logo
ماذا لو حدث ما لم يحدث؟

ماذا لو حدث ما لم يحدث؟

المغرب اليوم٠٦-٠٤-٢٠٢٥

هناك جنس من الكتابة يسمّيه التصنيف الغربيّ «ماذا لو؟»، مؤدّاه افتراض حدوث ما لم يحدث في الماضي واستنتاج ما كان يمكن أن يحدث. وهذا ليس لوناً من العبث الكتابيّ، إذ يشير إلى احتمالات كانت فعليّة إلى هذا الحدّ أو ذاك، احتمالاتٍ يخلص منها القارئ إلى أمرين: أوّلهما، التنبيه إلى مسؤوليّة أولئك الذين دفعوا التاريخ في الوجهة التي سلكها، والثاني، قياس بؤس الحاضر بأوضاع كان ممكناً أن تكون فيما لو اتُّبعت سياسات مغايرة. وبالطبع، ودائماً، تنطوي المقاربة هذه على تسليم مبدئيّ ضامر بقوّة العنصر الإنسانيّ على التحكّم بأحوال عالمه ومجاريه.
وإذ نعيش، في المشرق العربيّ اليوم، تحت وطأة نكبة غير اعتياديّة نجمت عن عمليّة «طوفان الأقصى» المجرمة، وعن الردّ الإسرائيليّ الهمجيّ عليها، يُستعاد الحدثان الأهمّ اللذان عرفناهما في نصف القرن الماضي، أي كامب ديفيد المصريّ – الإسرائيليّ في 1979، واحتلال العراق وتحريره في 2003. فهنا يسعنا افتراض علاقة من صنف تأسيسيّ، ولو عكسيّ، بين ما يجري راهناً وطرق التعاطي مع ذينك الحدثين التغييريّين، لا لنظام بعينه، بل لطرق متهالكة في الحياة والسياسة.
فلنفترض، مثلاً، أنّ الجامعة العربيّة والرأي العامّ العربيّ هرعا إلى دعم الموقف المصريّ واحتضانه، وعلّلا ذلك بأسباب ستّة:
أوّلاً، كراهية الحرب والتعويل على السلام وتطويره، مع التذكير بهزيمة 1967 والنتائج غير المشجّعة لحرب 1973 وانفجار الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975، بعد الحرب الأهليّة في الأردن عام 1970، وذلك كلّه بنتيجة التسلّح الميليشياويّ الذي بُرّر بالنزاع مع إسرائيل.
وثانياً، قيام حكم ذاتيّ فلسطينيّ ضمنته كامب ديفيد والتمهيد لإجراء انتخابات لسلطة الحكم الذاتيّ، مع الترحيب بتعيين الرئيس الأميركيّ جيمي كارتر السيّدَ روبرت شوارز ستراوس مبعوثاً له إلى المنطقة لمتابعة المسار هذا.
وثالثاً، محاصرة النفوذ الإيرانيّ الذي يتهدّد المنطقة، بسبب الثورة التي شهدها العام نفسه، 1979، ورفعها مبدأ «تصدير الثورة» هدفاً لها وشعاراً. ذاك أنّ السلام والتغلّب على بؤر التوتّر والاحتقان يُضعفان جاذبيّة تلك الدعوات الخرابيّة وما تنطوي عليه من بدائيّة وتحكيم للغرائز المذهبيّة.
ورابعاً، عزل النظامين البعثيّين في سوريّا والعراق، المُصرّين على «إسقاط كامب ديفيد»، لأنّهما حريصان على استمرار حالة التوتّر والتعبئة في المشرق بوصفها مصدراً لـ»شرعيّة قوميّة» تنوب مناب الشرعيّة الدستوريّة والشعبيّة التي يفتقران إليها.
