسية. أولًا: الإطار العام لدور الدولة في دعم القطاع الخاص في البلدان النامية في معظم البلدان النامية، ورثت الدولة دورًا مهيمنًا في الاقتصاد نتيجة لعقود من الاقتصاد الموجّه، أو بسبب الموروث الاستعماري. غير أن هذا الدور الهيمني غالبًا ما أدى إلى تهميش القطاع الخاص، أو تحويله إلى تابع يعاني من الاعتماد على العقود الحكومية والامتيازات المؤقتة. ومع موجات 'التحول نحو اقتصاد السوق' التي بدأت في الثمانينيات والتسعينيات، بدأت الدول في تحرير الأسواق، ولكن دون بناء مؤسسات ضامنة ومهيّئة، ما أدى إلى نشوء 'اقتصادات هجينة' تفتقر إلى الشفافية والاستقرار. ثانيًا: العراق… تحديات الانتقال في بيئة معقدة منذ سقوط النظام السابق عام 2003، دخل العراق مرحلة انتقال اقتصادي معقد، حاول فيها التحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، لكن هذا الانتقال لم يكن مؤسسيًا ولا متدرجًا. فقد ورث العراق: • دولة ريعية تعتمد على النفط بنسبة تزيد عن 90% من الإيرادات العامة. • ضعف هائل في المؤسسات، وغياب الثقة بين المواطن والدولة. • بنية تحتية مدمرة، وقطاع مصرفي متخلف. • تداخل بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية، حيث تحكم الولاءات الحزبية عملية التعاقد والتمويل. وقد أدى ذلك إلى إعاقة نمو القطاع الخاص وتحويله إلى تابع للإنفاق العام وليس شريكًا فيه. ثالثًا: دروس مقارنة – تجارب ناجحة في دعم القطاع الخاص 1. تجربة ماليزيا: الدولة كشريك تنموي في سبعينيات القرن الماضي، كانت ماليزيا تعاني من ضعف اقتصادي واعتماد كبير على تصدير المواد الخام. لكن الدولة اعتمدت استراتيجية شراكة ذكية مع القطاع الخاص، تضمنت: • إنشاء مناطق صناعية خاصة بامتيازات ضريبية. • تطوير التعليم الفني والمهني. • تفعيل سياسات إحلال الواردات ثم التصدير. • الشراكة مع القطاع الخاص في البنية التحتية (PPP). واليوم، يعد القطاع الخاص الماليزي أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد، خاصة في الصناعة والخدمات والتكنولوجيا. 2. تجربة رواندا: بناء بيئة أعمال جذابة رغم محدودية الموارد، اعتمدت رواندا استراتيجية إصلاح إداري جذري بعد الإبادة الجماعية عام 1994. شملت الإصلاحات: • تقليص زمن تسجيل الشركات إلى يومين فقط. • سن قوانين استثمار محفّزة. • مكافحة الفساد بقوة. • دعم المشاريع الصغيرة من خلال التمويل المصغر. أصبحت رواندا واحدة من أفضل 10 دول في إفريقيا من حيث بيئة ممارسة الأعمال، بحسب تقارير البنك الدولي. 3. تجربة مصر (ما بعد 2016): إصلاحات مرتبطة بالمؤسسات الدولية بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، شرعت مصر في سلسلة من الإصلاحات: • تحرير سعر الصرف. • إصلاح منظومة الدعم تدريجيًا. • سن قوانين جديدة للاستثمار والمناطق الحرة. • إنشاء صناديق لدعم المشروعات الصغيرة. ورغم التحديات الاجتماعية المصاحبة، بدأت تظهر بوادر نمو في قطاعات التصنيع والخدمات، مع دور متزايد للقطاع الخاص. رابعًا: التحديات الأساسية أمام القطاع الخاص في العراق 1. غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة: لا توجد استراتيجية واضحة متفق عليها بين القوى السياسية والاقتصادية. 2. ضعف البيئة التشريعية: قوانين قديمة، وغياب آليات تنفيذ فعالة. 3. الفساد والمحسوبية: القطاع الخاص يعاني من تمييز سياسي ومناطقي في العقود والمناقصات. 4. التمويل: القطاع المصرفي لا يلعب دورًا تنمويًا فعليًا، ولا توجد أدوات تمويل متطورة (رأس مال مجازف، سندات تنموية، إلخ). 5. ضعف التعليم والتدريب: لا توجد مواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق. خامسًا: خارطة طريق لدور الدولة في دعم القطاع الخاص العراقي • أولًا: التحول من 'رب عمل' إلى 'ممكن ومحفز' الدولة يجب أن تتوقف عن كونها المشغّل الأكبر، وتتحول إلى منظم ذكي ومراقب عادل. • ثانيًا: إصلاح المنظومة القانونية والقضائية من خلال تحديث قوانين الشركات، الاستثمار، والمنافسة، وتفعيل القضاء التجاري. • ثالثًا: بناء شراكات ذكية (PPP) يجب إشراك القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، التعليم، والطاقة، ضمن عقود شفافة. • رابعًا: تطوير النظام المصرفي عبر تحديث أنظمة التمويل، وتشجيع أدوات استثمارية جديدة، مثل صناديق استثمارية تنموية. • خامسًا: التمييز الإيجابي للمشروعات الصغيرة من خلال تخصيص حصص من العقود الحكومية، ومنح إعفاءات ضريبية، وتوفير التدريب والدعم الفني. • سادسًا: التعلم من تجارب الدول الأخرى العراق لا يحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، بل يمكن أن يتبنى ممارسات مجربة وناجحة، مع مراعاة خصوصياته. خاتمة ليس هناك نموذج واحد يصلح للجميع، ولكن الثابت أن لا تنمية مستدامة دون قطاع خاص قوي ومبادر. العراق، إذا أراد التحرر من قيد الاقتصاد الريعي، لا بد أن يعيد تعريف دور الدولة بوصفها حاضنة للفرص، لا مستحوذة على الثروة. التجارب العالمية تؤكد أن بناء بيئة أعمال مستقرة، عادلة، وشفافة، هو الأساس لتحويل الطاقة المجتمعية إلى نمو اقتصادي حقيقي. 2025-05-12 The post دور الدولة في البلدان النامية: العراق نموذجاً في دعم القطاع الخاص!وليد الحيالي first appeared on ساحة التحرير.