وخامساً، خروج لبنان من دوّامة الاقتتال الذي تختلف مظاهره وتتعدّد أشكاله، وذلك بنتيجة تسليم المقاومة الفلسطينيّة سلاحها وانكباب منظّمة التحرير على بناء حكمها الذاتيّ في فلسطين، ومن ثمّ تسليم باقي الميليشيات اللبنانيّة السلاح الذي قاتلت به منظّمة التحرير.
وأخيراً، الحرص على ألاّ تهتزّ العلاقة بين مصر وباقي العرب لأنّ خسارة الطرفين ستكون، في هذه الحال، كبيرة ومحقّقة.
أمّا في 2003، فأصدرت الجامعة العربيّة بياناً يعبّر عن رأي عربيّ عامّ وواسع، ولا يقلّ تاريخيّة عن موقفها في 1979. وكان ممّا ورد في البيان:
«إنّ ما حدث احتلال غير مرحّب به لكنّه أيضاً تحرير مرحّب به يستحقّه العراق الذي تحمّل الكثير من نظام طغيانيّ. ومثل هذا الازدواج بين الاحتلال والتحرير عرفته بلدان كثيرة من بينها اليابان التي أدّى تعاملها الناضج معه إلى دستور ماك أرثر الديمقراطيّ وإلى الإقلاع الاقتصاديّ الذي بات يوصف بالمعجزة.
ونشعر أنّ حضوراً عربيّاً أكبر في العراق يقلّل الجوانب السلبيّة للحدث، ويحدّ من الاستفراد الأميركيّ بالشأن العراقيّ ومن نتائج قد تترتّب على جهل الأميركيّين بالعراق وبالمنطقة، وربّما من أطماع لم تظهر بعد. ولسوف يعمل هذا الحضور العربيّ على قطع الطريق على الثارات الطائفيّة والإثنيّة بعد عقود من الاحتقان والكبت، فضلاً عن رعاية التجربة الفيدراليّة التي اختارها العراقيّون بديلاً وحيداً لحكم فائق المركزيّة وفائق الاستبداد.
ولسوف يكون من نتائج الحضور والدعم العربيّين قطع الطريق على استغلال إيران المرحلةَ الانتقاليّة في العراق لتوسيع نفوذها على حسابه، وعلى استغلال نظام الأسد في سوريّا (التي طُردت من الجامعة) المرحلةَ العراقيّة المضطربة نفسها عبر إرسال أدوات الموت إلى بغداد ومعها من يسمّونهم «استشهاديّين» و»مقاومين» يفجّرون أنفسهم في العراقيّين.
وأغلب الظنّ أنّ نجاح هذه التجربة الجديدة سوف يقصّر أعمار هذين النظامين اللذين يتعرّضان لتآكل متعاظم. وهذا ما لن يحول دونه تزايد لجوئهما المؤكّد إلى القمع والشراسة مع اندفاع عُظامهما التآمريّ إلى أقصاه، سيّما وقد فقدا، منذ سنوات، كلّ قدرة على التلاعب بالقضيّة الفلسطينيّة.
وفي النهاية فاستقرار العراق الديمقراطيّ مكسب هائل للعراقيّين وللعرب، تماماً كنجاح السياسات المصريّة في السلام واستقرارها. والتطوّران التاريخيّان هذان إنّما يوسّعان قنوات التواصل مع العالم، وزيادة فرص التأثّر بما هو مفيد ومضيء فيه، وكذلك فرص التأثير العربيّ فيها».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صابون تازة
صابون تازة

الأيام

timeمنذ 11 ساعات

  • الأيام

صابون تازة

صابون تازة نشر في 22 مايو 2025 الساعة 11 و 00 دقيقة لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية […] نور الدين مفتاح لا يمكن فصل النقاش في المغرب عما يجري في عالم متحول بشكل مذهل. إن الدعوة إلى الحمائية والتقوقع على الذات، وربما رفع شعار «المغرب ولا شيء غيره» ليست نزعة تستدعي المواجهة بالتخوين، ولكنها رد فعل على تحديات داخلية مفهومة وخصوصا في ما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي، وتحديات الوحدة الترابية والحاجة إلى تحالفات دولية بعينها لمواصلة الصمود في مناخ دولي لا يرحم. أنا أعتقد أن هذا التفهم لا يعني الاتفاق على المقاربة، فموقع المغرب أصلا جعله بدون اختيار في ما يتعلق بالانفتاح، أو ما يمكن أن نسميه قدر العيش في ملتقى التيارات. والانفتاح لا يعني الانتقائية التعسفيّة، فإما أننا داخل العصر أو خارجه. إننا تلك الشجرة التي تحدث عنها الراحل الحسن الثاني حيث إن جذورها في إفريقيا وأوراقها في العالم، وبالطبع هناك دائما قانون قرب، وعلاقاتنا كما في العالم كله تندرج ضمن هذا القرب من المغرب إلى المغرب الكبير ـ رغم كل مشاكله ـ إلى العالم العربي فإفريقيا فأوروبا ثم الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في العالم. من هنا يمكن أن ندخل إلى النقاش المثار حول شعار «تازة قبل غزة» بلا تشنج. فهذا الشعار والسياق الذي أطلق فيه لم يكن يعني بالضرورة الحرب الهمجية التي تتعرض لها غزة اليوم. لقد أطلق في عقد سابق كردّ على التبرم من قيادات عربية متشرذمة في قمم عقيمة، تحدث عنها الملك محمد السادس بكل وضوح. لقد كان الأمر اختياراً للعهد الجديد لاختلاف في الأسلوب مع توجه الحسن الثاني الذي كان منخرطا بشكل كامل في الشؤون العربية، والدليل هو عدد القمم التي انعقدت في المغرب وعدد القرارات التي تحمل اسم هذه القمم. لقد اختلف الأسلوب ومنسوب الانخراط ولكن لا يمكن لأي بلد أن يقطع مع هذا الجزء من انتمائه، إنه المستحيل! إذن، إسقاط معادلة قديمة على واقع جديد هو إسقاط تعسفي يؤدي في النهاية إلى نتائج مخالفة أصلا للواقع. فتازة بالطبع لها الأولوية على نيويورك وبانكوك وهونولولو، ولكن ليس هناك مكان في العالم حاليا يتعرض لما تتعرض له غزّة. لقد كان رد الفعل على «طوفان الأقصى» من طرف حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة عبارة عن جرائم حرب متتالية لم تنته لحد الآن، بل إنها اليوم وصلت إلى حد استعمال التجويع كسلاح حرب وهو محرم بالقانون الدولي. إسرائيل تعيش عزلة وآخرها التبرم النسبي لإدارة ترامب منها، وفتح مفاوضات أمريكية إيرانية دون رضاها، وعقد اتفاق مع الحوثيين دون أن يكون أصلا في علمها، وعقد صفقة مباشرة مع حماس تم على إثرها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الحامل للجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر. إضافة إلى أننا ونحن نكتب هذه السطور يوجد ترامب في الرياض مع وفد ضخم ومنها سيمر إلى الدوحة فأبوظبي دون زيارة تل أبيب! تازة اليوم تعيش على إيقاعها المعتاد في مملكة مستقرة، وغزة لا يمكن إلا أن توقظ أهل الكهف بفظاعاتها وهمجية مستهدفيها الذين لا يخفون رسميا رفضهم لحل الدولتين بين النهر والبحر، وإصرارهم على تهجير أهل القطاع. بل إن ما يقومون به في الضفة الغربية شنيع وما أقدموا عليه لأول مرة من اقتحام للمسجد الأقصى بزعامة وزير «الحرب» ـ وليس الأمن ـ القومي إيتمار بن غفير، والتنكيل بالمقدسيين وتعبيد الطريق لمحو ثالث الحرمين الشريفين، ما هو إلا تأكيد على أن الواجب الإنساني سيرفض التفاضل في التضامن بين ما هو محلي وما هو خارجي، فما بالك إذا كان هذ الخارجي يعتبر من المقدسات بالنسبة لمليارين من المسلمين ومليار ونصف المليار من الكاثوليكيين. وقد أدان البابا الجديد ليو 14 في أول خطاب له ما يجري من فظاعات في غزة ودعا إلى وقفها. أنا واثق أن الذين يقولون بـ«تازة قبل غزة» لا يعنون أنهم متحللون من القضية الفلسطينية ولا أنهم بدون إنسانية، اللهم إلا بعض الأمازيغاويين المصرحين علانية بإسرائيلتهم، والذين زاروا الكيان الصهيوني مؤخرا بدعوى التضامن معه، هؤلاء لا كلام معهم أصلا. إن مساحة الاتفاق الوطني على أن القضية الفلسطينية قضية محورية في الوجدان المغربي لا يمكن الاختلاف عليها، ولكن الذي يُحدث الخلط هو هذا التفاضل المطروح في الشعار الذي أخرج من سياقه. وككل شيء ينتزع من سياقه فإنه يصبح سامّاً، ولهذا نرى هذا التشويش على موقف مغربي إنساني تاريخي عربي إسلامي لا غبار عليه. بل إن القناة الإسرائيلية 12 اعتبرت أن التيار في المغرب غير المعادي لهذه الإسرائيل التي تقود حرب الإبادة هو قطرة في بحر! وأنا أعي أن الذي يختفي وراء هذا الانقسام المستغرب من خلال شعار «تازة قبل غزة» هو حرج التطبيع مع إسرائيل في وقت لم يكن أحد يتصور أن يصل بنيامين نتنياهو إلى ما وصل إليه من وحشية خلفت أكثر من 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح والمأساة مستمرة. ولا أعتقد أن هذا النقاش يجب أن يكون من المحرمات أو من دواعي التصنيفات، فالتطبيع كان قرارا سياسيا وسياديا للدولة في مرحلة معينة، ولما تغيرت الظروف بشكل حاد، كان طبيعيا أن تخرج دعوات للعدول عن هذه العلاقات المفتوحة، وهذه مواقف طبيعية في الديموقراطية، وقد كان التطبيع بيننا في نهاية التسعينيات وقطعناه في بداية العهد الجديد، ويمكن في أي وقت أن يقطع اليوم لأنه يدخل في إطار التحولات، وأما الثابت فهو التزام مغربي راسخ بالاصطفاف مع الشعب الفلسطيني المحتل، ومع شرعية مقاومته لهذا الاحتلال، ومع دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي 1967 وعاصمتها القدس، ولنكون واقعيين أكثر نقول القدس الشرقية. المشكل عند العبد الضعيف لله ليس التطبيع الذي أتمنى في هذه الظروف لو أنه جمّد على الأقل مع هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ولكن مشكلتي مع من يذهبون أبعد من قرار سياسي حول علاقة مع دولة في الخارج، إلى بناء علاقة غرامية مع الكيان الصهيوني، والتماهي مع أطروحته والانبهار بخوارق مفترضة له، ومحاولة التطبيع الشعبي معه والاحتفاء برموزه ومعانقة رايته وبسطها في الفضاء العام، ومحاولة التنصل من القضية الفلسطينية والتشنيع بها عن طريق تصرفات بعض قادتها. مثل هؤلاء هم من يزيدون في العلم ويقدمون أنفسهم حماة لاختيارات الدولة في حين أن الدولة للجميع وهي تقرر والقرار سارٍ والرأي حر. عيب أن نختلق خلافات كانت في السابق جزءً من قوتنا. لقد اختارت الدولة أن ترسل جنوداً إلى الخليج ضد صدام وخرجت أكبر مسيرة شعبية مليونية في الرباط تضامنا مع العراق! ماذا وقع؟ لا شيء. اليوم محمد السادس هو ملك المغرب وفيه تازة وهو في نفس الوقت رئيس لجنة القدس والقدس عاصمة لفلسطين بما فيها غزة، وأتذكر أنه سبق وأن أقام حفل عشاء على شرف الراحل إسماعيل هنية رئيــــس المكتب السياسي لحركة حماس حيـــنها، ترأسه رئيس الحكومة آنئذ الدكتور سعد الدين العثماني. بل لقد خرج مئات الآلاف من المــــواطنين في مسيرتين متتابعتين بالرباط نصرة لفلسطين، فلـــماذا إذن نبحث عن «صابون تازة»؟

من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما
من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما

وجدة سيتي

timeمنذ 5 أيام

  • وجدة سيتي

من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما

من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما تابع الرأي العام العالمي حدث إطلاق حركة حماس الجندي الصهيوني الحامل للجنسية الأمريكية الذي أسرته حركة المقاومة حماس خلال عملية طوفان الأقصى بعد اتفاق أو تفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولم يكشف لحد الساعة عما حصلت عليه مقابل ذلك. وهذا الحدث كشف عن أمر لم يكن مستغربا من قبل ألا وهو ثنائية الجنسية الغربية أمريكية كانت أم أوروبية حيث تكون في حالة حقيقية ، وفي أخرى صورية ، وهذه مفارقة . فإذا ما قارنا بين الجندي الصهيوني » عيدان ألكسندر » والصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ، نجدهما معا حاملين للجنسية الأمريكية إلا أن تجنس عيدان حقيقي، بينما تجنس شيرين صوري، والقرينة أو الدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية تدخلت بقوة لدى حركة تعتبرها إرهابية من أجل إنقاذ الجندي الصهيوني المجنس بجنسيتها ، وفي المقابل لم تفعل شيئا ، ولم تحرك ساكنا من أجل محاسبة الجندي الجاني الصهيوني الذي قتل الصحفية الفلسطينية ، والذي قيل أنه لقي حتفه على يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة حسب ما تداولته وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا ، وتلك عدالة الله عز وجل الذي يمهل ولا يهمل حين تغيب أو تُعطل عدالة البشر. وهناك أيضا حالة الإعلامي والصحفي السعودي جمال خاشقجي الحامل للجنسية الأمريكية الذي اختفى في السفارة السعودية بتركيا ولا يعرف لحد الساعة مصيره، ولا كيف اختفى ، ولم تفعل الإدارة الأمريكية من أجله شيئا مع أنه يحمل جنسيتها تماما كما حصل في حالة الصحفية شيرين أبو عاقلة . وما يهمنا من المقارنة بين عيدان الصهيوني، وشيرين الفلسطينية في هذا المقال هو موضوع ازدواجية مكيال الجنسية التي يعطيها الغربيون أمريكان أو أوروبيون للأجانب من جنسيات مختلفة بحيث تكون حقيقية في حالات، وصورية في أخرى حسب جنس أو عرق حاملها ، وتحديدا عندما يكون من يحملونها عربا أو مسلمين . ولا يكفي أن يحمل العرب والمسلمون جنسيات غربية أو يحصلوا على جوازات سفر البلدان التي تُجنِّسهم ، والتي طالما حلموا بها ، وفيهم من عانى الأمرين، وكابد من أجل الحصول عليها رغبة في أن يعاملوا معاملة مواطنين غربيين على وجه الحقيقة، لكنهم يظلون مواطنين غربيين صوريين فقط . وليس بوسع أحد أن ينكر هذه الحقيقة أو يجادل فيها بذريعة أن المُجنَّسين العرب والمسلمين في بلاد الغرب لهم حق التصويت في الانتخابات ، وحق العضوية في البرلمانات ، وأنهم سواسية في الحقوق والواجبات مع الموطنين الأصليين … إلى غير ذلك مما يُتَذرع به ذرائع واهية، والتي يكذبها الواقع ويدحضها . ولو صح شيء منها لكان الأمريكان الذين بذلوا كل الجهود ، وسعوا بحرص وإصرار من أجل تحرير الصهيوني المجنس بجنسيتهم الحقيقية لسعوا نفس السعي، وحرصوا نفس الحرص لحظة اغتيال الصحفية الفلسطينية مراسلة قناة الجزيرة القطرية شيرين أبو عاقلة والأمريكية صوريا على إدانة قاتلها ومتابعته أمام عدالتهم أوأمام العدالة الدولية ، لكنهم لم يفعلوا إلى غاية هذا اليوم ، ولكانوا فعلوا أيضا نفس الشيء لحظة اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الأمريكي صوريا كذلك . ولا نريد الخوض في التصرفات العنصرية التي تواجه العرب والمسلمين المجنسين بجنسيات غربية بسبب أصولهم العرقية ، و بسبب دينهم على وجه الخصوص فضلا عن ألوان بشرتهم ، وألوان عيونهم ،ولغاتهم الأمهات . ويكفي أن نمثل لذلك بتجربة أجريت في بلد غربي نشرت عبر الأنترنيت ، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي حيث تظاهر رجلان أحدهم أبيض البشرة، أشقرالشعر، وبعينين زرقاوين، والآخر أسمر اللون أجعد الشعر بالعمى محاولين يديهما إلى أيدي المارة من المواطنين الغربيين البيض طلبا للمساعدة في اجتيازهما أحد الشوارع الغاصة بالمارة ، فكان هؤلاء المواطنون يمدون أيديهم بأريحية وعن طيب خاطر إلى الرجل الأبيض ، بينما كانوا ينفرون، ويتقززون من الرجل الأسمر مع أنه يحمل جنسيتهم كزميله الأشقر، وكانا معا قد اتفقا على خوض هذه التجربة للكشف عن درجة الحس الإنساني لدى المواطنين الغربيين البيض لكنهما اكتشفا رواسب العنصرية لديهم والتي لم تقض عليها قيم الحضارة الغربية المتطورة علميا وتكنولوجيا والمنحطة أخلاقيا ، وهي أخلاق سقط عنها القناع بسبب السكوت عند السواد الأعظم منهم عن جرائم الإبادة التي حصلت في قطاع غزة ، ولا زالت تحصل لحد الساعة، وهي دليل دامغ على انحطاطهم على مستوى القيم حيث لا زال هذا السواد الأعظم منهم يؤيدون الجلاد الصهيوني ، ولا يبالون بالضحية الفلسطيني باستثناء الشريحة المتنورة الحية ضمائرها والتي عرفت حقيقة العنصرية الصهيونية عيانا وبالملموس من خلال جرائمها البشعة ، وهو موقف يحمد خصوصا حين يقارن بمواقف محسوبين على العروبة والإسلام ممن يؤيدون الصهاينة في إجرامهم ، وفيهم من يرفع شعار كلنا صهاينة في عقر بلدان العروبة والإسلام . ومن المفارقات أيضا أن يحمل اليهود وفيهم المتصهين جهارا الجنسيات العربية والإسلامية في بلدان العروبة والإسلام على وجه الحقيقة وليس صوريا ، وربما يكون منهم جنود ملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين ، ومع ذلك يعيشون بأمن وسلام ، بل لهم امتيازات ليس مثلها للمواطنين العرب والمسلمين ، وفي المقابل يحمل العرب والمسلمون الجنسية الصهيونية في أرض فلسطين المحتلة وهم مواطنون من الدرجة الدنيا في المجتمع الصهيوني . فإلى متى ستظل الجنسيات التي يحملها العرب والمسلمون في بلاد الغرب صورية وليست حقيقية ؟؟؟ وإلى متى ستظل المجتمعات الغربية تباهي بقيمها التي تنعتها بالإنسانية والجنسيات التي تفاخر بالتكرم بها على الأجانب الذين يعيشون فيها خصوصا العرب والمسلمين جنسيات حقيقية وأخرى صورية ؟ وما أتعس هذا العالم الذي لا زالت فيه بلاد الغرب تضم ضم شرائحها الاجتماعية عنصريين يمينيين متطرفين يحكمهم التعصب للعرق الذي هو من مخلفات الماضي السحيق ، وإنه لأمر مخجل، ومؤسف ، ومحزن .

ترامب يذكّر بإيزنهاور
ترامب يذكّر بإيزنهاور

المغرب اليوم

timeمنذ 5 أيام

  • المغرب اليوم

ترامب يذكّر بإيزنهاور

انتهت زيارة دونالد ترامب، لثلاث دول خليجية هي السعودية وقطر والإمارات. لايزال السؤال الأساسي: من رئيس الولايات المتحدة، المقيم في البيت الأبيض... أم بنيامين نتنياهو؟ يتعلّق الأمر بالدور القيادي الأميركي في المنطقة والعالم وما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب، تأكيد أن اليمين الإسرائيلي، بقيادة رئيس الحكومة الحالي، بأجندته المخيفة، لا يتحكم بالسياسة الأميركية. المطروح في خلال مجيء دونالد ترامب في المنطقة موضوع النظرة الأميركيّة للشرق الأوسط والخليج في إطار يتجاوز المنطقتين. يرتبط هذا الإطار في ما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب، أن يكون الرئيس دوايت إيزنهاور، الآخر الذي امتد عهده بين 1953 و1961. يفرض السؤال، المتعلق بالدور القيادي الأميركي، نفسه في ضوء قول نتنياهو لأحد الزعماء العرب في الماضي القريب: «لماذا تذهب إلى واشنطن... من الأفضل لك المجيء إلى عندي. أنا رئيس الولايات المتحدة الأميركية». هل آن أوان وضع ترامب حداً لعنجهية رئيس الوزراء الإسرائيلي التي يبدو أنّها من النوع الذي لا حدود له، خصوصاً أنّه يؤمن بإمكان تصفية القضية الفلسطينية. مثل هذا الإيمان بتصفية القضيّة الفلسطينية مستحيل، لا لشيء سوى لأن القضية، بغض النظر عن الفشل الذي يجسّده محمود عباس (أبومازن) و«حماس» في آن، لا يلغي وجود الشعب الفلسطيني بأي شكل. أكثر من ذلك، لا مجال للاستقرار الحقيقي في المنطقة كلّها من دون تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. تشهد على ذلك الأحداث التي تهزّ المنطقة، وهي أحداث في أساسها قيام «حماس» بشن هجوم «طوفان الأقصى» انطلاقاً من قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. من المتوقع أن تكشف الجولة الخليجية لترامب من الرئيس الحقيقي للولايات المتحدة في ضوء نجاح «بيبي» في السنوات الماضية، خصوصاً في عهد باراك أوباما، في تأكيد أنّه يمتلك في مجلسي الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) نفوذاً يفوق نفوذ المقيم في البيت الأبيض. في العام 2011، خطب «بيبي» في الكونغرس وتفادى، عن قصد، المرور على البيت الأبيض، أقله للسلام على باراك أوباما. تحدى نتنياهو رئيس الولايات المتحدة في عقر داره من دون أن يرفّ له جفن! كشفت أحداث الأيام الأخيرة أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف بدونالد ترامب. أجرت إدارته، في قطر، مفاوضات مباشرة مع «حماس» من خلف ظهر نتنياهو واستطاعت إخراج الجندي عيدان الكسندر، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية من الأسر. أفهم ترامب «بيبي» أنّه ليس باراك أوباما، بل يمكن أن يصير دوايت إيزنهاور الذي أجبر الإسرائيليين على الانسحاب من سيناء في العام 1956. وقتذاك، علم إيزنهاور متأخراً بالعدوان الثلاثي على مصر، في ضوء تأميم جمال عبدالناصر، لقناة السويس. أجبر إيزنهاور البريطانيين والفرنسيين على الانسحاب من مدن القناة وأجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء بعد انضمامها إلى بريطانيا وفرنسا في حملة عسكرية تستهدف تأديب عبدالناصر. كانت حجة إيزنهاور، قائد القوات الأميركيّة في الحرب العالميّة الثانية، أنّه لا يحق لبريطانيا وفرنسا شنّ حرب من نوع حرب السويس من خلف ظهر الولايات المتحدة وبالتفاهم مع إسرائيل. كانت رسالته أنّهّ يوجد نظام دولي جديد لابدّ من احترامه. لم يكن ممكنا تحقيق انتصار للحلفاء على هتلر من دون الجيش الأميركي. أمر إيزنهاور رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، بوقف حملة السويس وانسحاب الجيشين البريطاني والفرنسي من منطقة قناة السويس وإخلاء إسرائيل لسيناء. لم يضطر إلى التدخل شخصياً في ذلك. تولى وزير الخارجية جون فوستر دالس، ذلك. قال الوزير الأميركي لإيدن ما معناه أنّه إذا لم يحصل الانسحاب البريطاني - الفرنسي من السويس، لن يعود الجنيه الإسترليني صالحاً لغير تلميع الأحذية. لم يجد دالس، حاجة إلى الاتصال بالجانب الفرنسي من أجل تنفيذ تعليمات إيزنهاور. ليس مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه عن طريق جعل رئيس الولايات المتحدة إسرائيل تأخذ حجمها الطبيعي. في النهاية لم يكن في استطاعة إسرائيل الذهاب بعيداً في حربها على غزّة ثم تكبيد «حزب الله» الخسائر من دون الدعم الأميركي الذي أخذ أشكالاً عدة. لن تستطيع إسرائيل منع «الجمهوريّة الإسلاميّة» من امتلاك السلاح النووي من دون الدعم العسكري والسياسي الأميركي. تبقى إسرائيل إسرائيل وتبقى أميركا أميركا. تحكّم بنيامين نتنياهو، بالقرار الأميركي منذ خروج بيل كلينتون، من البيت الأبيض. كان كلينتون آخر رئيس أميركي يحاول بالفعل إيجاد تسوية سياسية تعيد للفلسطينيين بعضاً من حقوقهم. فعل ذلك عندما جمع ياسر عرفات وإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، في منتجع كامب ديفيد في العام 2000. كان ذلك في آخر ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة. ستكون خطوة دونالد ترامب الأخيرة المتمثلة بإطلاق الجندي الأميركي – الإسرائيلي، والتي سبقها فتح مفاوضات أميركية – إيرانية بوساطة من سلطنة عمان، مؤشراً إلى تغيّر في المزاج الأميركي تجاه إسرائيل وشخص بنيامين نتنياهو بالذات. يُفترض أن تكشف الأيام القليلة المقبلة هل يستطيع دونالد ترامب، السير على طريق دوايت إيزنهاور في ضوء اكتشافه أن لدى الولايات المتحدة، بين الدول العربية، في مقدمها المملكة العربيّة السعودية، حلفاء تاريخيين في المنطقة وأن لهؤلاء وزناً لا يمكن تجاهله... في حال كان يريد بالفعل السير في شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». لا يمكن لأميركا أن تكون عظيمة في حال نظرت إلى العالم من زاوية مصلحة اليمين الإسرائيلي و«بيبي» نتنياهو بالذات!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store